المؤلّفالهیئة العلمیة لموقع مدرسة الوحي
القسم العقائد
التوضيح
أهم محتويات المقالة:
- هل كانت إمامة الأمير مخفيّة قبل الغدير؟؛
- تنصيب أمير المؤمنين يوم الغدير كان تنصيباً كليّاً؛
- استبشار النبيّ يوم ولادة أمير المؤمنين؛
- إعلان إمامة أمير المؤمنين كان منذ اليوم الأوّل للدعوة النبويّة في حديث العشيرة؛
- بعض الروايات الواردة في إمامة أمير المؤمنين ومقاماته؛
- بعض الآيات النازلة في مقامات أمير المؤمنين عليه السلام؛
- فضائل عليّ على لسان النبيّ في كلّ موطن وموقف؛
- آية الولاية جعلت علياً عليه السلام في مصاف النبيّ صلى الله عليه وآله؛
- النتيجة: إنّ النبيّ لم يؤل جهداً لبيان إمامة و ولاية أمير المؤمنين قبل يوم الغدير؛
- ختام البحث: حديث الإمام الرضا عليه السلام في مجلس المأمون.
هو العليم
حديث الغدير ليس الإعلان الوحيد عن الولاية
بحث منتخب من «معرفة الإمام»
إعداد: الهيئة العلمية في موقع مدرسة الوحي
أعوذ باللـه من الشيطان الرجيم
بسم اللـه الرحمن الرحيم
الحمد لله ربّ العالمين
والصلاة والسلام على سيّدنا ونبيّنا أبي القاسم محمد
وعلى آله الطيبين الطاهرين
واللعنة على أعدائهم أجمعين
هل كانت إمامة الأمير مخفيّة قبل الغدير؟
تنصيب أمير المؤمنين يوم الغدير كان تنصيباً كليّاً
إنّ إعلان أمير المؤمنين عليه السلام إماماً لم يقتصر على اليوم الثامن عشر من ذي الحجّة في السنة العاشرة من الهجرة ضمن حجّة الوداع في وادي غدير خمّ على بُعد ميلين عن أرض الجُحفة، بل كان ذلك اليوم يوم التنصيب الكلّيّ، والتعريف لجميع الناس، والإعلان لعموم الأمّة، و إلاّ فإنّ الرسول الأكرم صلّى الله عليه وآله وسلّم كان يصرّح بمقامات أمير المؤمنين عليه السلام ودرجاته و إمامته و ولايته و وصايته و خلافته و أخوّته و سائر مناقبه و فضائله، و ذلك في مجالس و محافل عديدة، و في الخفاء و العلن، و في الصلح و الحرب، و في مكّة والمدينة، ولكلّ رهط و جماعة كانت على اتّصال به طيلة حياة أمير المؤمنين عليه السلام.
استبشار النبيّ يوم ولادة أمير المؤمنين
ولد أمير المؤمنين عليّ عليه في الكعبة؛ و حينما أعطي رسول الله صلّىالله عليه وآله قماطه، تلا سورة {قَدْ أفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ}. و نشأ في حجر الرسول الكريم. و هو أوّل من صدّقه يوم كان في العاشرة من عمره. وهو القائل: نزل الوحي على رسول الله يوم الاثنين، و آمنت يوم الثلاثاء. و عندما كانت الدعوة في سنيّها الثلاث أو السبع و حيث كانت دعوة الرسول في دور الخفاء، فإنّ أحداً لم يصلّ معه في الكعبة غير أمير المؤمنين، و غير خديجة.
إعلان إمامة أمير المؤمنين كان منذ اليوم الأوّل للدعوة النبويّة في حديث العشيرة
و في اليوم الأوّل الذي صدع فيه النبيّ الأكرم صلّى الله عليه وآله بدعوته في المجلس الذي أقامه لعشيرته الأقربين، إذ دعاهم لمؤازرته في حمل أعباء النبوّة، و معاضدته على القيام بشؤون الرسالة، لم يجبه إلاّ ذلك الفتى اليافع، و العاشق المُستبسل، و النابه الواعي. و عندئذٍ اختاره للوزارة و الولاية و الخلافة.
و لقد قال صلّى الله عليه وآله وسلّم في ذلك اليوم: فَأيُّكُمْ يُؤَازِرُنِي على هَذَا الأمْرِ وَ أنْ يَكُونَ أخِي وَ وَصِيِّي وَ خَلِيفَتِي فِيكُمْ مِنْ بَعْدِي؟
ولمّ يجبه إلاّ عليّ بقوله: أنَا يَا رَسُولَ اللهِ!
