4

أحكام الكفّار الذمّيين والحربيّين

6284
مشاهدة المتن

المؤلّفالعلامة آیة الله السيد محمد الحسين الحسيني الطهراني

القسممحاضرات العلامة الطهراني

المجموعةأبحاث فقهية

جلسات المجموعة(7 جلسة)

التوضيح

في هذا المجلس الذي عقده سماحة آية الله العلاّمة السيّد محمّد الحسين الحسينيّ الطهرانيّ رضوان الله تعالى عليه بمسجد القائم بطهران في شهر رمضان المبارك سنة 1398 هجريّة قمريّة للحديث عن بعض الأحكام المتعلّقة بالكفّار الذمّيين والحربيّين، تطرّق بدايةً إلى تقسيم الكافر إلى ذمّي وحربيّ، وبيان وظيفة الإمام أو نائبه تجاه الكفّار، ليُعرّج بعد ذلك على تعريف الذمّة وشروطها، وبيان حكم كلٍّ من الكافر الذمّي والحربيّ، ويختم كلامه بالحديث عن حكم الهجوم على العدوّ عند تترسّه بالنساء والأطفال والشيوخ والمجانين المسلمين وغير المسلمين.

/۵
بي دي اف بي دي اف الجوال الوورد

أحكام الكفّار الذمّيين والحربيّين

1
  •  

  • هو العليم 

  •  

  • أحكام الكفّار الذمّيين والحربيّين

  • أبحاث فقهيّة ـ المجلس الرابع

  •  

  • محاضرات ألقاها

  • سماحة العلّامة آية الله الحاجّ السيّد محمّد الحسين الحسينيّ الطهرانيّ

  • قدس الله سره

  •  

أحكام الكفّار الذمّيين والحربيّين

2
  •  

  •  

  • أعوذ بالله مِنَ الشيطان الرجيم

  • بسم الله الرحمن الرحيم

  • وصلّى اللهُ على محمّدٍ وآلِهِ الطاهِرينَ

  • ولَعنَةُ اللهِ على أعدائِهم أجمَعين

  •  

  •  

  • بما أنّنا تطرّقنا سابقًا للحديث عن رسالة الحقوق للإمام السجّاد عليه السلام،۱ وجاء في تتمّتها كلام عن حقوق أهل الذمّة، وجب علينا هنا التفريق بين الذمّي والحربيّ، وبيان أحكامهما.

  • تقسيم الكافر إلى ذمّي وحربيّ

  • فالكفّار إمّا أن يكونوا مؤمنين بالله تعالى ورسله المبعوثين من قبله، أو لا؛ والذين لا يُؤمنون بالله ورسله مشركون، ويُقال لهم: كفّار حربيّون، سواء كانوا عبدة للأصنام، أو العجول، أو الأبقار، أو النجوم، أو كانوا مثل المادّيين والشيوعيّين الذين يعبدون المادّة ولا يعتقدون بالله تعالى؛ وأمّا الطائفة من الكفّار الذين يُؤمنون بالباري عزّ وجلّ، ويرتضون أنبياءه الحقيقيّين، كالنصارى، واليهود، وحتّى المجوس وفقًا لأقوى الأقوال،٢ فهي على قسمين: إمّا أن يكون هؤلاء تحت حماية الإسلام وفي ذمّته، ويدفعون الجزية والخراج للدولة الإسلاميّة، فيصيروا في هذه الحالة كفّارًا ذمّيين؛ وإمّا ألاّ يكونوا في ذمّة الإسلام؛ وحينئذ، لن يُعدّوا ذمّيين ولا حربيّين؛ أي لن تسري عليهم أحكام الكفّار الحربيّين، ولا أحكام الكفار الذمّيين.

  • وظيفة الإمام أو نائبه تجاه الكفّار

  • وأمّا بالنسبة للكفّار الحربيّين، فينبغي أوّلاً أن يدعوهم الإمام عليه السلام أو نائبه إلى الإسلام؛ فإذا قبلوا، فلا شيء عليهم، وإذا لم يقبلوا، تعيّن على الإمام أو نائبه أن يُحاربهم ويُجاهدهم، بحسب ما تقتضيه الظروف والاحتياجات والإمكانيّات؛ وحينئذ، إمّا أن يُقتلوا، أو يعتنقوا الإسلام، من دون وجود أيّ خيار ثالث.

