المؤلّفآية الله السيد محمد محسن الحسيني الطهراني
القسمجبل عامل
المجموعةأسئلة وأجوبة - رجال
هو العليم
فعل ولي الله هو فعل الله، وكرامات الأنبياء و...
محاضرات جبل عامل - أسئلة وأجوبة الرجال - ج ۸
محاضرة ألقاها
آية الله الحاجّ السيّد محمّد محسن الحسينيّ الطهرانيّ
قدس الله سره
[بسم الله الرحمن الرحيم]
الحمد لله ربّ العالمين
والصلاة والسلام على سيّدنا محمّد
وعلى آله الطيّبين الطاهرين
واللعنة الدائمة على أعدائهم إلى قيام يوم الدين
دعوة رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم جميع الناس إلى العرفان
السؤال: ما هي نظرتكم لعلم العرفان، وما الّذي يميّزه عن سائر العلوم؟
جواب سماحة السيّد: علم العرفان هو علم [معرفة] الله تعالى ونيل الثواب الأبديّ و[بلوغ] الغاية القصوى مِنَ الصراط المستقيم والهداية. فمِن أين لنا أن نفهم ونتعلَّم هذه المسائل الخاصّة؟! وقد دعا رسولنا صلّى الله عليه وآله وسلم جميع الأفراد إلى هذه المسألة ... والآية الشريفة تُنبئ عن ذلك {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ}۱، وكذلك رواية مرويّة حتّى في كتب العامّة «وما خلقت الجنّ والإنس إلّا ليعرفون»٢، أي ليتوصّلوا إلى مقام العرفان. وعلى هذا، فعلم العرفان لا بدّ أن يُنشر بين جميع الناس، [ولكنّ] الناس على أنواع مختلفة؛ بعضهم يأخذ بالمسائل العرفانيّة ويصل إلى المراتب العالية، وبعضهم لا يعتني بالمسائل العرفانيّة فلا يدخل.. وعلى هذا، لا يختصّ [العرفان بأناس دون غيرهم].
العرفان هو الوسيلة الوحيدة لمعرفة الله تعالى
السؤال: هل أنّ علم العرفان مِنَ العلوم الواجبة على كلّ مسلم، أم أنّه وسيلة فقط للوصول إلى التوحيد ومعرفة الله؟ وهل أنّ هذا العلم هو الوسيلة الوحيدة للوصول إلى هذه الدرجة؟
جواب سماحة السيّد: نعم، علم العرفان هو الوسيلة الوحيدة للوصول إلى هذه الدرجة. فعلم العرفان هو انكشاف الحقائق، والحقائق لا تنكشف إلّا إذا كان الشخص مستعدًّا، ويعمل بما فيه رضا الله تعالى، ويقوم بالعبادات الواجبة والمستحبّة، ويعمل على طبق رضا الشارع [المقدّس] في هذه الدنيا. على هذا، فإنّ معرفة الله تعالى بلحاظ المسائل الاعتقاديّة والفكريّة واجبة، وقد [صُرِّح] في الرسائل العمليّة أنّ معرفة الله تعالى في المسائل الاعتقاديّة ليس فيها تقليد، وذلك خلاف سائر الأحكام الظاهريّة في المسائل الجزئيّة. أمّا معرفة الله تعالى مِن حيث المعرفة والواقعيّة والمشاهدة النفسيّة هي – كما بيّنتُ لكم – تختلف باختلاف الأفراد؛ فنرى بعض الأفراد يهتمّون بذلك ويُريدون ذلك بشدّة واهتمام، والجزاء يكون طبعًا على قدر المشقّة والهمّة والإرادة، كما هو حال مسألة المعيشة؛ فكلّ مَن اهتمّ وتحملّ المشقّة أكثر ربح أكثر.. وهذا ما نجده مثلًا في روايات الأئمّة وغيرها – وهو بلحاظ جميع الأفراد – كالرواية الّتي عن الإمام جعفر الصادق عليه السلام لعنوان البصريّ، والّتي نجد فيها ما يشوِّقنا لطريق العبوديّة.٣ ولكنّ الأفراد يختلفون في مقدار العمل بهذه المسألة، والمسائل المدوّنة؛ كقول الإمام عليهم السلام أنّه لا بدّ للشخص أن [يكون] عبدًا لله تعالى، وأنّ المالك الحقيقيّ هو الله تعالى ... فهذه مسألة مِنَ المسائل. والأفراد يختلفون في [الالتزام] بذلك؛ فمنهم مَن يرى أنّه عبد ويعمل طبق [مبدأ] العبوديّة ويرضى بذلك، ومنهم مَن لا يرى ذلك ولا يرضى به. على هذا، فالعرفان علم لكافّة الناس على حسب درجاتهم.