قال: فَأنْتَ أخِي وَ وَصِيِّي وَ وَارِثِي وَ خَلِيفَتِي فِيكُمْ!
و نلاحظ هنا أنّ تنصيب أمير المؤمنين عليه السلام في مقام الوزارة و الخلافة و الوصاية كان في إبّان البعثة، و منذ ذلك اليوم الذي أعلِنت فيه النبوّة لقريش وفقاً لتعيين رسول الله صلّى الله عليه وآله إيّاه عملاً بآية الإنذار: {وَ أنذِرْ عَشِيرَتَكَ الأقْرَبِينَ}۱ و حديث العشيرة.
و يدلّ هذا المعنى بكلّ وضوح أنّ مقام الرسالة، و مقام الإمامة متلازمان متّصلان، و لا يقبلان الانفصال و الانفكاك، و لا أساس للرسالة بدون الوزارة و الخلافة، و لا أصل و لا جذور للنبوّة بدون الولاية. فالولاية خفيرة الرسالة، و الإمامة حافظة للنبوّة، و أنَّ الوجود المحدِث و المنزل للوحي من قِبَل الرسول الكريم يصل إلى كماله بواسطة الوجود الحافظ و الخفير و المخلّد لأمير المؤمنين، فقد قال عزّ من قائل: {الْيَوْمَ أكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَ أتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَ رَضِيتُ لَكُمُ الإسْلامَ دِينًا}.٢
و قد تكلّمنا عن حديث العشيرة و آية الإنذار بشكل واف في الدرس الخامس من الجزء الأوّل من كتابنا هذا «معرفة الإمام».
بعض الروايات الواردة في إمامة أمير المؤمنين ومقاماته
هذا و قد دعا النبيّ الأكرم أمير المؤمنين صلوات الله عليهما وآلهما كراراً و مراراً بأنّه :
أمِيرُ المُؤْمِنِينَ، وَ سَيِّدُ المُسْلِمِينَ، وَ الإمَامُ، وَ الحُجَّةُ، وَ الوَصِيّ، وَ سَيِّدُ العَرَبِ، وَ سَيِّدٌ في الدُّنْيَا وَ الآخِرَةِ، وَ سَيِّدُ الأوصِيَاءِ، وَ سِيِّدُ الخَلائِقِ، وَ سَيِّدُ الوَصِيِّينَ، وَ أميرُ البَرَرَةِ، وَ إمَامُ البَرَرَةِ، وَ خَيْرُ البَشَرِ، وَ خَيْرُ الأمَّةِ، وَ خَيْرُ الوَصِيِّينَ، وَ خَيْرُ الخَلْقِ بَعْدَ رَسُولِ اللهِ.
و عندما ترك رسول الله المدينة في غزوة تبوك، و استخلف عليها عليّاً، فإنّه قال له: أنْتَ مِنِّي بِمَنْزِلَةِ هَارُونَ مِنْ موسى إلاَّ أنهُ لا نَبِيّ بَعْدِي.
أي: أنّ كلّ ما كان لهارون من مواصفات فهي لك إلاّ النبوّة، فإنّه لا يأتي نبيّ بعدي، ولن تكون نبيّاً، أنت كهارون! أي: أنت أخي؛ أنت وصيّي! أنت خليفتي من بعدي! أنت وزيري و معيني و حافظ نبوّتي!
و قال النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم: إنِّي تَارِكٌ فِيكُمُ الثَّقَلَيْنِ: كِتَابَ اللهِ وَ عِتْرَتِي، وَ إنَّهُمَا لَنْ يَفْتَرِقَا حتّى يَرِدَا على الحَوْضَ.
و قال: مَثَلُ أهْلِ بَيْتِي مَثَلُ سَفِينَةِ نُوحٍ، مَنْ رَكِبهَا نَجَى، وَ مَنْ تَخَلَّف عَنْهَا غَرِقَ.
والمراد من أهل الذكر في الآية: {فَاسْئَلُوا أهْلَ الذِّكْرِ إن كُنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ}.۱ هم أهل البيت صلوات الله وسلامه عليهم.
