المؤلّفالهیئة العلمیة لموقع مدرسة الوحي
القسم الاخلاق والحکمة والعرفان
التوضيح
ما هو تكليف الآباء في تربية الأطفال؟ وكيف نربّي أطفالنا تربية إسلاميّة؟ وما الأساليب المناسبة لإيصال المفاهيم الصحيحة؟ وما هو مقدار الحزم في عمليّة التربية؟ وهل العنف والضرب مطلوب فيها؟ وهل يجب أن تبقى حدود بين الوالدين والأبناء أم لا؟
تجيبك هذه المقالة باختصار عن ذلك على لسان سماحة آية الله السيّد محمّد محسن الحسينيّ الطهراني قدّس سرّه، وهي عبارة عن مقطع من جلسة حواريّة جرت معه باللغة العربيّة في جبل عامل.
هو العلیم
خمسة مبادئ في تربية الأبناء
واجبات الآباء في تربية الأطفال ۱
إعداد: الفريق العلمي في موقع مدرسة الوحي
بحث منتخب من:
تربية الأبناء، وضوابط حجاب المرأة، و... - محاضرات جبل عامل - أسئلة وأجوبة الأخوات - ج ۱
لسماحة آية الله السيّد محمّد محسن الحسينيّ الطهراني قدّس سرّه
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله ربّ العالمين
والصلاة والسلام على سيّدنا محمّد
وعلى آله الطيّبين الطاهرين
خمس مبادئ في التربية الإسلاميّة
تربية الأطفال هي المعبَّر عنها في كتاب الله تعالى بوقاية الأهل والأولاد مِنَ الوقوع في المسائل النفسيّة في الدنيا.۱ والأمر المهمّ في ذلك أنّه علينا أن نربّي أطفالنا تربية إسلاميّة على حسب القدرة والاستطاعة، وهنا لا بدَّ مِن ملاحظة عدَّة مسائل وأمور:
المبدأ الأوّل: تحسين العلاقة بين الطفل والوالدين
الأوّل هي: تحسين العلاقة بين الطِّفل وبين الوالد والوالدة وخصوصًا الوالدة، فلا بدَّ أن تكون العلاقة بينهم جيِّدة. وليس المقصود مِن حُسن العلاقة وتحسينها المحبَّة والمودَّة فقط، بل لا بدَّ أن ينظر الطّفل إلى أمّه وأبيه على أنّهما مربّيان له، أي أن يعتمد على والدته، ليس فقط في المعاش، بل في القوّة الروحيَّة والاستعدادات النفسيَّة والروحيَّة، كما يعتمد التلميذ على المعلّم. فعلى هذا، يجب على الوالدة مِن خلال إيجاد هذا التحسين والإصلاح أن تربّي الطفل في جميع المسائل لا في المسائل الإسلاميّة [فقط]؛ مثلًا إذا أَمرته بشيء خاصّ، فلا بدّ أن تؤكّد عليه [بأن ينفّذه]، فإن لم يعتن ولم يلتفت فلا بدَّ حينئذٍ أن تنبّهه بأنّها والدته وعليه أن يمتثل للأوامر والنواهي.