الموقف مِمّن ليس على طريق العرفان
السؤال: هل يحقّ لنا أن نتّهم كلّ شخص [ليس على طريق] العرفان بأنّه ضالّ؟
جواب سماحة السيّد: لا، لا يجوز لنا أن نتّهم الأفراد بالضلال؛ فإن كان المقصود مِنَ الضالّ أنّه داخل في النار أو أنّه فاسق أو فاجر، فلا يجوز لنا [اتّهام مَن ليس على طريق العرفان] بذلك أبدًا، وهو محرّم.. يحرم اتّهام الأفراد الّذين ليسوا على طريق العرفان بأنّهم كفّار وفجّار وغير ذلك.. ونحن نجد الكثير مِنَ العلماء والزاهدين والصالحين والعابدين وغيرهم لم يكونوا مِن أهل العرفان، ولكن نفوسهم طيّبة وحالاتهم جيّدة، غاية الأمر أنّهم لم يصلوا إلى هذه المرحلة. فإن كان المقصود مِنَ الضلال هو الفسق والفجور، فأبدًا [لا يجوز اتّهامهم] بذلك وهو بديهيّ الحرمة. أمّا إن كان المقصود مِنَ الضلال هو عدم الوصول إلى هذه المرحلة [مِن مراتب العرفان]، فيمكن [بهذا اللحاظ] أن نقول لمَن لم يصل إلى هذه المرتبة مِن مراتب العرفان أنّه ضالّ، باعتبار أنّه أضاع وقته في الدنيا وصرف عمره دون أن يصل إلى الغاية القصوى.
مسير الكمال لا يختصّ بالمعصوم واجتماع عارفين كاملين في زمن واحد ممكن
السؤال: قال أحد الأفراد أنّ في كلّ زمان يوجد شخص واحد يصل إلى مقام البقاء بعد الفناء، فإذا كان مثلًا الرسول موجودًا فهو فقط مَن يصل إلى هذا المقام، وإذا كان الإمام [موجودًا] فلا يصل الشخص [العاديّ]، فماذا نفعل حينئذٍ؛ فإمام الزمان موجود وهو غائب عن أعيننا، فهل يمكن أن يصل الشخص إلى هذا المقام مع وجود الإمام، كيف تفسّرون ذلك؟
جواب سماحة السيّد: أنا لم أجد مَن قال بهذه المقالة، ولكن بحسب علمي القاصر أنّ مسير الكمال لا يختصّ بالإمام والنبيّ والأنبياء عليهم السلام، بل يجوز أن يصل شخص إلى الكمال [ويبلغ مرتبة] البقاء بعد الفناء مع وجود الإمام عليهم السلام، وهذه المسألة لا ينفيها العقل، بل نرى ورأينا ولا أقل أُخبرنا بأنّه وُجد في زمن واحد شخصين عارفين كاملين [بلغا مرتبة] البقاء بعد الفناء وإن كان ذلك نادرًا. أمّا القول بأنّه مع وجود صاحب الزمان عليه السلام لا يمكن أن يوجد شخص في مرتبة البقاء بعد الفناء فهذا أمر لا يقول به العقل.
