المؤلّفآية الله السيد محمد محسن الحسيني الطهراني
القسمعنوان البصري
المجموعةالولاية والهداية
التوضيح
ألقى سماحة آية الله السيد محمد محسن الطهراني محاضرة عنوان البصري المجلس الثالث،باللغة الفارسية، بتاريخ:16 صفر 1419هـ ق، وتساءل فيها عن ما يلي: لماذا أعلن الإمام عليه السلام لعنوان عدم إمكانيّة الارتباط به؟ وهل لمسألة الهداية والإرشاد علاقة بحضور الإمام عليه السلام أو غيبته؟ وكيف يكون للولاية إشراف على عالم الوجود بأسره، بحيث يقتضي ذلك وصول الهداية إلى جميع المستحقّين؟ وهل طرق هداية الإمام والوليّ للناس واحدة، أم أنّها تتعدّد بتعدّد الظروف والأشخاص؟ وما هي الوظيفة الملقاة على الناس في هذه الحالة؟ هذه تساؤلات ـ بالإضافة إلى تساؤلات أخرى ـ تعرّض سماحة آية الله الحاجّ السيّد محمد محسن الطهراني للإجابة عنها في هذه المحاضرة القيّمة.
هو العليم
كيف يهدي الإمام عليه السلام في حضوره و غيبته؟
شرح حديث عنوان البصريّ - المحاضرة ٣
ألقاها
آية الله الحاجّ السيّد محمّد محسن الحسينيّ الطهرانيّ
قدس الله سره
أعُوذُ بِاللَهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيم
بِسمِ اللَه الرَّحمَنِ الرَّحِيم
الْحَمْدُ لِلّـهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ
وَالصَّلاةُ وَالسّلاَمُ عَلَي سَيِّدِ الوَصِيِّينَ وَأَشْرَفِ الأنْبِيَاءِ وَالْمُرْسَلِينَ
أبِي الْقَاسِمِ الْمُصْطَفَى مُحَمّد وعَلَى آلِهِ الطَّيِبِينَ الطَّاهِرِينَ الْمَعْصُومِينَ الْمُكَرَّمِينَ
وَالْلّعْنَةُ عَلَى أَعْدَائِهِمْ أَجْمَعِينَ
إرجاع الإمام عليه السلام السبب في عدم إمكانيّة ارتباطه بعنوان إلى مسألتين: الأولى اجتماعيّة والأخرى شخصيّة
تقدّم أنّ الإمام الصادق عليه السلام ـ وفي ضمن جوابه على عنوان البصري ـ قد أعطى تبريرين لعدم إمكانيّة قبوله والارتباط به, أحدهما: يرجع إلى جهةٍ اجتماعيّة, والآخر: يرجع إلى جهةٍ شخصيّة. أمّا بالنسبة للجهة الشخصيّة, فقد قال الإمام: بأنّي لا أقضي أوقاتي في المنزل في الأمور الباطلة, بل أقضيها في قراءة الأوراد والأذكار, «إنّ لي ذكراً وورداً في آناء الليل والنهار», فأنا أغتنم ساعاتي في المنزل... ولا يخفى أنّ هذه العبارة قد وردت في الفقرة الثانية.
وأمّا بالنسبة للفقرة الأولى, فيقول الإمام: «إنّي رجل مطلوب», يعني: أنا مراقَب، أي يوجد لديّ ـ من الناحية الاجتماعيّة ـ عائق يمنعني عن الارتباط بك, فأنا مراقَب، ومن الناحية الشخصيّة كذلك لديّ عمل في المنزل.
نعم، فالإمام لا يدرس لكي يأتي ويقول: يجب أن أُطالع في المنزل وأريد أن أهتمّ بكتبي ودروسي! فعلومهم سلام الله عليهم لدنّية. إذن، كيف يقضي الإمام أوقاته في المنزل؟ يقضيها في العبادة بطبيعة الحال, فعبّر عن العبادة بالذكر والورد, وسوف يأتي ـ إن شاء الله ـ بحث الوِرد والذِكر, وسوف نذكر هناك سبب احتياج الإنسان للوِرد، ونبيّن سبب احتياج الإنسان للذكر في طريق السير والسلوك, ونبيّن كيفيّة تأثير الذكر والوِرد في النفس, ونبيّن سبب مخالفة بعض الأشخاص لهذا الأمر.
