المؤلّفآية الله السيد محمد محسن الحسيني الطهراني
القسمالمناسبات الإسلامية
التاريخ 1420/06/20
التوضيح
ما معنى الإخلاص في العمل؟ ولماذا خلوص النيّة وكيف يمكن تحصيله؟ كيف كانت العلاقة بين النبيّ والسيّدة فاطمة صلوات الله عليهما؟
كيف ينبغي أن تكون العلاقة بأولياء الله؟ ماذا جرى بعد المرحوم العلاّمة؟
هذه أهمّ المحاور التي تحدّثت حولها المحاضرة مع العديد من الشواهد التاريخيّة كقصّة فضّة وبايزيد وتلامذة الشيخ الأنصاري، والمعاصرة كأحداث ما بعد المرحوم العلاّمة.
هو العليم
الهدف من إقامة مجالس أهل البيت عليهم السلام
ولادة السيّدة الزهراء سنة ۱٤٢۰ هـ ق
محاضرة ألقاها
آية الله الحاجّ السيّد محمّد محسن الحسينيّ الطهرانيّ
قدس الله سره
بِسْمِ اللَه الرّحمنِ الرّحيم
و صَلّى اللَهُ على سيِّدنا و نبيِّنا
و حَبيبِ قُلوبِنَا و طَبيبِ نُفوسِنَا و شفیع إله المرسلین أبي القاسِمِ مُحمَّد
و على آلِهِ الطَّيّبينَ الطّاهرينَ المَعصومينَ المُكرَّمين
و اللّعنةُ علیٰ أعدائِهم أجمعینَ
السبّب في كون المعصومين الأربعة عشر قدوة
اليوم يوم ولادة السيّدة الزهراء سلام الله عليها. و السيّدة الزهراء أسوتنا، فلماذا هي أسوتنا؟ إنّها قدوتنا، فلماذا هي قدوتنا؟ نحن ليس لدينا قدوة غيرها. قدوتنا هم فقط المعصومون الأربعة عشر لا غير! فلماذا؟ لماذا يجب أن تكون السيّدة الزهراء وحدها أسوة للنساء و الرجال؟ لماذا يجب أن يكون وجودها و حركتها و أفعالها و أقوالها و سلوكها أسوة؟ لأنّ السيّدة الزهراء معصومة و لا معصوم غيرها
أيًّا يكن غيرها فهو يذنب و يخطئ و من يخطئ ليس أسوة، الإنسان جائز الخطأ، سواء كان معمّمًا أو غير معمّم، فلا فرق في ذلك، و سواء كان عالمًا أو جاهلاً. نعم، لأنّ العمل الذي يقوم به الإنسان ممتزج من الصدق و الهوى. فبمقدار ما يغلب الصدق على الهوى يكون العمل مقرّبًا. و بمقدار ما يغلب هوى النفس فإنّ العمل مبعد و بعيد و إن كان حسن الظاهر.
ماذا نفعل ليكون عملنا خالصًا؟
«مَنْ أخلَصَ لِلَّهِ أرْبَعِينَ صَباحًا جَرَتْ يَنٰابيعُ الحِکمَةِ مِنْ قَلْبِهِ عَلَى لِسَانِه.» أو «اَجَرَى الله يَنٰابيعَ الحِکمَة مِنْ قَلْبِهِ عَلَى لِسَانِه.»۱
هل فكّرنا حتّى الآن حول كيفيّة الإخلاص في العمل؟ ماذا نفعل ليكون عملنا خالصًا؟ فلنجلس و لنفكّر في أنفسنا! فقد سمعنا كلّ هذه التوصيات من أعاظم الدين و قرأنا أنّهم قالوا: أخلصوا أعمالكم أخلصوا أعمالكم! فما معنى أخلصوا أعمالكم؟ ما معنى اجعلوا أعمالكم خالصة؟ و لماذا خلوص النيّة و كيف يمكن تحصيله؟ لماذا نقوم بكلّ هذه الأعمال و نعبد و لكن لا نشعر بتغيير في أنفسنا و لا نرى تبدّلاً؟
كيف نحتفل بولادة الزهراء عليها السلام؟
إنّ يوم و لادة السيّدة الزهراء سلام الله عليها هو يوم عيد و احتفال، على الإنسان أن يظهر السرور و يكون فرحًا لأنّ وجودًا مباركًا كهذا لا نظير له إلا أبوها و زوجها ـ و اقول لكم إنّ جميع بركات سائر الأئمّة عليهم السلام من وجود هذه الأمّ! ـ فوجود كهذا قد تحقّق اليوم أفلا نفرح، فماذا نفعل إذن؟ هذا صحيح.
إنّ مجالس ميلاد السيّدة الزهراء سلام الله عليها لا بدّ أن تقام، و على الشيعيّ أن يفرح و يكون مسرورًا، و لكن الأمر لا ينتهي بهذا. هذه المجالس مجالس ذكر و مجالس تذكّر.
يأتي خطيب و يتحدّث عن سيرة تلك السيّدة، و يبيّن بضع كلمات من الروايات، و يأتي قارئ و مادح فيمدح أهل البيت، فهذا كلّه جيّد و يجب أن يكون. إنّ قوام الشريعة بالشعار، و الظاهر و الشعار لا بدّ منهما. غاية الأمر أنّه في الشريعة و في الدين يتبلور هذا الشعار و يظهر في باطن الشيعيّ، أمّا خارج هذه المدرسة فإنّه يظهر في الشعارات السياسيّة للآخرين، و لا بدّ من إطلاق تلك الشعارات، و يمكن أن يمرّ على الإنسان يوم لا يدري أيّ يوم هو، و أن يأتي عيد و هو لا يعلم أيّ يوم هو!
و لكن إذا حلّت أيّام عاشوراء فإنّ عزاء سيّد الشهداء عليه السلام يتبلور في وجود الجميع، لماذا؟ لأنّ هناك ربطًا، و الولاية الباطنيّة تأتي و تؤثّر و تفعل فعلها في العالم. و في ولادتهم الأمر كذلك أيضًا، و في عزائهم الأمر كذلك، أمّا في الموارد الأخرى فإنّا نرى أنّه لا يختلف الأمر عندنا، يقولون افعل كذا و افعل كذا و لولم يأمروا لما حصل شيء و لا تحرّك ساكن، و لما أحسّ الإنسان بشيء، و هذا هو الفرق بين الحقيقة و المجاز، و لكنّ الكلام هو في أنّه ما هو هدف الأئمّة من تشكيل هذه المجالس؟ فهذه الروايات الكثيرة التي لدينا حول أنّ من أحيا ذكرنا ماذا يثيبه الله فما هو مراد الإمام الصادق عليه السلام من ذلك؟ ما معنى إقامة ذكر سيّد الشهداء؟ ما هي حاجة الإمام الحسين لأن نبكي عليه؟ إن كان عمله مطابقًا لرضى الله و الإخلاص فهو ينال أجر ذلك، و إن لم يكن كذلك فماذا يفيده بكائي و بكاؤك؟ هونفسه يأخذ أجره.
إنّ إقامة مجالس عزاء سيّد الشهداء هي بسبب أنّ هناك شيئًا ما ينالنا و لكي نصل إلى منفعة و زاد، فبما أنّنا نحن غارقون في الشقاء و المسكنة و التسول و الفقر و الحاجة و أمثالها عسى أن نحظى بكسرة من مائدة ذلك الإمام الواسعة و العامّة، كلّ ذلك لأجل هذا، و إلا فالإمام الحسين لا حاجة لديه.
مقام الإمام الحسين بعد الشهادة
فلو لم يقم أحد مجالس الإمام الحسين، فماذا يصنع الله للإمام الحسين يوم القيامة و الآن؟ لا ينقص منه مثقال ذرّة، مثقال ذرّة! فقد جاءت الملائكة يوم عاشوراء و قالت لسيّد الشهداء: إنّ الله يقرئك السلام و يقول إنّا جعلنا جميع قوى العالم تحت تصرّفك، جميع القوى.۱
و لكن هناك حسابًا و درجة في الشهادة لن تنالها إلا بالشهادة.٢
فهذا أمر آخر و لا بدّ من تحقّق الشهادة، فهناك حساب آخر. لا ننقص من مرتبتك، و لا ننقص ممّا أنت عليه. و هذا الكلام ليس هزلاً! فلولم يختر الإمام الحسين عليه السلام يوم عاشوراء الشهادة لما نقص من إمامته شيء، و لبقي ذاك الإمام. هناك حساب خاصّ بينه و بين الله و هو يختلف عن الإمامة و هو أرفع منها، ذلك الارتباط الخاصّ و ذلك السرّ بين العاشق و المعشو ق و تلك الحالة و الرتبة الخاصّ بين سيّد الشهداء و بين الله هي أعلى من الإمامة.
فالله يرسل إلى الإمام الحسين أنّ إمامتك محفو ظ، و لا ننقص من مقامك شيئًا و لا ننقص من رتبتك شيئًا، فستبقى على ما أنت عليه الآن. فقبل حادثة كربلاء ماذا كان الإمام الحسين يصنع؟ لقد كان إمامًا و كان جميع عالم الملك و الملكوت في يده. أفهل لديك مقام أرفع من ذلك؟! ليس لديك! فلماذا يقول الله يوم عاشوراء إنّ لك مقامًا و مرتبة عندي لا تتنافى مع الإمامة التي أنت عليها الآن، يمكنك أن تكون إمامًا و أن لا تصل إلى تلك المرتبة الخاصّة.
لذلك ماذا فعل الإمام؟ اختار الشهادة٣ لقد مضى و وصل إلى تلك المرتبة التي وعد بها و التي تقبّلها بنفسه، لقد وصل، و واحد من مليارات آثار هذه المرتبة واحد من مليارات آثارها أنّك تستطيع أن تشفع لجميع الأمّة! فهذا أحد الآثار. فانظر أيّ مقام هو! واحد من مليارات آثاره… و التعبير الذي أعبّر به مقصود، أعني به أنّ آثاره لا يمكن أن يحصيها فكر. فإذن ماذا يفيدنا مجلس العزاء هذا؟ في أن نأتي و نجلس و نفكّر في الإمام الحسين، أن نفكّر في هذا الموجود، في أحواله و أطواره، في أعماله التي قام بها.
