المؤلّفآية الله السيد محمد محسن الحسيني الطهراني
القسمجبل عامل
المجموعةأسئلة وأجوبة - رجال
هو العليم
الاختلاط، ومعرفة الوليّ الإلهي، والفرق بين الوليّ والمرتاض، و...
محاضرات جبل عامل - أسئلة وأجوبة الرجال - ج ٩
محاضرة ألقاها
آية الله الحاجّ السيّد محمّد محسن الحسينيّ الطهرانيّ
قدس الله سره
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله ربّ العالمين
والصلاة والسلام على سيّدنا محمّد
وعلى آله الطيّبين الطاهرين
تميُّز السادة عن غيرهم موجب لزيادة التكاليف عليهم
السؤال:
هل للسادة مقام أرفع مِن عامّة الناس، ولو كانوا مِنَ المقصّرين في الأعمال الصالحة؟
جواب سماحة السيّد:
إنّ الله تعالى خلق الأفراد بلحاظ المصلحة الّتي يراها في الخلائق وبلحاظ الأوصاف المختلفة وغيرها مِن أمور، ونظام العالَم هو نظام الاختلاف. والمهمّ في ذلك هو أداء التكليف بلحاظ الطاقة والسعة والقدرة؛ يعني أنّ الله تعالى الّذي أعطى هذه الصفات للإنسان كلٌّ بحسبه – إذ طاقة كلّ شخص تختلف عنها في الآخر – فهو يُحاسب على مقدار الطاقة وبحسب التكليف. والسادة بلحاظ الخصوصيّة التكوينيّة والعلقة بينهم وبين الرسول الأكرم (صلّى الله عليه وآله وسلم) يمكن أن يكون فيهم بعض الخصوصيّات النفسيّة بسبب هذه العلقة وهذا الارتباط، وكما أعطاهم الله تعالى هذه الخصوصيّة فهو يحاسبهم بلحاظها، ولا فخر لشخص على آخر إلّا بالتقوى. فلهذا يمكن أن نقول أنّ السادة يختلفون عن سائر الأفراد في الأمور المعنويّة والروحانيّة، وبمقدار هذا الأمر يُكلّفهم الله تعالى بما هو أزيد مِن غيرهم؛ يعني أنّه بلحاظ الخصوصيّة النفسانيّة وما أعطاهم الله ومنحهم إيّاه يطالبهم بتكاليف أزيد مِن سائر الأفراد .. قال تعالى في كتابه {إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللهِ أَتْقَاكُمْ}۱، فكلّ الأفراد بالنسبة إلى الله تعالى على حدّ سواء، ولكن لكلّ شخص خصوصيّة تختلف عن الآخر، فهذا له شأنه وذاك له شأنه؛ فبما أنّ كلّ شخص يختلف عن الآخر بخصوصيّات ظاهريّة وباطنيّة فإنّ الله يكلِّفه ويعطيه مِنَ الثواب أو العقاب بلحاظ تلك الخصوصيّات.. فكلّ الأفراد بالنسبة إلى الله تعالى على حدّ سواء، يعني أنّ الله تعالى هو خالقهم والعباد بالنسبة إلى الله تعالى هم عباد.
حكم ستر وجه المرأة
السؤال:
هل يجب شرعًا على المرأة ستر الوجه، خاصّة إذا كانت تعلم أنّه يمكن أن ينظر إليها الرجال؟
جواب سماحة السيّد:
ستر الوجه والكفّ ليس واجبًا على المرأة، ولكن إذا علِمت أنّ الرجل ينظر إليها فيجب عليها ستره.
