المؤلّفآية الله السيد محمد محسن الحسيني الطهراني
القسمجبل عامل
المجموعةأسئلة وأجوبة - رجال
هو العليم
زمان الظهور، تفسير النساء نواقص عقول، علامات الولي الكامل و...
محاضرات جبل عامل - أسئلة وأجوبة الرجال - ج ٣
محاضرة ألقاها
آية الله الحاجّ السيّد محمّد محسن الحسينيّ الطهرانيّ
قدس الله سره
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله ربّ العالمين
والصلاة والسلام على أشرف المرسلين محمّد
وعلى آله الطيّبين الطاهرين
واللعنة على أعدائهم أجمعين
سبب الخطأ في تحديد زمن الظهور
السؤال: يقول الكثير مِنَ العلماء الأجلّاء مِنَ الشيعة بأنّ ظهور الإمام الحجّة أصبح قريبًا جدًّا، حتّى أنّ بعضهم يحدّد (نقطة) معيّنة لظهوره الشريف، ويقولون أنّ كلّ العلامات الصغرى قد تحقّقت وبقيت العلامات الكبرى المصاحبة للخروج. ما رأيكم في هذا [الكلام]؟
جواب سماحة السيّد: المستفاد مِنَ الأحاديث الّتي تدور حول ظهور الإمام عليه السلام أنّ هناك علامات لا بدّ مِن تحقّقها وظهورها كخروج السفيانيّ، ولكن قد تكون بعض العلامات غير ضروريّة. وعلى أيّ حال، فهذه المسألة مِنَ المسائل المهمّة، وهي تختصّ بالشخص الّذي له إشراف كامل، حتّى يرى ويعلم الزمن المحدّد لظهور الإمام عليه السلام، أمّا الأفراد الّذين تحدّثوا عن الظهور ومدّة الظهور وعيّنوا وقتًا لذلك، فأنا حتّى الآن لم أر الصدق ولم [ألمس] الحقيقة في كلامهم... بل كلّ مَن قال بذلك قد أخطأ واقعًا، حتّى أنّ بعض العلماء الموجودين الآن وكثيرًا مِنَ الناس ممّن زعموا أنّهم يعلمون أشياء ويعلمون بعض المسائل الخفيّة، سمعتُ منهم بعض المسائل حول هذا الموضوع، وقد أخطؤوا ولم يأتوا بشيء واقعيّ. والسبب الرئيسيّ في ذلك أنّ القضاء والقدر ومشيئة الله تعالى وإرادته عندما خرجت مِن عالم القضاء الكليّ ونزلت في هذا العالم، مِنَ الممكن أن تصطدم مع الأحكام الأخرى بحيث يتأثّر هذا [القدر]، مثلًا لو قضى الله تعالى أن يموت فلان في مدّة معيّنة، ويوجد في نظام العالم أحكامٌ وقوانين بموجب إرادة الله تعالى ومشيئته، فهذه الأحكام والقوانين قد تصرف هذا القضاء الكليّ [عن التحقّق]، كصلة الرحم والإنفاق على الفقراء وملاطفة اليتيم وعيادة المرضى وخدمة المؤمن ورفع حاجة المؤمن، كلّها مِنَ القوانين الّتي تؤثّر في طول العمر؛ فلو قدّر الله تعالى لشخص أن يموت في الموقف الفلانيّ يوم السبت، فقام هذا الشخص بالإنفاق، فمِنَ الممكن أن يردّ هذا الإنفاق ذاك القدر. وهذا كلّه بمشيئة الله تعالى. فالمرء قد يُنفق مِن ناحية ويُذنب مِن ناحية أخرى، فهذا الذنب قد يوجب تعجيل وفاته وذاك الإنفاق يردّه، ثمّ يصل رحمه ممّا يوجب طول عمره، ثمّ يصدر منه خطأ فيوجب قصر عمره.. فكلّ هذه الأفعال والأعمال الّتي نشتغل بها تتصادم وتتضارب بعضها ببعض حتّى يتحقّق القضاء الّذي لا بدّ أن يجري في هذا العالم. ونحن نجد [ذلك] في الأخبار والتاريخ؛ كما جاء عن النبيّ عيسى بن مريم (على نبيّنا وآله وعليه الصلاة والسلام) أنّه قال يومًا إنّ فلانًا سيموت اليوم، فرآه الناس في اليوم التالي حيًّا يمشي، فرجعوا إلى النبيّ عيسى عليه السلام وقالوا له: أنت قلت أن فلانًا سيموت بالأمس، والحال أنّه حيّ اليوم! فقال: لا بدّ أنّه فعل كذا بالأمس. فرجعوا إلى ذلك الشخص وسألوه، فقال: عندما خرجت مِن منزلي أنفقت على فقير. فقال عيسى بن مريم: هذا سبب تأخير وفاته وإطالة عمره. يعني مشيئة الله تعالى الّتي قدّرت له الموت اليوم، هي نفسها المشيئة الّتي توجد أحكامًا أخر تصطدم بذاك التقدير؛ تمامًا كالمريض، فإنّ الميكروب أو الفيروس يكون سببًا يوجب مرضه، وفي مقابل هذا الميكروب يوجد دواء يمنعه مِنَ التأثير، ثمّ إذا أكل شيئًا مضادًّا لهذا الدواء سيمنع مِن تأثير الدواء. وعلى أيّ حال، فالنتيجة المتحصّلة مِن هذه الأمور إمّا أن تكون شفاء هذا الشخص أو [مرضه أو موته].يعني أنّ مجموع الأحكام الجارية في هذا العالم بعد تصادمها وتصادم الإرادات ومشيئة الله تعالى إما [أن تؤدّي إلى] موت هذا الشخص أو إلى [شفائه].
وعلى هذا، يوجد في هذا العالَم مراتب متفاوتة ومختلفة، فعِلَّة خطأ أولئك القوم۱ – كما ذكر الأجلاء مِنَ العلماء – هي أنّ لهذا العالَم مراتب مختلفة؛ المرتبة الأولى عالَم المادّة وهو العالَم الّذي نرى فيه الأجسام والموادّ، والمرتبة الأعلى عالَم البرزخ، ثمّ باقي المراتب حتّى يصل إلى مرتبة القضاء الكليّ. والأفراد [يتفاوتون] في بصيرتهم وعرفانهم بحسب هذه المراتب المختلفة؛ فتجد شخصًا وصل إلى مرتبة البرزخ والملكوت السفليّ ولم يصل إلى الملكوت العلويّ، وشخصًا وصل إلى الملكوت العلويّ ولم يصل إلى المراتب العُليا كاللاهوت والجبروت والقضاء الكليّ وإرادة الله تعالى الحتميّة.
فعلى هذا، ترى ذلك الشخص بقدر بصيرته ورأيه ونظرته يُخبر عن مسألة ما، وبما أنّه لا يقدر أن يتّصل بما هو فوق هذا العالم فلا يمكنه أن يُخبر عن المسائل الّتي تتحقّق في العالَم الأعلى، فما يراه في هذا العالم [قد يُخطئ فيه وقد يصيب]، حاله كحال ما نراه في المنام وعالَم الرؤيا، فيمكن أن نُخطئ الرؤيا وأن نصيب فيها، وما نراه قد يتحقّق وقد لا يتحقّق.
وعليه، فمِنَ المسلّم أنّه إذا وصل المرء إلى مرتبة الولاية سيكون لديه إشراف كليّ – الّذي هو مِن لوازم مرتبة الولاية – على عالم القضاء الكليّ [حاله كحال] الإمام المعصوم عليه السلام والنبيّ والوليّ الّذي وصل إلى مرتبة الفناء التامّ والقطعيّ والبقاء بعد الفناء، فهذا الشخص إذا قال شيئًا على نحو القطع والجدّ فهذا الشيء سيتحقّق حتمًا بلا شكّ ولا ريب. ولكن بما أن أولئك الأفراد [الّذين يُخبرون عن بعض الأمور] لم يصلوا إلى هذه المرتبة، فكثيرًا ما يكون في أقوالهم خطأ.
