المؤلّفآية الله السيد محمد محسن الحسيني الطهراني
القسمالمناسبات الإسلامية
المجموعةالنصف من شعبان
التاريخ 1434/08/15
التوضيح
ما معنى جمع العقول وإكمال الأخلاق في الحديث الوارد عن الامام الصادق عليه السلام >إِذَا قَامَ قَائِمُنَا وَضَعَ اللَّهُ يَدَهُ عَلَى رُؤوسِ الْعِبَادِ فَجَمَعَ بِهَ عُقُولَهمْ وَأكملَ به أخلاقهم<. أفلسنا الآن نستعمل عقولنا بالفعل؟ وما هو الفرق بين زماننا والزمان الذي كان يعيش فيه الإمام الصادق عليه السلام بحيث أنّه لم يرَ أنّ زمانه لائق بكونه زمانًا للظهور؟! هذه المطالب المهمّة تعرّض لها سماحة آية الله السيد محمد محسن الطهراني قدس سره في المحاضرة التي ألقاها في النصف من شعبان عام 1434هـ في قم المقدسة خلال احتفال تعميم بعض طلبة العلم في هذه المناسبة العطرة لميلاد صاحب الزمان عليه السلام.
هو العليم
دور إعمال العقل في تهيئة الظهور
محاضرة يوم النصف من شعبان سنة ۱٤٣٤ هـ ق
محاضرة ألقاها
آية الله الحاجّ السيّد محمّد محسن الحسينيّ الطهرانيّ
قدس الله سره
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين
وصلّى الله على سيّدنا و نبيّنا أبي القاسم محمد
وعلى أهل بيته الطاهرين
واللعنة على أعدائهم أجمعين
معنى وضع الامام القائم يده على رؤوس العباد
يقول الإمام الصادق عليه السلام عن ظهور حضرة بقيّة الله عجّل الله فرجه الشريف: «إِذَا قَامَ قَائِمُنَا وَضَعَ اللَّهُ يَدَهُ عَلَى رُؤوسِ الْعِبَادِ فَجَمَعَ بِهَ عُقُولَهمْ وَأكملَ به أخلاقهم».
المقصود من قوله عليه السلام: «فجمع به عقولهم»؛ أي أوصلها إلى مرتبة الجمع والإتقان وأخرجها من حالة التشتّت والافتراق واختلاف الأنظار.
والمقصود من قوله: «أكمل به أخلاقهم»؛ أي أوصل أعمالهم وتصرفاتهم، والعلاقات التي يقيمونها إلى مرتبة كمال الإنسانية.
إنّ هذه الرواية لعجيبةٌ جدًّا، و قد طرقت سمع الكثيرين، وهي تبعث الإنسان على التفكير بأنّه كيف سيحصل هذا الأمر؟ وما هو معنى جمع العقول؟ وما المراد من كمال الأخلاق؟ أفلسنا الآن نستعمل عقولنا بالفعل؟! ألسنا نفكّر عندما نريد اتّخاذ قرارٍ ما؟ فما هو الاختلاف الذي سيطرأ بين هذا الزمان وذلك الزمان؟! وما هو الوضع الذي كان يعيش فيه الإمام الصادق عليه السلام والظروف المحيطة به بحيث أنّه لم يرَ أنّ زمانه لائقًا بكونه زمانًا للظهور؟!
قصة الإمام الصادق عليه السلام مع الخراساني الذي طالبه بالقيام
ذكرنا سابقًا في ليالي شهر رمضان المبارك في قضيّة هارون المكّي بأنّ شخصًا من خراسان جاء إلى الإمام الصادق عليه السلام طالبًا منه النهوض والثورة ضدّ حكومة الظلم والجور... ولكن ما هي حكومة الظلم والجور التي نتحدّث عنها؟ إنّها حكومة بني العباس، وبنو العباس كانوا يقيمون الصلاة، ويصلّون صلاة الجمعة ويخطبون في الناس على المنابر ويرسلون خطباءهم ومبلّغيهم إلى أنحاء البلاد لتبليغ الدين! كانوا أفرادًا من هذا القبيل! ولكن مع ذلك كان حكمهم طافحًا بالظلم والجور، وكانت حكومتهم حكومةً غاصبةً، وهذا الأمر كان مفهومًا لدى الناس؛ وذلك أنّهم كانوا يدركون أنّ إقامة الصلاة وإرسال الخطباء إلى هنا وهناك تتعارض مع الظلم والجور، فهم كانوا يحسّون بالظلم والفساد؛ ولهذا السبب كانوا يأتون إلى الأئمّة عليهم السلام، إذ لو كان المطلوب مجرّد إقامة الصلاة والصوم والحجّ، فإنّ بني العبّاس كانوا يقومون بذلك، فهو أمرٌ سهل، ولما كان هناك دافع للناس أن يلجئوا إلى الأئمّة عليهم السلام.
و من هنا يظهر جليًّا أنّ أداء الشخص للصلاة والعبادات لا يتنافى مع كونه ظالمًا معتديًا، بل إنّ إقامة الصلاة والصوم ـ وبشكل عامّ إقامة الشعائر الدينيّة بصورتها الظاهريّة ـ يعدّ طريقًا يمكن سلوكه للوصول إلى رغبات النفس، وجسراً يعبر الإنسان من خلاله إلى أهوائه وميوله النفسانية.. فهذا أحد الطرق لذلك.
حسنًا.. لقد جاء هذا الشخص إلى الإمام الصادق عليه السلام، وطلب منه القيام والثورة، ولكن هل يستطيع الإمام عليه السلام أن يقوم بذلك لوحده؟! فالإمام لا يبني أموره على الإعجاز والأمور الخارقة للعادة كشقّ القمر وما شابه ذلك، بل لابدّ أن يكون هناك أفراد يتحرّكون لمساعدته، وتقديم العون له.. أفرادٌ يسمعون كلامه فيطيعونه؛ فإذا قال لهم الإمام: اقعدوا، قعدوا، وإن قال لهم: تحرّكوا، فإنّهم يتحرّكون، وإن قال لهم: قوموا بهذا العمل، فإنّهم يبادرون لذلك، وبشكل عامّ تجدهم يطيعون الإمام في كلّ ما يأمرهم به.
ولكن هل كان مثل هؤلاء الأفراد موجودين في ذلك الزمان أم لا؟ إن كانوا موجودين وحاضرين، فلماذا قصّر الإمام عليه السلام ـ وحاشاه من التقصير والعياذ بالله ـ في أداء هذا الواجب المهمّ، أمّا إن لم يكونوا موجودين، فلنا أن نسأل: ما هو العامل الذي تسبّب في عدم توفّرهم آنذاك؟ فالناس في ذلك الزمان كانوا يصلّون هذه الصلاة، ويصومون شهر رمضان ويحجّون في كل عام أيضًا، فالحجّاج كانوا يتقاطرون من كلّ مكان إلى مكّة المكرّمة، بل إنّ الحجّ في ذلك الزمان كان أصعب، وكان يستغرق أشهرًا عديدة، فالحاجّ كان يتحمّل هذه المشاق وليس مثل زماننا حيث يصل الإنسان خلال ساعتين إلى هناك.
حسنًا، لقد كانوا يؤدّون جميع هذه الأعمال، فما هي القضيّة التي كانت في ذلك الزمان بحيث أنّ الإمام عليه السلام لم يكن لينهض في مواجهة الظالمين، وبحيث ظلّ الأئمّة عليهم السلام في ذلك الزمان صامتين وغير قادرين على النهوض والقيام؟! فالإمام الرضا عليه السلام لم يكن قادرًا على النهوض والقيام، وموسى بن جعفر عليه السلام لم يكن قادرًا على النهوض، وكذلك الإمام الصادق...
حسنًا، لقد جاء ذاك الرجل الخراسانيّ، وبدأ بالاعتراض على الإمام الصادق قائلًا: إنّ لك مائة ألف رجلٍ من أنصارك في خراسان لوحدها فضلًا عن باقي البلاد؛ فلمَ لا تنهض وتثور على هذه الحكومة الجائرة؟! فهذا اعتراض صريح من هذا الرجل، والإمام ينبغي عليه أن يجيب على هذا الاعتراض، وهنا لو قال الإمام له: ليس الوقت الآن مناسبًا، ولا الظروف مؤاتية لمثل هذا العمل، لأجابه هذا الرجل: بالعكس، بل الوقت مناسبٌ جدًّا.
فنحن نرى بأمّ أعيننا كلّ هؤلاء الأفراد الذين ينادون: يا حجّة بن الحسن! أين ذهب كلّ هؤلاء؟! إنّهم حاضرون وجاهزون. فالأفراد الموجودون في هذا الزمان والذين يطالبون بالتحرّك في مقابل بعض الأحداث لا يختلفون عن أفراد ذلك الزمان، فمثل هؤلاء كانوا موجودين في زمان الإمام الصادق عليه السلام، ونحن لم نختلف عنهم كثيرًا! لقد كانوا موجودين في ذلك الزمان، كما أنّهم موجودون الآن أيضًا، و هذا الشخص إنّما جاء بصفته نائبًا لهؤلاء وممثلًا عنهم أن: اذهب إلى الإمام الصادق عليه السلام، وأخبره أنّنا جاهزون وحاضرون لإطاعة أوامرك؛ فلماذا ما تزال قاعدًا؟! إن كنت تريد مساعدةً، فها هي.. تفضّل.
