المؤلّفآية الله السيد محمد محسن الحسيني الطهراني
القسممباني الإسلام
التاريخ 1432/01/19
التوضيح
أهم محتويات المقالة:
- الوحدة أساس الوجود؛
- اختلاف حالات الإنسان باختلاف ظروفه؛
- قيمة الحياة الدنيا؛
- هبوط قيمة الإنسان بنمط حياته؛
- دور إطاعة الله وعبوديّته في رقيّ الإنسان؛
- صبغة الله هي التلون بلون الربوبيّة؛
- أثر المعصية على نفس الإنسان؛
- و...
هو العليم
اختلاف حالات الإنسان باختلاف ظروفه الزمان والمكان
الأهواز ۱٩ محرّم ۱٤٣۲ هـ ق
محاضرة ألقاها
آية الله الحاجّ السيّد محمّد محسن الحسينيّ الطهرانيّ
قدس الله سره
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم
بسم الله الرحمن الرحيم
وصلّى الله على سيّدنا ونبيّنا أشرف الأنبياء والمرسلين محمّد
وعلى آله الطيبين الطاهرين
واللعنة على أعدائهم أجمعين.
الوحدة أساس الوجود
قال تعالى: {صِبْغَةَ اللَّهِ وَ مَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ صِبْغَةً وَ نَحْنُ لَهُ عابِدُون}۱
{صِبْغَةَ اللَّهِ وَ مَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ صِبْغَةً}
چون بكثرت آمد و نور سره | *** | شد عدد چون سايههاى كنگره |
كنگره ويران كنيد از منجنيق | *** | تا رود فرق از ميان اين فريق |
اختلاف حالات الإنسان باختلاف ظروفه
چون كه اين رنگ از ميان برداشتى | *** | موسى اى و فرعون كردند آشتى |
[عندما تنزّل الوجود المطلق الذي لم يكن متلوّناً بلون، صار هناك نزاع بين أتباع موسى أنفسهم لكن عندما نرفع هذه الألوان والاختلافات من البين، لا يعود نزاع حتّى بين أتباع موسى وفرعون]
قيمة الحياة الدنيا
تا رسد دستت بخود شو کارگر | *** | چو فتی از کار خواهی زد به سر |
[عليك بالعمل الحثيث ما دمت قادراً؛ لأنّك عندما تعجز عن العمل ستضرب يدك على رأسك ندماً]
هذه هي حقيقة المسألة، لكننا في غفلة، وهكذا نبقى في غفلة دون أن يكون هناك ما يضمن لنا البقاء أحياء إلى مائة أو مائتي سنة، بل حتّى لو كان هناك ضمان في أن نعيش مائتي سنة، لكن بعد ذلك ستنتهي هذه المدة، فماذا بعدها؟ وإذا فرضنا أنه لا نهاية لعمرنا، وأنه غير متناه، فهل الأمر هو هذا فقط؟ فلو فرضنا أنّنا سوف نبقى أحياء ما دام الله موجوداً، فهل هذه هي رتبتنا فقط؟ وهل مرتبتنا هي عالم الكذب والاحتيال والتهمة، هل هي عالم الفرية والخداع، هل هذه هي حياتنا واقعاً؟ هل هذه حياة الإنسان، وهل هذه هي الإنسانيّة؟ وحتّى لو فرضنا أنّنا نعيش إلى ما لا نهاية، فأيّ أثر سيترتب على هذه الحياة؟ أليس الأفضل أن يعيش الإنسان ثلاثين سنة مثلاً ويصل فيها إلى المقصود؟ أيّهما أفضل؟ أو أن يعيش عشر سنين ويصل فيها إلى المطلوب؟ أيّهما أفضل؟
هبوط قيمة الإنسان بنمط حياته
وفي عالم الحيوانيّة! ويا ليتها كانت حياة حيوانيّة فقط، فأين لوحظ في الحيوان الأفعال التي نقوم بها نحن، مع أننا ندّعي أنّنا مسلمون، فقد رأينا الأمور التي تصدر من المسلمين ومن الشيعة، فهل يصدر من الحيوان مثل هذه الأفعال؟ هل الأسد والنمر والفهد يفعلون ما فعلناه نحن ونفعله؟ أين يفعل ذلك في عالم الحيوانيّة، بل ما نقوم به أسوأ بمائة درجة، بل علينا أن نقول: إنّنا في عالم الشيطانيّة لا الحيوانيّة، فالحيوانات ستطالبنا في يوم القيامة بأنّكم اتهمتمونا بهذه التهم التي لم نفعلها. فالذئب يرحم صغار الحيوانات التي يفترسها، والنمر يرحم الصغير من الحيوانات الذي فقد أمه، وقد شوهد هذا الأمر من هذه الحيوانات فعلاً. فكيف يصدر منّا هذا الأمر؟ هذا العالم هو عالم النزاعات والتصادمات، يقول الله تعالى لنا: لقد أتيتم إلى هذا العالم للتربية والرشد والوصول إلى الفعليّة، وعليكم أن تتحرّكوا وأن تصلوا إلى تلك الاستعدادات الكامنة فيكم في عالم الإجمال، وذلك بأن تأتي إلى هذا الإجمال الذي كان في حالة الركود والسكون، وتوصله إلى حالة الفعليّة والنتيجة. فلديك استعدادٌ لأن تصير خطّاطاً.. لديك استعداد أن تصير رسّاماً أو أيّ مهارة دنيويّة أخرى، يمكنك أن تذهب إلى أُستاذ خط وتتعلّم عنده وتخضع أمامه وتستفيد منه خلال أشهر وسنين، فتحصل على فعليّة هذا الاستعداد... رحم الله السيّد حسين مير خاني الذي كان يعدّ من الخطّاطين المعروفين، بل يمكن أن أقول: إنّه أفضل خطّاطي القرن الأخير. لقد كنت أذهب إليه عندما كنت في العشرين من عمري، وكان ذلك في عهد الشاه، وكنت أذهب إليه وأتعلّم الخطّ عنده. في أحد الأيّام أتى ونصحني ـ وكنّا في حجرة درس الخطّ وكان الجميع حاضراً ـ فقال لي: يا فلان، إلى أي حدّ تريد أن تستمر في هذا الدرس عندي؟ فقلت له: لا يوجد حدّ معين في ذهني؛ فإنّي أُريد أن يكون خطّي جميلاً فقط. فقال: أنصحك بأن تستمر في هذا الدرس ولا تجعل أعمالك الأخرى تشغلك عن الاستمرار. ثمّ قال: إنّ فلاناً الذي يعدّ أفضل خطّاط في العصر الحاضر، والذي كان من تلاميذ السيّد حسن مير خاني أخ السيّد حسين أستاذنا، وكانا كلاهما أستاذاً في الخطّ، رحمهما الله جميعاً فقد كانا من الأفراد الصالحين والمتديّنين وكان سعيهم منصبّاً نحو نشر الثقافة الدينيّة والشعائر الدينيّة، لكن كيفيّة تعليم السيّد حسين ـ كما يُقال ـ كانت أفضل من أخيه السيّد حسن، فقد كان يخرّج تلاميذ بارعين. قال: إنّ فلاناً الذي يعتبر من أفضل الخطّاطين أتى إلى هذا الدرس وكان في صفّ تدريس الرسم، ولكنّه أتى في أحد الأيّام إلى هذا الصف بالصدفة وقال: لنذهب ونرى ما يجري في صفّ الخطّ، فأعطيته جملة ليكتبها بخطّ جميل؛ كي أعلم مستواه.. وأتى في اليوم التالي وأحضر ما طُلب منه، فرأيت أنّه كتب ما كتبته له تماماً مع اختلاف بسيط، فعندما رأيت ما كتبه قلت له: أريد أن أقول لك أمراً: الرسم بالنسبة إليك لا يعني شيئاً. عليك أن تكون خطّاطاً، فلديك استعداد لتعلّم الخطّ. فهذا الأستاذ يعلم ذلك، الأستاذ يعرف أنّ التلميذ يمتلك استعداداً أم لا؟ وأنّه هل ينفع في هذا الطريق والمسير أم لا؟ قال له: من الظلم في حقّك أن تبقى تحضر درس الرسم، بل تعال واحضر درس الخطّ، وفعلاً أتى وقبِل نصيحته واستجاب له، وصار أوّل خطّاط في إيران بعد أستاذه. فالأستاذ
أتى وبيّن ذاك الاستعداد الذي كان خافياً حتّى على نفس الرجل وغافلاً عنه، فرفعه وقوّى ذاك الاستعداد عنده حتّى وصل إلى ما وصل إليه.
دور إطاعة الله وعبوديّته في رقيّ الإنسان
والله تعالى يقول: لديك قابليّة ولديك استعداد، فذاك الكمال الاستعدادي الموجود لديك يمكن أن تصل إليه في هذه الدنيا وتصل إلى الفعليّة، وتصل إلى مرتبة يمكنك أن تفعل ما أفعله أنا. ماذا يفعل الله تعالى؟ يحي الموتى. ألا يفعل ذلك الإنسان؟ بل يفعل ذلك، فقد رأيت بنفسي أحد الأصدقاء الذي أحيا ميّتاً، وذلك في زمن المرحوم العلاّمة. كان يحي الموتى، ماذا يفعل؟ ماذا كان يفعل النبي عيسى عليه السلام؟ ألم يكن يحيي الموتى؟ وقد وصفته الآية {تُحْيِي الْمَوْتَى}. ماذا يفعل الله أيضاً؟ الله يخلق، ونحن يمكن أن نخلق أيضاً، لا أن نحيي الموتى فقط، فمسألة إحياء الموتى بسيطة، فالميت جسم له روح، الروح في عالمها والجسم يكون في مقبرة مثلاً، ويقوم العبد الصالح بالإتيان بتلك الروح ويركّبها في هذا الجسم، والتعبير بالتركيب ليس صحيحاً بل يجعلها متّحدة به، فيقوم الشخص الميّت من قبره، وهذا الأمر موجود. أمّا بالنسبة إلى الخلق فهو أعظم، أليس لدينا في الآية القرآنية قوله {وإِذْ تَخْلُقُ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ بِإِذْني} فأنت تخلق، دون أن يكون هناك ميّت، فتقوم بجمع الطين وتصويره بشكل معيّن، كما هو الحال في بعض المجسّمات المصنوعة من الشمع، كأن تجعل سمكة مثلاً أو حيّة أو سائر الحيوانات، هذه المجسّمات الشمعيّة يمكن أن تُعطى روحاً، ماذا يكون ذلك؟ سيكون خلقاً. الآية تقول للنبي عيسى: اجعل من الطين على شكل طير، {فَتَنْفُخُ فيها فَتَكُونُ طَيْراً بِإِذْني}، فبعد أن لم يكن فيه روح تحلّه الروح بالنفخ فيه فيتبدّل إلى طير حقيقي فيطير، وذلك ليس خداعاً ولا سحراً، أليس هذا خلقاً؟ هذا خلق فعلاً، والحال أنّ الخلق لله تعالى، فكيف خلق عيسى؟ ولماذا خلق الإمام الرضا عليه السلام؟ ولماذا خلق الإمام موسى بن جعفر عليه السلام؟ الإمام الرضا عليه السلام عندما أتاه ذاك الساحر الهندي الذي جاء به المأمون للاستهزاء بالإمام الرضا عليه السلام أمام بعض الأشخاص، فكان يفعل بعض الأمور به، كأن يبعد الخبز من أمامه، فعندما كان يمدّ الإمام يده لتناول الخبز كان ينقل الخبز من تحت يده بقوة نفسه التي كان يمتلكها، وفعل ذلك مرة أخرى فشرع المأمون والحضور بالضحك والاستهزاء، ولسان حالهم أنّ هذا إمام وقد فعلنا به ذلك، فالإمام لا يمكن أن يبقى ساكتاً في مثل هذه الموارد، فالإمامة في خطر، ولا يمكنه أن يقول: دعه يفعل ما يحلو له، بل قام الإمام عليه السلام بالإشارة إلى أسد كان مصوّراً على الستار ـ لم يكن هناك أسد ميّت، بل الذي كان صورة أسد ـ فأشار إليه الإمام وقال: «يا أسد الله، خذ عدو الله». فتحوّلت تلك الصورة إلى أسد حقيقيّ وزنه ثلاثمائة أو أربعمائة كيلو لا أعلم فالرواية لم تذكر وزنه.. فافترسه كلّه، وجلس بين يدي الإمام وأشار إلى المأمون: هل أفترسه أيضاً؟ فأغشي على المأمون، فقال الإمام: لا هذا يكفي. وبعد أن أفاق المأمون شاهد أسداً كبيراً؛ رأسه بمقدار رجل، فقال له الإمام: أتتجرّأ على الإمامة؟ هل أُشير عليه أن يجهز عليك كما فعل بصاحبك؟ فما كان منه إلاّ أن انكبّ على قدمي الإمام معتذراً منه. لذا لا ينبغي أن يقاس السحر
«عبدي أطعني حتّى أجعلك مثلي، أقول للشيء: كن فيكون، وتقول للشيء: كن فيكون». يعني: عبدي أطعني حتّى أجعلك مثلي، عندما أقول للشيء كلمة (كن) التكوينيّة بإرادتنا ومشيئتنا الموجبة للخلق الخارجي وخلق الأعيان في عالم الشهادة، فأنت كذلك يمكن أن تظهر إرادتنا في منصّة الظهور في عالم الأعيان والخارج، لا الإمام فقط ولا النبي فقط يمكنه ذلك، بل يمكن ذلك حتّى لشيعة الأئمّة وللأولياء الإلهيّين، فيمكنهم أن يفعلوا ذلك أيضاً. ومع ذلك يرون أنّ هذه المسألة بالنسبة لهم عيب ونقص.
صبغة الله هي التلون بلون الربوبيّة
هذه المسألة هي إظهار الاستعداد الذي وعده الله تعالى لعباده، لكن بماذا يحصل هذا الأمر؟ يحصل بصبغة الله، أي: عندما يصطبغ الإنسان بلون الله تعالى، فالصبغة يعني التلوّن، أي: يتلوّن الإنسان بلون الله تعالى، يتلوّن بلون عالم الربوبيّة، يصير وجوده وجوداً متناسباً وملائماً لعالم الربوبيّة، هذا هو معنى صبغة الله. والنفس يمكنها أن تحصل على ذلك. ومن أحسن من الله صبغة! أي شيء أفضل من أن يحصل الإنسان على صبغة الله تعالى، فأيّ لون يأخذ الإنسان؟ هل يتلوّن بلون السارق؟ لون الكاذب؟ بأيّ لون يتلوّن؟ بلون المذنب والشقي؟ بلون الجلاّد؟ أي لون يتلوّن، وبأيّ شكل يتشكّل؟ وإلى أُفق يقرب نفسه؟ هل يقترب من أُفق أهل الدنيا والمعاصي والشيطنة؟ أو يقترب من أُفق الربّانيّين وأُفق الملأ الأعلى والمقرّبين؟ والإنسان يمكنه ذلك حتماً، يعني: أنّ الإنسان يمكنه التحمّل والترقّي والوصول إلى ثقافة عالية، ويمكنه تحمّل القيم، كما أنّه يحمل إمكانية أن يكون ضدّ الترقّي والوصول إلى ثقافة سافلة، فالنفس الإنسانيّة لها ميل نحو كلا الطرفين.
