العرفاء والمسؤوليّة الاجتماعيّة والسياسيّة

المشيئة الإلهيّة في السرّاء والضرّاء

530
مشاهدة المتن

المؤلّفالهیئة العلمیة لموقع مدرسة الوحي

القسم الاخلاق والحکمة والعرفان


التوضيح

ما صحّة ما ينسب إلى العرفاء من انزوائهم واعتزالهم عن الحياة والمسؤوليّات الاجتماعيّة والسياسيّة؟ وكيف يتصدّى العرفاء لذلك؟ وما هي أهدافهم حين تصدّيهم؟ وما هو موقع المشيئة الإلهيّة في نظرتهم وأهدافهم؟ وكيف ينظرون إلى حالتي السرّاء والضرّاء والنجاح والفشل؟
يجيب هذا المقطع عن هذه التساؤلات باختصار.

/٤
بي دي اف بي دي اف الجوال الوورد

العرفاء والمسؤوليّة الاجتماعيّة والسياسيّة - المشيئة الإلهيّة في السرّاء والضرّاء

1
  •  

  • هو العليم 

  •  

  • العرفاء والمسؤوليّة الاجتماعيّة والسياسيّة

  • المشيئة الإلهيّة في السرّاء والضرّاء

  •  

  • بحث منتخب من محاضرات 

  • آية الله الحاج السيّد محمّد محسن الحسينيّ الطهراني 

  • قدّس الله سرّه

  •  

  •  

العرفاء والمسؤوليّة الاجتماعيّة والسياسيّة - المشيئة الإلهيّة في السرّاء والضرّاء

2
  •  

  •  

  • أعوذ باللـه من الشيطان الرجيم

  • بسم اللـه الرحمن الرحيم

  • الحمد للـه ربّ العالمين

  • والصلاة والسلام على أشرف المرسلين ورسول ربّ العالمين

  • أبي القاسم المصطفى محمّد وعلى آله الطيّبين الطاهرين

  • واللعنة على أعدائهم أجمعين 

  •  

  •  

  • التزام رسول الله صلّى الله عليه وآله بالمشيئة الإلهيّة في دعوته وحروبه

  • في معركة أحد حين يأتي خالد بن الوليد بخمسمائة مقاتل ويهزم الجمع ويقتلعهم ويفرّ بعض منهم۱ ولا یبقى حول النبيّ إلا ثمانية (كأمير المؤمنين وطلحة والزبير وأبي أيّوب الأنصاري)، ويُشجّ جبينه، وتدخل فيه حلقات خوذته، ففي وضع كهذا حيث سيطر الألم على وجود النبيّ، وجرى الدم من رأسه ووجهه المباركين، يأتي جبرائیل ویقول: إنّ الله أعطاك هذه القدرة وأنا تحت أمرك. 

  • عندها يقول النبيّ: «اللهم اهد قومي فإنّهم لا يعلمون».٢ فلو أنّ الأمر اتّضح لهم ورجعوا إلى أنفسهم لما صنعوا ذلك.

  • فلو دعا عليهم لقُضيَ عليهم أجمعين، ولكنّه كان سيبقى حينها في تلك المرتبة الوجوديّة، ذلك الشرف الذي يفوق به النبيّ سائر الأنبياء هو أنّه سكت ولم يستعمل هذه القدرة وقال: فما دام الله مشرفًا على كلّ شيء فلماذا أدعو عليهم أنا؟ فلو أنّ الله كلّف بالدعاء عليهم لاختلف الأمر، ولكن ما دام النبيّ يريد أن تكون له أعلى درجة وأرقى مرتبة، ويمكنه أن يبذل، والله أيضًا يحقّق له ما يريد ولا تحصل أيّة مشكلة، فلو لم يفعل ذلك سيكون قد خسر. وهنا يتفاوت الناس حسب نوع الامتحان والقدرة والسعة وردود الأفعال. 

  • بناء على ذلك فالمسألة هي أنّ الطريق إلى الله هو عبارة عن التسليم أمام رضى الله ومشيئته؛ لأجل تربية النفس في مجال الحياة الاجتماعيّة بكافّة مشكلاتها وجوانبها. ولذلك فإنّ الله يقدّر لكلّ إنسان من الأحداث ما يناسبه حسبما يراه له من الصلاح ووفق مشيئته وإرادته. وهذه النقطة المهمّة هي محور سلوك الإنسان وحركته، ثمّ هناك من يقبل بذلك وهناك من يرفض.

