166

رياضة النفس

8370
مشاهدة المتن

المؤلّفآية الله السيد محمد محسن الحسيني الطهراني

القسمعنوان البصري

المجموعةرياضة النفس


التوضيح

هذه المحاضرة تفضل بها سماحة آية الله السيد محمد محسن الحسيني الطهراني صباح الجمعة: 14 /ربيع الثاني / 1430 هـ.ق. و أهم مواضيعها: 1 اختلاف الأفراد في استعدادهم الفطري لتقبّل الحقائق. 2 على الإنسان أن يجتهد لتغيير نمط تفكيره الخاطئ. 3 حقيقة الرياضة تكمن في مخالفة النفس تجاه تعلّقاتها ونزواتها. 4 السالك الحقيقي هو الذي يتحمّل تبعات التزامه بالصراط المسقيم. 5 السالك يبني حياته على أصالة المعنى وتعاضد البقاء لا أصالة المادة وتنازع البقاء. 6 أهمية صلة الرحم في عملية رياضة النفس. 7 لا تقاس رياضة النفس بالأفعال الظاهرية بل بمقدار التحرّر من تعلقات النفس. 8 من ترك رياضة نفسه عاش في الذلة والهوان وخسر جوهرة إنسانيته.

/۲۲
بي دي اف بي دي اف الجوال الوورد

رياضة النفس

1
  •  

  • هو العليم 

  •  

  • رياضة النفس

  • شرح حديث عنوان البصريّ - المحاضرة ۱٦٦

  •  

  • ألقاها

  • آية الله الحاجّ السيّد محمّد محسن الحسينيّ الطهرانيّ

  • قدس الله سره

  •  

رياضة النفس

2
  •  

  • أعوذ باللـه من الشيطان الرجيم

  • بسم اللـه الرحمن الرحيم

  • الحمد لله ربّ العالمين

  • والصلاة والسلام على سيّدنا ونبيّنا أبي القاسم محمد

  • وعلى آله الطيبين الطاهرين

  • واللعنة على أعدائهم أجمعين

  •  

  • اختلاف الأفراد في استعدادهم الفطري لتقبّل الحقائق

  • قد تحدثنا في الجلسة السابقة عن الرياضات النفسية, وقد بينّا أنّ كلّ ما هو مقدمة لتحصيل الرغبات النفسانية, سوف يكون مشمولا لكلام الإمام الصادق عليه السلام.

  • ومع أنّ الإمام الصادق عليه السلام قد تعرّض لبعض المطالب بشكل صريح, إلا أنّ ذلك مندرج تحت القاعدة الكلية, وهي أنّ النفس البشرية بشكل غالب تحتاج إلى الرياضة لتحصيل الكمال, نعم قد توجد بعض الاستثناءات, فبعض الأشخاص يمتلكون استعداداً للتلقّي والقبول أكثر من غيرهم, فيتقبلون بشكل مريح, وأسرع من غيرهم, وهو ما يطلق عليه الاستعداد والقابلية المسبقة بالنسبة لطريق السلوك والمجاهدة, فقبول الأفراد للمطالب التي تلقى عليهم متفاوتة, وحالاتهم التي يتفاعلون من خلالها مختلفة, وصفاتهم وفضائلهم ليست على حدّ سواء, وحسب قول المرحوم الحداد رضوان الله عليه: بعض الناس لم يجاهدوا أنفسهم إلا أنّهم سلاّك واقعاً.. فبعض الناس هم كذلك فعلا, فلا يحتاجون إلى تذكير وتنبيه, ولا يحتاجون إلى لفت النظر و الإنذار, بل يقبلون المسائل بشكل انسيابي, وهذا توفيق إلهي.. هو توفيق إلهي حقاً. يعني: يعرض المطلب الواحد على شخصين؛ فهذا يقبل, وذاك لا يتقبّل. وهذه المسألة عجيبة جداً, وتستحقّ التأمل. مثلا لو ألقيتم مطلباً على اثنين: أب وابن, فكلاهما مسلمان.. وكلاهما يصليان.. ومن نفس الديانة.. ويعبدان نفس الإله.. ولكن ما إن تتفوّه بهذا المطلب تجد أنّ أحدهما سريع التقبل, بحيث يلتصق المطلب بقلبه وتتعلّق روحه به, و يبدأ بسرعة بالتطبيق, ويغيّر حياته ويبنيها على أساسه, فيتغيّر ممشاه وتتبدّل سائر علاقاته, وتتحوّل ارتباطاته الاجتماعية بأكملها بما ينسجم مع هذا الملاك, ولكن لو تنظر إلى الأب فستجده لا يبالي بذلك, ويقول: من قال إنّ هذا صحيحٌ !! وما هذا الكلام؟! فيبدأ بهذه الأسئلة التي لا نهاية لها: لماذا؟ ولماذا؟ لماذا! حتى تتمنّى لو أنّك لم تتكلّم معه أصلاً.. يعني السكوت والصمت معه أخفّ وأروح.. أصلاً ليته لم يسمع.. يعني نريح أعصابنا لو حافظنا على السكوت والصمت في محضره.. أما ابنه, فإنّه يهتمّ ويتأمّل ويغيّر. وبالتالي يقطف ثمار ما يلقى على مسامعه, ويبلغ النتيجة المرجوة ويصل.. ويتغيّر حاله ويتحسّن وضعه, فتتبدّل منظومته الفكرية والروحية والنفسية إلى الأحسن.. حسناً لو لم يكن صحيحاً فكيف تغيّر ابنك؟! وهذه الحالة تحتاج إلى توفيق إلهي, وهو أمر عجيب جداً.

رياضة النفس

3
  • والعكس بالعكس, فقد ترى أباً وابناً يعيشان في ظروف واحدة, وضمن عائلة واحدة, وكلاهما من نفس المدرسة ونفس الروحية, ومن نفس الممشى, إلا أنّ الأب يتقبّل والابن لا يتقبّل أبداً, كبعض الشباب الذين يشرعون بكيل التشكيك؛ فما هذا الكلام!! كلامكم قديم يرجع إلى ۱٤۰۰ سنة من قبل!! وهكذا.. وبعضهم يشرع بذكر بعض المسائل.. كأن يقول: هذا العصر عصر الذرة.. وعصر التكنولوجيا الجديدة.. وما شابه ذلك من المسخرة التي لا طائل منها.. وهكذا. عزيزي! لو كان لديك تفكير, فأنا من أهل هذا العصر, ومن معاصري هذا الزمان, أنا من أهل هذا اليوم.. اليوم الرابع من ربيع!! ماذا..؟ الرابع عشر من ربيع.. [يضحك الحضور] صحيح؟! نحن من أهل هذا الزمان مثلك تماما.. 

  • على الإنسان أن يجتهد لتغيير نمط تفكيره الخاطئ

  • والحقيقة هي أنّه كلما أراد النبي والأئمة أن يرفعوا الحجب عن ناظرينا, فإنّنا نعيده ونرجعه ولا نريد أن ننظر ونرى!! كلّما أرادوا أن يكشفوا الستار كي نترقى في أفهامنا, ويشتدّ رشدنا وينضج تفكيرنا.. وكلما أرادوا ذلك, فإنّنا نرجع إلى الوراء, وننزل الستار ثانية.. فدائما نغرق أنفسنا في الجهل.. فلا نزال نربط أنفسنا بالعصبيات الجاهلية, الناشئة من الجهل والجهالة والعمى والضلال, المتولّدة من عدم الفهم وعدم الالتفات, مضافا إلى الرغبات والأهواء, والآراء النفسانية التي ندور ونقطن حولها.. نعود ونسحب أنفسنا إلى هذا الوادي ونغرق فيه.. وما إن يُلقى على مسامعنا مطلب, يحتمل أن يترك في فكرنا ورشدنا أثراً نافعاً.. نسرع إلى رميه جانباً, ولا نعتني به, ونحيّده ولا نفكّر به, ونرجع لنتمسّك بذاك الغطاء الذي يتحكّم بفكرنا ووجداننا ومنطقنا, الذي أدى إلى رسوخ العديد من المطالب الباطلة في ذهننا.. هذه المطالب التي تلتقط ذهننا وتحبسه بسلاسلها.. فنحن نعود ونثبت هذه السلاسل, وبالتالي نبقي الوضعية السابقة ونحكمها, ونقول: لا نريد أن نفهم.. لا نريد أن نغير.. نحن مرتاحون.. وراضون بما نحن عليه.. نحن هكذا ونريد أن نستمر ونبقى على مرامنا.. صحيح؟! هؤلاء الأفراد يعني.. لا يمكنهم بلوغ الهدى إلا إذا كان هناك عناية خاصة من الله سبحانه.. وإلا فلا يمكن لهؤلاء الناس أن يخرجوا من هذه البوتقة التي حبسوا أنفسهم بها.

رياضة النفس

4
  • فأنتم ترون أخوين يعيشان معاً, فتعرض عليهما مطلباً واحداً, فهذا يقبل ويذعن, بينما تجد الآخر يؤوّل ويوجّه ويغيّر, ويصرف الكلام عن معناه.. لماذا تؤوّل؟! يعني: هذا الحائط أبيض, ولكن هو لا يقول: هو أسود, بل يقول مثلا: لعلّك مصاب بمرض عدم تشخيص الألوان! حسناً أنا مريض, ولكن ما بال الناس الآخرين؟! فهذا كذلك مريض ولا يشخص الألوان؟! وذاك أيضا!! يعني الكل مرضى, فقط وفقط أنت السالم؟! يقول: لا أنا لا أقبل هذا الكلام... التفتم؟ هو لا يريد أن يزاح الستار جانباً, ولا يريد أن يفهم, ولا يريد أن يمشي ويتحرّك.. وهذه السنّة جارية من أول يوم, من زمن نبينا آدم عليه وعلى نبينا وآله الصلاة والسلام, منذ ذاك العهد الذي وضعت أمنا المعظّمة حواء قدمها على الأرض, وشرعوا في هذه الدنيا بحياتهم الدنيوية, وبدؤوا بسائر أسباب التكثّر.. فهذه السنّة جارية من ذاك الوقت إلى الآن, وستبقى إلى الآخر.. هذه هي المشكلة الحقيقية, كيف يمكن للإنسان أن يحرّر نفسه قبال المسائل الواقعية والحقيقية, وكيف يجعل نفسه حرّا, ولا يجعلها مغلولة ومحبوسة, ولا يجعل قناعاً وستاراً على رأسه, فالأنبياء إنّما جاؤوا لرفع هذا القناع عن رأسنا.. 