نعم البكاء رحمة، البكاء على سيّد الشهداء رحمة، البكاء على الإمام الحسين رحمة. و لدينا في الرواية أنّ من بكى أو أبكى على سيّد الشهداء فله الجنّة.۱
و لكن المشايع لسيّد الشهدء لا يقنع بهذه المراتب الدنيا. هو لا يقنع بذلك، أقل ما يجب على المشايع لسيّد الشهداء هو أنّه إذا حلّت عاشوراء الآن جعل نفسه في خيمة سيّد الشهداء! هذا هو الحدّ الأدنى، لماذا نقول هو الحدّ الأدنى؟! لأنّ لأصحاب سيّد الشهداء مراتب، فقد كان للحرّ بن يزيد الرياحيّ رضوان الله عليه مقام، و لحبيب بن مظاهر رضوان الله عليه مقام، و كلاهما كانا في خيمة سيّد الشهداء، و لكنّ لهم مراتب فيما بينهم. فنحن نقول هذا: أقلّ ما يفعله الشيعيّ هو أنّ يكون في خيمة سيّد الشهداء. حينها تأتي يد الرحمة و تنهي أمره.
قصّة إرشاد العلاّمة الطهراني رضوان الله عليه للمرحوم الحاجّ هادي الأبهريّ
لقد كان الحاج هادي الأبهري ـ و الذي تحدّث المرحوم العلاّمة عن أحواله أظنّ في الروح المجرّد ـ يبكي على سيّد الشهداء أربع عشرة سنة ليلاً نهارًا، و كان يدعى من بكّائي العصر.
أنتم تعلمون أنّ البكّاؤون خمسة: آدم الذي بكى حتّى عفى الله عن تقصيره، و يعقوب بكى حتّى جفّ الدمع من عينه، و منهم الإمام السجّاد٢ و قد كان هو أيضًا من البكّائين في هذا العصر. و قد سمعت المرحوم الوالد يقول إنّه كان يبكي في الليل و النهار حوالي خمس عشرة ساعة أو ست عشرة ساعة فقط على سيّد الشهداء. و لم يكن الأمر باختياره! فقد كان يبكي هكذا بغير اختيار و استمرّ على ذلك سنين، على الأقلّ استمرّ ذلك لديه أربع عشرة سنة، كان كامل ذكره في هذه المدّة ـ و كان أميًّا لم يتعلّم ـ الإمام الحسين و السيّدة زينب. فذكره في هذا العدد من السنوات كان: الإمام الحسين و السيّدة زينب.
لم يكن يعرف القراءة و الكتابة، و لا يتمكّن من الإمضاء، لم يكن يعرف إمضاءه، و كان قد صنع لنفسه ختمًا و وضعه في جيبه فكان يخرجه من جيبه و يغمسه في الحبر و يختم به. و كانت له حالات و مكاشفات، كانت له حالات تمكّنه من معرفة النفو س و الاطّلاع عليها. و كان يميّز النفاق من الصدق، و كان صريحًا جدًّا يقول لمقابله: أيّها المنافق! فلم يكن أحد يتمكّن من الكلام أمامه، فلوقالواله: نحن محبّون لك مخلصون. كان يقول: أيّها الكاذب! فكان يقول بصراحة و جرأة: أنت لم تتخيّل ذلك حتّى خمس دقائق. فكان يذهب بماء و جه المتكلّم فلا يقول شيئًا.
ذات يوم و في مجلس عقد و فرح حيث كان المرحوم الوالد حاضرًا، و كان حاضرًا أيضًا أحد أقاربنا القريبين جدًّا من المرحوم الوالد و من العلماء المعروفين و كان أكبر من المرحوم الوالد سنًّا، و بينما كانوا جالسين دخل الحاج هادي و كان مدعوا، فالتفت إليه ذلك القريب و قال: أيّها الحاجّ أنا خادمك المخلص لك. فقال له: أنت تكذب، أنت تكذب! كانت له حالات و ربّما كنت قد تحدّثت عنه سابقًا.
مثلاً عندما كان يذهب إلى سوريا إلى ذلك الباب الذي أدخلوا منه السبايا و يجلس هناك و يدخّن الغليون، يعدّ غليونا و ما إن يبدأ بشربه يبدأ بمشاهدة جميع الأسرى و أوضاعهم في ذلك الزمان، حيث يأتون و يذهبون. و ما يذكره ينطبق بدقّة على ما نقل في كتب التاريخ. لم يكن يقرأ و لا يكتب و كانت له حالات و كان المرحوم الوالد يحترمه كثيرًا حتّى إنّه كان قد عقد عقد الأخو ة مع المرحوم الوالد، و لأجل هذا الإحساس الديني الذي كان لديه بالنسبة إلى هذه الحادثة فإنّ المرحوم العلاّمة لم يتركه حتّى آخر عمره. و كان يهتمّ به حتّى آخر عمره، و في السنوات الأخيرة من عمره كان متكفّلاً بخدمته عند المرض و يأخذه إلى الدكتور مهدي آذر و الذي انتقل إلى رحمة الله أيضًا، و واقعًا لقد أدّى له حقّ الأخوة.
لقد كانت للمرحوم الوالد صفات عجيبة جدًّا، كانت صفاته عجيبة جدًّا من حيث المروءة و الشهامة و الحميّة. و ربّما لم أر له نظيرًا، فقد كنت على صلة بكثيرين و لكنّ الخصوصيّة التي رأيتها فيه خصوصًا كانت سببًا للعبرة لديّ و للتأسّف حيث لا يمكننا أن نحقّق قليلاً من كثير من ذلك في أنفسنا.
و الحاصل أنّه رغم كلّ هذه الأوضاع و الأحوال كانت له بعض المسائل و لم يكن يتمكّن من التخلّص من تلك الأمور و تلك الأفكار، لذلك فإنّه كان مخالفًا في الطريق مع السيّد الحدّاد رضوان الله عليه، و لم يكن يقبل بمنهج السيّد الحدّاد كثيرًا، فكانت له إشكالات على كون السيّد الحدّاد العارف الاول و الإنسان الأفضل، و كان قد خضع لتأثير بعض الأمور، فهذا كلّه كيلا نخدع يوما و العياذ بالله و لا نعلم، ونظنّ أنّه إذا ما اتّضحت لنا حقيقة ما فقد انتهى الأمر، فالأمر لم ينته، له مراتب، بعضها فوق بعض، و هناك أسرار، و هناك سرّ و باطن، فليس الأمر هكذا، و أنّي أنقل لكم أمرًا، فاولاً نقلت لكم قصص الحاج هادي الأبهري لكي تعلموا أنّ الأمر لا ينتهي هنا.
لقد ذهب السيّد الحدّاد في عمره مرّة واحدة إلى مكّة، و عندما رجع منها قصد بغداد اولاً و زار حرم الإمام موسى بن جعفر عليه السلام و حرم الإمام الجواد هذين الإمامين العظيمين الجدّ و الحفيد المدفونين في مكان واحد، و بعدها ذهب إلى كربلاء. و عندما وصل إلى كربلاء و قبل أن يصل إلى المنزل ذهب إلى حرم سيّد الشهداء ثّ حرم أبي الفضل ثمّ جاء إلى المنزل، و كان الحاج هادي الأبهري رحمه الله حينها في كربلاء، فلمّا رأى أنّه زار اولاً حرم سيّد الشهدء و أبي الفضل طار من الفرح، لم يكن يعلم، انظروا أين هي الفاجعة؟! الفاجعة هي في أنّ اول إنسان في عالم و على و جه الأرض بعد بقيّة الله لا بدّ أن يذهب إلى حرم سيّد الشهداء ليبرّئ نفسه من هذه الأمور. فقد ملئ ذهنه بأمور عن السيّد الحدّاد فيما يرتبط بالولاية و أنّه ليس من أهل الولاية و أنّه من أهل التوحيد، و أنّ هذين الأمرين منفصلان، و أنّهم لا يقبلون بالأئمّة، و ليست لديهم مجالس عزاء و فقط يقرأون القرآن و أمثال هذه الأباطيل و المزخرفات الموجودة دائمًا و التي ذهب السيّد الحدّاد إلى حرم سيّد الشهداء و أبي الفضل لتبرئة نفسه منها فخفّت الشبهات التي كانت في ذهنه إلى حدّ ما، و طار من الفرح و مشى أمامه و كان يقرأ الشعر باللغة التركيّة و وصلوا إلى منزله و عندها وصل الحاج هادي الأبهريّ إلى مكان جيّد. فهذه أمور لا بدّ للإنسان أن يلتفت إليها في النهاية. و لوانّهم هم لم يبيّنوها لما بيّنتها أنا أيضًا، فقد أرسل المرحوم العلاّمة بعض الرسائل إلى بعض أصدقائه أثناء رحلته إلى الحجّ التي رافقته فيها عندما كان عمري سبعة عشر عامًا، و كانت رسائل عجيبة. و أنا لم أرى أبدًا الرسائل التي كان يرسلها إلى الناس مثل تلك الرسائل تتضمّن شيئًا آخر، و لونظر الإنسان في هذه الرسائل و التي بعضها غير متوفّر و بعضها متوفّر لرأى أنّه قد أفشى فيها بعض الأسرار التي لا تقال. فقد كتب في المدينة رسالة إلى الحاج هادي الأبهريّ، و لحسن الحظّ فقد توفّي في تلك السنة عينها التي كتب له فيها الرسالة، فبعد الرجوع من الحجّ بأشهر انتقل إلى رحمة الله، و لكنّه انتقل محمّلاً بالخير، محمّلاً بالخير! فقد أثّرت فيه تلك الرسالة أثرها. و كان من الواضح أنّ حاله قد تغيّر، و أنّه قضى هذه الأشهر الثلاث أو الأربع من عمره بنحو آخر، رحمة الله عليه. لقد كتب له في تلك الرسالة:
أيّها الحاج هادي أنا هنا من جوار حرم النبيّ أذكّرك و أعلمك أحذّرك من حيث إنّك رفيق مشفق أن يأتي يوم يقف فيه ذلك الذي قضيت عمرك بالبكاء و الحزن عليه أمامك، فلا يقفنّ أمامك و يكون خصمك سيّد الشهداء و يقول لك: أنت بمسيرك و بطريقك سددتَ طريقي الذي فديتُه بنفسي و وقفتَ أمامه.
