المؤلّفالهیئة العلمیة لموقع مدرسة الوحي
القسم الاخلاق والحکمة والعرفان
التوضيح
كيف يُمكننا استنباط مسألة انحصار الصفات الحسنة والكماليّة بالله تعالى من الآيات القرآنيّة الكريمة؟ بأيّ نحو ترجع كلّ أنواع الحمد والثناء إلى الله تعالى؟ لماذا ينظر بعض الأفراد إلى الموجودات بنحو مستقلّ؟ هل يوجد في عالم الوجودِ وجودٌ واحدٌ فقط مستقلّ بالذات؟
هي تساؤلات سعت هذه المقالة إلى الإجابة عنها بنحو مختصر وواضح.
هو العليم
طريقان بديعان ودقيقان لإثبات إمكانيّة لقاء الله
الطريق الأوّل
بحث منتخب من محاضرات
سماحة العلاّمة آية الله السيّد محمّد الحسين الحسينيّ الطهرانيّ
قدّس الله نفسه الزكيّة
بسم اللَه الرّحمن الرّحيم
الحمدُ لِله ربّ العالَمين
والسّلام على خيرِ خَلقه محمّدٍ وأهلِ بيته أجمَعين
ولعنةُ اللَه على أعدائهم إلى يوم الدّين
كنّا قد أتينا على ذكر مطالب من القرآن الكريم والروايات، تدلُّ على أنّ الإنسان يستطيعُ أنْ يتشرّف بالوصول إلى لقاء الله تعالى، وأنّ ذلك هو أعلى درجات مقام الإنسان، وأنّ خلقَ الإنسان أيضًا لم يكن إلّا لأجل معرفة الله تعالى، وأنّ المعرفة الحقيقية ليست سوى اللقاء والوصول. وقد برهنّا على ذلك في الأسبوع الماضي۱ بطرق متعددة وذلك بالاستفادة من القرآن والأخبار، وفي هذه الليلة أيضا نودّ أنْ نثبتَ إمكانيّة وصول الإنسان إلى شرف لقاء الله والتشرف برؤيته، ولكن بطريقين آخرين، وهذان الطريقان ممّا عثرتُ عليه بنفسي ولمْ أجد أحدًا من المفسرين حاول أنْ يثبت لقاء الله من خلالهما.
والآن التفتوا جيدًا!
انحصار الصفات الحسنة والكماليّة بالله تعالى وتفسير مطلع آية الكرسيّ
الطريق الأوّل: الآيات القرآنية التي تحصرُ الصفات الحسنى والكماليّة بالله تعالى، أي تقول مثلاً: في عالم الوجود، العلم والقدرة والحياة والسمع والبصر والحكمة والخبرة هي كلها فقط لله تعالى منحصرة به. والآن لنرَ، كيفَ يمكن أن نقرّر المطلب ونبيّنه؟
هناك في القرآن الكريم آية تقول: ﴿اللَّهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُ الْقَيُّومُ﴾٢.
فـ ﴿اللَّهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ﴾ تعني أنه لا يوجد أيّ إله غير هذا الإله، وتحصر الألوهيّة والعبودية في الله تعالى، أي إنّها تقول: المعبود هو الله فقط، في حال أنّنّا نرى الناس في الدنيا يعبدون آلهة مختلفة: بعضهم يعبد البقر، وبعضهم النجوم، وبعضهم الأصنام، وبعضهم يعبد أباه، والآخر يعبد أهواءه .. فهؤلاء الأفراد الذين يعبدون آلهة من دون الله هم كثيرون جدًا.
إذنْ، لماذا يقول الله: ﴿اللَّهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ﴾؟
قال بعض المفسرين: ليس المقصود من لَا إِلَهَ أنّه لا يوجد أيّ إله يُعبدُ غيرُ الله، وإنّما المقصود أنّه لا يوجد إله ومعبود بالحق غير الله، فسائر المعبودات إنّما هي معبوداتٌ بالباطل. إذنْ، المقصود هو لا معبودَ بالحق غير الله.
ولكن إذا قيل لهؤلاء المفسرين: لا وجود لقيد "بالحق" في الآية بل هي مطلقة لَا إِلَهَ فماذا يجيبون؟!
