المؤلّفالهیئة العلمیة لموقع مدرسة الوحي
القسم القرآن والحديث والدعاء
التوضيح
كيف يمكن أن نفهم حقيقة إشراف الإمام عليه السلام علينا بمثال سهل وواضح؟ ولماذا سمّي الإمام إمامًا؟ وهل يمكن الوصول معه إلى مقامه؟ وإن كان ذلك ممكنًا فبماذا سيختلف المأموم عن الإمام حينها؟
وبأسلوب واضح خال من الاصطلاحات والقواعد العلميّة تجيب هذه المقالة عن تلك الأسئلة القيّمة.
هو العليم
لماذا يبتلي الله أنبياءه وأولياءه بأنواع الشدائد؟
ما معنى (قل اللهمّ مالك الملك)
بحث منتخب من محاضرات
آية الله الحاج السيّد محمّد محسن الحسينيّ الطهراني
قدّس الله سرّه
إعداد: الفريق العلمي في موقع مدرسة الوحي
أعوذ بالله من الشّيطان الرّجيم
بسم الله الرّحمن الرّحيم
الحمد لله ربّ العالمين
وصلّى الله على سيّدنا ونبيّنا وحبيب قلوبنا وطبيب نُفوسنا
أبيالقاسم محمّد و على آله الطّيّبين الطّاهرين
واللعنة على أعدائهم أجمعين إلى يوم الدين
معنى آية (قل اللهمّ مالك الملك) وكيف تنعكس على حياة أتباع الحقّ؟
﴿قلِ اللَّهُمَّ مالِكَ الْمُلْكِ﴾ هي آية قرآنيّة، قل: الله وحده مالك السلطنة ﴿تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشاءُ وَ تَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشاءُ وَ تُعِزُّ مَنْ تَشاءُ وَ تُذِلُّ مَنْ تَشاءُ﴾ إلهي أنت تعطي السلطنة لكلّ من تريد وتأخذها ممّن تريد، أنت تقوم بذلك.
أتدرون ماذا يريد الله أن يقول هنا؟
يريد أن يقول: حتّى في مواضع الحقّ، لا تتصوّروا أنّه بما أنّكم تتّبعون الحقّ فلا بدّ أن تكون الأمور موافقة لما تريدون. كلاّ.
أمير المؤمنين عليه السلام ومعركة صفّين
هل تعرفون أحدًا في الدنيا أحقّ من أمير المؤمنين عليه السلام؟! من هو؟! أخبروني به! فالإنسان يجنّ في هذا الوجود أصلاً، لقد كنت ليلة أمس أفكّر في قضيّة عن أمير المؤمنين فبقيت متحيّرًا، أصلاً لم يستطع الفكر أن يتقدّم، في مسألة عاديّة. فأمير المؤمنين مسائله الصغيرة والكبيرة كلّها معجزة. فكلّ خطوة يخطوها وكلّ عمل يقوم به، وكلّ شيء ينجزه في مسألة عاديّة متداولة ومألوفة، وطبعًا ليس هناك مجال الآن... فهل لديكم في عالم الوجود هذا [من هو خير] من أمير المؤمنين؟ والمراد من أمير المؤمنين الأئمّة الآخرون، أي فقط هؤلاء المعصومين الأربعة عشر، وأمّا غيرهم فلا حديث عنهم فهم من المعفوّ عنهم، فصغيرنا وكبيرنا لا حديث عنّا، ففي عالم الوجود ليس هناك إلا هؤلاء المعصومين الأربعة عشر، وبتبع عناياتهم فإنّ الأولياء الذين وصلوا إلى مرتبة الولاية حسابهم منفصل، ولا نريد أن نقلّل من شأنهم جسارة عليهم. المراد هو نوع البشر العام، الناس المدّعون، الولاية الادّعائيّة أيّها السادة! الادعائيّة، الولاية الخداعيّة، فهذا كلّه مجاز.
فهذا أمير المؤمنين عليه السلام بعظمته يجمع الناس ويقول لهم فلنمض إلى قتال معاوية واقتلاع جرثومة الفساد. «سَأجهَدُ أنْ اطَهّر الأرضَ مِنْ هذَا الجِسمِ المَنكوس والرّجُلِ المَعْكوس»۱ سأعمِل كلّ همّتي وجهدي ـ يقول أمير المؤمنين ـ لكي أطهّر الأرض من هذا الإنسان المعكوس، فمعاوية في النهاية معكوس، فكلّ صفة أخلاقيّة وقيمة وكلّ ملكة تستحقّ التقدير يمكن أن تتصوّرونها فإنّ عكسها في معاوية، من كلّ جهة.
