المؤلّفآية الله السيد محمد محسن الحسيني الطهراني
القسمعنوان البصري
المجموعةالسلوك العقلاني و المراقبة
التوضيح
يتمّ طرح بعض الشبهات على مسلك أولياء الله تعالى ـ هن هنا وهناك ـ من قبل البعض، وتتعلّق إحدى هذه الشبهات بطريقة الأولياء في إدارة الأمور الدنيوية بشكل عام والإنفاق بشكل خاص. فهل يحقّ ـ أوّلاً ـ للإنسان أن يطرح الشبهات هكذا من دون هدف وغاية، ومن دون فهم ودراية؟ وبالنسبة لمسألة الإنفاق، ما هو المسلك الحقيقي الذي كان ينتهجه الأولياء في مثل هذه الأمور؟ هذا ما تجيب عنه المحاضرة التالية بالإضافة إلى مسائل أخرى.
هو العليم
العقلانية منهج أولياء الله
شرح حديث عنوان البصريّ - المحاضرة ٢۰۸
ألقاها
آية الله الحاجّ السيّد محمّد محسن الحسينيّ الطهرانيّ
قدس الله سره
أعوذ باللـه من الشيطان الرجيم
بسم اللـه الرحمن الرحيم
الحمد لله ربّ العالمين
والصلاة والسلام على سيّدنا ونبيّنا أبي القاسم محمد
وعلى آله الطيبين الطاهرين
واللعنة على أعدائهم أجمعين
إتماماً للبحث الذي شرعنا فيه، كان ينبغي أن يكون الكلام حول كيفيّة الغذاء بناء على ما جاءنا عن العظماء وأولياء الله، وطبقاً للتعاليم التي وردتنا عن الأئمّة عليهم السلام والمعلومات التي تمّ إثباتها في العلم الحديث، وأن نستمرّ في بيان هذه المطالب. ولكن مع ملاحظة الوضع الصحّي للحقير، فقد كان رأي الإخوة [الأطبّاء] أن لا أتحدّث الليلة أبداً، وقد وعدنا بأن نتعبّد ونطيع ـ على الأقلّ ـ في هذا المورد.. فنحن نعرف جيداً كيف نفرّ ونرتّب الأمور في هذه الموارد!!! ولهذا، طلبنا منهم أن نتحدّث لمدّة ربع ساعة فقط. وعلى رغم محاولتي وإصراري إلاّ أنّهم لم يقبلوا، ولكنّني قلت لهم: ينبغي ـ على الأقل ـ أن نذهب لزيارة الإخوة ورؤيتهم.. فهذا لا إشكال فيه. ثمّ رتّبت برنامجي يوم الجمعة، بحيث لا أذهب إلى أيّ مكان، بل أبقى في المنزل حتّى لا يغلب التعب عليّ، فأسلب توفيق اللقاء مع الإخوة. ومن هنا فسوف نحيل إكمال البحث الذي شرعنا فيه إلى الجلسة القادمة إن شاء الله، حيث نكون قد اقتربنا من شهر رجب، وعندها نطرح بعض المطالب التي تناسب المقام أيضاً.
لكن لأجل ألاّ نبقى خالي الوفاض، ارتأيت أن أتعرّض لحلّ شبهة قد تكون حصلت لدى البعض، أو بعبارة أصحّ: أوجدها البعض. ويبدو أنّ العبارة الثانية أحسن ومناسبة أكثر، لكنّ الحمل على الصحّة يوجب علينا القول بأنّ كلامنا لم يُفهم بشكل صحيح.. وهذه المسألة ليست بعيدة عن مسألة الغذاء.
إلقاء الشبهات للتشويش على طريق اللـه أمر خطير ومسؤولية كبيرة
لقد تعرّضنا في الجلسات السابقة إلى بيان طريقة العظماء في الإنفاق، وكذلك فيما يخصّ بعض المسائل الاجتماعيّة والشخصيّة والعائليّة، حيث بيّنت هناك ـ إذا كان الإخوة يستحضرون ذلك ـ بأنّ منهج العظماء مبتنٍ على أساس المنطق والعقلانيّة، فلم يكن دأبهم طرح الشعارات. ونحن نرجو من الإخوة عندما يطّلعون على المسائل التي نطرحها ـ سواء القرّاء منهم أم المستمعون أم المشاهدون في كلّ مكان ـ ألاّ يأخذوا ما نبيّنه ونقوله على نحو الشعار [الخالي من المحتوى]، فنحن عندما نتكلّم، فإنّنا نتكلّم بجدّ، وأمّا تلك المطالب التي تُطرح من قبل البعض فهي شعارات فقط. وقد ذكرت لكم بأنّ كلّ مسألة تحدّثت بها، فإنّني أتحمّل كامل المسؤوليّة عنها ـ واحدةً واحدةً ـ يوم القيامة؛ إذ لا مبرّر لنقل أمور خاطئة عن المرحوم العلاّمة، فما الذي سأحصّله من ذلك؟
لقد تربّيت في هذا البيت أربعين سنة.. لكن نرى أنّ بعض الأشخاص الذين لا يُعلم من أين أتوا، ويحسبون أنفسهم مطّلعين على كلّ شيء... فكلامهم هذا لا يعدو كونه شعاراً وحسب، والجدير بهؤلاء أن يقال لهم: «عِرض خود نبرند وزحمت ما هم ندارند»۱.