هذا هو المهمُّ في التَّربية، فأساس التَّربية يُبنى على الاعتماد والوثوق، أي الوثوق بالأمّ بلحاظ أمومتها وبلحاظ كونها معلّمة ومربّية. وإذا ما توفَّق الآباء والأمّهات في هذه المسألة، سيسهل عليهم حينئذٍ تربية الأولاد على المسائل الإسلاميّة والشرعيّة. يعني على الطفل مِن بداية الأمر أن يُكْبِر والدته ويعظِّم والده، وذلك مِن خلال العلاقات والأمور الّتي تكون بينهم. وعلى الوالد ألّا يفعل كلَّ شيء أمام الطفل وأن لا يلعب ولا يمزح مع الطفل في كلِّ الأوقات، وذلك حتّى لا يرى الطفلُ والدَه مثله، بل لا بدَّ أن يُعَظِّمَ الطفلُ الوالدَ. وأنا لا أعني أن [لا يلعب] الوالد والوالدة مع الطفل، بل اللعب والمزاح والمسائل النفسيّة [هي مِنَ الأمور المهمّة للطفل، فعلى الأبوين أن يوفّروها له، ولكن مع المحافظة على الحدود الأبويّة].٢
المبدأ الثاني: النصح في جميع المراحل بما يناسبها
المسألة الثانية: يجب على الوالد والوالدة أن يربّيا وينصحا أطفالهما ـ بمقدار القدرة والاستطاعة ـ في جميع مراحلهم العمريَّة وفي المجالات الّتي يجب أن يوجّهوهم فيها، فيلقّنوهم المسائل الأخلاقيّة والإسلاميّة كما هي موجودة في الكتب المخصَّصة للصغار حيث تكون بالشّكل والكيفيّة المناسبة لهم؛ فإذا وجد الوالدان أن هذه الكتب مفيدة لهم، فلا بدّ مِن تحصيلها وشرائها مِن أماكن وجودها، ثمّ تبيين [موضوعاتها] وشرحها لأولادهم بعد مطالعتها والتأكّد من خلوّها مِنَ المفاسد الروحيّة. وإذا لم تكن هذه الكتب متوفِّرة فعليهم أن يطلبوها مِن بلدان وأماكن أخرى.. يقول الإمام عليه السلام «العلم في الصغر كالنقش في الحجر»۱. وأنا أتذكَّر ـ إلى الآن ـ تلك الحكايات والقصص الّتي ألقاها السيّد الوالد علينا نحن أولاده، حين كان عمري أربعة سنوات وخمسًا وسبعًا، وهي بالتأكيد قد أثّرت في نفسي أثرًا باقيًا إلى الآن، وأنا الآن أجد أنّ بعض الأمور الصعبة تنحلّ بواسطة تلك المسائل التربويّة الّتي تلقَّيناها مِنَ السيّد الوالد في زمن الطفولة.
فلذلك، يجب على مربّي الطفل أن يلاحظ هذه النُّكتة، وهي أنّ تربية الطِّفل في كلِّ مرحلة عمريّة لها شكل خاصّ يتلاءم مع الاستعدادات والقابليّة والرَّغبة لدى الطفل، وهذا هو المهمّ؛ يعني علينا أن نطرح [على الطفل] المسائل الإسلاميّة بشكل خاصّ ولطيف وظريف، وبطريقة القصص والحكايات.
وعلى الوالد والوالدة أن يبذلوا جهدهم ويخصّصوا وقتًا في الليل أو النَّهار لتربية الولد، ولإيجاد وتثبيت العلاقات بين الطرفين؛ فليرووا لهم في كلّ يوم أو يومين مِن تلك القصص والحكايات لمدّة ساعة مثلًا. وذلك في سنِّ طفولتهم.
هذا مِن ناحية، ومِن ناحية أخرى على الوالدين أن يثبَّتوا الموضوعات في أنفس الأطفال؛ مثلًا لو ورد في قصّة أنّ عمّارًا سلّم على علِيٍّ، فعلى الوالدين أن ينبّهوا الطفل بأنّ عليه أن ينتهج ذلك فيقولان له: أنظر كيف أنَّ عمّارًا سلَّم على علِيٍّ، فعليك أن تسلِّم على أخيك الأكبر مثلًا. وعلى هذا المنوال [تسير الأمور]؛ فعلى الوالد والوالدة أن لا يكتفوا بقراءة تلك القصص على الأطفال، بل عليهم أن يثبِّتوا في أنفس أطفالهم ويحمّلوهم ـ شيئًا فشيئًا ـ هذه المسائل الإسلاميَّة والأخلاقيَّة الموجودة في القصص، وذلك حتّى تتحقّق هذه المسائل في أنفسهم ويتربّوا عليها. وهذه مِن أحسن الطُّرق الّتي يمكن للوالد والوالدة [اتّباعها] في تربية أولادهم. كما أنّ المؤسسات التربويّة [تتّبع هذه الطريقة] في تربية الأولاد.