  • التزام العرفاء بالمشيئة الإلهيّة في نشاطهم الاجتماعيّ والسياسيّ

  • وما يقال من أنّ العرفاء يعزلون أنفسهم عن المسائل الاجتماعيّة ومصالح المسلمين، ويذكرون الله منزوين هو مجرّد اتّهام لهم، ومن يفعل ذلك فليس بعارف. فمن الذي قال إنّ العارف هو الذي يجلس في زاوية ويذكر الله ويجتنب مصالح المسلمين ومفاسدهم؟!

    1. المغازى، ج ۱، ص ٢٣۷.
    2. إعلام الورى، ص ۸٣؛ عيون الأثر، ج ٢، ص ٣٩۸. سفينة البحار، ج ٢، ص ٦۸۱: «قالَ القاضى عياض فى الشِّفاءِ: و رُوِىَ انّه لمّا كُسِرَت رباعيّتُه و شُجَّ وجهُهُ يومَ أحُدٍ، شَقّ ذلكَ على أصحابِهِ شديدًا و قالوا:" لو دَعَوتَ عليهم!" فقالَ:"إنّى لم أُبعَث لَعّانًا، و لكنّى بُعِثتُ داعيًا و رحمةً؛ اللّهمَّ اهدِ قَومى فإنّهم لا يعلمون!"» ( المحقق)

العرفاء والمسؤوليّة الاجتماعيّة والسياسيّة - المشيئة الإلهيّة في السرّاء والضرّاء

3
  • فبمجرّد أنّ يمضي بعض الناس باسم التصوّف والدراويش وأمثالهم في طريق الانعزال ويظهرون أنفسهم على أنّهم لا أباليين أمام القضايا، لا يكفي ذلك لاتّهام أهل العرفان. أنتم الذين تتّهمون العرفاء كم نزلتم إلى هذا الميدان وكم احترقت قلوبكم من أجل مصالح المسلمين ومفاسدهم وكم خصّصتم من رأسمالكم لخدمة الخلق؟! كلّ هذا الكلام هو بسبب عدم الاطّلاع وعدم الفهم الصحيح للمسائل العرفانيّة. 

  • العارف هو من يشعر بالمسؤوليّة تجاه خلق الله أكثر من أيّ اجتماعيّ وفقيه وسياسيّ، ويطبّق المشيئة والإرادة الإلهيّة في هذا العالم بالنحو الأتمّ والأكمل والدقيق وبدون أيّ تغيير، لا مَنْ إذا صادف ما يخالف أمنياته انهار ونادى بالويل والثبور، فهذا محض رغبات نفسيّة وما هو بالعرفان. 

  • التزام أمير المؤمنين عليه السلام بالمشيئة الإلهيّة في صفّين

  • العارف هو من إذا انهزم بعد ثمانية عشر شهرًا من القتال ضدّ معاوية۱، يبقى ثابتًا وكأنّ شيئًا لم يكن ويقول: لقد قمنا بواجبنا. العارف هو من لا يقاتل معاوية لكي ينتصر عليه، لأنّه يراه واحدًا من مظاهر الله، ومنذ البداية يعلم أنّ مشيئة الله تعلّقت ببقائه. فلو سألوا: هل سننتصر يا عليّ في هذه المعركة؟ لقال لهم من البداية: لن ننتصر٢ ولكنّه يقول في الوقت نفسه للنّاس: سيروا وانطلقوا وقاتلوا وتخلّصوا منه. 

  • أجل، العارف هو أمير المؤمنين عليه السلام الذي لا وجود لشيء آخر سوى الحقّ في عمله وفكره وسرّه وخاطره. أمّا الآخرون فليس لهم سوى ادّعاء هذا الإمام، والله يقول أيضًا: هذا ادّعاؤكم، ولكنّ مشيئتي وتقديري في تدبير العالم تدور حول محور آخر. يقول الله: إنّ ملكيَّ جبرائیل وميكائیل يحملان أوامر خاصّة وليسا مطيعَين لكم. فما دامت المشيئة مشيئتي فكونوا صادقين مع الناس ولا تعِدوهم كذبًا، وتقدّموا بهم في طريق الأهداف الحقيقيّة، ولا تبثّوا في المجتمع الكذب والشائعات والمجاز والتوقّعات التي هي في غير مواضعها!

  • التزام الإمام الحسين عليه السلام بالمشيئة الإلهيّة في عاشوراء

  • قال الإمام الحسين عليه السلام للنّاس: إنّ هدفي هو من هذا القبيل، فنحن نسير ونُقتَلُ في سبيل هذا الهدف أيضًا، فمن شاء فليلتحق بنا.٣ لا يريد الإمام أن يخدع الناس عابثًا. فما عند الإمام هو رضا الله فحسب، لا تحقّق هداية الناس، فلو أراد كلّ الناس أن يكونوا بغير دين فلا علاقة للإمام بذلك، فهم يحملون مسؤوليّة ذلك أمام ربّهم.