السبب في قدرة غير المسلمين على القيام ببعض الأعمال الخارقة
السؤال: كيف يمكن تفسير صدور بعض الأعمال الخارقة مِن أفراد غير ملتزمين بالدّين الإسلاميّ؟
جواب سماحة السيّد: كما أنّ الله تعالى جعل في أجسامنا وأجسادنا القوّة، كالقوّة الجسديّة والماديّة والّتي بها نتمكّن مِن رفع هذا الكوب وذاك الحجر والمشي وغير ذلك، كذلك خلق الله في أنفسنا استعدادات تمكّننا مِنَ القيام بأمور مختلفة، فنجد مثلًا ذكاء هذا أكثر مِن ذاك وذاكرته أقوى، وهذا بالنسبة للقوى الباطنيّة. وكذلك القوى الّتي لا نعرفها ولا نراها والمخفيّة فينا ولا نعلم بها.
فكما يمكن للإنسان أن يقوّي قدرته بالرياضة [البدنيّة] فيفعل أشياء لا يفعلها الآخرون، كذلك يمكن للشخص بالرياضات النفسيّة أن يصل إلى مرحلة يفعل أشياء يعجز الآخرون عن فعلها، كالمرتاضين الهنود وغيرهم.
فهذه الاستعدادات هي مِن نِعَم الله تعالى على البشر [جميعًا]، سواء كان كافرًا أو مؤمنًا، فلا فرق بينهم أبدًا [مِن جهة النِعَم]؛ فكما أنّ للكافر معدة فإذا تغذّى تنعّم واستمتع بالغذاء، كذلك المؤمن، وكما أنّ للمؤمن قوى كالذاكرة والاستعدادات والذكاء وغير ذلك، فكذلك للكافر، هذا بالنسبة إلى الاستعدادات الموجودة في نفس الإنسان. ثمّ أنّه إمّا أن يستفيد منها الإنسان في الخير وإمّا في الشرّ، وبالرياضة يمكنه أن يقوّي هذه الاستعدادات ويصل إلى مرتبة الفعليّة، وليس هذا دليل على الإيمان ولا دليل على الكفر، إنّما التفاوت هو بالنورانيّة والروحانيّة، ولهذا فإنّ كلّ الأولياء والمؤهّلين في العرفان يؤكّدون في تأليفاتهم وأقوالهم على عدم جواز الالتفات إلى هذه الأعمال، لأنّها أعمال مشتركة بين المؤمن والكافر؛ فيمكن لشخص أن يكشف عن الغيب ويُخبر عنه مع أنّه ليس بمتديّن إطلاقًا. فالمهمّ هو معرفة الله تعالى وأسمائه وصفاته، وهذا ما لا يحصل للكافر أبدًا، والخبير المؤهّل هو الّذي يتمكّن مِن إدراك هذه المعاني بخلاف أولئك الأفراد.
أما تلك المسائل فهي مشتركة بين الأفراد؛ فكما يمكن للكافر أن يقوّي جسده وجسمه بحيث يتفوّق على المؤمن في المصارعة مثلًا وغيرها مِنَ الرياضات، كذلك الأمر في هذه المسائل، فيمكن للكافر – كالمرتاضين الهنود ومَن يسخّر الجنّ وغيرهم – أن يقوم بأفعال وأعمال لا توافق الدين والشرع، بل هي في طريق النفسانيّات والشهوات وعدم الالتزام بالدين، وهذه أمور عاديّة [وموجودة].
حكمُ أكل لحم الديك والبط
السؤال: هل يُكره للسالك أكل لحم الديك والبط؟
جواب سماحة السيّد: لا يكره، ولا فرق أبدًا بينهما وبين سائر [اللحوم].
بيان في قوله عليه السلام النساء نواقص عقول
السؤال: يقول الإمام علِيّ عليه السلام أنّ النساء نواقص عقول ونواقص حظوظ۱، نرجو توضيحًا بسيطًا لهذه المقولة، هل هي حقًّا ناقصة عقل وحظّ؟
جواب سماحة السيّد: هذه المسألة أوقعت اختلافًا كثيرًا بين العلماء لعدم فهمهم الصحيح لمعناها، وعلى ما في بالي أنّ كلّ مَن تصدى لهذا المطلب لم يتأمّل في تلك العبارات بعناية تامّة، فالكثير منهم يوجِّه تلك العبارات بتوجيه غير صحيح وغير واقعيّ، وكُتبهم ومؤلّفاتهم حول ذلك موجودة الآن؛
فربما يفسّرون العقل بالذاكرة، مع أنّه خلاف الواقع حقيقة، فالعقل شيء والذاكرة شيء آخر.
ويكتبون في مؤلّفاتهم أنّ النساء لكونهنّ في المنزل ويشتغلنّ بتربية الأولاد والأمور المنزليّة فمِنَ الطبيعيّ أن تكون ذاكرتهنّ أضعف مقارنة بالرجل، أمّا الرجل فهو يخرج مِنَ البيت ويشتغل في الخارج ولا يُشغل ذاكرته [بما تشغلها بها] المرأة، ولهذا تكون ذاكرة المرأة أضعف مِن ذاكرة الرجل، والحال أنّنا نرى أنّ هذا خلاف الواقع حقيقة لأنّ العمل خارج البيت حتمًا هو أصعب مِنَ العمل داخل البيت، فأقصى ما تفعله المرأة في البيت هو تنظيم الأمور وتنظيف البيت، لا أزيد مِن ذلك، وتهيئة الغذاء وتربية الأولاد بمقدار القدرة والاستعداد، أمّا المشاكل الخارجيّة الّتي نراها في هذا الزمان والّتي تصاحب وتُشغل الرجال دائما لا يؤيّد أضعفيّة ذاكرة النساء. فالأمر خلاف ذلك، فإنّا نجد حافظة وذاكرة الكثير مِنَ النساء أقوى مِنَ الرجال. فإذا فسّرنا العقل بالذاكرة سنجده خلاف الواقع، لأنّ ذاكرة النساء قد تكون أقوى مِن ذاكرة الرجال، فتفسير العقل بالذاكرة ليس صحيحًا. فذاك الّذي يفسّر العقل بالذاكرة فهو يفسّر كلام الإمام عليه السلام بما لا يرضى به صاحبه. [وعلى هذا] فهل كان مقصود أمير المؤمنين عليه السلام مِنَ العقل هو الذاكرة واقعًا؟! نحن نُعدّ هذا خلاف الإنصاف العلميّ وخلاف الأمانة، [وبالرغم من ذلك] ربّما نجد البعض يوجّهون ويفسّرون ويؤوّلون بهذا القول.
كما نجد بعض العلماء يقولون أنّ هذه المقولة مختصّة بزمن أمير المؤمنين وزمن النبيّ، أمّا الآن فليس الأمر كذلك، ونحن أيضًا نرى أن هذه المقولة مخالفة للواقع لأنّ النساء لا يختلفن بين زمن النبيّ وهذا الزمان، فكما يوجد في هذا الزمان نساء مؤمنات تقيَّات وغير ذلك، كذلك كان في زمن النبيّ نساء مؤمنات عالمات متكلّمات فصيحات يعقدون مجالس الذكر والخطابة والعلم والحديث، وكذلك في زمن الأئمّة، وهذه المسألة معروفة في التاريخ، فكما للنساء الآن استعداد لكسب الفضائل والعلوم والمكارم والأخلاق، فكذلك في زمن النبيّ؛ ففي زمن النبيّ والإمام عليه السلام كانت النساء ذوات استعداد لتحصيل المعارف والفضائل وغير ذلك. فيكون تفسير الحديث بهذا الشكل مخالف للواقع ولا يرضى به أصحاب الحديث، ويكون تأويلًا بخلاف الأمانة وهو خلاف المصداقيّة العلميّة والنقليّة والتاريخيّة والروائيّة.
وأحيانًا نجد مَن يَعبُر عن هذا الحديث ويقول: نحن لم نفهم عبارة [هذا الحديث]. [أقول] هذا أخفُّ مِنَ التأويلات والتوجيهات [المتقدّمة]، ولكنّه لا يحلّ العقدة والمشكلة، فلماذا لم تفهموه، أهو صادرٌ عن أمير المؤمنين أم لا؟!...