وأمّا بالنسبة للنقطة الأولى, فيقول الإمام: إنّي رجل مطلوب, يعني: أنا مراقَب, وأنا ملاحَق من قِبل الحكومة, وهم يلاحقونني, ويُمكن لهذه الملاحقة والمراقبة أن تكلّفني الكثير، فقد تؤول هذه المراقبة إلى مشاكل بالنسبة إليّ.
والكلام هنا: هل يُشكّل هذا المانع ـ الذي ذكره الإمام هنا ـ حاجباً وعائقاً أمام تكامل الناس ورقيّهم وهدايتهم؟ يعني: نظراً لكوني تحت المراقبة والملاحقة، فقد انسدّ باب الهداية, وليس لكم الحقّ في المجيء إلى هنا, وأنا لا أستطيع أن أساعدكم أيضاً, فينقطع الارتباط بيننا, بحيث عليكم أن تفعلوا ما تشاؤون.. هل هذا هو المانع؟! لو كان الأمر كذلك حقّاً، فهو ليس بإمام.
ففي الجلسة السابقة تبيّن أنّ الأدوار والأطوار التي تجري على الأئمّة مختلفةٌ، ففي بعض الأحيان، نرى أنّ ارتباط الناس بالإمام عليه السلام كان بمنتهى اليُسر والسهولة، فكانوا يرونه متى ما يشاؤون. فأمير المؤمنين عليه السلام جلس خمساً وعشرين سنة في المنزل، فماذا كان يفعل الإمام طوال هذه المدّة؟ ففي جزء منها، كان قد جمع القرآن بذاك النسق المذكور.. وقضى تلك المدّة بهذا النحو.
وماذا كان يفعل بعد ذلك؟ لا بدّ أنّه كان يقضي وقته مثل الإمام الصادق عليه السلام في الورد والذكر، فأمير المؤمنين لم يكن يدرس أو يطالع، فهذا الدرس لأمثالنا نحن.. فنحن إن لم نقرأ الكتب، لا نتعلّم شيئاً, ولا يمكننا بدون ذلك أن نبيّن شيئاً, فعلينا أن نقرأ ونجمع من هذا الكتاب ومن ذاك الكتاب حتّى نتمكّن من عرض موضوعٍ معيّنٍ، وبعد ذلك ننسب هذه الأفكار لأنفسنا فنقول: «تكلّم فلان كلاماً حسناً»، «إنّ فلاناً ألقى مواضيع جيّدة» «كان مجلس فلان رائعاً ومفعماً»، «كان كلام فلان جميلاً جداً، وكان يقرأ روايات عالية المضامين».
قيمة كلام أهل العلم يرجع في الحقيقة إلى قيمة كلام أهل البيت عليهم السلام
حسناً, من أين جاءت هذه القدرة على الكلام وبيان المطالب؟ لو يأخذون منّا هذه الكتب، ويأخذون منّا هذه الروايات، ويسلبون منّا هذه المصادر والمراجع العلميّة, فماذا سيبقى لنا كي نستفيد منه؟!
بناء على ذلك, فإنّ قيمة كلامنا وقيمة حديثنا تعود إلى قيمة الأصل والمرجع والمنبع الذي ننهل منه، من دون أن يكون لنا ربط بذلك. فإذا كنت أتكلّم بشكل جيّد، فإنّ ذلك يعود إلى نقلي لكلام المعصوم؛ فهذا الحُسن ليس لي, وإنّما نسبته إليّ مجازاً. فهذا الجمال والحسن هما ـ في الحقيقة ـ لكلام المعصوم، وما شأني أنا بذلك؛ فلو ذكرتُ أشعاراً في كلامي للتمثيل والتشبيه والتقريب، فهذا الحُسن يرجع إلى ذلك الشاعر ولقائل تلك الأشعار؛ لأنّه هو الذي أنشأها.