في الواقع الآية تقول: ﴿لَا إِلَهَ﴾ فعلى ماذا يدل ذلك؟
هو يعني أنّ كلّ هذه المعبودات التي اتخذتموها لأنفسكم وجعلتموها في مقابل الله "غير الله" هي كلها ليست في حقيقتها سوى تجلّ لله تعالى، فنفس الصنم والأب والأم والنجم والشمس والقمر الذين اتخذتموهم آلهةً في مقابل الله، حقيقتهم أنّهم تجلّ لله تعالى، إذن لا وجود لمعبود غير الله.
كلّ من توجّه إلى معبودٍ من المعبودات فإنّما يتوجّه في الحقيقة إلى الله ويبحث عنه، وكل معبودٍ يُعبدُ ففي الحقيقة إنّ الله هو ذلك المعبود، غاية الأمر أنّ عينَ العابد كانت في هذه الدنيا عمياء، وقد قيّدتْ الله في مرآة محدودة، وهنا يكمن ذنبه وشركه، فقد قيّدَ اللهَ في الشمس والقمر وأمثالهما، ولو ارتفع هذا التقييد وظهرتْ الحقيقة فسيتضّح أنّ حقيقة نفس هذه الشمس وهذا القمر ليست شيئًا سوى الله. ولذلك يوم القيامة حيث يرتفع الحجاب وتتبين الحقائق جليّة، فإنّ الكثير من المشركين يقولون: إلهنا، ﴿لَمْ نَكُنْ نَدْعُوا مِنْ قَبْلُ شَيْئًا﴾۱.
نعم، تدلّ آيات القرآن على هذا المعنى، أي القرآن يقول: إنّهم كانوا في الدنيا من المشركين الذين عبدوا غيرَ الله، غيرَ أنّهم في الآخرة يقولون ويعترفون بأنّهم لم يكونوا يعبدون غير الله. هناك حيث كشفَ الغطاء، يفهمون أنّ حقيقةَ ما كانوا يعبدونه ليست سوى الله.
إذنْ، معنى ﴿اللَّهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ﴾ أنّ كلّ عابدٍ مهما يعبدُ، فإنّه يعبدُ الله، والذنب الأوحد إنّما ينشأ بسبب تقييد الله وتحديده بحدٍّ معيّن. فلماذا يقيّد الإنسان الله سبحانه؟! ارفع هذا التقييد، فإنّ حقيقة جميع الأشياء وحقيقة الحقائق هي ذات الله المقدسة.
﴿اللَّهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ﴾، كلمة ﴿الْحَيُّ﴾ ليست صفة للضمير هُوَ، وإنّما هي خبر ثانٍ للمبتدأ لفظ الجلالة اللّهُ، أي: الله الحيّ، وكذلك ﴿الْقَيُّومُ﴾ خبر ثالث: الله القيوم.
ما معنى: الله الحيّ؟
إنّها تعني أنّ الله تعالى هو الحيّ فقط.
التفتوا جيّدًا! نحن عندما ندرس كتاب "المطوّل"، لكي يفيدنا هنا في هذا المقام ...
عندما نقول: "هو البطل المحامي"، ففي المثال الذي ندرسه هناك ـ في المطوّل ـ فإنّ الألف واللام في "البطل" للجنس أيّ إنّه هو الشجاع فقط، جنس الشجاعة منحصرٌ فيه، كأنه لا وجود لغيره في عالم الشجاعة.
كذلك قولنا: «الله الحيّ»، فإنّ الألف واللام لكلمة "الحيّ" للجنس أيضًا، يعني الله حيّ وفقط، جنس الحياة منحصر بذات الله، وجنس الحيّ هو الله.
القيّوم يعني جنس القيّوم الذي تقوم به كلّ الموجودات هو الله تعالى.
في نفس الوقت، نحن نرى في هذه الدنيا أنواعًا كثيرة من الحياة والأحياء: فالدجاج حيّ، الحمام حيّ، العصافير، الذباب، البعوض، الأسماك البحريّة، الإنسان، الملائكة، الجنّ .. فما معنى هذه الأنواع من الحياة؟ وما معنى هذه الأحياء؟ والحال أنّ الله يقول ـ كما تقدم ـ أنّ الحياة منحصرة فيه؟!
معنى ذلك أيّها الأخوة: إنّ ما لديهم من الحياة ليست حياتهم، بل هي حياة الله، هناك موجود واحد في العالم حيّ وهو الله، وهذه الحياة عند غيره استعارة ومجاز. أنت المجنون تقول: لزيد إنّه حي، تقول لعمر حيّ! في الحقيقة عمرٌ ميّت، زيدٌ ميّت، ليس هناك من حيّ مع حياة الله، وهذه الحياة الموجودة عندهم هيَ حياة الله.