إنّ ما نذكره للإخوة هو عين ما سمعناه من العظماء ورأيناه بأعيننا منهم، ولمسناه بحضورنا عندهم، ونحن لدينا اطّلاع أكثر من غيرنا على هذه المطالب، كما أنّنا لا نمتنع عن ذكر ذلك.. نعم، يبقى أنّ المسائل والمقامات المعنويّة ودرجات التقوى الواقعيّة فهي أمر آخر، فلا أنا عالم بالمقام الذي أنا فيه، ولا الآخرون يُمكنهم أن يقيّموا الآخرين ويحدّدوا لهم رتبتهم.
أمّا بالنسبة إلى منهج العظماء، فقد ذكرت مراراً بأنّ معرفة الحقير تفوق معرفة الآخرين حول هذه المسألة، ولا أتحرّج من هذا الأمر أبداً، غاية الأمر أنّنا نطلب من الله تعالى ألاّ تحصل خيانة في هذه المسألة، فلا نتصرّف فيها، ولا نضيف عليها شيئاً من عند أنفسنا.. هذا هو المهمّ.
إنّ هذه الأيّام المعدودة التي نقضيها في الحياة الدنيا ستنتهي، ولو تمكّنا من خداع بعض الناس ومداهنتهم، وجعلهم يُسـرّون بهذه الأعمال، فلن نستطيع مداهنة هذين الملكين الموكَّلَين بنا وخداعهما، فلماذا نأتي إذن ونطرح شبهات من دون طائل؟! والأشخاص الذين أخصّهم بالذكر يعرفون جيّداً ما أريد قوله.
إنّ المسؤوليّة والعهد الذي قطعته على نفسي بالنسبة إلى هذه المدرسة والواجب الذي وضعه والدي على عاتقي، يفرض علينا ـ من جهة ـ ألاّ نحرف هذه المسائل عن المسار والطريق الذي نحن عليه، وألاّ نطرح مطالب لا ينبغي علينا طرحها، كما يفرض علينا ـ من جهة أخرى ـ ألاّ نتنازل عن الأمور التي نرى مصلحة، بل ينبغي أن نراعي كلتا الجهتين، ويجب على الجميع أن يكونوا كذلك!
فلا شكّ في حصول انحراف بعد ارتحال المرحوم العلاّمة، ولا شكّ أنّه حصل لدى البعض ابتعاد عن سيرته، ولا ريب في أنّه حصلت خيانة بحقّ مدرسته ومنهجه. وقد ذكرت مراراً بأنّني مستعدّ للحوار حول هذه المسألة، لكنّني لم أتلقّ جواباً لحدّ الآن، والآن أعيد وأكررّ هذا الطلب.
اى مگس عرصه سيمرغ نه جولانگه تست | *** | عِرض خود مىبرى وزحمت ما مى دارى |
فبدلاً من أن نطرح الشبهات والمطالب الموجبة للتشويش، الأفضل لنا أن نفكّر في أنفسنا وفي مستقبلنا. فما أكثر الموارد التي كنت أكتبها، ثمّ أعود وأمسحها، وما أكثر المسائل التي كنت أريد أن أذكرها في جلسات عنوان هذه ثمّ أسكت فجأةً ـ إذا كان الإخوة يتذكّرون ـ وأنتقل إلى مطلب آخر.
إنّ المطالب التي ذكرناها إنّما ذكرناها لأجل زيادة فهمك أنت يا عزيزي! أنت الذي تكتب الآن، وأنت الذي تضع عمامة على رأسك، وأنت الذي ينبغي أن تكون مستعدّاً للمساءلة غداً [يوم القيامة] عن الكلام الذي تعلم بنفسك بأنّك قلته كذباً. هل التفتّم؟! إنّ المسائل العرفانيّة ليست مزاحاً، فلا ينبغي للإنسان أن يتلاعب مع الله تعالى، ولا يمكن للإنسان أن يتلاعب مع أولياء الله، أو أن يدوس برجله على ذيل الأسد، ولا ينبغي أن يرتدي الإنسان أيّ لباس كيفما كان، ولا يمكن للإنسان أن يحمل أيّ قلم. هل التفتّم؟! فهذا الموضع هو موطئ أقدام الأسد، ولا مكان فيه لكلّ شخص كيفما كان، ولا مكان فيه لكلّ من هبّ ودبّ!!