والآن أمير المؤمنين بهذه النيّة وبهذا الاهتمام وبهذه الخطب وبهذه الترغيبات وبهذه الترهيبات... إنّه أمير المؤمنين في النهاية ومن أعلى من أمير المؤمنين؟! وبالطبع كان هناك بضعة يعرفونه والباقون كانوا كالأنعام. كان هناك مالك الأشتر، وكان هناك حجر بن عدي، وبضعة أفراد كميثم وعدّة خواصّ آخرون يبلغ عددهم العشرة إلى العشرين كانوا يعرفون أمير المؤمنين، هذا أمير المؤمنين، أنتم تسيرون مع أمير المؤمنين فتتقدّمون وتتقدّمون وتسيرون حتّى تصلوا إلى معركة صفّين وتقاتلون، تطول هذه المعركة ثمانية عشر شهرًا، ثمّ تنتهي بخسارة أمير المؤمنين فيرجعون. ما معنى ذلك؟ هنا يريد الله أن يقول هذا الأمر: ولو كنت تسير خلف أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب وتتبّعه فهذا ليس سببًا لكي يتحقّق ما تريد، فليست المسألة مسألة انتصار، وليست المسألة مسألة تغلّب، بل يجب أن تكون أنت خلف عليّ سواء انتصر أم انهزم، هذا هو المهمّ.
الإمام الحسين عليه السلام وواقعة كربلاء
وهؤلاء الذين ساروا مع الإمام الحسين عليه السلام إلى كربلاء أتدرون لماذا رجعوا في تلك الليلة؟ لأنّ فكرهم الذي في أذهانهم لم يصحّح. كانوا يقولون هذا سيّد الشهداء وابن رسول الله وقد رأينا منه اليد البيضاء وما شابه ذلك، ففي النهاية كان الإمام... إنّه إمام في النهاية. فنسيطر ونضربهم جميعًا ونبعثرهم في الهواء كالجراد، ونمضي إلى الكوفة. ثمّ نهجم على الشام ونسيطر عليها، ونتقدّم من هناك... جاؤوا فرأوا أنّ الإمام الحسين يخبر عن شهادته يوم غد، سيأخذون الرجال يقطّعونهم إربًا إربًا، الرؤوس في جانب والأيدي في جانب، ثمّ يجعلونها تحت الخيول ويسحقونها، ما هذا؟ ماذا حصل؟ لقد كنّا نظنّ أن ابن رسول الله سيشقّ القمر، وسيردّ الشمس كأبيه الذي ردّها مرّتين وينفخ ويضرب وينتصر. رأينا الأمر مختلفًا، فالكلام ليس كلام حلوى وأرزّ بالزعفران، الكلام عن الضرب والموت والسحق وقطع الرؤوس... لا يا سيّدنا نحن لسنا حاضرين. ولكي يكونوا مطمئنّين قال الإمام أيضًا: أطفئوا السراج حتّى لا يحسّ أحد وينطلقوا. ثمّ التفت إلى الباقين وقال: هذا هو التوحيد ـ وطبعًا أنا أقول هذا لا أنّه كلام الإمام ـ الآن هذا هو التوحيد. فمن كان من أهله فيا الله! بسم الله! أنا إمام لكم أنتم العشرة أو العشرون، أولئك ذهبوا يا سيّد! أنا إمام، أنا سيّد الشهداء إمام لكم أنتم الذين مثل زهير الذي يقول: لو صنعوا بي كذا وكذا ألف مرّة وأمثال هذا الكلام. لمسلم بن عوسجة، لهاني بن عروة، لمسلم بن عقيل، لهؤلاء، أنا إمام عليكم. وحيث إنّنا نحن من أتباع حضرته ونلطم الصدور ونقيم المجالس فهل نحن مثل هؤلاء؟ لو جاء الإمام الحسين إلى هنا وتكرّرت تلك الحادثة واختبرنا ـ وفي كلّ يوم اختبار، وفي كلّ يوم تحقيق، ولو أعملنا عقولنا فإنّ في كلّ دقيقة كربلاء ـ فإن تركنا خسرنا، إن تأمّلنا طرفة عين خسرنا. كان المرحوم العلامة يقول: على السالك يا عزيزي أن يكون مترقّبًا مستعدًّا، مستجمعًا حواسّه أن لا يغفل دقيقة أو لحظة واحدة، لحظة واحدة يخسر، نعم لو تدارك فهذا أمر آخر. ففي لحظة واحدة يمكن أن تحصل أمور والإنسان غافل. هذه هي المسألة. هل عندكم من هو أعلى من الإمام الحسين؟ من هو الأعلى من سيّد الشهداء؟ یقول الإمام الحسين: أنا آتي وكلّ ما قدّره فهو أعلم بصلاحه، لقد أتيت، أتيت إلى مكّة ولن أبايع يزيد، إنّه على باطل، نحن سنأتي مكّة. تَتَبَّعوا الإمام، وحفظًا لحرمة مكّة ولحفظ الكعبة... فالإمام الحسين كان قادرًا أن يقتل فيها ويقول: ما دام من الضروريّ أن أقتل فلأقتل في الكعبة حتّى يفتضح يزيد أكثر، من باب صبّ النقمة عليه، فما دام هذا الخبيث قد بعث يريد اغتيالي [فليكن الأمر في الكعبة]. ولكنّ الإمام لا يفعل ذلك. لأنّ الإمام ليس لديه انتقام، فالإمام ليس له نفس مثلي ومثلك. الإمام يقول: إن كانوا يريدون أن يقتلوني فلأخرج من مكّة، وليبق احترام الكعبة محفوظًا. هل التفتّم ماذا أريد أن أقول؟ ذلك هو الإمام. لا يفكّر الإمام في أن يخرّب على يزيد، الإمام يفكّر في حفظ الكعبة من لوث الاتّهام. لا يفكّر الإمام أن يفتضح بنو أميّة، بل يفكّر أن يبقى هذا الحرم الإلهيّ مقدّسًا في الأعين وفي الأفكار، وأن لا تذهب هيبته. ذلك الحرم الآمن الذي سمّاه الله تعالى حرم أمن للناس وجعله حرمًا آمنًا ينبغي أن لا يسقط عن الأمن بواسطة الإمام.
أفهمتم الآن لماذا نقول ليس هناك إلا هؤلاء المعصومين الأربعة عشر؟ ولماذا لا بدّ من اتّباعهم وحدهم؟ فالأئمة المعصومون لا نفس لهم، المعصومون الأربعة عشر ليس في أذهانهم أصلاً هذه المعادلات والمسائل التي عندي وعندك، الأئمّة ليسوا أصلاً في هذا الوادي، فنحن في أيّ شيء نفكّر وهم في أيّ شيء يفكّرون؟ الآن يقوم الإمام الحسين ويقول: لقد دعونا فنلبّي ونعمل على أساس التكليف فنأتي إلى الكوفة. يأتي هؤلاء الكوفيّون إليه أن: عليك بالرجوع!
ـ أنتم أرسلتم إليّ الرسائل.
عجيب جدًّا! فحادثة كربلاء يمكن للإنسان أن يطبّقها في حياته، في القضايا التي تحدث، في علاقاته مع الناس، في كيفيّة حياته، في كيفيّة تعامله، أن يأتي بكلّ واحدة واحدة من كلمات هذا الإمام وخطواته ويتّبعها. الإمام يقول: لقد أريتكم فتفضّلوا. فلا تقولوا إلى هذا الحدّ: «يا ليتني كنت معكم فأفوز فوزًا عظيمًا» فالأمر لا يحتاج إلى هذا الكلام، لقد أتيت أنا فتفضّلوا هذا كلامي وهذه أفعالي وهذا مشروعي فاعمل أنت لتكون معي، اعمل. لا يحتاج أن تدّعي لكربلاء، أن نأتي وندّعي ونَبكي ونُبكي ثمّ نقوم بالأعمال الأخرى، هذا غير صحيح. لقد جاء الإمام الحسين وقال: تفضّلوا. طريقي طريق التوحيد، طريقي طريق السير والتطبيق باختيار الله ومشيئته. لقد جئنا نطبّق ما أراده وما شاءه، هو يفعل ويحقّق. فعلينا نحن أن نصحّح فكرنا. وهذه الأمور موجودة في كلّ مكان. فلا نتصوّر أنّنا وضعنا رجلنا في الطريق ونريد أن تكون الأمور كما نحبّ. هذا ما أحب أن أقوله لكم. هذه هي المسألة، لماذا لا نتحدّث نحن بصراحة؟ لماذا نخفي الحقائق؟
﴿قُلِ اللَّهُمَّ مالِكَ الْمُلْكِ﴾ لماذا؟ لأنّ المِلكيّة والمُلكيّة والسلطنة والمِلكيّة الحقيقيّة هي لك. حتّى بالنسبة لنبيّه هي اعتباريّة أيضًا، حتّى بالنسبة إلى إمامه هي اعتباريّة، من الناحية الماديّة وفي نظرنا نحن أما من لحاظ آخر سنبيّنه الآن فهي حقيقيّة بالنسبة إليهم. فحتّى بالنسبة إلى النبيّ وحتّى بالنسبة إليهم... فهم يقولون: إلهي إنّ كلّ الملك مختصّ بك، والسلطة مختصّة بك.