وعليه، فكلّ هذا المديح الذي أُمدح به ـ أنا وأمثالي ـ إنّما يُنسب إليّ بالعرض والمجاز لا بالحقيقة! أمّا بحسب الحقيقة، فهو للإمام عليه السلام، وللمعصوم عليه السلام. فإذا كنت أميناً، فعليّ أن أردّ هذه الحقيقة إلى أصلها ومنبعها, وإذا كنت ـ لا قدّر الله ـ خائناً، فسأنسبها إلى نفسي!
بناء على ذلك, لماذا لا نبيّن مصدر ألفاظنا وكلماتنا وكتاباتنا حينما ننقل أمراً معيّناً؟! ولماذا لا نذكر ذاك الأصل والمصدر؟!
افرضوا أنّ شخصاً طرح وبيّن فكرةً أخلاقيّةً أو موضوعاً فلسفيّاً وحِكَميّاً أو عرض فكرةً اجتماعيّةً, ثمّ قمنا نحن بنقلها وجعلها لوحةً، ثمّ زيّنا بها الحائط في منزلنا وعرضناها أمام الناس، هنا عندما نعلم أنّ هذا الكلام أُخذ من مصدرٍ معيّن، وله مرجع يرجع إليه، وعندما نعلم بأنّ جمال هذه الكلمات مستعار، وليس بجمالٍ أصيلٍ وحقيقيّ، لماذا لا نذكر أصله ومنبعه ومرجعه الذي يرجع إليه؟
من باب المثال: افترضوا أنّني نقلتُ كلاماً عن الإمام السجّاد عليه السلام, وأنتم بدلاً من أنْ تنقلوه عن الإمام عليه السلام، وبدلاً من أن تزيّنوه بالاسم المبارك للإمام السجّاد عليه السلام، أتيتم ونسبتموه إلى فلان، وقلتم: إنّ فلان الفلاني هو من قال هذا القول! إنّ هذه خيانة! فما شأني أنا بذلك؟ لماذا لا نذكر المصدر والمنبع والأصل؟! لماذا لا نعرض تلك الحقيقة التي تضمّ تحتها جميع هذه المجازات؟!
إنّ كلام المعصوم عليه السلام يتّسم بالعصمة، فالإمام عليه السلام معصوم, وماذا يعني أنّه معصوم؟ المعصوم هو الذي لا يمتزج شيء من قدسه وطهارته بشائبة الكثرة ولا بغبار التوغّل في المادّة والدنيا.. هذا هو المعصوم. ولأنّه معصوم فكلامه ثابت وخالد؛ فالإمام عليه السلام ثابتٌ وخالد، والعصمة المطلقة مختصّة بالمعصوم عليه السلام، أمّا بقيّة الناس، فكلامهم ليس بثابت ولا خالد! لماذا؟ لأنّه ما لم يصل الإنسان ـ كائناً ما كان ـ إلى مرحلة الطهارة المطلقة, فكلامه مهما بلغ من العلوّ والرقيّ، إلاّ أنّه ممتزجٌ بالكثرات.