و طبعًا أنقل العبارة بالمعنى لأنّها بحرفيّتها ليست موجودة، و تلك المقاطع التي ذكرتها كانت عين الرسالة، و لكن هذا القسم الأخير هونقل بالمعنى.۱
الدعوة إلى التوحيد و العرفان هو أساس ثورة الحسين عليه السلام
أيّ طريق كان ذاك؟ لقد كان طريق العرفان. لقد كانت ثورة سيّد الشهداء ثورة تو حيد و كانت ترفع لواء التوحيد، کانت تعلن التوحيد، تعرّف الولاية التي هي عين حقيقة التوحيد إلى العالم كلّه، و باطنها قد فتح هذا الطريق، ظاهرها كان الشهادة و المثلة و التشريد و الأسر، فهذا كلّه ظاهر الأمر، و أمّا باطنه فهو أنّ سيّد الشهداء بيّن حقيقة التوحيد، و بسط مائدة التوحيد للجميع، و دعا إليها الجميع.٢
فهل رأيتم كم الأمر مهمّ؟! فالإنسان الذي يبكي عمرًا كاملاً على الإمام الحسين يرى فجأة في يوم القيامة أن يا للعجب! لقد دست على الحقّ برجلك! لقد مزجت عملك بغير الحقّ لقد مزجت إخلاص عملك و أدخلت فيه غير الله! الأمر مهمّ جدًّا، و الحمد لله فإنّ تلك الرسالة و ما جرى بعدها كانت مؤثّرة حتّى أزيح الستار من أمام عينيه في آخر عمره، و اعترف بالحقايق التي كان يصرّ عليها المرحوم العلاّمة و انكشفت له الحقائق.
الكلام الآن هو في أنّ هذه المجالس التي للعزاء و المجالس التي تقام لأجل أهل البيت عليهم السلام، هي مجالس على الإنسان أن يقصدها و يجعل نفسه على منهجها، فنحن لسنا أرفع من الحاج هادي الأبهريّ رغم كلّ حالاته و أطواره.٣
كيفيّة وحدة النبيّ و السيّدة الزهراء صلوات الله عليهما و آلهما
جاء النبيّ إليها و عرض عليها الخاطبين، فمن أيّ نوع كان هؤلاء؟ كانوا من الذين إذا طلب منهم عشرات الكيلوات من الذهب لأعطوا. لقد كان الحال في قريش هكذا. و لكنّ النبيّ كان يزيحهم جانبًا بأجمعهم.٤ لماذا؟ لأنّ معيار النبيّ يختلف عن معيارنا، مقاييسه تختلف عن مقاييسنا. نحن مقاييسنا في الزينة و المظاهر، أمّا هو فيضحك من ذلك. و كان قد جعل السيّدة الزهراء مثله أيضًا، و كانت معاييرها كمعاييره، ونفسه عين نفس النبيّ. فعندما جاء أمير المؤمنين خاطبًا التفت النبيّ إلى ابنته و قال: ما هو معيارك في الزوج؟ إن كان المال و الدنيا فهذا عليّ لا يملكهما، و إن كان لديه أيضًا فهو لا يعطي.
لقد أوضح كلّ شيء لابنته من البداية و قال لها إنّه لا يملك في هذه الدنيا سوى سيف۱ و السلام. و هذا السيف يستعمله في الحروب، و ليس لديه شيء آخر. فلا ذهب لديه و لا فضّة، و لا شيء من هذا القبيل.
و كان في حياته يعمل بحفر الآبار و زراعة البساتين التي كان يحييها، و كان الناس كلّهم منتظرين أن يروا لمن سيعطيها، إلى أيّ و لد من أولاده. و فجأة قال: ائتوني بكتف و دواة. و بدأ: هذه لفقراء بني فلان، و هذه العين و القناة لفقراء بني فلان.٢
عجيب عجيب! لقد تعبت فيها لسنوات، زرعت الشجر، وأجريت القنوات و الينابيع، و أنت بنفسك تعبت في ذلك، و بعد أن انتهى الأمر تقول: هذه لفلان؟! لقد كان المعيار شيئًا آخر. لو كان عليّ يملك شيئًا فإنّه لا يأتي به إلى هنا!
ـ ماذا يملك يا أبي؟
ـ لا شيء؛ فقط سيف و قميص و مئزر و السلام. لا شيء!
ثمّ قال النبيّ: هو هكذا يتميّز بهذه الخصوصيّة، فهو اول مجاهد في الإسلام، و أول كذا… عندما لم يكن معي أحد كان هو معي، كان معيني، كان إلى جانبي، كان إلى جانب أمّك خديجة معي. و ماذا فعل عندما تخلّى الجميع.٣
فتسير السيّدة الزهراء في هذا المنطق و تقول إنّي أريده، فأنا لست أبحث عن تلك الأمور، لا أبحث عن زخارف الدنيا.
قصّة فضّة و الإكسير
كلّ من يأتي إلى هذا البيت لا بدّ أن يكون هكذا. كلّ من يأتي لا بدّ أن يكون هكذا. لقد كان حول النبيّ كثيرون، كان حوله الكثير من النساء، و لكن ماذا؟ كلّ واحدة منهنّ كان لها تعلّقها الخاصّ. كلّ واحدة كان لها حسابها الخاصّ. و جاءت فضّة و كانت امرأة جليلة، كانت امرأة عابدة، زاهدة، و كانت و كانت و كانت، و لكن كان لها تعلّق واحد، لا يزال لديها تعلّق واحد بالدنيا، هنوز لديها عقبة، لأجل الله و لكن علينا أن نرى هل الله الذي هو في حدود الفكر هو الله أم الله أعلى من حدود الفكر. و كان تعلّقها هوالإكسير، فجولت إناء من النحاس إلى ذهب، و أعطته إلى أمير المؤمنين. فقد نظرت فرأت أنّ اول إنسان في العالم، صهر رسول الله، في أيّة حالة يعيش، و السيّدة الزهراء في أيّ وضع تعيش، السيّدة الزهراء تعيش في حال لا توصف. لقد نبتت الثآليل في كفّيها و سال منها الدم… كانت الأوضاع صعبة جدًّا. نظرت فقالت لا يعقل هذا، و كانت قد أحضرت معها مادّة الإكسير، فحولت إناء من النحاس إلى ذهب و أعطته أمير المؤمنين أن بعه و اصرف قيمته على معيشتك. لم يحبّ الإمام إيذاءها فقال: ما هذا؟! ما شاء الله ما شاء الله، أحسنت، كم هو عمل جيّد! شكرًا لك على اهتمامك، شكرًا جزيلاً، و أمثال هذا الكلام، و لكن لو أحميته أكثر ثمّ ألقيت عليه مادّة الإكسير لصار ذهبه من عيار أفضل!
ففوجئت و بهتت أن يا عجبًا! من يعلم هؤلاء ذلك؟!
فقال الإمام: اذهبي إلى ذلك الطفل الذي يعلب في حديقة المنزل و اسأليه فهوايضًا يعلم طريقة ذلك.
كان الإمام الحسين في الرابعة من عمره و كان يلعب أمام الدار، فأعطته الإناء الذهبيّ فقال: لوانّك أحميته لصار عياره أفضل. فرأت أنّ هذا الكلام لا قيمة له في هذه الدار، فالإكسير و المكسير و الكيمياء و الميمياء و الشيمياء هي لخارج هذه الدار! ففي هذا البيت لا قيمة لهذه الأمور، التفت إليها الإمام و قال: ما دمتِ في هذه الدار فعليك أن تتخلّي عن كلّ تعلّق. إذا أردت أن تكوني منّا عليك أن تنحّي ذلك جانبًا!، ثمّ أراها أمير المؤمنين و قال: انظري و أشار فجاء نهر من الماء و فيه كلّ الذهب و الجواهر و أمثالها. فقال الإمام: ألق ما في يمينك هنا أيضًا ليذهب. فهذه الأشياء ذاهبة ونحن قد تجاوزنا عنها، فهذه التي تذهب قد تجاوزنا عنها حتّى صارت تذهب، و إلا لتوقّفت، يجب أن يسير هذا النهر و لا يتوقّف، فألقت هي أيضًا ذلك الإناء الذهبيّ فالتقهمه النهر و مشى.۱
انتهى الأمر فمن كان منّا أهل البيت لا يبقى لديه تعلّق. و أمّا إلى أين وصلت و ماذا لدينا من روايات حول فضّة٢ فلنترك الحديث عنه. فلماذا كان ذلك؟! للأنّها سلّمت نفسها و لم تحتفظ لنفسها بشيء، لم تحتفظ لنفسها بشيء. أعطت مائة من مائة، تخلّت مائة في المائة. ففي مدرسة أهل البيت يجب أن لا يتلفت الإنسان إلى غيره تعالى.
قصّة الإمام الصادق عليه السلام و بايزيد البسطامي
يأتي بايزيد البسطامي ليخدم الإمام الصادق عليه السلام، و بعد مضيّ سنوات ـ و طبعًا لم يكن من أصحاب الحديث بل كان خادمًا للإمام و سقّاءً ـ يقول له الإمام: ائتني بذلك الكتاب من ذلك الرف.
فالتفت إلى الإمام و قال: أيّ رفّ.
فقال له الإمام: ألا ترى هذا الرفّ فوق رأسك؟! فأنت في كلّ هذه السنوات لم ترَ هذا المكان في الأعلى ـ و كان للمنازل فيما سبق رفوف ـ فقال: يا ابن رسول الله منذ أن أتيت لم تقع عيني على غيرك حتّى أرى أين هوالرفّ و ما لون السقف و الجدار!
فقال الإمام: لقد انتهى عملك إذن و عليك أن ترجع إلى بسطام.۱
لقد كانت عينه على الإمام و لا ضرورة لأن يرى غيره، ماذا يفعل في بيت الإمام؟ أينظر إلى بيت الإمام، هذا لونه أخضر و هذا لونه أحمر و ماذا هنا؟!