النبيّ صلّى الله عليه وآله ومعركتا بدر وأحد
ألم يكن النبيّ يجمع الناس في مكان ويقول: فلنذهب لقتال الكفّار، وكانوا يمضون إلى بدر، وقد جاء الملائكة وأنهوا الأمر: ﴿إِذْ تَقُولُ لِلْمُؤْمِنِينَ أَ لَنْ يَكْفِيَكُمْ أَنْ يُمِدَّكُمْ رَبُّكُمْ بِثَلاثَةِ آلافٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ مُنْزَلِينَ﴾۱ ففي بدر أيّد الله المؤمنين بالملائکة، في هذه المعركة كان الشيطان قد جاء بهيئة إنسان، الحمد لله كان قد تصرّف في الصورة البرزخيّة لهؤلاء المشركين. هذا الكبير! هذا السيّد! هذا الشيطان! هذا الذي لنا عمل دائم معه في كلّ يوم، والذي اتّحد معنا، هذا كانوا يرونه وكان يؤيّدهم تعالوا نفعل كذا ونهاجم ووو...، ثمّ فجأة رأوا هذا الرجل يهرب ويفرّ ـ وهذا موجود في رواية ـ قالوا: لماذا تفرّ؟ أنت الذي كنت تدعونا. قال: إنّي أرى ما لا ترون. في أمان الله. لقد رأى الملائکة قد وصلت، فيا للعجب، هذا ما لم أكن على علم به. لقد جاءت الملائکة جبرائیل ومیکائیل وغيرهما وكلّ واحد منهم على رأس ألف، هذا ما لا قدرة لي عليه، في أمان الله أنا ذاهب. كانوا يقولون: هذا الذي كان يدعونا قد فرّ ففرّوا هم أيضًا. فهذا ما وقع في معركة بدر. ولكن في معركة أحد: فلنذهب ولنقتل وكذا وكذا! فيأتي الحمزة ـ يقول النبيّ دعونا نواجه في المدينة ـ يا رسول الله هذا عار علينا يقولون يا فلان يدافعون من داخل مدينتهم، أفهل نحن رجال عاطلون عن العمل! علينا أن نخرج! لم يقبل الحمزة ـ حمزة سيّد الشهداء ـ كان رجلاً عظيمًا ولكن على كلّ ليس كلّ الناس كأمير المؤمنين، فخرجوا، وواقعًا كان لحمزة لقب سيّد الشهداء وإلى ما قبل واقعة كربلاء كان لقب سيّد الشهداء مختصًّا بالحمزة، فلنعلم هذا نحن أيضًا. واقعًا التضحيات التي قدّمها كانت عجيبة، ولكن في النهاية مقام أمير المؤمنين ومعرفته شيء آخر، وهذا بحث آخر، ولا بدّ أن يكون الأمر كذلك، والحاصل أنّ الحمزة لم يقبل، وجرّ خلق الله إلى خارج المدينة [قائلاً] نخرج ونقاتل، غير أنّ حمزة نفسه لا يعلم أنّ هناك وحشيًّا غلام هند سيأتي ويضربه بذلك الرمح ويصرعه على الأرض.لم يكن يعلم هذا، فيأتي ويفعل ذلك. وأولئك الذين على الجبل عندما يرون أنّ الأعداء فرّوا قليلاً يأتون، ويلتفّ خالد بن الوليد في خمسمائة مقاتل من الخلف، ويقتلهم جميعًا، كان قد بقي منهم أحد عشر رجلاً فقتلهم وأعاد الأمر لصالحهم وهزم الإسلام، وحصلت معجزة حتّى ذهبوا وظنّوا أنّه قضي الأمر.
