3

عواقب الشورى مع وجود المعصوم

بحث منتخب من محاضرات سماحة آية الله السيّد محمّد محسن الحسينيّ الطهراني رضوان الله عليه

2471
مشاهدة المتن

المؤلّفالهیئة العلمیة لموقع مدرسة الوحي

القسم التاريخ و الاجتماع

العدد التسلسلي3


التوضيح

متى طرح بحث الشورى عند فقهاء الإماميّة وكيف عمل به؟ ما هي أهميّتها وضرورتها وكيف نثبت مشروعيّتها؟ وما هي شروط تطبيقها لتحقيق غرضها؟ وماذا جرى في التاريخ عند عدم الالتزام بشروطها؟ وحول أيّ الأمور يعمل بها؟
تعرّض المحاضر رضوان الله عليه لهذه الأبحاث ضمن ثلاث محاضرات من سلسلة شرح حديث عنوان البصري من 59 إلى 61، وذلك عند شرحه لفقرة أن لا يدبّر العبد لنفسه تدبيرًا مع تناوله خلالها لمواضيع أخرى، ومزجه للإجابات على تلك الأسئلة بعضها مع بعض بما يناسب أسلوب المحاضرة، وقد عملت الهيئة العلميّة في مدرسة الوحي على ترتيب المضامين المتناسبة تحت عنوان واحد ضمن أربع مقالات مع المحافظة على كلام المحاضر بحرفيته والإشارة إلى مصدره لتخرج في بنائها العام بما يشبه المقالة العلميّة وإن كان أسلوب الكلام فيها أسلوب محاضرة. وكان المحاضر أثناء المحاضرة قد أبدى رغبته بكتابتها. وتمثّل هذه المقالة الثالثة منها وتجيب على السؤال الرابع حول ما جرى في التاريخ نتيجة عدم الالتزام بضوابط الشورى والعمل بها مع وجود المعصوم.

/۱۵
بي دي اف بي دي اف الجوال الوورد

عواقب الشورى مع وجود المعصوم - بحث منتخب من محاضرات سماحة آية الله السيّد محمّد محسن الحسينيّ الطهراني رضوان الله عليه

1
  •  

  • هو العليم 

  •  

  • عواقب الشورى مع وجود المعصوم

  •  

  • مقالة حول الشورى – المقالة الثالثة

  •  

  • بحث منتخب من محاضرات 

  • آية الله الحاج السيّد محمّد محسن الحسينيّ الطهراني 

  • قدّس الله سرّه

  •  

  •  

عواقب الشورى مع وجود المعصوم - بحث منتخب من محاضرات سماحة آية الله السيّد محمّد محسن الحسينيّ الطهراني رضوان الله عليه

2
  •  

  •  

  • أعوذ بالله من الشّيطان الرّجيم 

  • بسم الله الرّحمن الرّحيم 

  • الحمد لله ربّ العالمين 

  • وصلّى الله على سيّدنا ونبيّنا وحبيب قلوبنا وطبيب نُفوسنا

  • أبي القاسم محمّد وعلى آله الطّيّبين الطّاهرين 

  • واللعنة على أعدائهم أجمعين إلى يوم الدين 

  •  

  •  

  • «ولا يدبر العبد لنفسه تدبيرًا»

  • قال إمامنا الصادق عليه السلام لعنوان البصري: «أن لا يرى العبد لنفسه فيما خوله الله ملكًا لأن العبيد لا يكون لهم ملك، يرون المال مال الله يضعونه حيث أمرهم الله به ولا يدبر العبد لنفسه تدبيرًا».

  • فيجب أن لا يدبّر العبد لنفسه وأن لا يسعى إلى تنظيم الأمور على أساس كيفيّة أفكاره والوصول إلى نواياه وآماله.

  • تقدّمت بعض الأمور حول هذه الفقرة ووصل كلامنا إلى أنّ أوامر الإسلام والشرع في التطبيق الدقيق والتدبير لجميع الأمور الشخصية والاجتماعيّة والحركات الفرديّة والاجتماعيّة هو لأجل الوصول إلى نقطة الكمال الشخصي والكمال الاجتماعي. وقد ذكرنا بعض الأمور في التوفيق بين هذه الفقرة الشريفة وما لدينا حول التدبير من معطيات عقليّة وعرفيّة وشرعيّة.

  • وحديثنا الآن هو حول كيفيّة تنظيم الأمور الاجتماعيّة في الحكومة الإسلاميّة… . وسنتحدّث على شكل فهرس وبالإجمال، وإن شاء الله إذا وفق الله لاحقًا سنكتب ذلك بشكل مفصّل۱.

  • عواقب الشورى مع وجود المعصوم في التاريخ

  • ۱ - خذلان مسلم وقتل الإمام الحسين عليه السلام

  • أيّها السادة ثلاثون ألف رجل كانوا يصلّون خلف مسلم في الكوفة ثلاثون ألف رجل كانوا يصلّون في الكوفة هل تشرّفتم بزيارة مسجد الكوفة؟! إن كنتم تشرّفتم فإن شاء الله توفّقون مرّة أخرى، وإن لم تكونوا ذهبتم، وفّقكم الله لزيارة هذه الأماكن المقدسة في أسرع وقت ممكن، فمسجد الكوفة كبير جدًّا، ثلاثون ألفًا ليست بشيء، أعتقد أنه يمكن أن يحتوي مائة ألف مصلّ! نعم أكثر من ذلك يصلي في مسجد الكوفة هذا. هنا كان أمير المؤمنين يصلّي، هنا كان مسلم يصلّي، وكان يتحدّث إلى الناس ويبيّن الأمور، وذات ليلة جاء ولم يكن أحد خلفه. هؤلاء الناس بعينهم، هؤلاء الذين يقولون: جعلت فداك، وأمثال ذلك، لقد اعتادوا أن يأخذوا ماء الوضوء للتبرّك به فيمسحوا به وجوههم، هؤلاء الذين ينظرون إلى الظاهر، ينظرون إلى الحشود وإلى الكثرة، يقولون يا للعجب! لقد انتهى الأمر، انتهى أمر يزيد. انتهى أمره! انظر إلى هذا الحشد! ثلاثون ألف رجل، ثلاثون ألف سيف، ثلاثون ألفًا من الخيل، فسنذهب ونضرب، وماذا سنفعل، سنقلب الشام رأسًا على عقب. سنقضي عليها، سنفعل كذا وكذا، ونفعل كذا وكذا. سيدي، وبشائعة، وشيء يسير من المال والدراهم والدنانير، وبإشاعة أنّ جيش يزيد الآن على ثمانية فراسخ، وغدًا سيقضون عليكم، لم يبق حتّى رجل واحد.هل التفتّم الآن إلى مستوى اعتقاد الناس؟ لم يقف معه حتّى رجل واحد. على الأقل كان يجب أن يخرج اثنان لينظرا ما إن كان هناك شيء عند الثمانية فراسخ أم لا، لا ولكن رجعوا جميعًا بسبب هذه الإشاعة إلى منازلهم وغلّقوا الأبواب. أين ماء الوضوء وأين البرَكة! إلى أين ذهب كلّ هذا؟! وهنا وكما قالوا في يومنا هذا. يلتفت الإمام الهادي عليه السلام ويقول: ما العمل عند الشك؟! يقول الإمام: استخدم عقلك، استخدم عقلك! لذا انهض وانطلق وانظر. افترض أنّك رأيت... اجلس وفكّر، لأيّ غاية تعيش أنت؟ من أجل ماذا تريد الحياة؟ لماذا تريدها؟ إمامك الآن قد أرسل مسلمًا، وإمامك الآن أرسل نائبه، في رسالة كتبها لأهل الكوفة، يقول الإمام: أرسلت إليكم أخي، وهو يعبّر عن مسلم كأخ، ثمّ بعد ذلك أنت تدير ظهرك؟! إن أدرت ظهرك لمسلم فهذا أمر بسيط، ولكن لماذا أتيت إلى قتال الإمام الحسين بعد ذلك! إنّ ترك مسلم يستتبع قتال الإمام الحسين، هناك طأطأت رأسك وقلت: إن شاء الله لا يرى الله، غادرت المسجد، وذهبت إلى البيت، فقلت: الله لا يرى! يقول الله: حسنًا سأغمض عيني عن الأمور الأخرى، وأكلك إلى نفسك! وإذا أغمض الله عينيه فالويل الويل! انظر ماذا سيحلّ بهذا العبد؟ يذهب ويأخذ برأس الإمام الحسين. لقد كان خلف مسلم ثمّ ترك الصلاة ومضى وقتل ابن النبيّ ولو استطاع لقتل النبيّ أيضًا. لقتل النبيّ. ما هذه الحالة؟! هي لأنّ الإنسان لم يستخدم الفهم. 

