المؤلّفآية الله السيد محمد محسن الحسيني الطهراني
القسم العقائد
التوضيح
بيّن سماحة آية الله السيّد محمّد محسن الطهراني حفظه الله أن ذكرى عاشوراء هي فرصة للتأمّل ولتنمية الفهم لا للصراخ التمثيلي، وعرض نماذج من سيرة العرفاء في هذه الأيام بدءاً من السيّد علي القاضي رضوان الله عليه، وأكّد على الآداب التي لا بدّ من مراعاتها في شهري محرم وصفر وخصوصاً عند المشاركة في المجالس والمواكب الحسينيّة، وتحدّث عن أوقات المجالس والمضامين التي ينبغي للخطباء أن يسلّطوا الضوء عليها... فالنيّة من الحضور في مجالس العزاء ليست مجرّد تكثير العدد والإحياء بل الالتحاق بالإمام والتوسّل به كما كانت حال السيد القاضي عند مبيته في كلّ شبر من حرم الإمام الحسين، والإمام عليه السلام لا يحضر في كلّ مجلس مهما كان غرضه، وما ينبغي للخطباء ذكره هو حقيقة المواقف والكلمات لا مجرّد المصائب والآلام، وأفضل أوقات المجالس هو ما بين الطلوعين لما له من دور في تحصيل الرزق المعنوي للنهار كلّه، وأما الشعارات والهتافات التي تطلق في المجالس فلا بدّ أن تكون ذات معنى مؤثّر في الوجدان، وأما الطبول والموسيقى التي تزجّ في المسيرات واللطميات فهي مما لا يرضاه الله، ولا بدّ من تبديل الأجواء في شهري محرم وصفر بإبراز مظاهر الحزن كما لا بدّ من مراعاة ذلك في كافّة مظاهر علاقاتنا الاجتماعيّة. وهي مقطع من محاضرة في شرح حديث عنوان البصري ألقيت في 27 ذي الحجة عام 1429 هـ.
هو العليم
كيف نحيي عاشوراء؟
وصايا تختصّ بإحياء مناسبة عاشوراء
ألقيت في ذيل محاضرة عنوان البصري ۱٦٣
لسماحة آية الله الحاج
السيّد محمّد محسن الحسيني الطهراني
قدس سره
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله ربّ العالمين
وصلى الله على سيدنا ونبينا أبي القاسم محمّد وعلى آله الطيّبين والطاهرين
ولعنة الله على أعدائهم أجمعين إلى يوم الدين.
...نحن في أيّام شهر محرّم الحرام، و قد أردتُ في الجلسة الماضية أن أبيّن بعض المسائل للإخوة الأعزّاء بشكل مجمل، و لكن لم يكن وضعي يسمح بذلك، و لذا أودّ الآن أن أذكِّر الإخوة بهذه النكات، مع أنّني متأكّد أنّهم ملتفتون إلى ما يخصّ أيّام العزاء في شهري محرّم و صفر، و لكنني سأذكرها من باب {فذكّر فإنّ الذكرى تنفع المؤمنين}، و من الجيّد أن يتذكّر الإنسان هذه الأمور، و يتبّع الطريق الذي سلكه الأولياء العظام .. فهم قد سلكوا هذا الطريق و وصلوا، لا أنهم ذهبوا و لم يصلوا!! فهم قد ذهبوا و وصلوا.