نقل لي أحد المعارف فقال:
كان أحد علماء طهران يذكر المرحوم العلاّمة بالخير، فذكره أمامنا يومًا ما و قال: نعم هو رجل لطيف جدًّا، واقعًا رائع جدًّا، فقيمة السجّاد الذي يضعه في غرفة الاستقبال العامّة أرفع من قيمة السجّاد الذي يضعه في القسم الداخليّ من المنزل، فكم هو رجل جليل. و كان هذا الرجل يقول لي: عندما أتيت أنا لم أكن ألتفت أصلاً ما هو السجّاد الذي تحت رجليّ، فانظر إلى الفارق ما بين الطريقتين! عندما أتيت مرّة أخرى بدأت أنظر إلى هذا السجّاد ما لونه هل هو كحليّ و أحمر مثلاً. أترون أنّ هناك بعض الناس عندما يأتون فقط يريدون أن ينظروا إلى الجدران و الأبواب، و هناك نوع آخر يريدون أن ينظروا إلى الحقيقة و اللبّ. بعضهم يدخلون إلى منزل الإمام يريدون أن يعلموا كم غرفة فيه! ما شأنك أنت بعدد غرف بيت الإمام؟! أنت لماذا أتيت؟! و هناك جماعة يريدون أن يأتوا إلى بيت الإمام و ينظروا خصوصيّات معيشته و وضعه و أمثال ذلك! فهذا للعاطلين عن العمل. هذا لمن لا عمل له و لا يشعر بألم، لا يشعر بالحاجة، لم يدركوا المصيبة التي حلّت على رؤوسهم! لم يلتفتوا إلى الجهل الذي ابتلوا به، فبماذا يهتمّون؟ بهذه الأمور من الأبواب و الجدران و من يأتي و من يذهب، يهتمّون بذلك.
ابتلاء اولياء الله ببعض تلامذتهم
لقد كان في زمان المرحوم العلاّمة رضوان الله عليه بعض العاطلين عن العمل بين أصدقائه و تلامذته، عاطلون عن العمل: ماذا قال حسن؟ و ماذا قال حسين؟ و ماذا قال تقيّ؟ و ماذا قال فلان؟ ما شأنك أنت بما قالوا؟ إنّ هؤلاء عاطلون عن العمل، يتنظرون أن يروا ماذا قال فلان ليعترضوا عليه، أفهل لديك أنت القليل من الآلام؟ هل لديك القليل من المصائب؟! أنت بعد يومين ستترك هذه الدنيا فماذا يعني ماذا قال فلان و ماذا قال فلان؟ و حقًّا كم آذوا هؤلاء الوالد. أذكر أنّهم كانوا يأتون فيقولون: لقد قال فلان كذا و قال فلان كذا.
ـ اهتمّ بأعمالك يا عزيزي، لقد أخذت الذكر المناسب لك، و البرنامج العباديّ المناسب لك، و الأعمال المطلو بة منك، فما شأنك بالآخرين؟
ألم تكن السيّدة الزهراء سلام الله عليها تعلم بالفتن التي كانت تقوم بها عائشة و حفصة من وراء النبيّ؟! هل ذهبت يوما إلى رسول الله و قالت: هذه النسوة التي في بيتك الآن يسعون للفتن و المؤامرات ضدّي. إن كان أحد رأى رواية كهذه فليأت بها، حتّى مرّة واحدة.
و لكن ماذا كان يفعل هؤلاء؟ كن يسعين بالفتنة و الوشاية على السيّدة الزهراء إلى النبيّ دائمًا.۱ لم تكن تبالي إلى هؤلاء كانت تقول: لديّ هذا الوالد يكفيني للدنيا و الآخرة! أمّا من هم الذين في داره فلا يهمّني، إن كانت عائشة لا تهمّني، أو حفصة فلا تهمّني، و إن كان الشمر فلا يهمّني، و إن كان يزيد فلا يهمّني، و إن كان معاوية فلا يهمّني، فما شأني أنا بذلك؟ هو يريد الآن أن يعيش مع معاوية و يزيد في بيته فما شأني أنا؟ ما علاقتي أنا بذلك؟ أفهل أنا مكلّفة بالنبيّ؟ هل أنا قيّمة عليه؟ هل أنا و ليّة أمره؟ هل أنا و كيلة عليه؟ كلاّ. الآن يرى المصلحة في أن يجلس مع فلان أو مع فلان. هكذا كانت طريقة السيّدة الزهراء.
لم يبلغ المرحوم الوالد إلى ما بلغ إليه فصار العلاّمة الطهراني هكذا و صاحب كذا و كذا عبثًا، بل طبّق ما حصّله من الشرع و التاريخ و الحديث و الروايات في علاقته مع أستاذه، و قد كنت شاهدًا بنفسي و سمعت بأذنيّ هاتين، فقد كانت يوما في محضر السيّد الحدّاد و كان هناك رجل يأتي و يشرع بالانتقاد بأنّ فلانًا يأتي إليك و قد تكلّم في أحد المجالس بهذا الكلام.
أفلا يعلم هو أنّ فلانًا تكلّم في أحد المجالس بهذا الكلام؟ إن لم يكن يعلم فلماذا تأتي إليه و تقصده؟! فبماذا يختلف عنّي؟ و إن كان يعلم فلماذا تقول له من جديد؟ أفلا يعلم أنّ فلانًا تكلّم بهذا الكلام؟ حسنًا فهذا إنسان سيّئ فهل أدركت أنت أيّها الصالح إلى أين و صل؟ هل أدركت أنّه سقط في قعر جهنّم؟ هذا الرجل الفضوليّ المتدخّل في شؤون الآخرين، هذا الرجل الذي ينقل الكلام من هنا إلى هناك و من هناك إلى هنا! فكلّكم تعلمون و قد قرأتم جميعكم! هذا الرجل نفسه صار أسوا من جميع هؤلاء الذين ينقل الكلام عنهم، لقد بقي هؤلاء تلامذة للسيّد الحدّاد ثمّ كانوا يستفيدون من محضر الوالد. هذا مصير العاطل عن العمل. ما دام الإنسان عاطلاً عن العمل فهو لا يدري ماذا يصنع و دائمًا يتحدّث عن هذا و عن ذاك.
حالات العلاّمة الطباطبائي العجيبة في عدم الاهتمام بظواهر الدنيا
في السنة الأخيرة من حياة المرحوم العلاّمة كانت له جلسة و قد سجّلت و بيّن فيها و ظائف الجيمع، ونقل فيها عن المرحوم العلاّمة الطباطبائي فقال:
اعلموا أنّي رحيلي قريب، لقد كانوا يعترضون على العلاّمة الطباطبائي بأنّه لماذا عندما كان يسير في الشارع كان يطأطئ رأسه؟ لماذا لا ينظر إلى هذا الجانب و ذاك؟ ماذا في هذا الدكّان؟ و ماذا في ذاك؟ و ماذا في هذا المتجر؟ و من يأتي و من يذهب؟ هم لا يعلمون ما هي الأمور التي يعاني منها العلاّمة الآن و ما هي المصائب و المشكلات التي يراها في نفسه، هؤلاء حيرى لا يعون و لا يدركون، هم جاهلون لا علم لهم بشيء يتلفون أو قاتهم هنا و هناك. و أمّا من كان لديه ألف مشكلة فهو لا يتفرّغ إلى النظر في واجهات المتاجر، إنّه لا يتفرّغ لأن ينظر أيّ من العلماء هذا القادم من بعيد لأسلّم عليه اولا أسلّم أو أتقدّم، فهذه الأمور هي للأناس العاطلين عن العمل. إنّه من الذين يهتمّون بكلّ ثانية ثانية من أعمارهم. ۱
نماذج من ابتلاءات اولياء الله بتلامذتهم
لقد كان في زمان المرحوم العلاّمة جماعة شغلها الشاغل أن تأتي إلى طهران و تشكّل جلسة، و تأتي إلى مشهد و تشكّل جلسة، و في قم كانت لهم جلسة، و كان يبثّون الفتنة و الفساد يختلقون الأكاذيب و يتّهمون.
ثمّ بعد ذلك يأتون إلى العلاّمة و يقولون: إذا قال فلان كلامًا كهذا فما هو واجبنا؟ لا تصغ! اهتمّ بعملك! فهذا الكلام لا يحتاج إلى نقل و إلى أن تقول للعلاّمة: إذا ما قال فلان خلافًا لكلامك فما هي وظيفتنا؟ و كانوا يقولون لي! فماذا اقول لكم عن وظيفتكم؟ أصلاً ليس هذا مقام أن اقول ما هي وظيفتكم!
ـ إذا سمعنا مثلاً كلامًا من رجل فماذا نفعل؟
و اللطيف أنّ بعضهم كانت قد بلغت بهم الو قاحة حدًّا أنّهم كانوا يطرحون ذلك على العلاّمة أمام الملأ، و هم الذين أشعلوا الفتنة بعد المرحوم العلاّمة، كلّ واحد من هؤلاء كان يفعل ذلك في زمان المرحوم العلاّمة، و الآن هم رؤوس هذه الفتنة بعد المرحوم العلاّمة. فانظروا هذا هوالطريق الذي يتقدّم. و طبعًا مع جماعة آخرين.
فهل التفتّم الآن إلى ما كان يقوله المرحوم العلاّمة لي مرارًا:
هناك عدد كبير من هؤلاء الذين تراهم هم عاطلون عن العمل، هناك عدد كبير من هؤلاء الذين تراهم حو لي هم سواد الجيش.
لم يعيّن، فالإنسان محاسب و مسؤو ل، الإنسان يبحث عن الحقيقة، فنحن الآن إذ اجتمعنا هاهنا و اطّلعنا على هذه الأحوال لماذا لم نذهب إلى مكان آخر؟
من من هؤلاء الذين يسمعون صو تي الآن سمع منّي كلامًا واحدًا [في هذه الأمور] بعد و فاة المرحوم العلاّمة حتّى الآن؟ من كان سمع فليقف و ليأت إليّ. إن كان هناك من سمع منّي ذلك فليأت و ليخبرني. نحن نسعى أن نخلي المحيط من حولنا. من سمع منّي حتّى الآن أنّي قلت: تعالوا إلى هنا فهنا النجاة و غير هذا المكان هو الظلمة و جهنّم. فمن سمع منّي ذلك فليقم و ليخبرني.
