إمكانيّة لقاء الله تعالى

بيان واضح وسلِس على ضوء الآيات والروايات

475
مشاهدة المتن

المؤلّفالهیئة العلمیة لموقع مدرسة الوحي

القسم الاخلاق والحکمة والعرفان


التوضيح

هل بمقدور الإنسان الوصول إلى لقاء الله تعالى؟ ما هي الآيات الدالّة على لقاء الله تعالى؟ كيف يُمكننا الردّ على المنكرين لرؤية الله ولقائه؟ بأيّ معنى فُسّرت الرؤية في الروايات؟ ما هي الروايات التي جاء فيها لفظ الزيارة والتجلّي؟ كيف يُمكننا الاستناد إلى المناجاة الشعبانيّة لإثبات إمكانيّة لقاء الله تعالى؟
هي تساؤلات سعت هذه المقالة إلى الإجابة عنها بنحو مختصر وواضح.

/۱۰
بي دي اف بي دي اف الجوال الوورد

إمكانيّة لقاء الله تعالى - بيان واضح وسلِس على ضوء الآيات والروايات

1
  •  

  • هو العليم 

  •  

  • إمكانيّة لقاء الله تعالى 

  • بيان واضح وسلِس على ضوء الآيات والروايات

  •  

  • إعداد: الفريق العلمي في موقع مدرسة الوحي

  •  

  • بحث منتخب من محاضرات 

  • سماحة العلاّمة آية الله السيّد محمّد الحسين الحسينيّ الطهرانيّ 

  • قدّس الله نفسه الزكيّة

  •  

  •  

إمكانيّة لقاء الله تعالى - بيان واضح وسلِس على ضوء الآيات والروايات

2
  •  

  •  

  • بسم اللَه الرّحمن الرّحيم

  • الحمدُ لِله ربّ العالَمين

  • والسّلام على خيرِ خَلقه محمّدٍ وأهلِ بيته أجمَعين

  • ولعنةُ اللَه على أعدائهم إلى يوم الدّين

  •  

  •  

  • الإنسان قادر على سلوك طريق الوصول إلى الله تعالى ولقائه

  • الله موجودٌ غير متناهٍ ذاتًا وصفةً وفعلاً، والله العليّ الأعلى قدْ أودعَ في قلب الإنسان قوّةً غير متناهيةٍ أيضًا، وبإمكانها أنْ تدرك على نحو الإجمال تجلّياته الأسمائيّة والصفاتيّة، وحيثُ أنّ استعداد قلب الإنسان وقابليّة سرّه كبيرة وواسعة إلى حدّ يمكنه أنْ يبلغَ مرحلة الفناء، صار بإمكانه أنْ يصلَ إلى مقام الفناء في الذات الإلهيّة؛ ولن يتحقّق ذلك ما دام الإنسان موجودًا، ولا يمكنه أن يعرف الله ما دام إنسانًا!! لأنّ ذات الله غير قابلة للإدراك .. ولكن بما أنّ ذات الإنسان هي التي تقبل الفناء ويمكنها أن تفنى، بحيث لا يكون في حال الفناء إلا الله فحسب، فحينئذٍ يكون الله هو الذي يعرف نفسه ويرى نفسه، وهذه هي مرحلة الذات. وأمّا في مرحلة الأسماء والصفات فإنّ الأمر مختلف، إذْ يمكن لأيّ شخصٍ أنْ يبلغَ هاتين المرحلتين إثرَ التزكية والتهذيب وتصفية الباطن.

  • فالآيات القرآنيّة وأخبار الأئمّة عليهم السلام فيما يتعلّق بهذه المسألة كثيرة وتفوق الإحصاء، حيثَ أفادتْ ذلك بعناوين مختلفة وطرق كثيرة، وكشفتْ لنا عن إمكانيّة هذا الطريق، وأثبتتْ أنّ بإمكان الإنسان أنْ يجتاز هذا الطريق ويبلغَ نهايته ومقصوده.