إذنْ، وجوده قد استوعبَ كلّ الموجودات، فهي ببركة وجوده تحيى وتتحرّك. وهذه الحياة هي حياته، افتح عينكَ لترى أنّ وجودَ الله وحياته قد شملَ كلّ الموجودات، وأن لا حياة لموجود معه، بل هي حياة مستعارة.
إذن، الله حيّ وكل موجود تراه وتنظر إليه على أنّه حيّ فإنّك في الواقع تشاهد أنّ الله هو الحيّ، لأنّ الله هو الحيّ ولا حياة لغيره.
وماذا تُبيّنُ لنا الآية أيضًا؟ ﴿القيّوم﴾: القيّوم هو الذي يقوم به كلّ موجود، وهذا الموجود القيّوم هو الله.
مثلاً: هذه المروحة التي تدور في السقف هي قائمة في السقف، وهذا السقف قائم بالجدران، وهذا الشخص الذي يجلس هنا ويتكئ على الجدار هو قائم به، وهذا الطفل الذي يتّكئ على ركبة هذا الشخص هو قائم به، بالنتيجة كلّ شخص قائم في شيء ما.
ونحن من خلال قيامنا بأنفسنا إنّما نقوم بالحق، لأنّ القيوم على جميع الموجودات هو الحقّ. إذن، هذه الموجودات ليست مستقلة ولا قائمة على أقدام أنفسها. ذلك القيّوم الذي يرتبط به كلّ هذا القيام هو الله. إذن، لا يوجد في العالم أكثر من قيّوم واحد. وكلّ ما تصورناه قيّومًا يجب أن نرمي به بعيدًا، ذلك القيّوم هو الله.
افتح عينك لترَ أنّ جميع الموجودات قائمة به؛ تمامًا كما قال النبي يوسف لصاحبيّ السجن: ﴿أَ أَرْبابٌ مُتَفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمِ اللَّهُ الْواحِدُ الْقَهَّارُ﴾۱.
أي: أرباب من البشر متفرقون ومشتّتون ومختلفو الآراء تعتمدون عليهم وتلجؤون إليهم طالبين منهم ما تريدون خيرٌ أم الله الواحد القهار؟! الذي بواسطة قهره وسيطرة جلاله اندكّت الموجودات كلّها في عظمته وجلاله، فهو إله واحد فقط ذو الجلال والإكرام، أولئك خيرٌ أم هذا؟ إذن لا قيوم في العالم إلا الله، ولا حيّ إلا الله.
رجوع كلّ أنواع الحمد والثناء إلى الله تعالى وتفسير عبارة الحمد لله
من جهة أخرى، لدينا في أبواب الأذكار: «الحمد لله»، وفي القرآن المجيد في كثير من المواضع ﴿الْحَمْدُ لِلَّهِ﴾٢، إلّا أنّه في موضع واحد ورد: ﴿لِلَّهِ الْحَمْد﴾٣؛ هنا أيضا الألف واللام للجنس، وهو حملٌ إخباريّ معرّف بالألف واللام على المبتدأ، أو أنّه مبتدأ معرفٌ بألف ولام ممّا يفيد الحصر. «الحمد لله» يعني أنّ جنس الحمد منحصر بالله تعالى.
الحمد يعني المدح والثناء والتمجيد. فالإنسان يقوم بالكثير من المدح والثناء للموجودات، نحن مشغولون ليلاً نهارًا بالمدح والثناء والتمجيد، حيث نقول: يا لهذا الهواء الربيعي! يا له من نسيم منعش! ما أجمل هذه الشمس! ما أروع هذا العلم الذي تبتهج له القلوب! ما أروع ذلك القمر المشعّ في الليل! ما أجمل شجرة السرو هذه! ويا لهذا الماء الزلال! يجلسُ الإنسان قرب الجدول ويرمي بنظره إلى تلك المناظر الخلابة من الجبال فيأخذ بتمجيدها ... جمال الإنسان وكماله، طول الحسناء، طول شجرة السرو، العين الواسعة كعين الغزال، الكمال العلمي: فلان يمتلك ذلك الفنّ، يا له من إنسان جيد، يا له من كامل!!! في النهاية كلّ ذلك تمجيد نحن نقوم به.