فهذه أمور أنتم أدركتمو ها بأنفسكم، أنتم بأنفسكم تتّبعون ذلك المرحوم و ذلك الوليّ. فالأمر لا يرتبط بي أصلاً! فأنا واحد من الناس مثلكم، إن عملت أخذت نصيبي و إلا فلا. ألم يكن للأعاظم أبناء عاقّون؟ ألم يكن أمثال هؤلاء؟ لا نقول بمعنى أنّهم من أهل المعاصي و لكن لم يكونوا في طريق آبائهم.
عدم اطّلاع ابن الملاّ حسين قلي الهمداني على موقعيّة والده
يقال إنّ المرحوم الآخوند الملاّ حسين قلي الهمداني ـ الذي تنتهي إليه سلسلة ولاية المرحوم العلاّمة ثمّ إلى [أساتذته] ـ كان له ثلاثمائة تلميذ انكشفت الحقائق لثمانين بالمائة منهم. لقد كان رجلاً عجيبًا! و كان له نفَس عجيب! أبلغ ثلاثمائة واحد إلى الحقائق، و لكن ابنه الوحيد الذي يدعى الشيخ علي لم يكن على معرفة بحقيقة والده، و لم يكن في طريقه. أفهل كان يبخل على ولده؟ كلاّ. ما دام يقدّم في مكان ما كلّ ما لديه على طبق من الإخلاص فلا بدّ أنّ أرحم و ألطف بولده. هذه هي الحقيقة.
فأنا واحد مثلكم، إذا عملت فبها، و إلا فلا شيء. "فليس بين الله و بين أحد قرابة"۱و رحم و علاقة خاصّة. و قد كان المرحوم العلاّمة في زمان حياته يكرّر مرارًا: "ليس بين الله و بين أحد قرابة". و قد كنّا نلمس ذلك و نحسّه و نعيشه. فليس بين الله و بين أحد قرابة و رحم. فهذه أمو ر أنتم بأنفسكم بحثتم عنها و قرأتموها في الكتب، نقلها إليكم أصدقاؤكم و أتعبوا أنفسهم في ذلك.
و في زمان المرحوم العلاّمة رضوان الله عليه كان لبعض أصدقائنا مجالس و كانوا يطرحون هذه الحقائق بإذن منه و ينشرونها، فهم لم يقوموا بذلك من أنفسهم. و سائر الأصدقاء من المعمّمين و الأعزّة و الإخوة الذين كانوا يذهبون إلى هذه الناحية أو تلك لأجل التبليغ لم يكونوا يفعلون ذلك من عند أنفسهم. فكانوا ينهضون و يذهبون و يبلّغون مبادئ مدرسة العلاّمة، و الو ضع الآن هو كذلك.
و الآن و صيّتي إلى الأصدقاء الذين يقدرون هو أن يبلّغوا تلك المدرسة التي يرونها حقًّا و واقعًا، و يوصلوا صوتها، و يوصلوا حقيقة الأمر إلى المستعدّين. فإذا أخذها واحد من عشرة أو من عشرين فهذا كاف. فيسير بحسب قدرته و سعته و استعداده و يتكامل، فهذا هو التكليف. و طبعًا كلّ إنسان بحسب قدرته، و قد قلت أنا هنا إنّه لا أنا معصوم و لا غيري، جميعنا نخطئ و لدينا اشتباهات، و كما لدينا أعمال جيّدة لدينا أعمال سيّئة. و الله يقبلنا على حالنا هذا. فلو أراد الله أن يقبل الصالحين و حدهم فأين سيظهر ألوهيّته إذن؟ قدرة الله و ألوهيّته و ربوبيّته هي في أن يقول لنا نحن الخاطئون: أنتم عبادي. فهذا ما نتوقّعه من الله و هو أن يمسح على رؤو سنا بيد لطفه رغم وضعنا هذا.
بعض ابتلاءات المحاضر بعد وفاة والده رضوان الله عليهما
كان كلامنا هو في أنّ جميع الذين كانوا في ذلك الزمان كانوا يثيرون الفتنة والتشويش، يتّصلون من هنا إلى هناك، و من هناك إلى هنا أن يا سيّدنا لقد تكلّم فلان بهذا الكلام، و تكلّم فلان بذاك الكلام. فيا أيّها المحترم الموقّر والرفيق الكريم أيّتها السيّدة و أيّها السيّد يا من تعدّون أنفسكم أتباعًا لهذه المدرسة، بدلاً من هذا الاتّصال الهاتفي افتحوا القرآن و اقرؤوا منه صفحتين، و أنا أضمن لكم أنّ ثواب ذلك أكثر من ثواب هذا الاتّصال. و بدلاً من أن تأتوا إلى المجلس و تتكلّموا بأنّ فلانًا قال كذا و فلانًا الآخر قال كذا فاتحوا كتاب الرو ح المجرّد ونور ملكو ت القرآن و اقرؤوا منه كلامًا. هل في ذلك مشكلة؟
انظروا إلى تلك الحقائق التي أو ردها في تلك الكتب ففي نور ملكوت القرآن: ﴿خُذِ ٱلۡعَفۡو و أۡمُرۡ بِٱلۡعُرۡفِ و أَعۡرِضۡ عَنِ ٱلۡجَٰهِلِينَ﴾۱ غضّ الطرف دائمًا و أغمض عينيك دائمًا.٢ فلمن قال ذلك؟ هل قال ذلك لمجرّد أن يكتبه على الو رق و يبقى ذكرى منه؟ لمن قال ذلك؟ لقد قال ذلك لنعمل به أنا و أنت.
هل تظنّون أنّ الكلام الذي يقال عنّي في هذه السنوات الأربع التي مضت بعد المرحوم العلاّمة هو قليل؟! لقد قالوا أمورًا لا يمكن أن تصدّقو ها أنتم، لا يصدّق أن يأتي إنسان و يقول هذا الكلام. و مهما أقسمت لكم لا تصدّقون، و لكنّي أضحك من هذا الكلام، لماذا؟ لأنّ هذا الكلام فارغ إلى حدّ لا ينبغي التفكير فيه، فلماذا يفكّر الإنسان في كلام كهذا و يرتّب عليه أثرًا؟
لقد كتبوا إليّ رسائل بخمس و عشرين صفحة، فهذا نو ع من الرسائل:
لقد أرقت ماء و جه والدك، لقد أسأت الاستفادة من كلام والدك، لقد جعلت لنفسك مكانة خاصّة بعد والدك، لقد فعلت كذا و كذا و كلّ هذا الكلام!
و طبعًا كنت أضعها قربي و أطالعها بعد تناول طعام الغداء، و كنت أضحك و أضحك فهذه المضامين كانت مفيدة و مساعدة على الهضم! و بعض الذين هم على اطّلاع يرونني دائمًا أضحك، لا أقطّب حاجبيّ و لا أعبس في وجه أحد، أضحك و يسبّب لي ذلك السرور، و عندما أنقل لكم ذلك الآن أضحك و أضحك.
و لكن عندما كان بعض الأفراد من أصحاب الحالات يطّلعون على ذلك و يلتفتون إليه يقولون: لقد بلغنا هكذا أمر عن طريق الباطن. و كانوا هم يتّصلون بي هاتفيًّا و يشيرون إلى طرف الخيط من القضيّة و يقولون: هناك أمر من هذا القبيل يا فلان، فانسخه و انشره… فكنت أضحك. فكانوا يقولون: حقًّا لقد أو قعتنا ضحكاتك هذه في المشاكل! فإلى متى؟! فكنت أضحك أيضًا.
بدلاً من كلّ هذا الكلام كنت أرى ماذا قال المرحوم الوالد في نور ملكو ت القرآن؟ ﴿خُذِ ٱلۡعَفۡو و أۡمُرۡ بِٱلۡعُرۡفِ و أَعۡرِضۡ عَنِ ٱلۡجَٰهِلِينَ﴾ فإمّا أن يكون هذا المتكلّم عنّي غير صادق بل معاندًا فيكون مصداقًا لـ ﴿أَعۡرِضۡ عَنِ ٱلۡجَٰهِلِينَ﴾ و إمّا أنّه قاله عن صدق و إخلاص، فأنا أنظر إلى باطنه لماذا أنظر إلى هذا الظاهر؟ هذا الظاهر غير المناسب، عليّ أن أنظر إلى الباطن ماهو. فلم أصغ إلى كلام أيّ منهم، و لم يكن لديّ وقت لأصغي، بل أخذت ورقة صغيرة عشرة سانتيمتر و كتبت:
بسم الله الرحمن الرحيم
إلى جناب المحترم فلان سلّمه الله تعالى، ليس لديّ أيّ شيء أطرحه حول اعتقادكم في هذا الأمر، و أنتم أخبر به. أمّا بالنسبة إلى الحقير، فقد جعلني الله مصداقًا لكلام مولى الموحّدين: "اللَّهُمَّ... اجْعَلْنِي خَيْراً مِمَّا يَظُنُّون و اغْفِرْ لِي مَا لَا يَعْلَمُون"۱
السيّد محمّد محسن في كذا
و هناك سبعة أو ثمانية مو ارد من أمثال ذلك، فهذا واحد منها، كنت أمسك بها و أجعلها في الظرف و ألصقها كي لا يراها أحد و أعيدها إلى صاحبها. فكان يظنّ أنّي نشرتها، فكان ينشرها بنفسه قائلاً: هو لم ينقلها في مكان. فأنا لم أنقلها في مكان فما هي هذه أصلاً؟ هذا لأنّي ما دمت ابنه فإن عملت بما قاله الأعاظم فيمكنني أن اقول أنّي اقتديت به في هذا الأمر، أمّا لولم أعمل فكوني ابنه لن ينفعني شيئًا هنا. فمن هو الرابح؟! إنّه البعيد الذي عمل. هو الرابح و الواصل إلى النتيجة و إلى حقيقة الأمر.
كيف كان العلاّمة الطهراني يواجه المتظاهرين بالسلوك؟
بالالتفات إلى ما ذكر، على الإنسان أن يستفيد من الأمور التي جرّبها بنفسه أو التي نقلت إليه تجربة الآخرين لها. و كما يقال: ليس للإنسان إلا عمر واحد. فعندما ينعم علينا الله إذا شكرنا فإنّه يوفّقنا إلى نعمة أعظم، و إلا سلبنا النعمة، فهذا جانب.