وقال البعض أنّ هذا ليس كلام أمير المؤمنين عليه السلام لأنّ ليس لنهج البلاغة سند، وهذه العبارات ليست منقولة عن السيّد الرضيّ، وسنده لا يصل إلى الإمام عليه السلام، [أقول] إنّ هذا خلاف الواقع وهو خيانة وليس بصدق، وهو خلاف الأمانة العلميّة والتاريخيّة والبحثيّة، فكيف تذكرون في المجالس وعلى المنابر الخطبة الشقشقيّة مثلًا [والحال أنّها منقولة في نهج البلاغة] ولا تنفون نسبتها إلى أمير المؤمنين؟! وكيف تذكرون على المنابر وفي المجالس رسالة الإمام أمير المؤمنين إلى مالك الأشتر وتفسّرونها [والحال أنها منقولة في نهج البلاغة أيضًا] ولا تقولون أنّها ليست مرتبطة بأمير المؤمنين وأنّ لا سند لها؟! وكيف تذكرون.. أنتم الّذين تؤوّلون هذه العبارات وتقولون أنّ المقصود مِنَ العقل الذاكرة وتذكرون الخطب التوحيديّة وتفتخرون بها على كلّ العالَم لأنّها خُطب لا تصدر إلّا مِنَ المعصوم ولا يُحتمل صدورها إلّا مِنَ المعصوم المتّصل بالوحي والمتّصل بأعلى مراتب التوحيد، وتقولون أنّ هذه الخُطب التوحيديّة لا يفهمها كلّ أحد بل فَهمها يحتاج إلى تدريب وتعليم وتهذيب نفس وأنّ قليلًا مِنَ الأولياء يفهمون هذه الخُطب، فلماذا لا نَراكم تقولون أنّ هذه الخطب غير مُسندة ولا نسبة لها لأمير المؤمنين، فكيف قدرتم على تشخيص أنّ تلك العبارات [في حديث النساء نواقص العقول] غير منتسبة إلى أمير المؤمنين مع أنّ العبارات واحدة وسياقها واحد [في نهج البلاغة]. فنحن نرى في كلّ نهج البلاغة مِن أوّله إلى آخره أنّه ذو سياق واحد، بحيث لو كان عندنا جهاز يميّز بين عبارت كلّ شخص، سيؤكّد حتمًا أنّ مَن نطق بهذه العبارات هو مُتكلِّم واحد.
وعلى هذا لا يجوز لنا تأويل وتفسير [العبارة بما ذُكر]، فلو كان الإمام عليه السلام حاضراً وأمير المؤمنين حاضرًا هل كنتم ستفسّرون وتؤوّلون [العبارة بما ذكرتم] أمامه؟! ثمّ ماذا ستقولون حينئذٍ في تفسير هذه الخطبة حيث قال في عائشة «وأمّا عائشة فقد أدركها ضعف عقول النساء»۱ أهذا مِنَ الإمام عليه السلام أم لا؟!
وأمّا حلّ المطلب؛ أنّ الله تعالى قدّر في الخلق بحسب تقديره ومشيئته اختلافات كثيرة، فهناك اختلاف بين الحيوانات مثلًا، وهناك اختلاف بين البشر، فتجدون أشخاصًا ذاكرتهم أقوى مِنْ أشخاص... وتجدون شخصًا استعداده أقوى مِن [باقي] الأفراد، وتجدون شخصًا نور بصره وعينه أقوى مِنَ الآخر، وقوّة سمعه أقوى مِنَ الآخر، وصفاته الجسميّة والماديّة أقوى مِنَ الآخر، فلكلّ شخص مراتب مختلفة، فلا يصحّ أن يقول المرء أنّ هذا خلاف العدل، لأنّ هذا النظام هو نظام الاختلاف.
إنّ نظام الدنيا هو نظام الاختلاف، فلن تجدوا شخصين متشابهين في جميع الخصوصيّات والآثار أبدًا، حتّى لو وُلِد توأمان فستكون آثارهما مختلفة، فترى هذا يحبّ شيئًا وذاك يحبّ شيئًا آخر، وهذا فيه خصوصيّة ليست في الآخر؛ فهذا ذكاؤه أقوى مِن ذاك وهذا أجمل مِن ذاك، والقوّة البدنيّة والجسميّة لهذا أقوى مِنَ الآخر.. فلا يمكن أبدًا أن تجدوا في هذا العالم شخصين متّحدين ومتّفقين مِن جميع الجهات وفي جميع الخصوصيّات وفي الصفات الظاهريّة والباطنيّة. وهذا هو سبب النزاع، فهذا القانون جار في كلّ شيء، سواء في أرفع الأشياء وأدناها، فتجدون ذلك في الأشجار والحيوانات والإنسان. كلّ هذه الدنيا قائمة على الاختلاف، وهذا الاختلاف هو سبب نمو وتطور كلّ فرد، يعني أنّ هذا الشخص الضعيف بلحاظ اختلافه عن الأقوى منه سيهتمّ للوصول إلى مرتبة أقوى وبلوغ مرتبة أعلى.
فعلى هذا، قدّر الله تعالى هذا الاختلاف بين البشر، كما هو بين الرجل والمرأة، وذلك طبق النظام الأحسن الكليّ ووفق ما يتلاءم مع التربية الحسنى الكليّة في هذا العالَم؛ ففوّض أمر المَنزِل وتربية الأولاد للمرأة وهيّأها لتربية الأولاد، فالرجل لا يقدر على تربية الأولاد كالمرأة، لأنّ اللطافة والظرافة وحسن الخلق في المرأة أحسن فيها مِنَ الرجل، وهذا واضح، أمّا الرجل فهو مستعدّ للخروج مِنَ المنزل والقيام بالأمور المهمّة والخارجيّة والانشغال والعمل بها ولديه الاستعدادات [اللازمة] لذلك، والله تعالى قدّر فيه هذا لتنتظم الأمور.. فهذه المسألة الكليّة ودوام الحضارة الثقافيّة والحياة النوعيّة واستمرار النوع البشريّ يحتاج إلى مسألتين حياتيّتين:
الأولى مرتبطة بأمور خارج المنزل كتهيئة الموادّ ومستلزمات العيش، والمسألة الثانية هي الحياة المنزليّة؛ [فمِن جهة] إنّ الرجل إنسان متمدّن يحتاج إلى الأنس والألفة والمودّة، [ومِن جهة أخرى] بما أنّ التصوّرات والأفكار مختلفة فلا بدّ في كلّ حياة مِن عقل راجح يتّبعه سائر الأفراد.
كما نرى في موضوع الإدارة، فكلّ مَن في الإدارة لا بدّ أن يتّبع هذا الشخص، لأنّه بحسب استعداداته وبملاحظة بعض الحيثيّات والمعطيات المحيطة به سيكون حتمًا هو الشخص الراجح على سائر الأفراد، فيطيعونه وفق القانون. ففي المنزل لا بدّ أن يكون الأمر كذلك، إذ قد تتعارض الأفكار، فالرجل يقول لا بدّ مِن فعل كذا والمرأة تقول لا بدّ مِن فعل كذا، فإمّا أن يطيع الرجلُ الزوجةَ أو أن تطيع الزوجةُ الزوجَ.. فقدّر الله تعالى هنا، بلحاظ القدرة على إدراك المسائل الكليّة – لا بدّ هنا مِنَ الاهتمام بهذا الأمر – وإدارتها [والوعي] في المسائل المرتبطة بالمستقبل، أن يكون في الرجل استعداد أقوى مِنَ المرأة في ذلك.