المحبّة الّتي في الإنسان هي حبّ الله
السؤال:
أنا أسعى ليكون حبّي لزوجي ووُلدي حبًّا في الله، ولكنّي أفشل في ذلك وأرى نفسي متعلّقة بهم تعلّقًا كبيرًا، فكيف السبيل للتخلّص مِن عالم الكثرات؟
جواب سماحة السيّد:
هذا الحبّ هو حبّ الله تعالى، يعني أنّ حبّ الزوج للزوجة وحبّ الزوجة لزوجها ووُلدها، هي نفسها المحبّة الّتي أعطاها اللهُ تعالى لها، وأعطاها للوالدين، وأعطاها للأولاد ليحبّوا الوالدة. والمهمّ في ذلك أن لا يرى الإنسان في هذا الحبّ استقلالًا وموضوعيّة سوى أنّه طريق إلى الله تعالى؛ {قُلْ إِنْ كَانَ آَبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ}۱، يعني أنّ محبّة الرجل لزوجته والزوجة للرجل هي محبّة جيّدة وطيّبة ولا بدّ مِن وجودها ولا بدّ أن تزداد كلّ يوم، ولكنّ المسألة المهمّة [في المقام] أنّه لا بدّ للإنسان أن يرى أنّ هذه المحبة هي مِنحة وهبة الله تعالى إليه، وإذا تعارضت هذه المحبّة مع مسيره إلى الله تعالى فلا بدّ أن يرفض هذه المحبّة ويقوم بواجبه؛ مثلًا إذا طالب الزوجُ الزوجةَ قائلًا: إن كنتِ تُحبّينني فلا تقومي للصلاة، فعلى الزوجة أن ترفض هذه المحبّة وتقوم للصلاة، ولو كان هذا مخالفًا لمحبّة وإرادة الزوج، إذ «لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق»٢، وكذلك الزوج إن رأى أن ما تطالبه به الزوجة ليس في سبيل الله تعالى فعليه أن لا يكترث بذلك ويقوم بواجبه. ولكن نفس المحبّة، أي محبّة الرجل أو المرأة أو الوالدين لولدهم، لهي محبّة طيّبة وواقعيّة، قد منحهم اللهُ تعالى إيّاها ولا بدّ أن يستفيدوا منها في السير والحركة إلى الله تعالى.
أحكام الاختلاط بصوره المختلفة
السؤال:
نرجو توضيح [مسألة] الاختلاط بين الرجال والنساء في كلّ الحالات، وخاصّة في الجلسات الّتي تُعطى فيها الدروس العلميّة والدينيّة وغيرها مِنَ الجلسات؟ وهل يجوز الجلوس فيها إذا كان يُحتمل أن يرى [ولو] رجلٌ واحد امرأةً، أو أن ترى امرأةٌ واحدة رجلًا؟ وما هو معنى الستار بين الرجال والنساء؟ وكيف يجب أن يكون هذا الستار؟
جواب سماحة السيّد:
الاختلاط بين الرجال والنساء ممنوع شرعًا، إلّا إن كان هذا الاختلاط لا يصدق عليه الاختلاط اصطلاحًا، كما لو جلسوا في سيارةٍ أو حافلة وغيرها بحيث لا [يصدق عليهم] الاختلاط. أمّا الاختلاط بحيث أنّ الرجل يرى المرأةَ والمرأة ترى الرجلَ ... ففيه إشكال؛ لا يجوز أن ينظر الرجل إلى المرأة ولا المرأةُ إلى الرجل، ولكن يجوز الكلام بينهما بحدّ الضرورة، دون تبسّم مطلقًا ولا مزاح، بل لا بدّ مِنَ الجديّة وأن يكون بمقدار الضرورة. والأحسن أن يكون بينهما ستار في الجلسة بحيث لا يرى الرجلُ المرأةَ. أمّا الستار فيمكن أن يكون مِنَ الأقمشة أو يمكن أن يكون مِن غيرها، فلكلّ مكان حيثيّاته الخاصّة.
السؤال:
أيّهما أفضل في الجلسات: أن يتواجد الرجال والنساء في غرفة واحدة، وبذلك تستطيع النساء فهم الدرس أكثر لوجودهنّ قرب الأستاذ الّذي يُعطي الدرس. أو أن يكون الرجال في غرفة والنساء في غرفة أخرى، مع إمكان أو احتمال أن تفهم النساء الدرس؟
جواب سماحة السيّد:
إذا كانوا في غرفة واحدة بحيث لا يرى الرجلُ المرأةَ، ولفهمت النسوة بشكل أكبر على الأستاذ المتكلّم لوجودهنّ بالقرب منه والاستماع إليه، مِن أن يكون كلّ على حِدة [في غرف منفصلة]، ويمكنهنّ أن يسألن، على أن لا يكون هناك مشافهة بين الرجال والنساء، فهذا لا إشكال فيه شرعًا. كما هو حال هذه الجلسة [الّتي نحن فيها].
السؤال:
هل يجوز اختلاط النساء مع الرجال غير المحارم في الحالات التالية: على مائدة واحدة، في السيّارة جنبًا إلى جنب دون تماسّ، في المدرسة أو الجامعة؟
جواب سماحة السيّد:
أمّا [جلوسهم] على مائدة واحدة: فإذا كانت المائدة بحيث يرى الرجل المرأة فهذا لا يجوز. ولكن إذا كانت المائدة والسفرة بحيث يجلس الرجل مثلًا في نهايتها والمرأة في بدايتها بحيث لا يحصل بينهما أيّ احتكاك وتماسّ واختلاط، فإذا كان الأمر بهذا الشكل فلا بأس. أمّا إذا كان الأمر بحيث يمكن للرجل أن يرى المرأة على هذه المائدة أو أن ترى المرأةُ الرجلَ ففي هذه المائدة إشكال.