    1. مقطع من محاضرة شرح حديث عنوان البصري ٥٩ ص ٢. 

عواقب الشورى مع وجود المعصوم - بحث منتخب من محاضرات سماحة آية الله السيّد محمّد محسن الحسينيّ الطهراني رضوان الله عليه

3
  • ٢ - هزيمة المسلمين في معركة أحد

  • عندما يقول رسول الله شيئًا فيجب أن لا نقول لماذا ولأيّ شيء؟ {إنَّهُ لَقَوْلٌ فَصْلٌ ۱٢ وَمَا هُوَ بِالْهَزْلِ}۱في معركة أحد جمع رسول الله الناس أن ماذا تريدون أن نصنع؟ لم يأت أحد ليقول: يا رسول الله نحن كما تريد، نحن نطيع ما تأمر. أي أنّهم في الحقيقة لم يقبلوا برسول الله كإنسان أعلى درجة منهم، أعلى قليلاً، أنت مثلاً تستدعي إنسانًا ما لتصميم هذا المنزل إذا أردت أن تعدّل فيه، ما دمت واثقًا به فإنّك تستمع إلى كلّ ما يقوله. لا نريد أن نتحدّث الآن عن حقيقة رسول الله ما هي وأنّه قاب قوسين، وكل العوالم تحت تصرّفه، وله إشراف على كلّ الأمور وما عنده وما عنده، هل تعدّه أنت أعلى منك أم لا؟! أعلى بقليل منك! قال قائل منهم: نبقى هنا. قال النبيّ: هل نبقى هنا في المدينة وندافع عنها أم نخرج؟! قال بعضهم: نخرج. وفضّل رسول الله أن يبقوا في المدينة المنوّرة، فإذا جاء الكفّار وجاء المشركون، فنحن ندافع، فقام بعض الناس، بمن فيهم حمزة هذا، حمزة عمّ الرسول، فحمزة هذا رجل عظيم، إنه رجل شريف، إنه رجل مضحٍّ، لقد كرّس حياته كلّها للنبيّ، كلّ ذلك صحيح، ولكن يا سيّد حمزة، مع كامل الاعتذار، مع كامل الاعتذار، ومع كامل الأدب، ومع كامل التواضع، يجب أن نقول هذا الأمر بكلّ تواضع ونحن نأمل في شفاعتك! فالحمزة يشفع لنا! لا تعتقدوا [أنّ أمره يسير]، ولكن لكلّ شيء حسابه [وينبغي أن لا تجعلنا محبّتنا له نتغاضى عن موقفه]! فلكلّ شيء مقامه. كان ينبغي أن لا تقول لرسول الله: علينا أن نخرج. ما الذي فكّر به حمزة حينها؟ أنا بطل. يقولون: نقاتل في المدينة! هذا للعجزة، هذا عمل الجبناء، يذهبون إلى البيوت ويرشقون بالحجارة من فوق الأسطح، وأمثال ذلك، فما هذا الكلام، على المحارب أن يذهب إلى الصحراء، للمواجهة في الصحراء! ما كان يقوله كان يقول أيضًا لله، أي أنّه كان يقول إنّ على المشركين أن يأتوا ويروا. أمّا أن نقف في أزقتنا! ورجل يرمي بالحجارة من هنا، وآخر من هناك، فلا، ليروا شجاعة المسلمين! انظروا تضحية المسلمين! حسنًا، لقد كان يعرف في النهاية من هم خصومه هناك، فقد كان لديهم أيضًا أبطال، كان يرى من العار أنّ يقاتل الحمزة في الأزقة! وقد بنى المتاريس فيها! أنت على حقّ، انهض وتعال إلى الصحراء، فالقتال في الصحراء وجهًا لوجه والحرب حرب أبطال. قال هذا وقال آخرون: إنه محقّ وأيّدوه. فقالوا: نعم نحن نريد القتال. 

    1. سورة الطارق (۸٦) الآيتان ۱٣ و ۱٤.

عواقب الشورى مع وجود المعصوم - بحث منتخب من محاضرات سماحة آية الله السيّد محمّد محسن الحسينيّ الطهراني رضوان الله عليه

4
  • فقال النبيّ: انتهى الأمر، نعم، حسنًا نحن نخرج. هنا لم يواجه النبيّ بعد ذلك. وبعد أن مضت مدّة وانفضّ المجلس وخلَوا بأنفسهم، وسمعوا الأخبار عن عددهم ونوعيّتهم، رأوا أنّ الأمر مختلف، ليس لديهم قوّة توازيهم في الخارج. قالوا: آه يا له من خطأ! فعندما لا يستطيع الإنسان عليه أن يسلك طريقًا عقلانيًّا. عندما لا يستطيع الإنسان، يجب عليه اتباع طريق العقلاء. أمّا أن يعاند ورغم أنّه يعلم أنه لا يستطيع يقول: يجب أن نموت! فاذهب وألق بنفسك عن السطح لتموت، ما دمت لا تستطيع المواجهة فلماذا تقول: يجب أن نموت. ما دمت لا تستطيع القتال، فلماذا تقول: إنّ علينا الذهاب إلى الصحراء للقتال هناك! تعال إلى البيوت، وفي النهاية هؤلاء يهاجمون إنّهم قادمون. لذلك فاختر طريقًا عقلانيًّا، اتّخذ مسارًا عقلانيًا لتتنصر، وإلا فمت وارم بنفسك من أعلى السقف إلى البئر، فالموت واحد في النتيجة. نعم فهذا ليس صحيحًا. هذا مخالف لطريق العقلاء. لذلك رأوا أنهم كانوا مخطئين. يجب أن يأتوا ويحاصروهم في المدينة المنوّرة، عليهم أن يدخلوا شوارع المدينة، ويغلقوا مكانًا، ويهاجموا من مكان واحد. هذا هو المكان الذي يمكنهم فيه السيطرة عليهم. جاؤوا وقالوا للنبي: يا رسول الله أخطأنا. 

  • فقال النبيّ: القرار الذي أتّخذه لا أتراجع عنه. وهذا أمر من الله. لو أردتم كان بإمكانكم أن تؤيّدوا ما قلناه سابقًا، قال النبيّ: «ما كان لنبي إذا لبس لامته أن ينزعها حتى يلقى العدوّ»۱. وبعد ذلك خرجوا ورأيتم ما حدث للمسلمين! لقد عصت تلك الجماعة ونزلت والتفّ عليهم خالد بن الوليد بخمسمائة فارس وهاجمهم من الخلف، وقتل الأحد عشر رجلاً الذين كانوا على رأس الجبل، وماذا حدث للآخرين وللرسول! لقد كسرت الخوذة في جبين الرسول، وكسرت أسنان الرسول، وأصيب أمير المؤمنين بتسعين جرحًا، ولمَ هذا كلّه؟ لأنّهم لم يسمعوا كلام رسول الله. حسنًا أيّها السادة، فهذا يعلم ما لا تعلمون، لو خرجتم ثمّ حدثت مشكلة لجعلتموها في عهدة النبيّ والأمر سهل عليه. يا رسول الله أنت أمرتنا! وهو يقول أيضًا: ما دمت أنا أمرتكم فأنا مسؤول أمام الله. لكن الآن هل يمكنكم أن تجيبوا الله أنتم؟! أنتم الذين طلبتم الخروج هل يمكنكم أن تجيبوا الله بعد أن كان ما كان؟ طبعًا لقد غفر الله للجميع، والذين استشهدوا أيضًا نالوا درجات رفيعة. لكن لماذا لا نختار العمل الأفضل؟ لماذا لا نقوم بالأفضل؟ هذه نقطة دقيقة للغاية. إنها نقطة حسّاسة للغاية.

    1. بحار الأنوار، ج۱٦، ص ٣۸۷. 