حينئذٍ، أيّ تبريرٍ يبقى لدى الإمام الصادق عليه السلام ليبقى قاعداً مراقباً لما يجري دون أن يحرّك ساكناً، و هو يرى بني العبّاس يرتكبون أفظع الجرائم، ويفعلون ما يحلو لهم من ألوان الظلم والحبس و القتل و كمّ الأفواه؟ ما هو التبرير الذي يبقى لدى الإمام حينئذٍ؟
امتحان الامام الصادق عليه السلام للخراساني
في أثناء كلام هذا الرجل مع الإمام عليه السلام، أمر الإمام خادمه أن يشعل التنّور، فأحضر الحطب ووضعه فيه ثمّ أشعل النارـ والجميع يعرف هذه القصّة، فهي قضيّة معروفة ومشهورة ـ و حينما اشتعل التنّور بشكل كامل وارتفع لهيب ناره، قال الإمام عليه السلام لذلك الرجل: يا حضرة الرجل الخراساني، يا من كنت حتّى الآن تقدّم لنا النصائح، وتدعونا للقيام وتشجّعنا عليه، تفضّل أنت أوّلًا.
فلننظر إلى المسألة بدقّة، أخبرني عن هذا القيام و التحرّك، هل يقدّمون فيه أنواع الأطعمة؟! أم هل يحصل من يشارك فيه على أنواع الحلوى اللذيذة؟! أم أنّ فيه سيفاً ورمحاً وأسهماً وجراحاً وما إلى ذلك؟ أيّهما هو الموجود؟ إنّ الحرب والقتال يختلفان عن الجلوس على سفرة تحوي أنواع الأطعمة الشهيّة اللذيذة! [فالقيام فيه آلام وجراح وموت]، ومن هنا فلتتفضّل حضرتك لتكون أوّل شخص في هذا الإقدام، ولتدخل إلى التنّور؛ لعلّ دماغك يبدأ بالعمل فلا تعود تنصح إمامك وتوجّهه إلى هذا الحدّ!
فقال ذلك الرجل: يا ابن رسول الله، ماذا تقول؟ هل تريدني أن أدخل في هذا التنّور الملتهب؟!
فأجابه عليه السلام: أجل، أريدك أن تدخل في هذا التنّور!
- ما الذي فعلته؟ و أيّ ذنب ارتكبته حتّى تعاقبني بهذه الطريقة؟!
- ألست تزعم أنّك ترغب في الشهادة في ركاب إمامك؟! ها هي الفرصة حاضرة أمامك! دع عنك القتال والسيف والرمح وتعال، فهذه فرصة حاضرة أمامك! أم أنّك كنت تريد أن تشارك في الحرب دون أن تصيب بدنك شوكة صغيرة؟!
مثل أولئك العظماء الذين كانوا في صدر الإسلام الذين كانوا أوّل من يهرب في الحرب حتّى إذا انتهت الحرب أرسلوا رجلًا ليستطلع لهم الأمور؛ فإن تبيّن لهم أنّ الأمور قد هدأت بعد أن تحمّل أمير المؤمنين كلّ تلك الجراحات، وكسرت رباعيّة النبيّ وأصيبت جبهته بحجر، وبعد أن يعلموا أنّ المشركين فرّوا هاربين.. حينئذٍ كانوا يرجعون قائلين: الحمد لله! الحمد لله! لقد انتصر الإسلام!
وبحمد الله نحن كذلك أيضاً، فأمثال هؤلاء كثيرون! وتجد هؤلاء يأتون بعد ذلك ليصبحوا حكّام المسلمين وخلفائهم، و لطالما كان الأمر كذلك!
حسنًا، يقول له الإمام عليه السلام: هيّا، تفضّل إلى هذا التنّور.
فيجيبه: يا ابن رسول الله، ماذا فعلت وأيّ ذنب ارتكبت؟ ويحاول أن يتملّص من هذا الأمر ويعتذر عن امتثاله.
فيقول له الإمام عليه السلام: حسنًا، لا بأس، لقد كنّا نمزح معك فقط (هذا الكلام منّي أنا طبعاً، فالإمام عليه السلام لم يكن يمزح).
دخول هارون المكي التنور بأمر الامام عليه السلام
ثمّ بدأ الإمام بسؤال هذا الرجل عن أحواله وأحوال القوم الذين جاء من عندهم، وهكذا تغيّر الموضوع والحديث حتّى دخل هارون المكّي وهو أحد أصحاب الإمام عليه السلام، فما كاد يدخل حتّى أمره الإمام عليه السلام قائلًا: قبل أن تجلس، اذهب وادخل في ذلك التنّور، فوضع هارون المكّي حذاءه جانبًا، ودخل في التنّور بدون تردّد!
هاهنا استولى الرعب والخوف على الرجل الخراساني، وصار ينظر مشدوهًا نحو التنّور منتظرًا أن تتصاعد رائحة احتراق هارون، وصار يفكّر في نفسه قائلًا: ما الذي فعله هذا المسكين حتّى يصبّ الإمام هذا البلاء على رأسه؟!
هل التفتّم؟! إنّ هؤلاء لم يعرفوا الإمام حقّ معرفته! إنّنا لم نعرف الإمام، فنحن نتعامل معه على أساس أفكارنا وتخيّلاتنا! أمّا هارون المكّي فقد عرف الإمام، علمًا أنّ هارون عندما دخل إلى التنّور، ما دخل على أمل أن يخرج سالمًا وأن تكون النار عليه بردًا وسلامًا كما كانت على إبراهيم عليه السلام، فذلك الخطاب للنار أن: {يا نارُ كُوني بَرْداً وَ سَلاماً}۱ قد جعل النار تفقد إحراقها وحرارتها في عين اشتعالها! كلاّ، لم يكن الأمر كذلك، بل عندما دخل هارون المكّي في التنّور، دخله بنيّة أنّه سيحترق ويتفحّم! وإلاّ فلا يكون فعله عظيمًا، ولكان بإمكاننا جميعًا أن نصنع كما صنع! ولو كان هذا هو المطلوب، فإنّ الإمام سيكون عنده ـ بدلًا من مائة ألفٍ من الأنصار ـ مائةَ مليون من الأعوان المستعدين للدخول في التنّور بشرط ألا يصيبهم أيّ مكروه أو أذىً ودون أن تحرقهم النار! لو كان الأمر كذلك لأمسينا جميعًا مثل هارون المكّي بحمد الله!
كلاّ، ليس الأمر كذلك، بل إنّ هارون المكّي دخل التنّور وهو يعتقد أنّه بعد نصف ساعة سيخرجون جثّته المتفحّمة من التنّور.. بهذه النية امتثل الأمر ودخل، وأمّا ما يصنعه الإمام فهو تكليف الإمام ولا علاقة لهارون المكّي به، وفي بعض الأوقات لابدّ أن يكمل الإنسان الطريق إلى الآخر دون أن يكون هناك عودة، ومن هنا فعلى الإنسان أن يمتثل دون أن يكون عنده أمل بالنجاة والرجوع، وإلاّ فلا فائدة من هذا الامتثال. هل التفتّم؟
حسنًا، عندما شاهد الرجل الخراساني ذلك، اضطرب وانقلبت أحواله، فصار الإمام عليه السلام يتحدّث معه حتّى انقضت ربع ساعة أو عشرون دقيقة تقريبًا، فالتفت الإمام إليه وقال له: ما الذي حصل لصاحبك الذي دخل التنّور؟ اذهب وأخرجه من التنّور، فهذا المقدار كافٍ، فذهب وهو يعتقد أنّه سيخرج جثّته المتفحّمة إن كان قد بقي منها شيء، فلمّا نظر في التنّور إذا بهارون جالس فيه يلعب بالجمر والنار!!
حينئذٍ، قال له الإمام عليه السلام: حسنًا أخبرني، كم عندكم من أمثال هذا في خراسان؟ (ولا أدري لمَ صادف أن كان هذا الرجل من خراسان، ولكن على كلّ حال، لا فرق في هذا الأمر بين المناطق المختلفة، فالجميع حالهم كذلك، ولا فرق بين خراسان وسمنان وتبريز وغيرها من المناطق، فلا أهمية للمناطق بل المهم هو من لهذا الأمر اذا حصل؟!
فقال الرجل: لا يوجد عندنا اثنان من أمثال هذا!
فقال الإمام: لو كان عندي خمسة أشخاص (بحسب بعض الروايات، إذ وردتنا تعابير مختلفة في الروايات).. لو كان عندي خمسة أشخاص، لنهضت وتحرّكت!
المطلوب أفراد كهارون المكي
حسنًا، ماذا تعني هذه المسألة؟ فقد انقضت ألف ومائة وبضعة سنين منذ ولادة صاحب الزمان عليه السلام، ونحن في كلّ سنة نحتفل، ونعلّق الزينة، وفي كلّ سنة ننادي: يا حجّة بن الحسن، وفي كلّ سنّة نتحدّث عن عدله أمام الدنيا معلنين أن إذا جاء إمام الزمان، فسوف يصير كذا وكذا، وعندما يأتي فسيحلّ الأمن والعدل بحيث لو أنّ فتاةً حملت على رأسها طبقًا من الجواهر والحليّ من بلد إلى بلد لما تعرّض لها أحد بسوء، وحينما يأتي، فإنّ الذئب والنعجة سيعيشان بسلام مع بعضهما، وما شابه ذلك...
حسنًا، إنّ هذه الأمور جميعًا صحيحة، وواقعية، ولكن ما هي علاقتنا نحن بذلك؟! ما هي الفائدة التي حصلنا عليها حتّى الآن من هذه الاحتفالات التي أقمناها؟ و ما هي الثمرة التي قطفناها؟ فهذه السنة هي سنة ألف وأربعمائة وأربع وثلاثين للهجرة(۱٤٣٤هـ)، وهي تشبه سنة ۱٤٣٣ للهجرة، و هي مثل العام الذي قبله أي عام ۱٤٣٢ للهجرة، و هكذا تتوالى السنوات سنة بعد سنة حتّى نصل إلى زمان ظهور حضرته، ولكن السؤال المهمّ هو: إلى أيّ حدّ تمكّنا أن نطبّق أنفسنا مع زمان ظهوره عليه السلام ونقرّبها منه؟ وإلى أي مقدار استطعنا أن نقترب من تلك الحالة التي كانت عند هارون المكّي عندما أمره الإمام أن يدخل التنّور فدخل فيه؟ هل نحن كذلك أيضًا؟ فلنجلس ولنفكّر في هذا الأمر.