  • وأمّا أولئك الذين يقولون: لا يمكن للإنسان أنْ يعرفَ الله أو يدركه .. بدعوى أنّ الله منزّه .. فأنّى للإنسان أنْ يبلغَ حرمَ ربّه؟! وأنه ينبغي أن لا نطلق على الله أنّه موجودٌ لأنّه منزّه عن هذه الأوصاف .. فأين الله من الممكن؟! طريق الوصول إلى الله مسدود .. والطرق مغلقة أمام الوصول إلى الله - وقدْ بينّا بعضَ مبانيهم وأحوالهم في المجلس السابق ليلة البارحة، وذكرنا أنّهم أصحاب مسلك التنزيه الصرف - فقدْ أبطلَ الأئمّة عليهم السلام هذه المدرسة وقالوا: إنّ نتيجة هذا التنزيه هو التعطيل؛ يعني: إنّ الله منعزل بشكل تام، ولا ربط له بالعالم، وأنّ الارتباط بالله منقطع بالكليّة، وكلّ هذه العبادات التي يقوم بها الإنسان إنّما هي عبثٌ ولعب .. وإلّا فليس هناك ارتباط أو اتصال ولا جذبة ولا تكلّم وما شابه ذلك .. فلا يوجد شي‌ء من ذلك بين العبد وربّه .. وتلك المحبّة والعشق والحرقة وما شابه ذلك ممّا كان لدى الأئمّة عليهم السلام، أو ما كان لدى الأنبياء، كلّ ذلك عبادات كانوا يأتون بها لمجرّد التمرين والتدريب، كي يُفهموا الناس ويعلّموهم .. وإلّا فهم ليسوا كذلك ... وهذه المدرسة باطلة، والقول بالتعطيل يؤدّي إلى انسداد الطريق بين الله وعباده.

إمكانيّة لقاء الله تعالى - بيان واضح وسلِس على ضوء الآيات والروايات

3
  • مضافًا إلى أنّ ذلك يوجد اليأس عند جميع الناس، لأنّ للإنسان روح، وروحه واسعة جدًّا، وما لم تصل إلى الله فإنها لن تهدأ، وكلّ ما يعوّضون ب عليه لا يوجب له الهدوء والاستقرار .. وإذا قالوا للإنسان من أولّ الأمر: أنتَ لا يمكنك الوصول إلى هذا الهدف!! فسوف يكون الموت والحياة بالنسبة إليه على حدّ سواء .. ولماذا يبقى الإنسان حيًّا حينئذٍ؟ وإلى أيّ حدٍّ يمضي الإنسان أيّامه ويقضيها بالأكل‌ والنوم والاجترار كالحيوانات وإطفاء الشهوة ليلاً ونهارا؟! وأيّة قيمة لتكرار المكرّرات بالنسبة للإنسان؟ بل هو ممّا يتعبُ الإنسان!

  • ما يُحيي الإنسان هو العشق والوصول إلى هذا المبدأ؛ بحيث تصبحُ جميع الأمور المزعجة والمنغصة مريحة للإنسان، بل حتّى لو خال له أنّه لن يصلَ إلى هذا الهدف، أو قيل له لا يمكنك بلوغ هذه المرحلة .. سوف لا يكون لذلك أيُّ تأثيرٍ عليه، لأنّه سيظلّ مرتبطًا ب من قلبه، ويظلّ قلب الإنسان يقول: بلى .. يمكن الوصول. لذلك نرى أنّ الإنسان لا يموت حينما يقال له: إنّك لن تبلغ هذه المرحلة، لأنّ قلبه متعلّق ب ومتوقّع للوصول ومؤمّل له، وإلّا فلو كانَ مصدّقًا من كلّ قلبه بأنّه لن يبلغ هذه المرحلة، سوف يموت من حينه، وسيكون موته راحته وعرسه، إذْ ليس هناك معنىً للحياة بالنسبة للإنسان.

  • وعليه، فالإنسان يصلُ .. وشعوره بإمكانيّة الوصول كامن في قلبه- ولوجدان الإنسان طلبٌ ومبتغى- فهو يسير ويتحرّك نحو هذا المبدأ؛ والله هو الذي خلق هذا الطلب وهذه الغاية الكامنة في فطرة كلّ إنسان، وهي من القوانين الإلهيّة وسننه، وهي إحدى الغرائز التي أودعها الله العليّ الأعلى في الإنسان، وهي تدلّ وتكشفُ عن وجود شي‌ءٍ وحقيقة وراءها، فلو لم يكن هناك شي‌ء، ولم تكن هناك تلك الغريزة .. ولم يكن هناك هذا الشعور الفطريّ، ولم توجد هذه الخصوصيّة ... لأمكننا أن نمنع من إمكانية الوصول إلى الله، ولكنْ بما أنّها موجودة واقعًا لدى الإنسان، فإنّ الوصول إلى الله أمرٌ ممكن.