عواقب الشورى مع وجود المعصوم - بحث منتخب من محاضرات سماحة آية الله السيّد محمّد محسن الحسينيّ الطهراني رضوان الله عليه

5
  • ٣ - اقتراح الصلاة 

  • ذات مرّة كنت في مشهد ـ والآن خطر لي أن أذكر هذه المسألة ـ كنت في مشهد وكنت أتحدّث، وأذكر أنّي كنت أتحدّث عن أحداث ظهر عاشوراء، عندما يكون الإنسان مع الإمام عليه السلام، فما معنى أن يقترح الإنسان؟! ما معنى أن تطرح أمرًا؟! فما يفعله الإمام عليه السلام هو المطلوب. فعلى سبيل المثال لو كان الإمام جالسًا يتحدّث إلى إنسان، فبمجرّد أن يحين وقت غروب الشمس، يقول: يا ابن رسول الله! حان وقت الغروب الآن؛ فلا ينبغي الكلام، ولننهض ونصلّي ولا يفوتنا فضل الصلاة أوّل الوقت، فهل هذا صحيح؟! كلاّ. يريد أن يجلس ويتكلّم، فأنت أيضًا تجلس، أتنهض والكون مع الإمام هو الأساس بالنسبة لنا. لماذا؟ لأنه هو الحقّ. نعم مع غيره... ـ لقد انقضى الوقت ولم نصل إلى ثلث ما أردنا قوله. والوعد لجلسة أخرى كالمعتاد ـ الوجود مع الإمام هو الأصل، لأنّ الإمام هو الحقّ. والحقّ الخالص لا يقبل الجدال، فإن صلّى فقم وصلّ معه. وإن لم يصلّ، فاجلس وتحدّث، فربّما لا يكون الإمام قادرًا حينها، بطنه تؤلمه، لا يستطيع، يتركها لوقت لاحق. ما المشكلة في هذا؟! ألا ينبغي أن يتألّم الإمام؟! إنّه يتألّم مثل أيّ إنسان آخر. يقول أنا الآن أنتظر بضع دقائق ثمّ أنهض وأصلّي. يا ابن رسول الله الآن وقت المغرب، الملائكة تنتظر صلاتي لترفعها. لقد أخّرتني، وأنا أريد أن أستفيض، هذه العقول المتحجّرة توجد حركة الخوارج في مقابل الحقّ. الذين يأتون ويريدون التدخّل والاقتراح وأمثال ذلك.

  • كنت أتحدّث عن هذا الموضوع، ووصلت إلى قضيّة عاشوراء وسيّد الشهداء واقتراح أبي ثمامة الصيداوي. فعندما وصلت إلى هذا الموضوع، قلت إنّ أبا ثمامة الصيداويّ اقترح الصلاة على الإمام الحسين عليه السلام ظهر عاشوراء: يا ابن رسول الله لقد حان وقت الصلاة. طبعًا أؤكّد أنّ علينا أن لا نخلط في الموضوع، فنحن لا ندري كيف كانت حال أبي ثمامة الصيداوي في ذلك الوقت؟ فأحيانًا قد تسيطر الوحدة على المجموعة الموجودة. هذه الوحدة هي وحدة ولاية الإمام عليه السلام وسيطرته على تلك الجماعة، بحيث تصبح المجموعة بأكملها بحكم الإمام؛ بحكم سيّد الشهداء. ثمّ بعد ذلك يصبح لسان أبي ثمامة الصيداويّ لسان الإمام الحسين، ويصبح لسان مسلم بن عوسجة لسان الإمام الحسين، ويصبح لسان حبيب بن مظاهر لسان الإمام الحسين، أي الوحدة هي التي تحكم ذلك. نحن لا ننظر إلى قضية أبي ثمامة الصيداوي على أنّها من هذا القبيل. بل نقول: لو كنّا على ما نحن عليه الآن، فنحن لا نبلغ إلى تلك المرحلة، ولا ندرك شيئًا منها، فمع غضّ النظر عن تلك الوحدة، يجب أن لا نقترح. الإمام الحسين يريد أن يصلّي، أو لا يريد الصلاة، لا يريد حتّى أن يصلي، فما شأننا نحن؟! قلت إنّ قضية أبي ثمامة الصيداوي مختلفة؛ فقد كانت الوحدة قد سيطرت على كلّ أهل كربلاء وكان اللسان لسانًا واحدًا. تمامًا كما لو اقترح أبو الفضل. كأنّ عليًّا الأكبر قد اقترح، فهو من هؤلاء الأصحاب، هو منهم. لا، فبعيدًا عن ذلك، فقضية كربلاء قضية لا يمكن مقارنتها بأيّ شيء. كربلاء حدث واحد في تاريخ البشريّة، لم يكن له مثيل ولن يكون له مثيل. ومن قال إنّ لها مثيلاً فهذا كلامه هو. قضيّة كربلاء قضيّة بعيدة عن كلّ أفكارنا وخيالاتنا وأوهامنا، نعم أوهامنا لماذا؟ لأنّ الإمام الحسين هو الحقّ، ولا ينبغي للإنسان أن يقترح أمام الحقّ. ماذا يريد أن يقترح؟! أفهل لدينا ما هو أعلى من الحقّ! ليس هناك أعلى من الحقّ! فماذا يريد الإنسان أن يقترح؟! ففعله حقّ، ولسانه حقّ، وقدمه حقّ وكلامه حقّ۱.

    1. مقطع من محاضرة عنوان البصري ٥٩ من ص ۱۰ إلى ص ۱٤.

عواقب الشورى مع وجود المعصوم - بحث منتخب من محاضرات سماحة آية الله السيّد محمّد محسن الحسينيّ الطهراني رضوان الله عليه

6
  • تارة تريد أن تبدي رأيك، وأن تظهر نفسك، حسنًا، فتعال وأرني ما تريد، تعال وأبرز ما تريد.

  • قال قائل: أريد أن أكون مشهورًا، ومهما صنعت لم أشتهر. قيل له: ابتدع في الدين تصبح مشهورًا. وفي اليوم التالي اخترع أمرًا من عند نفسه؛ فذاع في كلّ مكان: آه، فلان قال هذا! أصبحت مشهورًا في النهاية.

  • فتارة تريد أن تطرح نفسك، حسنًا فافعل ما تريد! وتارة تريد أن تطرح نظريّة موافقة للحقيقة ومعتدلة، فماذا لدينا أعلى من نظريّة الإمام؟!۱.

  • ٤ - أحداث مقتل عثمان وصفّين ومخالفة الناس لأمير المؤمنين فيها

  • في معركة صفّين جاء الناس إلى قتال أمير المؤمنين بسبب إعلام معاوية، والإعلام مؤثّر جدًّا، فبالإعلام يصبح القبيح حسنًا ومحبوبًا، ويصبح الحسن قبيحًا، بالإعلام يبدّل الناس مواضعهم، وإذا ما انتشرت الدعاية لرجل، فخلال يومين يتغيّر رأينا به. ولو تغيّرت في اليوم الثالث كيفيّة دعايتهم فسيتغيّر رأينا معها، فللدعاية دور هامّ جدًّا. ومعاوية بدعايته جعل أمير المؤمنين عليه السلام الذي هو أول مجاهد في سبيل الله، وأوّل ناسك في سبيل الله، وأوّل سالك في سبيل الله، وأوّل متميّز وأسوة للحقّ، جعله قاتلاً فاسقًا، قاتلاً فاسقًا أمر بقتل عثمان خليفة رسول الله، وهذا قميصه بين الناس. كان يصرخ: يجب أن يأتي علي ويسلّم قتلة عثمان! 

  • فلماذا يسلّمهم إليك؟ إن كان عليّ خليفة رسول الله، فهو يعلم ماذا يفعل بهؤلاء القتلة. 