فلو جلسنا نكرّر القول: يا حجّة بن الحسن! فما الذي سيحصل؟ وما الفائدة المترتّبة على ذلك؟ ولو جلسنا سنة بعد سنةٍ واكتفينا بنداء: يا حجّة بن الحسن! طالبين من الإمام أن يظهر، فما فائدة ذلك؟ يعني لنفرض أنّ صاحب الزمان قد ظهر فعلًا، فما الذي سوف أستفيده أنا من ذلك؟ إنّ الإمام يقول لنا: هل تريدون منّي أن أظهر، والحال أنّكم مثل ذلك الرجل الخراساني؟! أم أنّكم قد أصبحتم مثل هارون المكّي وتريدون منّي أن أخرج وأظهر؟ إن كنتم ما تزالون مثل الرجل الخراساني، فهذا كان موجودًا على مدى التاريخ، وليس بالأمر الجديد! كما أنّ مجرّد أداء الصلاة والصوم والذهاب للحجّ ليست أمورًا عسيرة، وأداؤها لا يعدّ أمرًا عجيباً؛ فحتّى بنو أمّية وبنو العبّاس كانوا يؤدّون هذه الأعمال، وغيرهم كان يفعلها، فهي دائمًا تؤدّى، أليس كذلك؟ ومن هنا يظهر أنّ أداء هذه الأمور ليس صعبًا.
[وكأنّ حال الامام يتساءل:] فإذا كان الأمر كذلك، فما الذي أوجب غيبتي كلّ هذه المدّة؟ ولماذا لم أظهر حتّى الآن؟ لماذا؟ ولماذا ينبغي لي حتّى الآن أن أظلّ جالسًا ساكتًا مثل جدّي الإمام الصادق عليه السلام؟! إن كان المقرّر هو الظهور والقيام والثورة، فلماذا لم يقم أجدادي؟ ولماذا لم ينهض الأئمّة من قبلي؟! فما الفرق بيني أنا الحجّة بن الحسن، وبين أبي الإمام العسكري عليه السلام؟ فكلاهما إمام دون أدنى تفاوت، و ما الفرق بيني وبين جدّي الإمام الرضا عليه السلام الذي ظلّ ساكتاً في ظلّ حكومة المأمون حتّى انتهى به الأمر إلى أن استشهد بسمّ المأمون؟! أخبروني ما الفرق بيني وبينه؟
لا يوجد أيّ فرق، فهما شخصية واحدة لها ظهوران، فهذا الظهور اسمه الإمام الرضا عليه السلام، وهذا اسمه الحجّة بن الحسن عليه السلام، و ذاك كان اسمه الإمام الهادي، وهذا اسمه الإمام السجّاد عليه السلام... لا يوجد أيّ فرق هنا بينهم صلوات الله عليهم.
تصرفاتنا ينبغي أن تكون على أساس العقلانية لا الاحساسات
وبالتالي، فالجلوس والاحتفال، وعقد المؤتمرات ودعوة الأفراد من هنا وهناك وما شابه ذلك.. جميع هذه الأمور جيّدة، فأنا لا أقول أنّها سيّئة، ولكن السؤال هو: إلى أيّ حدّ تقرّبنا من خلالا هذه المجالس إلى صاحب الزمان، وإلى أيّة درجة اقتربنا من أفكاره عليه السلام، وإلى أيّ مقدار اقتربنا من أخلاقه وأفعاله وتصرّفاته؟ وإلى أيّ حدٍّ صارت أعمالنا نابعةً من التعقّل والعقلانيّة؟ أما زالت تصرّفاتنا مبنيةً على أساس الإحساسات؟ ألا نزال نطيع أمر كلّ أحد، وكلّما قيل لنا افعلوا كذا، بادرنا إلى فعله دون تروّي؟ بلى، ما زال هذا حالنا! ألا نزال نطيع نهي كلّ شخصٍ يأتي وينهانا عن فعل أمرٍ من الأمور؟! بلى، هذا حالنا! حسناً، إذا كان الحال كذلك، فما الفرق بين زماننا هذا وبين الوضع قبل ألف ومائة سنة؟! للأسف تجدنا كلّما أمرنا أحدهم أن: اذهبوا وافعلوا كذا، نذهب وننفّذ الأمر دون تفكير كما يفعل قطيع الغنم تماماً. وإذا قال لنا: لا تفعلوا كذا، أجبنا: حاضر، وامتثلنا الأمر والنهي.
متى جلسنا وتفكّرنا قليلاً في أنفسنا أن: ربّما كان ما يقوله هذا الشخص خطأً؟ متى جلسنا، واستخدمنا هذا العقل الذي أعطانا الله إيّاه، وفكّرنا في النهي الذي صدر من هذا الشخص بأنّه ربّما كان خطأً؟ وحتّى متى سنظلّ أسارى الأجواء العامّة والإحساسات؟! ومتى سنتخلّص من هذا الأمر؟
تشابه زماننا بزمان رسول الله
ما هو الفرق بين زماننا وزمان النبيّ صلّى الله عليه وآله؟ واقعًا ما هو الفرق بينهما؟ لقد تحدّث الحقير في كتاب «معالم عاشوراء» الذي أعمل على تأليفه حاليًا عن هذه القضيّة بأنّه: ما الذي حصل بعد النبيّ؟ وماذا فعلوا من بعده؟ لنجلس واقعًا ونتفكّر في هذه المسائل، فاليوم سيرتدي بعض أعزّائنا لباس طلاّب العلم، وهذه المطالب أنا اقولها لهم بشكل خاصّ حتّى يعلموا في أيّ مكانٍ هم يضعون قدمهم،وما هي المسؤوليّة التي يتحمّلونها على ظهورهم، فهل المسألة هي مجرّد وضع عمامة على الرأس؟ وهل ينتهي الأمر بمجرّد وضع هذه العمامة؟! إنّ ارتداء العمامة مستحبّ للجميع، فإن كنتم حتّى الآن لا تضعون العمامة في الصلاة، فابدؤوا من اليوم بلبس العمامة في الصلاة، وليس من الضروري أن يكون طولها خمسة أو ستّة أمتار، بل أيّ قطعة بيضاء من القماش تؤدّي الغرض ـ وبطبيعة الحال إن كان الشخص سيّداً فينبغي أن يضع عمامة خضراء أو سوداء، وكلّ شخصٍ بحسبه ـ، وذلك أنّ لبس العمامة في الصلاة أمرٌ مستحبٌّ، فالصلاة بالعمامة ثوابه أعظم بكثير من الصلاة بدون عمامة، وعندما تضعون العمامة في الصلاة فعليكم أن تلتزموا بالتحنّك، يعني يجب أن تضعوا طرف العمامة تحت الحنك حين الصلاة.. هكذا ينبغي أن تؤدّى الصلاة، لا بوضع العمامة كما هي على الرأس، وقد وردنا روايات كثيرة تؤكّد على التحنّك في الصلاة، ومع ذلك تجد الكثير من المعمّمين لا يلتزمون بهذا الأمر، ويصلّون بدون تحنّك! فلمن إذن قال النبيّ و الأئمة صلوات الله عليهم أجمعين هذه الروايات؟! ثمّ ننادي: يا حجّة بن الحسّن، عجّل على ظهورك!!
أجل، إنّني أقول هذه المطالب من أجل أصدقائنا الأعزّاء [الذين سيتعمّمون اليوم] بشكل خاصّ، ومن أجل الجميع ومن أجل نفسي أيضًا، وهو بأّنه يجب علينا أن ننظر ونعرف ما هي الأمور التي يتّوقعونها منّا؟ فبعد زمان النبيّ صلّى الله عليه وآله، ألم يأتِ بعض الأشخاص ووضعوا روايات مجعولة؟ ألم يجعلوا رواياتٍ في فضل الأول والثاني والثالث ومعاوية، وغيرهم؟! لقد وضعوا روايات في فضل كلّ من جاء إلى الحكم، حتّى أنّهم وضعوا روايات في فضل هارون والمأمون. ألم يكن في ذلك الزمان سمرة بن جندب وأمثاله؟ ألم يأت أبو هريرة وأمثاله؟ ألم يستغلّ الفرصة طالبو الدنيا والشهوات ويدخلوا في المعركة؟! ألم يكن هناك أشخاص لا خبر عندهم عن الله، ممّن يشبهون الحيوانات ومن الغارقين في الشهوات، وقد تدخّلوا في مجريات الأحداث وصاروا يفترون الروايات عن رسول الله وهو المعصوم من الله؟! فهذه الروايات التي جُعلت في فضل الأول والثاني، هل وُضعت في زمان النبيّ أم بعد وفاته؟ ما كاد الرسول يفارق الحياة حتّى بدأت مطبعة هؤلاء بطباعة الروايات المجعولة!
يا عزيزي، لماذا لم نسمع بهذه الروايات في زمان الرسول؟! لماذا لم نسمع هذه الروايات المتعلّقة بمعاوية وأمثاله في زمان الرسول صلّى الله عليه وآله؟! ولم يقم شخص واحد ليقول لهم: إنّ هذه الروايات مجعولة ولم تكن في زمان رسول الله، ولم يزدهر سوقها إلاّ بعد وفاته، بل أخفض الجميع رؤوسهم وسكتوا! انظروا، ما هو الأمر الذي كان موجودًا في ذلك الزمان وليس موجودًا في سائر الأزمنة؟!