وهم المراد من حبل الله في آية: {وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللهِ جَمِيعًا وَ لا تَفَرَّقُوا}.٢
فهم الصراط المستقيم، و العروة الوثقى إذ لا يَقْبَلُ اللهُ الأعْمَالَ مِنَ العِبَادِ إلاَّ بِوِلايَتِهِمْ عَلِيّاً.
والمقصود من النعيم في الآية الشريفة: {ثُمَّ لَتُسْئَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ}.٣ هو نعيم الولاية.
والمقصود من المؤاخذة و السؤال في آية: {وَقِفُوهُمْ إنَّهُم مَّسْئُولُونَ}.٤ هي المؤاخذة والسؤال عن الولاية.
و قال النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم: لا يَجُوزُ أحَدٌ عَنِ الصِّرَاطِ إلاَّ وَ كَتَبَ لَهُ عَلِيّ الجَوازَ.
وقال النبيّ: عَلِيّ قَسِيمُ الجَنَّةِ وَ النَّارِ.
وقال: عَلِيّ مَعَ القُرْآنِ وَ القُرْآنُ مَعَ عَلِيّ.
وقال: عَلِيّ مِنِّي وَ أنَا مِنْهُ.
وقال: عَلِيّ مِنِّي كَنَفْسِي وَ كَرَأسِي مِنْ بَدَنِي.
وقال: عَلِيّ مَعَ الحَقِّ وَ الحَقُّ مَعَ عَلِيّ: اللهُمَّ أدِرِ الحَقَّ مَعَهُ حَيْثُ دَارَ.
وقال: عَلِيّ خَيْرُ البَشَرِ، مَنْ أبَي فَقَدْ كَفَرَ.
بعض الآيات النازلة في مقامات أمير المؤمنين عليه السلام
والمراد من أولي الأمر في قوله: تعالى: {أطِيعُوا اللهَ وَ أطِيعُوا الرَّسُولَ وَ أولي الأمْرِ مِنكُمْ}،٥ هم أمير المؤمنين و الأئمّة المعصومون سلام الله عليهم أجمعين.
و نزلت آية التطهير: {إنَّمَا يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أهْلَ الْبَيْتِ وَ يُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا}٦ في رسول الله، و أمير المؤمنين، و الزهراء، و الحسن، و الحسين عليهم السلام، و في الأئمّة الاثني عشر المعصومين عموماً.
وقال النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم: أهْلُ بَيْتِي أمَانٌ لأهْلِ الأرْضِ.
وجاء في آية المباهلة: {فَمَنْ حَآجَّكَ فِيهِ مِن بَعْدِ مَا جَآءَكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أبْنَآءَنَا وَ أبْنَآءَكُمْ وَ نِسَآءَنَا وَ نِسَآءَكُمْ وَ أنفُسَنَا وَ أنفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَل لَّعْنَتَ اللهِ على الْكَاذِبِينَ}.۷ والمقصود من «أنفُسَنَا» هنا هي نفس أمير المؤمنين التي جعلتها الآية نفسَ النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم.
و في قوله تعالى: {في بُيُوتٍ أذِنَ اللهُ أن تُرْفَعَ وَ يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ}،۱
حيث إنّ تجلّيات النور الإلهيّ المشعّة والمنتشرة في شبكات عالم الإمكان هي في البيوت التي {أذِنَ اللهُ أن تُرْفَعَ وَ يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ}. و المراد من البيوت هنا هي قلوب الأئمّة الطاهرين سلام الله عليهم و أرواحهم المقدّسة.
و المقصود من ذَوِي القُرْبَى في قوله تعالى: {قُل لا أسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أجْرًا إلاَّ الْمَوَدَّةَ في الْقُرْبَى}،٢ هم قربى الرسول الكريم صلّى الله عليه وآله وسلّم من نسل الصدّيقة الكبرى عليها السلام و أمير المؤمنين عليه السلام.
و المقصود من خَيْر البَرِيَّةِ في قوله تعالى: {إنَّ الَّذِينَ ءَامَنُوا وَ عَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أولَئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ}،٣ هم أمير المؤمنين و شيعته.
و لمّا نزلت هذه الآية، قال رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم: إنَّ عَلِيَّاً وَ شِيعَتَهُ هُمُ الفَائِزُونَ.
و المراد من النبأ العظيم في قوله تعالى: {عَمَّ يَتَسَآءَلُونَ ، عَنِ النَّبَإ الْعَظِيم}.٤ هو عليّ بن أبي طالب عليه السلام.