أمّا [الجلوس] في السيارة جنبًا إلى جنب دون تماسّ: إذا كان الجلوس بحيث يوجد بينهما فاصلة، كأن يجلس الرجل في جانب والمرأة في جانب آخر وبينهما فاصلة وأن لا يلتفت أحدهما للآخر أبدًا، فلا إشكال فيه، ولكنّ الأحسن أن تترك المرأة هذا المجلس.
وكذلك هو الأمر في المدرسة أو الجامعة؛ إذا كانت مثلًا تجلس بحيث يكون الشابّ إلى جانبها، ففيه إشكال جدًّا. ولكن إذا جلست خلف الشباب وكان الأستاذ يراهما كليهما ولا ينظر الشابّ إلى الفتاة، فلا بأس به.
حكم المرأة مع الأجنبيّ في التبسّم والمحادثة والنظر والصوت
السؤال:
هل يجوز أن تبتسم المرأة لرجل غير محرم للمجاملة دون أيّ قصد [آخر]؟
جواب سماحة السيّد: ذلك حرام.
مداخلة: عفوًا سيّدنا، هذه الابتسامة حرام؟
سماحة السيّد: حرام، نعم حرام .. وهنا توجد مسألة مهمّة – وقد يكون هذا الأمر مشهودًا – قد يبتسم الرجل للمرأة والمرأة تبتسم للرجل بقصد الالتذاذ، فلا شكّ في حرمة هذا الأمر ولا نقاش فيه أبدًا، ولكن في بعض الأحيان قد يلتبس الأمر على كليهما فيفهمان التبسّمَ بدون قصد، ولكن بسبب هذا التبسّم يتولّد وينشأ قصد وريبة، فهنا نقول بأنّ هذه الابتسامة حرام حتّى لا يتولّد ويتواجد شيء ما عندهما.
السؤال:
هل يجوز أن يسمع رجل أجنبيّ صوت امرأة وضحكتها؟ وهل عليها إخفات صوتها لتلافي ذلك؟ وهل يجوز لها الحديث والمزاح مع رجل في أمر غير ضروريّ؟
جواب سماحة السيّد:
إذا كان في صوت المرأة ريبة فيحرم على الأجنبيّ [سماعها]، وكذلك ضحكتها. ويجب عليها إخفات صوتها. ولا يجوز لها الحديث والمزاح مع رجل في أمر غير ضروريّ.
السؤال:
هل يجوز للمرأة النظر في وجه الرجل دون أيّ قصد؟
جواب سماحة السيّد:
إذا كانت مضطرّة لذلك فلا بأس فيه، ولكن في غير الاضطرار ففي النظر إلى وجه الرجل إشكال.
بعض موارد التنازل للزوج وطاعته وحكم الحجاب الملوّن
السؤال:
هل يجب على المرأة التنازل لزوجها في غير الأمور الدينيّة، حتّى لو كان مخطئًا في نظرها؟
جواب سماحة السيّد:
إذا كانت آراؤهما مختلفة في الأمور غير الدينيّة، فالرجل على رأي والمرأة على رأي آخر، فلا بدّ أن يتنازل أحدهما، وفي هذه الحالة لا بدّ للزوجة أن تتنازل وتتبع الزوج في ذلك.
السؤال:
هل يجوز للمرأة أن تقوم بعمل تعلم أنّه يُغضب زوجها، حتّى لو كان استحباب هذا العمل كبيرًا؟
جواب سماحة السيّد:
إذا لم تقدر المرأة أن تقوم بهذا الاستحباب دون أن تُغضب زوجها ولو بالرفق والمجاملة، فلا يجب عليها القيام بهذا الاستحباب، بل يجوز تركه، فلا تُغضب زوجها.
السؤال:
هل يجوز لبس حجاب الرأس الملوّن، علمًا أنّه هو الشائع؟
جواب سماحة السيّد:
إذا كان الملوّن يجذب النظر فلا يجوز، وإذا كان لا يجذب النظر فلا إشكال فيه. كذلك الحال بالنسبة للألبسة.
السؤال:
ما هو تكليف الزوجة مع زوجها المزاجيّ الطبع، بحيث لو اتّفقا على عمل معين؛ كإعطاء موعد لإجراء محاضرة، أو للحضور في محاضرة، أو للقيام بزيارة أحد قد تمّ إخبارهم وأخذ موعد منهم، أو دعوة أحد الأرحام والأصدقاء إلى طعام .. يكون بدوًا موافقًا، بل قد يكون هو الّذي اقترح ذلك، ويكون مرتاحًا نفسيًّا لذلك، ولكن عندما [يحين وقت] تنفيذ هذا العمل يصبح عصبيًّا ومعارضًا ويعتبر نفسه مظلومًا أو مكسورًا ويكون مضطربًا كثيرًا ومنزعجًا، فما هو تكليفها؟ [وإن نفّذت ذلك] هل يعتبرها اللهُ تعالى مؤذية لزوجها؟
جواب سماحة السيّد:
لا بدّ مِن طاعة الزوج في جميع هذه الموارد.