  • الآيات الدالّة على لقاء الله تعالى

  • هناك آيات عديدة في القرآن تصرّح بإمكانيّة لقاء الله:

إمكانيّة لقاء الله تعالى - بيان واضح وسلِس على ضوء الآيات والروايات

4
  • ﴿قُلْ إِنَّما أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحى‌ إِلَيَّ أَنَّما إِلهُكُمْ إِلهٌ واحِدٌ فَمَنْ كانَ يَرْجُوا لِقاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صالِحًا ولا يُشْرِكْ بِعِبادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا﴾۱

  • فالذين يريدون لقاء الله، عليهم أن يعملوا الأعمال الصالحة، ويأتوا بذلك بنيّة مخلصة.

  • ﴿قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمالاً ، الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا ، أُولئِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآياتِ رَبِّهِمْ ولِقائِهِ﴾.‌٢

  • «أيّها النّبي! قل للناس: هل أنبّئكم وأدلّكم على أعجز الأفراد وأذلّهم الذين هم صفر اليدين؟! هم الذين كانوا يعملون أعمالاً كبيرة في عالم الدنيا، إلّا أنّهم كانوا يتخيّلون أنّها أعمال حسنة، هؤلاء الأفراد لم يكونوا يؤمنون بلقاء الله ويوم القيامة، فهم أخسر من جميع الناس».

  • يعني: أكثر العقول خواء في الدنيا هو عقلُ من يدّعي: أنّ الوصول إلى الله مستحيل!

  • ﴿مَنْ كانَ يَرْجُوا لِقاءَ اللَّهِ فَإِنَّ أَجَلَ اللَّهِ لَآتٍ‌﴾٣؛ «أي الأشخاص الذين يرجون ويأملون بلقاء الله، فليعلموا أنّهم سوف يصلون، وذلك في الزمان الذي عيّنه الله لبلوغ رجائهم ومناهم».

  • وهناك الكثير من الآيات الواردة في القرآن فيما يتعلّق بهذا المطلب.

  • وأمّا الفريق المخالف، فإنّهم يقولون: عزيزي! هذه الآيات ليست دالة على لقاء الله .. فالله لا يمكن لقاؤه بوجه من الوجوه، ولا تمكن رؤيته؛ لا بواسطة العين الكائنة في الرأس، ولا بواسطة العين الذهنيّة، ولا بعين القلب، ولا بعين السّر، ليس بالإمكان رؤية شي‌ء من ذلك .. لا ذات الله، ولا صفات الله، ولا فعل الله .. لا إجمالاً، ولا تفصيلاً ... فالطريق مسدود.

  • وجواب هؤلاء: أنّه ألمْ يردْ في القرآن شي‌ءٌ من الآيات يدلّ على لقاء الله؟! ماذا يعني لقاء الله؟! يعني: الرؤية. فأنا حينما آتي للقائك .. لألتقي بك .. يعني سوف أراك؛ فإذًا، لماذا بيّن الله هذه المسألة وأكّدَ عليها، وعدّ المسألة من الأمور المهمّة؟! وجعلَ أولئك الذين لا يرجون لقاء الله هم الأخسرين أعمالا .. وعبّر عنهم: بالأعجز .. الأردأ .. الأخسر؟! وأنّبَهُ أن لِمَ اقترفت هذا العمل؟!

  • ما هو المراد من لقاء الله؟

  • أولئك يقولون: إنّ المراد من لقاء الله هو لقاء نِعم الله وجنّته؛ التفاح .. الإجاص .. حور العين .. الشجر .. هذه الأشياء التي تعطى للإنسان في الجنّة ..

    1. سورة الكهف ( ۱۸) الآي ۱۱۰.
    2. سورة الكهف ( ۱۸) الآية ۱۰٣ إلى ۱۰٥.
    3. سورة العنكبوت ( ٢٩) مقطع من الآية ٥.

إمكانيّة لقاء الله تعالى - بيان واضح وسلِس على ضوء الآيات والروايات

5
  • هل حقًا هذا هو لقاء الله؟! وهل كانَ الله عاجزًا عن استعمال هذه الألفاظ وبيانها في كتابه فاستعمل كلمة لقاء الله؟!

  • وعلاوةً على هذه الآيات المحرّكة للإنسان نحوَ لقاء الله .. فما معنى أنْ يعطى الإنسان يوم القيامة إجاصتين!! أو يعطى تفاحتين يضعهما بيده؟!