و المقصود من قوله: (مِنَ النَّاسِ) في الآية: {وَ مِنَ النَّاسِ مَن يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَآءَ مَرْضَاتِ اللهِ}.٥ هو أمير المؤمنين صلوات الله عليه.
و الذي كان شريكاً لرسول الله في سرّه، و عمل بآية النجوي من خلال تقديمه الصدقة والهديّة إلى رسول الله هو أمير المؤمنين عليّ عليه السلام طبق الآية: {يَا أيهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا إذَا نَاجَيْتُمُ الرَّسُولَ فَقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَةً}.٦
و في الآية الشريفة: {قُلْ كَفَى بِاللهِ شَهِيدًا بَيْنِي وَ بَيْنَكُمْ وَ مَنْ عِندَهُ عِلْمُ الْكِتَابِ}.۷
اعتُبر أمير المؤمنين عليه السلام في مصافّ الذات الإلهيّة المقدّسة تعالى شأنها، في الشهادة و الدلالة على صدق الرسالة و أحقّيّة الرسول.
و جُعل عليه السلام وليّاً و مَوْلَىً و ظهيراً و نصيراً و شريكاً لرسول الله صلّىالله عليه وآله وسلّم في سرّه، و ذلك في قوله تعالى: {وَ إنْ تَظَاهَرَا} (أي عائشة وحفصة) {عَلَيْهِ فَإنَّ اللهَ هُوَ مَوْلَاهُ وَ جِبْرِيلُ وَ صَالِحُ الْمُؤْمِنِينَ (أي أمير الموحدّين عليه السلام) وَ الْمَلَئكَةُ بَعْدَ ذَالِكَ ظَهِيرٌ}.۸
و في إعلان البراءة من المشركين عندما دفع رسول الله صلّى الله عليه وآله الصحيفة التي تضمّ البراءة إلى أبي بكر ليقرأها على الناس في موسم الحجّ في السنة التاسعة للهجرة في منى فنزل عليه الوحي يأمره بأن يقرأها هو أو رجل منه، فانتدب رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم أميرَ المؤمنين عليه السلام و أرسله خلف أبي بكر ليأخذ منه الصحيفة و يذهب بنفسه إلى مكّة فيقرأها على المشركين في موسم الحجّ.
أخذ أمير المؤمنين عليه السلام الذي كان نفس النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم الصحيفة من أبي بكر، وتوجّه إلى مكّة، و قرأها على المشركين في موسم الحجّ بعقبة "منى"! {وَ أذانٌ مِّنَ اللهِ وَ رَسُولِهِ إلَى النَّاسِ يَوْمَ الْحَجِّ الأكْبَرِ أنَّ اللهَ بَرِيءٌ مِّنَ الْمُشْرِكِينَ وَ رَسُولُهُ} ... ۱- الآيات. و انتقلت هذه المهمّة إلى أمير المؤمنين الذي كانت نفسه و روحه من النبيّ الأعظم صلّىالله عليه وآله وسلّم.
و المراد من الأذُن الواعية في قوله تعالى: {وَ تَعِيَهَآ اذُنٌ وَاعِيَةٌ}،٢ هو الوجود المقدّس لأمير المؤمنين عليه السلام.
و المقصود من آل ياسين في قوله جلّ شأنه في الآية: {وَ سَلَامٌ على آلْ ياسِينَ}،٣ هم الأئمّة المعصومون سلام الله عليهم أجمعين.
و المراد من الذي شُرِح صدره بنور الله في قوله تبارك اسمه: {أفَمَن شَرَحَ اللهُ صَدْرَهُ لِلإسْلَامِ فَهُوَ على نُورٍ مِّن رَّبِّهِ}،٤ هو أمير المؤمنين عليه السلام.
و المراد من الصراط في قوله تعالى: {وَ أنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَ لَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ}،٥ هو صراط الله المستقيم، صراط عليّ بن أبي طالب.
و المقصود بـ {مَن يَمشِي سَويَّاً عَلى صِرَاطٍ مُسْتَقِيم} في الآية الشريفة: {أفَمَن يَمْشِي مُكِّبًّا على وَجْهِهِ أهْدَى أمَّن يَمْشِي سَوِيًّا على صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ}،٦ هو أمير المؤمنين عليه السلام.