  • نحن نتخيل أنّ الستار والحجاب مخصوص للنساء, لا!! فوق رأس كل واحد منّا ألف قناع.. وألف عباءة.. وألف غطاء, وألف سلسلة وقيود وأغلال.. تبعدنا عن الحقائق والواقعية, صحيح؟!

  • حينما يأتي الإنسان بشكل هادئ, ويعالج مسألة بروية.. ولو مسألة واحدة... أذكر مرة من المرات كنت في إحدى المجالس, وكنت أبيّن مسألة من المسائل لأحد الأشخاص ـ طبعاً أنا أبيّن بشكل مجمل فقط ـ فحينما كنت أقول له: هذا المطلب الذي ألقيه عليك, إن استطعت أن تجد فيه إيراداً وتنقض عليه وتشكل عليه, فأنا أقبل ولا كلام لي, وأما لو لم تر فيه أية مشكلة, فنفس ذلك سوف يكون حجّة عليك, وهو مدرك ضدّك, وإدانة وحجّة تامة إلى الآخر.. وبيّنت له أنّ ما نرمي إليه أمر هام, وله انعكاساته وأبعاده, وعدم رعايته قد يؤدي إلى تشويش في ذهن فلان وفلان.. وهكذا, فآثاره تتنقّل من شخص لآخر ومن وقت لآخر.. والحال أنّ الإنسان لو قرّر من أول الأمر أن يمضي قدماً على ضوء المنهج المنفتح, ويتّبع الأسلوب المتحرّر والمنطقي, سوف يبقى كذلك, وكلّما خطى قدما إلى الأمام, يجد نفسه مجبوراً ومضطراً للمتابعة بشكل منطقي.. صحيح؟ فيتابع الأمور من منطلق الحرية والواقعية, ويترقّى ثانياً وثالثاً ورابعا,ً ويصل إلى الآخر, حتى يصل إلى مرتبة وينظر منها إلى الوراء حيث كان سابقاً!! فأين كان وأين أصبح الآن؟! أين كان!! وكيف كان يفكّر؟ ويفهم أنّ جميع أفكاره التي كان يبني عليها لم تكن صحيحة, ويعلم أنّ جميع مبانيه السابقة وثوابته الماضية كانت مجرّد تخيلات عارية عن الصحة, والآن قد انفتح قلبه وتفتّحت عيناه.. فيفهم أنّ جميع تلك الأفكار الخيالية كانت مانعاً وحاجزاً, بينما الآن أصبح بإمكانه المتابعة والاستمرار.. وعلى جميع الاحتمالات فعلى الإنسان أن يشرع ويتابع.. 

رياضة النفس

5
  • وعليه, فالله سبحانه وتعالى, قد وضع لجميع الأفراد علامات, ونصب آيات للهداية, وذلك ضمن مناسبات وظروف مختلفة, فإنْ تمسّكنا بهذه الآيات والعلامات, فسوف ينفتح الطريق, وأما لو وضعنا عليها ستاراً وأخفيناها, ومحوناها وتناسيناها, ولم نعطها الفرصة لتقوم بهدايتنا, وترسخ في قلوبنا وتنفذ في نفوسنا, بحيث تحوّلنا وترجعنا وتبدّلنا.. لا أن نقول: هو كلام حسن!! لا.. بل أن تبدّل نفوسنا وتغيرها, وتخرجنا من حالة الركون إلى النفس والقوقعة عليها, و الدخول في عالم التوكل على الله, والتمسك بحبل الله, إذا حصل لنا ذلك, فهذا هو التوفيق. لذلك لو ترجعون إلى جميع آيات القرآن, تجدون أنّهم كانوا يضعون آيات الله جانبا ويقولون: {قَالُوا إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُنَا تُرِيدُونَ أَنْ تَصُدُّونَا عَمَّا كَانَ يَعْبُدُ آبَاؤُنَا فَأْتُونَا بِسُلْطَانٍ مُبِينٍ}۱ أي كيف نترك ممشى آبائنا؟ عزيزي! ما دخلك بهم؟! يعني تجدون أنّ الوالد يعيش مع ابنه؛ والحال أنّ الابن يقبل ويتفهّم, بينما الأب لا يتقبل, أو الأب يقبل والابن يرفض.. أو هذا الأخ يقبل وذاك الأخر يرفض, ابن العم يقبل, بينما ابن الخال يرفض, الزوجة تقبل بينما الزوج يرفض.. المرأة تقبل, بينما الزوج لا يقبل, أو الزوج يقبل بينما المرأة لا تقبل.. فليست هذه المسائل ممّا يقبل التبعية والاتباع للآخرين, أبداً.. بل ينبغي أن نفكّر بحرية من تلقاء أنفسنا.

  • أصلا تصوروا أنّه لا يوجد أحد غيرنا في هذه الدنيا, وأنّ الحقائق والمطالب قد نزلت على شخص واحد فقط لا غير, فإنْ استطعت أن يكون ذلك لي فلا تقصّر, عليك أن ترى أنّ هذا القرآن نازل عليك, وأنّ الروايات الصادرة من الأئمة عليهم السلام هي لي, وأنّ المخاطب بهذه المطالب هو أنا, وأما أنّ أبي يقبل أو لا يقبل, فلا دخل لي, فهو له ملفه وحسابه, كذلك أخي يقبل أو لا يقبل فهو له حسابه, كذلك أمي تقبل أو لا تقبل, فهي لها ملفها وحسابها, صحيح؟ فلو كان هناك أخوان أحدهما أضعف من الآخر علمياً, فهل يحق للذكي أن يقول: حيث إنّ أخي أضعف منّي فأنا لا أدرس أبدا!! عزيزي! ما دخلك به, أنت ادرس وعليك أن تبلغ المراتب التي ينبغي أن تجتازها, كذلك مثلا: لو كان لا يحب أخوك ذاك النوع من الطعام فهل أغير ذوقي لأجله؟! لا.. كلّ إنسان يأكل ما يعجبه وما يحبه. 

    1. سورة إبراهيم, الآية۱۰

رياضة النفس

6
  • لذلك على الإنسان أن لا يراعي رأي الأكثرية في عملية التفكير المنطقي, فلا يقول: هذه النتيجة أنصارها أكثر.. وأنّ الأكثرية دليل على صحتها!! لا أبداً.. عليه أن لا ينظر إلى ذلك, بل يتدارس المسألة ويتفهمها وهكذا, ولا يفكر بتعداد الأشخاص المعتنقين لهذه النظرية وعددهم, فيتخوّف من مقابلتهم ومواجهتهم!! التفتّم..؟ حينما نغرق في تبعية الأكثرية نكون قد أخرجنا أنفسنا من الحرية, ونجعل أنفسنا مقلّدين وتابعين ومنقادين لهؤلاء, ومن يفعل ذلك يسقط من دائرة الإنسانية والخلافة والحرية.. وهو بذلك يشبه الحيوانات.. فالله سبحانه وهب الإنسان العقل كي يتعقّل, والإنسان هو الذي يفهم ويشخّص الأمور المبهمة بعقله, سواء فهم الآخرون ذلك أم لا, وعليه أن يأخذ بما وصل إليه عقله ويتمسّك به ويعمل على أساسه ويتّبعه, وهذه مسألة مهمة وأساسية.