وفي المقابل جعل في المرأة لطافة وظرافة وحسن خلق ومحبة وأنس أقوى مِنَ الرجل. فالله تعالى قدّر في الرجل ذلك؛ يعني أنّ تقييم المسائل الكليّة وتعيين المصلحة وتحديد ما فيه صلاح مِنَ الأمور الداخليّة والمنزليّة والعائليّة، [هي قدرات] قدّرها الله تعالى في الرجل، فجعل عقله أكمل وأقوى مِنَ المرأة في ذلك، وهذا هو المنظور مِنَ النقصان [في الرواية]؛ فنقصان العقل ليس عيبًا في النساء، إذ المنظور مِنَ النقصان هو القلّة بالنسبة إلى الرجل، كما أنّنا نلاحظ ذلك حتّى بين الرجال أنفسهم، يعني النقصان موجود حتّى بين الرجال [بالنسبة إلى بعضهم البعض]، فلن تجدوا شخصين عقلهما متساويان بدون أيّ تفاوت بينهما، فهذا عقله أنقص مِن ذاك وذاك أنقص مِنَ الآخر. وكلّ الأفراد لا بدّ أن يسعوا للوصول إلى مرتبة أعلى، لأنّ العقل دائمًا يشتدّ ويزداد تبعاً للرياضيات المنوطة به.
فالمقصود مِنَ النقص في المقام، ليس النقص بمعنى العيب أبدًا، فإن أمير المؤمنين عليه السلام لا يُعيّب خلق الله تعالى، بل منظور أمير المؤمنين أنّه لا بدّ في المسائل الكليّة مِن التأمّل والتحقيق والاحتياط، والرجال في هذه الأمور أقدر مِنَ النساء؛ مثلًا إذا وقعت مسألة مهمّة، فقمنا باستطلاع آراء الرجال والنساء، ففي هذه الإحصائيّة سنجد أنّ آراء الرجال بلحاظ المصلحة المستقبليّة والكليّة أقرب إلى الواقع مِن آراء النساء، لماذا؟لأنّ الكيفيّة والموقعيّة النفسانيّة للرجال تجعلهم يفهمون هذه الأمور بشكل أقوى مِنَ النساء. وهذا هو المنظور مِنَ الأقوائيّة والنقصان. فعلى هذا ليس النقص عيبًا في النساء، ونُضيف أنّ هذا لا يؤثّر في التقوى والإيمان، لماذا؟ لأنّ التربية الكليّة الّتي توصل الإنسان إلى المراتب العالية تحتاج فقط إلى الطاعة، يعني العبد إذا أطاع الله تعالى فسيوصله الله إلى تلك المراتب، وإن لم يطع الله فلن يوصله ولو كان مِن أعاظم الحكماء والعقلاء. فالمهمّ في الوصول إلى مراتب الإيمان هو الطاعة والعبوديّة، فالإنسان يصل إلى مراتب الإيمان بالعبوديّة ولا يبلغ إلى أدنى المراتب بغير العبوديّة.
وعلى هذا – وهذه مسألة مهمّة – فإنّ اختلاف الرجال والنساء في العقل، أي أقوائيّة عقل الرجال بالنسبة إلى النساء، هو في عالَم المادّة فقط وعالَم المثال والملكوت السفليّ، أمّا في الملكوت العلويّ فلا اختلاف هناك بين الرجال والنساء، بل النساء والرجال في هذا العالَم – أعني عالَم الملكوت الأعلى وما فوق – سيَّان فلا يُقال هناك: هذا رجل وهذه امرأة. فالرجولة والأنوثة هي في عالَم المادة وعالَم المثال، أمّا في عالَم الملكوت الأعلى وما فوق – مِنَ اللاهوت والجبروت – لا يمكن أبدًا أن نقول هذا رجل وهذه امرأة، كالملائكة فلا يمكن أن نقول أنّ الملائكة رجال أو نساء، إذ لا أنوثة ولا رجولة في الملائكة أبدًا، فالأنوثة و الرجولة هي في عالَم المادّة وعالَم الاختلاف فقط.
والمهمّ هو أن نصل إلى هذه المرتبة الّتي ليس فيها أنوثة ورجولة، وإذا وصلت المرأة وكذلك الرجل إلى هذا العالَم – أي عالَم الملكوت الّذي لا أنوثة ولا رجولة فيه – يرتفع الاختلاف ويرتفع النقصان والضعف، هل التفتم.. فاختلاف الأفراد والطبقات مهمّ في هذا العالَم لأنّه النظام الأحسن، ففي هذا النظام لا بدّ مِنَ الاختلاف، وعليه فإمّا أن يطيع الزوجُ الزوجةَ أو تطيع الزوجةُ الزوجَ بحسب اختلاف الموارد، فلا يمكن لشخصين أن لا يطيعا أبدًا، وإلّا لفشل كلّ النظام، سواء نظام البيت أو النظام خارج [البيت]، فلا بدّ لكلّ مملكة مِن رئيس، ولكلّ إدارة مِن رئيس يُطاع حتمًا، وكذلك البيت لا بدّ فيه مِن شخص يكون كلامه حازمًا يراعي الضوابط الدينيّة والاجتماعيّة في كلامه، لا أن يتكلّم ويحادث زوجته [كيفما كان]، فهذا خلاف القانون الّذي يعينه ويؤيّده. هذا بالنسبة إلى التربية في هذا العالَم، فهو يحتاج إلى هذا الاختلاف، والمهمّ في هذه التربية هو صعود الإنسان إلى المراحل العُليا، وبصعود المرأة والرجل ووصولهما إلى تلك المرحلة تنتفي الرجولة والأنوثة، فينحلّ الاختلاف، وبهذا تُحلّ المشكلة.
علامات الأولياء الكُمَّل
السؤال: هل هناك علامات ظاهرة للأولياء الكُمَّل، كمعجزات الأنبياء، حتّى يتعرّف عليهم عامّة الناس؟
جواب سماحة السيّد: أوليائي تحت قبائي لا يعلمهم غيري۱. المضبوط في الكتب أنّه لا يجوز لأيٍّ كان أن يرجع إلى شخص ويسلّم نفسه إليه بعنوان أنّه وليّ ورجلٌ كامل [كيفما كان]، بل لا بدّ مِن اختباره وفحصه ومعاشرته حتّى يَعلم أنّه كذلك، وذلك يحتاج إلى خبرة وقدرة على الاختبار.
وكما ذكر سيّدنا الوالد (أعلى الله مقامه) أنّه لا يصحّ الالتفات إلى الأمور الظاهريّة وخوارق العادات الّتي ربما تصدر مِن هؤلاء الأفراد، لأنّ خوارق العادات – كما ذكرتُ مرارًا – تصدر حتّى عن غير الملتزمين لأنّ الله تعالى جعل في الإنسان استعدادًا في قواه الباطنيّة وهذا الأمر سيّان في المؤمن والكافر بلا فرق أبدًا؛ فكما يمكن للمؤمن بواسطة الرياضة أن يحقق هذه الاستعدادات [الكامنة في نفسه] ويوصلها إلى الفعليّة ويستفيد منها، فكذلك الكافر يمكنه أن يفعل ذلك فيفعل ما يفعله الآخرون. وعلى هذا فالمهمّ في الأولياء هو عملهم بالشريعة مطلقًا وكيفيّة معرفة الله تعالى، وهذه هي الخصوصيّة المميّزة لهم عن غيرهم؛ يعني إذا رجعتم إلى شخص وكان وليًّا وعاشرتموه ستجدونه أهلًا لذلك، أي مِن معاشرته ومراودته ومِن حديثه ستعرفون أنّ هذه المعاني لا تصدر مِن شخصٍ فهمها مِنَ الكتب، بل هو كلام يأتي مِن باطن سرّه، وأنّه يتكلّم معكم وهو مشرفٌ على جميع وجودكم وبواطنكم.