أقسام الفتاوى وطريقة تعامل الوليّ فيها
السؤال:
هل يمكن أن تكون فتوى الوليّ الكامل في أمر معيّن مخالفة لفتوى المعصوم؟ وإذا كان الجواب (لا)، [ألا يلزم حينئذٍ] أن تكون فتوى الوليَّين الكاملين واحدة في كلّ شيء؟
جواب سماحة السيّد:
بالنسبة لمسألة الفتوى؛ فليس مِنَ الواجب أن تكون فتوى الوليّ موافقة لفتوى المعصوم عليه السلام، لأنّ الوليّ مكلَّف بالظاهر والعمل بالظاهر مِنَ الكتاب والسنَّة، وإن كان يعلم أنّ الحكم في الواقع ونفس الأمر هو خلاف ذلك. وربما نرى فتوى الأولياء تتغيّر خلال السنوات والأزمنة وفي مواضع مختلفة. وكلّ هذا [يحصل] بلحاظ المصلحة الّتي يراها الله تعالى في زمن غيبة إمام الزمان عليه السلام، وهو قد كلَّف الفقهاء بأن يفتوا بين الناس وفق الأدلّة والمراجع الّتي بين أيديهم؛ فيمكن أن يكون الشخص وليًّا، وفي زمن ما يقوم بمطالعة الأحاديث والمراجع [فيتشكّل لديه رأيّ معيّن] ثمّ يتغيّر ويتبدّل رأيه في زمن آخر – وكلّ هذا [يحصل] وفق المصلحة – مع أنّه في كلتا الحالتين يعلم أنّ الحكم الحقيقيّ هو لا هذا ولا ذاك، ولكنّه مع ذلك مُكلَّف بالعمل وفق هذا الظاهر.
وهذا [كلّه] بلحاظ بعض المسائل الفرعيّة غير الهامّة، ولكنّ بالنسبة إلى المسائل المهمّة الّتي فيها سعادة الدين والدنيا وما يتعلّق بالمجتمع، فهنا ثلاث نُكات لا بدّ مِنَ الدقّة فيها وهي: ما [يتعلّق] بالاجتماع والمجتمع، والثانية تربية النفس وتهذيبها، والثالثة ما يوجب ضررًا قطعيًّا لا يُتدَارك فوته. ففي هذه الأمور الثلاثة يُنبئُ الوليّ الكامل حتمًا عمّا في الواقع ونفس الأمر، أمّا بقيّة المسائل البسيطة كبعض مسائل الطهارة والنجاسة ومِن باب المثال في كيفيّة الاستلقاء حالة الاحتضار أو الموت، ففي هذه المسائل البسيطة نحن نرى اختلاف الفتوى فيها، وهذا لا يضرّ، بل هو طبق المصلحة في النظام التشريعيّ في زمن الغيبة.