لقد ذكرت في ليلة النصف من شعبان أنّ مسألة الولاية ليست مسألة بسيطة، فلا يصحّ من أيٍّ كان أن يدّعي الولاية، هل التفتّم؟! فقد ذكر لي المرحوم الوالد بعد مضيّ ثمانية وعشرين عاماً مطالب حول أستاذه لم أجرؤ ـ حتّى الآن ـ أن أتحدّث بها لأحد.. ومع ذلك يأتي البعض ويكتب بأنّه لم يكن السيّد العلاّمة الطهراني تلميذاً للسيّد الحدّاد، بل كان رفيقاً له.. أيّها الأحمق! لو كان رفيقاً للسيّد الحدّاد، فلماذا لم يعط للسيّد الحدّاد دستوراً طوال عمره؟ بل كانت الأوامر كلّها تأتي من تلك الجهة!! من الذي تريدون أن ترفعوه ومن الذي تريدون أن تضعوه؟ ما هذا الكلام الذي تطرحونه؟ اخجلوا قليلاً، فالخجل أمر حسن، وإلاّ فإنّ الله تعالى سيفضحكم، فانتبهوا جيّداً وكونوا على حذر! وانظروا إلى أيّ حدّ وصل بكم الأمر! والتفتوا إلى ما قلتموه للناس، وما الذي حصل؟ وانظروا إلى أيّ حدّ وصل بكم الأمر، بحيث احتجتم أن تمدّوا أيديكم إلى هنا وهناك؟ هل التفتّم؟ فهذه المسائل مسائل مهمّة جداً. فكلّ من يأتي ويضع على رأسه عمامة يظنّ من نفسه أنّه صار عالماً بالأولياء؟ إنّه لأمر عجيب جدّاً!!
طريقة الأولياء في إدارة أمورهم الدنيويّة تعتمد على العقلانيّة
إنّ منهج العظماء في مسألة الإنفاق ـ كما ذكرت لكم ـ يرتكز على العقلانيّة، لا أنّه يعتمد على جانب الزهد الفارغ المتولّد من الخيال والنفس! لا، لم يكن كذلك. ففي طريق السلوك والوصول إلى مقام القرب، كان العظماء يختارون الأرجح والأفضل في كلّ ظرف وفي كلّ مورد.. لقد كنّا نعيش معهم ورأينا ذلك منهم.
ففي أحد الأيّام، أراد المرحوم العلاّمة أن يرسل لأستاذه ساعة جيبيّة، وكان في ذلك الوقت يوجد ألف نوع منها؛ منها ما هو رخيص ومنها ما هو متوسّط ومنها ما هو غالي الثمن، فذهب واشترى له أغلى ساعة جيبيّة كانت موجودة آنذاك. وأذكر أنّه في ذلك الحين كانت هناك ساعة (أوميغا) وساعة (زينيت)، فاشترى الثانية وأرسلها للسيّد الحدّاد، وكان بإمكانه أن يشتري الأرخص، فلماذا لم يشترها ويرسلها له؟ ألم تكن تلك الأموال تذهب إلى دولة سويسرا؟ إذ هذه الساعة صنعت في سويسرا. وبعد أن تشرّفنا بالذهاب إلى كربلاء في ذلك الحين، أخرج السيّد الحدّاد الساعة من جيبه وقال للمرحوم العلاّمة: ما أعجب هذه الساعة التي أرسلتها إليّ! والحال أنّه كان يستطيع أن يرسل ساعة عاديّة، غاية الأمر أنّها قد تُقدّم أو تؤخّر ساعتين في اليوم!!! ولكنّه ما فعل ذلك، بل ذهب وبحث، واشترى أفضل الساعات لأستاذه.. هذا هو ممشاهم!
وعندما كان يريد أن يشتري جهازاً لقياس ضغط الدم، قال لأحد أصدقائه: اذهب واشتر أفضل وأدقّ أنواع أجهزة قياس ضغط الدم.. والله على ما أقول وكيل. فذهب حينها إلى صيدليّة "تخت جمشيد" واختار أدقّ جهاز عندهم، ولا يزال هذا الجهاز موجوداً لحدّ الآن.. فكنّا نذهب ونقيس ضغطه به. وكانت قيمة هذا الجهاز ـ بحسب قول ذاك الصديق ـ تُعادل أربعة أضعاف قيمة الجهاز العادي المتداول.. فلماذا فعل ذلك؟ إذ كان بإمكانه أن يشتري الجهاز العادي، لكن هذا يُشير إلى أنّه كان في أفقٍ آخر، حيث يقول: ينبغي أن يكون كلّ شيء في أعلى مستوى من الدقّة. ولو لم يكن كذلك، لما كنت أعتقد به كلّ هذا الاعتقاد!!
كان يقول لنا: عندما تريدون مراجعة الطبيب، عليكم أن تذهبوا إلى أكثر الأطبّاء خبرة في أيّ اختصاص كان: فإن كنت تريد طبيب عيون، عليك أن تذهب إلى أمهر أطبّاء العيون، وإذا أردت طبيب معدة ـ وكنت في ذلك الوقت أشكو من معدتي ـ كان يقول: اذهب إلى الطبيب الفلاني والطبيب الفلاني! وكلاهما مات الآن والتحق برحمة الله تعالى. فلم يكن يقول: هذا الطبيب الذي تذهب إليه، هل يصلّي أم لا؟ فأنا لا علاقة لي بصلاته، بل انظر إلى خبرته وعلمه وتجربته، فأنت لا تريد أن تصلّي خلفه صلاة الجماعة، ولا تريد أن تتعلّم منه كيفيّة قراءة الفاتحة والسور القرآنيّة، بل تريد منه أن يفحصك!!