و في زمان المرحوم العلاّمة لم نكن نحن نعرف قدره و كانت الأيّام تمضي بهذه الأمور التي لا طائل منها. و قد تأثّر كثيرًا ذات يوم من إحدى الحوادث، و رغم أنّي لم أسمعها منه مباشرة، و لكنّه جمع عددًا كبيرًا من الأصدقاء و بدأ كلامه بهذا المصراع من بيت الشعر و لم يقل المصراع الثاني:
ما ز یاران چشم یاری داشتیم | *** | ...٢ |
يقول:
لقد كنت أرجو من الأصحاب عونا *** ...
فانظرو ا إلى أين وصل الأمر حتّى قال هذا الكلام! و قد كنت مطّلعًا على أحواله و أعلم أنّ العلّة الأساسيّة لضغط الدم عنده كانت في هذه الأمور التي كان يسمعها. فقد كنت في الميدان.
ما زِ یاران چَشمِ یاری داشتیم | *** | خود غلط بود آنچه ما پنداشتیم |
لقد كنت أرجو من الأصحاب عونًا | *** | و لكنّني كنت في ظنّي مخظئًا |
لقد وصل الأمر إلى درجة رأيت فيها أنّ جميع الأمور [التي و قعت بعد المرحوم العلاّمة] تعو د إليّ أنا شخصيًّا، فرأيت أنّه رغم كون ما يقوله البعض في الدفاع عنّي صحيحًا و الآن اقول إنّه صحيح أيضًا و لكن هل كلّ كلام حقّ يجب أن يقال؟ يقولون إنّ الكذب حرام، و لكنّ الصدق ليس بو اجب. هل يجب على الإنسان أن يقول كلّ ما يرى؟ هل عليه أن يقول كلّ ما يسمع؟ فرأيت أنّ هذا الكلام الذي ينقل عنّي و إن كان حقًّا لكنّه يسبّب الفتنة. ما دام البناء على الحمل على الأغراض الشخصيّة، و هذا بنفسه يسبّب سلسلة معيبة، و يسبّب أمرًا آخر، و الأمر الآخر يسبّب أمرًا رابعًا، و هلمّ جرًّا و لا ينتهي إلى نقطة يقف عندها. و رأيت و اقعًا أنّ المرحوم الوالد صار في مأزق، و اقعًا كان الوالد في مأزق. كلّما كانت لي محاضرة في مشهد كانوا يبدأون بالاتّصالات من هنا و هناك ماذا قال فلان و ماذا قال فلان؟ و يبدأون بالتأويلات و التوجيهات، فرأيت أنّه لا بدّ أن اقول للأصدقاء و الجماعة الذين كانوا هناك: ألستم تدافعون عنّي أنا؟ فأنا لست راضيًا، و اقولها لكم بصراحة، قلت لهم: أنا لست راضيًا و أنا بريء ممّن يدافع عنّي و يتكلّم بذلك في مجلس ما، اسكتوا اسكتوا حتّى لا تبقى حجّة في يد هؤلاء، تنتزع الحجّة من أيديهم. فرأى اولئك أن يا للعجب! لقد انتهى الأمر! لا أحد يتكلّم بعد الآن! فساءت الأحوال! ذهبوا إلى المرحوم العلاّمة نفسه، و لمّا رأوا أنّ الحجّة قد أخذت منهم فماذا يفعلون؟
قلت: مهما تكلّم أيّ إنسان، لو سبّني، فلا يتكلّمنّ أحد، و ليقف و لينظر إليه فقط. فرأوا عجبًا، هذا لا يمكن، علينا أن نفعل شيئًا، نضرب بعصا بسوط بحجر، لا يمكن هكذا. أنبقى ساكتين! رأوا أنّنا أخذنا منهم هذه الذريعة فتوجّهوا إلى المرحوم العلاّمة نفسه.
ناداني المرحوم العلاّمة ذات يوم و قال:
ما هذه الأحداث التي وصلت إلى هنا؟
قلت: لقد انتهت الآن، لقد قلت لهم هذا.
قال: لا، لقد جاؤوني عصر الأمس و تكلّموا.
لقد وصل المطلو ب و لا داعي إلى أن أنقل لكم و … و لكن ماذا فعلوا أيضًا؟ استمرّوا، استمرّوا إلى أن قلت ما دام الأمر هكذا فعليّ أن أقتلع المشكلة من جذورها. سأفعل شيئًا يمنع أيّ أحد من الكلام عند العلاّمة. و كان كلّ الكلام حول أنّ فلانًا يتكلّم من عنده، فلان يوجّه كلام العلاّمة، فلان ينقل فتوى العلاّمة خطأ، فلان يجمع الناس من حوله. كلّ الأمور التي كانت تطرح آنذاك كانت بسبب هذا.
أذكر أنّه في شهر رمضان كانت الأمور قد بلغت أو جها شيئًا ما، و اضطررت إلى أن أتكلّم مع ذلك الرجل و المحيطين به و أتباعه، فقلت لهم: إنّ كلّ انزعاجكم هو من أجل أنّني أوجّه كلام العلاّمة و أؤو لها، حسنًا فأنا مو افق، فماذا تقولون أنتم؟ من الآن فصاعدًا ـ و كنّا حينها في أواخر شهر رمضان ـ أنا بنفسي اقول لكم الآن: كلّ ما نقلته لكم فهو يرتبط بي أنا لا بالعلاّمة. فماذا تقولون الآن؟! كلّ فتو ى نقلتها فهي ترتبط بي شخصيًّا و لا صلة لها بالعلاّمة، كلّ ما قلته فأنا مسؤول عنه. و عندما وصل الأمر إلى هنا لم يبق في أيديهم سلاح، يقولون: ماذا سنقول من الآن فصاعدًا؟! كلّ ما قلته فقد قلته أنا من عندي، كذبت فيه، في النهاية لا صلة له بالعلاّمة، أنا قلته، و أنا أريد أن أكذب، أصلاً أنا أريد أن أكذب! فماذا تقولون؟! أنا أريد أن أنقل فتواي الخاصّة! أريد أن أتكلّم عن نفسي! أحبّ أن أفسّر الأمور كما أريد، أشرح كلّ قضيّة أنقلها! و كنت عندها أنقل عن العلاّمة التفتوا! و لكن قلت بعد ذلك: لقد قلته من نفسي. فانتهت هذه المسألة و قضي أمرها، فبقوا حيارى لا يدرون ماذا يصنعون.
و الحاصل أنّهم رأوا أنّه لا يمكن أن نفعل شيئًا في هذا المجال، قلت: كلّ من يريد أن يعرف فتوى المرحوم العلاّمة فليذهب بنفسه و يسأله، كلّ من يريد أن يعرف وجهة نظره فليذهب و ليسأل بنفسه. فأنا اقول وجهة نظري.
على الإنسان و العاقل أن ينزع الحربة من الشيطان بدلاً من أن يسلّمها إليه. فأنا و أنتم نعلم جيّدًا أنّ الشيطان يريد أن يستفيد جيّدًا من اللحظات و الفرص. الشيطان يريد أن ينتفع من كلّ لحظة لحظة من الفرص! فكيف سيدخل، لا يمكن هكذا.
حكاية مفيدة حول انتخاب مرجع التقليد بعد الشيخ الأنصاري
و رغم أنّ الحديث قد طال و لكن على أيّ حال فليعذرني الرفقاء و آمل أن يسامحوني فسأضيف بضع كلمات.
بعد الشيخ الأنصاري اجتمع عدد من أرفع تلامذته ليعيّنو ا مرجع التقليد. ففي ذلك الزمان لم يكن الأمر كما هو الآن، فحين يسير الإنسان في الشارع يجد خمسين رسالة عمليّة! بل كان العلماء يفرّون من المرجعيّة، كانوا يعملون برواية الإمام الصادق عليه السلام: "اهرب من الفتيا هربك من الأسد.۱ فقد كانت لديهم تقوى في ذلك الزمان.
فكان هناك عدد من تلامذة الشيخ كالميرزا حبيب الله الرشتي أعلى تلامذة الشيخ درجة، والحاجّ الميرزا النجم آبادي و الذي كان من تلامذة الشيخ ذوي الدرجة الاولى، و الميرزا حسن الشيرازي و الذي كان من أكيس تلامذة الشيخ و امهرهم في السياسة، و كان من أهل الباطن، و الحاجّ الميرزا حسين و الحاج الميرزا خليل، فاجتمعوا ليومين هذا يلقيها على رقبة ذاك و ذاك يلقيها على هذا، و لم يكونوا يقبلون.
ـ تفضّل أنت يا فلان!
ـ كلاّ أنا لا أقبل أنا لا أريد أن أحمل هذا الثقل على ظهري.
ـ فلتتقبّل أنت.
ـ كلاّ أنا لا أريد أن أحمل هذا الوزر على ظهري.
و في اليوم الاول بقي الكلام و المذاكرة بغير نتيجة.
و في اليوم الثاني و بعد هذه الجلسة جاؤوا ليلاً إلى منزل الميرزا حسن النجم آبادي و الذي يدعى أيضًا بالميرزا حسن الطهراني. فعقدو جلسة لم يخل منها سوى الميرزا حسن الشيرازي، و تواطؤوا أن يجعلوها في الصباح في رقبة الميرزا حسن الشيرازي فاحتالوا و قالوا: إذا ما انعقدت الجلسة غدًا صباحًا نقول جميعًا: حكمنا بأنّه يجب عليك أن تكون مرجعًا. فاتّفقوا على ذلك ليلاً، و في اليوم التالي كان الحاج الميرزا حسن الشيرازي غير مطّلع على شيء من ذلك، و إلا لما جاء، فلوعلم لفرّ إلى الكوفة أو كربلاء، لم يكن على اطّلاع على شيء من ذلك، فلمّا انعقدت الجلسة قال الجميع: حكما بوجو ب أن تكون المرجعيّة عندك. هكذا كانت المرجعيّة، و قد ذكروا في أحوال الميرزا حسن الشيرازي: لمّا سمع لم يتمكّن من ردّ فتوى و حكم المجتهد، فبقي نصف ساعة باكيًا كالثكلى و كان صوت بكائه عاليًا هكذا كان يبكي! متى كان هؤلاء يفعلون ذلك؟ في تلك الليلة التي طرح فيها هذا الكلام.
قال الميرزا حبيب الله الرشتي و الذي كان أعلم تلامذة الشيخ الأنصاري: تعالوا لنتكلّم بصدق.
