المؤلّفآية الله السيد محمد محسن الحسيني الطهراني
القسمجبل عامل
التوضيح
تحدث آية الله سماحة السيد محمد محسن قدس الله سره في هذه الخطبة حول الآية الكريمة ( وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا...) والتي وصفت زمن الجاهلية وعدم تقبلهم للحقائق النورانية، ثم بيّن معنى النعمة الوارد في الآية والذي يتمثّل ببعثة النبي وهدايته للأمّة، موضّحاً أن النبي والائمة ليسوا محتاجين لهداية البشر لكنهم من شدة عطفهم ورأفتهم يتحملون المشقات في سبيل هدايتهم وايصالهم الى التوحيد والولاية، وأوضح أن اليُتم الحقيقي هو في البعد عن الامام، ثم فسّر أن معنى الرفيق الأعلى في حديث الامام العسكري هو مقام الكمال الذي وصل اليه النبي والأئمة عليهم السلام، وأكّد أن من أراد ان يصل اليه فعليه أن يكون حقاً من شيعة أمير المؤمنين ويسلك طريقه.
ثم بيّن معنى الأُلفة والمحبة المتمثلة بالولاية والتي جمعت المسلمين من فِرق وتوجّهات مختلفة، مبيّناً أن الذي يحمينا من التطرف والوقوع في نار الضلال هو اشتراكنا بالمسير الى الله تعالى تحت لواء التوحيد ونعمة الولاية، مؤكداً أن المسألة الأهم في هذا المسير هي مراقبة النفس وتهيئتها لمشاهدة الامام، مبيّناً ان المطلوب هو مشاهدة الامام باطنياً وليس ظاهرياً، مستشهداً بقصة أويس القرني الذي شاهد حقيقة الولاية في قلبه دون ان يرى النبي بعينه، ثم بيّن أن العيد الحقيقي هو تجلي وظهور هذه الحقيقة في قلوبنا.
هو العليم
خطبة الجمعة في لبنان
جبل عامل – متفرّق
محاضرة القاها
آية الله الحاج السيّد محمّد محسن الحسينيّ الطهراني
قدّس الله سره.
«دَعَا إِلَيْهَا خَيْرُ دَاعٍ، ووَعَاهَا خَيْرُ وَاعٍ، فَأَسْمَعَ دَاعِيهَا وفَازَ وَاعِيهَا»۱
{بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ ، قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ ، اللهُ الصَّمَدُ ، لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ ، وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ}٢
اللهمّ صلّ وسلّم وزد بارك على رسولك ونبيّك وخاتم رُسلك ومبلِّغ رسالاتك، الرسول النبيّ المكيّ المدنيّ التّهامي القرشيّ، صاحب لواء الحمد والمقام المحمود، أبي القاسم محمّد الحميد المحمود (اللهمّ صلّ على محمّد وآل محمّد)، وعلى أخيه ووصيّه وصهره وابن عمّه وخليفته مِن بعده، قائد الغرّ المحجّلين ويعسوب الدِّين وإمام المتّقين علِيّ أمير المؤمنين، وعلى البتول العذراء والإنسيّة الحوراء فاطمة الزهراء سيّدة نساء العالمين سلام الله عليها، وعلى سبطَي الرحمة وسيّدي شباب أهل الجنّة الحسن والحسين، وعلى علِيّ بن الحسين، ومحمّد بن علِيّ، وجعفر بن محمّد، وموسى بن جعفر، وعلِيّ بن موسى، ومحمّد بن علِيّ، وعلِيّ بن محمّد، والحسن بن علِيّ، والحجّة المنتظر المهديّ، صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين، اللهمّ عجّل في فرجه، وسهّل منهجم واجعلنا مِن شيعتهم ومواليهم والذّابّين عنهم.