  • هل هذا هو معنى لقاء الله؟! أليس من الحيفِ والإجحاف أنْ ينزلَ الإنسانُ لقاء الله إلى هذا الحدّ؟! فيعبّرون عن لقاء الله بـ" تفّاحتين أو إجاصتين"؟!۱

  • الروايات والأدعية الدالة على لقاء الله تعالى

  • ومن جملة العبارات الواردة الدالة على لقاء الله، لفظ" نَظَر" الوارد في الكثير من الأدعية:

  • «ولا تحرمني النظر إلى وجهك».٢

  • فكيف تفسّرون ذلك؟! النّظر هو الرؤية والمعاينة لوجه الله. إذًا، لله وجه. نعم، وجه الله ليس كوجه الإنسان، وإنّما جميعُ عالم الوجود هو وجه الله، وهو يحاكي ذاتَ الله، فلا تحرمنا من النظر إلى وجهك.

  • إذًا، بإمكان الإنسان أنْ ينظرَ إلى وجه الله، وإلّا لما كانَ هناك معنى للطلب من الله: أنْ لا تحرمنا من النظر إلى وجهك!

  • كذلك:

  • «وأنرْ أبصار قلوبنا بضياء نظرها إليك».٣

  • ومعناه: «إلهي! نوّر عيون قلوبنا بذاك النّور الذي من خلاله نستطيع النظر إليك».

  • على ماذا يدلّنا ذلك؟

  • يدلّنا على أنّ العين الظاهريّة للإنسان وكذلك الباصرة الفكريّة الذهنيّة لا يمكنهما أنْ يريا الله، إلّا أنّ عين القلب يمكنها مشاهدة الله، غاية الأمر لا بدّ وأنْ تصبحَ هذه العين نورانيّةً لتتهيّأَ لرؤية الله.

  • وكذلك في دعاء ليلة السبت، حيث نقله المرحوم المجلسي رضوان الله عليه في كتاب ربيع الأسابيع، ضمن الصلوات على النبيّ الأكرم صلّى الله عليه وآله وسلّم ودعائه:

  • «وارزقه النّظرَ إلى وجهكَ يومَ تحجبهُ عن المجرمين»٤.

  • يعني: «إلهي! منّ على نبيّنا بالنظر إلى وجهك حينما تسلب المجرمين إمكانيّة النظر إلى وجهك، ولا يعود بإمكان أحدٍ أنْ يراك».

  • فما هو موقفنا أمام هذه الألفاظ؟ وماذا يعني النظر إلى وجه الله؟

  • ماذا يعني هذا الدعاء: «أنر أبصار قلوبنا بضياء نظرها إليك‌»؟ فهل يمكن أنْ نحمله على التفاح ونجعل المراد من"النظر إليك" هو الإجّاص وحور العين وآثار هذه الأفعال؟!

  • الروايات التي جاء فيها عنوان الرؤية

    1. آية الله العلاّمة السيّد محمّد الحسين الحسينيّ الطهرانيّ، تفسير آية النور، المحاضرة الرابعة، ص ۱٦٢ـ ۱٦٤
    2. لمزيد من الاطّلاع على هذه المسألة، راجع: معرفة الله، ج ٢، ص ٣۷ و٥۷. "المحقّق"
    3. الإقبال بالأعمال الحسنة، ج ٣، ص ٢٩٩؛ مفاتيح الجنان، فقرة من المناجاة الشعبانيّة. "المحقّق"
    4. البلد الأمين، ص ٩٥؛ مصباح المتهجد، ج ٢، ص ٤٣۰، مع اختلاف يسير. "المحقّق"

إمكانيّة لقاء الله تعالى - بيان واضح وسلِس على ضوء الآيات والروايات

6
  • فقد وردَ في بعض الروايات عنوان الرؤية، ووردتْ كلمة الرؤية عن أمير المؤمنين عليه السلام عندما سأله "ذِعْلَبٌ اليماني": يا أمير المؤمنين! هل رأيت ربَّك؟!

  • فأجاب حضرة أمير المؤمنين:

  • «ويلك يا ذِعلب! ما كنت أعبد ربًّا لم أره!»

  • قال: يا أمير المؤمنين! كيف رأيته؟

  • قال: «ويلك يا ذِعلب! لم تره العيون بمشاهدة الأبصار ولكن رأته القلوب بحقائق الإيمان»۱.

  • «أي: لا تستطيعُ العيونُ إدراكَ الله بواسطة هذه المشاهدة وهذه العين، ولكن القلب هو الذي يمكنه أنْ يدرك حقيقة الإيمان».

  • كذلك قوله تعالى: ﴿فَمَنْ كانَ يَرْجُوا لِقاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صالِحًا ولا يُشْرِكْ بِعِبادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا﴾٢.