قالوا: نحن نرضى بكلّ ما تقول.
قال:
قال: نحن لسنا عديمي العلم، ونحن نعدّ أنفسنا علماء بالروايات و الشرع و أمثال ذلك ـ و واقعًا كانوا علماء و لم يكن الأمر هكذا… ـ ونحن نعلم أنّ الله خلق جنّة ونارًا. و من جهة أخرى فقد و ضع لنا شيطانًا هو كذا و كذا، ونحن نعلم أنّا لا نقدر على التخلّص من هذا الشيطان. و الذي يستطيع من بيننا التخلّص من ذلك هو الميرزا حسن الشيرازي. فقال الجميع: نعم. هذا صحيح، فالذي مكنه القيام بذلك هو الميزرا حسن الشيرازي، فنحن نعرف أنفسنا، لدينا الكثير من نقاط الضعف.
فهل التفتّم؟ نحن لدينا علم، و لدينا نقاط ضعف كثيرة، فالشيطان لا يمكنه أن يأتي من خلال علمنا، و لكنّه يدخل من نقاط الضعف تلك. فقبل الجميع، و في اليوم التالي كانت العبارة هكذا: لا يمكن لأحد مثله أن يمسك جيّدًا بمفتاحي الجنّة و النار. و حصل ما اتّفقوا عليه.۱
و قد بقي الميرزا حسن و الحاج الميرزا حبيب الله الرشتي في النجف معًا مدّة من الزمان، هذا يلقي درسًا و هذا يلقي درسًا. و كان الو ضع عجيبًا جدًّا.
قال:
... | *** | كه عشق آسان نمود اول ولى افتاد مشكلها٢ |
و المعنى:
... *** بدا لي العشق ميسورًا و ها جاءت مشاكله.
و شيئًا فشيئًا رأى الناس أنّ منزل الحاجّ الميرزا حسن يكثر عليه المتردّدون، و يأتون بالأموال من هذه البلاد و الحقوق الشرعيّة، يأتون بالهدايا من الهند، و لم يكن يأخذها لنفسه، فهو لم يكن يملك شيئًا سوى عباءة، بل كان يعطي لهذا و لذاك و لمجالس العزاء و المآتم و أمثال ذلك، و كان الميرزا حبيب الله مجرّد مرجع و أستاذ، و كان الميرزا حسن الشيرازي أرفع منه من حيث المستوى العلميّ حيث كان أكثر منه علمًا، و لكن تلك الكياسة و تلك الدراية و تلك التقوى و ذلك الباطن التي كانت لدى الميرزا حسن كانت شيئًا مختلفًا، فقد كان الميرزا حسن من أهل الباطن و كان كيّسًا فطنًا للغاية. فرأوا أن يا للعجب أهذا ما يجري؟! و لديه أتباع و محيطون به؟ فبدأوا بالمؤامرة. فجاء أحدهم بهدوء و بدأ بالكلام المغرض: نعم! ذهبنا إلى منزل الميرزا حسن فكانوا يقولون: لسلامة فلان صلّوا على محمّد و آل محمّد. و قال رجل هناك: لسلامته كذا و كذا. ذهبنا إلى بيته فقالوا: إنّه هوالوحيد المطروح الآن. و أمثال هذا الكلام، فكانوا يوصلون هذا الكلام أحيانًا إلى الميرزا الحاج حبيب، و في البداية لم يكن الميرزا حبيب يقبل فكان يقول: لا تتكلّموا بهذا، و لا تصنعوا ذلك. و لكن رويدًا رو دًا ازداد الأمر! فبدأ هو بتصديق ذلك: نعم، أنا أعلم، أفيمكن أن أرى المرجعيّة بيد فلان؟ و أمثال هذا الكلام.
الا يا ايّها السّاقى ادر كاسا و ناولها | *** | كه عشق آسان نمود اول ولى افتاد مشكلها |
بدا لي العشق ميسورا و ها جاءت مشاكله | *** | ألا يا أيّها الساقي أدر كأسًا و ناولها |
فانظروا كياسة الميرزا حسن الشيرازي أين هي! ما إن أحسّ بأنّ هناك مشكلة في البين على شرف الوقو ع، تمارض أو مرض. فأنا اقول إنّه تمارض، و لكن ربّما كان قد مرض و لكن لا شكّ أنّه كان في الأمر سياسة و تدبير ما، فقد مرض و اطال المرض مدّة فقال الأطبّاء يقولون: لا يمكن لي أن أبقى في النجف، يجب أن أذهب إلى بغداد و اكون تحت نظرهم.
فبغداد هواؤها أفضل و فيها بساتين في الكاظميّة و هواؤها لطيف، فأطال الأمر مدّة، فلمّا سئل ألم ينته العلاج؟ قال: لا بقي هناك مقدار يسير. بقي هناك مقدار يسير. فتظاهر بأنّه يبقى لأجل النقاهة، فالأطبّاء يقولون: لا لا يمكن، فهواء النجف مضرّ جدًّا لكم، فلتبق مدّة في سامرّاء. فتراجع قليلاً، فبداية جاء من النجف إلى كربلاء، و من كربلاء إلى الكاظميّة و بغداد، و من بغداد ذهب إلى أبعد نقطة من الأماكن المقدّسة التي هي سامرّاء فهي في الشمال. فقالوا هناك: نعم الهواء هنا ناسبه كثيرًا و يجب أن يمكث شهرًا، شهرين وامثال ذلك.
ثمّ جاء البعض من النجف لأجل لقائه و قالوا: ماذا نفعل؟ و هكذا شيئًا فشيئًا صار هناك درس بمقدار نصف ساعة أو ربع ساعة.
لمَ كلّ ذلك؟ كلّ ذلك لأجل الحنكة. فلو لم يكن هذا الرجل محنّكًا و لو لم يكن صاحب تدبير و سياسة و لو لم يكن عمله خالصًا، ماذا كان فعل؟ لجاءو واجه الميرزا حبيب الله، فأنت في جانب و أنا في جانب. و لكنّه بسرعة سدّ المنافذ و قضى على أجواء المشاحنة قبل أن تصل الأمور إلى مواضع خطرة. فقال: عزيزي هذه النجف و هذه الحوزة العلميّة و هذا الدرس و الكرسيّ كلّها لك. إن كان لك رغبة في ذلك فاجعله في إبريق و اشرب ماءه، أنا ذاهب إلى سامرّاء لأجل نفسي و لا شغل لي مع أحد، و هذه النجف لك.
فأسقط من يد الحاج الميرزا حبيب، و رأى أن يا للعجب! و أدرك حينها أنّه خسر الصفقة، و أنّه لم يكن يعرف الميرزا و أنّه رجل إلهيّ، لا تخدعه المرجعيّة و أمثال هذه الأمور. المهمّ بالنسبة إليه هو المودّة و الأنس و السلام بين المسلمين. هذا هوالمهمّ عنده، لا يحسب هل الكلام الذي اقوله الآن هو حقّ؟ يحسب أنّه بكلامي الحقّ هذا هل تفسد المودّة أم لا؟ هل يفسد ذلك الأنس أم لا؟ هذا هوالمهمّ.
تمثيل رائع لحفظ الأنس و المودّة بين الجماعة
لقد خطر في بالي الآن أنّ الأطبّاء يقولون: إذا ما حدث أمر ما كأن يعلق في حلقوم الإنسان شيء و يسدّ نفسه، إذا أراد الإنسان أن يأخذ الطفل إلى المستشفى فإنّ حياته ستنتهي بعد دقيقتين أو خمس دقائق، يقولون: العمل الذي يجب فعله هوان تمسك بسكّين على الفور ـ و طبعًا أنتم لا تفعلوا ذلك فهذا ما ينبغي أن يفعله متخصّص ـ و فورًا تثقبون ثقباً هنا [في مو ضع من الرقبة] و تجعلون فيه قصبة قلم الحبر حتّى يتردّد النفس إلى أن يصل إلى المستشفى، و أمّا مسائل التعقيم و خياطة الجرح و أمثال ذلك فيأتي و قتها لاحقًا. المهمّ أن لا ينقطع النفس، هذا هوالمهمّ الآن. لو انّه انقطع الآن فلا فائدة من المستشفى و سيكون قد فات الأوان، ففي هذه اللحظة المهمّ هو أن يتردّد النفس. هذا ما يجب أن يحصل و بعده تأتي الأعمال الأخرى.
ما يسبّب الوحدة بين المسلمين و بين الأصدقاء و بين الشيعة و بين المريدين للأعاظم و الاولياء، و ما يجب أن يطرح بين الأصدقاء و الأحبّة و الأعزّة هو فقط و فقط موضوع الأنس، فاعلموا أنّ كلّ من خطا خطوة في هذا السبيل فهوانسان محبّ. فالأمر يشبه قصّة المرأتين اللتين تنازعتا طفلاً، إحداهما كانت الأمّ الحقيقيّة، و الأخرى لم تكن الأمّ، بل تريد أن تجعل الطفل لها. فجاءتا إلى أمير المؤمنين، و قد كتبت لي هذا الأمر كشاهد على الحادثة التي وقعت إحدى النساء المؤمنات من لبنان. فقلت: حقًّا علينا أن نفتخر في أنّ بيننا أمثالها ممّن أنار الله قلوبهم بنور الإيمان و الهداية. و هذا هو معنى "ليس العلم بالتعلّم بل هونور يقذفه الله في قلب من يشاء"۱فقد كتبت لي هذه الحادثة من قضايا أمير المؤمنين. جاءتا إلى أمير المؤمنين فقال الإمام: الآن أحلّ المشكلة! أقطعه نصفين. و استلّ سيفه! نصف لك ونصف لك، فلا تتنازعا. و ما إن رفع السيف قالت أمّه: كلاّ كلاّ أعطها الصبي. فتلك الأمّ لها تعلّق. تقول: إن كان سيموت فأنا لا أريد ابني فتلعطها إيّاه!
أمّا الأمّ الأخرى فكانت تنظر هكذا. فقال الإمام: لماذا تنظرين هكذا؟ ألست أمّه؟ لماذا لم تخافي و لم تجزعي؟ فلتمض و شأنك! فأخذ الصبيّ و أعطاه لتلك.۱
فالأكثر عطفًا بيننا هوالذي بدلاً من أن يصبّ الزيت على النار يجلس ساكتًا، فنحن ماذا لدينا؟ فليقم كلّ إنسان بوظيفته، لا أحد يفرض على أحد أين يذهب، جميعنا متساوون كأسنان المشط، كلّنا متماثلون، لا فرق إلا بالتقوى و هي لا أعلم بها أنا و لا أنتم، الله و حده يعلمها.