{أعوذ بالله مِنَ الشيطان الرجيم ، بسم الله الرحمن الرحيم ، وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا}٣؛ هذه الآية كنذيرها مِنَ الآيات تحكي عن حال المسلمين والمؤمنين بعد زمن الضلالة والغواية والجهالة، وعدم فهمهم لشيء عن الأنوار الإلهيّة والعلوم المُقدّمة والموصلة إلى المراتب العالية والكمالات النفسيّة والروحانيّة. وهي تُنبئ عن حقيقة الإنسان ومدى شعوره ومُدركاته ومعلوماته عن كيفيّة إنارة عقله وهدايته وضعفه ونقصانه وخطئه في [مجالات] عيشه ومعاشه في دنياه وآخرته. وهي لا تختصّ بالأفراد الّذين كانوا يعيشون في زمن النبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم). وقد أخبر عنهم أمير المؤمنين (عليه السلام) أنّهم كانوا يعيشون في الضلالة وعبادة الأصنام، معاشًا ضالًّا وعيشًا باطلًا وعاطلًا. كانوا لا يفهمون ولا يعرفون [شيئًا] عن المسائل الأخلاقيّة والآداب التربويّة [وكيفيّة] التعامل مع الأفراد، بل كانت مدركاتهم جميعًا [منصبّة] على العيش في الدنيا وتحصينها وعلى كيفيّة الحصول وتحصيل [الرغبات] النفسانيّة والشهوات البهيميّة.
فمَنَّ الله تعالى عليهم في هذا المجال، بإرسال النبيّ وبعثته؛ فمِنهم مَن أخذ به وقِبَله بقَبولٍ حسنٍ، وأطاعه واتّبع سبيله، وتحمّل كلَّ الأعباء والمصائب، وبَذَلَ نفسه ومُهجته في سبيله، ومنهم مَن ردّه ولم يطعْهُ، بل اعتبره هباءً عبثًا، فتلاعب بالآداب ولم يعتنِ بما جاء به النبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، ولم يفهم أنّ هدايته وسعادته، لا فائدة منهما تعود على النبيّ، فالنبيّ كان يسلك طريقه، والأفراد الّذين اتّبعوه كانوا يسلكون طريقهم دون أن يلتفتوا يمينًا وشمالًا ودون أن ينظروا إلى أحدٍ، ولم يفهموا أنّ ما كان [يفعله النبيّ] هو مِن شدّة الرحمة بهم والعطف عليهم، حيث إنّ النبيّ كان أبًا للأمّة، وحريصًا على هدايتهم، كالأب الوالد الرؤوف العطوف على أولاده وأطفاله.
فبَذَلَ حياته وتحمّل المشقّات والصعوبات في هدايتهم، بحيث إنّ صفحات التاريخ مُلئت واقعًا بالمشاكل الّتي حمّلها هؤلاء الأفراد للنبيّ، مِن حروب وجروح وإصابات ومشاكل ونفاق المنافقين. ومع هذا كلّه لم يتركهم، بل كان يوصيهم بالوحدة الجامعة تحت لواء التوحيد وتحت لواء الولاية، ونصّب لهم إمامًا يقتدون به ويتّبعوه، [وبلغت عنايته بهم] حتّى في آخر لحظات حياته وفي أشكل المشاكل وفي أصعب الظروف؛ فقد كان مستلقيًا على فراش [المرض]، فأمرهم أن يُخرجوه مِن بيته إلى المسجد، وصعد على المنبر في حالة المرض ومع شدّة ابتلائه، وأوصاهم باتّباع علِيٍّ أمير المؤمنين عليه السلام والأخذ بالثقلين، فقال: «إنّي تارك فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي».۱ كما أنّه لم يتركهم ولم يهملهم في آخر لحظة مِن حياته، فدعا بقرطاس وقلم، ولكنّهم لم يجيبوه، وقال له شخص: «إنّ الرجل ليهجر».٢
لأيّ شيء كانت كلّ هذه الأحداث؟ وهل اهتداء الناس يعود بفائدةٍ على النبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، وهو الّذي وصل إلى مراتب الكمال، ولا حاجة له إلى شيء آخر؟! فهل النبيّ يحتاج إلى هداية الناس؟! وهل الأئمّة عليهم السلام، والّذين يتّبعون الأئمّة عليهم السلام، يحتاجون لاهتداء الناس؟! أو أنّهم مِن شدّة رحمتهم وعطفهم، بذلوا جهودهم وصرفوا أوقاتهم وأعمارهم للهداية والرشاد.. كما في رواية عن الإمام العسكريّ عليه السلام عن آبائه عن النبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، يقول: «أشدّ مِن يُتم اليتيم الّذي انقطع عن أبيه، يُتم يتيم انقطع عن إمامه، ولا يقدر على الوصول إليه، ولا يدري ما حكمه فيما يُبتلى به مِن شرائع دينه، ألا فمَن كان عالمًا بشريعتنا، وهذا اليتيم المنقطع عن إمامه ولا يقدر على مشاهدته، ألا فمَن هداه وأرشده بشرائعنا كان معنا في الرفيق الأعلى».٣ ما هو الرفيق الأعلى؟ وما هي القضيّة والمسألة هنا؟ يعبّرون عن (الرفيق الأعلى) بآخر مراحل الكمال، وهي المرحلة الّتي وصل إليها النبيّ والأئمّة (عليهم السلام)، الرفيق الأعلى هو الله تعالى، [الّذي هو] أعلى مِن مراتب أسمائه ومراتب صفاته، وهي المرحلة الّتي يوصله إليها اللهُ.