لقد ذكرت للإخوة سابقاً بأنّ الشيخ نوري رحمة الله عليه قال لنا: اشتريت يوماً خروفاً، وعندما وصلنا إلى المنزل، التفتنا إلى أنّه فاقد لإحدى عينيه، فذهبت إلى صاحبه كي أردّه إليه، وقلت له إنّ الخروف الذي أخذناه منك فاقد لإحدى عينيه، فقال لي: هل تريد منه أن يقرأ لك دعاء كميل؟ إنّك تريد أن تذبحه وتأكله، فلا حاجة لك بعينه!!!
عندما تريد أن تراجع الطبيب، هل تريد أن تصلّي خلفه أو تقلّده؟ كلاّ، بل يكفي أن يكون تشخيصه جيّداً، وأن يكون رجلاً ملتزماً فقط، هذا هو الطريق الصحيح! هل التفتّم؟! فلا ينبغي أن نخلط الأمور بالشعارات، ولا ينبغي أن نخلط الأمور بالمسائل السياسيّة، حيث يتناقل البعض بأنّ السيّد قال: ينبغي أن لا يشتري الإنسان من المنتجات الوطنيّة!
متى قلتُ: لا تشتروا من المنتجات الوطنية؟ إنّما قلت: في مقام المقارنة، ينبغي على الإنسان أن يختار الأفضل في كلّ مورد.. هذا الذي قلته، فإن كان المنتج الوطني جيّداً ومتّصفاً بأوصاف الجودة، ويمكن أن يؤدّي الغرض، فعليك أن تشتريه، ولا إشكال في الأمر، وأمّا إذا كان المنتج الوطني لا يخضع لمواصفات الجودة ـ والكثير منها كذلك ـ، فمجنون وسفيه من يذهب ويشتريه! وهؤلاء الذين يطرحون هذا الكلام، هل هم أنفسهم يعملون بمفاد كلامهم، أم أنّهم يطرحونه لنا فقط؟
فعندما كنت أذكر للمرحوم العلاّمة أنّهم يقولون بأنّ هذا الدواء الوطني تأثيره أقلّ من الدواء الأجنبي، لماذا كان يقول لي: اشترِ الدواء الأجنبي الذي تأثيره أشدّ؟ لماذا نخلط بين الأمور؟ هل التفتّم! لماذا ينبغي أن نخلط بين الأمور؟ لماذا نتّهم العظماء؟ ولماذا نفرض آراءنا بشكل مغرض على آرائهم؟
الإسلام يعلو ولا يُعلى عليه
نعم، عندما كان [المرحوم العلاّمة] مريضاً واقترح عليه الكثير من الأشخاص أن يسافر إلى الخارج للمعالجة ـ وكنت أنا بقربه في المستشفى ـ ، قال لهم: كلاّ! إذ مع الالتفات إلى أنّه يوجد في إيران مستشفيات مفيدة، وهناك أطباء متخصّصون ويتحمّلون مسؤوليّتهم، فلا مجال للذهاب إلى مكان آخر. والحقّ كذلك، إذ لماذا أذهب إلى الخارج؟ في حين أنّ الكثير من الأشخاص سافروا إلى أمريكا لأجل حصول كسر بسيط في عظم قدمهم، والحال أنّ مثل هذا الشعر البسيط يُمكن لأي متخّصص في التجبير أن يُجبّره من دون الحاجة أصلاً للذهاب إلى المستشفى، هل التفتّم؟!
فعلينا أن نقرأ ما الذي ذكره في كتبه حول هذه المطالب، وكيف كان يستشكل على فعل الأشخاص الذين كانوا ـ من جهة ـ يذمّون الثقافة الغربيّة ويصفونها بعبارات غير مناسبة، ولكنّهم ـ من جهة أخرى ـ كانوا يسافرون إلى تلك الديار للمعالجة.
يذكر أحد الأصدقاء ـ وكان فريداً في تخصّصه ـ بأنّه قال لأحدهم: إنّ المرض الذي تشتكي منه بالخصوص لا علاج له! لكنّه مع ذلك سافر إلى أسبانيا وذهب إلى برشلونة لكي يفحصه الطبيب الفلاني، فرجع من هناك بعد أن أعطاه نفس الجواب.
كان المرحوم العلاّمة يقول: لماذا لا نثق في ما لدينا ولماذا لا نصدّق خبراءنا.. هذا هو كلامه! فمع وجود الخبراء الملتزمين في البلد، ما هي الحاجة إلى الذهاب إلى الغرب ومدّ يد الاستجداء إلى الغرباء؟! هذا، بالإضافة إلى أنّ هؤلاء الأشخاص هم من الذين ينبغي عليهم أن يراعوا هذه المسائل أكثر من غيرهم، لا أنّهم من العوامّ.. هذه هي المسألة التي كان يشير إليها.