الفرق بين الشرك والعمل بإرادة الله تعالى
السؤال: يُقال أنّ العارف الّذي يصل إلى درجات عالية يعلم كلّ شيء، وكثيرًا ما يتصرّف بالأمور كتصرّف الله سبحانه وتعالى؛ ألا نكون بهذا قد أشركنا، ووضعنا المخلوقات في مقام الخالق؟ ألا يتنافى هذا مع قولنا {قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ}۱؟
جواب سماحة السيّد: لا ربط أصلًا لهذه الآية [بمورد] السؤال، لأنّ الله تعالى قد فوّض هذا الأمر [للبعض] بلحاظ إرادته، ونحن نجد في القرآن الكريم معاجز الأنبياء؛ كالنبيّ موسى الّذي تصرّف بالعصا فصارت أفعى، والنبيّ عيسى (على نبيّنا وآله وعليه السلام) الّذي تصرّف في الموتى فجعلهم أحياء وأبرأ الأكمه والأبرص، وكلّ ذلك بإذن الله تعالى؛{وَإِذْ تَخْلُقُ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ بِإِذْنِي فَتَنْفُخُ فِيهَا فَتَكُونُ طَيْرًا بِإِذْنِي}٢، فهذا كلّه بإذن الله تعالى؛ والإذن هنا ليس إجازة، فنحن نتخيّل أنّ النبيّ عيسى يدعو الله تعالى أوّلًا فإذا سمح له الله [بذلك] فَعَلَ، وإن لم يسمح له الله بذلك فلا يفعل، لا ليس هذا هو الإذن، بل الإذن هو القوّة الّتي جعلها الله في هذه النفس الطيّبة – وقد ذكرتُ لكم هذا سابقًا – وهذه القوّة [والقدرة] هي كقدرتنا على التصرّف في الأشياء الخارجيّة، أَفَمِثل هذا شرك؟! فهل قدرتنا على رفع هذا الكوب شرك، بدعوى أنّ الله تعالى (أحدٌ) وأنّ [مبدأ] التوحيد الأفعاليّ يحصر كلّ الأفعال بالله تعالى؟! لا [ليس الأمر كذلك]، وكذلك [هو الحال بالنسبة] للتصرّف بالموجودات، كصيرورة هذا الكوب خشبًا، أو صيرورة هذا الخشب حيّة كما فعل النبيّ موسى عليه السلام، فكيف يكون هذا شركًا، والحال أنّ كلّ هؤلاء الأفراد [يعملون] بإذن الله تعالى؟! فإنّ العلّة الأولى هي الله تعالى، وعلى هذا، فكلّ الأنبياء والأئمّة والأولياء إنّما يفعلون بإرادة الله تعالى فقط وفقط، فكيف – والحال هذه – يكون ذلك شركًا؟! أبدًا [ليس ذلك شركًا].
أحكام في النَظَر والموسيقى وصلاة الجماعة
السؤال: هل يحقّ للشخص أن يُمتّع نظره بالنساء السافرات بدعوى أنّه يبحث عن زواج منقطع؟ وهل يصحّ النظر إلى النساء السافرات؟
جواب سماحة السيّد: لا يجوز.
السؤال: هل الموسيقى الكلاسيكيّة حرام؟
جواب سماحة السيّد: نعم حرام.
السؤال: هل يجوز الصلاة وراء إمام لا يؤمن بالعرفان؟
جواب سماحة السيّد: نعم يجوز، لا إشكال فيه.
كيفيّة بلوغ المعصوم مراتب الكمال والعرفان
السؤال: مِنَ المعلوم أنّ النبيّ صلّى الله عليه وآله والأئمّة هم في أعلى مراتب العرفان، فهل وصلوا إليها دفعة واحدة أم بالتدرّج، وضّحوا لنا ذلك وأفيدونا؟
جواب سماحة السيّد: لم يصل الأئمّة عليهم السلام إليها دفعة واحدة، بل وصولهم كان بالعبادة والتحوّط والمراقبة؛ [فعين] ما يجب علينا مِنَ المراقبة والقيام بالعبادة والواجبات والفرائض وكلّ ما يُؤيّد هذا الطريق ويساعد فيه، يجب كذلك على الإمام والنبيّ، دون أيّ فرق أبدًا [بيننا وبينهم مِن هذه الجهة] وذلك لكي يصلوا إلى تلك المرتبة ولكي تصبح كلُّ استعداداته بالفعل. ولهذا لا يوجد فرق أبدًا بيننا وبين الأئمّة مِن هذه الناحية، إلّا أنّهم موالينا وأئمّتنا وقدوتنا وأساتذتنا وأوليائنا في كلّ الأحوال حتّى في المراتب العالية وفي مرتبة الذات تعالى.