  • حقيقة الرياضة تكمن في مخالفة النفس اتجاه تعلّقاتها ونزواتها

  • بناء على ما مرّ, نعود إلى مسألة الرياضة, فكما مرّ سابقا, كلّ ما يولّد للنفس الإنسانية تمايلا وتعلّقا اتجاه شيء معين, ويزرع فيها اشتياقا وتعلّقا نحوه, فإنّ الرياضة تتعلّق به. وكما لا يخفى فإنّ الأمور متفاوتة ومختلفة. فقد يكون شخص يحبّ شيئاً الآن, ولكن بعد مرور عدة سنوات, تصبح نفسه تتنفّر منه بشكل تلقائي, لذلك فإنّ المهم هو المخالفة مع الشيء المحوري والأصلي, أرجو الانتباه! فهذه المسألة دقيقة جداً, لأنّ أصل مبنانا مرتكز على هذه المسألة, فمسألة الرياضة ـ كما عرضنا سابقا للإخوة ـ ليست مجرد الحيلة والمخادعة مع النفس كيفما كان, وليست مجرّد المخالفة مع هوى النفس والرغبات النفسانية, فليست مجرّد مخالفة ظاهرية, بل القاعدة الأساسية هي المجابهة مع اللذة والإحساس بالمتعة, ومقابلة حالة الإحساس بالفوز والظفر بما يرغب, والإحساس بما يشتهي ويريد ويحب, وممانعة الرغبة والأمنية التي تتعلّق النفس بها, هذا هو الأصل, نعم, إنّ لهذه المسألة مظاهر متعددة؛ فتارة يشعر الإنسان بأنّ اللذة تكمن في الأكل والطعام, وأخرى يكون بشكل آخر, فالمصداق يختلف من شخص إلى آخر, فمن الممكن أن لا يكون هذا النوع من الأكل هو الألذّ بالنسبة لشخص معين, ولكن أصل اللذة والتلذذ النفساني هو واحد في الجميع, بناء على ذلك سوف يكون هذا الطعام بالنسبة لهذا الشخص أمراً مفيداً وعقلائياً, بينما يكون بعينه بالنسبة لشخص آخر وسيلة للتمتّع والتفكّه والتلذّذ. مثلا: افرضوا أنّي أحبّ هذا اللون الخاص, فحيث أنّي أحبّ هذا اللون أقوم بصبغ منزلي به, وذلك بدافع الالتذاذ النفسي, بينما يقوم شخص آخر باستحسان ألوان أخرى؛ أخضر, وملوّن أو موشّح.. واقعاً بعضهم لديهم أذواق عجيبة!! يعني يخلطون كلّ شيء.. [ضحك من السيد والحضور] صحيح؟ يعني هو يحب ذلك.. فلا فرق بين هذا الشخص وذاك, فلكلّ سليقته الخاصة به, ولكنّهما يتحدان من ناحية اللذة والرغبة النفسية, غاية الأمر أنّ ظهورها الخارجي متفاوت. ونحن لا نلتفت إلى الظهورات الخارجية, وليست البروزات والظهورات الخارجية هي الملاك في القرب من الدنيا أو البعد. فقد يكون أكل الخبز والجبن موجباً لالتذاذ النفس, بينما بعضهم على العكس من ذلك... كان المرحوم العلامة يقول: حينما كنّا في قم, كان هناك شخص يقرأ على الجنائز دعاءً وقرآنا, وكان يحب شراب "الدبس والخل", يعني كان يحبّ ذلك ويشربه صباحا وظهرا ومساء... وحينما اقترب موعد الانتخابات, سألوه: لمن تعطي صوتك؟ قال: أنا أنتخب شراب "الدبس والخل"!! لا أدري, لعلها كانت انتخابات رياسة الجمهورية.. في ذاك الزمان لم يكن هناك رياسة جمهورية.. لا بد أنّها انتخابات البلدية, أو شيء مشابه, فهذا الشخص من شدّة تعلّقه بهذا الشراب, صار اسمه "دبس الخل" [ضحك الحضور]... يعني كان طبعه بحيث أنّه لا يأكل شيئاً إلا مع هذا الشراب, ولا يتناول شيئا بدون هذا الشراب, فكلّ فكره وحاله هو شراب "دبس الخل", يعني يوم القيامة لا يريد حور العين ولا غير ذلك.. فبماذا تكون رياضته ومجاهدته؟ شراب "دبس الخل".. يعني لا ينبغي أن يقال لهذا الشخص: كم أنت زاهد وعابد؟! وكم أنت معرض عن الدنيا!! لا.. هذه هي دنياه, يعني دنياه لا تخطر على بالنا نحن, فلعلي أنا لم أشرب ذلك من سنوات.. ولكن هذه هي لذة الدنيا بالنسبة له, وهي ما أوجب تعلّق نفسه بها.. فلا فرق ـ من ناحية التعلق النفسي ـ بينه وبين من يحبّ تلك الأطعمة الثمينة التي تكلّف الملايين للوجبة الواحدة, فبعض أنواع الأكل يكلّف الملايين, نظرا لكثرة المراحل التي يطويها ويجتازها كي يصل إلى الآكل!! فكلاهما واحد من ناحية تعلّق النفس, وحسابها واحد, ففرق كبير بين الناحية الشرعية, وبين تعلّق النفس, لذلك فإنّ الحساب سيكون واحدا. صحيح؟ تصوروا لو أنّ مذاقي يحبّ الخبز والبطاطا, فهو بالنسبة لي واحد مع أغلى وأثمن أنواع الأكل, لأنّ نسبة تعلق النفس واحدة في الأمرين.

رياضة النفس

7
  • وما يراه الملائكة هو النية والطلب المخفي في النفس, فنحن لا نراه, بينما الملائكة يرون ذلك. ما نراه نحن هو تنوّع الطعام؛ الخبز والجبن.. ونحن نعجب بذلك, وأما ما يراه الملائكة ليس الجبن والخبز, بل هم يرون تلك الحقيقة والنية المخفية في النفس التي أحضرت هذا الطعام وطهته على أساسها, الملائكة يرون ذاك الهدف النفسي الذي لأجله طهي هذا الطعام, هذا هو ما تراه الملائكة, ومن الممكن أن يكون ما نراه نحن بسيطا وعاديا, هو في الواقع أغلى وأثمن وأشد تعلّقا من الناحية النفسية, وعلى ذلك فقس.. 

  • هذا من ناحية المأكولات.. كذلك من ناحية الملبوسات, وسوف نتعرض لذلك إن شاء الله, فتارة ينتخب الشخص بعض الملابس ليظهر أمام الناس بشكل خاص, فنفس هذه النية قد تتحوّل إلى ستار وحجاب بينه وبين الله, لتغرقه في عالم التخيلات والاعتبارات والتوهمات اللاواقعية. وتارة لا.. يكون الهدف من اللباس الجميل والنظيف والجميل, هو رعاية مقتضى الحال والمجلس, دون أي فخر أو تكبر أو ترفّع أمام الآخرين, فما يقتضيه المجلس ـ بكل بساطة ـ هو هذا النوع من اللباس, دون أي دافع نفساني آخر, ولا إشكال فيه حينئذ. وعلى ذلك فقس في سائر الأشياء والمسائل. 

  • كذلك مسألة أسلوب الكلام وكيفية الإفصاح عما في النفس أمام الناس ومدى انطباق ذلك على الواقع, والإنسان يمكنه بشيء من التأمل والالتفات والدقة أن يعرف ما إن كان كلامه لأجل رضا الله أو أنّه لأجل الأمور النفسية, نسأل الله أن يأخذ بأيدينا ويخلصنا من ذلك.

  • وعليه, فإنّ مرادنا من التعلقات النفسية هو تشكّل النفس لأجل رغباتها اتجاه الأمور المختلفة, فإذا كان الأساس في حركة النفس ليس قائماً على أساس النفس وتلذّذها, بل كان لأجل تحصيل الرضا الإلهي, حينئذ سيكون الهدف من جميع الأعمال هو التقرب إلى الله, حتى لو تلذّذ الإنسان من هذا العمل. وهذه هي القاعدة الهامة.

  • يعني الملاك هو الهدف من العمل والداعي الحقيقي الكامن في النفس, فإن كان لله فلا مشكلة, حتى لو تلذّذ الإنسان برضا الله. يعني: هل من اللازم أن يشعر الإنسان دائما بالمرارة والعذاب والتألّم والمشقة؟! لا.. فالإنسان يتناول الطعام ويتلذّذ به, وكذلك يقوم بالرياضة فيحس بالنشاط والأنس, بل هكذا ينبغي أن يكون, وإلا يمرض ويتعب, مثلا لو ذهب شخص إلى السباحة, وشعر بالارتياح والنشاط, فهذا جيّد وينبغي فعل ذلك لأنّها وسيلة منطقية. وأما لو كان الهدف من ذلك هو التلذّذ النفساني, بحيث يكون هدفه الذهاب والمجيء والتلذّذ فحسب, فسوف يأخذ العمل شكلاً آخر, حينئذ يصبح نفس هذا العمل مقترناً مع وجود تعلّق نفساني, وهنا تكمن المشكلة.

رياضة النفس

8
  • ومن المسائل المهمة والحساسة جداً هي مسألة تشكيل الأسرة, فهي أمر مهم جداً, حيث أنّها من الموارد البارزة جداً لمخالفة النفس ومجاهدتها, وهي ميدان هام جداً لرياضة النفس ومجاهدتها, وهي من المصاديق الواضحة جداً, و في متناول جميع الناس, ولا تحتاج إلى مطالعة وتحقيق, بل هي أمر سهل ومتيسر للجميع, يعني كل إنسان يسأل نفسه عن أيّ عمل يريد فعله: هل هو لأجل الله أم أنّه لأجل الرغبات النفسانية؟ وهنا يمكن للإنسان أن يدقّق في نيّته فيما يتعلّق بالزواج مثلا, فهل الملاك هو تلبية رغبات النفس؟ غاية الأمر أنّنا نتبرّك بقوله صلى الله عليه وآله (النكاح سنّتى) ونأخذه شعاراً وستاراً لهذه الرغبة النفسية؟! فلو كان الملاك هو الاستنان بالسنّة, فهناك سنن أخرى أيضا غير النكاح, فلماذا لا تلتزم بها؟ فالنكاح سنّة هذا صحيح, ولكن لماذا تهرب من تحمّل المسؤولية في الأمور الأخرى, فنحن يمكن أن نخفي بعض المسائل عن الأفراد العاديين أمثالي, ونقوم باستنقاذ بعض الدستورات والمؤيدات منهم كي نستّر نوايا أفعالنا المخفية, ولكن قد يكون في الحقيقة عملاً نفسانياً بحتاً.. 