كيفيّة التعرُّف على الوليّ الكامل والفرق بينه وبين المرتاض
السؤال:
قلتم أنّ الوليّ الكامل يُعرِّف نفسه بأنّه وليٌّ كامل للتلميذ الّذي يظهر منه الصدق، ليطمئنّ التلميذ، وذلك عن طريق الإلقاءات، فكيف تكون تلك الإلقاءات، وكيف يميّز بينها وبين إلقاءات الشيطان؟
وهل اطّلاع الوليّ الكامل على باطن التلميذ يختلف عن اطّلاع أولئك الّذين وصلوا إلى ذلك المستوى عن طريق بعض الرياضات المعيّنة؟
وهل يستطيع المرتاضون أن يُخبروا بما سيحصل للتلميذ في المستقبل، ولو في بعض الأمور؟ وكذلك [هل يستطيع] الأستاذ الّذي لم يصل إلى درجة الكمال [أن يقوم بذلك]؟
جواب سماحة السيّد:
بالنسبة للسؤال الأول: إذا كان الوليّ كاملًا، فهو يعرف ماذا يفعل مع التلميذ، وهذا ليس باستطاعتنا معرفته، لأنّ الكامل يعرف ما يفعل، والناقص لا يفهم أبدًا ما يفعله الكامل؛ كما في الآية الشريفة في القرآن الكريم {وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِي الْمَوْتَى ... قَالَ فَخُذْ أَرْبَعَةً مِنَ الطَّيْرِ ...}۱، فالنبيّ إبراهيم (على نبيّنا وآله وعليه السلام)؛ إمّا أنّه يسأل الله تعالى أنّ يُريه إحياء الموتى، فأراه اللهُ تعالى حياة هؤلاء الموتى، كما فعل مع عُزير. وإمّا أنّه يسأل الله أن يَعلم كيفيّة إحياء الموتى، يعني [أراد أن يعلم] بالعمل الّذي يقوم به الله ليصبح هذا الميّت حيًّا، أي أراد أن يعلم الإرادةَ والمشيئة والتقدير الّتي تخلق [حيًّا] مِن ميّت، فمنحه الله تعالى ذاك التقدير وتلك الإرادة، فقال له {خُذْ أَرْبَعَةً مِنَ الطَّيْرِ}، فأخذ أربعة مِنَ الطير فقتلهنّ وقطّعهنّ وخلطهنّ ثمّ جعل على كلّ جبل منهنّ جزءًا، ثمّ قال له {ادْعُهُنَّ يَأْتِينَكَ سَعْيًا}، فدعاهنّ فأتته تلك الطيور ..٢ فإذا لاحظنا إبراهيم عليه السلام في هذه الحالة، فماذا نقول؟ سنقول: كيف فعل هذا الأمر، وكيف أعطاه الله تعالى هذه الحالة وهذا المقام بحيث استطاع أن يفعل ذلك؟ فنحن الآن لا نفهم ذلك لأنّ الله تعالى لم يوفّقنا لذلك، ولكن إذا أعطانا الله تعالى ووفّقنا بتلك الإرادة والمشيئة، فسنفهم حينئذ [كيف قام] النبيّ إبراهيم بذلك الفعل والعمل، وهو الإحياء الّذي قام به النبيّ إبراهيم بواسطة تلك الإرادة.
وهذا عين ما أعطاه الله تعالى لعيسى بن مريم، حيث قال تعالى{يَا عِيسَى ... وَإِذْ تَخْلُقُ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ بِإِذْنِي فَتَنْفُخُ فِيهَا فَتَكُونُ طَيْرًا بِإِذْنِي}٣، فما هو هذا النفخ، أهو مِنَ النفخ الّذي نقوم به في الخارج عبر الفم؟ كلّا، بل هي الإرادة؛ ... يعني كما أنّنا عندما نريد أن نأخذ شيئًا نمدّ أيدينا [بواسطة الإرادة] لأخذه – ونحن نفهم ما هي هذه الإرادة – فإنّ النبيّ عيسى بن مريم على نبيّنا وآله وعليه السلام عندما يريد فهو يُحيي هذا الطين بالإرادة ويجعله طيرًا يطير، ونحن لن نفهم معنى هذا إلّا إذا أعطانا الله تعالى هذه الإرادة.
فالوليّ الكامل بلحاظ كماله وقدرته واستيلائه على النفوس، إذا رأى مِنَ المرء صدقًا سيُلقي في نفسه تلك الإلقاءات بحيث تطمئنّ النفس بأنّ هذا وليّ، والحال أنّ هذا التلميذ الجالس في جنب الوليّ لا يفهم [فعل الوليّ] أبدًا، لماذا؟ لأنّه ناقص وذاك كامل، والناقص لا يعلم أبدًا بمقام وموقعيّة الكامل وبالإرادة الّتي تصدر مِنَ الكامل. والعمدة [في المقام] هي الاطمئنان النفسيّ؛ يعني أنّه يوجد معيار، فإذا اختبر المرء هذا الوليّ، وكان صادقًا في ذلك، حتمًا سيطمئنّ بأنّه وليّ، وذلك بلحاظ المعايير والملاكات والمعاشرة، فالوليّ يُلقي هذا المعنى في نفسه بحيث أنّ هذا التلميذ يفهم ويعرف أن هذا هو الّذي كان يطلبه.
[أمّا الشقّ الثاني مِنَ السؤال]: إنّ الأمر في الولاية يختلف تمامًا مع تلك المسائل الّتي نراها ونعرفها مِنَ الناس حتّى المرتاضين. فإنّ نهاية وآخر ما يصل إليه المرتاض هو مرتبة البرزخ، أمّا ما بعد البرزخ فلا يفهم شيئًا أصلًا وأبدًا.