الغرض من المشاركة في مجالس العزاء
لم يكن دأب العرفاء و الأولياء العارفين بالله أيّام محرّم و صفر, أن يقصروا نظرهم واهتمامهم على مجرّد إحياء المجالس و إقامة العزاء فيها، بل كان جلّ اهتمامهم اتّجاه أيّام و عزاء سيّد الشهداء عليه السلام هو الاغتنام و الاستفادة، فما معنى ذلك؟ يعني كما أنّ الله سبحانه قد بسط سفرة نورانيّة في شهر رجب، و كذلك دعانا إلى ضيافته في شهر رمضان، فكذلك ينبغي للإنسان في هذه الأيام أن يأتي إلى مائدة سيّد الشهداء و يتّخذ لنفسه مكاناً فيها، و يسعى وراء تغيير نفسه وتبديلها وترقيتها حيث لم يكن ذلك متيسّرا في غيرها من الأيام. فما قام به سيّد الشهداء لهو حدث عجيب جدّا، و لا ينبغي للإنسان أن يتعامل مع ذلك على أنه مسألة عاديّة ضمن الأحداث اليوميّة التي تمرّ عليه، و لا ينبغي أن يقصُر نظره على مجرّد إقامة مراسم العزاء فقط، بل ينبغي أن يضع نفسه في داخل حادثة عاشوراء، و عليه أن يحاول بأقصى ما يستطيع و إلى الحدّ الذي يسمح به فكره أن يشارك بنفسه في هذه القضيّة؛ فلا ينبغي لنا أن نذهب إلى مجلس العزاء بنية أننا سنُجزى على ذلك الأجر والثواب فحسب، فمن يفعل ذلك يحصل على الأجر والثواب، و لكنه أجر قليل بالنسبة لذاك؛ فلا نذهب لكوننا نريد أنْ نحافظ على إجراء وإقامة هذه المجالس، فرغم أنّ هذا الدافع جيّد و لكنّه للعوام؛ بل ينبغي أن نذهب بهذه النيّة و هي أنّنا نريد أن نكون مع سيّد الشهداء، فنحن نريد أن نكون من ضمن أولئك الأفراد الذين كانوا في الخيمة ليلة عاشوراء. بهذه النيّة ينبغي الذهاب إلى مجالس الإمام الحسين عليه السلام، لا بنيّة تحصيل الأجر و إقامة المراسم و إحياء الشعائر فحسب؛ صحيح أنّ الأئمّة عليهم السلام قد أمرونا بحفظ ذكرهم، و لكن كيف نحفظ ذكرهم؟ إنّما نحفظه بأن نغيّر أنفسنا و نصلح أحوالنا، لا بمجرّد المشاركة في المجالس و الصراخ و العويل!
كيفيّة إحياء سماحة السيّد الحدّاد لأيام عاشوراء
لقد كنت أشاهد أحوال المرحوم الوالد و العظماء ـ و أنا هنا أدعو أولئك الذين يزعمون في كلامهم و كتابتهم أنّ أولياء الله ليس لهم ارتباط بالأئمّة .. أدعوهم أن يأتوا و يسمعوا هذا الكلام ـ فقد كان المرحوم السيّد الحدّاد يأمر الأفراد الحاضرين عنده في العشرة الأولى من محرم أن يقرؤوا زيارة عاشوراء بعد صلاة الصبح، و قد كنت أشاهد حالات المرحوم الحدّاد في وقت الصلاة و وقت التشهّد و غيرها من الأعمال، حيث أنّ سماحته كان يقرأ سورة يس بعد التعقيبات، ثم يطوي سجّادته، و قد كانت له حالة خاصّة عند الصلاة، و حالة خاصّة عند قراءة سورة يس، و لكن حينما كانت تُقرأ زيارة عاشوراء فإنّ أحواله كانت تتبدّل بشكل واضح، فكان يضع نفسه في وقعة كربلاء، وكان ذلك واضحاً من وجناته، لا أنّه كان يحزن و يبكي و ... كلاّ، بل إنّه كان يضع نفسه في قلب عاشوراء بجانب سيّد الشهداء عليه السلام و يحسّ بذلك واقعاً، و كان بحيث يقرأ الزيارة حضوريّاً هناك، في ذلك المكان و الزمان الذي وقعت فيه المصيبة.
و قد نقل لنا المرحوم الوالد أمراً آخر ـ اسمعوا ذلك أيضاً ـ يقول رضوان الله عليه: لم نكن نحسّ بذلك فقط آنذاك، بل كنّا نذهب مع المرحوم الحدّاد و بعض الأصدقاء لزيارة الإمام الحسين عليه السلام، و عندما كنّا ندخل الحرم فقد كان السيّد الحداد يطلب من أحد الذين كانوا معنا أن يقرأ الزيارة؛ يقول السيّد الوالد: عندما كان يشرع بقراءة الزيارة، كانت تتملّكنا حالة عجيبة، بحيث لم نكن لنقدر أن نصحّح لهذا القارئ اشتباهاته في القراءة (كما لو قرأ الفتحة ضمةً مثلاً)، و ذلك لأنّنا كنّا في وضع لا نرى فيه غير سيّد الشهداء عليه السلام، و لم نكن لنقوى على الالتفات إلى غيره!