  • هذه الآية توضّح كيف أنّ على كلّ شخصٍ يبتغي رؤية الله، أنْ يحقّق أمرين: أنْ يكون عمله صالحًا، وأنْ يكون هذا العمل الصالح ناشئًا عن الإخلاص، أي خالصًا لله.

  • يعني: يا ذعلب! لا تيأس أنتْ!! بلْ تعال إلى هذا الطريق الذي سلكته أنا .. وإن شاء الله تتشرّف بلقاء الله، فهو طريق مفتوح أمام كلّ من يريد.

  • تفسير لحديث «ما رأيتُ شيئًا إلّا ورأيتُ الله قبله وبعده ومعه»

  • وقد نقلَ روايات عديدة عن أمير المؤمنين وعن الإمام الصادق عليهما السلام: «ما رأيتُ شيئًا إلّا ورأيتُ الله قبله وبعده ومعه».

  • أمّا في كتاب" أسرار الصلاة" فقد وردَ ـ حسبَ الظاهر ـ عن أمير المؤمنين عليه السلام: «ما نظرتُ إلى شي‌ء إلّا ورأيتُ الله قبله وبعده ومعه»٣.

  • ولأجل توضيح هذا المطلب؛ تأمّلوا في جميع الموجودات، فهي نور الله، وظهور الله، ومتّكئة على الله، وقائمة بالله، فالذي يمتلك بصيرة باطنيّة، حينما ينظر إلى هذا الموجود، لا يراه أصلاً! وإنّما يرى الله أوّلاً، ثمّ يرى أنّ ذلك الشي‌ء متّكئًا على الله وقائمًا به.

  • دلى كه از معرفت نور صفا ديد***ز هر چيزى كه ديد أوّل خدا ديد٤و٥
  • أي يراه قائمًا بالله، وهذا هو معنى: «ما رأيتُ شيئًا إلّا ورأيتُ الله قبله».

  • فتارة، يُنظرُ إلى هذه الأشياء أوّلاً، ثمّ بعد ذلك تُلحظُ أنّها قائمة بالله، أي بواسطة العين القلبيّة يكون هذا الشي‌ء الموجود قائمًا بالله؛ ويرى أنّ الله هو المفيض، وهو معنى هذه الفقرة: «ما رأيتُ شيئًا إلّا ورأيتُ الله بعده».

    1. الكافي، ج ۱، ص ۱٣۸. "المحقّق"
    2. سورة الكهف، ذيل الآية ۱۱۰.
    3. أسرار الصلاة، ص ٦٥. "المحقّق"
    4.  *** گلشن راز (روضة الأسرار) للشبستريّ.
    5. المعنى: القلب الذي تنوّر وصفا بمعرفة الله، فإنّه إلى أيّ شي‌ء يرى وينظر فهو يرى الله. وذلك إشارة إلى ما قال أمير المؤمنين: «ما رأيت شيئا إلا ورأيت الله قبله ومعه وبعده».

إمكانيّة لقاء الله تعالى - بيان واضح وسلِس على ضوء الآيات والروايات

7
  • ومرّة أخرى، يُنظرُ إلى الله بواسطة العين القلبيّة، ويرى جميع الموجودات مع الله، وذاتَ معيّة مع الله؛ وذلك على وزان ما صرّحتْ ب الآية القرآنية ﴿وهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ ما كُنْتُمْ واللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ﴾۱.

  • يعني: في أيّ مكان تكونون فيه فإنّ الله معكم؛ وهو معنى هذه الفقرة: «ما رأيتُ شيئًا إلّا ورأيتُ الله معه».

  • وثالثةً، يُنظرُ إلى دائرةِ الموجودات أولاً، ثمّ بعدَ ذلك يُلحظُ النور الإلهيّ وتلحظُ القدرة، ويلحظُ ذاك الوجود المطلق البسيط بما هو سارٍ في جميع الموجودات، وهذا معنى:" ما رأيتُ شيئًا إلّا ورأيتُ الله فيه"، وذلك حسبَ اختلاف الحالات التي تنكشف لأرباب أهل التوحيد.

  • ولكن هذه الرواية المنقولة عن حضرة الإمام الصادق أو أمير المؤمنين عليهما السلام بالنسبة للموجودات تدلّ على أنّهم كانوا يرون كلّ هذه الأنحاء بنفس النظرة الأولى، فبنظرة واحدة كانَ يرى الله أولاً، ويرى جميع الموجودات قائمة بالله، وبلحاظ المآل والرجوع إلى المبدأ فإنّه يراها جميعًا ترجع إلى الله؛ ﴿إِنَّا لِلَّهِ وإِنَّا إِلَيْهِ راجِعُونَ‌﴾٢ فهذا الموجود جاء من عند الله، فإذًا الله موجودٌ قبله، ورجوعه ومآله إلى الله، فالله موجود بعده، والله معه.