وسأغتنم الفرصة هنا لأقول أنّ كلّ مَن رجع إلى السيّد الوالد (رضوان الله تعالى عليه) كان يقول ذلك، كان يقول: عندما نجلس مع السيّد محمّد حسين الطهرانيّ (رضوان الله عليه) نشعر في أنفسنا أنّه مسيطر على كلّ وجودنا ويعلم أسرارنا وما في ضمائرنا وكلّ ما يخطر في خاطرنا، فهو يعلم بذلك، وعندما يتكلّم معنا فكأنّه يكون أقرب منّا إلينا. [أقول] هذه علامة الوليّ، فالولي عندما يتكلّم مع أيّ شخصٍ يكون بحيث لا يخفى عليه شيء أبدًا، وإذا كنّا مِن أهل الخبرة وسألناه في معرفة الله تعالى وأسمائه وصفاته، فلا يمكن أن يتلكّأ أبدًا [وسنراه] يجيب وكأنّه يرى الله تعالى أمامه، ووصل إلى مرتبة الأسماء الكليّة ولمس حقيقة معنى الحياة والعلم، وكأنّه هو الّذي يُجري العلم وهو مجرى العلم والحياة والقدرة وجميع صفات الله تعالى في هذا العالَم. هكذا هو الوليّ، فإذا جلستَ في مجلسه سترى هذا منه، فيُخبر عن الله تعالى وكأنّه أمامه ويُخبر عن علم الله وكأنّه واردٌ في هذا العلم الكليّ، فكأنّه دخل في هذا العلم الكليّ وخرج منه، وهكذا يُخبر عن الحياة والإماتة والإحياء والأرزاق والخلق ويُخبر عن جميع العوالم وكأنّه [ورد في جميع العوالم]، لا بل قد ورد حتًما في جميع العوالم وخرج منها واقعًا. هذا هو الوليّ وهذه علاماته، ولا بدّ مِن اختباره. [والمرء] إذا كان وليًّا، فكلّ شخص يسلّم نفسه لله تعالى ويفوضه أمره، فهذا الوليّ سيُلقي في قلبه هذا المعنى، [وإلّا] لا يكون وليًّا. فالوليّ – كما قلتُ – هو المشرف على جميع سرائر المرء وعلى جميع ما في ضميره، فإذا وجد في الشخص صدقًا فسيُلقي هذا المعنى في نفسه، فيَفهم حينئذ أنّ هذا وليّ، وإلّا فلا.
حكم الأكل عن لذّة
السؤال: قد يشتهي المرء فاكهة لذيذة حين تكون معدته ممتلئة، فهل أكل الفائض يؤثّر في سيره إلى لله تعالى؟
جواب سماحة السيّد: طبعًا يُكره للشخص أن يأكل أشياء لِلَّذةِ والاشتهاء وغير ذلك، والأمر بسيط.
الأعمال المستحبة والمكروهة للحائض
السؤال: ما هي الأعمال المستحبّة في وقت الحيض؟
جواب سماحة السيّد: في هذا الوقت يُكره قراءة أكثر مِن سبع آيات مِنَ القرآن، ولكن الإتيان بالأذكار الّتي ليس فيها آيات قرآنيّة فهو مستحبّ ولا إشكال فيه، وكذلك الأدعية لا إشكال فيها، ويجوز للمرأة أن تقوم بسائر المستحبّات في هذه الحالة، بل المكروه في هذه الحالة قراءة أكثر مِن سبع آيات، أمّا بقيّة الأعمال بالنسبة للرجل والمرأة فهي سواء ولا يوجد فرق.
كيف نتصرّف مع الرجل الكامل
السؤال: إذا كان في الرجل كلّ الصفات الّتي ذكرتموها عن الرجل الكامل، إلّا أنّه يقول لنا أبدًا ودومًا: أنا لا أعرف الرجل الكامل. فماذا تنصحونا أن نفعل معه؟
جواب سماحة السيّد: لا بدّ مِنَ التمسّك بعناية الله تعالى وتفويض الأمر إليه حتّى يفتح الله تعالى لنا بابًا إلى الهداية، فإذا رأى الله تعالى مِنَ المرء صدق الطلب والصدق في الطريق ورأى أنّه متوكّل عليه تعالى، حتمًا سيأخذ الله تعالى بيد هذا الشخص ويوصله إلى الرجل الكامل، يعني قد فرض الله تعالى على [نفسه] أن يهدي هذا الشخص إلى الرجل الكامل ليستنقذه مِنَ الضلال والغواية.
حكم الإتيان بذِكر اليونسيّة في أيام الحيض
السؤال: {لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ۱}، فإذا كانت [المرأة في زمن الحيض] هل يجوز لها قراءتها؟
جواب سماحة السيّد: لا، في أيّام الحيض لا يجوز قراءتها.
سبب تأخّر البلوغ عند الصبيان
السؤال: لماذا بعض الشباب يتأخر بلوغهم إلى الرابعة عشر والنصف، ما سبب ذلك؟
سماحة السيد: هل تقصدون النساء أم [الذكور]؟
الحضور: المقصود الشباب الرجال.
جواب سماحة السيّد: هذا ليس تأخّرًا [بالنسبة] للذكور، فالتأخُّر يكون بعد الخامسة عشر. فالأمزجة مختلفة والشواكل [أي الخصوصيّات البدنيّة] مختلفة في الأفراد، واختلاف المناطق [يؤثّر في ذلك أيضًا]؛ ففي المناطق الحارّة يتقدّم طبعًا بلوغ الأفراد، أمّا في المناطق الباردة يتأخّر بلوغهم. كما أنّ هناك اختلاف في خصوصيّات الأفراد، فالغدَد الموجودة في شخص ربما تكون فعاليّته في البلوغ أقوى منها في الآخر. ولهذا نحن نرى تقدّم بلوغ بعضهم وتأخُّر البعض، فهذا يرجع إلى اختلاف الأمزجة.
حكم اليوغا ومثيلاتها
السؤال: هل يجوز القيام بالتدريبات الجسديّة مثل اليوغا عند الهنود، وذلك لزيادة حسن التركيز العالي والصفات الروحيّة (...۱)؟
جواب سماحة السيّد: نعم، يمكن للشخص أن يستفيد مِن هذه الأعمال والرياضات كاليوغا، ولكن الأحسن أن تقوم بالأمور المدوَّنة في الكتب الأخلاقيّة لذلك، وهذا يعود إلى خصوصيّة كلّ فرد ومعرفته وحاله حتّى لا يقع في الجهل. واليوغا لا إشكال فيها ولا ضرر، على أيّ حال لا يوجد إشكال، وأطباء النفس في هذا الزمان يوصون ويأمرون برياضة اليوغا لتركيز الفكر وحضور القلب.
الفرق بين الولاية التكوينيّة والتشريعيّة وتكليفنا اتجاهها
السؤال: الولاية هي مِنَ أهمّ الأمور الّتي يجب على كلّ إنسان الاعتقاد بها، فهل الولاية هي الولاية الحاكميّة، وكيف يتمّ تحديد الوليّ الحاكم، وهل يمكن تعدّد الأولياء الحاكمين؟
جواب سماحة السيّد: الولاية ذات مراتب متعدّدة، والولاية الحقيقيّة والأصليّة والتكوينيّة هي سبب وعلّة الولاية التشريعيّة والّتي يُصطلح عليها الآن بالحاكم والحاكم الشرعيّ وحاكم أمور المسلمين؛ أمّا الولاية التكوينيّة تختص بالإمام عليه السلام أي الإمام المعصوم، وولايته ولايةٌ مطلقة لا حدّ لها ولا أمد ولا مدّة ولا زمان ولا مكان، ونحن نسمّيها بالولاية المطلقة. والولاية التكوينيّة [ليست مختصة بالمعصومين، بل يمكن لغيرهم أن يصلوا إليها أيضًا] فغير المعصومين يمكن لهم شقّ القمر وردّ الشمس وإحياء الموتى والإماتة وغيرها مِنَ الأمور الّتي نراها مِنَ المعصومين، فمِنَ الممكن أن تصدر هذه الأمور مِن غير المعصومين إذا وصلوا إلى هذه المرتبة مِنَ الولاية. أمّا الولاية التشريعيّة أي ولاية الحاكم، نعم ففي الحكومة الإسلاميّة لا بدّ أن نلتزم بولاية الحاكم ولا يجوز لنا التخلّف عنه، بل يجب علينا طاعة أوامر الحاكم الإسلاميّ، وقد أمرنا الشارع بطاعته والالتزام معه. هذه الولاية التشريعيّة، أمّا الولاية الحقيقيّة أي الولاية التكوينيّة فهي مختصّة بالإمام والولي الّذي وصل إلى مرتبة التوحيد.