الإخلاص والتوسّل والبكاء النابع من القلب بدلاً من الصراخ التمثيلي
هكذا يجب أن تُقرأ الزيارة، و هو معنى ما قدّمته لكم قبل قليل، بأنّه ينبغي أن نتفكّر في واقعة كربلاء أثناء مشاركتنا في مجالس عزاء الإمام الحسين، و بهذا النحو ينبغي أن نذهب إلى مجالسه عليه السلام. فسيّد الشهداء يحضر في المجالس التي تقام لأجله، و لكن ليس تلك المجالس التي تقام للسمعة و التظاهر و لفت الأنظار، فسيّد الشهداء لا يحضر في أمثال مجالس الرياء هذه، بل هو بريء منها.. سيّد الشهداء و أبو الفضل لا يضعان قدماً في مثل هذه المجالس؛ و إنّما يحضران في المجالس التي تقام على أساس الإخلاص، و بالتالي فعلينا أن نحقّق الإخلاص في نفوسنا، و نوجد الصدق و الصفاء و الطهارة في قلوبنا، و نزِن أنفسنا في هذا الموقع و نختبرها، و عند ذلك فسوف نرى النتيجة بأنفسنا، فعندما نستمع لعزاء سيّد الشهداء ينبغي علينا أن نستحضر أثناء المجلس أنّنا في يوم عاشوراء، وننظر في أعماق وجداننا ونفوسنا فيما لو كنّا في كربلاء ماذا كنّا سنفعل؟! هل سنكون في جيش يزيد أم في جيش الإمام الحسين؟ و إذا رأينا ضعفاً في أنفسنا وتراجعاً عن ذلك، فيجب أنْ نتوجّه إليه عليه السلام طالبين منه العون و المدد، راجين منه أن يأخذ بأيدينا و يساعدنا، و بدل الصراخ و العويل و إطلاق الشعارات، يجب نأتي ونستمع ونتأمّل ونصغي ونتفكّر في مفاهيم عاشوراء الراقية، و نعمل بها، و نطبّقها على أنفسنا، و إذا شعرنا عند استماعنا لعزاء سيّد الشهداء برغبة في البكاء فلا نمنع أنفسنا من البكاء أبداً، بل يجب أن نبكي و نتفاعل، و لكن لمَ كل هذا الصراخ ؟! و لماذا هذا التمثيل و التظاهر؟! و لماذا نقوم بتخريب أجواء المجلس و حاله؟! فعندما يقول الإمام الصادق عليه السلام : اللهمّ ارحم هذه الصيحات و العبرات التي جاءت لمصابنا، فإنّه لا يقصد البكاء و الصراخ المتصنّع و التظاهر أمام هذا و ذاك .. أنْ انظروا ما أعلى الصرخة التي أُطلقُها أنا!!
بل المقصود هي تلك العبرة و الصرخة النابعة من القلب، فالبكاء المطلوب هو الذي يكون نابعاً من القلب و دون تصنّع، لا أن يفتعل الإنسان الصراخ بحيث يكاد السقف يخرّ على الرؤوس بسبب ارتفاع الصوت، فهذا لا نفع فيه، بل إنّه يذهب بأجواء المجلس و روحانيّته و يحوّله إلى مسرح و تمثيليّة.
من وظائف الخطباء
و من ناحية أخرى, على الخطباء الذين يتعرّضون لذكر أهل البيت عليهم السلام أن يشرحوا خطابات الإمام الحسين سلام الله عليه, ويسلّطوا الضوء على دقائق تصرّفاته و لطائف أفعاله، لا أن يكتفوا بعرض كيفيّة استشهاد الإمام عليه السلام، و لا يكون تركيزهم منحصراً في الجانب المأساوي من الحادثة من الضرب و الجرح و السقوط على الأرض و ... فالاقتصار على ذلك وحده لا فائدة فيه، بل المهمّ أن يقوموا بنقل أحوال و تصرّفات ومواقف سيّد الشهداء، و يوضحوا أفعاله و أقواله، و يبيّنوا النقاط الدقيقة بحيث يعيش السامع في تلك الأجواء كما بيّنا سابقاً. و إلاّ فمجرّد الحديث عن الضرب بالسيوف و وقوع السهام و السقوط على الأرض و .. فليس فيه عظيم فائدة، بل المهم كيف حصل ذلك و كيف كانت أحواله و أوضاعه؟!