  • فالمعيّة متحقّقة، والقبليّة متحقّقة، والبعديّة والقرب متحقّقان، وهذا المقام رفيع جدًّا وذلك بأنْ تحصل جميع هذه الجهات لشخصٍ بنظرةٍ واحدة.

  • حسنًا! ماذا تفعلون بهذه الرواية؟! قوله: «ما رأيتُ شيئًا إلّا ورأيتُ الله» ماذا يعني؟ هل تعني: ما رأيتُ شيئًا إلّا ورأيتُ حور العين والتفاح والسفرجل قبله وبعده ومعه؟!

  • هكذا يجب أن نقدّر على تفسيركم!! هل تقبلون بذلك؟! هل هذا هو مختاركم؟! نحن لا نفسّره بهذا، ولا ينفعنا هذا التفسير .. بل هو ينفع من يطلبُ التفاح والسفرجل .. مبروك عليهم .. ينزّلون مقام الله إلى ما يساوي التفاحة والإجاصة؟!

  • ميان عاشق ومعشوق رمزيست‌***چه داند آنكه اشتر مي چراند؟٣
  • خَلَقَ الله للحروب رجالاً ورجالا لقصعة وثريد ... هكذا بيّنوا المطلب!

  • على كلّ تقدير، المرحوم المجلسيّ رضوان الله عليه في كتاب "ربيع الأسابيع" وهو من كتبه النفيسة، ضمن الأدعية الواردة في يوم الجمعة، ينقل دعاءً عن حضرة فاطمة الزهراء سلام الله عليها، حيثُ يتضمّن هذه الجملة:

    1. سورة الحديد، قسم من الآية ٤.
    2. سورة البقرة، ذيل الآية ۱٥٦.
    3. المعنى: سرٌّ بين العاشق والمعشوق لا يعرفه الجمّال الراعي للجمال.

إمكانيّة لقاء الله تعالى - بيان واضح وسلِس على ضوء الآيات والروايات

8
  • «واجْعلنا ممّنْ كأنّه يراكَ إلى يوم القيامة الذي فيه يلقاك»۱؛ يعني: «إلهي! اجعلنا من الأشخاص الذين يرونك تمامًا كما يرونك يوم القيامة .. حيث أنّهم يوم القيامة سوف يرونك قطعًا .. فاجعلنا من الآن ـ وليس فقط يوم القيامة ـ نراك مثلما يرونك يوم لقائك».

  • ما هو معنى هذه الرؤية؟ ما معنى لفظ الرؤية هذا؟!

  • الروايات التي جاء فيها لفظ الزيارة والتجلّي

  • قد وردَ في بعض الأخبار لفظ "زيارة"، إلهي! اجعلنا من زائريك .. ومادة زارَ يزورُ .. ماذا تعني؟ تعني اللقاء والرؤية.

  • وفي حديث مرويّ عن أمير المؤمنين عليه السلام: «قد قامتِ الصلاة» يعني: قربَ موعد زيارة الله، فالصلاة هي الزمان الذي يذهب فيه لزيارة ربّه، و «قد قامتِ الصلاة» تعني: الإعلان عن قرب موعد الزيارة وزمان لقاء الله، وزمان الرؤية.

  • كذلك لفظ "التجلّي" قد ورد في الكثير من الأخبار؛ التجلّي يعني: ظهرَ، فأنتَ تتجلّى أمامي، أي تظهر لي، وهو مقابل الخفاء، والشي‌ء الذي يختفي، هو الذي أصبح مخفيًّا، والشي‌ء الذي يتجلّى وينجلي، يعني: يصبحُ ظاهرًا، فالتجلّي يعني الظاهر، وتجلّي الله يعني ظهور الله، وتجلّيات الله تعني ظهورات الله.

  • وفي دعاء السمات؛ والذي هو من الأدعية المهمّة جدًّا، والمؤمنون لا يهملون هذا الدعاء ولا يتركونه، وفيه الأسماء الحسنى ومنها الاسم الأعظم، وهو دعاء" شمعون" الذي كان قرب حضرة موسى، ثم بإضافة وتكملة من الأئمّة عليهم السلام نُقلَ إلينا هذا الدعاء تحت اسم دعاء "السمات"، والمرحوم المجلسي في كتاب "ربيع الأسبوع" له أبحاث مفصّلة تدور حول خصوصيّاته وفوائده ومطالبه التي يحتويها ..