فلهذا، كان جميع عزمه منصبّاً على... وقد تحدّثت بنفسي حول هذه المسألة في ذلك الوقت، وأنّ الإسلام يعلو ولا يُعلى عليه، وينبغي أن يكون للدولة الإسلاميّة أعلى مرتبة من المراتب العلميّة، وهذا ما يقوله الحقير أيضاً، إذ على الدولة الإسلاميّة أن يكون لديها أفضل التكنولوجيا والتقنيّات؛ لأنّ الدولة هي دولة الإسلام، ولا ينبغي أن تُظهر للعالم أيّة نقطة ضعف، بل ينبغي أن تكون في أعلى مرتبة من الناحية العلميّة والثقافيّة، وينبغي أن تحوز أعلى المستويات من الناحيّة التقنيّة والتكنولوجيّة، وينبغي أن تكون في أعلى مرتبة أيضاً من ناحية الآداب والأخلاق، وكذا من ناحية السلوك والعمل، وينبغي أن تكون أسوة لجميع الدول من ناحية الصدق وبيان الحقائق يا عزيزي! لكنّنا أخذنا بهذا الأمر من ناحية واحدة فقط، وتركنا جميع النواحي الأخرى؟
ينبغي أن تكون الدولة الإسلاميّة هي الأفضل في جميع الأبعاد، وأمّا إذا واجهك ظرف مهمّ وحيوي، ولم تكن لديك ثقة بهذا المنتج، فهل تقول هنا أيضاً بأنّه ينبغي أن تقتصر عليه؟ فإذا أردت أن تشتري لعمارتك مصعداً كهربائيّاً، أو مسألة من المسائل الضروريّة والمهمة، فإذا قيل لك: هذا المصعد وطني وفيه هذه الخصوصيّات، وهذا ألماني [وفيه خصوصيّات أفضل]، فأيّهما تشتري؟ هنا الكلام عن الحياة والروح، لا أنّه كلام عن اللباس ونوعه، هل هو من القطن أو الكتّان أو الصوف!
وإذا قيل لك بأنّ هناك طائرتين إحداهما كذا، والثانية أفضل منها، فأيّة واحدة منهما ستستقلّ؟ أنت الذي تعترض، هل ستستقلّ الأولى؟
هذه هي المسائل التي خلطوا بينها وجعلوها شعاراً، وإلاّ، فهل الإنسان مصاب بمرض [في عقله] حتّى يضع ثروات بلده ـ التي ينبغي أن يُنفقها فيه ـ بين يدي الآخرين؟ فمثل هذا الإنسان هو مجانب للمنطق تماماً! وجميع بلدان العالم تتصرّف بنفس هذا النحو.
في أحد الأيّام، كنت في بلد أفريقي، وكنت أشاهد السلع المعروضة في بعض المحلاّت، فرأيت أن الفرنسيّين الذين يأتون للشراء كانوا يشترون السلع الفرنسيّة هناك، وقد شاهدت ذلك بنفسي. فهم يرون أنّ هذه الأموال ستعود إلى نفس فرنسا في النهاية، لكنّ الشخص الذي يشتري السلعة الفرنسيّة لديه ثقة بهذه السلعة، حتّى يشتريها بسعر زائد. أمّا لو لم تكن لديه ثقة بهذا المنتج ـ وهاهنا بالتحديد مربط الفرس ـ وكانت جودته أقلّ، فهل كان سيشتريها مع ذلك؟ لو اشتراها والحال هذه فهو حتماً أحمق!!