  • وثانياً: هل أمَر عليّ بقتله؟! ألم يقل أمير المؤمنين للذين أرادوا مهاجمة منزل عثمان وقتل عثمان ألا يفعلوا هذا؟! ألم ينههم عن فعل ذلك ويخبرهم أنّ له مفاسد؟! أولم يعيّن أمير المؤمنين بنفسه من يأخذ الماء والطعام إلى دار عثمان؟! حيث لم يكونوا يسمحون له بالماء، فكان يأتى له بالماء من الخارج، ولم يكن لديه طعام، ثمّ حاصروه ولم يتركوه يخرج، هذه كلّها أحداث تاريخيّة وأحداث مسلّمة! ثمّ إنّ عثمان [طلب من معاوية المساعدة] ومعاوية نفسه عندما طلب منه عثمان المساعدة جاء بجيشه وتوقّف خارج المدينة وانتظر حتّى قتل عثمان، ثمّ رجع إلى الشام وصرخ أن هذا خليفة رسول الله مقتول، فانظروا مدى خداعه، وإلى غشّه، وقد قال عثمان بنفسه هذا لمن حوله. قال: أعلم أيها اللعين أنك كنت واقفًا خارج المدينة عندما قُتِلتُ، ثم تأتي وتطالب بدمي! إنّهم يعرفون بعضهم البعض جيّدًا! ففي النهاية هؤلاء الناس يعرفون بعضهم بعضًا جيّدًا! ثمّ إنّ أمير المؤمنين رغم المشكلات التي سبّبها له هؤلاء الخلفاء الثلاثة، نهى مهاجمي بيت عثمان عن قتله. وخلافًا لأمر أمير المؤمنين قام هؤلاء الصحابة بقتله. خلافًا لرأيه، فقد وصل الأمر إلى حدّ لم يعد يَسمع هؤلاء الصحابة حتّى لأمير المؤمنين! أي إنّ الأوضاع قد تدهورت إلى درجة أنه لم يعد من الممكن تحمّلها، ولم تعد خلافة عثمان مقبولة. لكن لو كنّا نحن هناك، فماذا كنّا سنفعل؟ دعونا نقول جميعًا بسرعة: كان علينا أن نتّبع أوامر أمير المؤمنين. لماذا؟ قلنا للتوّ أن السبب واضح. ألا يجب أن نتبع الحق؟! فما هو الحقّ؟! أفكارنا أم أمير المؤمنين؟! أيهما هو الحقّ؟! هل فكرنا وقياساتنا واستدلالاتنا ونتائجنا الفقهيّة وكيفيّة اجتهادنا هي الحقّ أم نصّ كلام أمير المؤمنين؟! وإن جاؤوا بنا يوم القيامة وقال الله تعالى: لماذا لم تقتلوا عثمان؟ لماذا لم تقتلوا عثمان؟ وأجبنا: إننا لم نفعل ذلك بأمر أمير المؤمنين، فهل سيوبّخنا الله؟ كلاّ على الإطلاق، لكن إذا قلنا: نحن بأفكارنا رأينا أنّه يجب إزالة الظلم، والنهي عن المنكر٢.

    1. مقطع من محاضرة عنوان البصري ٥٩ ص ۱٤
    2. مقطع من محاضرة عنوان البصري ٦۰ ص ٦.

عواقب الشورى مع وجود المعصوم - بحث منتخب من محاضرات سماحة آية الله السيّد محمّد محسن الحسينيّ الطهراني رضوان الله عليه

7
  • فلو كان الإمام جالسًا إلى جانبنا وقال أمرًا صريحًا... فتارة نقول لأمير المؤمنين: يا عليّ أنت تمزح أنت تمزح في قولك لا تقتلوا عثمان، أو ـ والعياذ بالله والعياذ بالله ـ من جهة تقول لجماعة هذا، ومن جهة أخرى تفعل غير ذلك في الخفاء! وهذا الكلام الذي أقوله قد كتب! هذه الأمور التي أذكرها لكم قد قيلت! من أنّ أمير المؤمنين وإن كان بحسب الظاهر يقول لا ولكنّه سرًّا يرسل جماعة ليقتلوه. 

  • نحن لا نقبل عليًّا كهذا، فعليّ كهذا لن يكون إمامًا. أمير المؤمنين ليس له إلا كلام واحد، إمّا أن يقول افعلوا وإمّا أن يقول: لا تفعلوا. ليس عنده كلامان من نوعين، من جهة ـ مثل السياسيّين وقد رأيتموهم في الجرائد رأيتموهم أو مثلاً الأعداء ـ يصافح بعضهم بعضًا ويتحدّثون ويضحكون مقهقهين، ولكن يقوم كلّ منهم في الخفاء بما يريد. وقت التصوير يتظاهرون بالضحك، فنعتقد أنّهم أصدقاء ويا لهم من أصدقاء! والحال أنّ كلاًّ منهم ظامئ إلى دم الآخر، ولا يضحكون إلا أمام آلة التصوير، هذا هو الخداع والمكر، فالسياسة الراهنة في العالم الخارجيّ كلّها على أساس المكر، تأتي دولة وتتظاهر بالعطف على دولة أخرى، ولكنّها في الواقع تقضي عليها. تتعامل مع الناس في الظاهر بأسلوب، ولكنّها في الواقع تتعامل معهم بأسلوب آخر. تواجه الناس بوجه بَاسِم ضاحك، ولكنّها في الخفاء تقضي على الشعب عن بكرة أبيه، فهذا هو التلاعب السياسي، فهل كان أمير المؤمنين متلاعبًا بالسياسة؟ نعوذ بالله كلا، أمير المؤمنين يقول: لا تقتلوا عثمان! أنا إمامكم، أنا معصوم، كلامي حقّ، «عليّ مع الحقّ والحقّ مع عليّ». لو قتلتم عثمان هذا لحدثت أمور لا علم لكم بها، أنتم ترون إلى متر واحد أمامكم، وأنا أرى إلى يوم القيامة. أنتم تعتقدون أنّكم عندما قتلتم عثمان انتهى الأمر، ولا تعلمون ما هي الحرب التي ستحدث. أنتم لا تعلمون ما سيحدث، ولا تعلمون أنّ هذا السيف سيقع عليّ في النهاية وسيبتليكم الله بمعاوية هذا الذي هو أسوأ من عثمان. أنتم لا تعرفون هذا. أنا أرى هذا. أيها الأطفال! أيّها الأولاد! يا من لا عقل لهم، يا من يريدون أن يحدّدوا القدر والمشيئة بفكرهم الناقص، فلتنظروا إليّ، لا إلى عقولكم.

عواقب الشورى مع وجود المعصوم - بحث منتخب من محاضرات سماحة آية الله السيّد محمّد محسن الحسينيّ الطهراني رضوان الله عليه

8
  • ـ لا يا علي؛ انظر إليه، لقد سرق بيت المال كله، وقد وزّع كل شيء على عشيرته، وكم ارتكب من ظلم، لقد ركل عبد الله مسعود في بيته فمات، وكم قام بأمثال ذلك من أمور! فنفى أبا ذر إلى الربذة، وتوفي أبو ذر في منفاه في الربذة هناك، وقد ارتكب كلّ هذه الفظائع والجرائم.

  • قال الإمام ـ يعني أنا أقول هذا، أنا أشرح هذا، فهذا ما يقال له توضيح ـ قال الإمام: حسنًا كم قتل عثمان من الناس؟ ركل أحدَهم عبدَ الله مسعود، وأبا ذرّ هناك، ورجلاً أو اثنين آخرين هنا، ضرب عمّارًا فأصيب بفتق، وكسرت أسنانه عندما اعترض. فلو عددنا الناس نقول: عشرة، عشرين، خمسين، مائة.كم ضاع من بيت المال؟ هذا المقدر. ولكن لو قتلتم عثمان، فسوف يموت الآلاف من الصحابة. ففي النهاية نحن نرى هذا يا سيدي العزيز، فاقتنعوا الآن بالعدد اليسير من الذين قتلهم عثمان، واكتفوا بهذا الظلم الذي ارتكبه، وإذا ما قتل، فإنّ أمامنا معركة الجمل. وإذا ما قتل فإنّ أمامنا معركة صفّين، وفي صفّين سنخسر عمار بن ياسر، سنخسر أويسًا القرنيّ في معركة صفّين. فهؤلاء أنا لا أراهم، وأمثالي لا يرونهم. أمّا أن نذهب ونضرب وينتهي الأمر. ماذا وراء ذلك ماذا؟ يختلف الأمر كثيرًا يا سيّدي، الفرق هو ما بين السماء والأرض.

  • تارة يكون هناك إمام معصوم عليه السلام إلى جانبنا، عندها الأمر واضح. كما قلنا. أمّا إذا لم يكن الإمام المعصوم، فماذا نفعل؟ هنا الأمر يستحقّ الكلام، في الجلسة السابقة قلنا إنّ المعيار هو الحقّ، المعيار هو الأعلميّة، أينما وجدت هذه الأعلميّة [فهي المعيار].

  • ٥ - الإمام الصادق عليه السلام وبنو الحسن

  • الأئمة عليهم السلام كانوا مبتلين بهذه المشكلة بعينها. فالمشكلة والمصيبة نفسها التي عانى منها أمير المؤمنين عليه السلام في حياته، عانى منها بقيّة أبنائه؛ حتى أقاربهم، فأقاربهم كانوا يضيّقون عليهم ويجعلونهم عليهم السلام في أصعب المآزق والمشكلات، فتاريخ بني الحسن تاريخ مظلم في تاريخ الشيعة فيما يتعلّق بالاضطهاد والقمع والجرأة التي كانوا يمارسونها على الأئمة عليهم السلام. 