  • وأمّا فيما يخصّ الكفّار الذين يُؤمنون بالله والكتب السماويّة، فيجب على الإمام أو نائبه محاربتهم؛ فإمّا أن يُقتلوا، أو يُسلموا، أو يدفعوا الجزية؛ ويكون حكمهم أخفّ بدرجة واحدة عمّا هو عليه الحال بالنسبة للكفّار الحربيّين. فإن اعتنقوا الإسلام، فلن يكون للدولة الإسلاميّة أيّ شأن بهم، بحيث لن يُؤخذ أيّ شيء من أراضيهم وممتلكاتهم، ولن يُؤسروا؛ فهم أسلموا وحسب، وعلى الجيش الإسلاميّ حينئذ أن يقفل راجعًا من الجهاد؛ وأمّا إذا لم يقبلوا باعتناق الإسلام، فسيكون عليهم أداء الجزية؛ أي دفع الخراج للدولة الإسلاميّة.

  • ومقدار الخراج غير محدّد، بل يتوقّف على رأي الإمام أو نائبه، حيث تختلف الجزية بحسب اختلاف الظروف والمقتضيات،٣ وينبغي وضعها في خزينة الدولة الإسلاميّة. وفي مقابل هذه الجزية، يدخل هؤلاء في حماية الإسلام، وتبقى أرواحهم وأموالهم وأعراضهم محفوظة، ولن يكون بوسع أحد من المسلمين التعدّي عليهم، بل يجب على الدولة الإسلاميّة الدفاع عنهم إذا هاجمهم كفّار آخرون؛ وعلاوة على ذلك، فإنّ الدولة الإسلاميّة ستُنفق الخراج المعطى من قبلهم في الدعوة والتبليغ، ليتعرّف هؤلاء على الإسلام شيئًا فشيئًا، ويصيروا من المسلمين.

    1. راجع: المجلس الثاني.
    2. راجع: وسائل الشيعة، ج ۱٥، ص ۱٢٦ ـ ۱٢٩؛ معرفة الله، ج ٣، ص ۸۱؛ مطلع أنوار (فارسي)، ج ٢، ص ٢۸٣.
    3. راجع: وسائل الشيعة، ج ۱٥، ص ۱٤٩.

أحكام الكفّار الذمّيين والحربيّين

3
  • تعريف الذمّة وشروطها

  • ويُراد من الذمّة: العقد الذي يُبرمه الإمام أو نائبه مع الكفّار، ليكونوا في حماية الإسلام، ويدفعوا الجزية؛ ومن ضمن شروطه:

  • أوّلاً: أداؤهم للجزية.

  • ثانيًا: أن يرجعوا في المرافعات والنزاعات التي تحدث أحيانًا بينهم وبين المسلمين، أو فيما بينهم إلى القاضي والمحكمة الإسلاميّين، فيُصدر القاضي حكمه، ويفضّ النزاع طبقًا لأحكام الإسلام، لا أحكامهم هم.

  • ثالثًا: ألاّ يُسيؤوا في بلاد الإسلام للنساء المسلمات، ولا يتزوّجوا بهنّ؛ إذ لا يجوز بتاتًا للمسلمة الزواج من غير المسلم، بل حتّى لو كانت الكافرة متزوّجة برجل كافر، فأسلمت، فإنّها بمجرّد إسلامها، تخرج من تلقاء ذاتها عن حبالة الزوج، وينقطع ذلك الزواج بالنسبة إليهما؛ وكذلك الشأن بالنسبة للزواج الابتدائيّ، حيث لا يُمكن للمرأة المسلمة بتاتًا أن تتّخذ لنفسها زوجًا غير مسلم، ولو كان ذمّيًا.

  • رابعًا: لا يجوز لأهل الذمّة التعدّي على المسلمين، سواء كانوا نساءً أو رجالاً؛ وذلك بأن يُثيروا الفتن ضدّهم، أو يُوقعوا بينهم الخلافات، أو يُحدثوا الفوضى؛ لأنّ هذا مخالف لشروط الذمّة.