  • السالك الحقيقي هو الذي يتحمّل تبعات التزامه بالصراط المستقيم

  • ذات مرة.. لا أدري هل نقلت ذلك للإخوان أم لا, يعني بعض الأحيان يتفق أن يصدر من بعض الناس ما يشبه هذا الكلام, ففي زمان المرحوم الوالد كان يحصل ذلك, فبعض الأشخاص مثلا يريد أن يتزوج, ولكن لا يفعل ذلك إلا بعد أن يلبس المسألة بالمرحوم الوالد!! يعني أنت تريد أن تتزوّج.. اذهب وتزوّج, فلماذا تريد أن تلصق المسألة بالوالد!! والحال أنّ ذلك قد يؤدي إلى خراب المسألة أمام أهلك وجميع أقاربك, يعني المسألة تصبح لها تبعات أخرى, اذهب وتزوج دون أن تلصق ذلك بالوالد... الخلاصة, كنّا في المستشفى, مستشفى القلب حينما كان المرحوم الوالد في قسم القلب مدة أسبوعين, حيث مكث أسبوعاً كاملا في العناية الفائقة, فجاء أحدهم إلى هذا القسم, وأنا كنت هناك, وقمت بسؤال الوالد: هل أنت أعطيت دستوراً لفلان أن يتزوج ثانية؟ فقال: متى قلت ذلك؟! فقلت له: فلان يشيع أنّ العلامة هو الذي أمرني بذلك.. فغضب الوالد و ظهر أثر الغضب على محياه وقال: أنا قلت ذلك!! متى قلت ذلك؟! حسناً حينما أترخّص من المستشفى وأعود إلى المنزل, أحضر لي هذا الشخص مع عياله جميعاً, كي نرى متى أنا تفوّهت بذلك. [ضحك من الحضور] فقلت في نفسي: يا للعجب.. يعني كلامي قد أثمر وأنتج [ضحك من السيد والحضور] يعني سوف تتشكّل محكمة [ضحك من الجميع] فبعد عدة أيام رجعنا من المستشفى إلى المنزل, تكلمت مع هذا الشخص وقلت له: الوالد يريد أن يتكلّم معكم حول بعض المسائل, ولم أصرّح له بمضمون المسألة. فجاء مع عياله, وكان الطقس في الصيف حارا جدا, وجلس في باحة المنزل على السجاد, وأنا كذلك جلست هناك, فنظر الوالد إلى ذاك الشخص, وقال: سمعت أنّك قلت لعائلتك: إنّي أمرتك بالزواج الثاني, فتغيّر حال هذا الشخص, وقال: لا أنا لم أقل!! يعني.. أنا متى؟! وأمثال ذلك, ونظر هو إلى زوجته وقال: أنا متى قلت لك أنّ زواجي الثاني كان بأمر من العلامة؟ ومن الواضح أنّ زوجته.. يعني, تحت الضغط والاضطراب, كان واضحاً ذلك, أنّه هناك كلام ومسائل عديدة, يعني من النظرة الأولى يتضح كلّ ذلك, فقالت: يعني طبعاً ليس ذلك بشكل صريح, وبعضهم يزيد وبعضهم يضيف على الكلام.. والحقيقة أنّها لا تجرؤ على الإفصاح للعلامة أمام زوجها, يعني لو تكلمت بالحقيقة, فحينما ترجع إلى المنزل.. يطبق السماء على رأسها [ضحك من الحضور] يعني هذا ما حصل.. ومراد الوالد هو أن يفهم الزوجة أنّي أنا لم آمره بالزواج, وقال لها: ليس لي أيّ يد ولا إشارة ولا تكليف ولا تصريح بهذه المسألة, حسناً.. أنا لدي إطلاع, كذلك الآخرون, بل حتى بعدما ذهب من عند الوالد, عاد وقال لها: إنّما فعلت ذلك بدستور من العلامة! وهذا تكليف منه, هل رأيتم؟! لماذا يكذب الإنسان؟ ونحن كذلك في مثل هذه المسائل, نحن كذلك لدينا مشكلة هنا, ونريد أن نلصق الأمور بالآخرين. عزيزي! حينما تريد أن تفعل ما تشتهيه افعله وانسبه لنفسك وتحمّل أنت تبعاته.. فنأتي ونلفّق المسائل ونلصقها بالنبيّ؟! لماذا؟ لماذا ينبغي أن نقول: إنّ ما نقوم به هو رأي العلماء والأولياء, هو رأي الله ورسول الله!! لماذا؟! لا.. قل هذا هو رأيي والسلام. 

رياضة النفس

9
  • هذا ليس صحيحاً أبداً, هذا خطأ. 

  • يعني نحن في العديد من المواضع نعترض ونقول: لماذا دخلت هذه المسائل على الشرع, ولماذا ألصقت هذه التصرفات بالشرع؟! والحال أنّنا نقوم بذلك من حيث لا نشعر!! الشرع يقول مثلا: (النكاح سنّتي), فما دام النكاح سنّة, وزواجك إنّما كان لله, فلماذا تتذرّع بمسائل أخرى وتنسب زواجك إلى فلان وفلان.. وتحتمي بهذا وذاك.. يعني هل ينبغي أن يكون زواجي ناجحاً ومضموناً من كل الجهات؟! بحيث يكون علينا أن نلفّق مسائل أخرى ونضمّها إلى الأمر الإلهي بكون (النكاح سنّتي)؟! لا.. نفس النبي كان أول من عمل بذلك, وكان قد عمل بهذه القاعدة وكان مبتلى في زواجه, فمن يريد أن يعمل بالشرع عليه أن يتحمّل عواقبه ولوازمه, ولا يتذرّع بشيء آخر, بل لماذا لا ينظر الإنسان إلى حاجات الطرف الثاني في الزواج, ويقوم بحمايته والدفاع عن حقوقه!! ها؟! يعني إذا أردنا أن نعمل بـ (النكاح سنّتي), فنفس النبي الذي كان يقول: (النكاح سنّتي), هو أول شخص عمل بذلك, فكانت تأتي المرأة العجوز للنبي وتقول: 

  • يا رسول الله! أنا لست متزوجة, ولا أحد يتزوجني.. 

  • يعني حال النبي يقول: يعني هل أنا "السمسار" المسؤول عن تزويج الناس!! [ضحك من الحضور] 

  • حسناً, اذهبي وتزوجي... 

  • لا.. تأتي وتقول ثانية: لماذا أنت لا تتزوجني يا رسول الله!

  • وهنا, كان رسول الله شديد الحياء, المرحوم الوالد كان يقول: كان حياء النبي عجيباً جداً, وهذا الحياء هو الذي كان يوقع النبيّ في المشقات والمتاعب. كان يمرّ في الشارع فيأتي شخص ويشكو له: ابنتي لم يتزوجها أحد! يعني ما دخل النبي بذلك؟ يعني إن لم تتزوج ابنتك فماذا أفعل أنا؟! فيأتي ذاك الطرف ويصر أن لماذا لا تتزوجها أنت يا رسول الله!! يا إلهي..! حال النبي كأنّه يقول: إلهي ما هذه الحوالات التي ترسلها إليّ؟! [ضحك من الحضور]... عمر جاء عدة مرات إلى منزل النبي, مراراً وتكراراً حتى ألصق ابنته بالنبي!! نعم هذه هي أخلاق النبي, انظروا ماذا يتكلمون اليوم عن النبي, وكيف يلفقون المسائل عن النبي!! واقعاً بدون إنصاف.. واقعاً لا إنصاف لديهم. 

رياضة النفس

10
  • السالك يبني حياته على أصالة المعنى وتعاضد البقاء وليس أصالة المادة وتنازع البقاء

  • حسنا, هذه المسألة ينبغي أن نفكر بها بشكل دقيق, فمسألة الرياضة, ومسألة مخالفة النفس, ومسألة مواجهة النفس, ومسألة عدم متابعة الهوى, ينبغي أن نزنها ونقيسها بشكل دقيق, وحيث أنّ المسألة حساسة جداً, خاصة أنّ كلامنا عن الزواج, وإن شاء الله سوف نتعرض في الجلسات التالية إلى كيفية الارتباطات العائلية, بين الزوج والزوجة, وكذلك المحيط العائلي, فسوف ترون أنّ عمدة المطلب الذي سأتعرض له يبتني على هذه القاعدة, وهي: هل المحور الذي علينا أن نبني عليه ارتباطنا مع الآخرين, هو المادة وأصالة المادة؟ أم المعنى وأصالة المعنى؟ 

  • فهل نذهب إلى أصالة المادة وتنازع البقاء, أم أنّنا نلتزم بأصالة المعنى وتعاضد البقاء؟

  • فالقانون الحاكم في الدنيا الآن هو قانون تنازع البقاء, والارتباطات بين المجتمعات المختلفة تبتني على أساس تنازع البقاء, والحجر الأساس الذي تقوم عليه جميع الروابط والأمور الحاكمة على المجتمعات المعاصرة ـ وكذلك السابقة ولكن الآن أصبحت أفجع ـ تبتني جميعها على تنازع البقاء, فالأصل بقائي أنا, والأصل طول عمري, والأصل استفادتي وتمتعي وتلذذاتي.. فجميع ذلك يرجع إلى الأنا, وعلى هذا الأساس أقوم بتنظيم علاقاتي مع الآخرين, فإن وافق فبه, وإلا فألغيه وأحذفه من خارطتي, وهذا هو الأصل الحاكم على كل شيء. 

  • الأحزاب التي نراها في كل الدنيا كلها متعارضة ومختلفة, وبيننا وبين الله, إلى أي حد تكون هذه الاختلافات فيما بينها لوجه الله سبحانه وتعالى؟! بيننا وبين الله, أليس الملاك في تنازعاتهم هو بقاء كلّ حزب؛ أنا أبقى، أنت لا.. أنا أستمر وأفوز وأنت لا.. أنا أجمع الناس وأقوم بالدعاية لأجمع الناس حولي, وهكذا..

  • عزيزي! يعني هل أفرادي وجماعتي هي الأليق والأفضل من سائر الأشخاص الآخرين؟!! بالطبع لا, فهم يعلمون أنّ فلانا أفضل مني, ويعلمون أنه هناك طاقات أخرى, ولكن الأصل الأساسي الذي يفكرون به هو: أنا.. جماعتي.. حزبي.. ومهما أمكن فإنّه يبني رؤيته على أساس تنازع البقاء, ويحذفون جميع أنواع الارتباطات الإنسانية التي تؤدي إلى تساوي الأفراد فيما بينهم.. فاستمرار حياتي السياسية والاجتماعية تقتضي أن أفضح الأحزاب المناوئة, وتضطرني إلى أن أسقط الطرف الآخر.. أصلا لا دخل لنا بالدين.. بل حتى الشيوعيين فإنّهم يحترمون الأصول الإنسانية في أعمالهم السياسية, ولا دخل للإسلام أو المسيحية أو اليهودية في ذلك, فحتى لو لم يكن له دين فالأمر كذلك, على الإنسان أن يحترم الأصول الإنسانية والمباني الإنسانية والفطرية, من الأمانة والصدق, والصداقة والمساعدة والتعاون.. لا أنّ يبني رؤيته على تنازع البقاء؛ من الإسقاط والمحو والتهجم والتنازع والتقاتل والتناحر.. لا.. بل ينبغي بناء ذلك على أساس تعاضد البقاء, على أساس المساعدة والتعاون والنصرة, هذا هو الأساس, فحتى لو أراد المجتمع اليهودي أن يبني مجتمعه على أساس متين وقواعد قانونية أصيلة, فهذا المجتمع اليهودي سوف يكون ماشيا على نهج أمير المؤمنين, فهو له ذلك, ولا دخل لليهودية في ذلك, أصلا هذه المسائل لا ربط لها لا بأمير المؤمنين ولا باليهودية, فهي ملاكات واقعية ومنطقية. 

رياضة النفس

11
  • فصاحب الزمان إمامنا الحي, كيف سيكون ارتباطه مع هذه المجتمعات اليهودية والمجتمعات النصرانية والمجتمعات التي لا تقبل الله ولا تعبده, ولا تفهم هذه المسائل, ولم تتوصل إلى التوحيد.. ها..؟ كيف سيكون ارتباطه مع هذه المجتمعات النصرانية والمسيحية؟ لن تكون على أساس تنازع البقاء, بل على أساس التعاضد والمساعدة والتعاون, فإذا كان هناك حاجة إنسانية سوف يرفعها, ولا يقول: لا ربط لي بذلك, فإنه يحترم جاره ويساعده, ولا يتركه ليلا.. بل إن أمكنه مساعدته فلا يقصر, كذلك بالنسبة للرفيق والصديق.. 