الفناء في ذات الله هي حقيقة العبوديّة
السؤال: ما المقصود مِنَ الفناء في ذات الله، أرجو التوضيح والتفسير؟ ألا يتنافى ذلك مع العبوديّة [في قوله تعالى] {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ}۱؟ ألا يؤدّي القول بالفناء إلى إشكال الشرك بالله؟
جواب سماحة السيّد: إن المقصود مِنَ العبوديّة هو الفناء، فكيف – والحال هذه – يكون شركًا بالله؟! العبد هو الّذي يكون فانيًا في المولى، وهو مَن نقول عنه حينئذ (عبدًا)، يعني أنّ العبد الّذي لم يصل إلى هذه المرتبة لا يكون عبدًا، فالعبد الّذي يجد في نفسه استقلالًا في مقابل المولى كيف يكون عبدًا؟! نحن [في هذه الحالة] لسنا عبيدًا، فنحن [نعتبر أنفسنا] موالي ونرى الله عبدًا لنا ونستعبده تعالى، أمّا الأنبياء والأئمّة عليهم السلام والأولياء هم العبيد واقعًا؛ يعني أنّ العبد يصير عبدًا إذا أفنى ذاته في المولى، لأنّ العبوديّة هي عدم ملكيّة شيء حتّى الذات، وهي عدم اختيار وإرادة شيء وراء إرادة المولى. على هذا، فإنّ الشرك واقعًا هو ما نحن فيه الآن، يعني هذه العبادة الّتي تصدر منا هي مختلطة بالشرك، وكما تفضّل مولانا الإمام الصادق عليه السلام بما معناه: كلّ ما تتخيّلونه في أفكاركم وعقولكم وأوهامكم هو ليس الله تعالى أبدًا، بل هو مخلوقكم ومصنوعكم.
فهل العبادة الّتي نقوم بها الآن هي واقعًا وفعلًا عبادة واقعيّة؟! هل نرى أنفسنا الآن عبيدًا لله تعالى واقعًا؟! فعندما نقول الآن في سورة الحمد{إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ}۱ نكون كذلك واقعًا، يعني هل نستعين بالله ونرى أنفسنا عبيدًا لله واقعًا؟! لا، فنحن الآن موالي لا عبيدًا لله تعالى، أمّا العبوديّة فهي آخر مراتب التكامل وآخر مراتب الفناء وآخر مراتب حقيقة العبوديّة؛ «أشهد أنّ محمّدًا عبده ورسوله»، يعني أنّ مقام العبوديّة هو أعلى المراتب حتّى بالنسبة إلى الرسالة.. {سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى}٢. وعلى هذا، فمرتبة الفناء هي مرتبة العبوديّة، وهي المرتبة الّتي لا يكون للعبد فيها اختيار أبدًا حتّى بالنسبة إلى نفسه وفِعاله، وهي آخر مراتب الكمال ومراتب الوصول والعبوديّة.