حكم التشبُّه بالغرب
السؤال: هل يجوز التشبّه بالغرب وتقليدهم في قصّات الشعر بالنسبة للأولاد والبنات؟
جواب سماحة السيّد:... التشبّه بالغرب حرام مطلقًا. فمِن الممكن مثلًا أن يقصّر الشخص شعر ابنته أو شعره بشكل كذا، فلا إشكال هنا، ولكن إذا قصّر بنيَّة التشبُّه بالغرب في هذا التقصير والشكل، فهذا حرام. وكذلك ارتداء الملابس إن كان ارتداؤها هو مِن حيث تقليدهم؛ فمِنَ الممكن لشخص مثلًا أن يلبس لباسًا ويُلبسه لأولاده لأنّه يراه جميلًا وحسنًا، فهذا لا إشكال فيه. أمّا المؤمن والمسلم إذا لبس أو جعل شكله وموقعيَّته وحياته وخصوصيّاته هي تقليد للغرب، يعني الغرب هو مَن أخرج هذا أوّلًا، والإنسان مِن حيث التشبّه بالغرب والتقليد له يفعل ذلك، بحيث أنّه لو لم يفعله الغرب لَمَا فعله المسلمون، فإذا كان الأمر كذلك فالتشبّه بالغرب حرام.
حكم في موردٍ خاصٍّ
السؤال: إذا اضطررنا أن نخرج مِنَ المدرسة يومًا مِن دون علم أحد، وكان أبي ينتظرنا في الخارج ليأخذنا في نزهة، وفي اليوم التالي استأذنّا المدير وكذّبنا وقلنا أننا ذهبنا إلى الطبيب، فهل يجوز؟
جواب سماحة السيّد: هذا لا يجوز.
كيفيّة التعامل مع الرجل الكامل
السؤال: هل مِن صفات الرجل الكامل أن لا يبرز نفسه للناس وحتّى للأشخاص الّذين يرون أنّه هو الكامل؟
جواب سماحة السيّد: إذا كان [الشخص] كاملًا فهو [أعلم] بنفسه مِن غيره فهو يعلم ماذا يفعل. فعلى هذا، لا يجوز لنا إذا كان الشخص كاملًا أن نقول: هل يجوز أن يفعل كذا أو لا يجوز أن يفعل كذا. لأنّ هذا مخالفٌ للكمال. كما هو الحال مع الإمام عليه السلام، فلا يجوز لنا أن نقول: يجوز للإمام أن يفعل كذا أو لا يجوز أن يفعل كذا. لأنّ الإمام أعرف مِن الجميع بحاله وبالأمور الّتي ينبغي أن يهتمّ بها. على هذا، فالكامل إذا كان مُكلّفًا ومأمورًا مِنَ الله تعالى أن يأخذ مثلًا بيد هذا الشخص فهو حتمًا سيأخذ بيده، وإلّا لن يُظهر نفسه لهذا الشخص ليعرفه. فنحن إذا فرضنا أنّ الرجل كامل فلا يجوز لنا أن نقول صفاته [كذا]، وأنّه مثلًا يجوز له أن يفعل كذا أو لا يجوز.
هل يجب أن يكون في كلِّ زمان وليّ فقيه
السؤال: هل يجب أن يكون في كلّ زمن وليّ فقيه بمثابة النائب للإمام عليه السلام، بحيث يتوجب علينا اتّباع أوامره ونواهيه، أم أنّه يمكن أن يمر زمن مِن دون وليّ فقيه؟
جواب سماحة السيّد: لا يجوز!! بل يجوز؛ ففي أكثر الأزمنة لم يكن يوجد وليّ فقيه... ولكنّ المهمّ أن يكون في كلّ زمان مجتهد يجتهد ويفتي للناس، ويجب على الناس أن يرجعوا إلى هذا المجتهد والفقيه ويتّبعوه ويطيعوه ويسمعوا أوامره ونواهيه، هذا هو المهمّ عند الله تعالى وهو أن يقدَّر للمسلمين ويُعيّن لهم هؤلاء الأفراد... أمّا [هل] لا بدّ أن يكون هذا المرشد وليًّا مِنَ الأولياء ووصل إلى هذه المرتبة مِنَ الولاية؟ لا، فإنّ هذا غير لازم، فيمكن أن يكون الوليّ غير معروف بين الناس وغير مؤهّل لإصدار الفتوى.
هناك تتفاوت بين المسألة السلوكيّة ومسألة إصدار الفتوى وتصدي المجتهد الفقيه للحكومة؛ فكلّ شخص أراد أن يسير ويسلك إلى الله تعالى ويفعل ما يُرضي الله تعالى، فسيأخذ اللهُ تعالى بيده ولو كان ذاك الشخص غير مجتهد. وبالنسبة للتقليد، فالله تعالى يعيّن في كلّ زمان مجتهدًا عادلًا ليرجع الناس إليه ويقلّدوه، أمّا [هل] يجب أن يكون هذا وليًّا فقيهًا يتصدّى للحكومة؟ كلّا، فهذا غير لازم، ونحن نجد أنّ أكثر الأزمنة – منذ زمن النبيّ إلى زماننا هذا – لم تكن فيها حكوماتٍ بيد الفقهاء والمجتهدين، نعم قد تحقّق ذلك في بعض الأزمنة فقط.
مناط الضلال والهداية عند السالك
السؤال: نرجوا منكم أن تحدّثونا عن مراحل النفس وتغيّراتها؛ مثلًا أحيانًا تكون حالة السالك جيّدة وأحيانًا سيّئة، أرجو أن تشرحوا لنا كيفيّة هذا التغيّرات وسببها؟
جواب سماحة السيّد: للسالك حالات مختلفة؛ فقد يكون في حالة انبساط وقد يكون في حالة انقباض، ولا دلالة لهذا على الضلال والغواية ولا على الرشد والهداية. فالله تعالى يوجب للسالك حالة خاصّة وفق ما يراه مناسبًا له في كلّ زمان وموقف، والعمدة عند السالك أن ينظر في أحواله ويراقب [نفسه] بالمجاهدة والرياضة الشرعيّة،وأن ينظر إن كان قد ارتكب خطأ أم لا، صدر منه ذنب أم لا، قصّر أم لا. أمّا حالات الانقباض والكسل الّتي يجدها، فمِنَ الممكن أن لا تكون مرتطبة به أصلًا، فهي مِنَ المسائل السريّة المرتبطة بعوالم أخرى. فإذا وجد نفسه في حالة انبساط وانشراح، فهذا لا يدلّ على أنّ حالته جيّدة، بل إذا رأى أنّ – وهذا هو الأمر المهمّ – له رغبة في العبادة والإنفاق والإيثار ورفض الأنانيّة والشهوات، فهذه حتمًا حالة روحانيّة، أمّا إذا كان الأمر خلاف ذلك، يعني إذا لم يجد في نفسه روحانيّة وميل للإنفاق والإيثار ولا يجد في نفسه رغبة في خدمة الخلق وهكذا، فهذا دليل على أنّ حاله غير مناسبة. وأمّا صِرف الانقباض والانشراح، فلا يدلّان على حُسن حاله وعدم حُسنها، فهي مِنَ الأمور الّتي قد تكون مرتبطة بأعمال الإنسان اليوميّة وخطوراته وتخيّلاته وأوهامه، وقد لا تكون مرتطبة بالإنسان بل تكون مرتطبة بأمور أخرى لا يعرفها الإنسان، فهذه مِنَ المسائل السريّة. وعلى أيّ حال فالعمدة بالنسبة للسالك هو أن يفوّض أمره لله تعالى وأن ينظر إن كانت أعماله واقعًا جيّدة أم لا، أمّا باقي الأمور فلا علاقة له بها فهي مرتبطة بالله تعالى.
هل الزواج شرط في السلوك
السؤال: هل الزواج شرط للوصول إلى الله تعالى وبلوغ المقامات العالية؟ فأحياناً يشعر السالك العابد بنقص في نفسه للوصول عبر هذا الطريق الشاق.