  • ألسنا نقرأ في هذا الدعاء:

  • «وبمجدك الذي تجليت به لموسى كليمك عليه السلام في طور سيناء، ولإبراهيم عليه السلام خليلك من قبل في مسجد الخيف، ولإسحاق صفيِّك عليه السلام في بئر سَبْع‌» ولا تقرؤوها "في بئر شيَع" فهو خطأ، «وليعقوب نبيّك عليه السلام في بيتِ إِيل، وبمجدك الذي ظهر لموسى بن عمران عليه السلام على قبّة الزّمان‌» بمجدك أنت يا رب، نقسمُ بك، بذاك المجد الذي تجلّيتَ به، وظهرتَ به على حضرة موسى كليمك تحتَ تلك القبّة الجامعة والمحيطة، «وبنور وجهك الذي تجلّيتَ ب للجبل فجعلته دكًّا وخرّ موسى صعقًا» أقسم بك! بنور وجهكَ الذي ظهرتَ ب على حضرة موسى؛ حيثُ أنّ الجبل لم يستطعْ أنْ يتحمّله فتفتّتَ وتناثر ذرةًّ ذرّة، وصار في غياهب العدم، فصاحَ موسى وسقط مغشيًا عليه.

    1.  بحار الأنوار، ج ۸۷، ص ٣٣٩؛ صحيفة الزهراء عليها السّلام، ص ۱٥٤. "المحقّق"

إمكانيّة لقاء الله تعالى - بيان واضح وسلِس على ضوء الآيات والروايات

9
  • إلى أنْ يصلَ إلى قوله: «وبِطلعتِكَ في ساعير وظهوركَ في جبلِ فارانَ‌»۱ "طلعتك" تعني: إبراز ذاتك وإظهارها، أي أظهرتَ نفسك في جبل ساعير للنبيّ الأكرم، وجبل فاران هو جبلٌ قرب مكّة، وهو المحلّ الذي كانَ النبيّ يناجي فيه.

  • فماذا نفعل بكلّ ذلك؟ وكيف نتعامل مع هذه الآيات؟ وكيف نقابل هذه الروايات؟ كيف نفسّرها؟ فهي ليست روايات نادرة أو قليلة .. كما وليست بضعيفة السند .. فهي أدعية كان الأئمّة يقرؤونها، والعظماء من العلماء، مثل: الشيخ الطوسي، والشيخ الكفعمي، والسيّد ابن طاووس ... وقدْ دوّنها كبار أهل الحديث في كتبهم، وأثبتوها وضبطوها، وأسانيدها صحيحة وسالمة إلى أعلى الحدود، وقد أمضاها الجميع، فهل يمكننا مع إمضاء جميع علماء الأمّة وتأييدهم لهذه الأحاديث، أنْ نتخلّى عن هذه الأحاديث؟!

  • شرح فقرات من المناجاة الشعبانيّة

  • كذلك في المناجاة الشعبانية، حيث تشتمل على لفظ "الوصول" بشكل مباشر؛ إلهنا! نريد أنْ نصلَ إليك ..

  • «إلهي هبْ لي كمال الانقطاع إليك وأنِرْ أبصار قلوبنا بضياء نظرها إليك، حتّى تخرقَ أبصارُ القلوب حُجُبَ النور فتصلَ إلى معدن العظمة وتصير أرواحنا معلّقة بعزّ قدسك»٢؛ أي إلهنا! نريد أنْ نتّصل بك مباشرة.

  • تقول الآية القرآنية: ﴿وتَبَتَّلْ إِلَيْهِ تَبْتِيلاً﴾٣؛ أي اجعلْ عملك متّصلاً بالله مباشرة وتوجّه إليه؛ وضع نفسك في هذا المسير.

  • اللهم أنِر أبصارنا٤ كي نقدرَ على النظر إليك، إلى أيّ حدّ؟ إلى الحدّ الذي تنوّر ب أبصار قلوبنا، بحيث يكون النور شديدًا جدًا بحيث تتمزّق كلّ الحجب الواقعة بيننا وبينك والتي هي مثل السدّ القائم بيننا.