فضائل عليّ على لسان النبيّ في كلّ موطن وموقف
و قال رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم في خيبر: لأُعْطِيَنَّ الرَّايَةَ غَداً رَجُلاً يُحِبُّ اللهَ وَ رَسُولَهُ وَ يُحِبُّهُ اللهُ وَ رَسُولُهُ كَرَّارٌ غَيْرُ فَرَّارٍ، لَمْ يَرْجِعْ حتّى يَفْتَحِ اللهُ بِيَدَيْهِ.
و لمّا حان الغد، طلب عليّاً، و كان أرمد العين، فتفل في عينه، وأعطاه الراية، فذهب بها حيدر الكرّار و لم يرجع حتّى اقتلع باب خيبر فاتحاً ظافراً.
و كانت هذه الواقعة بعد فشل أبي بكر و عمر و رجوعهما خائبين خاسِرَين، إذ لم يستطيعا القيام بالمهمّة التي كلّفهما بها النبيّ صلّى الله عليه وآله في اليومين اللذين سبقا هذه الواقعة.
من هذا المنطلق، آخى رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم بينه و بين عليّ عليه السلام مرّتين. الأولى: في مكّة عندما آخى بين المهاجرين أنفسهم. و الثانية: بعد دخوله المدينة، عندما آخى بين المهاجرين والأنصار. فجعل عليّاً عليه السلام أخاه في كلا المرّتين.
وقال النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم: عَلِيّ أقْضَاكُمْ.
وفتح النبيّ لعليّ ألف باب من العلم؛ و قال: أنَا مَدِينَةُ العِلْمِ وَ عَلَيّ بَابُهَا.
وقال: أنَا دَارُ الحِكْمَةِ وَ عَلِيّ بَابُهَا.
وقال: أنَا مَدِينَةُ الجَنَّةِ وَ عَلِيّ بَابُهَا.
ولهذا قال صلّى الله عليه وآله: أنَا وَ عَلِيّ أبَوَا هَذِهِ الأمَّةِ.
وقال: حَقُّ عَلِيّ على هَذِهِ الأمَّةِ كَحَقِّ الوَالِدِ على وَلَدِهِ.
وقال: عَلِيّ وَزِيرِي وَ وَارِثِي.
وقال: يَا عَلِيّ لا يُحِبُّكَ إلاَّ مُؤْمِنٌ و لا يُبْغِضُكَ إلاَّ مُنَافِقٌ.
وقال: عِنْوَانُ صَحِيفَةِ المُؤْمِنِ: حُبُّ عَلِيّ بْنِ أبِي طَالِبٍ.۱
وقال: النَّظَرُ إلَى وَجْهِ عَلِيّ عِبَادَةٌ.
وقال: مَثَلُ عَلِيّ في هَذِهِ الأمَّةِ مَثَلُ {قُلْ هُوَ اللهُ أحَدٌ}. من قرأها مرّة، فكأنما قرأ ثلث القرآن؛ و من قرأها مرّتين، فكأنما قرأ ثلثي القرآن؛ و من قرأها ثلاث مرّات، فكأنّما ختم القرآن كلّه. و من أحبّ عليّاً بقلبه، فقد حاز ثلث الإيمان؛ ومن تبعه بقلبه ولسانه، فقد حاز ثلثي الإيمان؛ ومن أحبّه بقلبه و لسانه و جوارحه، و اتّبعه، فإنّ إيمانه أكمل الإيمان.
وقال النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم: عَلِيّ مِنِّي كَنَفْسِي؛ طَاعَتُهُ طَاعَتِي وَ مَعْصِيَتُهُ مَعْصِيَتِي.
وقال: يَا عَلِيّ! أنْتَ تُبْرِئُ ذِمَّتِي، وَ أنْتَ خَلِيفَتِي على امَّتِي.
وقال: يَا عَلِيّ أنْتَ تَقْضِي دَيْنِي.
وقال: إنَّ وَصِيِّي وَ وَارِثِي وَ مُنْجِزَ وَ عْدِي عَلِيّ بْنُ أبي طَالِبٍ.