فلهذه المسألة المهمّة، فإنّ اتْبَاع سيرة الأئمّة عليهم السلام، الّذين – واقعًا – يتّبعون الأئمّة ولا يلتفتون إلى شيء آخر، ويأخذون بأيدي الجهّال والضالّون، ويرشدوهم ويهدوهم بالشريعة الإسلاميّة الحقّة، الموروث – واقعًا – عن الأئمّة عليهم السلام، ولا يلتفتون إلى الإذاعات والإشاعات وغيرها مِن مسائل، هم شيعة أمير المؤمنين (عليه السلام) وأتباعه حقًّا وواقعًا.
يقول اللهُ تعالى للنبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم): {وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ}۱، هذا هو الصراط الّذي يجب على كلّ مجتمع أن يسلكه وعلى كلّ عائلة أن تسلكه، هذا هو الصراط الّذي يرغّبنا به الله تعالى ويحرّكنا للمشي فيه.
{وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً} (يعني كنتم مختلفين وكنتم أصحابَ أهواءٍ وآراءٍ مختلفة ومتفرّقة) {فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ} (يقول الله تعالى [هنا] أنّه هو مَن ألَّف بين القلوب). {وَمِنْ آَيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً}٢، هذا مِن آيات الله تعالى.
يقول الله تعالى {وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ}، فلو أنّ الله تعالى خَلّانا وحيدين وتركنا ولم يعتنِ بنا، ولولا التمسّك بالولاية وبأذيال الله تعالى، الّتي هي وسائط بيننا وبين الله تعالى، لكُنّا متفرّقين متباعدين ومختلفين أنحاءً، كلًّا على حياله، وكلًّا يسلك طريقه، وكلًّا لا يعتني إلّا بالمسائل الماديّة، وينظر إلى الآخر بلحاظ دنيويٍّ وماديٍّ، فالّذي يجمعنا تمامًا، ويُنحّي هذا التفرّق، ويجمعنا تحت لواء واحد وخيمة واحدة، هو فقط الاشتراك في المسير إلى الله تعالى؛ يعني أنّ الاشتراك في المسير، أي مسير الإنسانيّة ومسير الأئمّة ومسيرة الهداية، هو الطريق الوحيد الجامع لجميع المتفرّقات والمزيل لكلِّ تشتّت واختلاف، هذا هو المسير؛ {فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ} (بهذا المسير) {فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا}، وذلك بأن مَنَّ اللهُ علينا بإرسال الرسل وإنزال الكتب وبيان الحقائق؛ فمَن قَبِله بقبولٍ حسن، سيوفّقه الله لارتقاء المراتب والدرجات، ومَن لم يقبله فسيُوقفه الله في موقعٍ، وسوف يرى موقعه، سيرى موقعه وكيفيّة خسرانه وانحطاطه وتوقّفه على البهيميّة والحيوانيّة، {فَمَاذَا بَعْدَ الْحَقِّ إِلَّا الضَّلَالُ}٣. فالمهمّ بالنسبة إلينا، هو كيفيّة سلوك الطريق، الطريق الوحيد، وهو طريق الولاية والتمسّك بالإمام عليه السلام.
ليست المشاهدة في هذه الرواية هي المشاهدة الظاهريّة، فالمشاهدة الظاهريّة ليست متاحةً لكلّ شخص، وليست هي سعادة وشرافة المرءِ، فأويس القرني لم يرى النبيّ طوال حياته، حتّى أنّه استأذن أُمّه [ليذهب إلى المدينة] لرؤية النبيّ، فجاء ولم يكن النبيّ موجودًا، ولأنّ والدته لم تأذن له [أن يغيب عنها] لأكثر مِن يومٍ واحد، [لم يستطع أن ينتظر النبيّ] حتّى يرجع إلى المدينة، فرأى أنّه يجب عليه الرجوع إليها [في حين أنّه لم يرَ النبيّ بعدُ]، ولمّا رجع النبيّ [إلى المدينة] قال: إنّي أشمّ رائحة الرحمن مِن طرف اليمن. هذا، مع أنّ أويس لم يرَ النبيّ، فهذه ليست مشاهدةً عاديّةً، بل هي مشاهدة النبيّ في قلبه ومشاهدة النبيّ في روحه.