عواقب الشورى مع وجود المعصوم - بحث منتخب من محاضرات سماحة آية الله السيّد محمّد محسن الحسينيّ الطهراني رضوان الله عليه

9
  • جاؤوا بالإمام الصادق عليه السلام ـ هؤلاء أبناء عمومته، بنو الحسن ـ إلى خارج المدينة ليأخذوا منه البيعة لابن عمّه محمّد بن عبد الله، فمن هو محمّد بن عبد الله هذا؟ لقد كان من بني عمّ الإمام الصادق، وهو من أبناء الحسن، وقد كان محمّد وإبراهيم شقيقين، وهما ابنا عبد الله. ومهما نصحهما الإمام لم يكونا يصغيان إلى نصحه، أحضروه قبل أن يصل المنصور إلى الخلافة، قبل ذلك أخرجوا الإمام من المدينة، حيث كانا قد هربا وأرادا جمع الناس حولهما؛ أخرجوه من المدينة، فقام والدهم عبد الله المحض وهو بتلك اللحية البيضاء فقال لهما: لا تدعوا جعفر بن محمّد الذي جاء الآن يرجع ببساطة، فإن بايع فبها، وإن لم يبايع فاضربوا عنقه، هل تلتفتون؟! يركب الإمام الصادق عليه السلام مطيّته وينطلق ويأتي فيقول لهم: الخلافة لا تصل إليك أنت، ولا تصل إليك، ولا تصل إليك، بل تصل الخلافة إلى صحاب القباء الأصفر هذا! لقد كان المنصور الدوانيقي جالسًا، منصور الدوانيقي، قال الإمام: «ستنتهي الخلافة إلى صاحب القباء الأصفر هذا»۱. وسمع ذلك هو أيضًا، وهو يعلم جيّدًا، فهؤلاء يعرفون الإمام الصادق. وقد قال المنصور الدوانيقي مرارًا بعد ذلك: عندما سمعت هذا من جعفر بن محمّد في ذلك اليوم، استيقنت أنّ الأمر سينتهي إليّ. فالمنصور يعرف الإمام الصادق، والإمام الصادق لا يقول كذبًا، والإمام الصادق لا يكذب، والإمام الصادق لا يخطئ، فهؤلاء يعرفون الإمام عليه السلام. ومع ذلك يأتي أبناء عمومة الإمام الصادق، حفدة الإمام الحسن المجتبى عليه السلام وهم مستعدّون للقضاء على الإمام لأجل أنّ محمّد بن عبد الله هذا هو المهديّ الموعود، هو المهديّ الموعود، يا عزيزي المهديّ الموعود والده معروف، والدته معروفة، أجداده معروفون، فلماذا تكذبون؟ لماذا تخدعون الناس؟ لماذا تقتلون الناس؟ تدّعي المهدويّة وتدعي أنّني المهدي الموعود فتقاتل خلافة بني مروان! تقتل الناس وتقتل نفسك. لماذا؟ كم هي قيمة هذه المناصب الدنيويّة؟ كم قيمتها؟! وعندما جاؤوا وبدأوا بمعارضة خلافة بني مروان في زمان المنصور الدوانيقيّ، جاء المنصور إلى المدينة، وجاء بالجيش وسيطر على المدينة قبلهم، لأنّهم كانوا يشعرون أنّهم في ضائقة، وفي سبيل تحريض الناس على جيش الخليفة الأمويّ قالوا: سنسجن الإمام الصادق لنجبره على إعلان الجهاد. فإذا أعلن الجهاد، ثار أهل المدينة، وخرج المرتبطون بذلك الإمام وأتباعه. لقد ألقوا الإمام الصادق عليه السلام في السجن، بل في اسطبل السجن. هؤلاء أنفسهم، هل تلتفتون إلى أين يصل الأمر؟ ثمّ بعد ذلك يأتي هؤلاء ويدّعون الحكومة الإسلامية. نريد إقامة حكومة إسلاميّة، نريد أن نقف في وجه بني العباس ونقيم العدالة. فهل هذه عدالة؟ هل هذه عدالة؟ هذا عمل قادتكم، هذا عمل قادتكم! أهذا هو العدل، لقد وضعتم الإمام الصادق في السجن. وكانوا قد هدّدوه أنّك إن لم تستسلم خلال يوم فسنقوم بإعدامك في هذا السجن. عندها جاء المنصور الدوانيقي وأطلق سراح الإمام الصادق من السجن. ولو تأخّر يومًا آخر لقتلوا الإمام الصادق. 

    1. القندوزي، ينابيع المودّة، ج٣، ص ٥۰: وقد ذكر أهل السير: أن عبد الله المحض بن الحسن المثنى بن الحسن السبط (رضي الله عنهم) كان شيخ بني هاشم في زمانه، جمع المحاسن الكثيرة، وهو والد محمد الملقب بالنفس الزكية، ووالد إبراهيم أيضا، فلما كان في أواخر دولة بني مروان وضعفهم، أراد بنو هاشم أن يبايعوا منهم من يقوم بالامر، فاتفقوا على محمد وإبراهيم ابني عبد الله المحض، فلما اجتمعوا لذلك أرسلوا إلى جعفر الصادق. فقال عبد الله: انه يفسد أمركم. فلما دخل جعفر الصادق سألهم عن سبب اجتماعهم فأخبروه. فقال لعبد الله: «يا ابن عمي إني لا أكتم خيرية أحد من هذه الأمة إن استشارني، فكيف لا أدل على صلاحكم». فقال عبد الله: فمد يدك لنبايعك. قال جعفر: «والله إنها ليست لي ولا لابنيك، وإنها لصاحب القباء الأصفر، والله ليلعبنّ بها صبيانهم وغلمانهم». ثمّ نهض وخرج، وكان المنصور العباسيّ يومئذ حاضرًا وعليه قباء أصفر، فكان كما قال.

عواقب الشورى مع وجود المعصوم - بحث منتخب من محاضرات سماحة آية الله السيّد محمّد محسن الحسينيّ الطهراني رضوان الله عليه

10
  • انظروا إلى أين ينتهي الأمر، وإلى أيّ مدى تتقدّم هذه الروح المتمرّدة، وما هي القيود التي لا تراها لنفسها، لماذا تقضي على الإمام؟ ليأخذ البيعة من الناس. ادع الناس، اجمع الناس لكي أصل أنا إلى السلطة، وآتي أنا، عرّض الناس للقتل لكي أصبح أنا خليفة، انظروا ترجع المسألة كلّها إلى هذه القضيّة، تعال وشجّع الناس على تثبيت موقفي. لا يستطيع الإمام الصادق أن يفعل هذا أيضًا. لماذا؟ لأنّك إنسان مثل الآخرين، فمن أجل من يجب أن أجمع الناس؟ أجمع الناس لوصول من إلى السلطة؟ أَوَأكون على استعداد لإراقة هذه الدماء لتحقيق الاستقرار في خلافة من؟ أنا الإمام الصادق لن أفعل هذا. تريد أن تقتلني فاقتلني، تريد أن تعدمني أعدمني.

  • هذه هي رؤية الإمام وتدبيره. والآن يأتي الإمام عليه السلام ويحذّر الناس: لا تثوروا. يا بني عمومتنا لا تثوروا. اجلسوا في منازلكم، واذهبوا إلى أعمالكم وتجاراتكم، و اهتمّوا بما عندكم! فمن يستمع؟ من يهتمّ بهذه القضايا؟ 