النُطق بالواقع ليس كمالًا وإنّما الكمال هو ما يحصل بالمجاهدة
السؤال: {وَآَتَيْنَاهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا}٣؛ ذُكر في القرآن الكريم عن النبيّ عيسى والنبيّ يحيى [أنّ الله آتاهم الحكم في الصِغر] وكذلك الإمام المهدي [فكيف وصلوا إلى هذا الكمال في هذا العمر] ولم يقوموا بالعبادات بعدُ؟٤
جواب سماحة السيّد: فيما [يتعلّق] بهذه المسألة، يوجد فرق بين الفناء والعبوديّة؛ قد يسمح الله تعالى لشخصٍ أن ينطق بالواقعيّات، دون أن يكون كمالًا بالنسبة إليه. والأئمّة المعصومون عليه السلام حصلوا على هذه العصمة بواسطة عباداتهم، مع أنّهم كانوا مِن أوّل الأمر معصومين؛ فكما أنّه لا بدّ لنا مِنَ المراقبة والعمل على طبق [المباني] والوظائف والمسائل [السلوكيّة]، وذلك لنجعل هذا الاستعداد فعليًّا ونجعل هذه القوّة فعليّة ونجعل هذه الحالة مَلَكَة، كذلك الأئمّة المعصومون لا بدّ لهم [أن يفعلوا] ذلك. على هذا، فالحكم الّذي آتاه الله لنبيّنا عيسى بن مريم (على نبيّنا وآله وعليه السلام) والّتي أنبأت عنه الآيات، هو ليس كمالًا له، بل يُمكن لله تعالى أن يؤتي الحكم لهذا الشجرة مثلًا فتُنبئ عن الواقع، كما أخبر الله عن موسى عليه السلام حيث قال{إِنِّي أَنَا رَبُّكَ فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ إِنَّكَ بِالْوَادِ الْمُقَدَّسِ طُوًى}٥، يعني أنّ الله تعالى انطق هذه الشجرة فخاطبت موسى، ولكن ليس بخطاب ظاهريّ بل بخطاب نفسيّ، فهذا ليس كمالًا للشجرة ...
والحكم الّذي أعطاه الله تعالى لعيسى بن مريم هو مِن هذا القبيل؛ يعني أنّ الله تعالى جعل في عيسى بن مريم هذه القدرة، فيُخبر الأفراد بالمسائل الغيبيّة {وَمَا تَدَّخِرُونَ فِي بُيُوتِكُمْ} – كما تُنبئ الآية – ويُنبئ الأفراد [عن بعض الأمور] ويحكم بينهم في القضايا، فكان الله تعالى يُطلعه على كلّ ذلك ويُنزله عليه. وكذلك إذا ما ألهمني الله تعالى، فسأكون عندها مثل عيسى بن مريم أُخبر بما في البيوت وأُخبر بالغيب وأحكم بين الأفراد والناس بالقسط، فهذا ليس كمالًا للإنسان، بل الكمال الّذي حصل للنبيّ عيسى (على نبيّنا وآله وعليه السلام) هو الكمال الّذي حصل بالمراقبة على طول السنين والقيام بالعبادات والواجبات، هذا هو الكمال الّذي وصل [إليه]، أما تلك الأمور فليست كمالًا لهؤلاء الأشخاص.
السؤال: قلتم إنّ الإمام عليه السلام يصل إلى المراتب العليا بالترويض، فكيف تفسّرون علم بعض الأئمّة وهم صغار، وكذلك النبيّ المرسل فقد كان صغيرًا وعالمًا؟
جواب سماحة السيّد: قد أجبتُ عن هذا السؤال.
متى يُطرد السالك
السؤال: السالك الّذي عنده أستاذ، إذا لم يعمل بما يأمره الأستاذ في البرامج العمليّة، هل يمكن أن يطرده الأستاذُ؟
جواب سماحة السيّد: الأستاذُ لا يطرده إلّا إذا عمل بخلاف الدستور واستمرّ على مخالفته وكان ذلك موجبًا للفشل والفتنة والخلاف، فإن حصل ذلك فالأستاذ يطرده وإلّا يتركه لحاله.
حكم الناي
السؤال: هل استعمال الناي حرام؟ وإذا كان حرامًا فلماذا؟
جواب سماحة السيّد: الناي مِنَ الآلات الموسيقيّة، ولكن في استعمال الناي يوجد اختلاف بين الفقهاء وفي الفتاوى، ولم يتبيّن لي [حتّى] الآن حرمة خصوص الناي، والاحتياط أحسن، ولكنّني لا أُفتي بحرمته.