وهذا الأسلوب أيضًا [تعتمده المؤسسات الّتي تنشر] المسائل الخلافيّة والمفاسد الأخلاقيّة؛ يعني إذا أرادت هذه المؤسسات أن تنشر المفاسد الأخلاقيَّة بين الأفراد حتّى البالغين منهم، تراهم يعتمدون تلك الطريقة أيضًا، فيطرحون المفاسد الأخلاقية بحيث تثبت في النفوس ولا تخرج منها بسهولة. وكانت هذه الطريقة متّبعة قديمًا في زمن معاوية؛ حيث كان يأمر بإعطاء شاة أو خروف لأصحاب العوائل، فيحضرونه إلى منزلهم [ويهتمّون برعايته] فتنشأ بين الأطفال وبين الشاة أو الخروف علاقة محبَّة وودّ وصداقة، ثمّ يخفون هذا الخروف ويقولون لهم إنّ علِي بن أبي طالب هو مَن أخذه منكم! وفي المقابل يهدونهم الحلوى والعسل ويقولون لهم: إنّ معاوية هو مَن أرسلها لكم. وبعد مدّة يُرجعون لهم الخروف ويقولون: إنّ معاوية أخذه مِن علِي وأرجعه إليكم. وبهذه الطريقة كانت تلك المؤسّسة الفاسدة تزرع عداوة علِيِّ بن أبي طالب في الأطفال، وتزرع محبّة معاوية (لعنه الله) في القلوب.
فيجب على الإنسان أن يتّبع هذا الأسلوب مع أولاده وأطفاله في [زرع وتثبيت] المسائل الأخلاقيَّة والإسلاميَّة فيهم.
المبدأ الثالث: عمل الوالدين بما يأمران به أطفالهما
كما يجب على الوالد والوالدة أن يفعلا ما يأمران به أطفالهم، حتّى لا يرى الطفل تعارضًا وتضادًا بين القول والفعل؛ مثلًا لو قال الوالد أو الوالدة أنّه لا بدَّ مِنَ الصَّلاة في أوَّل الليل، فلا بدَّ أن يصلّي هو في أوّل الليل وأن يترك جميع أشغاله في البيت، وحينئذٍ يرى الطفل أنَّ والده ووالدته مجدّان في ذلك. أمّا لو أخّر المرء صلاته إلى آخر الليل، ومع ذلك يوصي وينصح أطفاله بالصَّلاة في أوّل الليل، فهذا تعارض وهو موجب لتقليل أهميّة المسألة في نفس الطفل، يعني أنّه يوجب عدم القناعة الجديّة وعدم الاقتناع الحتميّ بالأمور الأخلاقيَّة والإسلاميَّة الّتي علينا أن نؤكّد ونتأكّد مِن وجودها وإثباتها في أفراد العائلة والأطفال؛ مثلًا لو دخل الطفل إلى المنزل ووجد أمّه منشغلة في تنظيف البيت، فإذا ما حان وقت الصلاة يرى أنّ أمّه قد تركت عملها وقالت: الآن وقت الصلاة، فتذهب إلى الحمّام وتتوضّأ وتعود، فإنّ هذا يوجد علاقة وثيقة بين الطفل وهذه المسألة ويوجب ثبوتها في نفسه. لا بدَّ أن يرى الطفل تعظيمًا للمسائل الإسلاميّة، فالطفل كالكاميرا يأخذ صورة عن الأفعال الّتي يراها مِن والده ووالدته.
فمِن أجل تربية الأطفال، علينا أوّلًا أن نُصلح أنفسنا ونحسِّن أحوالنا، ومِن ثَمّ نعمل على تربية الأطفال؛ يعني علينا في المنزل أن نعمل نحن أوّلًا وفق المسائل الإسلاميّة. وقد جربتُ في منزلي هذا الأمر: ففي أول وقت الصلاة كنت أترك جديًّا المطالعة أو أنهي الحديث مع الضيف إن كان عندنا ضيف، وأقوم بجديّة قائلًا: قد حان وقت الصلاة، ثمّ أذهب دون أن أقول لطفلي الّذي إلى جانبي: قُم للصلاة. فأراه قد ذهب مِن تلقاء نفسه إلى الحمّام وتوضّأ وصلّى. بهذا يكون قد شاهد تعظيم الصلاة.