  • خامسًا: ألاّ يقطعوا الطرق؛ بمعنى ألاّ يقطعوا الطريق أمام المسلمين.

  • سادسًا: ألاّ يلجؤوا للسرقة.

  • سابعًا: لا يُجبر هؤلاء على تطبيق الأحكام الإسلاميّة ظاهرًا؛ وإذا تعاطوا فيما بينهم لشرب الخُمر، أو أكل لحم الخنزير، أو ممارسة القمار، أو التعامل بالربا، فإنّ الدول الإسلاميّة لا تُعاقبهم فيما لو كانت هذه الممارسات غير علنيّة ولا ظاهرة؛ لكن، لا يحقّ لهم فتح متاجر لبيع الخمور، أو إنشاء دكاكين لبيع لحوم الخنزير، أو إقامة مزارع لتربيتها، كما لا يحقّ لهم تأسيس أبناك ربويّة، ولا الزواج بمحارمهم، ولو جاز ذلك بينهم.

  • فإذا ارتكبوا أحد هذه الأفعال، خرجوا عن الذمّة؛ ومن هنا، علاوةً على عدم جواز فتحهم لمتاجر بيع الخمور، لا يحقّ لهم أيضًا التظاهر بشربها، ولا بأكل لحم الخنزير، ولا بالزواج بالمحارم؛ أي أنّهم لا يستطيعون القيام بهذه الأمور في وسط السوق، وعلى مرأى ومسمع من المسلمين.

  • ثامنًا: أنّهم لا يستطيعون أن يُشيّدوا لأنفسهم معابد في بلاد المسلمين؛ إذ يُحظر بناء الكنائس والبِيع۱ في البلدان الإسلاميّة.٢

  • فهذه هي شروط الذمّة؛ وبواسطتها يدخل الكفّار في ذمّة الإسلام؛ وحينئذ، تكون دمائهم وأموالهم وأرواحهم وأعراضهم في حماية الإسلام؛ إلاّ إذا انحرفوا عن هذه الشروط؛ ففي هذه الحالة، يجري عليهم من تلقاء ذاتهم، أو بحكم الإمام عليه السلام ونائبه حكم الكفّار الحربيّين.

    1. قاموس دهخدا (فارسي): «البيعة: كنيسة النصارى أو معبد اليهود. ج بيع».
    2. راجع: وسائل الشيعة، ج ۱٥، ص ۱٢٤ ـ ۱٢٦.

أحكام الكفّار الذمّيين والحربيّين

4
  • وعليه، فإنّ كلّ كافر ذمّي تخلّف عن شروط الذمّة، يصير في حكم الكافر الحربيّ؛ وفي هذه الحالة، لن يعود لدمه ونفسه وعرضه حُرمة عند الدولة الإسلاميّة حتّى تحافظ عليها.

  • أحكام الكفّار الحربيّين

  • وأمّا الكفّار الحربيّون، فهم الذي لا يعتقدون بالله تعالى والكتب السماويّة؛ وحكمهم في الإسلام هو التخيير بين الجهاد والإسلام، من دون وجود خيار ثالث؛ وحتّى لو أرادوا إعطاء الجزية، فإنّ الدولة الإسلاميّة لا تستطيع الاستجابة لهذا الأمر؛ مثلما لم يستجب رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم لطلب بعض مشركي مكّة الذين أرادوا دفع الجزية، واعترضوا عليه بأنّه قَبِل الجزية من فلان المجوسيّ، فكتب النبيّ في جوابهم أنّ المجوس، ولو كان دينهم الآن غير إلهيّ، ولا يعملون بدين التوحيد، لكن، بما أنّ نبيّهم كان في الأساس إلهيًّا، فإنّهم يُعاملون معاملة أهل الكتاب.۱ 

  • فبعدما تُرسل الدولة الإسلاميّة جيشًا لجهاد الكفّار الحربيّين أو الذمّيين بالطريقة المعهودة والمتعارفة، يكون بوسعها محاربتهم؛ وإذا استدعى الانتصار عليهم قطع الأشجار وحرقها، أو هدم قلاعهم، أو رمي منازلهم بالحجارة بواسطة المنجنيق، فلن توجد في ذلك أيّة حزازة؛ لكن، يُكره قطع الماء عنهم، وحرق بيوتهم، ولا يجوز قتل نسائهم وأطفالهم ومجانينهم وشيوخهم الذين بلغوا سنّ الهرم؛٢ اللهمّ إلاّ في حالتين:

  • الحالة الأولى أن يُقدم ذلك العجوز الهرم بفعله أو رأيه على مساعدتهم، والحيلولة دون تقدّم الجيش الإسلاميّ، أو أن يُساعدهم أولئك النسوة أو الشيوخ أو الأطفال في الحرب، حيث لا يوجد إشكال في قتلهم لأجل التقدّم.٣

  • حكم الهجوم على العدوّ حين تترسّه بالنساء أو الأطفال أو الشيوخ أو المجانين المسلمين أو غير المسلمين

  • الحالة الثانية تتمثّل في أن يضع الكفّارُ النساءَ أو كدرعٍ أمام صفوف العسكر؛ لأنّهم يعلمون أنّ الإنسان لا يستطيع بمقتضى الأحكام الإسلاميّة قتل هؤلاء؛ ولذلك يضعونهم أمامهم حتّى يحولون أمام تقدّم المسلمين؛ وفي هذه الحالة، إذا توقّف انتصار الدولة الإسلاميّة على قتلهم، فلن يوجد أيّ إشكال، ولو أدّى الأمر إلى موت جميع أولئك النساء والمجانين والأطفال الذين تترّسوا بهم، لكي يصل الدور بعد ذلك إلى أولئك [الكفّار المحاربين].٤

    1. وسائل الشيعة، ج ۱٥، ص ۱٢٦.
    2. لسان العرب: «الهرم: أقصى الكِبر». المعرّب
    3. وسائل الشيعة، ج ۱٥، ص ٦٤ و٦٥.
    4. المصدر نفسه؛ السرائر، ج ٢، ص ۸.

أحكام الكفّار الذمّيين والحربيّين

5
  • وحتّى لو أسر الكفّارُ بعض المسلمين من الرجال أو النساء أو الأطفال، أو غيرهم، وجعلوهم كدروع أمام صفوفهم، ولم يتسنّ للجيش الإسلاميّ اقتحامهم، إلاّ بقتل هؤلاء المسلمين والأطفال والنساء، فلن توجد في ذلك أيّة حزازة، بل ولن تجب الدية ولا القصاص هنا؛۱ لأنّ هذه القوانين وُضعت على أساس مصلحة الدولة الإسلاميّة؛ كما أنّ هذا الجهاد أُقيم بإشراف الإمام عليه السلام أو نائبه؛ لكن يجب أداء الكفّارة؛ أي: إذا ارتكب أحد قتلاً عن عمد، يجب عليه أداء الكفّارة، بأن يصوم ستّين يومًا، ويُطعم ستّين مسكينًا، ويُعتق رقبة واحدة.

  • فهذا قتل عمديّ؛ غير أنّ الجيش الإسلاميّ يضطرّ لقتل المسلمين لكي يتسنّى له الوصول إلى الكفّار وقتلهم؛ لكن، بما أنّ هذا القتل تحقّق بأمر الله تعالى، فلا يجري فيه القصاص، ولا يُمكن لأولياء دم هؤلاء المسلمين قتل القاتلين؛ لأنّهم قتلوهم امتثالاً لأمر الله تعالى؛ غاية الأمر، أنّه يلزمهم أداء الكفّارة؛ أي: عوضًا عن كلّ فرد قتلوه من المسلمين، عليهم أن يُعتقوا رقبة، ويُطعمون ستّين مسكينًا؛ لكن، من بيت مال المسلمين، حيث يتعيّن على الدولة الإسلاميّة دفع هذه الكفّارة، لا أنّها تتعلّق بذمّة كلّ فرد من الأفراد المحاربين.٢

  •  

  • اللهمّ صلّ على محمّد وآل محمّد

    1. وسائل الشيعة، ج ۱٥، ص ٦٢؛ السرائر، ج ٢، ص ۸.
    2. لمزيد من الاطّلاع، راجع: الروضة البهيّة في شرح اللمعة الدمشقيّة، ج ٢، ص ٣۸٦ ـ ٣٩٦.