فيجب علينا أن نشاهد الإمام الحجّة (صلوات الله وسلامه عليه) في هذا الجلسة وبين أنفسنا، فليست المشاهدة الظاهريّة سعادةً ولا شرافةً. ونحن لا نجد في الروايات عن الأئمّة عليهم السلام، أنّهم يدفعون ويشوّقون الأفراد إلى مشاهدة الإمام الظاهر، بل جميعهم يحرّكون المجتمع والشيعة ويشوّقونهم إلى معرفة الإمام عليه السلام؛ يقول الإمام الباقر عليه السلام: ألا فمَن ينتظر – هذا مضمون الرواية – الإمام عليه السلام ويقوم بواجبه ويقوم بتكاليفه ويراقب نفسه ويسلك في طريقه [فهو مع الإمام]. ما معنى الطريق هنا؟ يعني لو حَضر الإمام المهديّ الآن في هذه الجلسة، هل يمكننا أن نجيبه عن أسئلته [إذا سألنا:] لماذا فعلتَ كذا؟ ولماذا فعلت كذا؟ أهذا صحيح أم غير صحيح؟ فهل يمكننا أن نردّ عليه ونجيبه! يجب علينا أن نُهيّئ ظروفنا ونهيّئ أمورنا وأن يكون عيشنا ومعيشتنا بحيث لو أنّ الإمام الحجّة (عليه السلام) دقّ الباب وأراد أن [يدخل إلى] المنزل، فلا نفتح [الباب] ونحن خجلون منه، ولا نستحي أن يدخل الإمام الحجّة إلى بيتنا مع هذه الظروف ومع هذه الأشكال.
هذا هو الطريق الّذي يرغّبنا في سلوكه الإمامُ عليه السلام. فإذا سلك الشيعة في هذا الطريق، وفُتح لهم المجال في هذا الطريق، وتابعوا الإمام عليه السلام، وفكّروا في برنامجهم وكيفيّة معاشهم وعيشهم وعشرتهم للأفراد، [وفكّروا في] مسائلهم الشخصيّة [وجعلوها] طبقًا لرضا الإمام الحجّة (عليه السلام)، فيكونوا مِمّن أخبر عنهم الإمام عليه السلام بأنّهم تحت خيمة الإمام وتحت فِسطاطه في الدنيا وفي الآخرة، سواء ظهر الإمام عليه السلام أم لم يظهر.۱ هذا هو المهمّ.
هذه هي المرتبة الّتي سأل عنها بعضُ تلامذة الوالد (رحمه الله)، [حين سأل السيّدَ الوالدَ]: كيف هو تعلّقك بالإمام الحجّة، وما هي موقعيّتك مع الإمام الحجّة؟ فأجابه: موقعيّتي مع الإمام الحجّة، مثل إشرافي على الأطفال [الجالسين] في الطابق الأوّل، حيث كان هو في الطابق الثاني؛ يعني كما أنّ الوالد يشرف على الأطفال وعلى عائلته في بيته، فيراهم ويشرف عليهم وعلى أعمالهم وعلى تعاملهم، ولا يخفى عليه شيءٌ مِن أعمالهم وأفعالهم في البيت، فموقعيّة الإمام الحجّة بالنسبة إليَّ كموقعيّتي بالنسبة للعائلة في البيت. هذه هي المرتبة الّتي يقول عنها الإمام عليه السلام: سواء عليه ظهر الإمام الحجّة أم لم يظهر. ذلك لأنّ له علاقة وثيقة [به]، ولا يخفى عنه الإمام عليه السلام، وليس المقصود أنّه لا يغيب عن فكره، [بل المقصود] أنّه لا يغفل عن مشاهدته، هو يشاهده الآن في أيّ مكان كان، وهو يشاهده الآن في أيّ موقع كان؛ فالعلاقة بين قلبه وبين الإمام عليه السلام، مثل العلاقة بين فكره وبين نفسه؛ فكما أنّ بين الإنسان وبين أفكاره وبين نفسه علاقة وثيقة واتّحاد واقعيّ، كذلك لا يكون في أيّ لحظة منعزلًا عن قلب الإمام عليه السلام وعن ولايته. هذه هي المرتبة الّتي يجب أن نصل إليها، والله تعالى – إن شاء – يوفّقنا لبلوغ هذه المرحلة وهذه المسألة.