ذات يوم صعد معاوية على المنبر، وبدأ بامتداح نفسه والفخر بفضائله، فصاح به سمرة بن جندب قائلًا: ماذا تقول يا هذا؟! لقد اختلقت ثمانين ألف حديثٍ عن النبيّ حتّى أوصلتك إلى هذا المكان، ثمّ ها أنت تفتخر بنفسك أمامنا! لا داعي لهذه الألاعيب والادّعاءات الفارغة أمامنا على الأقلّ!
يعني أنا لا أدري [كيف استطاع هؤلاء أن يختلقوا كلّ هذه الأحاديث]، لابدّ أنّهم كانوا ينشغلون بوضع الأحاديث بدلاً من الأكل والشرب والنوم، فما أكثر الأحاديث التي وضعوها؛ فأحدهم يقول: سمعت من فم رسول الله عندما كان يفعل كذا أنّه قال في معاوية كاتب الوحي: كذا وكذا. وسمعت من رسول الله أن... وسمعت وسمعت...
و هكذا وضعوا الأحاديث مستغلّين غياب رسول الله بوفاته، وأنّه لا يستطيع أن يتكلّم ويكشف كذبهم، و من ناحية ثانية صارت الحكومة في أيدي الظالمين. ومن يتجرأ وينبس ببنت شفة، أحالوا ملفّه إلى "الكرام الكاتبين" ليؤدّبوه! و هكذا استغلّ هؤلاء الوضّاعون هذه الفرصة أسوء استغلال.
سبب تأخّر ظهور الإمام عليه السلام
حسناً، هل هذا الفعل كان سيّئاً في ذلك الزمان فقط؟! و أمّا نحن إذا جئنا الآن، و من أجل أن نصل إلى مقاصدنا وأهوائنا، قمنا بنقل مطلب كاذب عن إمام الزمان عليه السلام افتراءً عليه والعياذ بالله؛ فلا بأس بذلك!! ما الذي حصل؟ لماذا ننتقد أمثال أبي هريرة وسمرة بن جندب، ونذمّهم، ولكن إذا جاء شخص وادّعى أنّه رأى إمام الزمان في المنام وقال له: عليكم أن تفعلوا هذا الفعل؛ فلا إشكال في ذلك! يعني ألا يوجد بأس في أن ندّعي [كذباً] الآن بأنّنا رأينا إمام الزمان في المكاشفة وقال لنا: افعلوا الأمر الفلاني؟! أليس هذا مذموماً وقبيحاً؟! ما هو الفرق إذن بين هذا و ذاك؟! هل فهمتم الآن أنّنا مثل أولئك؟! هل أدركتم أنّه لا فرق بيننا؟! ثمّ بعد هذا قل: «يا حجّة بن الحسن» قدر ما تريد! هلّا فهمنا الآن أنّ هذا مسار واحد، وأنّ هذا ليس إلاّ خطًّا واحدًا، وأنّ هذا السبيل المتّبع سبيل واحد منذ القِدَم وحتّى الآن، و أنّه منهج واحد يظهر في كلّ زمان بما يناسب ذلك الزمان، ولكنّه في النهاية منهج واحد! إنّه منهج اتّباع الهوى والهوس، والانصياع لأوامر الأهواء والرغبات النفسانية يظهر في الأزمنة المختلفة بأشكال مختلفة ومظاهر مختلفة!
وبالتالي، فإنّ إمام الزمان له كامل الحقّ أن يظلّ الآن غائباً، وإذا بقي الحال على ما هو عليه، فإنّه لن يأتي حتّى بعد مائة سنة! لماذا يظهر؟ ومن أجل من يظهر؟ فهذا زمان سقيفة بني ساعدة بعينه ما زال قائماً! [فالإمام عليه السلام يقول:] ما هو التحوّل و التغيّر الذي حصل فيكم أنتم في هذا الزمان حتّى تنادوا: يا حجّة بن الحسن؟ وما هو الأمر الذي يدعوني أن أظهر وآتي إليكم؟ ما هو التغيّر الذي حصل، وما هو التبدّل الذي وقع في أخلاقكم وتصرّفاتكم بحيث يجعلني ذلك أن أخرج من وراء الستار؟ ماذا فعلتم؟ إنّكم الآن مثل أولئك، فهم بمجرّد أن مات رسول الله، تراكضوا إلى سقيفة بني ساعدة، وتركوا أمير المؤمنين لوحده، واضعين كلّ أوامر النبيّ ووصاياه تحت أقدامهم؛ والآن الأمر كذلك أيضاً دون أدنى تفاوت! فكم واحد منكم جلس ليفكّر في أنّ هذا المنام الذي نُقل ربّما كان كذباً وافتراءً واختلاقاً؟!
ضرورة اتباع مباني أولياء الله
إنّ ما كتبه الحقير في المجلّد الثاني من كتاب «أسرار الملكوت» حول القضايا التي حصلت بعد وفاة السيّد الوالد لم يكن عبثاً، بل كتبتُه من أجل هذا اليوم! ففي ذلك الزمان شرعوا باختلاق مكاشفات مجعولة وكاذبة، ومن يدّعي أنّها لم تكن كذلك، فليأت لنثبت له ذلك. هل التفتّم؟ لقد اختلقوا مكاشفات كاذبة، وأخبروا الناس بمكاشفات كاذبة ومنامات مخترعة! فما هو العامل الذي جعل الناس يسقطون في فخّ هؤلاء المحتالين الباحثين عن الفتنة؟ إنّ سبب ذلك هو إهمال مباني أولياء الله في مثل هذا الموضع حيث أمرونا أن: إذا سمعت شيئاً فعليك أن تطبّقه مع المباني أوّلًا قبل أن تقبله، لا أن تسمح لكلّ كلام أن يدخل من أذنك إلى دماغك إلى قلبك! كلاّ، لا ينبغي ذلك، بل عليك أن تجلس وتتأمّل وتفكّر، فعندما يدخل الشيء من أذنك فاستوقفه في عقلك، ثمّ تفحّصه وتأمّل فيه: هل هذه المكاشفة صحيحة؟ وهل تنطبق مع المباني؟ ما هو دليل صحّتها؟ اسأل عنها، وقلّبها يمينًا وشمالًا، فإن تبيّن لك أنّها كاذبة، فاستوقف صاحبها وحاسبه وافضح أمره، وإيّاك أن توقّره وتحترمه احتراماً مضاعفًا لأنّه رفع شأنك و قدّرك بهذه المكاشفة المختلقة.
إنّ هذه القضيّة دائمًا موجودة، ولو دقّقت في كلّ قضيّة، لوجدت أنّ هذا الأسلوب يتكرّر دائمًا. فلماذا كان الأعاظم يكرّرون الوصية لنا أن: لا تلتفتوا إلى المنامات؟ قالوا لنا ذلك حتّى إذا جاء زمان خرج فيه أحدهم وزعم أنّه رأى صاحب الزمان يدعو بالخير لفلان، فلا نستمعْ لقوله.
ألم تروا ما حصل بعد ذلك؟ هل كان إمام الزمان يدعو لهذا؟!! [يبتسم سماحة السيّد] ها قد عرفنا حقيقة هذا الإمام المزعوم! [فالإمام لا يمكن أن يمتدح مثل هذا و يدعو له!].
لقد كان هناك شخص في زمان السيّد الوالد رضوان الله عليه، ذهب وعاد ليزعم أنّه قد عثر على إمام الزمان (طبعًا هو إمام مخترع اختلقه هو)، ثمّ بعد ذلك قال لي: إنّ من يصل إلى حضرة الإمام عليه السلام، فلا حاجة له بعد ذلك بتبعيّة الأستاذ.
فقلت له: أخبرني لأرى، ما هي الدستورات والأوامر التي أعطاك إياها إمام زمانك هذا؟
فقال: من ضمن هذه الدستورات قال لي: يجب عليك أن تتناول طعامًا خاصًّا، وحتّى لو كنت في منزل السيد العلاّمة رضوان الله عليه، ودعيت إلى الطعام فاجلس على السفرة ولكن لا تمدّن يدك إلى الطعام.
فقلت له: تبًّا لهذا المنهج، ولهذا الإمام المزعوم الذي يأمرك أن تجلس على سفرة أولياء الله ولا تأكل منها، فيما ينظر إليك الجميع متعجّبين، ويتساءلون عن سرّ هذا التصرّف القبيح الذي صدر منك! هل هذا هو إمام الزمان؟!!
وقد كان هناك أمور أخرى ذكرها، و قد ذكرت واحدة منها.
و قد أرسل السيّد الوالد رضوان الله عليه شخصًا ليقول لهذا الشخص: «يا عزيزي اعلم أنّ إمام الزمان الذي تتّبعه ليس إلاّ شيطانًا، فلا تقولنّ غدًا: إنّ الأولياء شاهدوا ما كنّا فيه من خطأ، ولم ينبّهونا ويلفتوا نظرنا»، وقد كنتُ حاضرًا بنفسي في المجلس الذي طلب فيه السيد الوالد من أحد الأشخاص أن يذهب إلى طهران ويقول هذا الكلام لذلك الرجل، ولكن ما الفائدة؟ فعندما يكون الإنسان قد أسلم قلبه ودينه وعقله وتفكيره بتمامها، فإنّ كلام الأعاظم لا يمكن أن يؤثّر فيه، ثمّ بعد مدّة تبيّن ما الذي حصل لهذا الرجل، وإلى أين وصل حاله بحيث لا يملك الإنسان إلاّ أن يتأسّف عليه.