  • ٦ - الإمام الباقر عليه السلام وأخوه زيد الشهيد

  • قال الإمام الباقر عليه السلام لأخيه زيد بن علي: يا أخي، إذا أردت أن تفعل شيئًا غير ما أقول، فسيبقى عملك ناقصًا ولن تترتّب عليه فائدة في هذا المجال. زيد بن علي هو شقيق الإمام الباقر، وكان رجلاً عظيمًا، كان رجلاً عالمًا، كان رجلاً شجاعًا، كان رجلاً مقدامًا، كان ذا حميّة دينيّة، ولم يكن إنسانًا عاديًا، وبعد الإمام الباقر، فإنّ زيدًا هو الأبرز من أبناء السجّاد عليه السلام، وهذه السلالة من الحسينيّين، والذين هم سادة حسينيّون، ينتسب حوالي تسعون بالمائة منهم إلى الإمام الحسين عليه السلام عبر زيد. فهو الجدّ الأعلى لهؤلاء السادة الحسينيّين، زيد بن عليّ هذا. لأنّ الولد الوحيد المعروف لسيّد الشهداء عليه السلام من حيث النسب الظاهر والذي لا شكّ فيه، هو الإمام السجّاد عليه السلام فقط. وإن كنت قرأت في بعض كتب التواريخ ـ وقد نسيت الآن أيّ كتاب كان ـ أنّ هناك بعض الأولاد من نسل عليّ الأكبر عليه السلام في بعض مدن الهند، وأنّهم ما زالوا يعيشون هناك، لكنني نسيت مصدر هذا. وبصورة عامّة، ووفقًا للأدلّة التاريخيّة، فقد كان عليّ الأكبر بالتأكيد أكبر من الإمام السجّاد عليه السلام، ولهذا السبب كان يُدعى بعليّ الأكبر. والإمام السجّاد هو الابن الثاني لسيّد الشهداء، الابن الثاني، ولكن من حيث نسب السادة إلى سيّد الشهداء عليه السلام، يمكن القول إنّ معظمهم تقريبًا بنسبة تسعين بالمائة ينتسبون إلى الإمام السجّاد وزيد. هذه هي القضية. لقد كان رجلاً عظيمًا، كان رجلاً عالمًا جدًّا، كان رجلاً فقيهًا وشجاعًا. بالطبع لم يستطع زيد تحمّل مخالفات وانحرافات الخلافة الأموية وخلافة بني مروان ولم يستطع الصبر عليها، فحاول أن يثور. ومن جهة أخرى، فقد كان عارفًا بمكانة أخيه الإمام الباقر عليه السلام، فهو يعلم أنّ أخاه أعلم منه، وهو أكثر اطّلاعًا على الأمور. جاء إلى أخيه الباقر عليه السلام ليتحدّث حول هذه المسألة. قال الإمام: لا تفعل هذا! بالطبع الرواية مفصّلة جدًّا. فقال الإمام: لا تفعل هذا، وقدّم دليلاً. قال الإمام: لا تثر الآن! الوضع هكذا، الوضع هكذا، الوضع مختلف. إذا ثرت ستكون ثورتك غير مثمرة، أنت تريد أن تثور لتكون لثورتك نتيجة أم لا؟ أو تريد فقط أن تقوم وتهلك نفسك، فهذان أمران مختلفان.

عواقب الشورى مع وجود المعصوم - بحث منتخب من محاضرات سماحة آية الله السيّد محمّد محسن الحسينيّ الطهراني رضوان الله عليه

11
  • امتياز ثورة سيّد الشهداء بضرورتها وترتّب الآثار عليها

  • تارة يثور سيّد الشهداء وتترتّب على ثورته فائدة. وتارة يلقي الإنسان بنفسه من السطح، فلا يترتّب على موته شيء. لماذا لم يفعل الإمام الحسن هذا؟ لماذا لم يفعل الإمام السجاد ذلك على الرغم من أنّهما كانا جميعًا في زمان اضطهاد؟! ألم يكن الإمام الحسن في عصر ظلم؟! ألم يكن الإمام السجّاد في زمان ظلم؟! ألم يكن الإمام الباقر في زمان ظلم فهل فعلوا ذلك؟ هل قاموا بتحريك الناس أم لا؟ إنّ العمل الذي قام به سيّد الشهداء كانت له نتائج وآثار وكان يجب القيام به. وإلاّ فسيّد الشهداء نفسه كان في المدينة المنورة لمدّة عشر سنوات تحت حكم معاوية ولم يتّخذ أيّ إجراء، أي إنّ سيّد الشهداء تحمّل عشر سنوات من حكم معاوية الغاصب الفاسد والخائن للإسلام. لماذا؟ لأنّ سيّد الشهداء هو الإمام، فهو يعرف أين يقوم، وأين يسكت، وأين يقف، وأين يتوقّف. إنّه الإمام والحق واضح عند الإمام، الحقيقة واضحة لديه. لكنّ غير الإمام ليس هكذا حاله. هو زيد، رجل شريف، رجل عظيم، رجل عالم، لكنّه ليس إمامًا، وليس له مكانة الإمام، وليس له السعة الوجوديّة للإمام، ليس له إشراف على الحقائق مثل الإمام، ولا يمكنه أن يلتفت إلى أكثر من دائرة خاصّة وراءه. أمّا الإمام عليه السلام فهو يعلم الأحداث إلى يوم القيامة. 

  • طريقة الإمام الباقر عليه السلام في محاورة أخيه زيد

  • لكنّ الإمام الباقر لا يمكنه أن يقول له ذلك، لا يمكن للإمام أن يقول له: أنا أعلم ما سيجري إلى يوم القيامة، فيأتي له بالأدلّة، ويستدلّ ويتحدّث. أي إنّ الأئمة عليهم السلام قبل أن يطلعوا الناس على إمامتهم ويتحدّثوا من موقع المولويّة والإمامة، كانوا يتحدّثون مع الناس من وجهة نظر ظاهريّة، وكانت هذه إحدى المشكلات. فالآن نحن نلتفت إلى هذا الأمر. أي إنّ الإمام الباقر عليه السلام لم يكن لديه خيار غير هذا في الحديث مع زيد. يبدأ في الاستدلال، هل أنت مطّلع على الأمور؟! هل أنت على علم بما سيجري؟! هل تعلم أنّ هناك قضايا أخرى وراء الستار؟ فلمّا قال كلّ هذا وانتهى استدلال الإمام، قال زيد: سأفعل هذا. فماذا يقول له الإمام؟

عواقب الشورى مع وجود المعصوم - بحث منتخب من محاضرات سماحة آية الله السيّد محمّد محسن الحسينيّ الطهراني رضوان الله عليه

12
  • هنا يبيّن له الإمام عليه السلام نقطة فيقول: «أخشى أن تكون المصلوب في كناسة الكوفة». فعندما تنتهي كلّ هذه الحجج، لا يقبل. يقول [الإمام] يجب أن نبرز على الأقل أمرًا واحدًا ونقول شيئًا واحدًا. لكن مع ذلك، لا يقبل زيد مرّة أخرى، لا يقبل زيد مرّة أخرى۱.

  • ولكن في الوقت نفسه، كان بين أصحاب الإمام الباقر عليه السلام وأصحاب الإمام الصادق عليه السلام رجال [موقفهم مختلف] بالنسبة إلى الإمامة والولاية، كانوا ينظرون إلى الإمام ببصيرة الإمامة، كانوا ينظرون بتلك النظرة نفسها. لذلك يذهب زيد ليقتل نفسه دون أيّ نتيجة، وصلب جسده لمدّة أربع سنوات. لماذا؟ فلتتّبع الإمام يا سيّدي العزيز! يا من تقول للناس إنّ الله عيّننا لاتّخاذ المواقف العمليّة، لكنّ أخي محمّد بن علي الإمام الباقر حسب تعبيرنا أكثر منّي معرفة، فهو أعلم منّي. وعندما يذهب إليه أحد أصحاب الإمام الصادق ويحاوره، والظاهر أنّه مؤمن الطاق، يحاجّ زيدًا فيقول له: هل أنت أعلم أم أخوك؟ أيّكما هو الأعلم؟ هنا لا يمكن لزيد أن يتكلّم. فإذا ما طُرح أمر الأعلميّة فهذا الفرس وهذا الميدان، لا يمكنه أن يقول أنا أعلم. وبالطبع لم يكن زيد ليقول أنا أعلم، لأجل هذه الأمور. كلاّ فقد كان زيد منصفًا، وكان رجلاً صادقًا. قال: أخي أعلم. قال: هل يمكن أن تكون أعلميّة أخيك ذات أثر على هذا العمل الذي تقوم به؟ يعني ألا تستحقّ هذه المسألة المهمّة وهذه الأمور التي بهذه الأهميّة أن تستفيد من مرتبة أعلميّة أخيك التي تعترف بها؟ ربّما كانت هناك نقطة مظلمة هو يعرفها بواسطة أعلميّته لم تصل إليها أنت بعلمك. هنا يسكت زيد٢. هنا يُحجُّ زيد. ثمّ يقول: لقد جعل الله فينا السيف وجعل فيهم العلم. أي إنّنا أهل حرب، وأخونا رجل وعظ ونصيحة وموعظة وبيان للأحكام٣.

  • عندما يصل الأمر إلى هنا، فهذا يعني أنّه لا نتيجة للكلام. لم يعد هناك منطق هنا. يقول وداعا ويرجع ويأتي إلى الإمام الباقر عليه السلام ويبيّن له الأمر. يقول الإمام هنا: لعن الله أهل الكوفة أحاطوا به وألقوا به في هذه الكارثة، وغدًا سترى أنّهم يفرّون من أمامه، هؤلاء أنفسهم، أمّا من يسير في طريق واضح، من كان الأمر واضحًا له، من يرى الحقيقة، فلو أنّ الناس كلّهم اجتمعوا حوله فلا فائدة. كم عدد الذين أحاطوا بك يا زيد؟ ثلاثمائة رجل؟ ثلاثمائة لم يكونوا أكثر! لو أنّ ثلاثمائة مليون أحاطوا بالإنسان فلا فائدة من ذلك. لأنّ الثلاثمائة هم واحد. هؤلاء الثلاثمائة مليون هم واحد، فالثلاثمائة مليون لم يصبحوا ثلاثمائة دفعة واحدة. لقد فهمتم ما أريد أن أقوله.