هذا هو الصراط الّذي يوصي اللهُ تعالى به النبيّ ويوصي به أصحابه وشيعتنا، [في قوله تعالى] {وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ}، وهو صراط الولاية والاقتداء بالإمام عليه السلام، وتحصيل رضاه برضا الإمام عليه السلام؛ كما يقول الإمام [الحجّة، فيما ورد عنه] في كتاب (الاحتجاج): «ولو أنَّ أشياعَنا وفّقهُم اللهُ لِطاعتِه على اجتِماعٍ مِنَ القلوبِ في الوَفاء بالعَهدِ عَليهِم، لَمَا تأخَّرَ عنهُم اليُمن بِلقائِنا، ولَتَعجَّلَتْ لَهُم السَّعادةُ بمُشاهَدتِنا، علَى حقِّ المَعرفةِ وصِدقِها منهُم بِنا، فما يحبِسُنا عنهُم إلّا ما يَتّصلُ بِنا مِمّا نَكرهُهُ ولا نُؤثِرهُ منهم»۱، يعني أنّ الإمام عليه السلام يقول: لو مشيتم على طبق ما فيه رضاي ورضا الله تعالى، ولو سلكتم مسلكًا، وأنتم متأكّدون أنّ في سلوكه رضا الله تعالى، لن تفوتكم مشاهدتنا، ولن يَحجب عنكم شيءٌ لمشاهدتنا. هذا هو سلوك الطريق الواقعيّ، وهذا السلوك الّذي إذا وصل فيه الشخص إلى هذه المرحلة، سيرى نفسه مع الإمام الحجّة (عليه السلام)، سواء ظهر الإمامُ أم لم يظهر، وسواء مات الشخص في هذا الزمان أو مات بعد زمن الظهور، [فلن يشكّل ذلك فرقٌ بالنسبة إليه] لأنّه قد وصل إلى المرتبة الّتي الإمام عليه السلام قد وصلها، فلا يكون بينهم فاصل حينئذٍ؛ كما في هذه الإشعار للعارف المصريّ:
إذا سفُرت في يوم عيد تزاحمت | *** | على حسنها أبصارُ كلّ قبيلة |
وعندي عيد كلّ يوم أرى به | *** | جمال محيّاها بعين قريرة۱ |
يعني أنّه إذا وصلتُ إلى المرحلة الّتي أراه فيها في كلِّ مكان، وأشاهده في نفسي، ولا أراه منعزلًا عني، فهذا هو يوم العيد، فليس يوم العيد هو اليوم اّلذي يظهر فيه، بل هو اليوم الّذي نراه بالظهور الباطنيّ وبتجلّي حقيقته في قلوبنا وبتجلّيه في أرواحنا، فنرى أنفسنا متّحدةً معه، وقلوبنا معه، إن شاء الله تعالى.
فلهذه، يجب أن ندعو الله تعالى أن يوفّقنا للوصل إلى هذه المرحلة، وأن يأخذ بأيدينا وأن لا يتركنا وأن لا يحرمنا سعادة رؤيته في زمن الظهور، والاتّصال بقلبه. ومِن صميم قلوبنا ندعو ونطلب مِنَ الله أن يزيل عنه المصاعب والابتلاءات، وأن يجعلنا مِن شيعته ومَواليه والذّابين عنه.
«اللهمّ إنّا نرغب إليك في دولةٍ كريمة، تُعزُّ بها الإسلامَ وأهلَه، وتذلّ بها النفاقَ وأهلَه، وتجعلنا فيها مِنَ الدُّعاة إلى طاعتِك والقادةِ إلى سبيلك، وترزقنا بها كرامةَ الدنيا والآخرة»٢.٣
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
[إقامة صلاة الجماعة بإمامة الخطيب سماحة آية الله السيّد محمّد محسن الطهرانيّ (قدّس الله نفسه الزكيّة)].