فلم حصل ذلك، وما سببه؟ سببه عدم الاعتماد على تلك المباني وعدم اتّباعها، بل أمثال هؤلاء يتّبعون منامًا رأوه! ثمّ علاوةً على ذلك: حتّى لو كان المنام حجّةً، فيمكن أن أرى أنا منامًا مخالفًا ومقابلًا لمنامك! فأيّهما الحجّة حينئذٍ؟! فأنت ترى منامًا بذلك الشكل، وأنا أرى عكسه، وأنت ترى مكاشفة حول أمرٍ معيّن وأنا أرى عكسها، فماذا يجب أن نفعل حينئذٍ؟ هاهنا يقول [الأولياء]: لابدّ أن يحكّم الإنسان مبانيه ويتّبعها، ولابدّ أن يرجع الإنسان إلى الأصول والمبادئ الأساسية، ويجب على الإنسان أن ينظر هاهنا في تلك الحقائق والبديهيّات والضروريّات والأمور التي وصلتنا من قبل الشرع المقدّس ويهتمّ بها؛ فإنْ فعل ذلك، فلن تتمكّن حينئذٍ المنامات والشائعات وأمثال ذلك من التأثير عليه وخداعه.
وقد قال الحقير هناك، وكتبت هذا المطلب وهو أنّه: ما الفرق بين أولئك الذين اختلقوا الأكاذيب ووضعوا الأحاديث على رسول الله صلّى الله عليه وآله، وهو النبي المعصوم، وبين هؤلاء الذين ينسبون الأكاذيب الآن إلى الإمام المعصوم الفعلي؟! ذاك نبيّ وهذا إمام، فما الفرق إذًا؟! وما الفرق بين أولئك الأفراد الذين خُدعوا بتلك الروايات المجعولة على النبي، وانحرفوا عن الصراط المستقيم، فأفنوا سنوات عمرهم في التيه و الضلال، وبين هؤلاء الأفراد الذين ينحرفون الآن بسبب هذه الأكاذيب، ويضيّعون سنواتٍ طويلة من عمرهم في هذه الأوضاع، ثمّ يقولون: آخ!! هل رأيت ما حصل؟!
يا عزيزي، ليتك قلت هذه الـ «آخ» في البداية!!
تجدهم يقولون بعد فوات الأوان: آخ، هل رأيت ماذا حصل؟! هل رأيت ماذا فعل فلان؟! لقد سمعنا وأطعنا فماذا حصل؟!
يا عزيزي، كان عليك أن تقول: آخ في البداية، وليس بعد مضيّ كلّ هذه المدّة!
حسنًا، فما الفرق إذن بين أولئك الناس، وبين هؤلاء؟! وما هو الفرق بين أولئك الكذّابين الوضّاعين وبين هؤلاء الكذّابين الوضّاعين؟!
إعمال العقل والخروج من التقليد الأعمى يهيئ للظهور
وبالتالي، فإمام الزمان لن يظهر! متى سيظهر؟ سيظهر في ذلك الزمان الذي تبدأ هذه العقول التي أودعها الله فينا بالحركة، وعندما نبدأ بالاستفادة من هذا رأس المال الفطري الذي وضعه الله فينا.
أمّا إذا كنّا بحيث نتأثّر وننفعل بسبب كلام يقوله شخصٌ ما، فنبدأ بتأييد أحد الأفراد والدعاية له، ثمّ إذا غيّر صاحبنا كلامه، نقوم ثانيةً ونبدّل كلامنا ونذهب هنا وهناك! ثمّ بعد ذلك ننادي: يا حجّة بن الحسن!
إنّ هذا مثل ذاك، دون أدنى فرق!
الإمام الصادق عليه السلام يقول: «إِذَا قَامَ قَائِمُنَا وَضَعَ اللَّهُ يَدَهُ عَلَى رُؤوسِ الْعِبَادِ...» فماذا يحصل نتيجة لذلك؟... «فجَمَعَ به عُقولهم»: يعني يخرج عقولهم من التشتّت، والتفرّق، ويخرجهم من حالة اختلاط العقل بالإحساسات. حينئذٍ إذا جاء أحدهم إليكم وبدأ بالبكاء، وسالت الدموع من عينه بين يديكم، ثمّ أحضر لكم القرآن، وأقسم لكم بالأرض والسماء؛ فإنّكم ستكتفون بالنظر إليه، ولن تقعوا تحت تأثير ألاعيبه هذه!
وحينئذٍ إذا جاءكم شخصٌ له موقعيّة اجتماعيةٌ، وهيبة وشخصيّة قويّة، فإنّكم لن تتأثروا بذلك، ولن تهتموا بالهالة التي تحيط به، بل ستنظرون له دون اهتمام بهذه الأمور.
وحينئذٍ إذا رأيتم أن الأحداث قد مالت كفّتها نحو جانبٍ ما، فصار كلّ الناس يتحدّثون عن مسألة واحدة، ومال الجميع إلى طرف معيّن داعين إليه؛ فإنّكم لا تتأثّرون بكلّ ذلك، بل تقفون وتتفرّجون.. لأنّكم حينئذٍ تُعملون هذا [مشيرًا سماحته إلى رأسه كنايةً عن العقل] لا هذا [مشيراً إلى أذنه كناية عن اتّباع الأحاسيس والتأثّر بالإشاعات].
حينئذٍ، في ذلك الزمان يمكن أن نقول أنّ الأرضية بدأت تصبح جاهزة، في ذلك الزمان الذي يخرج الناس من التقليد الأعمى.. يخرجون من اتّباع قول السيّد الفلاني، ومن قولهم: إن فلانًا قال كذا فهل يمكن أن يكون كلامه خاطئًا؟! أجل يا عزيزي يمكن!
منذ زمن كنت أحضر درس «الشفاء» عند أحد الأساتذة، وفي ذلك الزمان كان لأحد الأشخاص مقام وموقعية اجتماعية، وكان أحد الطلاّب مؤيّدًا لهذا الشخص تأييدًا شديدًا، وفي أثناء الدرس [طرحتُ رأيًا معيّنًا]، فقام هذا الطالب وقال: يا سيّد إنّ ما تقوله يخالف رأي العالم فلان!
فأجبته قائلًا: إنّ رأي فلان هذا يخالف رأيي!
فقال: إه!
فقلت له: لا داعي للتعجّب! أفهل رأي سماحته وحيٌ منزل؟! كلّا ليس كذلك! إن أردت أن تردّ عليّ فعليك أن تأتي بالدليل لتثبت بطلان كلام الشخص المقابل بشكل منطقيّ، أمّا أن تأتي وتقول: إنّ كلامك يخالف رأي سماحة فلان، فهذا يصبح مجرّد شعار فارغ.
و طالما نحن ماكثون في هذه الشعارات، فإنّ إمام الزمان لن يظهر، وحتّى لو انقضت مائة ألف سنة أخرى فلن يظهر، وطالما طريقة تفكيرنا وكلامنا بأنّه: إنّ كلامك يخالف كلام سماحة فلان من العلماء، فإنّ إمام الزمان سيقول لنا: ليس هذا مكاني! وطالما نحن نقول: إنّ ما تقوله يخالف المطلب الفلاني، فإنّ إمام الزمان يقول: أنا لن أظهر! وطالما نحن لا نرى إلاّ العمامة واللحية وهذه المظاهر، فإنّ الإمام لن يظهر، وطالما نحن نهتمّ بشخصيّة الأفراد ومكانتهم الاجتماعية، فإنّ إمام الزمان لن يأتي! وطالما نحن لا نسعى لأنْ نفهم بأنفسنا، ولا نعمل على تطبيق حياتنا ومصيرنا مع مباني المعصومين عليهم السلام بحيث لا نتّبع أمرًا إلا بذلك، حتّى لو جاءت الدنيا كلّها لتقول لنا: افعل؛ فإنّ إمام الزمان لن يظهر!
أمّا حينما نستعمل هذا [مشيرًا إلى عقله]، وبدأنا نتحرك طبقًا لذلك، فصرنا لا نستمع لأيّ منام أو رؤيا تُنقل لنا، ولا نعير اهتمامًا بأيّة مكاشفة تُذكر لنا، ولا نتّبع كلام كلّ أحدٍ، بل كان اهتمامنا بالموازين والمعايير والمباني المحكمة، وذلك بأن ننظر: هل هذا المطلب مطابق للموازين أم لا؟
ما هي الموازين؟ الصدق؛ فالإنسان إنّما يمكنه الاعتماد على الشخص الصادق، وأمّا إذا سمع الإنسان بنفسه شخصًا يكذب، فهل يمكنه بعد ذلك أن يثق به؟! كلّا، فإذا جئتُ واتّبعته بعد ذلك وبعد أن تبيّن لي أنّه ليس أهلًا للثقة، فإنّ إمام الزمان لن يأتي حينئذٍ! إنّ هذا التصرّف يمثّل اتّباعًا للإحساسات، ويمثّل دوسًا على الحقّ والعدل والعقل والمذهب وتركاً لها، فلمن سيأتي إمام الزمان، فإمام الزمان يقول: أنا إنّما أريد أن آتي لأحقّ الحق وأقيم العدل! فهل أنت أعمى؟! ألم يعطك الله عقلًا؟ ألا يوجد عندك هذا المعيار لتشخّص على أساسه؟! أنا لا أطلب منك أن تدرك وتفهم ما يدركه النبيّ وأنا، فذلك أمر لن يصل إليه أحدٌ ولو بعد ألف سنة، ولا أحد يتوقّع منك ذلك، والله لا يريد منك ذلك، ولكن على الأقلّ هل عملت بذلك المقدار الذي أعطاك الله إيّاه؟! لا أريد منك إلاّ هذا، فأنا لم أطلب منك أمرًا مهمًا، ولا أريد منك أمرًا كبيرًا! هل عملت بذلك العقل الذي أعطاك الله إيّاه، وبتلك المعايير التي أعطاك الله إيّاها؟! وإذا اشتبهت، فلا مشكلة؛ لأنّني أعفو عن الخطأ والاشتباه، فنحن جائزو الخطأ، والله لم يخلقنا معصومين، ولذلك فلا مشكلة في ذلك، ولكن المهمّ هو أنّه: هل ذهبت وتحرّكت في ذلك الطريق [الذي يمليه عليك عقلك والمباني التي عندك] ثمّ اشتبهت في الأثناء، أم أنّك لم تتحرّك وتسلك ذلك الطريق من الأساس؟! إذا لم تتحرّك أبدًا، فلماذا تتوقّع منّي أن أظهر؟! فأنا لن آتي طالما الأمر كذلك، ومهما أقمتَ الاحتفالات لي، وعقدتَ المؤتمرات ودعوت الناس من كلّ أطراف الدنيا لكنّك في نفس الوقت اتّبعت نفس سبيل الآخرين، فلن يجدي ذلك نفعاً.. لا فائدة في ذلك كلّه أبدًا.. أقم الاحتفالات بقدر ما تشاء، وزيّن الشوارع، واكتب الشعر، وألقِ المحاضرات، وادعُ الناس... ولكن إلى أي شيء تريد أن تدعوهم؟!