وقال:... يَا عَلَيّ! أنْتَ تُؤدِّي عَنِّي، وَ تُسْمِعُهُمْ صَوْتِي، وَ تُبَيِّنُ لَهُمْ ما اخْتَلَفُوا فِيهِ بَعْدِي.۱
آية الولاية جعلت علياً عليه السلام في مصاف النبيّ صلى الله عليه وآله
يضاف إلى ذلك كلّه أنّ آية الولاية قد نزلت عند التصدّق بالخاتم أثناء الركوع، و ذلك في مسجد النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم. وقد جعلت الآية عليّاً عليه السلام في مصافّ الرسول الأعظم صلّى الله عليه وآله وسلّم وليّاً للمسلمين بالولاية الإلهيّة على سبيل الحصر بكلّ صراحة. فقد قال عزّ من قائل: {إنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللهُ وَ رَسُولُهُ وَ الَّذِينَ ءَامَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَوةَ وَ يُؤْتُونَ الزَّكَوةَ وَ هُمْ رَاكِعُونَ}.٢
وهذه الآية في سورة المائدة؛ وكما نعلم فإنّ هذه السورة هي آخر سورة نزلت على رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم. حيث أوحيت إليه في المدينة بعد حجّة الوداع طيلة سبعين يوماً اعتباراً من يوم غدير خمّ حتّى اليوم الذي توفّي فيه رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم.
و في أيّام مرضه، أمر رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم بغلق جميع أبواب الصحابة الملاصقة للمسجد النبويّ الشريف، و ذلك لكي لا يكون هناك طريق من دُورهم إلى المسجد. و لم يترك باباً مفتوحاً إلاّ باب أمير المؤمنين عليه السلام الذي لم يُغْلَق بأمره صلّى الله عليه وآله وسلّم.
ومن الأبواب التي تمّ إغلاقها: باب العبّاس عمّ النبيّ، و باب عمر، و باب أبي بكر، فجاء العبّاس إلى رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم و استأذنه أن يترك بابه مفتوحاً. فقال له رسول الله: ليس الأمر بيدي، بل الله لم يأذن بذلك. و قال عمر: يا رسول الله، إئذن لي بكوّة من أعلى بيتي لأرى قدومك إلى المسجد! فقال صلّى الله عليه وآله وسلّم: أوحى لي ربّي أن أغلق جميع الأبواب إلاّ باب عليّ بن أبي طالب. لذلك أمر بغلق جميع الأبواب بما فيها خَوفَة٣ دار أبي بكر.
النتيجة: إنّ النبيّ لم يؤل جهداً لبيان إمامة و ولاية أمير المؤمنين قبل يوم الغدير
فهذه الوقائع حصلت لأمير المؤمنين عليه السلام في زمن النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم. وهي و أمثالها ممّا لا يحيطها الإحصاء تدلّ على القرب الشديد لأمير المؤمنين من رسول الله، و على روحانيّته الأكيدة واقتران ولايته بولاية رسول الله. و لو لم يسبق أحد بأيّة سابقة ذهنيّة أو معرفة بمفهوم وصاية الإمام عليه السلام وخلافته، كالشخص الغريب على الإسلام مثل: اليهوديّ أو النصرانيّ، ثمّ رأى هذه الوقائع، فلا ريب أنه سيقول: لا جرم أنّ هذا المقام هو مقام الخلافة و الولاية و الإمامة بعد رسول الله. و قد أتينا عليها كلّها بالتفصيل في المباحث المتقدّمة أو التي ستأتي في كتاب «معرفة الإمام» بأسانيد معتبرة عن كتب الشيعة، و عن كتب العامّة كحفّاظهم. و كلّ من كان يرغب في مراجعة أسانيدها عاجلاً، غير ما ورد لحد الآن في كتاب «معرفة الإمام»، فليراجع كتاب «غاية المرام» للسيّد هاشم البحرانيّ، و «شواهد التنزيل» للحاكم الحَسْكَاني، و «فرائد السمطين» للحَمّوئيّ، و الأجزاء الثلاثة من تأريخ أمير المؤمنين عليه السلام من «تاريخ دمشق» لابن عساكر.
ويستفاد من هذه المقدّمة أنّ التمهيد لخلافة الإمام أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب عليه السلام كان مشهوداً و ملموساً تماماً منذ بدء البعثة النبويّة الشريفة، و على امتداد ثلاث و عشرين سنة من نبوّة الرسول العظيم صلّىالله عليه وآله وسلّم.