هناك قصّة معروفة، ولا بدّ أنّكم سمعتم بها، أنّه في ليلة الهرير قَتل أميرُ المؤمنين عليه السلام مِن جند معاوية خمسمئة نفر تقريبًا، هذا ما يُقال، ولكن بغض النظر عن صدق ذلك وكذبه فالّذي يهمنا في هذه القصّة هو النتيجة، ومالك الأشتر النخعيّ قَتل منهم – بحسب الظاهر – أربعمئة وتسعون أو أربعمئة وتسعة وتسعون، أي أقلّ مِن أمير المؤمنين عليه السلام بشخص واحد، وفي اليوم التالي سأل [مالك] أميرَ المؤمنين عليه السلام: يا علِيّ، كم قتلت مِنَ الأعداء ليلة أمس؟ فقال أمير المؤمنين: خمسمئة نفر، وكم قتلت أنت؟ قال [مالك]: أربعمئة وتسعة وتسعون، فقد قتلتُ أقلّ منك بواحد فقط. فقال أمير المؤمنين له: نعم، هذا صحيح، ولكنّك تقتل كلّ مَن وقع تحت نظرك، أمّا أنا فأنظر إلى السبعين مِن صلبه فإذا وجدتُ رجلًا مؤمنًا مِن شيعتي فيهم أتركه وأذهب لقطع عنقٍ أخرى. نحن لسنا بصدد [البحث] عن صدق أو كذب هذه القصّة، فمضمونها واقعيّ، فأمير المؤمنين عليه السلام ينظر إلى السبعين مِن نسل الشخص، أمّا مالك الأشتر فلا، بل كلّ مَن يراه يضرب عنقه.
والفرق بين الوليّ وبين المرتاضين هو هذا؛ الوليّ هو الّذي يرى هذا الشخص ويرى برزخه وملكوته وجبروته ولاهوته ونفس الاتّصال الّذي بينه وبين الله تعالى، يعني أنّه لا يخفى عليه شيء في الأرض ولا في السماء، صحيح! أمّا المرتاض فلا، فإنّ آخر ما يمكن أن يتّصل به هو البرزخ، والحال أنّ البرزخ يتغيّر، فالبرزخ معلول للعوالم العليّة، فيمكنه أن يقول في حقّ شخص شيئًا فيتبدّل هذا الشيء ويتّفق وقوع خلافه، لماذا؟ لأنّ هذا المرتاض لم يتجاوز المرحلة البرزخيّة، فلهذا غالبًا ما تكون إخباراته خلاف [الواقع]، فبعض ما يقوله قد يتّفق [وقوعه] وكثير منه هو خلاف [ما يقع]. أمّا مسألة الولاية ومسألة الوليّ ليست كمسألة المرتاض أبدًا ...
مناشئ الخواطر المشوِّشة وعلاجها
السؤال:
هل الأفكار والخواطر المشوِّشة للاعتقاد الّتي تهجم على السالك هي مِن عند نفسه أم مِنَ الشيطان؟
جواب سماحة السيّد:
الأفكار على أنحاء مختلفة؛ بعضها مرتبط بالأعمال اليوميّة، وبعضها مرتبط بأفكاره السيّئة، وبعضها مرتبط بالعلاقات الّتي بينه وبين أشخاص غير جيّدين فتؤثّر نفسيّتُهم فيه فتصبح أفكاره غير جيّدة، وبعضها مرتبط بالعلقة بينه وبين أمور سابقة، وبعضها مرتبط بمسائل برزخيّة. وعلى أيّ حال، يمكن للإنسان أن يطرد هذه الأفكار بواسطة المراقبة والرياضات الشرعيّة.
كتاب (سُنن النبيّ) وحكم الزينة في ولادة المعصوم
السؤال:
نرجو أن تذكُر اسم الكتاب المفضّل عندكم عن سنّة النبيّ (صلّى الله عليه وآله)؟
جواب سماحة السيّد:
كتاب يُسمى بـ (سُنن النبيّ) للعلّامة الطباطبائيّ قُدّس سرّه العظيم.
مداخلة: هل هو متوفر بالعربيّة سيّدنا؟
سماحة السيّد: نعم متوفر بالعربيّة، فأصله باللغة العربيّة وتُرجم إلى الفارسيّة.
السؤال:
ما رأيكم في الزينة في [ذكرى] ولادة المعصومين، وفي مناسبة قدوم الحجّاج مِن بيت الله الحرام، وتلك [الزينة] الّتي تكون في ذكرى مولد الرسول؟ وهل يعتبر ذلك إسرافًا وهدرًا؟
جواب سماحة السيّد:
لا هذا ليس إسرافًا، بل هو أمر مناسب، والمؤمن يهتمّ بذلك.
[سكت هنا سماحة السيّد برهة، ثمّ علّق قائلًا:] هذه الأسئلة تحتاج إلى مزيد توضيح.