مجالس العزاء الّتي لا تليق بالإمام الحسين
السؤال: قلتم أنّ [بعض] مجالس العزاء الّتي تُقام في الحوزات وعند المراجع فيها لغو ولهو، أرجو أن تفسّروا ذلك؟ وما هو رأيكم في مجالس العزاء والبكاء؟
سماحة السيّد: هل تقصدون مجالس حوزة النجف الّتي تكلمتُ عنها؟ (...)۱
جواب سماحة السيّد: لا بدّ أن نعلم أنّ جميع الأشخاص ليسوا معصومين، وهذا الاختلاف الّذي نجده بين العوام هو نفسه موجود بين العلماء؛ وقد شاهدتُ بعيني بعضَ العلماء في المجالس يتكلّمون بمسائل غير مهمّة ... وما قلته لكم بأنّ السيّد الوالد خلال وجوده في النجف الأشرف لمدّة سبع سنوات لم يحضر هذه المجالس، فالمقصود هو المجالس الّتي – وإن كانت للعزاء – إلّا أنّها قد يحصل فيها أمور مختلفة وأحاديث غير جيّدة وأمور لا تليق بشأن مجالس الإمام الحسين عليه السلام، ونحن نرى هذه المجالس الآن، والعاقل اللبيب هو الّذي يهتمّ واقعًا بما يصرف به أوقاته حتّى لا تفوته ولو لحظة واحدة [وحتّى لا] يفوته الوقت دون أن يهتمّ بمسائله، [والعاقل اللبيب] هو الّذي يهتمّ بوقته ويكون ضنينًا بوقته وعمره. أمّا صِرف مجالس الإمام الحسين عليه السلام والبكاء عليه هو مِن أحسن الأوقات ومِن أحسن المجالس.
العارف الكامل لا يطرأ عليه النقص
السؤال: هل يمكن أن يطرأ النقص على العارف الكامل، أي أن يقِلّ مستواه العرفانيّ؟ هل يمكن وجود إنسان غير معصوم له مقام عرفانيّ أعلى مِنَ المعصوم؟
جواب سماحة السيّد: إذا كان العارف كاملًا فلن يكون فيه نقص أبدًا، وإذا كان فيه نقص فلا يكون كاملًا، فهاتان المسألتان متنافيتان. ولا يمكن أن يكون الإنسان غير معصوم وله مقام أعلى مِنَ المعصوم، كلّا، فالمعصوم هو الأعلى مرتبة مِن أيّ شخص، حتّى أنّه هو إمام العرفاء في أعلى المراتب، فليس هناك شخص أعلى مِن المعصوم أبدًا، فهذا مستحيل.
هل أنّ أولياء الله هم العرفاء فقط
السؤال: هل أنّ أولياء الله هم العرفاء فقط؟
جواب سماحة السيّد: ما هو المقصود مِن أولياء الله؛ إمّا أنّه بمعنى الّذين يحبّون الله تعالى ويحبّهم الله، فللمعرفة [والحبّ] مراتب؛ {اللهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آَمَنُوا}۱، يعني أنّ الله يتولّى المؤمنين. وإمّا أنّ المقصود مِن (أولياء الله) هم الّذين وصلوا إلى مرتبة الاطمئنان ونجوا مِنَ الخوف والحزن كما تُنبئ عنهم الآية{أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ}٢، فالمقصود مِنَ الوليّ في هذه المرحلة هو الّذي صعد إلى المراتب العالية ونجح ووصل إلى مرتبة الإخلاص ولا يكون للشيطان سلطان عليه٣، فإذا كان الوليّ بهذا المعنى فالوليّ حينئذ هو العارف والعارف هو الوليّ ولا يكون غير ذلك. ولكن إذا عبّرنا عن المُحبّ بالوليّ، فللمُحبّ مراتب، [وفي هذه الحالة] نعم يكون هناك أولياء غير عارفين.