عندما يحدث هذا مع النبيّ ترون أنّهم هزموا أي إنّ الله يريد أن يقول: الحكومة لي وحدي. وهذا النبيّ مرّة أجعله يربح ومرّة أجعله يخسر. هذا أمير المؤمنين تارة ينتصر كما في معركة الجمل ومعركة النهروان، وفي معركة صفّين فإنّي أهزم هذا الأمير وأنهي الأمر لصالح معاوية. انظروا! أين تجدون توحيدًا خيرًا من هذا؟
الحكمة من ابتلاءات النبيّ والأئمّة صلوات الله عليهم
فلو کان لا بدّ أن ـ التفتوا ماذا أريد أن أقول ـ لو كان لا بدّ أن يتحقّق كلّ ما نريد ونصل إلى المبتغى بمجرّد أن دخلنا في طريقٍ محقّ، لدخل الناس كلّهم فيه، ولما شكّ أحد في أحقيّة أمير المؤمنين. من الذي سيشكّ؟! ماذا رأى الناس من أمير المؤمنين فلم يأتوا؟ لقد رأوا! فتارة كان يتّجه هذا الاتّجاه وتارة ذاك، ولم يكن الحال أنّه دائمًا يسير في اتّجاه واحد. فهذا هو أمير المؤمنين وهذا طريقه، ولهذا كانوا يقولون: لا ما دام الأمر كذلك فلنذهب إلى أحد ليس له إلاّ مسير واحد. فلنذهب إلى أبي بكر، فلنذهب إلى عمر، لنذهب إلى معاوية، إلى الموائد الملوّنة، إلى كذا وكذا، فلنذهب إلى ذاك الاتّجاه، وإلاّ فإنّ أمير المؤمنين تارة في هذا الاتّجاه وتارة في ذاك، تارة شدّة وتارة يسر، تارة صحّة وتارة مرض، تارة كذا، هذه هي المسألة وهنا على الإنسان أن لا يضيع هذا الملاك في الشدائد التي تصيبه في الحياة، فإنّ الكون في منهجٍ حقٍّ وموضع حقّ ليس سببًا للنصر ـ النصر الظاهريّ ـ ليس سببًا للكون في اتّجاه واحد.
فلهذا نرى أنّ هذا النحو من الكلام لا وجود له في كلمات الأئمة: فلنذهب ولنضرب ولنأخذ هذا المكان وسنكون كذا. كلاّ، بل لنذهب أيّها الناس ولنؤدّ وظيفتنا، من الممكن أن نهزم ومن الممكن أن ننتصر، هنا علينا أن نصنع هذا العمل، ومن الممكن أن نهزم ومن الممكن أن ننتصر. هذا مقام العبوديّة الذي لا شيء فيه للعبد من نفسه. ففي يوم من الأيّام يرسله المولى إلى هذا الدار أن اذهب وقم بهذا العمل، وغدًا يرسله المولى إلى دار آخر، أفهل يمكن للعبد أن يقول: لماذا ترسلني في كلّ يوم إلى مكان، أرسلني كلّ يوم إلى نفس المكان؟ یقول: أنت عبد، أقول أوصل هذه الرسالة اليوم إلى هذا المكان، وغدًا أوصلها إلى مكان آخر! ما شأنك أنت بالمكان الذي نرسلك إليه؟! الیوم أعط هذا المال إلى فلان وغدًا تعال وأعط هذا المال... جاء ذاك الرجل واعترض على أمير المؤمنين: يا عليّ! ألك كلّ هذا المال لكي تعطيه لهذا الرجل وهو غير محتاج الآن؟! فقال الإمام أنا أعطي وأنت تبخل؟! أنا أقدر منك على التحديد أم أنت أقدر منّي؟ أنا من يهب فلماذا أنت تبخل؟ فأنا لم أعط من جيبك.
هذه الحكومة هي الحكومة الواقعيّة، وهذا المِلك هو الملك الواقعيّ.۱