جواب سماحة السيّد: الزواج مسألة مهمّة، والأحسن بل المؤكّد أن لا يبقى الإنسان عازبًا، ولكن إذا قدّر الله تعالى لشخص عدم الزواج، فهذا أبدًا ليس مرتبطًا بالسلوك، فكما يمكن للشخص المتزوّج الترقّي والرُّقي والصعود في المراتب السلوكيّة، فكذلك يمكن لغير المتزوج ذلك. والأمر المهمّ – كما قلتُ – هو أن يفوّض الإنسانُ أمره إلى الله تعالى، وهو [تعالى] يقدّر الأصلح والأرجح لنا ولسعادتنا.
أنواع المكاشفات ومدى حجيّتها ومراتب تجرّد النفس
السؤال: هل المكاشفة حجّة للإنسان السالك في [عقيدته] وحياته العمليّة؟
جواب سماحة السيّد: لا، المكاشفة ليست حجّة إلّا إذا عُرضت على الخبير [وأكّد على صحّتها]، إذ يمكن أن تكون المكاشفة شيطانيّة ويمكن أن تكون رحمانيّة ويمكن أن تكون مختلطة... يعني يمكن أن يرى الإنسان بعض المسائل الحقّة وفي أثناء هذه المكاشفة يدخل الشيطان ويُرينا بعض المسائل المخالفة – وهذه المسألة دقيقة – فعندما يجد الإنسان أنّ [بعض] تلك المسائل حقّة يعتقد أنّ جميعها حقّة، وهذا هو مكمن الخطر والضلال الّذي يُبتلى به أغلب السلّاك، فهم لا يعلمون إن كانت هذه المكاشفة حقّة أم لا، فهو رأى أنّ بعضها حقّة ولا يعلم أنّ الشيطان تدخّل في هذه المكاشفة وقَرن بعض المسائل المخالفة بالمسائل الحقّة، فتراه يعتقد بصحّة هذه المكاشفة [بتمامها]. فلهذا ليست المكاشفة حجّة إلّا إذا الخبير تأكّد مِن صحتها وأكّد على ذلك.
السؤال: هل للمكاشفة صلة بتجرّد النفس؟
جواب سماحة السيّد: للمكاشفة مراتب؛ مرتبة برزخيّة ومثاليّة ومراتب علميّة ونورانيّة وروحانيّة محضة. فإذا شرع الإنسان في السلوك ستتجرّد نفسه شيئًا فشيئًا، وبمقدار تجرّده يشاهد بعض الأمور؛ فإذا تجرّد إلى عالم المثال سيشاهد مكاشفات مثاليّة، وإذا قَوِيَ تجرّده [واشتدّ] سيشاهد بعض الأمور الّتي هي أقوى مِن عالم المثال كالمكاشفات العلميّة والروحانيّة.
السؤال: في أيّ حالة يصل المرء بنفسه إلى الروح المجرّد، يعني متى يحصل للمرء التجرّد الروحيّ، وفي أي منزل مِنَ السير والسلوك يكون ذلك؟
جواب سماحة السيّد: هذا الأمر ليس مرتبطًا ومتعلّقًا بنا، بل هو مرتبط بالله تعالى، فالله تعالى هو الّذي يأخذ بيد السالك، وشيئًا فشيئًا يُجرّد نفس السالك حتّى يصل إلى مرتبة الروح الكليّ والتجرّد الكليّ. على أيّ حال، فالتجرّد الكليّ والتجرّد التامّ هي مراحل تَفنى عندها أنانيّة الإنسان وتُمحى ويزول كلّ ارتباط له بنفسيّته وشهواته وروحانيّته بحيث لا يبقى مِنَ الإنسان شيء، يعني يصل الإنسان إلى مرتبة وفي هذه المرتبة لا يفهم شيئًا (بمعنى أنّه لا يلحظ أنّ نفسه موجودة)، فنحن الآن نفكّر في أنفسنا وأعمالنا وخصائصنا (...۱) [ونلاحظ] أنّنا موجودون، فنحن موجودون في هذه الغرفة ونرى الأفراد حولنا، فإذا وصل الإنسان إلى مرحلة لا يرى فيها؛ أنّه موجود أم لا، وأنّه حيّ أم لا، ولا يرى أنّ له صفات كذائيّة أم لا، فإذا وصل إلى هذه المرحلة تزول عنه جميع صفاته ونفسانيّاته وخصوصيّاته الشيطانيّة والروحانيّة كلاهما. ونحن نقرأ في الأدعية الشعبانيّة حتّى تخرق أبصار القلوب حجب النور فتصل إلى معدن العظمة وتصير أروحنا معلّقة بعزّ قدسك٢ يعني أنّ الإنسان يعبر الحُجب الظلمانيّة والشهوانيّة والحجب النورانيّة، وإذا ما عبر هذه الحجب لن يكون له بعد ذلك نفسٌ أبدًا، وهذه المرحلة هي مرحلة الفناء، وفي هذه المرحلة يتحقّق للإنسان التجرّد الكليّ، يعني كما أنّ الله تعالى مجرّد عن كلّ شيء مِن صورة ومادّة بجميع أنحائها وأقسامها، فكذلك نفسيّة الإنسان تصير بحيث لا يكون لها أثر أبدًا ولا فيها خصائص شيطانيّة وشهوانيّة ولا فيها خصائص رحمانيّة ونورانيّة، ففي هذه المرحلة لا يكون هناك فرق بينه وبين الله تعالى٣، بمعنى أنّه لا يكون هناك أبدًا نفس حتّى نقول هذا زيد وهذا عمرو.. هذا هو التجرّد الكليّ.
الطريق الوحيد لبلوغ المقامات العالية
السؤال: هل العرفان هو الطريق الوحيد للوصل إلى المقامات العالية في الله تعالى..؟
جواب سماحة السيّد: نعم العرفان هو الطريق الوحيد، ولا يوجد طريق آخر للسير والسلوك والتجرّد.
أدلة طريق العرفان
السؤال: وهل هناك أدلة على أفضليّته [أي أفضليّة طريق العرفان]؟
جواب سماحة السيّد: [نعم] إلى ما شاء الله.
طُرق تفسير القرآن ومدى حجيّتها
السؤال: يُقال أنّ بعض العرفاء يفسّرون القرآن الكريم وفق مكاشفاتهم وليس بالاعتماد على الأحاديث.
جواب سماحة السيّد: لتفسير القرآن الكريم طُرق شتّى؛
مثلًا نجد النحويّين يفسّرون القرآن بلحاظ القواعد والمواضيع والعوامل النحويّة، كملاحظة كيفيّة المبتدأ والخبر، والفرق بين التمييز والحال والبدل وغير ذلك مِنَ القواعد.
أمّا أهل البلاغة والأدب فيفسرون القرآن بلحاظ البلاغة. فالزمخشريّ مثلًا يفسر القرآن بلاغيًّا ونحويًّا، ففي مثل آية{رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ فَمَنْ تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي}۱، فالمراد بـ {إِنَّهُنَّ}هم الأصنام، والحال أن ضمير (هُنَّ) في البلاغة والأدب يُستعمل لذوي العقول مِنَ الإناث، فلماذا استعمله الله تعالى هنا للأصنام، فهذه مسألة أدبيّة وبلاغيّة.
فللأفراد مراتب مختلفة في تفسير القرآن [ولهم مناهج تفسيريّة مختلفة بحسب العلوم الّتي يعتمدون عليها].
أمّا المؤرّخون فيفسّرون القرآن بلحاظ التنزيل، فيقولوا مثلاً هذه الآية نزلت في الحدث الفلانيّ وتلك الآية نزلت في الشأن الفلانيّ، وهذه الآية نزلت في موطن كذا، وتلك الآية نزلت في الأمور التاريخيّة.