الأطفال أكثرُ وأشدّ أهليّة للعرفان والسلوك
السؤال: هل يستطيع الأطفال قبل التكليف الدخول في مسلك العرفان؟
جواب سماحة السيّد: نعم، العرفان هو خطّ معرفة الله تعالى والعبوديّة، فلا بدّ أن يوجِّه الوالدان أطفالهم نحو هذا الخطّ والطريق، فإنّ لهم صفاءً باطنيًّا ويمكنهم سلوك الطريق [بشكل] أسهل وأسرع مِنّا. وذُكر في الروايات «عليكم بالأحداث»٤ والأحداث هم الشباب حديثو السنّ، وذلك بلحاظ أنّ الأطفال المميّزين والمراهقين ذوو أنفُس طيّبة وجيّدة لم يتلوّنوا [بعدُ] بألوان الدنيا، فإنّ تقبُّلهم المسائل العرفانيّة والفطرية أشدّ منّا، لهذا يجب على الوالدين الاهتمام بتشجيع أولادهم وبتوجيههم في هذا الاتّجاه وإدخالهم في هذا الطريق، يعني أنّ هذا واجب على الوالدين وهذه التربية واجبة عليهما. كما نجد في الروايات أنّه يُستحب حجّ الأطفال والمميِّزين وحتّى الرُّضع، وهذا يعني أنّ هذا الأثر يحصل لهم.. نحن نرى أنّ هذه المسألة لغو بالنسبة للطفل إذ كيف له أن يحجّ، ولكنّ المؤكّد في الروايات أنّه يُستحب حجّ الصبيّ، وذلك يؤثّر في نفسيّته (...)٥.
معاني الفوز والنجاة
السؤال: هل الّذين لا يسلكون العرفان لا يفوزون ولا ينجون، وهُم كُثر؟
جواب سماحة السيّد: ... إنّ أغلب المؤمنين ليسوا مِنَ العرفاء، بل يمكننا القول أنّ تسعة وتسعين بالمائة منهم ليسوا مِنَ العرفاء، ومع ذلك فإنّهم مِن أهل الجنّة؛ وأهل الجنّة متفاوتون، والجنّة على مراتب متفاوتة، ففيها ثمانية مراتب؛ المرتبة الأدنى هي للأفراد العاديّين، والجنة العليا هي جنّة الذات، والناس متفاوتون في ذلك. وعلى هذا، إن كان المقصود مِنَ الفوز والنجاة هو الجنّة، فليس [صحيح أنّهم لا يفوزون ولا ينجون]، لأنّ كلّ مؤمن سيدخل الجنّة. وإن كان المقصود مِنَ النجاة هو مقام الاطمئنان والخلوص ومقام الفوز ومقام المعرفة الواقعيّة وحقّ المعرفة بالله، [فنعم] لا [يمكن عدّهم مِنَ الناجين بهذا المعنى] لأنّ هذا الأمر يستلزم [سلوك] طريق خاصّ والعمل بمسائل خاصّة.
حلّ العقدة في قصّة النبيّ موسى مع الخضر عليهما السلام
السؤال: هل قصّة الخضر مع النبيّ موسى في القرآن الكريم [مِنَ النماذج] العرفانيّة، أي هل يعتبر علم الخضر مِنَ العلم العرفانيّ؟ وإن كان كذلك، فكيف يستطيع العقلاء تحمّله وتفهّمه إذا كان النبيّ موسى لم يستطع عليه صبرًا؟
جواب سماحة السيّد: هذه القضيّة مِن أهمّ القضايا العرفانيّة، وقد وقع الناس في شكّ عظيم فيها، وسأبيّن لكم هذه القضيّة بشكل مجمل؛ لا يمكننا القول أنّ مقام الخضر (على نبيّنا وآله وعليه السلام) أعلى مِن مقام موسى، لأنّ موسى كان مِن أنبياء أُولي العزم، وأنبياء أُولي العزم أعلى بمراتب مِن باقي الأنبياء. على هذا، فإنّ الخضر، مع أنّه كان نبيًّا، إلّا أنّه كان تحت أوامر موسى، وموسى أعلى منه، لأنّه كان مِن أُولي العزم وصاحب كتاب وأحكام، فكيف – والحال هذه – يكون النبيّ موسى تلميذًا للخضر؟! السرّ [في هذه القضيّة] وحلّ عقدتها هو أنّ موسى لمّا كان مكلَّفًا بالأحكام الظاهريّة – إذ النبيّ لا بدّ أن يعمل على طبق الأحكام الظاهريّة لا الباطنيّة – وبلحاظ تربيته وما خصّه الله تعالى به مِن أمر ورسالة، فقد وجد في نفسه شعورًا بأنّه لا بدّ لكلّ شخص أن تكون أعماله مطابقة للأحكام الظاهريّة، يعني أنّ كلّ أفكاره وتدبير أعماله [وحلّ] اختلافاته مع الناس ومراودته ومعاشرته لهم، يجب أن تكون طبق هذه الأحكام الظاهريّة. ولم يكن [النبيّ موسى] يعلم أنّه يمكن أن يوجد مظهر إلهيّ بغير تلك الخصوصيّة.