عندما يشتري الشخص جهازاً منزليّاً فيتعطّل بعد أسبوع من دون أن يتوفّر على ضمان أو حقّ صيانة، فماذا سيفعل؟ هل سيذهب ويشتري مثله مرّة ثانية؟ ما هذا الكلام؟
فهذا المنهج ليس منهجاً عقلانيّاً، فمن يقول: ينبغي على كلّ دولة أن أن تكون خيراتها لها فقط، فعليه أوّلاً أن يرفع من مستوى الجودة، بحيث تكون السلع تتمتّع ـ على الأقلّ ـ بالحدّ الأدنى من مواصفات الجودة. أمّا عندما أذهب وأشتري دواء من الصيدليّة وأكتشف بأنّه لا يمتلك أيّ مفعول، فهل عليّ أن أشتري منه مرّة أخرى أم لا؟ هل هذا هو مسلك العظماء في المسائل التي تشتمل على أمور حيويّة وضروريّة والتي ينبغي أن تكون على دقّة عالية؟ هل كانوا يكتفون في مثل هذه الموارد بالحدّ الأدنى؟ نعم، عندما تكون المنتجات الوطنيّة جيّدة وتلبّي حاجات الناس، [وذلك يحصل بأن] توضع في أيدي الموظّفين المسؤولين عن الإنتاج الإمكانيات اللازمة، لا أن يجري سلبها منهم، بل يتمّ الاهتمام بهم وتلبية حاجياتهم.. إذ ما الذي يفعله الآخرون في هذا المجال حتّى صارت منتجاتهم جيّدة؟! (فنحن لم نأت من خلف الجبال بحيث لا يكون عندنا اطّلاع على شيء!) عندما يجري الاهتمام بحوائج الموظفين، ولا يحصل خيانة في مراقبة جودة هذه المنتجات، ولا يتمّ اللجوء إلى الارتشاء وأمثال ذلك في المزايدات والمناقصات التي تجري... هذه هي المشكلة وهنا موضع الداء! وإلاّ فلو نظرنا الآن في جميع أنحاء العالم، فسوف نرى أنّ أفضل الأشخاص في جميع التخصّصات هم الإيرانيّون.. رئيس مستشفى القلب في المنطقة الفلانية إيراني، رئيس مستشفى طبّ العيون في هذا البلد إيراني.. رئيس كذا وكذا إيراني.. ورئيس المصنع الفلاني إيراني.. حيث يُقال بأن الذكاء والاستعداد الموجود عند الإيرانيّين غير موجود عند غيرهم، ولعلّ الحق هو ذلك. لكن ضمن أيّة ظروف، وفي أيّة أرضيّة؟
نعم، عندما يصل الإنسان إلى هذا الحدّ، فرأي المرحوم العلاّمة رضوان الله عليه هو أنّه: ما دامت لدينا منتجات وطنيّة، فلا ينبغي أن نشتري من المنتجات الأجنبيّة، وأنا أقرّ بذلك وأقبل به. لكنّ كلامي كان ـ ولا يزال وسوف يبقى ـ في أنّه: هل وصل هذا المنتج إلى نفس الجودة التي تكون لدى ذاك المنتج من ناحية الثقة به والاطمئنان بصحّة أدائه، أم لا يصل؟
العقلانيّة تفرض على الإنسان بأن يختار الأفضل والأصلح
فعندما تشتري سيّارة وتُركب فيها خمسة أشخاص، وتسلك بها في المنعرج الفلاني، هل لديك اطمئنان بأنّ هذه السيّارة ستوصلك إلى المقصد؟ فإن كنت مطمئنّاً، اشترها! وإلاّ، فلا يُمكنك شراؤها، بل ينبغي أن تركب السيّارة التي تثق بها.. السيّارة التي يُمكن استخدامها في الشتاء وفي الثلج والبرد، وفي حرارة الصيف الحارقة.. السيّارة التي سيركب فيها الطفل الرضيع..
في يوم من الأيّام، ركبت سيّارة للسفر من طهران إلى قمّ، وعندما وصلنا إلى قمّ، قلت في نفسي: لا شكّ أنّ هؤلاء الأطفال قد مات منهم اثنان ـ على الأقلّ ـ من شدّة البرد الذي جمّد الجميع. فهل أنا مصاب بمرض عقلي حتى أعود وأستقلّها مرّةً أخرى؟ وقد كان ذلك قبل عدّ سنوات في زمن المرحوم العلاّمة.
أمّا إذا كانت هناك رقابة على الجودة، فلا ينبغي للإنسان أن يرجع إلى مكان آخر.. هذا هو المسير الذي يُقال بأنّه مسير عقلاني، وهو أن ينظر الإنسان في كلّ مورد إلى المصلحة التي ذكرها الله تعالى. فأنت الآن تُقلّ زوجتك وأطفالك في هذه السيارة، ومستوى الأمان فيها بحيث أنّه لو حصل حادث ـ لا قدّر الله ـ على الطريق، فإنّ الصدمة التي تتلقّاها هذه السيارة ستُؤدّي إلى موت ثلاثة أشخاص، فهل مستوى الأمان في السيارة الأجنبيّة كذلك أيضا وهل ستؤدّي نفس الصدمة إلى موت ثلاثة أشخاص أيضاً، أم لا؟ هذا هو موضع كلامي!
طريق السلوك هو طريق العقلانيّة. فما هو الموقف الذي يتّخذه العاقل في مثل هذا المورد؟ هذا هو طريق السلوك بعينه؛ فلو غضضنا النظر الآن عن الإسلام ، وعن التشيّع وعن المسيحيّة وعن أيّ دينٍ آخر، ولنبحث الأمر من ناحية عقلائيّة: هل الإنسان العاقل يتناول هذا الطعام أم لا؟ هل يلبس الإنسان العاقل هذا اللباس أم لا؟ هل الإنسان العاقل يركب هذه السيّارة أم لا؟ هل الإنسان العاقل يسافر بهذه الطائرة أم لا؟ لهذا، فإنّ الحقير يوصي الجميع بأنّه إذا أردتّم ركوب الطائرة، فانظروا أوّلاً ما هي شركة الخطوط التي تتعامل معها لتتأكّد أن طائراتهم آمنة!