  • أهمية صلة الرحم في عملية رياضة النفس

  • أصلا مسألة صلة الرحم أليست مهجورة؟! وأنا أتعجّب من بعض الأرحام, يعني حتى أرحامي أنا, حيث يسألوني عن أحوال بعض الأقارب, والحال أنّهم هم أقرب إليهم منّي!! يتذرّعون بأنّ الزمان صعب وضاغط ووو.. حسنا لماذا ترجع من العمل إلى المنزل إذاً؟ ابق في العمل, أصلا لا تأتي إلى المنزل.. يعني المشاغل الضاغطة فقط تمنعك من زيارة أختك؟! فلا تتمكن من زيارتها وصلة رحمك, أو تقصر مع أخيك, وكذلك ابن عمك وابن خالك.. ولكن لا مشكلة لديك أبداً من زيارة زوجتك!! بالطبع يأتي قبل ذلك بساعة... [ضحك من الحضور] فيعطّل المحل ويغلق المتجر.. لماذا لا تقول في هذا المورد: لديّ عمل! يعني نفعل ما ينسجم مع المشتهيات النفسية والأهواء والرغبات.. وهكذا.. لماذا لا تزور أمّك وأبيك الطاعنين في السن؟! تدرون لماذا؟ لأنّ هذه الأصول قد حذفناها من حياتنا, يعني إن كنت تتذرّع بالانشغالات الكثيرة, حسناً فلا تأتي إلى المنزل أيضا! واذهب إلى زيارة والدتك الكبيرة في السن, فما دام هناك مشاغل فلننقص من هناك, ها؟! يعني سبحان الله, كلّ الطرقات مشرّعة والأضواء الخضراء مشعشعة للذهاب إلى المنزل مع الزوجة وتناول الغذاء اللذيذ وسائر المشتهيات.. بينما الذهاب إلى منزل الوالدة الكبيرة في السن... فلا... هنا لدينا مشاغل وموانع, كذلك الوالد.. وكذلك صلة الرحم للأقرباء.. مشاغل وموانع!! لا عزيزي! قل: أنا لا أريد الذهاب, لماذا تتذرع بالعمل وبهذا وذاك.. فنحن لا نريد أن نعمل, نضع أنفسنا تحت القناع الذي تحدثنا عنه, فكل مبنى وكل قاعدة تلقى على مسامعنا, حتى لو كانت إنسانية ومنطقية وواقعية, نشرع بالتذرع بوجود مشاكل وموانع... فنحن لا نريد تحرير أنفسنا, بل نريد أن نبقي أنفسنا عبيداً.

رياضة النفس

12
  • لا تقاس رياضة النفس بالأفعال الظاهرية بل بمقدار التحرّر من تعلقات النفس

  • سيّد الشهداء عليه السلام له عبارة عجيبة جداً, حيث يقول: "ولا تكن عبد غيرك وقد جعلك الله حرّا", والله! مهما فكرنا في هذه العبارة فهو قليل, يقول: قد خلقك الله حراً, فلا تكن عبد غيرك, لماذا تتنزّل عن مقام إنسانيتك, وتصبح عبداً؟ لماذا تعظّم الآخرين؟ لماذا؟ لأنّه يريد أن يجعلك مديراً, تريد أن يعيّنك في المسؤوليات العالية؟ يعني كي يستخدمك في جهازه تطأطئ رأسك... أيها الأحمق! أنت لا تدري ما هو الشيء الذي خسرته, لا تدري ما هو رأس المال الذي ضحيت به.. الآن يعيّنك وبعد سنتين يعزلك.. ولكن تكون قد خسرت حريتك وعزّتك, فهذا الشيء الذي خسرته أفقدك المناعة, فأنت لم تكن لتلوي رأسك وتنحني أمام أحد, ولكن الآن صرت معتاداً.. والآن بعد ذلك لا يمكنك استرجاع تلك العزة والمناعة ثانية. فقد خسرت تلك الحالة من العزّة والمناعة.. يعني عجيبة جدا كلمات الإمام الحسين عليه السلام, يقشعر لها جلد الإنسان وشعره, وكأنّ حقيقة الإمام الحسين الوجودية قد عجنت وصنعت من الحريّة والتحرّر.. صنعت وجبلت من المناعة, صنعت من العزّة.. وهذه العزّة والمناعة والشرف والحياة. وسيّد الشهداء يدلنا على هذا المقام ويسوقنا إليه.. عجيب سيّد الشهداء! فنحن كلّ معرفتنا بالإمام الحسين تدور حول واقعة كربلاء, فلولا كربلاء لما عرفنا شيئاً عن الإمام الحسين عليه السلام؛ فكيف كان عليه السلام يعيش في المدينة؟! وكيف كان زمن إمامة أخيه الإمام الحسن, وكيف وصل إلى مقام الإمامة والولاية, وحين شهادة الإمام الحسن المجتبى كيف كان؟ يعني فقط ننظر إلى الإمام الحسين عليه السلام من هذا المنظار المجتزأ, نتصوره وكأنّه مجرّد معارضة, لا يمكنه أن يتفاهم مع أحد, فيقتل هذا ويتخاصم مع ذاك, ولا يقبل بشيء ولا يرضخ ولا يتنازل.. فيقتل ويجرح ويقاتل وهكذا.. يعني فقط هذا المقدار, فالكثير كانوا كذلك, وكثير من أعراب الجاهلية كانوا كذلك, ولكن كبكبوا على رؤوسهم في جهنّم, فقد نقلت سابقاً للإخوة, أنّ أعراب الجاهلية من أمراء العشائر وأمثال ذلك, كان لديهم تكبّر وأنانية إلى حدّ أنّه لو أراد أحد أن يقتله ويهجم عليه مثلا, لا يقبل أن يضربه من الخلف, بل يناشده أن اهجم عليّ من الأمام.. وارم سهمك عليّ من الأمام! ويقف ولا يدير وجهه إلى الخلف, كي يقتله ذاك الشخص ولا يقال إنّه قتل من الخلف!! فهل هذه هي الحرية؟! أية حريّة هذه؟! هذا جنون وتحجّر.. لماذا لا تهجم عليه وتقتله؟ لا.. يقول: هذا الذي يريد أن يقتلني من خلفي, ليس من شأني ولا من مقامي, فالذي يريد أن يرمي السهم عليّ من الخلف, فهو ليس من شأني ومقامي كي أحمل عليه, فهو يهاجمني بطريقة خسيسة وذليلة, ولا يليق بي أن أهجم على من ليس من مقامي!! فيقوم ذاك بقتله, وفعلا يضربه ويقتله ويمدّد جنازته على الأرض!! هل هذا حسن؟ يعني رسم ذاك الزمان كان بهذا الشكل, حيث كانت الحرب عبارة عن سيف ورمح وسهم وقوس, كانت الحرب عبارة عن حرية ومواجهة حرة, لا كالحرب التي نشهدها في زماننا من الدبابة والصاروخ والطائرة التي تغير ولا تميز بين هذا وذاك, ولا تميز بين المقيم والمسافر, والشيخ والشيخة والطفل!! فهي مواجهة ذليلة وخسيسة وجبانة, هذا هو الإنسان ذو التكنولوجيا, أما ذاك الزمان فكل منهم يتصارع مع شخص كفيء له, ولا يبدأ بالصراع مع شخص آخر حتى ينتهي من الأول وهكذا. وحينما تبدأ الحرب, فإن صادف شخصاً ليس من مقامه وشأنه فلا يتقاتل معه, بل يقول له: أنت لست من شأني ومقامي كي نتخاصم, أصلا لا يبدأ, وإذا تريد أن تقتلني أنت فافعل ما تشاء.. يعني يخاف على اسمه وأنانيته وغرور نفسه أكثر من حياته!! التفتّم؟ 

رياضة النفس

13
  • ذاك المحور الذي تكلمنا عنه, من التذاذات النفس هي بعينها تتجلى هنا, فهو يسعى وراء التلذّذ النفساني, فيتحمّل القتل والجرح وضرب السيوف والطعن, ولكن في ذلك لذّة نفسانية, فيه لذة.. لذة عدم التراجع عن كلامي.. أنا لم أتراجع عن موقعيتي الاجتماعية.. فهو الذي رمى عليّ السهم من خلفي.. أما أنا فلا...

  • ما هذه المبادئ؟ هذه هي عين الذلة, والانقياد وراء الأهواء والرغبات والملذات النفسانية, وهي علامة سلب التوفيق.. وهي متابعة الهوى.. هل التفتم؟! فنحن نشعر باللذة حتى في الأمور الصعبة والشاقة.. وليست اللذة منحصرة في خصوص الأمور السهلة والمفرحة.. يعني حتى الضغوطات التي نتحمّلها, جميعها قائم على أساس الالتذاذات النفسانية, ولولا هذه اللذة لما تكبدنا ذلك.