ولكن في بعض الأحيان يغفل الإنسان عن هذه المسألة، فيرى الطفل أنّ [والدته أو والده] استمرّ في القراءة أو الاشتغال في البيت [رغم حلول وقت الصلاة]، فيرى أنّه مستهين في هذه المسائل الأساسيّة! لذلك علينا مِن أوّل الأمر أن نكون مجدِّين في المسائل والنكات الّتي نطرحها على أطفالنا ونوصيهم بها، يعني أنّه مِنَ اللّازم على الوالد والوالدة أن يعظّموا هذه المسائل في أعين الأطفال، كالحجاب والصلاة ومعاشرة الأفراد المؤهّلين وعدم معاشرة غير الملتزمين وغير ذلك. فلا بدّ أوّلًا أن نقوم نحن بواجبنا وتكليفنا، فيرى الأطفال منّا الالتزام، وبما أنّهم يعتمدون علينا ويثقون بنا، سيتقبّلون منّا حينئذ تلك الأمور بسهولة ولن يحتاجوا إلى التعنيف والضّرب.
المبدأ الرابع: اعتماد الأسلوب المرغّب
ومِن ناحية رابعة على الوالد أو الوالدة أن ينصحوا أولادهم ويصرُّوا على النصيحة، وأن يقدِّموا لهم المسائل الإسلاميّة والمسائل الّتي علينا أن نتابعهم فيها، بطريقة مرغِّبة وجذَّابة حتّى يميلوا إليها ويتشوَّقوا لها ويرغبوا فيها. وقد ورد في رواية عن الإمام الصادق علیه السلام: «أنّا نأمر صبياننا بالصلاة وهم أبناء خمس سنين، فمروا صبيانكم بالصلاة إذا كانوا أبناء سبع سنين، ونحن نأمر صبياننا بالصيام إذا كانوا أبناء سبع سنين ما أطاقوا مِن صيام اليوم... فمروا صبيانكم إذا كانوا أبناء تسع سنين ما أطاقوا مِن صيام...»۱
فعلى الإنسان أن يطبّق هذا الأمر بحسب القدرة والاستطاعة الّتي يراها في ولده؛ فإذا كان الولد يستطيع مثلًا أن يصوم خمس ساعات، فعليه أن يوقظه مِنَ النوم ليتناول طعام السحور، ويجبره على عدم الأكل لمدّة خمس ساعات، ثمّ إن رأى أنّه لا يستطيع أن يتجاوز السّاعات الخمس فعليه أن يترك صغيره يأكل أيّ شيء. وعلى كلّ حال، يجب على الوالد والوالدة تقديم النصيحة وإعطاء هدية وهبة لأطفالهم، حتّى يتشوّق الطفل لأداء التكاليف [والالتزام] بالمسائل الإسلاميّة.
المبدأ الخامس: حزم في لين
ومِن ناحية أخرى، على الوالدين أن ينهوا أولادهم عن بعض المسائل، ويحرمونهم مِن بعض الأشياء، وعليهم أن يعلموا أنّهم إن لم يفعلوا ما يُؤمرون به فإنّ أحوال الوالدين ستتغيّر اتّجاههم. فعلى الطفل أن يفهم ذلك جيّدًا وأن [يعلم] أنّ والديه حازمان بالنسبة للقيام بالفرائض والتكاليف، وأنّهما غير متسامحين ولا يجاملان في هذه المسائل. فيجب أن يفهم الأولاد [أهميّة] هذه المسألة عند والديهم.
أمّا التنبيه والتذكير فلا يجب أن يكون بالعنف، إذ يكفي أن يكون بالضرب الخفيف في بعض الموارد، كما ورد في الروايات. وعلى الوالدين دائمًا أن يحسِّنوا [ويطوّروا أساليب] التربية مع ما يتناسب واستعداد الطفل وقدرته، وبذلك يشوّقونهم للالتزام بالمسائل. أمّا الضّرب والعنف وتحميلهم ما يصعب عليهم، فهو لا يتناسب مع التربية الإسلاميّة، فالتربية الإسلاميّة تُبنى على المحبّة والشوق، ولكن مع الجديَّة والاهتمام في كلّ الأحوال.
هذه بعض المسائل المهمّة في التربية.۱