قد يقول أحدهم لي: يا سيّدي، أنت معمّم، فلا يجب أن يصدر منك مثل هذا الكلام! لكن ماذا تُريدونني أن أقول؟ تُريدونني أن أنصحكم بركوب الحمير والأبقار!! اذهب أوّلاً وانظر إلى شركة الخطوط الجويّة التي توصلك إلى مشهد أو إلى مكّة، أيّة شركة هي؟ وهل طائراتها متّصفة بمواصفات السلامة، أم لا؟ وهل طائراتها تخضع للصيانة أم أنّ فيها إشكالاً؟ إذ من الممكن أن تتعرّض للخطر، وهناك العديد من المسائل التي لا يعلمها الناس، ومن يعلم شيئاً من تلك الحقائق، يعلم بأنّه لا ينبغي أن يركب في أيّة طائرة كيفما كانت؛ فقد يتعرّض الإنسان لبعض الأخطار أثناء حصول انخفاضات جويّة ومطبّات هوائية كما هو معروف عند أهل الاختصاص؛ ففي هذه الحالة، إذا كانت تعاني الطائرة من أيّة مشكلة، فإنّ الطائرة قد تفقد أحد أجنحتها عند أدنى هبّة هوائيّة، فما الذي سيحصل حينئذٍ؟!
وهذه القاعدة تجري في كلّ مورد، ولقد كنّا مع المرحوم العلاّمة هكذا، فعندما كنّا نريد السفر، كان يقول لنا: اذهبوا واشتروا تذكرة من أفضل الشركات الموجودة آنذاك! وكنّا نسافر في ذلك الوقت عن طريق الحافلات، وكانت هناك شركتان معروفتان في ذلك الوقت؛ هما شركة "ميهن تور" وشركة "تي بي تي"، وكانتا مشهورتين من حيث جودة الحافلات التي لديها ومن حيث السائقين الذين تستخدمهم، حيث كانوا يختارون السائقين من ذوي التجربة والحنكة، ولم يكونوا شباباً بل كباراً في السنّ ومن أهل التجربة. لقد كان الأعاظم دقيقين جدّاً في هذه المسائل، فهل تعتقدون أنّ المسائل كانت فوضويّة؟! كنّا نقول له: يا سيّدي، لقد اشتريت تذكرة من هذه الشركة، فكان يقول: لا، هذه الشركة ليست معتبرة جدّاً، بل اذهب واشتر من تلك الشركة! هذه هي أوامر المرحوم العلاّمة.
هذا هو المطلب الذي كنت أريد بيانه. فعندما ترون شبهات، فهي ناشئة من أفراد لا اطّلاع لهم، وقد ذكرت بأنّ الحمل على الصحّة يقتضي أن نقول بأنّهم لم يفهموا المراد، وإن كانت هناك احتمالات أخرى، لكن نحن نقول بأنّهم لم يفهموا، وعليهم أن يفهموا ويلتفتوا إلى أنّه لا يمكن أن نُقنع الناس في هذه الأيّام بالشعارات، فلقد انقضى ذاك الزمان، وسوف تأتي مسائل تُجبر الإنسان على الاعتراف بالحقائق.
لن أنسى أبداً أنّه أتى بعض الأشخاص إلى المرحوم العلاّمة وقالوا له: يا سيّدي، ماذا نفعل بالنسبة إلى الانتخابات؟ فقد قيل بأنّه ينبغي على الإنسان أن يُشارك فيها وكذا.. فقال: ينبغي أن تضعوا قدمكم في مكان يكون لديكم اطمئنان به، وعليكم أن تنتخبوا الشخص الذي يكون لديكم اطمئنان بصحّة عمله.. حسناً، تفضّلوا الآن وانظروا!
لم يخسر من عمل بمباني الأولياء!
ذاك هو ممشى العظماء الذي عمل به بعضهم، وأمّا من لم يعمل به، فقد رأينا ما الذي حصل لهم وما الذي سيحصل لهم، هل التفتّم؟! لقد قلنا بأنّ هذا هو دستور العظماء: لا تنتخبوا الشخص الذي لا تثقون به ولا تطمئنّون إليه.. هذا الكلام هو كلام عقلائي، فما الذي يفعله العاقل في هذا المورد؟ بل ما الذي يفعله الآخرون في سائر البلاد؟ هل ينتخبون شخصاً يضرّهم ويضرّ بلدهم ومجتمعهم ويقضي عليه؟ لا، فهذا لا يحتاج من المرء أن يكون مسيحيّاً ولا مسلماً، بل العاقل ماذا يفعل هنا؟ وهذا نفس ما يقول به طريق الله وطريق السلوك، من دون أن يوجد أيّ فارق! فنفس هذا العمل العقلاني يكون هو السلوك، ونفس العمل الذي يكون مورداً لرضا الله هو السلوك. فهذا نتيجته هي هذه، وأمّا ذاك، فانتظروا ماذا ستكون نتيجته!