كان المرحوم القاضي رضوان الله عليه يقول و ذلك نقلاً عمّا سمعته بنفسي من المرحوم السيد الحداد: لقد بتّ في كل شبرٍ و شبرٍ في صحن حرم سيّد الشهداء عليه السلام. فلِمَ كان كلّ ذلك؟ ألم يكن ذلك لأنّه كان لديه مطالب وحاجات يريدها؟! فهو ليس مثلنا لا حاجة لنا!! بل إنّه يريد أن يتحدّث مع الإمام .. يريد أن يناجيه و يبيّن له حاجاته و يطلب منه حلّ مشاكله.. نعم, يطلب منه أن يحلّها و يقضيها له.. فالسيد علي القاضي يشعر من قرارة نفسه بهذه الحقيقة, فهو يناجي الإمام ويقول له: سوف لن أذهب إلى المكان الفلاني لأخلد في النوم وارتاح... بل سآتي إلى حرمك يا أبا عبد الله.. وسأنام على هذه الأحجار لأنّي أريدك وأستجدي منك! التفتّم؟ نعم لقد كان السيد علي القاضي يعلم أشياءً و يفهم أموراً بحيث كانت هي التي تقضي له حوائجه. و من هنا ينبغي أن تكون مجالس عزاء سيّد الشهداء حاوية على الإدراك و الفهم.
بعض آداب المجالس الحسينيّة والمسيرات ونمط الحياة في شهري محرم وصفر
و يجب أن تكون مجالس الإمام الحسين ذات طابع واحد، لا أن تجلس مجموعة على أطراف المجلس متَّكئين أو على الكراسي، والبقية جالسون في وسط المجلس، و عندما يُشرع باللطم أيضاً تقوم مجموعة باللطم و البقية جلوس! لا.. بل ينبغي أن تكون مجالس الإمام الحسين على نسق واحد, فيجلس الجميع مع بعضهم البعض ـ فما المانع أن يجلس فلان بجانبك؟! هل يختلف دمك عن دمه؟! ـ و إذا وقفوا للَطم الصدور فينبغي أن يقف الجميع، لا أن يجلس البعض و يقف البعض الآخر، فهذا التقسيم إهانة لمجلس سيّد الشهداء عليه السلام! و ليس مناسباً و لا صحيحاً ! فإمّا أن يقوم الجميع و إمّا أن يجلس الجميع، و أمّا أن يقوم البعض و يجلس البعض فلا ..
و هذه القاعدة تنطبق أيضاً حتّى على المعمّمين و الفضلاء؛ انظروا إلى جلستنا هذه التي نحن فيها، فما أكثر المعمّمين و الفضلاء و العلماء، و أكثرهم قد جلسوا في وسط المجلس لا في محيطه و أطرافه. كان المرحوم الوالد يقول: إنّ الفرق بين مجلسنا و مجالس الآخرين هو أنّ مجلسنا لا فرق فيه بين المعمّمين و غير المعمّمين، فإذا جاء المعمّم و وجد مكاناً على الأطراف جلس, و إلاّ فإنه يجلس في الوسط مثل الأفراد الآخرين. و كنّا نذهب مع سماحته إلى المجالس فيتصرّف بهذا الشكل.. أذكر أنّني ذهبت مع السيّد الوالد يوماً إلى مجلس فاتحة للتعزية بوفاة السيد الحكيم في المسجد الجامع في سوق طهران، و عندما دخلنا لم يكن هناك مكان في أطراف المجلس، فذهبنا إلى الوسط و جلسنا ! الأب و ابنه كلانا كان معمّماً، و قد جلسنا في الوسط، و لم يقم أحد من الحاضرين بدعوتنا إلى الجلوس في الأطراف، فجلسنا في الوسط حتى انتهى المجلس، ثمّ غادرنا ... هل التفتّم؟
و لكن، نحن لو نكون مكانه لا نجلس بل نقف ونتوقف ونلتفت يمينا وشمالاً وننظر حتى يوسّعوا لي مكاناً لكي أجلس في الأطراف و ...!!! ما هذا الكلام؟ إنّ هذا الكلام يذهب بحال الإنسان و نيّته، و ينقص من مرتبته التي ينبغي أن يكون عليها، و يتنازل بها حتى تصبح أعماله مجرّد أعمال و حركات ظاهريّة و يحوّلها إلى عادة خالية من أيّ روح.