هل تدعوهم إلى مسيرٍ أنت نفسك لا تسلكه؟! أيّة دعوةٍ هذه؟!
هل تدعوهم إلى طريقٍ لا تضع قدمك فيه؟! أيّ طريقٍ هذا؟!
هل اتّضح الأمر؟ إنّ هذا المعنى هو ما سيتحقّق في زمان ظهور حضرة إمام الزمان عليه السلام.
نعم، بدأنا نشاهد آثار هذه التغييرات، و لا يمكن أن نقول أنّ الأمل معدوم تمامًا، فهناك بعض التحرّك والتغيير يحصل شعرنا بذلك أم لا، وهناك تيّار وتحوّلات بدأت تنشأ خصوصًا في طبقة الشباب الذين لم يتلوّثوا بعدُ بهذه الدنيا، وبالأهواء والميول النفسانية، ولم تتلوّث بعدُ نفوسهم بالشهوات والكثرات والتعلّقات (آهٍ من هذه التعلّقات!!).. لم يتلوّثوا بعد بهذه الأمور، وما زال الواحد منهم يتحرّك ويتصرّف على أساس فطرته، وما يزال الكلام الحقّ قادرًا أن يدخل في نفسه ويستقرّ فيها، أكثر من ذلك الشخص الذي انقضى من عمره خمسون عامًا أو ستّون، فذاك عندما يعرض عليه الحقّ تجده يلاحظ هذا الجانب وتلك المصلحة ويراعي فلانًا و علاّنًا؛ ولذا تجده يتأخّر في قبول الحقّ والخضوع له، بخلاف الشباب؛ ولذا فإنّ الشباب أسرع في إدراك الحقّ والوصول إلى المدرسة الحقّة. فيا أيّها الشباب، عليكم أن تعرفوا قدر أنفسكم، فأنتم لا يزال قلبكم ـ بخلافنا نحن ـ غير متعلّقٍ بالكثرات أسيرٍ لها، وأنتم عند تلقّي الحقّ أحرار من مراعاة الأمور والمسائل المختلفة، والحقيقة أنّنا عندما نشاهد بعض الأحداث والمسائل التي تصدر من بعض الشباب، نشعر بسعادة كبيرة، فهؤلاء الشباب بدؤوا يتخلّصون من حالة التقليد الأعمى، ومن حالة أنّه كلّما قال شخص شيئًا، نقول له: حاضر، فآثار هذه المسألة بدأت تظهر تدريجيًّا، و لكنّ ذلك لم يصل إلى حدّ الكمال، والأمر يحتاج إلى مزيد من العمل، وإنّما هناك بوادر للتغيير تبعث الأمل وتزفّ البشرى بأنّ هذا الأمر في حالة ازدياد وتطوّر إن شاء الله، وإيجاد هذا الأمر ورعايته هو من ألطاف الإمام وعناياته وكرمه عليه السلام.
وهذه النكتة ينبغي الاهتمام بها ومتابعتها، فالنبيّ الأكرم صلّى الله عليه وآله وسلّم يقول: «إنّما بُعثت لأتمّم مكارم الأخلاق»، ولكن هل تمكّن النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم من تحقيق ذلك؟! كلّا ؛ إذ لو أنّه استطاع أن يتمّم مكارم الأخلاق، فلمَ لم يتّبع أمير المؤمنين عليه السلام من بعد وفاته إلاّ بضعة نفرٍ قليلون؟! ومن هنا يتبيّن أنّ الأمر يحتاج إلى مزيد من العمل وأنّه لم يصل بعد إلى النتيجة المرجوّة، وهذا الهدف المهمّ وهذه الرسالة ستتحقّق على يد ابنه إمام الزمان عجّل الله تعالى فرجه، ولكنّ ذلك سيكون بعد مدّة من الزمان.
معنى أن صاحب الزمان هو القائم بالحقّ والعدل
جاء في الرواية۱ التي رواها عليّ ابن إبراهيم بسنده عن الحسين بن خالد عن الإمام الرضا عليه السلام أنّه روى عن جدّه أمير المؤمنين عليه السلام أنّه خاطب ابنه الإمام الحسين عليه السلام قائلًا: «التاسع من ولدك يا حسين هو القائم بالحق»، يعني أنّه سيأتي ويظهر الحقّ في كل مجال من المجالات، فهو سيظهر الحقّ في المسائل الاجتماعية، والمسائل الأسرية، يعني: في الأسرة كيف ينبغي أن يتصرّف الزوج مع زوجته وعياله؟ وكيف ينبغي أن تتعامل المرأة مع زوجها وأولادها؟ وكيف ينبغي أن يتصرّف الإنسان مع أصدقائه ورفقائه؟ وكيف ينبغي أن يتعامل مع الغرباء؟ وكيف يجب أن يكون الحاكم؟ وكيف ينبغي أن يكون المحافظ ورئيس البلدية؟ فالإمام عليه السلام عندما يأتي، يقوم بوضع الشخص المؤهّل في محلّه المناسب، فهذا هو معنى «هو القائم بالحق»، وعندما يأتي فإنّ كلامه هو الكلام الحقّ، و لا غبار عليه، فهو ليس مختلطاً بأي شوائب، و هو لم يأتِ من أجل مصالحه ومصالح أسرته، وهو لم يأتِ رعايةً لما سيحصل السنة القادمة، ولم يأتِ من أجل أن يمنع بعض الأمور، بل جاء بالحقّ، ولذا فلا تجد في عمله مراعاةً لهذا الشخص و قبولًا لوساطةً من ذاك، وأمثال هذه الأمور، وهذا معنى "قائم بالحق". فهل الأمر كذلك الآن؟!
«والمظهر للدين».. فهو يظهر الدين.. ذلك الدين الذي جاء به جدّه رسول الله.. ذلك الدين الذي لا يميّز بين القريب والغريب.. ذلك الدين الذي يقود اتّباعُه إلى الوصول إلى تلك المرتبة من التكامل، بخلاف غيره حيث تجد الإنسان يمشي في طريقٍ من الطرق، ويسمع حكمًا من الأحكام، و يتّبع شخصًا معيّنًا ثمّ بعد عشر سنوات يكتشف أنّه ـ ويا للعجب ـ كان الحكم الذي اتّبعه خاطئًا!! أمّا مع صاحب الزمان فذلك لا يحصل، فالإمام عليه السلام إذا قال: إنّ الحكم في المسألة الفلانية هو كذا، فقد تمّ الأمر! وإن قال: المسألة هاهنا بهذا الشكل، فالأمر كما قال.
«والباسط للعدل» أي أنّه يأتي بالعدل و يقيمه.
وهنا يتعجّب الإمام الحسين عليه السلام، فيقول: «يا أمير المؤمنين وإن ذلك لكائن؟!»، فهل يمكن لذلك أن يحصل واقعاً؟! كأنّ الإمام الحسين عليه السلام لمّا رأى زمان النبيّ صلّى الله عليه و آله وأدرك زمان أمير المؤمنين عليه السلام، وشاهد ما لهم من فضائل وما قدّموه من جهود، ورأى وضع الناس وحالهم مع ذلك؛ ولذا فإنّه يتعجّب قائلًا: «وإن ذلك لكائن؟!»، فيجيبه أمير المؤمنين عليه السلام: «إي والذي بعث محمدًا صلى الله عليه وآله بالنبوة واصطفاه على جميع البرية، ولكن بعد غيبة وحيرة...» فهم لا يجدون إمامهم ولا يلاقونه؛ ولهذا السبب يقعون في الحيرة، ويصعب عليهم اتّخاذ القرار في كلّ أمرٍ مفصلي، وإذا وصلوا إلى مفترق طريق، كان انتخاب الصواب عسيرًا: هل أذهب في هذا الاتّجاه أم في ذاك؟ هل أصوّت وأعطي رأيي لهذا، أم لذاك؟ فهذا يقول: تعال إليّ، وذاك يقول: هلمّ إلي! ولا أحد يقول: اذهب نحو الطرف الثاني [يبتسم سماحة السيّد]، فذلك لم يحصل أبدًا، أخبروني هل حصل أن رأيتم المرشّح للانتخابات يقول: بصراحة إنّ المرشّح الثاني أفضل منّي، وعلينا جميعاً أن ننتخبه هو؟! إذا رأيتم شخصًا كهذا فأرجو أن تدعوه إلى منزلنا، فعندنا شغل معه! هل سمعتم أحدًا من هؤلاء الأفراد يقول: إنّ فلانًا المرشّح الآخر أصلح منّي، ورغم أنّني قد ترشّحت لهذا المنصب، ولكن الحقيقة أنّ فلانًا أصلح منّي وأكثر كفاءة فتعالوا نذهب نحوه ونؤيّده؟! أنا شخصيًا لم أسمع! وفي الحقيقة أنا لا أستمع لهذه المسائل أصلًا، فلعلّ معلوماتكم أكثر منّي! يعني ما هذا الأمر الذي علينا أن نأتي ونستمع إليه؟! فهذه الكلمات المكرّرة لا داعي لاستماعها، ولا معنى لأن يقرأ الإنسان نفس الكتاب عشر مرّات، والجريدة أيضًا لا نقرؤها إلا مرّة واحدة.