  • وعليه, فمتى يمكننا أن نرى هذه الحرية بشكل حقيقي في حياة سيد الشهداء عليه السلام؟ يمكننا أن نرى ذلك زمان حياة الإمام الحسن عليه السلام, فالإمام الحسين زمان ولاية الإمام المجتبى, لم يكن يتكلّم أو يتدخل, فالإمام هو الحسن عليه السلام, وبيده زمام الأمور جميعها, فهو صاحب القرار وليس بيدي شيء, صحيح؟ وبعد ذلك يستشهد الإمام الحسن, وتصبح الخلافة والإمامة والولاية بيد الإمام الحسين عليه السلام, وهنا.. فلا يغيّر من رأسه ويقول: لقد صبرت وتحمّلت زمن أخي, أما الآن... فلا.. بل يمشي على خطّ الولاية نفسها, ويتّبع نفس المنهج بعينه. (لا تكن عبدا لغيرك وقد جعلك الله حرا) فالآن بعد أن وصلت إلى مقام الإمامة, ووصل الأمر إلى المصالحة مع معاوية, والآن الأمور بيدي, فعليّ أن أبدأ بالحرب والمعارضة من الآن!! فما ينبغي أن يحصل بعد عشر سنين من وقعة كربلاء, فليقع الآن.. لا.. لا يقول ذلك أبدا, أو مثلا: ذاك الجريان الذي سيقع بعد موت معاوية وزمان مجيء يزيد فليقع من الآن.. لا أبدا لا يفعل الإمام ذلك, بل يمشي على نفس الممشى الإلهي, فأخي قد عاهد معاوية, وحيث أنّ أخي أمضى هذا الشرط وأبرم هذه المعاهدة, فأنا أنصاع لمقام الولاية التي أبرمت هذا الصلح مع معاوية, وأحترم كلّ ذلك. هذه هي الحرية. وهذا هو معنى (لا تكن عبدا لغيرك وقد جعلك الله حرا), وهذه الحرية أهم من كل مجريات عاشوراء, والحقيقة أنّنا نحن غافلون عن تلك السنين العشر التي مضت بعد شهادة الإمام الحسن وقبل تولي يزيد للسلطة, فنحن نسلط الضوء فقط وفقط على السيف, والسهام, والنبال, ويزيد, والجيش, والثورة, والضرب... 

رياضة النفس

14
  • حرية الإمام الحسين تقضي بأن يقول: إنّ حكومة معاوية التي أمضاها الإمام الحسن ـ ظاهراً ـ فإنّي لا أنقض العهد معها من تلقاء نفسي, نعم الإمام يقوم بواجبه, ويتحمّل جميع أعباء الإمامة, ولا يتنازل عنها قيد أنملة, وهم يعلمون أنّ الإمام الحسين إنّما أمضى ذلك احتراما للعهد الذي أبرمه الإمام الحسن, وهم يعلمون أنّه في هذا الظرف سوف لن ينقض الإمام الحسين عهد أخيه, ولن يثور ولن يقوم ضدّ حكومة معاوية في الشام. وهذه الوضعية التي جسّدها الإمام الحسين عليه السلام هي حقيقة (لا تكن عبدا لغيرك), يعني لا تجعل كلام الآخرين يؤثر فيك, ولا تكن ألعوبة بين يدي اقتراحات الآخرين ونظراتهم ومعاتبتهم.

  • يا بن رسول الله: قم! وثر! وانهض ضد الحكومة الحاكمة!! ولكنّه يقول: لا... فأنت حرّ وعليك أن تبقى كذلك, فأنت الآن الإمام وعليك أن ترى ما تمليه الولاية عليك, ولا تنصاع لما صنعته الأوهام والخيالات, بل كن عبدا لله, فقد (جعلك الله حرا).

  • أيّها الشاب الذي خلقك الله في هذه الأسرة, فقد خلقك الله حرا, فما دخلك بعائلتك التي تمنعك من الهداية.. أيّها الأب الموجود ضمن مجموعة وهم يريدون أن يمشوا في اتجاه آخر, فلا تجعل نفسك مطيعا ومنقاداً لهؤلاء, بل امش بهدفك.. أيتها الأم التي تعيشين ضمن أسرة, جميع أعضائها يمشون باتجاه خاطئ, فلماذا تمشين معهم؟! لماذا تتبعينهم؟ فقد جعلك الله حرّة.. وهم حسابهم عليهم. 

  • أيّتها المرأة التي تعيشين مع زوجك الذي يعيش بطريقه الخاطئ.. ما دخلك بذلك, اعملي بتكاليفك, أطيعي ما هو موافق لأمر الله, وما هو مخالف فلا تطيعيه, والسلام. 

  • بعض الأحيان تتصل بعضهنّ وتسأل عن بعض الأمور... فأقول لها: لا يمكن ذلك, تقول: إذا لم أفعل ذلك تخرب كلّ حياتي.. أجيبها: فلتخرب!! يعني هل تتصورين أن آمرك أو أجوز لك فعل الحرام كي تسلم حياتك؟! يعني هل تفعلين الحرام لأجل حياتك؟ مثلاً يقال لها: اختلطي مع غير ذي محرم, واضحكي معه, وجالسيه.. وسامريه.. سلمي عليه بيدك.. لا عزيزي! أنا لا آمر بهذه الأمور حتى وإن أدى ذلك إلى الطلاق.. فلتطلقي! 

رياضة النفس

15
  • يعني لا يمكن للمرأة أن تفعل الحرام وتوقع نفسها بألف حرام.. يهددك بالطلاق؟! طلقي.. لا يمكن للمرأة أن تتساهل في هذه الأمور, وليس من حقّها أن تتساهل أبداً.. وقد سمعت ما هو أشدّ من ذلك وأفظع.. 

  • وهنا على المرأة أن تقيم الحكم الشرعي, ولا يمكننا التنازل عن الدين والشرع لأجل هذه المسائل.. أصلا, هل نحن نعيش في الحياة الدنيا لأجل الحياة نفسها؟! أم لأجل إقامة حكم الله وإطاعة الشرع؟ فلتخرب هذه الحياة حينما تتعارض مع حكم الله, فحينما تصبح الحياة والعيش مانعان عن حكم الدين والشرع, علينا أن نبعدهما جانباً. 

  • كذلك الأمر من ذاك الجانب, فلو كان الزوج هو الذي يفعل الخطأ, فأنت لا دخل لكِ بذلك, أنت قومي بعملك وتكليفك, وحسابه عليه, وحسابك عليك, بل من خلال صبرك يصبح أجرك مضاعفا. كذلك الأمر من هذه الجهة, يأتي بعض الرجال ويقول: لقد ارتكبت بعض الأخطاء لأجل رعاية زوجتي, وذهبت إلى ذاك المجلس مماشاةً مع زوجتي.. وقمت بهذا العمل لأجل زوجتي.. وإن لم أفعل تعاديني وتنزل السماء على الأرض.. لتفعل ما تشاء.. لا تريد أن تتراجع؟ فلا ترجع! 

  • يعني أنت تتنازل عن دينك لأجل حياتك الظاهرية؟ وتضع إلهك تحت قدميك لأجل زوجتك؟! لا عزيزي, لا قيمة لهذه الحياة حينئذ.

  • ينبغي أن تكون الارتباطات والعلاقات على أساس الرضا الإلهي, فإن تحقّق ذلك فبه, وإلا فالمهم هو الرضا الإلهي, ويجب على الإنسان أن يبني حياته على الحدود والضوابط, ويصلحها على أساس الرضا الإلهي, وإذا أحسّ من نفسه أنّه يتخطّى الرضا الإلهي فعلية أن يتوقف. 

  • مثلاً يقول الرجل لزوجته: لا أريد أن تذهبي إلى مجالس العزاء, فينبغي أن لا تذهب المرأة.. ولو قالت المرأة: لا.. أنا أريد الذهاب, وتبدأ بالضغط, فتبدّل كيفية الطهي.. مثلا: تطبخه حامضاً [ضحك من الحضور] تزيد الملح فيه لتحرقه [ضحك سماحة السيد] فتحرق قلبه [ضحك السيد ثانية] وتذلّه.. الإمام الحسين بريء من هذه المرأة وليس إماماً لها, إمام هذه المرأة هو يزيد الذي تقتدي به وبإغوائه, وسيدخلها بيده إلى جهنّم, حينما يقول لها زوجها: لا تذهبي! ينبغي أن تقول: سمعاً وطاعة.. سوف لا أذهب. 

رياضة النفس

16
  • يعني أنت تريدين الذهاب إلى مجلس أبي عبد الله لأجل إرضاء نفسك أم لماذا؟ هل رأيتم؟ المحور هو رغبة النفس وهواها, الإمام الحسين يقول: ابقي في منزلك, أنا لا أريد أن تأتي إلى حسينيتي, ولا أريد أن تشاركي في مجلسي, فنفس بقاءك مع زوجك هو إطاعة للإمام الحسين, نعم قد يكون بعض الأحيان المنع تعدّياً من زوجك. نعم في بعض الأحيان قد يكون نظر الزوج في محله, يعني بعض الحالات يشعر الزوج أن حياته أصبحت في مهب الريح!! 

  • فجأة تلبس العباءة وتذهب إلى المجلس!!! 

  • بابا ما الذي حدث؟!! إلى أين؟!! [ضحك من الحضور] 

  • يعني تحسّين أنّ في المنزل مسمارا؟! [ضحك من الحضور] 

  • هل يوجد في المنزل مسمار؟!

  • دائما: عزاء.. عزاء.. عزاء.. عزاء.. عزاء.. 

  • جلسة.. جلسة.. جلسة.. جلسة.. 

  • صف ودرس.. صف.. تباً لهذا الصف!! 

  • تفضلي واجلسي في المنزل, كي تشخصي أيّهما أنفع؟ البقاء في المنزل أم الذهاب؟ فأي الطريقين هو طريق الأولياء؟! حتى نأتي نحن ونضيف تخيلاتنا وأوهامنا, ونحرّك الناس على أساسها. فمرام الأولياء وممشاهم يقضي بعدم خروج المرأة من المنزل, هذه هي القاعدة الأصلية, صحيح؟! نعم, إن تخرج مرة أو مرتين في الأسبوع فلا إشكال فيه, إلا في موارد الضرورة؛ طبابة, تداوي, مرض, صلة رحم.. وأمثالها. بينما نحن نجد أنّه الشخص يملّ من المنزل فيقول: أريد أن أخفّف الملل عن نفسي, فأريد الذهاب إلى مجلس الإمام الحسين! عجيب.. لماذا تلصق المسألة بمجلس أبي عبد الله؟! قل: أنا أحب أن أفرّح عن نفسي, قل: لا أحب البقاء في المنزل.. فلو كانت أختكِ تأتي لزيارتك في وقت المجلس, وتجلسين معها وتأنسين وتتسامرين.. فهل كنت لتذهبي في هذه الساعة إلى المجلس!! لو كان ينعقد مجلس أنس يشتمل على ألف غيبة وتهمة وثرثرة... فهل كنت لتذهبي أيضاً إلى المجلس؟! أم لا.. لماذا يخدع الإنسان نفسه؟! لماذا نحتال على أنفسنا..