يضع الإنسان أمامه دجاجة ويأخذ بالتأمّل فيها: كيف هو منقارها؟ وكيف معدتها؟ وكبدها ورجلها؟ كيف تصيح؟ وكيف هم فراخها؟ هذا كلّه حمد، كلّ هذا الحمد الذي نقوم به هو لله تعالى.
تضعون أمامكم باقة من الورد، تقولون: ما هذا الورد؟! كم هو جميل؟! ما أجمل رائحته؟! كم تبدو خلّابة هذه الورود المزركشة بين الأغصان الخضراء؟! كم يضفي على الرائي من النضارة؟! يا له من شيء جميل؟! هذه التمجيدات هي لله تعالى.
لا تقل: ما أجمل الورد! وإنّما قل: ما أجمل الله! كذلك لا تقل: ما أجمل الإنسان! بل قل: ما أجمل الله! فهذا التمجيد له .. يا له من جبل! يا له من ماء! يا له من جمال خلّاب! يا له من عِلْم منوّر للقلب! يا له من قمر منير! جميع هذه المحاسن منحصرة بالله تعالى، والله هو الجميل فقط. فإذن، قوله تعالى: ﴿قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ﴾۱؛ يعني: أنْ لا موجود يليق بالحمد غيره، فالذي يستحقّ الحمد بالذات هو الله، وفي النهاية هو الذي أعطى هذه الموجودات رونقها، وأمّا العميُ فإنّهم يرون أنّ هذا الرونق من نفس الموجودات لذلك يمدحونها. هذه العين يجب أنْ تبدّل لترى الرونقَ من صاحب الجمال الذي هو الله، فتمجّده وتحمده، وهكذا يكون ﴿الْحَمْدُ لِلَّهِ﴾ و ﴿فَلِلَّهِ الْحَمْدُ﴾.
نظرة الأفراد الفاقدين للرؤية إلى التوحيديّة إلى الموجودات
وأمّا الأفراد فإنّهم فاقدون للمعرفة والبصيرة، لا يدركون هذا المعنى، يرون الموجودات مستقلة، وإنّما يتوجّهون بالحمد إليها مباشرة، لذا يقول الله: ﴿قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْقِلُونَ﴾٢؛ أي: قل إنّ جميع مراتب الحمد مختصّة بالله ولكنّ أكثر الناس لا يفهمون ذلك.
إنّهم يتخيلون أنّ زيدًا هو الذي شفا أطفالهم، وأنّ البنّاء هو الذي بنى هذا المبنى، وأنّ الماء هو الذي أحيى أكبادهم الحرّى وأرواها، فهم يتخيّلون ذلك ولا يأتون على ألسنتهم بذكر لله تعالى.
أَكْثَرُهُمْ لا يَعْقِلُونَ أكثرهم لا يرون نور الوجود في جميع الموجودات، لا يرون الله نورًا، لا يرون الله ظاهرًا، لا يرون ظهور الموجودات به، فهم لا يَعْقِلُونَ، أَكْثَرُهُمْ لا يَعْقِلُونَ أمّا أولئك الذين وصلوا إلى مقام المعرفة فإنهم يرون كلّ شيء من الله.
من جملة الآيات القرآنية هذه الآية: ﴿دَعْواهُمْ فِيها سُبْحانَكَ اللَّهُمَّ وتَحِيَّتُهُمْ فِيها سَلامٌ وآخِرُ دَعْواهُمْ أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ﴾٣؛ فهؤلاء الذين يدخلون الجنة، فالحجب مرتفعة، وعيون الباطن مبصرة تدركُ الحقائقَ هناك فيسبّحون الله. وقولهم: دَعْواهُمْ فِيها سُبْحانَكَ اللَّهُمَ؛ اللهمّ أنت منزّه، أنتَ مقدّس من كلّ صفات القبح والنقص ومن كلّ الأشياء التي هي أدنى من مقام سبوحيّتك وقدّوسيّتك، أنتَ أعلى وأجلّ من كلّ ذلك، والتحية التي يحيّونَ بعضَهم بها هي السلام الذي يصلهم من الله تعالى.