هل رأيتم أحدًا من هؤلاء الذين يدعون الناس إلى تقليدهم، ويطبعون الرسائل العمليّة ويكتبون عليها: إنّ العمل بهذه الرسالة جائز ومبرئٌ للذمّة.. هل رأيتم أحدًا منهم يكتب بدلًا من ذلك: أيّها الناس، إنّ فلانًا أعلم منّي، فاذهبوا وقلّدوه؟ هل رأيتم شيئاً من هذا القبيل؟
لا يثبت في زمن الغيبة الا المخلصون المباشرون لروح اليقين
يقول عليه السلام: «ولكن بعد غيبة وحيرة، فلا يثبت فيها على دينه إلا المخلصون المباشرون لروح اليقين، الذين أخذ الله عز وجل ميثاقهم بولايتنا وكتب في قلوبهم الايمان وأيّدهم بروحٍ منه»، فهؤلاء الأفراد مستثنون من الحيرة والضياع، أولئك الذين باشروا روح اليقين، وروح اليقين تمثّل تلك الجنبة الملكوتيّة التي يفيضها الله على النفوس، فتنقذ الإنسان في مواقع الحيرة وتكشف له الطريق، وهؤلاء هم الذي ذكرهم أمير المؤمنين عليه السلام في خطبته المشهورة حيث يقول:«وباشروا روح اليقين واستلانوا ما استوعره المترفون»۱.
هل حصل لكم أن تصلوا في حياتكم إلى مفترق طرق، واحترتم في انتخاب الطريق الأفضل، ثمّ تجدون أنّكم تمايلتم إلى جانب معيّن منهما بدون سبب؟ ثمّ بعد ذلك يتبيّن لكم أنّ الطريق الذي ملتم إليه كان ـ ويا للعجب ـ صحيحاً؛ هذا روح اليقين!
حسنًا، متى يأتي روح اليقين ويرافق الإنسان ويساعده؟ عندما يُسلم الإنسان للحقّ ويخضع له، فعندما يخضع الإنسان للحقّ، ويسلّم له، يأتي روح اليقين فيمنحه الطمأنينة: افعل هذا، ولا تفعل ذاك.. انتخب هذا، أو انتخب ذاك، أو لا تنتخب أيًّا منهما! هكذا يأتي روح اليقين وينير الطريق للإنسان، ولكنّ شرطه هو أن يكون الإنسان خاضعًا للحقّ، ومسلّمًا له تسليمًا، لا أن يكون الإنسان متماشيًا فقط.
إذا كان الرفقاء الأعزّاء يذكرون، فقد نقلت قضيّة في المجلّد الثاني من «أسرار الملكوت» خلاصتها أنّ السيّد الوالد رضوان الله عليه كان في أحد المجالس فقال مخاطبًا أحد الأعاظم: لو كنتَ هناك مكان فلان، فماذا كنتَ فاعلًا؟ و قد كنتُ حاضرًا بجانبه فسمعت ذلك الشخص يجيب بالقول: لو كنتُ مكانه لما فعلتُ كما فعل!
حسنًا لماذا قال السيّد الوالد رحمه الله ذلك؟ قال له ذلك لكي يوصل له هذا المعنى وهو: انتبه وكن حذرًا! فحيث أنّك عندك مثل هذا الاعتقاد؛ فهل يسوغ لك بعد ذلك أن تثق في كلّ مطلب وأمر؟! فأنت نفسك تقول: لو كنتُ مكانه لما صنعت ما صنع! فهل هذا الأمر محصور في هذه القضيّة أم أنّه من المحتمل أن يكون هناك قضايا أخرى مثلها أيضًا؛ إذ عندما يشتبه شخصٌ ما في أحد المواضع، فمن الممكن أن يشتبه في موضع ثانٍ وثالثٍ ورابع أيضًا، وليس الأمر منحصرًا في هذا الموضع فقط، وبالتالي فعليك أن تكون حذرًا ومنتبهًا، فأنت عالم ومن الأعاظم، ولديك فهم وإدراك عميق، ولست من المقلّدين، فينبغي لك أن تأخذ أعمالك وأصولك من المباني الحقّة، فماذا تقول هذه المباني لك؟!.. «وباشروا روح اليقين».
ولكنّنا رأينا أنّ ذلك لم يحصل، وفي النهاية نحن جميعًا مبتلون، ولذا لا نسلّم للحقّ تمامًا بل نزيد وننقص من عندنا، وعندما نواجه بعض المواقف نقول: حسنًا.. لا بأس بذلك الآن، ولنتغاضى هذه المرّة... وهكذا. ومن ناحية أخرى نجد أنّ ذلك الشخص البصير يقول كلامه ويبيّن الأمر، فإذا وجدك في بعض المواضع تغمض عينيك وتتغاضى عن الحقّ، فإنّه يغمض عينيه أيضًا. حسنًا، نحن كذلك أغمضنا عيوننا، فاذهب لنرى ماذا سيحلّ بك وإلى أين ستصل؟! ولكنّك إذا ما فتحت عينك التي وهبك الله إيّاها ولم تغمضها، فإنّ الله بدوره يبيّن لك الأمور، ويكشف لك الحقائق، ويظهر لك الأمور التي فيها عبرة لك، ويوضّح لك المسائل التي ينبغي أن تكون حسّاسًا تجاهها وتهتمّ بها.
أمّا إن أردت أن تواجه كلّ أمر بقولك: إن شاء الله.. إن شاء الله.. [دون التزام] وتمضي عنه بهذه الطريقة، فإنّ الله بدوره سيقول لك: إن شاء الله.. اذهب في سبيل وإن شاء الله سنرى ماذا سيحصل.
يقول عليه السلام: «ولكن بعد غيبة وحيرة، فلا يثبت فيها على دينه إلا المخلصون المباشرون لروح اليقين...»، فالإمام الحجّة عليه السلام سيظهر بعد هذه الحيرة، وفي هذا الزمان سيظلّ هؤلاء الأفراد راسخين وثابتي القدم.. أولئك الأفراد الذين باشروا روح اليقين.
حسنًا، لقد مضى الوقت، ومن ناحية ثانية كانت نيّتنا أن لا يكون هناك محاضرتان۱ في الأيام التي فيها مراسم تعميم؛ [يبتسم سماحة السيد] لأنّ صوت المعترضين كان قد ارتفع خصوصًا الأخوات المخدّرات أن: قد تعبنا [من طول المدّة]، و بعضهم يقول: إذا أردت أن تتحدّث فلا تقل: سأتحدّث نصف ساعة! لأنّنا نحضّر أنفسنا لنصف ساعة فإذا بك تجعلها ساعتين! [يضحك سماحته]، ولهذا قرّرنا أن يكون هناك محاضرة واحدة فقط حتّى يوفّقنا الله أن نصل إلى هذه المطالب وندركها.
فزمان ظهور الإمام الحجّة عليه السلام زمان عجيب واقعًا، بحيث أنّ الإمام الصادق عليه السلام يقول: ستحصل أمورٌ و أحداث في زمان ولدي المهدي، وستتخذ الأوضاع شكلًا خاصًّا بحيث أنّني أنا الإمام الصادق أتمنّى أن أدرك ذلك الزمان، فأساعده! لاحظوا أنّ القائل هو الإمام الصادق عليه السلام، بل إنّه يعبّر عن ذلك بقوله: «لخدمته»٢، فما الذي سيحصل في ذلك الزمان يا ترى؟ وما هو التصوّر الذي سيصبح عندنا عن الدين حينئذٍ؟ وما هو التصوّر الذي يصبح عندنا عن الحكومة وعن الأفراد وعن العلاقات الاجتماعية؟ وكيف ستكون علاقة الجار مع جاره وغيرها من العلاقات؟ وما الذي سيحصل بحيث تصبح الأرضيّة جاهزة ومهيّأة للحركة نحو الله وتكامل الروح؟! ما هي الأمور التي ستحصل حتّى يتمنّى الإمام الصادق عليه السلام إدراك ذلك الزمان، ويقول: لو أدركته لأعنته وساعدته؟!
على أهل العلم أن يضعوا نصب أعينهم رضا الامام الصادق وصاحب الزمان
هذا اليوم هو يوم تعميم هؤلاء الأحبّة، وهو يوم التتويج بتيجان الملائكة، حيث ورد عن رسول الله صلّى الله عليه وآله أنّ: «العمائم تيجان الملائكة»۱. يجب على هؤلاء الإخوة أن يتعاملوا مع هذا اليوم على أنّه نقطة تحوّل وانعطاف في حياتهم، فهم حتّى الآن كانوا يدرسون الدروس الإسلامية، وكان لهم منذ البداية نيّةٌ خالصةٌ، وكان هدفهم هو الوصول إلى ما يُرضي الله تعالى لا ما يرضي النفس وأهواءها، وهذا كان حالهم منذ البداية، فطالب العلم عندما يريد أن يضع قدمه الأولى في طريق طلب العلم، فعليه أن يعلم أن المسؤول عنه، ومن سيحاسبه شخصان لا غير: الأوّل هو الإمام الصادق عليه السلام، والثاني ابنه إمام الزمان عجّل الله فرجه الشريف، فنحن ينبغي أن نهتمّ بإرضاء هذين فقط ولا أحد سواهما، فنحن أتباع المعصومين فقط، والسلام!