أحكام حول الكلاب
السؤال:
إذا ربّينا كلبًا في حديقة البيت فهل تدخل الملائكة البيت أم لا؟
جواب سماحة السيّد:
الملائكة لا تدخل المكان الّذي فيه كلب، ولكن لا بأس بذلك في الحديقة، فهي خارج البيت، فإذا كان الكلب في الحديقة تدخل الملائكة البيت ولا تدخل الحديقة.
السؤال:
هل يجوز تربية الكلاب مع الاحتراز عن نجاستها، لما لها مِن فوائد وصفات مفيدة؟
جواب سماحة السيّد:
نفس الكلاب مكروه تربيتها، [إلّا] إذا كان الكلب لحراسة البستان والصيد و[حراسة] الأغنام والمواشي، وإلّا فإنّ نفس الكلب خبيث. فهو يجوز بحسب الشريعة، أي لا حرمة فيه، ولكنّها خلاف رضا الله تعالى، ويُعدّ هذا العمل مخالف لله تعالى، وهو يؤثّر أثرًا سيّئًا في نفسيّة مُربّي [الكلب].
ردُّ مقولة (مَن رآنا فقد رآنا) وبيان كيفيّة دخول الشيطان في المكاشفة
السؤال:
يقول الحديث الشريف (مَن رآنا فقد رآنا فإنّ الشيطان لا يتمثّل بنا).
جواب سماحة السيّد:
هذا الحديث لم يرد عن الشيعة، بل هو مَثَلٌ مشهور وعند العوامّ معروف، ولكن لا مرجع له. وأسباب رؤية الإمام عليه السلام أو النبيّ في المنام شتّى؛ فقد تكون رحمانيّة، وقد يتلبّس الشيطان بصورتهم؛ ونحن على عِلم أكيد أنّ كثيرًا ممّن أخطأ إنّما خطؤه ناشئ مِن عدم التمييز بين التمثُّل الروحانيّ وبين التمثُّل الشيطانيّ، وكثيرٌ مِنَ الأفراد الّذين انحرفوا عن الحقّ انحرفوا بسبب هذا الاشتباه والخطأ. لهذا لا بدّ مِن الرجوع لأهل الخبرة [للتشخيص]، فهم يفهمون ذلك. ومِنَ الأمور العجيبة والدقيقة [في المقام] أنّه قد يكون المنام الواحد أو المكاشفة الواحدة ثلثها رحمانيّ وثلثيها شيطانيّ، أو ثلثيها رحمانيّ والثلث الباقي شيطانيّ.
كيف يدخل الشيطان في المنام والمكاشفة؟ إنّ الشيطان يُري الإنسان بعض المسائل الحقيقيّة والمعاني الروحانيّة، وبهذه الواسطة يدخل الشيطان [في المنام والمكاشفة] فيُحمِّل [ويمرّر] ما يريده [في الرؤية]، فهو يُري الإنسانَ ذلك فيظنّ الإنسان أنّ ما يراه هو أمر واقعيّ ونفس أمريّ، والحال أنّه لا يعلم [حقيقة] هذا الأمر وأنّ الثلث الآخر هو مِن عند الشيطان، ولذا يعمل الإنسانُ بالثلث الآخر كما يعمل بالثلث الأوّل فينحرف ويقع في المهلكة. لهذا، إذا رأى الإنسانُ الإمامَ عليه السلام في المكاشفة أو المنام أو غيرها، فلا بدّ له حتمًا أن يستشير أهل الخبرة.
التمسّك الشديد بالولاية في كتب العلّامة كان بأدلة قطعيّة مِنَ الفريقين
السؤال:
نرى في كتب سماحة العلّامة والدكم (قُدّس سرّه) تمسّكًا شديدًا بالولاية، وهو ممّا يُنفِّر بعض الشيعة وأغلب السنّة، وممّا يجعل هذه الكتب للمتمسّكين بالولاية دون سواهم.
جواب سماحة السيّد:
ما هي الموارد الّتي ينفُر منها أهل السنّة! فجميع الموارد أُثبتت بالدليل وبالأدلّة القاطعة حتّى عند السنّة، وكان اهتمام السيّد الوالد في كتاب الولاية وفي كتاب (معرفة الإمام) في أن يحتجّ على المسائل مِن كُتب أهل السنّة لا فقط مِن كُتب الشيعة. وأنا لا أعرف موردًا [في هذا الكتاب] يوجب نفور أولئك الشيعة وأولئك البعض، والّذي تمسّك به [السائل]! بل باعتقادي أنّه كلّما ازددنا تمسّكًا بالولاية واشتدّ تمسّكنا بها لن نخسر أبدًا، سواء أحبّ أولئك البعض ذلك أم لا، وسواء أحب أهل السنّة ذلك أم لا، فلنا شأننا ولأهل السنّة وأولئك البعض [مِنَ الشيعة] شأنهم.