  • والدنا لم يكن لينخدع أصلا, فما قاله هو كلام حقّ, ومدرسته مدرسة الحقّ, وكل مطالب الرياضة مبنية على هذه الأساس ومن يريد أن يعمل فهو وشأنه, ومن لم يرد أن يعمل فكما يشاء. 

رياضة النفس

17
  • فما نحب أن نفعله ونقوم به, نجد أنّنا نقوم بتوجيهه وتعليله بألف حيلة, ونحاول أن نبرّره بألف وسيلة, هكذا ينبغي أن نفعل؟ أم أنّ الواجب علينا هو القيام بما هو تكليف وواجب..

  • الإمام الحسين عليه السلام الذي ثار في يوم عاشوراء, قد هادن معاوية عشر سنين متوالية, نحن فقط نرى يوم عاشوراء؟ ونقول: الحسين!! نحن حسينيون.. نحن أتباع الحسين.. ولا يعرفون أنّهم في الواقع يقولون: نحن لسنا حسنيين!! هكذا في قلبهم, والحقيقة أنّ الحسين هو حسني وهو تابع للإمام الحسن, فالحسين عليه السلام أكثر حياته المباركة كان تحت تربية وولاية أخيه الإمام الحسن عليه السلام, والسنوات العشر التي قضاها بعد شهادة الإمام الحسن عليه السلام قضاها أيضاً تحت أوامر وولاية الإمام الحسن, وهادن ولم يقاوم, نعم حينما مات معاوية, وجاء يزيد قال الإمام: نحن مع المهادنة إلى أن يأتي مثل يزيد, حينها لا يمكننا أن نهادن أمثال هذا الشخص, ولو كان أخي الحسن مكاني لفعل عين ما فعلته, ولو كان الإمام الحسن زمن عاشوراء لقام بوقعة كربلاء بعينها ودون تفاوت.. يعني هل تتصورون أنّ الإمام الحسن كان سهلاً في الحروب؟! فما وردنا من كتب التواريخ من بسالة الإمام الحسن عليه السلام وشجاعته وبطولته, فإن لم يكن أكثر من الإمام الحسين فهو مثله وليس أقل!! ففي حرب الجمل.. وحرب صفين.. وحرب النهروان.. حينما كان الإمام الحسن عليه السلام ينزل في ميدان الحرب, كان أمير المؤمنين يقول: أرجعوه, أصلا هؤلاء لا يعرفون مقابل من يقاتلون, وضد من يقفون, ولو يصاب بأذى فسوف ينقطع نسل رسول الله.. فما وردنا عن شجاعة وفتوّة وبسالة الإمام الحسن زمن أمير المؤمنين عليه السلام, فليس لدينا ما يعادله بالنسبة للإمام الحسين, نعم لدينا الكثير, ولكن ليس بهذا الشكل, فما وردنا عن الإمام الحسن أكثر. يعني هل صحيح ما يقوله بعضهم, إنّ الإمام الحسن كان يخاف من جريان واقعة كربلاء؟؟ يخاف.. يفزع.. يضطرب!! لا عزيزي! نحن نقيس أفعال الإمام ونزينها على أساس تخيلاتنا الخاصة, فنتصور الإمام وكأنّه لا يمتلك شيئا من العلم والدراية, كما نسمع في هذه الأيام, من أنّ علم الإمام هو مثلنا, وتقوى الإمام جيد, ولكن من الممكن أن يكون بعضهم أعلى.. كذلك اطلاع الإمام على المسائل كسائر الناس.. فإذا أراد الله أن يخبره, ينزل عليه فيض روح القدس, وما شابه ذلك, تماما كالمسيحيين, فالإمام لا فضل له على أحد, فبعض الحالات التي تظهر فيه, فالله سبحانه وتعالى يلقي عليه بعض المسائل كما يلقي علينا تماما في المنام.. أو يلقي في فكره كالإيحاء.. أو يلفت نظره إلى بعض المسائل.. وهكذا سائر المسائل.. والخلاصة الإمام جيد وهو من الصلحاء... شكرا جزيلا أن تكرّمتم على الإمام بذلك!!! نعوذ بالله.. وبعضهم يقول: لا أدري ما الذي فعله الإمام؟؟ وقد تصدر منه المعصية, بل قد عصى ولكن بعد ذلك تاب.. هذه المسائل.. يعني هذه الأباطيل, وأمثال هذه السخافات والتفاهات.. وهي تصدر عن العقول المتعفنة والفارغة..

رياضة النفس

18
  • واقعاً عجيب..

  • الآن نحن نفهم قيمة كلام المرحوم العلامة الطباطبائي رضوان الله عليه للمرحوم الوالد, من أنّه: من لم يمش في طريق العرفان, ويطلع على الحقائق التوحيدية, فسوف لن يتمكن من معرفة مقام الإمامة والولاية أبداً.

  • فنحن الآن نعاين موقعية هذا الكلام, وإن يوفقنا الله في تأليفنا الجديد, سوف نبين مسألة الإمامة والولاية واختلاف فهمنا لها عن الآخرين, وتحديد ما غفل عنه الآخرون, أو تغافلوا عنه عمدا!! وسوف نبيّن ذلك.

  • هكذا كان حال سيد الشهداء عليه السلام (لا تكن عبدا لغيرك وقد جعلك الله حرا) لا تكن عبداً لغيرك.. لا تكن عبداً لغيرك.. 

  • من يترك رياضة نفسه يعيش في الذلة والهوان ويخسر جوهرة إنسانيته

  • أذكر أنّي قرأت رواية عن الإمام, إذا يتذكر الإخوان.. حسب الظاهر أنّها منقولة عن أمير المؤمنين عليه السلام, كذلك منقولة عن سيّد الشهداء أيضاً, الإمام يقول للإمام زين العابدين: (وأعزز نفسك عن كل دنية وإن ساقتك إلى الرغائب) واقعا عجيب!! ينبغي أن نكتب هذه الكلمات ونعلّقها في المنازل ونشاهدها ونقرأها كل يوم, (وأعزز نفسك عن كل ردية وإن ساقتك إلى الرغائب, فإنّك لن تعتاض بما تبذل من نفسك عوضا)۱عليك أن تعزّز نفسك, وترفعها وتعطيها المكانة الرفيعة, وكلّ عمل يمكن أن يتطلب تسافلا وانحطاطا مني, وينزلني إلى ما هو أقل من مقامي... (وإن ساقتك إلى الرغائب) يعني العديد من التحف والكنوز, وتلك المسائل الغالية والرغائب الثمينة, وهي جمع رغيبة؛ كأن يصبح سلطاناً على مملكة بكاملها, أو أن يصبح رئيساً كذا وكذا, أو ذاك المبلغ يكون تحت تصرفك, أو حيازة أية موقعية رفيعة ظاهراً, يعني شامل لكلّ شيء يُعطى إليك وهو أقلّ من إنسانيتك. فأيهما أعلى وأرفع؟! مقام السلطان أم مقام عزّة النفس التي أعطاك الله إياها؟ فهل هناك ما هو أعلى من مقام الشرف الذي أعطاه الله للإنسان بصفته خليفة الله؟ يعني كثيرة جداً تلك الجواهر التي أغفلناها ونسيناها في وجودنا, وأعرضنا عنها, حتى ابتلانا الله بهذه الأمور الدنية؛ المال.. الرياسة.. الذهاب إلى هذا وذاك.. التخاصم والتنافس على حطام الدنيا.. وما يستعقب ذلك من قتل هذا وضرب ذاك.. أدمّر الآخرين.. وأُسقط فلانا... فممارسة جميع ذلك هي ضريبة تناسينا لمقام عزّة النفس.

    1. (وأكرم نفسك عن كل دنية, ون ساقتك إلى الرغائب, فإنّك لن تعتاض بما تبذل من نفسك عوضا, ولا تكن عبد غيرك وقد جعلك الله حرا) نهج البلاغة ج٣ صفحة ٥۱, محمد عبده.

رياضة النفس

19
  • (فإنّك لن تعتاض بما تبذل من نفسك عوضا) أي ذاك الذي أنفقته وأهدرته فسوف لن يرجع أبداً ولن تربحه ثانية أبدا.. فحينما يدفع الإنسان مائة تومان ليشتري سكر, فسوف يأخذ بقيمة المائة تومان, صحيح؟ فمقام الإنسانية التي داس عليها الإنسان بأقدامه, حيث بذل عزة نفسه وحريته, وأنفق تلك الروح التي وهبه الله إياها لقاء بعض الأشياء الدنيئة.. 

  • فبإمكان الإنسان أن يصل إلى مقام شامخ يصبح ـ بتحريك إصبعه ـ قادراً على خلق ألف مملكة في هذه الدنيا. ومع ذلك, تسعى وراء الوصول إلى بعض متاع الدنيا؟ تبيع نفسك وتقع في الكذب, والتملّق, وتغلق عيونك, وتوقع نفسك بألف مخمصة ومشكلة, مما يجعل الإنسان أشد وضاعة من الحيوان وأسفل منه, لأنّه ترك ما أعطاه الله وأكرمه به, حيث جعله في مقام العزّة والإنسانية, وأمره أن يكون حرّا, وأمره أن لا يسجد إلا لله وحده, فالعبد يعني: عبد الله لا غيره.

  • قلت لكم سابقا: في زمان المرحوم الوالد, حيث واجه مشكلة في طباعة أحد كتبه, من ناحية إصدار مجوز الطباعة وما شابه ذلك, فجاؤوا وقالوا لنا: هناك بعض الأفراد ـ يعني المسؤولين ـ يمكنه أن يساعدكم, ولكن يحتاج إلى ورقة منكم أو سلام.. رسالة.. وخاصة أنّ المرحوم الوالد لم يكن يطبع هذه الكتب لأجل الاسترباح.. فالمرحوم الوالد لم يربح ولا عشر تومان واحد من طباعة كتبه!! أصلا.. حتى أنّه كان يقول: بعض الكتب كنّا ندفع من جيبنا, وذلك نظراً لبعض المسائل, يعني واضح جدا, أنّه لو كان هناك شخص واحد مخلص لله في تأليفاته, لكان هو الوالد, يعني لا نريد أن ننفي وجود الإخلاص عن غيره, ولكن إخلاصه مسلّم, ولم نر مثله خالصاً, أو أخلص, ودون أي غرض آخر.. يعني لم نر..