أثر المعصية على نفس الإنسان
عندما يجعل الإنسان نفسه في مسار يتّجه ضدّ القيم، فسوف تضمحل شيئاً فشيئاً تلك الأُصول الراسخة في نفسه وفطرته وخلقه، وهذه الأمور لا تحدث في ليلة واحدة، بل تكون المعصية في أول الأمر بالنسبة له قبيحة جدّاً، فعندما يقوم بذنب يبقى يعاتب نفسه ويذمّها على هذا الخطأ والفعل القبيح الذي صدر منه؛ إذ النفس لم تتلوّن بعد بالمعصية، بل لا تزال على فطرتها، لكن عندما يعصي معصية يحصل في نفسه خدشة، فترى النفس أنّها لم تعد تنسجم مع تلك الفطرة التي كانت عليها، ولم تعد تتواءم مع ما جعله الله فيها وخلقه، وعند ذلك تبدأ باللوم والعتاب: لماذا فعلت هذا الأمر ولماذا ارتكبت هذا الخطأ؟ وبذلك يعلم أن باب التوبة ما زال مفتوحاً أمام هذه النفس، وباب الرجوع لا يزال مفتوحاً أمامها، والقابلية لا تزال موجودة، لم يذهب استعداده بعد، فيمكنه أن يجبر هذا النقص ويرممه ويصلحه، لكن إذا أذنب
ثانياً يلوم نفسه ويعاتبها ويقول: لقد غلبني الشيطان. لكن في المرة الثانية لا يكون لومه لنفسه مثل المرة الأولى، وشعوره هذه المرّة ليس كالمرّة الأولى، وهذا يعني أنّ اللون قد خفت قليلاً، ذاك اللون الإلهي ذهب وأتى مكانه لون غير إلهي واختلط به. وفي المرة الثالثة عندما يقوم بهذا الذنب يرى أنّ المسألة أصبحت أسهل عليه، فاللون بدأ يتغير، فالقيم بدأت تتغير، وهذه المسألة عجيبة واقعاً؛ فكيف للإنسان أن لا يرى الأمور المخالفة أنها أمور مخالفة. فإذا فرضنا أنّنا من الناحية الظاهرية ـ بحمد الله ـ في حالة ظاهرية جيدة ليس فيها فساد ظاهري ولا ذنب ظاهري، مع عدم الالتفات إلى الباطن، نرى أن الناس في الشوارع يتصفون بالرزانة، فتصرفهم جيد ولباسهم جيد، النساء محجبات، ضمن حدود ما نشاهده فعلاً، وهذا الأمر يسبب لنا إحساساً لطيفاً. لكن عندما نذهب إلى بلد آخر نصطدم بالواقع هناك، فحتّى لو كنا نرى الناس هنا يلبسون حجاباً عادياً لا يستر جميع الشعر، لكن الأمر في تلك الدول يكون بالنسبة لنا غير متوقع إلى حد أننا نفاجأ بتلك المظاهر، حتّى لو كنّا في بلد إسلامي؛ كسورية مثلاً، فسوريا دولة إسلامية، لكن فيها نساء غير محجبات، وفيها محلات تبيع المحرمات. وفي هذه الحدود، كم سيكون الأمر غير مأنوس بالنسبة لنا! وهكذا إذا ذهبنا أبعد من ذلك، نرى أن الأمور في الدول الغربية مثلاً لا تعتني بهذه الأمور أصلاً، لا يلتفت إليها الإنسان أصلاً، لماذا الأمر عندهم كذلك؟ لماذا يضع الإنسان نفسه في فضاءٍ وجوٍّ يرى فيها الأعمال القبيحة أمراً عادياً يمكن القبول به؟ كنت في بعض أسفاري إلى تلك الدول منذ مدة بعيدة أريد الانتقال من مدينة إلى مدينة أخرى، فشاهدت أموراً كانت عجيبة بالنسبة إلي، ولم تكن هذه الأمور مورد قبول أبداً، فكيف يمكن للإنسان أن يتحمل هذه الأمور التي تخدش في غيرته كرجلٍ، ومع أنّ المرأة تميل إلى الاستئثار بزوجها فقط، يصدر منها حركات قبيحة وشنيعة لا يمكن للإنسان أن يتصورها، وترى أنه أمر سهل ويسير؟ لماذا يصل الإنسان إلى هذا الحد؟ إذا لاحظنا المجسمات التي تصنع في الدول الغربية، كالتماثيل التي ينصبونها في الميادين والساحات وفي المتاحف، فإن بعض تلك المجسمات عارية تماماً مع جميع التفاصيل القبيحة والمعيبة، دون أن يعترض أحد على ذلك. كيف يمكن للإنسان أن يصل إلى هذا المستوى؟ هذا الأمر كان عجيباً جداً بالنسبة إلي؛ فالتمثال الذي يبلغ طوله ثلاث أو أربع أمتار ينصب أمام الملأ عارياً تماماً، ويشاهده الرجال والنساء والأطفال، دون أن يترك أي أثر عندهم وكأنّهم ينظرون إلى حائط، ما هذا؟ هذه هي البيئة والثقافة التي يمكنها أن تبرر أسوأ الأعمال القبيحة عند هؤلاء، فالإنسان يصل به الأمر شيئاً فشيئاً إلى أن يحدث في إحدى التظاهرات في بعض المدن أن يقوم ثلاثمائة شخص من المتظاهرين بنزع ثيابهم تماماً لنيل طلباتهم، فهل وصول الإنسان إلى مراده ينبغي أن ينزع لباسه؟ فالتظاهرات التي ينزع فيها اللباس لا يمكن أن توصل إلى نتيجة، والحال أنّ الأطفال الصغار ينظرون إلى الرجال والنساء، وكأنّ شيئاً لم يكن أصلاً. ولا يفكّر هؤلاء في الأطفال الذين بلغ عمرهم خمس سنوات أو سبع سنوات ينظرون إليهم. ما هذه القضية؟ هناك أب وأم، لكن لا شيء هامّ بالنسبة إليهم، بل يصفقون لهم ويضحكون، وهذا من الأمور العجيبة جداً.. وفي ذاك السفر دخلت إلى غرفة من تلك الغرف ونظرت إلى الحائط فوقع نظري على صورة السيدة مريم، وهي صورة مشهورة جداً، صورة السيدة مريم وهي تحمل السيد المسيح على يدها
وترضعه من ثديها، بشكل وقح وشنيع، وقد وضعت تلك الصورة بهذا الشكل، وقد تأثرت وانزعجت كثيراً لذلك؛ فحتّى لو كانت مجسمة وتمثال، لكنّه تمثال السيّدة مريم عليها السلام، وأنت مسيحي، لماذا تضع هذه الصورة؟ ثم ذهبت إلى المسؤول هناك وقلت له: أريد أن أسألك عن هذه الصورة، قلت له: هل هذه الصورة برأيك صورة مؤدبة بهذا الشكل، أو أنها غير مؤدبة؟ فاحمر لونه، فقلت له لماذا وضعتموها هنا؟ لم يجبني بشيء، وهؤلاء طبعاً لا يمكنهم أن يتكلّموا بشيء؛ إذ لا شكّ أنّ عليهم قيوداً، بل نظر إلي هكذا وقال لي: ليس لدي ما أقوله لك. هل ترون؟ هو نفسه يعلم أن هذا الأمر خلاف الأدب، فهذه الصورة التي وضعوها هنا هي صورة نبي من أنبياء الله، وهي من أجلّ الأنبياء عندهم، فالسيّدة مريم عندهم بمثابة نبي، ومع ذلك وضعوها في حالة إرضاع السيّد المسيح. كيف يمكن للإنسان أن يرجع في هذه الحالة؟ يعني أن اللون قد تغير وتغير إلى حد لم يعد ذاك اللون الإلهي وتلك الفطرة التي كانت عنده، بل يمكن له أن يقوم بأقبح عمل والذي يقوم به عادة في أخص أوقاته فيأتي به أمام الآخرين دون أن يتوجه أبداً إلى قبح فعله، وكأنّ شيئاً لم يكن. بينما الأديان الإلهيّة ماذا تفعل؟ تأتي الأديان الإلهيّة وترجع الإنسان إلى الحالة السابقة، يعني: ذاك الإنسان الذي تخلّى عن فطرته ومقامه الجليل وانتقل إلى مقام الذلة والانحطاط، وترك صبغة الله، يأتي الدين ويقول له: ارجع وعد إلى ذلك الذي كنت عليه، فتتبدّل تلك التعلّقات المادية إلى تعلّقات ربوبيّة، ويتبدّل ذاك الميل المادي والحيواني إلى ميل ربوبي، وتتبدّل تلك النظرة الماديّة إلى نظرة ربوبية، وبعد ذلك تتبدّل حالات الإنسان وأعماله..