    1. ابن شهراشوب، مناقب آل أبي طالب، ج٣، ص٣٢٢: ويروى أنّ زيد بن علي لما عزم على البيعة قال له أبو جعفر: «يا أبا زيد إنّ مثل القائم من أهل هذا البيت قبل قيام مهديهم مثل فرخ نهض من عشه من غير أن يستوي جناحاه فإذا فعل ذلك سقط فأخذه الصبيان يتلاعبون به فاتق الله في نفسك أن تكون المصلوب غدا بالكناسة»، فكان كما قال. 
    2.  معرفة الإمام، ج‌۱، ص: ٢٢٣: ينقل المرحوم الكليني في (أصول الكافي)، كتاب الحجّة، باسناده عن أبان عن الأحول*، أنّ زيد بن علي بن الحسين عليهما السلام بَعَث اليه و هو مستخفٍ، قال: فأتيتُه.
      فقال لي: يا أبا جعفر ما تقول إنْ طَرَقَكَ طارقٌ منّا أ تخرجُ معه؟
      قال: فقلتُ له: إنْ كان أباك [الإمام علي بن الحسين‌] أو أخاك [الإمام محمّد الباقر] خرجتُ معه.
      قال: فقال لي: فأنا أريد أن أخرج أجاهد هؤلاء القوم فاخرج معي.
      قال: قلتُ لا ما أفعل جُعلتُ فداك.
      قال: فقال لي: أترغب بنفسكَ عنّي؟
      قال: قلتُ له: إنّما هي نفسٌ واحدة، فإنْ كان لله في الأرض حجّة فالمتخلّفُ عنك ناجٍ و الخارجُ معك هالكٌ، و إنْ لا تكن للّه حجّة في الأرض‌ فالمتخلّفُ عنك و الخارجُ معك سواء.
      قال: فقال لي: يا أبا جعفر كنتُ أجلس مع أبي على الخوان فيُلقمني البَضعةَ السمينة و يبرّد لي اللقمة الحارّة حتى تبرد شفقةً علي و لم يشفق عَلي من حرّ النار إذا أخبرك بالدين و لم يُخبرني به؟
      فقلتُ له: جُعِلْتُ فِداكَ مِنْ شفقته عليك من حرّ النار لم يُخبرك؛ خافَ عليك أن لا تقبله فتدخل النارَ و أخبرني أنا، فإن قبلتُ نجوتُ و إن لم أقبل لم يُبالِ أن أدخل النّار.
      ثم قلتُ له: جُعلت فداك أنتم أفضل أم الأنبياء؟ قال: بل الأنبياء.
      قلتُ: يقول يعقوبُ ليوسفَ عليهما السلام: {يا بُنَيَّ لا تَقْصُصْ رُؤْياكَ عَلى‌ إِخْوَتِكَ فَيَكِيدُوا لَكَ كَيْداً}۱، لِمَ لَمْ يُخبرهم حتى كانوا لا يكيدونه و لكن كتمهم ذلك، فكذا أبوك كتمك لأنّه خاف عليك.
      قال: فقال: أما و الله لئن قُلتَ ذَلك لقد حدّثني صاحبُك بالمدينة أني اقتل و اصلب بالكناسة و أنّ عنده لصحيفة فيها قتلي و صلبي.
      فحججتُ فحدّثتُ أبا عبد الله عليه السلام بمقالة زيد و ما قلتُ له، فقال لي: «أخذتَهُ من بين يديه و من خلفه و عن يمينه و عن شماله و من فوق رأسه و من تحت قدميه و لم تتركْ له مَسلكاً يسلكه».
      * هو محمّد بن النعمان، من خواص أصحاب الإمام الصادق عليه السلام، و كان يُدعي بـ (مؤمن الطاق) لأنّه كان يمتلك دكّة تحت الطاق، لكن أهل السنّة لقّبوه بـ (شيطان الطاق) لمهارته في المناظرة و للعداء الذي يكنّه بعضهم لأهل البيت عليهم السلام.
    3. ورد هذا الكلام في الحوار الآتي بين متوكّل بن هارون ويحيى بن زيد ولم يرد في حوار مؤمن الطاق وزيد. (م)

عواقب الشورى مع وجود المعصوم - بحث منتخب من محاضرات سماحة آية الله السيّد محمّد محسن الحسينيّ الطهراني رضوان الله عليه

13
  • في الجلسة السابقة، قلت لكم لو أنّ مدرّسًا في الصفّ قال لأطفال الصفّين الأوّل والثاني عندما يكون الثلج يتساقط: أيّها الأطفال أتريدون الدراسة أو الذهاب إلى الملعب واللعب في الثلج الآن؟! فإنّ الجميع يقولون: هيّا بنا نلعب، ولا يقول واحد منهم لا إلا أن يكون مريضًا، الجميع يقولون: لنذهب إلى اللعب بالثلج! كم عدد التلاميذ في الصف؟ ثلاثون، ولو كان هؤلاء الثلاثين الآن ثلاثين ألفًا، مرّة أخرى هؤلاء الثلاثون ألفًا سيقولون: لنذهب إلى اللعب بالثلج. وإذا أصبح هؤلاء الثلاثون ألفًا ثلاثين مليونًا، سيرفع الثلاثون مليونًا أيديهم للذهاب إلى اللعب بالثلج. لا يقول واحد منهم يجب علينا أن ندرس، ولا يقول واحد إنّ حياتنا تذهب هدرًا الآن. لماذا؟ لأنّ هناك ثلاثين مليون طفل، وليسوا ثلاثين مليون بالغًا، وليسوا ثلاثين مليون حكيمًا، بل ثلاثون مليون طفل يقولون: هيا بنا نلعب بالثلج. لماذا الدرس؟ لماذا نتعلم الأبجديّة؟ لماذا نتعلم الضرب والجدول والقسمة؟

  • إنّ وضع الإمام عليه السلام مع مختلف الناس هو كحالة معلم الصفّ مع الأطفال. لا يستطيع المعلّم أن يطيع الأطفال. إذا أطاعهم وذهب هذا الطفل ليلعب بالثلج وسقط أو أصيب بالتيفوئيد ومات، فلن يُطرد المعلم غدًا من هذه المدرسة فحسب، بل سيدينونه أيضًا في المحكمة أن ماذا تفعل أنت هنا؟ لماذا جعلناك هنا؟ لئن أراد الأطفال ذلك لا بأس فليريدوا فهل عليك أن تطيع كلّ من تمنّى وأراد أمرًا ما؟ إذن لماذا لديك عقل ولماذا لديك تجربة؟ ما الهدف من هذا؟ 

  • وينطبق الأمر نفسه على الإنسان الكامل، لقد وصل الإنسان الكامل إلى نقطة المعرفة، فهو يقيّم الأشياء من وجهة نظر الشهود وليس من وجهة نظر الظاهر. [فمثلاً يقول الإنسان العاديّ:]

  • ـ لقد قال فلان كذا اليوم، لذا دعني أفعل ذلك. 

  • ـ حسنًا، غدًا سيتراجع عن كلامه، فماذا تفعل أنت؟ 

  • يقول: لقد قلت. 

  • ـ غدا سيقول: لن أفعل، غدًا يتراجع عن كلامه. 

  • وفقًا لهذا، يتقدّم المرء إلى الأمام ثمّ يتراجع غدًا عن كلامه فيجد نفسه في طريق لا عودة فيه. هذا حال الإنسان غير الكامل، أأنت تعلم أنه سيتراجع غدًا؟! أمير المؤمنين عليه السلام يخبر هؤلاء بلسان الحال بأنّكم تقتلون الآن عثمان، وهذا معاوية والذي هو الآن حامي عثمان، سيثور غدًا من أجل المطالبة بالخلافة لنفسه. فهذا ما لا تعرفونه أنتم وأنا أعرفه. يقولون: لا يا عليّ، انظر إلى الجيش واعرف ماذا هناك، نحن خمسون ألف مقاتل إلى جانبك، نذهب ونري معاوية! نحن تسعون ألف مقاتل نقوم بالقضاء على معاوية. تفضّلوا! تستمرّ معركة صفّين ثمانية عشر شهرًا ثمّ تنتهي بهزيمة أمير المؤمنين ويعود إلى الكوفة، فالإمام لم يصل إلى نتيجة.