﴿وَآخِرُ دَعْواهُمْ﴾. ما هو آخر قولهم؟ ﴿أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ﴾؛ أي تمام مراتب الحمد مختصّة بالله تعالى. أي إنّ الظهورات التي كانتْ في عالم الدنيا وتلك التي كانت في عالم البرزخ وفي عالم القيامة من حورِ العين والعسل والرضوان الإلهي .. جميع الخصوصيات .. وأرواح الأنبياء وأرواح الملائكة ... كلّ هذه الظهورات هي ظهورات الله .. الحور العين ظهور الله، الملائكة ظهور الله، الأنبياء ظهور الله، ولا شيء غير الله، وكلّ هذه المحامد منحصرة به. وآخِرُ دَعْواهُمْ يعني: آخر دعوى أهل الجنة أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ. فالتفتوا وانتبهوا! لا تنسوا هذا واحتفظوا به!
إذنْ، الحمد أيضًا من مختصات الله. عندما تمدح الوردة فأنت تمدح الله، إذن افتح عينك لترَ الله، فإنّه لا وجود للوردة أصلاً، ولا شيء يستحق الحمد غير الله، إذن أنت عندما تمدح الوردة إنّما ترى الله وتمدحه، فلماذا تنكرُ الله في نفس الوقت الذي تراه فيه وتمدحه؟!
الآيات التي تحصر العلم والقدرة بالله تعالى
ومن جملة الآيات أيضًا قوله تعالى: ﴿وهُوَ الْعَلِيمُ الْقَدِيرُ﴾۱: الذي يحصر العلم والقدرة به تعالى، ومنها قوله: ﴿وهُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ﴾٢: الذي يحصر العلم والحكمة به تعالى، ومنها قوله: ﴿وهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ﴾٣، و ﴿وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ﴾٤: الذي يحصر السمع والبصر بذاته، ومنها قوله: ﴿وهُوَ الْفَتَّاحُ الْعَلِيمُ﴾٥: أي إنه تعالى هو الذي يحلّ العقد والمعضلات وهو العليم.
فكلّ هذه الآذان، وكلّ هذه الأعين، وكلّ هذه القدرات، وكل هذه العلوم التي وجدت عند البشر، وجميع هؤلاء العلماء الذين جاؤوا إلى الدنيا ومضَوا تاركين ذخائرًا من العلوم، فهذه العلوم موضوعة كلّها في صندوق صغير مغلق، وهي مختصة بالله، ولا يمكن لموجود أنْ يدّعي ويقول: أنا السميع، أنا البصير .. فالسميع والبصير هو الله، ألا تؤدّي هذه الآيات معنى الحصر؟!
ويُعتبر ذلك من مختصات الشريعة الإسلامية المقدسة، ومن مختصات القرآن الكريم، وهو ما لا نراه في أيٍّ من مذاهبِ فلاسفة الدنيا ومدارسهم، ولا في أيّ كتاب من الكتب السماوية، فلا نجد في سائر الملل أثرًا لذلك حتى الإلهية، فهل يقولون: الحمد لله؟؟ كلا! فهم يقولون: حمدًا لله .. أو الله مستحقّ للحمد .. الله سميع كذلك ... إلّا أنّ كلّ ذلك غير قولنا: إنّ جميع مراتب السمع وجميع مراتب الحمد لها اختصاص بالله. فهذا الذكرُ من مختصات النبيّ الأكرم الذي فتح نافذته أمام وجه الأمّة، وليس هناك أيّة أمّة ولا مذهب يمتلك مثل هذا النوع من الذكر، وكم هو عال ورفيع!
هذا هو لقاء الله في النتيجة، يعني أيّها العزيز! افتح عينك على عالم الوجود، فكلّ من تسمعه وكلّ من تراه .. وكلّ من له علم .. وكلّ من له قدرة .. وكلّ من له حياة .. وكلّ موجود أنت تمجّدُه وتمدحه .. وكلّ موجود أنت تعبدُه .. كلّ هذا حقيقته هي الله.
لا تحوّل نظرك إلى هذه المظاهر وتلك التجلّيات، ولكن ارمِ ببصرك إلى الذات المتجلية التي تختص بالحياة!! فالحياة له في النهاية!
إذنْ، هذه الآيات صريحة الدلالة على أنّه في عالم الوجودِ وجودٌ واحدٌ فقط مستقل بالذات، وهو الله، وجميعُ الصفات والأسماء التي تملأ العالم، سواء الأسماء الكلية أم الجزئية، هي أسماؤه، ولا شيء خارجٌ عن نطاق قدرته وعلمه وحياته وحكمته وكبريائه.
هذا أحد طرق الاستدلال. التفتوا إليه جيدًا! وأعمِلوا فيه دقّتكم! فتلك الآيات مهمّة للغاية.۱