    1. إرشاد القلوب للديلمي، ج ٢، ص ٢٤۸.
    2.  وطبعًا هو لا يخبر بذلك إلا أصحابه المقرّبين؛ لأنّه لو أخبر الجميع فلن يتحرّك أحد من مكانه. أمّا في معركة النهروان فإنّه يخبر من البداية أنّه يقتل منّا تسعة ويبقى منهم تسعة. (مناقب آل أبي طالب، ج٢، ص ٢٦٣).
    3. كشف الغمّة، ج ٢، ص ٢٩. لمعات الحسين عليه‌ السّلام، ص ٣۸: «مَن كانَ فينا باذِلًا مُهجَتَهُ، و مُوَطِّنًا على لِقاءِ اللَهِ نَفسَهُ، فَليرحَل مَعَنا؛ فَإنَّنى راحِلٌ مُصبِحًا إن شاءَ اللَهُ تَعالى».

العرفاء والمسؤوليّة الاجتماعيّة والسياسيّة - المشيئة الإلهيّة في السرّاء والضرّاء

4
  • فلو أردنا أن ننظر إلى يزيد في أحداث كربلاء ـ مع غضّ النظر عن تعلّق الإرادة الإلهيّة ببقائه حيًّا ـ فعلينا كما هو الواجب أن نأخذ به ونقتله ونفصل رأسه عن بدنه. ولكن لا بدّ من الالتفات إلى أنّه وبالنظر إلى كيفيّة ارتباطه بنظام العالم ككلّ ومنظومة عالم الخلق، وأنّ المشيئة الإلهيّة قد تعلّقت بأن لا يزول، فالله يريد أن يستشهد سيّد الشهداء، وأمّا يزيد ومعاوية والمتوكّل والمنصور الدوانيقيّ وعبد الملك بن مروان فالله يريد أن تكون الحكومة تحت نظرهم، وأن لا تصل إلى الأئمة، فالمهمّ هو أن يتقدّم الإنسان وفق هذه المشيئة، ويسير سيرًا لا يتقدّم فيه عن التكليف خطوة واحدة.

  • لم يكن يزيد ـ قاتل سيّد الشهداء عليه السلام ـ مسلمًا أصلاً وهو يقول حول النبيّ الأكرم: 

  • لَعِبَت هاشِمُ بِالمُلك فَلا***خَبَرٌ جاءَ و لا وَحيٌ نَزَل‌
  • لَستُ مِن خِندِف۱ إن لَم أنتَقِم‌***مِن بنى أحمدَ ما كانَ فَعَل٢
  • لقد كان يزيد كافرًا، وكان كفره بحيث أنّا لو تمكّنا منه لكنّا مكلّفين بالقضاء عليه، ولكن يجب حينها أن لا يكون كامل همّنا هو القيام بذلك، ولذلك ينبغي أن لا نتأذّى لو لم يقضَ عليه. إنّ قيمة عمل الإنسان ليست في ترتّب الآثار، بل في القيام بالواجب والتكليف. وهذه المسألة المهمّة هي سبب تكامل الإنسان وبرنامج للسير والسلوك، وإلا فمن الممكن أن يكون الإنسان شهيدًا في سبيل الحمار، لا شهيدًا في سبيل رسول الله والإمام عليه السلام ورضوانِ الله. ٣ و٤

    1.  خندف قبيلة تنتسب بها قريش إلى مضر. (م)
    2. روضة الواعظين، ج ۱، ص ۱٩۱؛ مناقب آل ابى‌طالب، ج ٤، ص ۱۱٤.
    3.  في إحدى المعارك كان هناك رجل مع رسول الله وكان يقاتل أحد الكفّار بهدف أخذ الغنيمة والسيطرة على الحمار ثمّ اتّفق أن قتل في سبيل الحمار. (المحجة البيضاء، ج ۸، ص ۱۰٤؛ جامع السّعادات، ج ٣، ص ۱۱٣: «إنَّ رجُلًا قُتِلَ فى سبيلِ اللّهِ و كانَ يدعى" قَتيلَ الحِمارِ" لِأنَّهُ قاتَلَ رَجُلًا لِيَأخُذَ سَلَبَهُ و حِمارَهُ فَقُتِلَ على ذلك فأُضيفَ إلى نيّتِهِ. و هاجَرَ آخَرُ ليَتَزَوَّجَ امرَأَةً فكانَ يسَمّى" مُهاجِرَ أمِّ قَيسٍ!"») (المحقق) 
    4. عنوان البصري، ج۱٣، ص ٦ ـ ۱٢.