من أنس بالله استوحش من غيره
لقد ورد عن رسول الله أنّه قال: «تخلقوا بأخلاق الروحانيين تكونوا منهم». فعند ذلك ستتغير نظرتكم، لن تعود الدنيا مؤثرة عندكم، بل سوف تضحكون على ما يتنافس عليه الآخرون ويقتلون أنفسهم في سبيل ذلك، سوف تضحكون على ذلك، لا أنكم لا تعتنون بذلك فقط، بل ستضحكون منه، مثل الولد في عمر خمس سنوات الذي يبكي إذا ضاعت كرته ووقعت في منزل الجيران، فتقول: إنّه طفل لنذهب ونأتيه بالكرة. هكذا تظهر لك أمور الرجل الذي يبلغ من العمر ستين وسبعين سنة من أي لون أو جنس أو سن، فإنك تضحك عليهم، وتنفر منهم وتفر منهم، لا تستطيع أن تبقى معهم لحظة واحدة. ورد عن الأئمّة عليهم السلام ـ والظاهر أنّه الإمام الحسن العسكري ـ أنّهم قالوا: «من أنس بالله استوحش من الناس»، ألا نقرأ في مناجاة الإمام السجاد، ألا نقرأها؟ يقول الإمام في المناجاة الخمسة عشر: «إلهي من ذا الذي ذاق حلاوة محبتك فرام منك بدلاً؟». هذه الأمور تقشعر منها الأبدان، فالذي يذوق شيئاً من حلاوة محبتك يا إلهي كيف يمكنه أن يذهب إلى غيرك من خلقك؟ فالأمور التي نراها من بعض الأولياء، نعلم أنهم ذاقوا حلاوة محبة الله، هل الأمر كذلك؟ الإمام العسكري عليه السلام يقول: من أنس بالله يعني من تلون بصبغة الله استوحش.. يعني لا أنه لا يعجبه غيره، بل إنه يضطرب بدنه أجمع إذا جلس مع شخص، يستوحش. كيف يستوحش الإنسان من الحيّة ويفرّ منها، فإذا فرضنا أنّ حيّة ظهرت فجأة وسط هذا المجلس، من الذي سيبقى هنا؟ وإذا فرضنا أنّ حيواناً خطيراً أتى إلى هنا، جميعنا يفرّ منه ولا يبقى منا
أحد.. الإمام العسكري لا يمزح في هذا البيان، فالذي يأنس بالله تعالى يفرّ من الناس كما نفرّ نحن من الحيّة والحيوان المفترس، بل يموت من هذه العلاقة ومن هذا الكلام، بل لا يستطيع أصلاً تحمل ذلك، ويستوحش من ذلك، لماذا؟ لأنّه يقع في النقطة المقابلة له تماماً، فيقف على الزاوية المعاكسة تماماً له. ولذا نرى أنّه يأنس بالله ويبحث عن ذلك الأنس، ويطرق في سبيله كلّ باب ليجد رفيقاً وشفيقاً يمكن أن يساعده في أنسه هذا.. ينقل المرحوم العلاّمة قصّة عجيبة يقول: كان المرحوم الملاّ حسين قلي الهمداني رضوان الله عليه من كبار العرفاء بالله والعلماء العاملين والأولياء الإلهيين في زمن المرحوم الشيخ الأنصاري، ويمكن القول واقعاً بأنّ المرحوم الملاّ حسين قلي كان في السلسلة العلميّة والفقهيّة لهذه المدرسة العرفانيّة، وهو وإن كان لديه أساتذة كبار إلاّ أنّه كان علامة فارقة في هذه السلسلة. وكان لديه تلاميذ، حيث ينقل أنّه ربّى ثلاثمائة تلميذاً، أحدهم المرحوم السيّد أحمد الكربلائي وغيره، وكان لديه نفس عجيبة جداً، وكان يجعل الجميع تحت تأثيره. ابتلي أحد علماء النجف بشبهة توحيديّة، فقد شكّ في إحدى المسائل: شكّ في الله، أو في الخلقة، والحاصل أنه ابتلي بشبهة دون أن يكون مقصّراً في ذلك، وكان يخاف أن يطرح هذه المسألة حتّى لا يكفّر بعد هذه السنوات الطوال.. بعد ستين سنة أو سبعين سنة، وكان له صديق وطرح عليه هذه المسألة وقال له: أخشى أن أطرحها على أحد ولو بعنوان سؤال، فإذا سألت فيها قد يقال لي: كافر ومرتد أو يأخذوني إلى السجن أو الإعدام، والحال أنّه لا يزال في طور السؤال، فماذا أفعل؟ قال له: الحلّ الوحيد أن تذهب إلى الملاّ حسين قلي وتعرض عليه هذه المسألة، فما كان منه إلاّ أن أتى إلى منزل الملاّ حسين قلي، فسأله: لماذا أتيت؟ قال له: لقد جئت لأعرض عليك هذه الشبهة، فقال له المرحوم الملاّ حسين قلي: عليك أن تلازمني أربعين يوماً، وفعلاً بقي معه أربعين يوماً، وكان ينام في منزل الملاّ في «البراني»، وكان الملاّ يأتيه بالطعام وينام عنده، وكان يذهب معه إلى السوق للتسوق وإلى الدرس وإلى أي مكان.. كان ملازمه دائماً إلى أربعين يوماً، وكان هذا الرجل يتغيّر من داخله. وفي أحد الأيام في مسجد الكوفة كانا جالسين معاً، وكان الملاّ حسين قد أتى لمناسبة إلى مسجد الكوفة، وكان هناك عدة أشخاص، فنظر إليه الملاّ حسين وقال له: انظر هل يوجد في يد أحد هؤلاء كتاب، فوجد مع أحدهم كتاب اللمعة، وهو كتاب فقهي للشهيد الأول والشهيد الثاني، طبعاً فيه بعض الروايات أيضاً، فقال له الملاّ حسين افتحه واقرأ فيه، ففتحه بالصدفة على رواية للإمام الصادق حول مسألة لا علاقة لها بالمطلب، وقرأها، وعندما قرأها ارتفعت الشبهة من عنده، وكأنها لم تكن أصلاً. لقد كان الملاّ حسين في هذه الأيام الأربعين يعمل على تغييره وإعادته، كان يضفي عليه لوناً إلهياً. والتحدّث مع الأولياء يفعل هكذا، ينقل الإنسان من لون المادة إلى لون إلهي، وبالتالي يتغيّر الإنسان شاء أم أبى، وهذه المسألة مهمّة جدّاً، ولديّ حول هذا الأمر قصص وحكايات كثيرة. كيف يخرج الارتباط بالأولياء الإنسان شيئاً فشيئاً من تلك الحالة التي كان فيها، بحيث تترك أثراً على كلامه وأفعاله، بل تؤثّر حتّى في طريقة لبسه وزيّه. رحمة الله على أحد الأفراد الذين كانوا على عهد الشاه كان يأتي أحياناً إلى مسجد القائم ويعتلي المنبر بدعوة من المرحوم العلاّمة في شهر رمضان، وكان له طبع خاص، ولن أذكر اسمه، وكان واضحاً من أوّل شهر رمضان ـ وكان فاضلاً وكان قد درس الحقوق في الجامعة وكان
يعمل في بعض الأمور ـ أنه كان في حالة معينة في لباسه وسائر أموره، لكنه عندما كانت تمضي مدة أسبوع أو أسبوعين كان يتغير في كلامه ومطالبه التي يطرحها. وقد اتّفقت أنّه تكلّم مرّة على المنبر وذكر مسألة.. ومع أنّ المرحوم العلاّمة كان يوصي دائماً الذين يصعدون المنبر أن لا يذكروا اسمه أبداً، خلافاً للآخرين الذين إذا لم يذكر اسمهم على المنبر لا يدعون الخطيب مرة أخرى.. فقال يوماً على المنبر: مع أني أعلم بأنّه (أي المرحوم العلاّمة) لا يرضى أن أذكر اسمه على المنبر، إلا أني سأخالفه وأقول لكم: أيّها الناس اعلموا قيمة هذا الرجل، إذ لا يوجد مثل هذا الإنسان، فقد ذهبت إلى كل مكان وخالطت الجميع، ولم أجد مثله.. وكان صادقاً في كلامه هذا، حيث كان رجلاً مطلعاً ومخالطاً، بل إنه درس الحقوق في فرنسا.. وقال: لقد ذهبت إلى الجميع ولم أجد مثل هذا الرجل، ولا أعلم ما هو الأثر الذي يحصل من الكلام مع هذا الرجل، فسواء شئت أم أبيت سوف تتغير من خلال التحدث إليه.. ولعله التفت إلى هذه المسألة بالنسبة إليه، وقال: حتّى لو جلست إلى جانبه دون أن تتحدّث إليه، فكأنّ الفضاء الذي يحيط بك يتغيّر بسببه، ويؤثّر فيك ويحوّلك شيئاً فشيئاً.
أثر الصديق والرفيق في تغير النفس
أسئلة وأجوبة:
السؤال: إذا طلب ابنتي شاب صالح متعلّم مؤمن مهندس لكنّه عاطل عن العمل، فهل ترون من الصلاح أن نعطيه ونزوجه؟
۱ليس واجباً، بل الواجب هو ستر البدن بحيث لا يتشخص معه حجم البدن، هذا هو الحجاب الواجب. نعم، في إيران وفي بعض الدول صار "الشادور" معروفة على أنها هي الحجاب. لكن رأيي هو أن الأفضل من "الشادور" هو اللباس الطويل الذي يستر كامل جسد المرأة مع المحافظة على حرية حركتها، فيمكنها الاهتمام بطفلها أو غير ذلك، وعليه فلا تعود بحاجة إلى "الشادور". والكثير من أصدقائنا خارج إيران لا يلبسون شادور، بل يلبسون اللباس الشرعي الطويل، وحجابهم جيد. لكن الأمر الواجب هو أن على المرأة أن تحفظ نفسها عن نظر غير المحرم إليها، وهذا إما أن
الجواب: علينا أن ننظر: لماذا نستخدم الانترنيت؟ لا يخفى أنّ الإنترنيت سيف ذو حدين، ولذا فالدخول فيه قد يوجب الكثير من الانحراف، وخصوصاً في السنوات الأخيرة، فقد صار يشكّل خطراً جاداً على العوائل، ويمكنني القول ـ مع محدودية العلاقة التي أقيمها مع الناس ـ بأن الإنترنيت كان السبب المباشر في القضاء على خمس عشرة عائلة أعرفها مباشرة، أي: إنّ العائلة دمّرت نهائياً، فضلاً عن المشاكل والمسائل الأخرى، وكذلك الحال في الموبايل الذي يعدّ في مصاف مخاطر الانترنيت التي لا تقبل المراقبة، ويمكن القول بأن هاتين الظاهرتين من ابتلاءات هذا القرن. فلماذا تجلس المرأة على الانترنيت؟ وما المبرر لها في ذلك؟ ما الذي تريد العثور عليه؟ وكذا لا يوجد أي مبرر للرجل في الجلوس على الانترنيت، لماذا يجلس وعمّا يبحث؟ يقول: أريد البحث عن المطالب العلمية. هذا كذب، أيّ مطالب علميّة