فإذا كانت حركتنا بهذا النحو، فإنّ هذه الدروس سوف تتثبّت في قلوبنا، وستمنحنا البصيرة، وستجعلنا نتعلّم بالطريقة التي تُرضي الإمام عليه السلام، فهذه العلوم المتداولة يدرسها جميع الطلاّب؛ فما سبب الاختلاف في المسير والاتّجاه إذن؟! وما سبب ذلك؟ فهذا الكتاب بعينه قد درسه الشخص الآخر؛ فلمَ إذن هو يفهمه بشكلٍ آخر؟! ولماذا يختار طريقًا مختلفًا؟! ولماذا يحكم بحكم مغاير؟! فهذه الكتب والدروس يدرسها الجميع! إنّ السرّ في ذلك أنّ هذه الدروس لوحدها لا تكفي، بل لابدّ لنا ـ من أجل الوصول إلى محتوياتها و مضامينها ـ أن نطهّر قلبنا ونصفّيه، وينبغي أن ننظر: من هو الشخص الذي سيسألنا؟ يعني بشأن من ينبغي أن نهتمّ؟ ومن ينبغي أن نرضي؟ ومن هو الذي سوف يسألنا ويحاسبنا؟هل الأفراد العاديون هم الذين سيحاسبوننا؟! كيف ذلك والحال أنّهم هم أنفسهم لا يدرون ما يحلّ بهم؟! من هو الذي سوف يستوقفنا يوم القيامة، ويحاسبنا؟ هل سيأتي الناس العاديّون ويستوقفوننا، أم أنّ الإمام الصادق هو الذي سيسألنا ويحاسبنا هناك؟ هذا ما ينبغي أن نفهمه جيّدًا.
فما هو الجواب الذي حضّرناه لأسئلة الإمام الصادق عليه السلام؟! نحن أهل العلم الذين نقول للناس: افعلوا كذا وكذا، ثمّ نتراجع عن قولنا بعد أسبوع فقط.. ما هو الجواب الذي حضّرناه لسؤال الإمام الصادق؟! فالسؤال والجواب واقعٌ لا محالة، ولا شكّ في ذلك أبدًا، ومن هنا فإذا سألنا إمام الزمان عليه السلام يوم القيامة، فما هو الجواب الذي جهّزناه؟ هل نستطيع أن نجيبه، أم أنّ الأمر سيختلف هناك؟!
وبالتالي يجب على الأفراد الذين يُلبّسون في هذا اليوم بلباس علماء الدين ولباس رسول الله أن يعلموا أنّ مخاطبنا اليوم هو إمام الزمان عجّل الله تعالى فرجه، فالسائل هو، ونحن بدورنا يجب أن نحضّر أنفسنا للإجابة على أسئلته، واعلموا أنّ أحدًا لا يقدر أن يخدعه أو يتحايل عليه. أجل إنّ السائل والمحاسب في هذا الزمان شخص واحد فقط وفقط، فهو وحده الذي سيحاسبنا على أعمالنا سواءً أعمالنا الشخصيّة أم تصرّفاتنا مع الناس، و القسم الثاني أهمّ بكثير و أشدّ حساسيّةً وخطورة، فعندما نتصرّف مع الناس وفي علاقاتنا معهم: هل نراقب إمام الزمان عليه السلام، أم أنّنا نلاحظ مسائل ومصالح أخرى؟ الويل لنا، ثمّ الويل لنا، ثمّ الويل لنا، إن جعلنا إمام زماننا وسيلة ومعبرًا للوصول إلى مصالحنا الدنيوية!
إنّ الإمام عليه السلام هو عصمة الله وناموسه، فلا تمزح مع ناموس الله ؛ وإلاّ فأذن بحربٍ من الله، فلنفعل ما نريد، ولكن لا ندخل إمام الزمان في ذلك، ولا نستغلّه ونستثمره للوصول إلى أغراضنا، فإن فعلنا أمرًا خاطئًا، فإيّانا أن ننسب الأمر إليه! هل التفتّم؟ إيّانا أن نفعل ذلك! فالإمام هو ناموس الله، وناموس عالم الوجود، فإيّاك أن تتلاعب مع عصمة الله وناموسه، فهذا ذَنَب الأسد، فإيّاك أن تعبث به۱...
ومن هنا، فإنّ طريقنا واضحٌ بيّن، وهو اتّباع الإمام عليه السلام في عين اعترافنا بالقصور والخطأ، وفي عين اعترافنا بارتكاب الزلاّت فهي من لوازم البشر، إلاّ أنّ الهدف يجب أن يكون اتّباع هذا المذهب وهذه المدرسة، و عدم الاكتراث بكلام هذا وذاك، ولا بالسخرية التي قد تنالنا؛ فهذه السخرية موجودة دائمًا، وهذا الطعن والنقد موجود دائمًا، وهذه القضايا والتوجيهات والتأويلات موجودة دائمًا، و لكنّ ذلك لا ينطلي على الملكين القائمين هاهنا [و يشير سماحته إلى كتفيه]، فنحن لا يسعنا أن نخدع هذين الملكين الواقفين على اليمين واليسار، فهما يشهدان الحقيقة بشكل واضح، ويكتبان كلّ شيءٍ بشكل دقيق جدًا، فمن أيّ شيءٍ كان نابعًا هذا الكلام الذي قلته؟ انتبه جيّدًا.. أجل علينا أن ننتبه جيدًا، وأن نجعل نيّتنا خالصة، وأن نعلم أنّنا سنرتدي منذ اليوم لباس رسول الله صلّى الله عليه وآله، ويجب علينا في قبال هذه الموقعيّة المتمايزة، وهذا التوفيق العظيم الذي منحنا الله إيّاه أن نشكر الله تعالى، ونسجد سجدة الشكر له عزّ وجلّ، ثمّ بعد ذلك علينا أن ننتبه ونكون حريصين على أن نطبّق أنفسنا مع مقتضيات هذا اللباس سواءً في كلامنا أو أفعالنا أو تصرّفاتنا أو في دروسنا ومطالعاتنا، بل في جميع مجالات الحياة، بحيث أنّنا نكون جاهزين في كلّ ليلة وقبل النوم للإجابة على أسئلة الإمام الصادق عليه السلام، ألم يرِد عندنا بأنّه يجب على الإنسان أن يحاسب نفسه على أعماله من الصبح إلى الليل؟! حسنًا، علينا أن نتصوّر أن الإمام الصادق عليه السلام جاءنا في الليل قبل النوم ليحاسبنا ويسألنا: هل كانت أعمالك وأقوالك اليوم من الصبح إلى الليل مطابقة للبرنامج والمنهج [الذي أمرتك به]، أم لا؟! يجب علينا أن نجيب، والجواب: إمّا «نعم، بتوفيق الله كنتُ كذلك»، ومن ثمّ يجب علينا أن نشكر الله على ذلك، وإمّا «لا، لم أكن كذلك»، فنستغفر الله تعالى، ونعزم على الالتزام غدًا.
يجب علينا أن نعتبر أنّ الإمام الصادق عليه السلام سيسألنا كلّ ليلة، وأن نتصوّر أن إمام الزمان يسألنا، ثمّ علينا أن نقدّم الجواب لحضرته ثمّ بعد ذلك ننام. لماذا؟ لأنّه لا يوجد غيره، فتعاملنا و المسؤول عنّا في هذه الدنيا وفي ذلك العالم هو إمام زماننا فقط.
إنّ الحكومة في ذلك العالم هي في يد إمام الزمان عليه السلام، ففي هذه الدنيا فقط الأمر مختلط، وكلّ بلد لها حكم يختلف عن الآخر، أمّا في ذلك العالم فالحكومة هي حكومة الحقّ و العدل، والمحاسب هو إمام الزمان عليه السلام.
وهو سيأتي ويحاسب حسابًا دقيقًا لا يغادر كبيرة ولا صغيرة إلاّ أحصاها، غاية الأمر أنّه سيتجاوز عن أخطاء أولئك الذين كانوا أتباعه وشيعته، ومن هنا فعليكَ أن تكون تابعًا، واجعل نيّتك خالصة، واعزم على الحركة والمسير، وحينئذٍ حتّى لو أخطأت فإنّهم يعفون عن خطئك، و لكن إيّانا ـ والعياذ بالله ـ من الاستكبار والمواجهة والمحادّة، فهذه الأمور لا يُعفى عنها، بل يستوقفون الإنسان عليها، فالعناد والمواجهة للحقّ والمواجهة والتحدّي ضلال وضياع.
نسأل الله تعالى أن يمنحنا هذا التوفيق بأن نكون جميعاً في ولاية حضرته، وأن يزيد توفيقنا في سلوك نهجه واتّباع مدرسته، ونسأله أن يضاعف فهمنا للأمور التي ترضيه عليه السلام، وأن يوفقنا للعمل والتطبيق لتلك الأمور التي تشدّنا نحوه وتقرّبنا إليه.
«اللهمّ إنّا نرغب إليك في دولةٍ كريمة تعزّ بها الإسلام وأهله، وتذلّ بها النفاق وأهله، وتجعلنا فيها من الدعاة إلى طاعتك والقادة إلى سبيلك، وترزقنا بها كرامة الدنيا والآخرة».
اللهم صلّ على محمد وآل محمد