  • هلْ لاحظتم الآليات والسيارات حينما تعبر في الظلام الدامس في الصحراء؟ فضوء بعض هذه الآليّات قويّ بحيث يضي‌ءُ مسافةً طويلةً إلى الأمام، وعند البعض الآخر أنواع من الضوء قويّة جدًّا توجب الصرَعَ .. ماذا تسمونه؟ پروجكتور! .. فحينما يشغّل هذا الضوء فإنّه يضي‌ء ذلك الجانب من الجبل .. يضي‌ء إلى مسافة فرسخين، أو فرسخ ونصف، فبواسطة هذا الضوء يمكن أنْ نضي‌ء قعر البحار ونزيل كلّ العتمة والظلمات؛ فنحنُ نريد أن نعطي واحدًا من هذه المصابيح لقلبنا، لا لنرى أمام أقدامنا فقط، بل لنرى كلّ الاتجاهات؛ هنا وهناك .. نحن نريد من ذلك الضوء!

    1. مصباح المتهجّد، ج ۱، ص ٤۱٩؛ البلد الأمين، ص ٩۰، دعاء السمات. "المحقّق"
    2. الإقبال بالأعمال الحسنة، ج ٣، ص ٢٩٩. "المحقّق"
    3. سورة المزّمل، ذيل الآية ۸.
    4. هذه الفقرة تفسير للدعاء السابق (إلهي هب لي كمال الانقطاع ..) وقد آثرنا إبقاء التقديم والتأخير على ما هو عليه في كلام المرحوم العلامة رضوان الله عليه "المترجم".

إمكانيّة لقاء الله تعالى - بيان واضح وسلِس على ضوء الآيات والروايات

10
  • «حتّى تخرقَ أبصار القلوب حجبَ النور»؛ أي تمزّق عين القلب جميع الحجب؛ ثم ماذا؟ «فتصل إلى معدن العظمة». حينئذٍ، قلوبنا تصل إلى معدن العظمة، فمعدن العظمة أين يكون؟ وهل قلوبنا تصل إليه وتبلغه؟ «وتصير أرواحنا معلّقةً بعزّ قدسك»؛ وتتعلّق أرواحنا بمقام عزّ قدسك، حيث لا يوجد هناك إلّا أنتَ، فيصل قلبنا إلى هناك.

  • «إلهي وألحقني بنور عزّك الأبهج فأكون لك عارفًا وعن سواك منحرفًا ومنك خائفًا مراقبًا»؛ إلهي! ألحقنا، أي أوصلنا، لأيّ شي‌ء نصل؟ «بنور عزّك الأبهج» إلى نور عزّ ذاتك المضيئ والمنير إلى حدٍّ يفوق نوره كلّ الأشياء، والأكثر تلألؤًا .. فنسألك أن تبلغ بنا ذاك المحل. 

  • لا بدّ وأنْ نلتفت إلى أنّه لمن هذا الدعاء؟! هذا دعاء أمير المؤمنين والأئمّة عليهم السلام هم الذين يقرؤونه غالبًا، وهو جزءٌ من المناجاة الشعبانية في شهر شعبان، وهو ذو مضامين رفيعة جدًّا، وجميع الأعلام من العلماء مواظبون على قراءة هذه المناجاة في شهر شعبان، فهل يمكننا أنْ نتعامل معها كمجرّد ألفاظ نجريها على لساننا؟! من باب لقلقة اللسان؟! أمْ أنّها ليست كذلك .. وإنّما هي تحكي عن طلبٍ واقعي نسعى نحوه؟!

  • «ألحقني بنور عزّك الأبهجَ»؛ ماذا يعني؟ هل يعني: ألحقني بحور العين .. وألحقني بالتّفاح .. والسفرجل .. والبطيخ .. والرگّي .. والرمان .. والعنب .. وأمثال ذلك؟

  • وما معنى‌ «فتصل إلى معدن العظمة»؟ هل له معنى حقيقيّ آخر أيضًا ...؟

  • لا عزيزي .. كن مطمئنّا! وليطمئنّ الجميع! ليس لذلك معنى آخر أبدًا ..

  • فمناجاة أمير المؤمنين وحضرة السجّاد، وتلك السجدات والبكاء والعبادات .. ليست أراجيزًا .. وليست هي بالتصنّع .. بحيث يقومون بهذه الأعمال ليدرّبوا الناس .. بل إنّ ذلك هو حالهم الواقعيّ الصادق .. فحال الإمام حال المناجاة .. وحاله يقتضي الطلب ويعيشه بكلّ وجوده .. حاله حال الالتماس والرجاء ۱.

    1.  آية الله العلاّمة السيّد محمّد الحسين الحسينيّ الطهرانيّ، تفسير آية النور، المحاضرة الرابعة، ص ۱٦٤ ـ ۱۷۱.