رك رك است اين آب شيرين وآبِ شور | *** | بر خـلايق مـيرود تـا نفخ صور |
[إنّ الخير والشر موجودان في هذا العالم كوجود الماء المالح والماء الزلال، وهذا الأمر باق ومستمر إلى يوم النفخ في الصور]
متاع كفر ودين بى مشترى نيست | *** | گروهى اين گروهى آن پسندد |
لذا علينا أن نطئمن، فالله تعالى خلق جهنّم وخلق الجنّة، وهناك أفراد سيدخلون جهنّم، وليس من الضروري أن نملأها نحن، بل هناك من يريد الذهاب إليها، ولا يريدون بديلاً عنها أبداً، {يَوْمَ نَقُولُ لِجَهَنَّمَ هَلِ امْتَلَأْتِ وَ تَقُولُ هَلْ مِنْ مَزيد}
الجواب: اسأل الله أن يشمل الجميع برحمته ومغفرته... على أمل أن يجعل الفاصل في سفرنا إلى الأهواز أقل.. رزقنا الله جميعاً رحمته، وإن كنت أنا بحاجة إلى دعاء، وأنا لا أتواضع في هذه الأمور، بل أنا لست من أهل التواضع أصلاً، ولعل هذه نطقة ضعف عندي، وما أشعر به فعلاً أقوله: فأنا بحاجة واقعاً إلى الدعاء، وعندما أرى حالات بعض الرفقاء أغبطهم على ذلك، وأشعر في نفسي بالغبن. لكن من جهة أخرى، على الرفيق أن يدعو لرفيقه، فأنتم
الجواب: المسائل التي حصلت قد حصلت، ونحن لا نأخذ ديننا من زيد وعمرو حتّى تغيّرنا أمثال هذه الأمور، والإسلام هو ما نعتقد به قبل حصول هذه الأمور التي تحصل، لا أنها من الأمور المرتبطة بعشر سنين أو عشرين سنة أو مائة سنة، بل الإسلام مرتبط بألف وأربعمائة سنة سابقة، فالمباني الإسلامية واضحة وموازينه واضحة وتعالميه معيّنة، فهي موجودة في الكتب. نعم، قد يأتي بعضهم ويعمل على خلاف هذه الموازين، لكن لا يمكن أن يكون ذلك داعياً للإنسان أن يرفع يده عن أصل المطلب، فإذا فرضنا أنّ قاتل الأبرياء مثلاً يتنفّس الآن، فهل هذا موجب لنا أن لا نتنفّس؟ بل علينا أن نتنفّس وإلاّ نموت. وهذا الطعام الذي نأكله إذا فرضنا أنّ أهل المعاصي يأكلون منه أيضاً، فهل علينا أن نمتنع عن أكله لأنّهم يأكلون منه؟ ما العلاقة بين هذا الأمر وذاك؟ فالمنكر الذي يقوم به أولئك هم الذي يتحمّلون مسؤوليته ويتضرّرون به، فلماذا تقوم أنت بالتخلي عن هذه المباني وتقوم بالفعل المخالف مثلهم؟ فإذا كنت تذهب إلى الجامعة وتهتمّ بدروسك، فهل تفكّر في أنّ بعض الأشخاص في صفّك من أهل المعاصي، وبما أنّ بعض من يستمع الدرس من أهل المعاصي فلن أستمع إلى الدرس ولن أقرأ في الكتاب.. فسواء درس هو أم لا، عليّ أنا أن أدرس وأن أستمع الدرس للوصول إلى الهدف المنشود، وهذا ما يحتاج إلى سهر في الليالي وقراءة ونحوها. إنّ مسائل الإسلام وتعاليمه واضحة ومحدّدة، فمن عمل بها ربح، لا أن من يدّعي أنّه مسلم فقط دون أن يعمل، كلا.. لقد مررنا بامتحان ورأى الجميع من الذي كان ملتزماً بذلك أو غير ملتزم، والجميع يعرف ذلك ويدرك هذا الأمر، ويعلمون من هو الصادق ومن هو المدّعي، ويرتّبون الأثر على هذا الأمر. وبالنسبة إلى الزوجة فهي كذلك، فإذا كان هناك بعض الأشخاص الذين يشتبهون، فلا داعي للتعامل معها بشكل عنيف نتيجة ذلك الفعل، وإذا كان اعتقادها قد انقلب فلينقلب على نفسه، فلماذا يختلف التعامل الحسن معها؟ لماذا لا يتعامل معها معاملة حسنة؟ فهل من المفترض أن نجعل نحن في قبر الآخرين؟ بل كل شخص له وظيفته المسؤول عنها، ويمكن للإنسان بأعماله الصالحة وأخلاقه الحسنة وتصرفه الجميل الناصح المشفق أن يصلح الأمور، لا بالتحقير والمواجهة والقسوة، فإن هذه الأمور لا توصل إلى نتيجة أبداً. وإنشاء الله إذا وفقنا الله تعالى أن نتمّ ذاك الكتاب الذي شرعنا بتأليفه حول الارتداد في الإسلام، وأنه هل يمكننا أن نطلق على أي
اللهم صلّ على محمّد وآل محمّد.