لم يخسر من عمل بمباني العظماء، بل خسر من نقل الأمور إلى مجالات أخرى وآفاق مختلفة، وخلط الحقائق بالمسائل السياسيّة، وخلط الأمور بالخيالات والأوهام! كما أنّهم سيتحمّلون تبعات ذلك، وسيتعرّضون لمساءلة الناس عندما تظهر نتائج أخطائهم، لأنّ الناس سيسألون: يا سيّدي، ماذا حصل؟ ولماذا حصل كذا؟ كان عليك ألاّ تُقدم على ذلك من أوّل الأمر لكي لا تُبتلى بـ (يا سيّدي ماذا حصل؟)، أمّا الآن، فاذهب وبرّر الأخطاء بشكل أو بآخر، فإن لم يتمّ التبرير الأوّل، فابحث عن تبرير بشكل آخر..
كان عليك منذ البداية أن تعمل بما أمر به العظماء.. {وَلا تَقْفُ ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤادَ كُلُّ أُولئِكَ كانَ عَنْهُ مَسْؤُلاً}.۱ فلا ينبغي لك أن تضع قدمك في الموضع الذي لا علم لك به ولا يقين، ولا تستمع إلى كلام هذا وذاك، ولا تتخطّ المسار الذي رُسم لك، ولا تنحرف استجابةً للوساوس والخيالات.
حسناً، نحن وإن كنّا قد وعدنا بأنّ الحديث سيكون لمدّة ربع ساعة فقط، لكن يبدو أنّنا تخطّينا الوقت.
نسأل الله تعالى أن يأخذ بأيدينا جميعاً وأن يجعلنا نلتفت إلى أوضاعنا، وأن يمنحنا الفهم للوصول إلى حقيقة المسائل، وأن يعلّمنا طريق العظماء من دون تشويه أو تصـرّف، ويوفّقنا لطيّ هذا المسير بنفس ذلك الشكل: ره چنان رو كه رهروان رفتند.۱
ضرورة العمل بما يمليه العقل دون الالتفات إلى الوساوس الجانبية
كان الوالد يسمع الكثير من الأمور، وكانت تصل إليه الكثير من الوساوس والمسائل المطروحة هنا وهناك، لكنّه كان يحني رأسه إلى أسفل ويعمل بما فهمه ويمضى في طريقه. ونحن بدورنا لم نر بدّاً من أن نزيد في فهمنا! وعندما طُلب منّا أن نضع فهمنا جانباً، فقلنا لهم: نعتذر منكم في هذا الأمر بالذات، فنحن لا يمكننا أن نضع فهمنا جانباً.
نعم، في التذييلات التي دوّنتها على رسالة الاجتهاد والتقليد للمرحوم العلاّمة، قلت في أحد المواضع: ينبغي أن نذكر ما سمعناه، إذ ينبغي أن تصل هذه الأمور إلى أسماع الجميع، ولا ينبغي أن تبقى المسائل ضمن دائرة الشعارات، فإلى متى الشعار الفارغ؟ وإلى متى التلاعب؟
لقد كان [المرحوم العلاّمة] يقول: عندما ذهبنا إلى النجف كنّا نريد أن نُعمل عقولنا، (وهذه نفس عبارته!) فقالوا لي: يا سيّد محمّد حسين، عليك أن تترك فهمك جانباً، حتّى نصير رفاقاً لك ـ ولن أوضّح أكثر من هذا ـ قالوا: اترك فهمك حتى نصير أصدقاءً لك وتُصبح عضواً في مجموعتنا، لكنّني قلت لهم: أنا جئت قاصداً حرم أمير المؤمنين عليه السلام كي أزيد من فهمي.. [كما قال عليه السلام:] ليثيروا لهم دفائن العقول.٢ فالأنبياء إنّما أتوا لكي يفتحوا للناس دفائن عقولهم ويرتقوا بهم أكثر، بينما أنتم تقولون: دع فهمك جانباً؟ كلاّ! إذا كان الأمر كذلك، فطريقنا مختلف.
يقول رحمه الله: فاشتغلت بدرسي دون أن يكون لي علاقة بأيّ أحد، ونظرت إلى ما فهمته من الإسلام، وما فهمته من الدين، فعملت به وحسب.
وهكذا مضى وتقدّم ووصل؛ إذ عندما اطّلع الله تعالى على نيّته الصادقة، وشاهد صفاءً في قلبه، وعلم بأنّه ليس من أهل الشعارات، وعندما رأى اللهُ أنّه لا يخلط بين الحقائق والمصالح الخاصّة، وعندما رأى الله أنّه يعمل بكلّ ما يقوله.. عند ذلك، أوضح له الطريق والمسير، ووضع العظماء والمؤمنين في طريقه لكي يأخذوا بيده.
إذاً يا عزيزي! بدلاً من أن تقوم بما تقوم به، أصلح نيّتك! وأخلص نيّتك! حتّى يصلح كلّ شيء، فجميع هذه المسائل إنّما هي بسبب أنّنا نريد أن نذهب يميناً وشمالاً, والحال أنّه لا حيلة لنا في الأمر، إذ لا بدّ من الرجوع في النهاية إلى نفس المكان.
حسناً، سنكمل إن شاء الله بقيّة المطالب في الجلسة القادمة.
اللهمّ صلّ على محمّد وآل محمّد.