فقد جعل الله تعالى في نفس النبيّ موسى شعورًا بأنّ كلّ ما يغاير إدراكه هو باطل ولغو، فأراد الله تعالى أن يُفهِم موسى (على نبيّنا وآله وعليه السلام) أنّه؛ كما أنّك مأمورٌ بالأحكام الظاهريّة، كذلك يوجد مظهرٌ مِن مظاهرنا وهو الخضر المأمور بالأحكام الباطنيّة. والنبيّ موسى لم يكن يعلم ذلك، بل كان شعوره أنّ كلّ مظهر على خلاف الأحكام الظاهريّة هو مظهر باطلٌ. [فأراد] الله تعالى أن يُربّيه ويُعلّمه هذه الخصوصيّة، فأمره أن يتبَع الخضر. فأراه الخضرُ كيفيّة العمل في المسائل الباطنيّة؛ كقتل الصبيّ مع أنّه لم يذنب، وثقب السفينة، وبناء الجدار مع أنّ أهل القرية لم يضيّفوهما، وأمثال ذلك. ففهم موسى (على نبيّنا وآله وعليه السلام) ذلك وعلم أنّه يوجد في عالم الكون والمظاهر الإلهيّة ما هو مغاير لطريقته وهو حقّ .. فمع كون الخضر على غير طريقة [النبيّ موسى] في العمل بالأحكام الظاهريّة، إلّا أنّه كان على حقّ وكان عمله طبق الواقع ..
ومثال ذلك الجامعة الطبيّة، فمِنهم مَن يقول: إنّ علاج هذا المرض هو في حبّة [الدواء] هذه، وآخر يقول: عندي منهج وطريق آخر وهو المداواة بالوسائل الروحيّة والنفسيّة ... وثالث يقول: لا، بل أداوي هذا المرض بالطُرق الرياضيّة والعلاج الفيزيائيّ. فهل يمكن أن يرفض أحد هؤلاء الأطبّاء علاج الآخر؟ لا، فالّذي درس هذا التخصّص يمكنه المعالجة بالحبوب فقط، والّذي درس بذاك النحو والطريق يمكنه المعالجة [وِفق ما درسه]، وهكذا، وقد يُوجد شخص يداوي ذلك فقط بالدعاء والمعجزات، فنحن لا يمكننا ردّ ذلك. والنبيّ موسى (على نبيّنا وآله وعليه السلام) لمّا أمره الله تعالى بالعمل بالأحكام الظاهريّة لا الباطنيّة، تخيّل أنّ كلّ مَن يعمل بغير هذه الطريقة كان منهجه باطلًا، [فأراد] الله تعالى أن يربّيه ويرقّيه ويجعل في نفسه هذه السِعة، فأمره أن يتّبع الخضر ليرى أنّ الخضر الّذي كان نبيًّا هو مأمور بالمسائل الباطنيّة. [فلهذا قال الخضر للنبيّ موسى] {إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا}۱، يعني [أنت] مكلّف بالأحكام الظاهريّة [وأنا] مكلّف بالأحكام الباطنيّة، فلي شأني ولك شأنك، أنا لا أتحمّلك وأنت لا تتحمّلني، فأنا على طريقي وأنت على طريقك.
هناك مسائل [وأسئلة] أخرى، ولكن طال بنا الوقت ... وكما قلت لكم فإنّ صديقنا – بحمد الله تعالى – موجود هنا، ويمكن استفادة الأحكام مِن جنابه، وهو مؤهّل لذلك بأهليّة أشد وأقوى منيّ.
وهذه فرصة لأودّعكم وأستودعكم الله. نسأل الله تعالى أن يوفّقنا وإياكم لِما يحبّ ويرضى. ولا تنسونا مِنَ الدعاء في الأوقات الّتي تنتهزونها لذلك.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.۱ و ٢