عواقب الشورى مع وجود المعصوم - بحث منتخب من محاضرات سماحة آية الله السيّد محمّد محسن الحسينيّ الطهراني رضوان الله عليه

14
  • الناس لا يعرفون قصّة الخوارج في النهاية، لا يعرفون قصّة رفع المصاحف على الرماح هؤلاء الناس. هؤلاء الذين يحرّضون أمير المؤمنين، هم فقط ينظرون إلى رايات الجيش، ينظرون إلى هذه الخيول، انظروا إلى الخيول، انظروا إلى هذه السيوف، هل ترى الأحداث التي ستحدث فيما بعد أم ترى إلى متر واحد أمامك؟! أنت ترى مترًا واحدًا أمامك، ولكنّك تخطّط إلى يوم القيامة. ففي حين يرى أمير المؤمنين إلى يوم القيامة، لا يمكنك أن تتصرّف أنت في متر واحد، وهو يرى إلى يوم القيامة. 

  • ۷ - الإمام الصادق ويحيى بن زيد

  • يلتقي متوكّل بن هارون في رحلته إلى جرجان بيحيى بن زيد، كما لدينا في الصحيفة السجادية،. فقد كان والده هكذا وذا الشبل من ذاك الأسد، فقد ثار يحيى بن زيد أيضًا على خلافة خلفاء بني العبّاس؛ ويبدو أنّ قبر يحيى بن زيد الآن في جرجان۱، أي في أطرافها في منطقة قبة قابوس، قبر يحيى بن زيد، وله ضريح نورانيّ جدًّا. فقد كانت سعة يحيى هكذا، وكان إدراكه هكذا، يأتي هارون ويتحدّث معه: إنّ ما تفعله الآن لا يثمر، يأتيه بالأدلّة. يحاوره هارون هذا ويغلق عليه كلّ السبل. ثمّ يلتفت يحيى إلى المتوكّل فيقول له: ماذا قال جعفر بن محمد عنّي؟ قال إنّه كما أخذ والده وقتل كذلك ابنه يحيى سيقتل. فيقول: إنّا للّه وإنا إليه راجعون. حسنًا يا سيدي، تراجع. بما أنّك تعلم فتراجع، بما أنّك تعرف أنّ هذا هو الإمام.بما أنّك تعلم فتراجع! أنا أخبرك الآن، واليقين لا تردّد فيه، لكنّه لا يزال يقول في أعماق قلبه: دعنا نذهب الآن ونرى ما سيحدث. قد ينتهي الأمر هكذا، وقد ينتهي بطريقة أخرى٢. لكن لو عُرِضَ عليه مشهد مقتله مسبقًا، أي لو كان هناك جهاز يمكنه تصوير هذه الحالات المستقبليّة، فهل كان سيستمرّ؟ لَمَا استمرّ. ما كلّ هذا؟ لأنّنا لا نملك يقينًا كافيًا ووافيًا بالإمام. فالمقياس بالنسبة لنا هو الحقّ، ولو جاء كلّ الناس وقالوا: نحن معك، لو قال كلّ الناس: نحن نحميك، لو قال كلّ الناس: نحن نؤيّدك، نحن نطيع كلّ ما تأمر به. نصغي إلى كلّ ما تقوله. نوافق على كل ما تقوله. فهذا هو الآن. ولكن إذا رميتْ التفاحة إلى الأعلى فكم تتقلّب حتّى تسقط على الأرض؟ هل تعرف أوضاع هؤلاء الناس فيما بعد؟! أنت ترى ضحكهم الآن، لكنّك لا تعرف ماذا سيحدث بعد ذلك. لقد رأيت ما صنعوا بالإمام الحسين، هؤلاء أنفسهم، لا يختلفون عنهم، أرسلوا أربعة آلاف رسالة إلى سيّد الشهداء. أربعة آلاف رسالة مكتوبة لا شفاهًا فقط، فأنكروا رسائلهم. في يوم عاشوراء قالوا بوضوح للإمام الحسين: لم نصنع أمرًا كهذا. كان الإمام قد جمع الرسائل كلّها فأحضرها جميعًا وألقاها أمامهم. فما دامت موجودة فمن هم أصحابها؟ خطّ من هذا الذي ترونه؟ وكان من الذين كتبوا رسالة إلى سيّد الشهداء الحجّاج بن أبحر أو أبجر، والذي سيطر على شريعة الفرات بأربعة آلاف فارس حتى لا يصل الماء إلى سيّد الشهداء. كان هذا واحدًا منهم. فناداه الإمام: يا حجاج ألم تكتب لي رسالة. قال: لا، قال الإمام: فأتوا برسالته، فأتوا برسالته وأظهروها أمام الجميع. لمن هذه الرسالة؟ فطأطأ رأسه. يا ابن رسول الله تعال وبايع وينتهي الأمر٣. هذا هو بيت القصيد. 

    1. تنسب إلى يحيى زيد مجموعة مزارات في إيران وأفغانستان أحدها في مدينة جرجان شمال إيران. 
    2. الصحيفة السجاديّة، ص ٦۱۸: متوكل بن هارون قال: لقيت يحيى بن زيد بن علي عليه السلام وهو متوجه إلى خراسان، فسلمت عليه فقال لي: من أين أقبلت ؟ قلت: من الحج. فسألني عن أهله وبني عمه بالمدينة، وأحفى السؤال عن جعفر بن محمد عليه السلام، فأخبرته بخبره وخبرهم، وحزنهم على أبيه زيد بن علي عليه السلام. فقال لي: قد كان عمي محمد بن علي أشار على أبي بترك الخروج، وعرفه إن هو خرج وفارق المدينة ما يكون إليه مصير أمره، فهل لقيت ابن عمي جعفر بن محمد عليه السلام ؟ قلت: نعم. قال: فهل سمعته يذكر شيئا من أمري؟ قلت: نعم. قال: بم ذكرني؟ خبرني. قلت: جعلت فداك ما أحب أن أستقبلك بما سمعته منه. فقال: أبالموت تخوفني؟ هات ما سمعته. فقلت: سمعته يقول: «إنك تقتل وتصلب كما قتل أبوك وصلب». "فتغير وجهه" وقال: "و{يمحو الله ما يشاء ويثبت وعنده أم الكتاب}" يا متوكل إن الله عز وجل، أيد هذا الأمر بنا، وجعل لنا العلم والسيف، فجمعا لنا، وخص بنو عمنا بالعلم وحده. فقلت: جعلت فداك إني رأيت الناس إلى ابن عمك جعفر عليه السلام أميل منهم إليك وإلى أبيك. فقال: إن عمي محمد بن علي، وابنه جعفرا عليهما السلام دعوا الناس إلى الحياة، ونحن دعوناهم إلى الموت. فقلت: يا بن رسول الله أهم أعلم أم أنتم؟ فأطرق إلى الأرض مليا ثم رفع رأسه. وقال: كلنا له علم غير أنهم يعلمون كلما نعلم، ولا نعلم كلما يعلمون.
    3.  نور ملكوت القرآن، ج‌۱، ص: ٢۰۱؛ الإرشاد ج٢، ص ٩۸: «يَا شَبَثَ بْنُ رِبْعِيِّ! وَ يَا حَجَّارُ بْنُ أبْجُرِ! وَ يَا قَيْسَ بْنَ الأشْعَثِ! وَ يَا يَزِيدَ بْنَ الحَارِثِ! الم تكتبوا إلى أن قَدْ أينعت الثِّمار و اخضرّ الجناب و إنّما تقدم على جند لك مجنّد فأقبل؟»
      فقالوا. لم نفعل.
      قال. «سبحان الله! بلى و الله لقد فعلتم».
      ثمّ قال. «أيّها الناس! إذا كرهتموني فدعوني أنصرف عنكم إلى مأمني من الأرض».
      فقال له قَيْسُ بْنُ الأشْعَث. أوَ لا تنزل على حكم بني عمّك؟ فإنّهم لم يُروك إلّا ما تحب‌.

عواقب الشورى مع وجود المعصوم - بحث منتخب من محاضرات سماحة آية الله السيّد محمّد محسن الحسينيّ الطهراني رضوان الله عليه

15
  • نتمنّى أن يثبّتنا الله تعالى على صراط الأئمة عليهم السلام وأن يكشف لنا حقائق وتعاليم التشيّع والتشيع الخالص۱.

  •  

  • اللهمّ صلّ على محمّد وآل محمّد 

    1. مقطع من محاضرة عنوان البصري ٥٩ ص ۱٤.