العلّامة والحدّاد لم يصرّحا بكمالهما ولكنّه عُرِف باختبارهما
السؤال:
نعلم أنّ سماحة والدكم والسيّد الحدّاد مِنَ الكاملين – كما تفضلتم – ولكن هل كانا في حياتهما يقولان أنّهما كاملان إذا سُئلا عن ذلك؟
جواب سماحة السيّد:
لا، أنا لم اسمع لا مِنَ السيّد الوالد ولا مِنَ السيّد الحدّاد أنّهما قالا بأنّهما كاملان. بل المسألة أنّنا رأينا منهم ذلك، فنحن اختبرناهم وتكلّمنا معهم فتبيّن لنا وللجميع هذا الأمر، فهذه المسألة تُفهم مِنَ البحث والاختبار وغير ذلك. ولكن، أنا ابن السيّد [العلّامة، وهو] والدي، وأنا أقرّ أنّني لم أسمع منه طوال حياته أنّه قال أنا كامل، أو هذا ناقص وأنا كامل، أو غير ذلك. أنا لم أسمع ..
أين قبر سيّدة نساء العالمين عليها السلام
السؤال:
هل قبر سيّدة النساء فاطمة الزهراء سلام الله عليها معروفٌ عند بعض العلماء؟
جواب سماحة السيّد:
سأفشي لكم الآن أمرًا وهو مِنَ الأسرار؛ على ما وجدته في بعض كلمات السيّد الوالد ومِن بعض المسائل الّتي وقعت بين السيّد هاشم الحدّاد وبين السيّد الوالد، فهمتُ أنّ قبر السيّدة الزهراء عليها السلام هو جنب النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلم وليس في البقيع ولا في أيّ مكان آخر، بل بجنب النبيّ.
مداخلة: سيدنا، أليس بين المنبر والروضة؟
سماحة السيّد: لا، بل جنب النبيّ.
السائل: يعني ملاصق لقبر النبيّ؟
سماحة السيد: نعم نعم إلى جنب النبيّ.
السائل: يعني هو ضمن هذا القفص [الّذي على قبر النبيّ |]؟
سماحة السيّد: نعم. ولكن السيّد الحدّاد والسيّد الوالد لم يتكلموا بذلك، يعني حتّى السيّد الوالد في أيّام حياته لم يتكلّم بذلك، ولكن هذا ما [استنتجته منه].
ليلة الدفن هي ليلة وفاة المرء وإن لم يُدفن بعدُ
السؤال:
هل يُستحبّ قراءة القرآن طوال الليل على الميّت مع العلم أنّ الميّت دفن في ذلك النهار؟
جواب سماحة السيّد:
قراءة القرآن في هذه الليلة أو الأسبوع الآتي أو السنة الآتية [بعد الوفاة]، كلّها مفيدة للميّت، لأنّ ما يفيده هو الصورة البرزخيّة والملكوتيّة [للعمل]. وبما أنّه لا زمان ولا مكان في عالَم البرزخ وعالَم الملكوت فلا فرق بين أن يقرأ الإنسان [القرآن] على الميّت في زمان حياته أو [بعد] وفاته، فلا فرق في ذلك .. وهذه المسألة تحتاج إلى توضيح أكثر، ولكنّ المسألة بالمجمل هكذا ..
يقول البعض مثلًا إذا مات الإنسان وارتحل ولم يُدفن إلّا بعد أسبوع، فيجب على المؤمن أن يصلّي عليه ليلة دفنه الّتي هي بعد أسبوع [مِن وفاته]، وعلى هذا فهل الملائكة نكير ومنكر يسألونه حين وفاته أم بعد أسبوع [حتّى يُدفن] .. لا تعتنوا بجميع هذه المسائل، إذ المهمّ في الدفن هو الليلة الّتي ارتحل فيها الميّت سواء دُفن أم لا، فلو كان الميّت في السماء فإنّ الليلة الّتي يرتحل فيها هي ليلة دفنه ولو لم يُدفن، ولو اضمحلّ بالكليّة [وصار] رمادًا أو هواءً أو دخانًا أو غير ذلك، فالليلة الّتي ارتحل فيها هي ليلة المُساءلة وليلة نكير ومنكر. فعلى هذا، يُعدّ [ارتحاله] هو ليلة الدفن.
مداخلة: حتّى إذا وُضع في ثلّاجة [الأموات]؟
سماحة السيّد: حتّى لو وُضع في الثلّاجة