قسم السؤالالأخلاق والعرفان
كود المتابعة 5680
تاريخ التسجيل 1441/12/14
آية الله السيد محمد محسن الحسيني الطهراني

كيف بلغ العلامة الطباطبائي مرحلة التوحيد والفناء الذاتي؟


بسم الله الرحمن الرحيم
بناء على أنّ العلامة الطباطبائي لم يكن معتقداً بالفناء في الذات في بادئ الأمر، وإنّما ثبت عنده هذا الأمر بواسطة العلامة الطهراني، أي إنّ هذه القناعة و العقيدة قد حصلت له في وقت لم يكن لديه أستاذ، فحيث أنّ الفناء لا يحصل للإنسان إلا بواسطة وجود أستاذ كامل، فكيف استطاع العلامة الطباطبائي بلوغ مرحلة الفناء والحال أن أستاذه السيد القاضي كان متوفى؟
هناك نكات عدة ترتبط بهذا السؤال لا بدّ من الإطلاع عليها: أولاً: إنّ المسألة التي وقعت مورداً للبحث بين المرحوم العلامة الطباطبائي والمرحوم العلامة الطهراني، كانت تدور حول إمكانيّة تحقّق الفناء الذاتي، وانعدام النفس الإنسانية واضمحلالها بشكل تام، واندكاكها في الذات الأحديّة. ولم يكن المرحوم العلامة الطباطبائي واصلا إلى هذه المرتبة في مقام الثبوت، لذلك أنكر هذه المسألة في مقام الإثبات.. وأمّا المرحوم العلامة الطهراني: فبالنسبة لمقام الثبوت فالله هو الأعلم، وأمّا في مقام الإثبات فإنّه كان يبين المسألة ويثبت إمكانيّة حصول هذه المرتبة للسالك. إذن فإنّ البحث الذي كان بينهما هو مجرد بحث علمي، واقتناع العلامة الطباطبائي رضوان الله عليه وقبوله واعتقاده بإمكانيّة بلوغ هذه الرتبة، ليس له أي ارتباط بسلوكه العملي في ذاك الزمان. إذ من الممكن أن يكون الإنسان معتقداً بمطلب معيّن، إلا أنّه لم يتحقّق به ولم يصل إليه. ثانياً: إن كيفية سير السالك وحركته تحت إشراف الأستاذ تختلف من حالة إلى أخرى، ففي بعض الحالات تقتضي كيفية السير أن يعبر السالك من مرتبة التعيُّن والتشخُّص بواسطة نفس الولي الحيّ، حتى يبلغ مرحلة الإطلاق وتَمَحُّض الذات، والتي هي عبارة عن الفناء الذاتي. ففي هذه الحالة لا بدّ من الحضور الخارجي للأستاذ الكامل، وبدونه لا يمكن حصول هذه الحركة، ولا يمكن أن يتحقّق هذا المسير. ولكن في بعض الحالات يقتضي السير والسلوك تحت إشراف الأستاذ الكامل، أن يتابع السالك سيره بشكل منفرد، ويطوي المراحل والمنازل بواسطة المراقبة والذكر والتفكر، كل ذلك بواسطة الاستمداد من الولي الحيّ حضرة بقية الله أرواحنا فداه، فيستمر السالك بنفسه في السير والسلوك، وبلغ مقام الذات الأحدية ويصل إلى مرتبة الفناء الذاتي، ويحرر نفسه من عالم التعيًّنات. وكما لا يخفى فإنّ لوجود الإمام الحي عليه السلام التأثير الأساسي والمحوريّ في تعيين وتحديد كلا الطريقين وحركته فيهما. وكثير من الأولياء الإلهيين قد أدركوا مقام الفناء الذاتي بواسطة هذا الطريق، كما أنّ المرحوم العلامة الطهراني قدس الله سره، كان ينقل حصول ذلك للمرحوم الحاج السيد هاشم الحداد رضوان الله عليه، وكان يضيف أنّ بعض أساتيذ العرفان والأولياء الإلهيين يقومون بزرع بذرة السلوك والسير إلى الله في نفس السالك، فتستقرّ في أعماق سرّه وضميره، وبعد ذلك لا تعود حركة السالك ومجاهداته معقّدة وصعبة، وإنّ طريقة تربية المرحوم القاضي لتلامذته كانت بهذه الكيفيّة. وأنّه كان يلمّح إلى ذلك في بعض الأحيان، ويكشف عن طريقته هذه بالكناية. نعم لابد من الالتفات إلى أنّ هذا الأسلوب وهذه الطريقة ليست حتميّة لكلّ تلميذ كان يتشرف بالتتلمذ على يديه، فانتخاب هذه الطريقة وتحديدها للسالك منوطة فقط وفقط بيد الأستاذ.
فبناء على ذلك، فأيّ مانع من أن يكون المرحوم العلامة الطباطبائي مشمولاً لهذا القسم من التربية والتكامل والسير؟! فيكون قد نال هذه الرتبة في آخر عمره ولبس كسوة التجرد والفناء بعد ارتحال أستاذه المرحوم القاضي. ثالثاً: إنّ الله المتعالي هو مسبّب الأسباب، وإليه يرجع الأمر كله، وهو على كلّ شيء قدير، وهو المؤيد والموفق، فمن الممكن أن يصل السالك إلى هذا المقام بواسطة جذبة خاصّة وضمن ظروف خاصّة، أو بواسطة نفس أحد الأولياء الكمّل (حتى وإن لم يكن هو الأستاذ الظاهري لذلك السالك) فيتحقق منه ذلك السير و العبور.