أمّا بالنسبة للخروج في التجمّعات و المسيرات المقامة لأجل الإمام الحسين عليه السلام، فعزف الموسيقى فيها حرام .. الموسيقى و قرع الطبول و الأبواق كلّها مخالفة لرضا الله سبحانه ولرضا سيّد الشهداء عليه السلام، فلماذا نقرع الطبول و الأبواق؟ فليست هذه الأمور لنا و لا نقبل بها. أمّا اللطم و الضرب بالزنجير فلا مانع منه. كما و يمكن أن لا يكون هناك لطم و زناجير، و نستبدل ذلك بإطلاق الشعارات.. تلك الشعارات التي تحيي القلوب .. و تبعث الحياة و الحرّية في النفوس، و لا نعمد إلى تلك العبارات التي لا تحمل معنىً عميقاً، بل ينبغي استخدام الشعارات التي تبيّن هدف الإمام عليه السلام، و توضّح مباني مدرسته، و يجب أن نردّد العبارات التي تقلب حال الإنسان رأساً على عقب و تغيّر أحواله، فمثل هذه العبارات و الشعارات هي التي ينبغي إطلاقها و ترديدها، و ليس تلك الشعارات و العبارات التي تؤدّي إلى إنقاص احترام أهل بيت النبوة، من قبيل ما نسمعه هذه الأيّام : (.. خرجت زينب بلا ستر و غطاء .. ) و ما شابه ذلك، فما هذا الكلام؟! إنّ مثل هذه الكلمات ليست لائقة و لا صحيحة، و لا ينبغي ترديدها، بل يجب انتخاب العبارات والكلمات التي تبيّن هدف الإمام و مدرسة الإمام، و ما أجمل أن يستفاد من عبارات سيّد الشهداء التي تكتب على اللوحات و يتمّ استخدامها كشعارات و نداءات.
فلو لم يسعَ الإنسان بشكل حثيث لترقية نفسه وإيجاد العلاقة الحقيقيّة بينه وبين سيد الشهداء , وبالتالي يقصر نفسه على هذا النمط العادي من الرتبة العادية من إحياء الشعائر و مسيرات سيّد الشهداء .. حينئذ سيبقى حبيساً في هذه الرتبة طوال حياته, فبعض الناس يحجُر على نفسه و يمنعها من الصعود و الترقّي؛ و أمّا من يريد أن يرتقي بنفسه ويصعد، فعليه أن يضع تلك الكلمات المبتذلة جانباً, و يعلم أنّ كلمات الأئمّة و الأولياء تختلف عن كلماتنا, و حديثهم يختلف عن حديثنا، فكلامهم يتنزّل من النفس القدسيّة ويجري على نفس الإمام عليه السلام، حينئذ يقوم هو ببيانها لنا ويضعها بين أيدينا ويبيّنها لنا. فما أجمل أن يقوم الإنسان باتّخاذها شعاراً له، و ما أعظم الفرق بين مثل هذا الشعار و ذلك الشعار الخالي من أيّ محتوى .. الناشئ من مستوى متنازلٍ مليءٍ بالإحساسات، لا من العقلانية و الفهم و الإدراك السليم.
على كل حال، ينبغي لمن يريد الذهاب إلى مجلس الإمام الحسين عليه السلام، أن يذهب بكامل الاحترام و التعزيز، و أن يكون على وضوء و طهارة، و ينبغي له أن يغتسل و يتنظّف و يلبس أنظف الثياب، لا ثياباً تسبّب أذيّة الآخرين، بل يجب أن تكون ثيابه نظيفة (قد غُسلت في ذلك اليوم أو الذي قبله) ثمّ يأتي بهذا الحال ليشارك في مجلس العزاء.