  • تذكرت الآن.. ذات مرّة كنّا عند الوالد, فجاء أحد العلماء من إحدى المحافظات لزيارته, وكان من أهل التأليف, وقد توفي رحمه الله, وكان هناك أحد أقربائنا حاضراً, وما زال إلى الآن على قيد الحياة, فشرع بالاعتراض على الوالد بالنسبة لتساهله في طباعة كتبه, والظاهر أنّه كان بينهما مباحثة في الزمان السابق, فقال له: أنا سجلت في الدولة كي أحجز مقدارا من الورق لأطبع كتابي, فجاء شخص آخر وقال أعطني هذا المقدار لأطبع كتابي بدلا منك, فقلت له: عزيزي! هذا سهمي, يعني انتظرنا طويلا حتى حصلنا على ذلك, وظلّ يصرّ ويطلب أن يتحلّل منّي لأخذ هذا المقدار من الورق, ولم يقبل أبداً, وأخيراً قال: انتهى الأمر بمعركة ومشكلة, وبعد ذلك شرع بالكلام علينا, وبقي مصرّ وكأنّني مدين له!! يعني بعد كل هذه المساعي التي تعبنا وأقدمنا وسعينا وتعبنا.. فأنا لا أدري إلى أيّ حدّ يسعون ويقدمون أوراقاً ومدارك كي يحصلوا على هذا المقدار من الورق.. فأنا لست خبيرا بذلك [ضحك من السيد].. 

رياضة النفس

20
  • انظروا هذا النموذج من العمل لوجه الله, وبين ذاك النمط؟ حيث يأتون إلى المرحوم العلامة ليكتب ورقة أو رسالة, ليعطوها للمسئول الفلاني كي يمضي معاملة طباعة الكتاب الذي كتبه وألفه!! فأنا قلت لهذا الشخص: إنّ المرحوم الوالد لا يقبل بذلك, ولكن قال: حسنا, أنت قل للوالد أن يعطينا هذه الرسالة, فجئت حيث كان يستريح بعد الظهر, فقلت له: بالنسبة لطباعة الكتب.. إذا يعني تكتبون... فما إن بدأت ولم أكمل, قال: لا.. أبدا!! إن أجازوا أجازوا, وإلا فلا.

  • رجعت وقلت لذاك الشخص: قلنا لك هو لا يوافق..

  • هذا يعني (وأعزز نفسك) يعني حتى للعمل الذي هو لله, فلا بدّ وأن تكون عزيزاً, فالمؤمن لا يبتغي الذلة في جميع ذلك, ولا يرغب أن يقع تحت منّة أحد, فإن شاء الله تُطبع, وإلا فلا.

  • كان يقول العلامة رضوان الله عليه: وظيفتي أن أكتب, والسلام, وأما نشره وتصميمه وغلافه سواء كان جذابا أم لا... وطرحه وتخطيطه, وبيعه, لا شأني لي بكل ذلك.

  • (وأعزز نفسك عن كلّ دنية وإن ساقتك إلى الرغائب) حتماً الرفقاء يطبعون هذه الرواية ويضعونها في منازلهم, , يعني أن نضع هذه العبارات وتقع عيوننا عليها كل صباح وكل يوم فهذا له أثر كبير على النفس, فهذا له أثر كبير على أفعالنا في ذاك اليوم, فلو أردنا أن نذهب إلى الدكان فعبارة سيد الشهداء لها أثر على ذلك, ولو أردنا الذهاب إلى المكتب فهذه العبارة لها أثر أيضا, ولو أردنا مراجعة المؤسسة الفلانية فهذه العبارة لها مكانتها وتأثيرها أيضاً, وكذلك أثناء ارتباطنا مع الناس فلهذه العبارة موقعها أيضا, فلا ينبغي أن ننسى هذه العبارة أبداً, وإلا فينسى الإنسان ويغفل, وتأتي النفس وتوقعه في الغفلة وتخرجه عن جادة الطريق.

  • حسناً, كان محور كلامنا يدور حول بيان كيفية بناء الأسرة, وسبل الشروع بالزواج, ونظرة الإسلام إلى الزواج, واستعراض المباني والمدارس المختلفة التي تعرضت لموضوع الزواج, وهذا هو محور كلامنا حسب المقرر, ولم نوفق لإكماله, نعم كان كلامنا الأساسي حول دراسة جميع موارد رياضة للنفس, وسوف نتعرض لذلك إن شاء الله.

رياضة النفس

21
  • نسأل الله أن يوفقنا جميعاً, وأن يتغمدنا بلطفه, وأن يمنّ علينا بالإدراك الصحيح لهذا المطلب, فأولاً: لا بدّ من الإدراك الصحيح للمطلب, ثانياً: لا بدّ من التحرّر والحرية كي يستطيع أن يتقبّل حقيقة المطلب.

  • كان يقول المرحوم العلامة: قبل أن تتأملوا بالمطلب, عليكم أن تفهموا أولا بشكل صحيح, فلا تقضي وتحكم, ثمّ بعد ذلك تقول: إن شاء الله نفهم فيما بعد, لا.. هذا ليس مسلك العرفاء, بل هو ما ينسجم مع الدراويش والمدارس الأخرى... لا.. إنّ مرام ومدرسة أولياء الله, تبتني أولا على الفهم, وثانياً: على رفع الحجاب, فلا تغلق عينيك أبداً, بل تأمّل وتفهّم, وما إن تفهم, فتحرّك بسرعة, ولا تتوقف.. ما إن تفهم تحرّك وامش.

  • كان يقول المرحوم العلامة رضوان الله عليه: حينما جئت إلى قم كنت أواجه العديد من الأفراد, وجميعهم معممون, وكلهم من العلماء, ومن الطبيعي أنّ بعضهم ـ كسائر الأفراد ـ مظهرهم يوحي بالفساد وعدم الصلاح, وكنت أقول: هذا لا ينسجم مع هذا المسلك, وكذلك كنت أرى ذاك الطرف أيضا بشكل آخر, وكنت أتردد وأفكّر وأقايس بين هذه الأمور, إلى أن ذهبنا في يوم من الأيام إلى إحدى المجالس, وذلك أن دعانا أحد الأصدقاء.. أحد أصدقاء الوالد, وما زال الآن على قيد الحياة, ذهبنا إلى مجلس وعظ المرحوم الشيخ عباس الطهراني, وهذه القضية نفس ذاك الشخص نقلها لي بعد وفاة المرحوم العلامة, فالمرحوم الشيخ عباس الطهراني كان قد طرح في المجلس عدة مطالب. فقال المرحوم الوالد: ما إن خرجت من هذا المجلس حتى فهمت كل المسألة, وعيّنت طريقي بشكل واضح, يعني اتضّح لي الأمر بشكل جلي, وفهمت أنّ التقدم إلى الأمام لا يمكن بدون النظر والتأمل بالمباني ـ وأمثالها ـ التي كان قد بينها, فكثير من المظاهر لا تنسجم مع المباني أصلاً, ولكن لو قصرنا النظر عليها فسوف يكون الحكم مغايراً, وأما لو تأملنا بوجه المسألة من ناحية أخرى, فسوف يتغير الحكم.

  • وكان يقول: إن الشيخ عباس الطهراني كان شخصا عظيماً, وكان من الأوتاد والصلحاء, فكان قد تكلّم أكثر من ساعة كاملة حول المسائل الأخلاقية وتحديد الملاكات والمباني, وتحديد الأسس العملية للحياة وتشخيص الأمور الهامة.

رياضة النفس

22
  • فكان يقول الوالد: بعد أن سمعت هذه المباني, اتضحت المسائل أمامي, وتعيّن سيري, وتحدّدت وجهة حركتي, وعرفت أنّ هذا هو الحقّ, ولم أعد أغلق عيوني, وأضع على رأسي حجاباً وقناعاً, وصرت أقيس كلّ شخص على هذه المباني, فكلّ من انطبقت عليه المقاييس فهو مقبول, وكلّ من خالف هذه الأوصاف فهو لا يستحق أكثر من رتبته. 

  • ووصل الأمر بي إلى أنّي سمعت من بعض الأفراد البارزين في النجف, كان يقول: حتى لو اقتضت الأمور خلاف رضا الله, يمكن للإنسان أن يفعل ما يشاء إذا اقتضت الضرورة ذلك, أنظروا كم هي المسافة بعيدة بين هذا النمط من التفكير وذاك..

  • والمهم هو أنّ هذا الذي يتكلم بالكلام المنحرف, لم يكن من الأول كذلك!! لا عزيزي! بل هو تدرّج في الانحراف والعمى, فكلّ يوم كان يضع قناعاً, وكل يوم يضيف حاجباً.. ورويدا رويدا وصل إلى هذه المرحلة. فالله يقول له: أنت أعميت نفسك! ووضعت على رأسك قناعا وحجاباً؟ حسناً, سوف أضعك تحت ألف لحاف أيضاً.. بل نوع اللحاف الذي نستعمله لا يمكن لشعاع الشمس أن يخترقه أبداً, فلا تستطيع تشخيص شيئ من شيء. بل تصل إلى حدّ أنّك تقوم بخلاف رضا الله إن اقتضت المصلحة!! 

  • عزيزي! هذا الكلام قد صدر منهم..

  • والآن أيضاً, موجود أمثال هؤلاء الأفراد, حتى لو جاء النبي وقال: الطريق من هنا, فلا يقبلون.. ولو يقال: تعالوا واستمعوا, يقولون: لا نريد.. فهؤلاء قد وضعوا لحافا وقماشا وحجابا على رؤوسهم, 

  • فأولا ينبغي أدراك المطلب بشكل صحيح.

  • ثانيا: التوفيق للحرية والتحرر في الفهم. 

  • ينبغي أن ندعو الله أن يرزقنا ذلك إن شاء الله..

  • نسأل الله أن يديم ظلّ الولاية فوق رؤوسنا دائماً, وأن يوفقّنا لزيارة صاحب الولاية في الدنيا والشفاعة في الآخرة..

  • اللهم صل على محمد وآل محمد..