وبعض المفسّرين يفسّرون القرآن بلحاظ المسائل اليوميّة والعالميّة والعلوم الجديدة والحديثة، كالطنطاويّ وغيره مِن مفسّري مصر، مع أنّ هذا النوع مِنَ التفسير خطأ عظيم وكبير لأنّ القرآن لا يمكن تفسيره بهذا [النحو]، فالعلوم الحديثة تدريجيّة وهي دائمًا في طور التكامل، فلو قلنا أنّ المقصود مِن هذه الآيات هو هذا العلم، والحال أنّ هذا العلم يمكن أن يتبدّل.. إذ جميع العلوم أو أكثر العلوم الحديثة هي في طور التكامل وتحت التجربة، والحال أنّ مضامين القرآن لا تحتاج إلى التجربة بل هي فوق التجربة وأعلى مِن كلّ تجربة، فهي تكشف عن الواقعيّة وعن نفس وحقيقة الأمر. فعلى هذا نرى أنّ ما يقوم به المفسّرون مِن مطابقة الآيات على المسائل الحديثة والجديدة لهو خطأ كبير، هذا ما يقوم به بعض المفسّرين.
كما نجد بعض علماء الشيعة يفسّرون القرآن بالأحاديث فقط، فكلّما وجدوا حديثًا عن الإمام المعصوم عليه السلام تراهم يطبّقون القرآن عليه، مع أنّه مِنَ الممكن أن يكون هذا الحديث خطأ، أو أنّ الحديث هو وِفق فهم الراوي للآية، والحال أنّه ليس تمام معنى الآية.
والحكماء يفسّرون القرآن وفق القواعد العقليّة وطبق القوانين المدوّنة في الحكمة، كتفسيرهم للآيات الّتي هي بصدد تبيين التوحيد والقوانين الحِكميّة والنظام الأحسن كآية{لَوْ كَانَ فِيهِمَا آَلِهَةٌ إِلَّا اللهُ لَفَسَدَتَا}۱، وآيات التوحيد كسورة التوحيد{قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ ، اللهُ الصَّمَدُ٢}، فيفسّرون كيفيّة صمديّة الله تعالى، وآيات سورة الحشر والحديد وكلّ الآيات الّتي فيها مبنى مِنَ مباني الحكمة، فنجد المفسرين الفلاسفة مِنَ الحكماء الإسلاميّين يفسّرونها طبق القواعد والمباني الحكميّة.
على كلّ حال، فكلّ يفسّر الآيات بحسب منهجه واختصاصه وبحسب ما يفهمه. ويمكننا القول أن بعضه صحيح وبعضه غير صحيح؛ مثلًا لا يمكننا القول أنّ تفسير النحويّين غير صحيح، لأنّ النحويّ ليس بصدد تفسير الآيات وفق القوانين الحكميّة بل هو يفسّر وفق القوانين النحويّة والأدبيّة وغير ذلك، أي بحسب ما يرى ويعلم مِنَ القوانين [اللغويّة] السائدة في الجاهليّة والمستفادة مِنَ الأشعار الأدبيّة والقوانين المتّفق عليها بين كلّ الأدباء وعلماء النحو. وكذلك المفسّرون مِنَ المؤرّخين، فليس لنا أن نقول بعدم صحّتها لأنّه يطبّق الآية على الموقف الكذائيّ والقصّة الكذائّية. على كلّ حال، فكلٌّ يُبيّن الآية ومغزاها وفق ما فهمه وعلِمه؛ فإن كان معه دليل وحجّة فلن يؤاخذه الله، وإن لم يكن معه دليل وحجّة فسيؤاخذه الله، وهذا أمر معروف.
وكذلك الأمر في [التفسير العرفانيّ]، فنجد بعض العرفاء يفسّرون الآيات وفق ما يشاهدونه مِن باطن سرهم ومكاشفاتهم، مِن مكاشفات صوريّة ومعنويّة وروحانيّة. وعلى أيّ حال، فكما نُقرّ بإمكانيّة خطأ باقي المفسرين مِنَ المؤرّخين والنحويّين والمحدّثين، كذلك نقرّ بإمكانيّة خطأ التفاصيل الّتي صدرت مِنَ العرفاء. ولا يمكننا القول أنّ كلّ ما يصدر مِن جميع العرفاء بأيّ نحوٍ كان وفي أيّ مرحلة ومرتبة مِنَ المراتب فهو صحيح. أحيانًا كنّا نجلس مع العارف الكبير السيّد هاشم الحدّاد (أرواحنا فداه ورضوان الله تعالى عليه) وكان السيّد الوالد مرّة يقرأ مِنَ التفسير المنسوب إلى محي الدين بن عربيّ، وظاهرًا كان يقرأ سورة نوح {رَبِّ لَا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكَافِرِينَ دَيَّارًا}٣، وفي ذيل هذه الآية قرأ مطالبًا، فاعترض السيّد هاشم وقال: العارف لا يقول بهذه المعاني، حتمًا هذا التفسير لا يَنتسب إلى محي الدين بن عربيّ، لأنّ محي الدين لا يقول بهذا، بل هذا التفسير منسوب إلى عبد الرزّاق القاسانيّ. هل التفتُّم... كان صاحب هذا التفسير ومؤلّفه قد قال أنّ النبيّ نوح (على نبيّنا وآله وعليه السلام) قد أخطأ في دعائه لله تعالى بهذا الدعاء، أي لا يجوز له أن يقول {رَبِّ لَا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكَافِرِينَ دَيَّارًا}، لأنّه مِنَ الممكن أن يخلق الله تعالى مِنَ الكافر رجلًا مؤمنًا...
فكان أمير المؤمنين عليه السلام يقول: لا تقولوا محمّد بن أبي بكر، بل قولوا محمّد بن علِيّ، فإنّ محمّد بن أبي بكر ابني وولدي. وكان مِنَ [الأربعة] الّذين [قال فيهم] الإمام الرضا عليه السلام: شيعة علِيّ أربعة، سلمان وأبو ذرّ ومقداد ومحمّد بن أبي بكر. حتّى أنّه لم يذكر عمارًّا. فقد كان محمّد بن أبي بكر أعلى مقامًا مِن عمّار مِن هذه الحيثيّة. فقد قدَّر الله تعالى بمشيئته أن يَخرج مِن صُلب أبي بكر – هذا الرجل... الغاصب للخلافة وعدوّ أمير المؤمنين عليه السلام – هذا الولد الطيّب الطاهر الّذي هو مِن أفضل شيعة أمير المؤمنين عليه السلام. فلهذا اعترض المؤلّف قائلًا أنّه لا يجوز للنبيّ نوح أن يقول {رَبِّ لَا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكَافِرِينَ دَيَّارًا}، لأنّ الله تعالى قد يرزق الكافر ولدًا مؤمنًا. [أقول: لقد أخطأ هذا المفسِّر] لأنّ ليس المقصود مِنَ هذه الآية هذا المعنى، بل المقصود شيئًا آخر. والمهمّ أنّ السيّد الحدّاد قال: هذا التفسير حتمًا [ليس لابن عربي]. [أقول:] هذا التفسير للقرآن الكريم هو مِن مجلدين وقد اخلتفوا فيه، فبعضهم يقول أنّه منسوب لمحي الدين بن عربي، وبعضهم يقول أنّه منسوب لعبد الرزّاق القاسانيّ. والسيّد الحدّاد عبّر هكذا: نحن متأكّدون أنّ هذا لا يجوز نَسبه إلى محي الدين بن عربي، لأنّ محي الدين لا يقول بهذا. [أقول:] فعلى هذا لا يجوز لنا القول أنّ كل ما يُفسّره ويقول به العارف في تفسير القرآن هو حسنٌ وصدقٌ – مع أنّ عبد الرزّاق القاسانيّ كان مِنَ العرفاء ولكن لم يكن مِنَ الكاملين – بل لا بدّ مِنَ التأمّل في كيفيّة التفسير... وقد قلتُ لكم أنّه لا بدّ مِن عرضه على الخبير المؤهّل لذلك؛ فإن أقرَّه وأكّد صحته فيجوز الأخذ به، وإلّا فلا يجوز الأخذ بالتفسير الصادر مِن العارف والمبنيّ على مكاشفاته.
مداخلة أحد الحضور: أتقصد الأستاذ؟
سماحة السيّد: نعم، الأستاذ، نعم.
إن شاء الله سنتحدّث في الجلسة التالية عن بقيّة المسائل والإشكالات.
والسلام عليكم وعلينا وعلى جميع عباد الله الصالحين ورحمة الله وبركاته.
[إقامة الصلاة بإمامة سماحة السيّد] ۱