و ليعلم الإخوة الأعزاء أنّ التأثير الحاصل من الجلسات التي تقام بين الطلوعين أعظم من التأثير الحاصل في الأوقات الأخرى، و لا أقول إنّ التأثير منعدم في الأوقات الأخرى، و لا أقول إنّ المجالس لا ينبغي أن تقام في الأوقات الأخرى كالعصر أو الليل، بل على العكس، فإنّ جميع هذه المجالس لا مشكلة فيها، إذ يمكن لبعض الأفراد الذين لم يقدروا على الحضور في المجالس الصباحيّة، أن يذهبوا إلى مجلسٍ أقيم عصراً أو مساءاً، و يستمع لمجلس سيّد الشهداء و يستفيد منه.. فهو مجلس سيد الشهداء في النهاية، و لكن السيد الوالد كان يقول: اعلموا أنّ تأثير الجلسات التي بين الطلوعين هو أعظم و أكثر بكثير من تأثير سواها، خصوصاً إذا علمنا أنّ الملائكة تكتب رزق الإنسان في هذا الوقت.
كان المرحوم الحدّاد يقول لنا: إنّ الملائكة يقسّمون رزق الإنسان المعنويّ في كلّ يوم بين الطلوعين، و من هنا نفهم لماذا يوصونا بضرورة البقاء مستيقظين بين الطلوعين؛ فالشخص الذي ينام بين الطلوعين، ليس له رزق معنويّ لذلك اليوم؛ فهو يصلّي لكنّ صلاته لا رزق فيها .. فهي جوفاء خالية، كذلك يقرأ القرآن و لكن بدون رزق .. و بدون فائدة. و أمّا من يبقى مستيقظاً بين الطلوعين وفي حالة من التوجّه، فإنّ يومه ذاك سيكون مختلفاً .. صلاته مختلفة .. دعاؤه مختلف .. و زيارته التي يقرؤها مختلفة.
ومن الأمور التي ينبغي على الإخوان مراعاتها في هذين الشهرين أن لا يحضروا الحلوى و المكسرات إلى بيوتهم، و حتّى لو جاء إليهم ضيف فليقدّموا له الفاكهة فقط، و ينبغي في هذين الشهرين إظهار الحزن و مظاهر العزاء في المنزل ؛ فينبغي نصب الأعلام و اللوحات السوداء بحيث يظهر بوضوح أنّ حال الإنسان المنتسب إلى شيعة أمير المؤمنين يتغيّر و يختلف في هذه الأيّام، و لا نقول إنّ علينا أن نملأ البيت كلّه بالسواد بحيث يخاف الأطفال، فهذا أيضاً خطأ، إذ أنّ لكلّ شيء حدّاً مناسباً يجب الوقوف عنده، بل المطلوب إظهار حالة الحزن و التأثّر في المنزل. و من الأفضل أن تحوي هذه اللوحات تلك العبارات و الأشعار و الأدعيّة التي قالها سيّد الشهداء نفسه؛ و ينبغي ألاّ تكون هذه اللوحات ذات ألوان متعدّدة مبهجة، فهذا النوع من اللوحات غير متناسب مع المصيبة، و من الممكن أن يشدّ ذهن الإنسان إليها و يصرفه عن المصيبة .. كلاّ ! بل ينبغي أن تكون اللوحات بسيطة و نظيفة و مرتّبة.
كانت هذه بعض الملاحظات التي أحببت أن أذكرها للرفقاء الأعزّاء، و لعلّ الله سبحانه يوفقنا لبيان بعض المسائل الأخرى في فرصة ثانية إن شاء الله.
نسأل الله تعالى أن يوفقنا لأعلى مراتب الاستفادة من هذه الأيّام، و أن يرفع مستوى فهمنا و إدراكنا فيما يختصّ بأهل بيت العصمة عليهم السلام، و أن يزيد من توفيقنا لأداء تكاليفنا.
اللهم صلّ على محمّد و آل محمّد.