فما دام الأمر هكذا فعلى الإنسان أن يعمل على أساس واحد و يسير. فالعطوف هوالذي إذا ما سمع أمرًا أخفاه و برّره و أوله.
ـ لقد قال فلان كذا.
ـ ربّما يريد كذا، هذا ما يريده.
و قد سمعت أنا الكثير أيضًا من الكلام الذي ينقله الآخرون فاولته، فكانوا يقولون: إنّ فلانًا في مشهد قال عنكم كذا.
فقلت: حسنًا ربّما كان مراده كذا.
ففوجئ الناقل، نعم ربّما كان يريد هذا، و لو فرضنا أنّه لا يريد هذا فما هي النتيجة التي أحصل عليها؟ فلأفترض أنّه لا يريد هذا، و هو معاند و مغرض احمله على الصحّة حتّى إذا ما انتهى إلى سمعه قال: عجيب لقد حمل رفيقنا هذا الكلام على الصحّة. فيتأثّر و يخجل.
أهميّة الأنس و المحبّة و المودّة في السلوك
الأمر المهمّ الآن للأصدقاء و الأحبّة و الأعزّة هو فقط و فقط جانب الأنس و المحبّة و المودّة. إنّما نكون مو فّقين عندما نعدّ كلّ واحد من هؤلاء الرفقاء عِرضًا و شرفًا لنا. إذا فعل أحد الذين يعتبرون من عرضه عملاً أو قال كلامًا يسبّب له العار فهل يكتبه في الجريدة؟ و هل يعلن عنه على المنبر؟ إنّه يصمت. بما أنّك تكلّمت بهذا الكلام عليك أن تتوب! و لا تعد هذا الكلام مرّة أخرى و لا تنقله في مكان آخر. لماذا؟ لأنّ هذا شرفه و كرامته. يقولون: شرفه يعيش في هذا البيت، و رفيق الإنسان هو بالنسبة إليه شرف له، و على الإنسان أن يحمل على الصحّة مهما أمكن.
طبعًا أحيانًا قد يصدر عن الإنسان كلام خطأً و اشتباهًا، لا بأس! فمن الذي ادّعى العصمة؟ من الذي ادّعى عدم الخطأ؟
أنا بنفسي لديّ ألف خطأ في كلامي، و مؤخّرًا لُفت نظري إلى أنّي في أحد أشرطة التسجيل للكلام الذي قلته في ذكرى ثالث المرحوم العلاّمة قلت كلامًا ما. فقلت: أروني! فإن كنت قلته فأنا مخطئ. قلت بصراحة. أخطأت و الآن أعلن أمام الجميع أنّ الأمر ليس هكذا. و طبعًا كنت أقصد شيئًا آخر من ذاك الكلام، و لكن افترض أنّي لم أكن أقصد ذلك، و قمت بمدح مفرط لأحدهم فهذا خطأ و هذا المدح لم يكن في محلّه، و ليس الأمر هكذا، فالإنسان يخطئ و يشتبه، هل يجب أن يكون الإنسان معصومًا؟ كلاّ يا عزيزي! لا يجب أن يكون الإنسان معصومًا و لا هذا الخطأ يسبّب منقصة لي! كلاّ جميعنا متساوون، فلا منقصة و لا عيب و لا مشكلة. و الأمر طبيعيّ جدًّا. هذه هي حقيقة الأمر.
جهود العلاّمة في إحياء مدرسة التشيّع و العرفان
إن كان لا بدّ من الحفاظ على هذه النعمة التي رزقنا الله… و هذا الأمر الذي قلته مرارًا لإخوتي و لسائر المحيطين بهم أو للآخرين الذين لديهم مبادئ أخرى، قلت لهم: تعالوا و انظروا كم بذل والدنا في مدّة عشرات السنين من أجل الإسلام و من أجل تكامل الناس و ترقّيهم؟ فهذا واضح في النهاية، فلم يأت أحد مثله حتّى الآن لينشر هذه المدرسة في هذا المستوى الواسع النطاق، فأنتم ترون في النهاية، فنحن من هذه الحوزة و قد نشأنا فيها، و هذه الأمور ليست خفيّة، فلماذا قام بهذه الجهود؟
من أجل أن يسمع كلّ واحد من الناس، الشباب و الشيوخ، و من كان له قلب، قلب متلهّف، لديه استعداد و إحساس بالألم، أن يأتي كلّ واحد منهم و يسمع هذه الحقائق و يسلك الطريق. أنتم أيّها الحاضرون ترون حو لكم، فليست جهودي و لا جهودكم، إنّه سهر الوالد لليالي، و تحمّله للمشاكل، نحن فقط نضع أيدينا في جيوبنا ونمشي، فنحن لا نفعل شيئًا، فهو الذي خضع للعمليّات، هوالذي كان يبقى في المستشفى أسبوعين أسبو عين، لقد كنت محيطًا بوضعه، ألم يجروا له عمليّة في الكبد؟ لم يجروها لي أنا! و حتّى الآن لم أخضع لعمليّة في العين استمرّت لسبع ساعات على يد الدكتور سجّادي، ألم يعلّقوا في رجليه الأثقال للعلاج؟ لم يعلّقو ها في رجليّ أنا! عندما كان لديه ديسك بسبب الجلوس خلف الطاولة و كتابة هذه الكتب التي تقرؤونها، لقد رأيت الدكتور البيرجندي يجعل في رجليه أثقالاً في المستشفى، فقد كنت معه في مستشفى القائم لأسبوعين. فنحن لم نخضع لذلك.
إنّ مساعيه أدّت إلى أن يجتمع هؤلاء الأصدقاء و الرفقاء هنا و في سائر الأماكن و يتّبعوا هذا الخطّ و هذه المدرسة. قالوا له: إنّ هذه القراءة التي قمت بها أدّت إلى تمزّق الشبكيّة فلتقلع قليلاً عن قراءاتك هذه. لقد كنت آتي برفقته بالطائرة إلى طهران ليلة التي أتينا بعده إلى مستشفى لبّافي نجاد و بعدها اضطرّ إلى إجراء عمليّة على يد الدكتور سجّادي، و قبل أن نراه حيث كنّا في و سط الطريق كنت جالسًا إلى جانبه فقال: يا فلان! يقولون لي: إنّ هذه الكتب التي تكتبها و هذه الجهود التي تتحمّلها سبّبت هذه الحالة، فيا سيّد محسن اعلم أنّي لو خسرت عينيّ كلتيهما، لن أكون مستعدًّا لأتخلّى عن سطر واحد من كتبي.
بهذه العبارة. و هو لا يكذب! هذه عبارته بدقّة من دون حرف واحد ناقص أو زائد: لو خسرت عينيّ كلتيهما فلست مستعدًّا أن أنقص سطرًا واحدًا من كتبي. فسؤالي لكم الآن هو هذا: هذه الأعمال نحن قمنا بها و جمعناها أم هو ؟هو فعل ذلك، هو قام بهذا و قال هذه الحقائق، هو الذي بيّن هذا الطريق. أنا ابنه و أقوم بالافتخار بالانتساب إليه و أستفيد من ذلك، فهو الذي قام بذلك. قلت لهم: أنتم تتعبون أنفسكم في جمع كتبه، و لكنّكم تطردون بأقدامكم من و قعت عليه أنفاسه مدّة عشرين سنة، فهل يقال لمن يفعل ذلك إنّه عاقل؟
ذلك الذي عاشره عشرين سنة فجلس معه و خرج و تحدّث و رافقه في السفر و الحضر تخرجونه لأجل أن يأتي الغرباء من الخارج؟ أنتم شديدو الحماقة! واقعًا شديدو الحماقة؟! و النتيجة هي ما رأيتم، يُترك كلّ شيء، و تعمّ الفو ضى و ينتهي كلّ شيء، و قد حصل ذلك!
هذه النعمة التي أنعم الله بها عليها، و هي نعمة الاشتراك في الطريق و الرفيق و الهدف، علينا أن نشكر هذه النعمة، فما معنى أن نشكرها؟ هل يعني أنّا إذا سمعنا كلامًا نمسك بالهاتف على الفور و نتّصل بقم و طهران و مشهد و الداخل و الخارج و نضيف على الكلام عشرة من أنفسنا و تخيّلاتنا؟ هذا هو شكر النعمة؟! لقد قال فلان في مجلس ما كذا. حسنًا ربّما كان يقصد شيئًا آخر، انتهى الأمر فهذا هو مراده، هكذا إن كنّا نقدّر.
و اعلموا أيّها الذين يتّبعون ذاك الطريق! فهؤلاء عليهم أن يفكّروا، الذين يسعون إلى إصلاح هذا الطريق و جميعنا نعلم ماذا نصنع، و لا ضرورة لأن يعلّمنا أحد هذا الأمر، فهم جميعهم لديهم عطف و رحمة، قادرون على التدقيق و الموازنة، أناس من أصحاب الألم. و ختامًا للمجلس و للجلسة تقول الآية: ﴿و ٱتَّقُواْ فِتۡنَةٗ لَّا تُصِيبَنَّ ٱلَّذِينَ ظَلَمُوا مِنكُمۡ خَآصَّةٗ﴾۱
احترسوا من فتنة لا تصيب الظالمين و حدهم بل تأكل الأخضر و اليابس.
إن شاء الله نسأل الله أن يوفّقنا لأن نكون شاكرين و مقدّرين لنعمة ما قاله أعاظم الدين و أئمّة الهدى صلوات الله و سلامه عليهم أجمعين و بذلوا أرواحهم في سبيل ذلك و جعلوا هدفهم ذلك و همّهم في ذلك و أتعبوا أنفسهم و تحمّلوا المصائب لكي تصل إلى أذهاننا كلمتان اثنتان، ونسأله أن يجعلنا نقو م بعمل يرضاه ونتكلّم بكلام يرضاه و أن يكون ما يخطر في نفوسنا موضع رضاه.
اللهمّ صلِّ على محمّد و آل محمّد