وكان ذلك بيّناً واضحاً لكلّ جماعة و فريق. بَيدَ أنّ الرسول الكريم لمّا أوشك أن يُدعى فيجيب بناءً على ما أخبره به جبريل من ارتحاله لذلك جاء الإعلان العامّ، و التنصيب العلنيّ، و إبلاغ ولاية أمير المؤمنين عليه السلام و إمامته لجميع طوائف المسلمين بوجه عامّ في غدير خمّ، إذ مهّد رسول الله الأرضيّة في حجّة الوداع. وكان يتحدّث في خطبة عن كتاب الله وعترته، حتّى حان موعد الغدير و هبط جبريل بهذه الآية: {بَلِّغْ مَآ انزِلَ إلَيْكَ مِن رَّبِّكَ}.
ختام البحث: حديث الإمام الرضا عليه السلام في مجلس المأمون
و نختم بحديث شريف روي عن الإمام عليّ بن موسى الرضا عليه الصلاة والسلام في مجلس المأمون، ننقله عن كتاب «غاية المرام»:
روى السيّد البحرانيّ عن ابن بابويه، قال: حدّثنا عليّ بن الحسين بن شاذَوَيه المؤدّب، و جعفر بن محمّد بن مسرور، قالا: حدّثنا محمّد بن عبد الله بن جعفر الحميريّ، عن أبيه، عن الريّان بن الصَّلْت، قال:
حضر [الإمام] الرضا عليه السلام مجلس المأمون بمرو. و قد اجتمع في مجلسة جماعة من علماء أهل العراق وخراسان.
فقال المأمون: أخبروني عن معنى هذه الآية: {ثُمَّ أوْرَثْنَا الْكِتَابِ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا}.۱
فقالت العلماء: أراد الله تعالى بذلك الأمّة كلّها.
فقال المأمون: ما تقول يا أبا الحسن؟!
فقال الرضا عليه السلام: لا أقول كما قالوا: ولكنّي أقول: أراد الله بذلك العترة الطاهرة.
فقال المأمون: و كيف عنى العترة من دون الأمّة؟
فقال الرضا: عليه السلام: لو أراد الامّة، لكانت بأجمعها في الجنّة لقول الله تعالى: {فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِّنَفْسِهِ وَ مِنْهُم مُّقْتَصِدٌ وَ مِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإذْنِ اللهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ}.٢
ثمّ جمعهم كلّهم في الجنّة، فقال: {جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أسَاوِرَ مِن ذَهَبٍ وَ لُؤْلُؤًا وَ لِبَاسُهُمْ فِيهَا حَرِيرٌ}.٣
[(ولمّا لم تكن الأمّة كلّها في الجنّة، فلا محالة أنّ المراد من المصطفين الذين يشملون الأصناف الثلاثة هم العترة)]. فَصَارَتِ الوِرَاثَةُ لِلعِتْرَةِ الطَّاهِرَةِ لا لِغَيْرِهِمْ.
فقال المأمون: مَنِ العترة الطاهرة؟!
فقال الإمام: الَّذِينَ وَصَفَهُمْ اللهُ تعالى في كِتَابِهِ: فَقَالَ: {إنمَا يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أهْلَ الْبَيْتِ وَ يُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا}؛ وَ هُمُ الَّذِينَ قَالَ رَسُولُ اللهِ صلّى اللهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ: «إنِّي مَخَلِّفٌ فِيكُمُ الثَّقَلَيْنِ: كِتَابَ اللهِ وَ عِتْرَتِي أهْلَ بَيْتِي؛ ألا وَ إنَّهُمَا لَنْ يَفْتَرِقَا حتّى يَرِدَا عَلَيّ الحَوْضَ؛ فَانْظُرُوا كَيْفَ تَخْلُفُونِي فِيهِمَا! أيُّهَا النَّاسُ! لا تُعَلِّمُوهُمْ فَإنَّهُمْ أعْلَمُ مِنْكُمْ»!
قالت العلماء: أخبرنا يا أبا الحسن عن العترة أهُمُ الآل أم غير الآل؟ فقال الرضا عليه السلام: هُمُ الآل.
ويبدأ هنا نقاش الإمام عليه السلام فيعرض مواضيع نفيسة و قيّمة جدّاً تشغل ما يقارب ثلاث صفحات من كتاب «غاية المرام» و هي صفحات مليئة و من القطع الرحليّ و مشحونة بالكلمات. وقد تجنّبنا ذكر ذيلها مراعاة للاختصار.٤
[ملاحظة: تمّ انتخاب هذا البحث من كتاب معرفة الإمام للمرحوم آية الله الحاج السيد محمد الحسين الحسينيّ الطهراني رضوان الله عليه، ج ۷، ص ٦- ۱٩]