فنحن تارةً ننظر إلى نفس الكلام؛ كما لو نقلت لكم روايةً عن الإمام عليه السلام، وبعدها يصبح هذا الكلام المنقول خالداً تبعاً لخلود وثبات الإمام عليه السلام، فلا دخل لي بذلك، فأنا مجرّد واسطة لا أكثر، تماماً كشريط التسجيل هذا.. فأنتم تُلاحظون أنّه يوجد عدّة أشخاص يقومون بالتسجيل؟ فهل لآلات التسجيل هذه أيّة قيمة؟! فعملها يقتصر على تسجيل الكلام فقط، وحتّى لو كانت متميّزة، فأقصى ما تقوم به هو عمليّة التسجيل بشكل حسن وبجودة عالية، ودون أن تُدخل فيه الذبذبات أو التشويش.. هذا هو دورها لا أكثر. وأنا بدوري أفتح الكتاب وأقرأ رواية عن الإمام عليه السلام, وأزيّن نفسي بهذا الكلام وأضفي على نفسي الرفعة والعلوّ، وأرفع من شأني! لكنّ جميع هذه الرفعة لمن؟ إنّها لذلك الكلام الصادر عن الإمام، وليست لي أنا! فإن كان المراد هو الكلام، فكلام المعصوم خالد, وأمّا إن كان المراد هو الشخص (الناقل)، فالشخص لا يُمكنه أن يكون خالداً وثابتاً, فمن هو الخالد والباقي؟! هو المعصوم فقط؛ فهو الذي خرج من عالم الكثرة إلى عالم الإطلاق، أمّا البقيّة، فشائبة الكثرة ما زالت فيهم ولا يُمكنهم أن يكونوا خالدين.
عدم ارتباط الهداية والإرشاد بحضور الإمام عليه السلام أو غيبته
لقد بقي أمير المؤمنين عليه السلام في منزله خمساً وعشرين سنةً, وكان يتردّد عليه الناس ويأتون إليه، وكان بابه مفتوحاً لكلّ من أراد أن يستفيد منه، وأمّا الذين لم يكونوا يرغبون في الاستفادة منه, فلم تكن لهم علاقة به عليه السلام. لقد بقي الإمام لمدّة خمس وعشرين سنةً على تواصل مع الناس، وفي خدمتهم.. وهذا الأمر كان في فترة زمنيّة معيّنة، ولكنّنا نجد أنّ الأمر قد اختلف في فترةٍ زمنيّةٍ أخرى، كما كان عليه الحال في زمن الإمام الصادق عليه السلام، حيث يقول لعنوان في هذه الفترة: لا تأتِ! فمجيئك إلى هنا يُسبّب لنا المشاكل، ويُؤدّي إلى وقوعنا في متاعب.
كذلك الأمر في عصر الإمام موسى بن جعفر حيث كانت تلك الفترة فترة قمع، وكانت فترةً عصيبة، ولم يكن بإمكان أحدٍ أن يأتي عند الإمام موسى بن جعفر عليه السلام. كما أنّ عصر الإمامين العسكرييّن كان عصراً عجيباً جدّاً!
ففي عصر الإمام موسى بن جعفر، مرّت عدّة سنين والإمام حبيس في السجن! وانقطع ارتباطه بالناس وتواصله معهم بشكلٍ تامّ! حسناً، ففي هذه الحالة، كيف يُصبح تكليف الهداية والإرشاد؟ وما هو التكليف في هذه الحالة؟ فقد بيّنا سابقاً أنّه ـ بشكل عامّ ـ لا علاقة بتاتاً لمسألة الهداية والإرشاد بمسألة الحضور والغيبة؛ فالهداية عبارةٌ عن ارتباط النفس بمبدئها, وكيفيّة توجّه النفس وتوجيهها من قِبل الله تعالى ومقام الولاية الكليّة، وذلك بحسب ما تتمتّع به هذه النفس من خصوصيّات.. هذه هي حقيقة مسألة الهداية!
وكثيراً ما كان يتّفق في زمن الخلفاء بأن يأتي بعض علماء اليهود والنصارى إلى المدينة، ويُحاجِجوا الخلفاء ويغلبوهم. فما إن يتغلّبوا عليهم ويهمّ ذاك اليهودي أو النصراني بالخروج من المسجد، بحيث يرى أنّ باب الهداية قد انسدّ بوجهه، حتّى يأتي أحد أصحاب أمير المؤمنين عليه السلام، ويلتقي به ويسأله: ما الأمر؟ إلى أين أنت ذاهب؟ كيف حالك؟ وما بالك؟ فيبيّن له حقيقة الأمور ويشرح له مجريات الأوضاع، فيأخذه حينئذٍ إلى منزل أمير المؤمنين عليه السلام، أو أنّ هذا الصحابي كان يذهب إلى أمير المؤمنين ويخبره بما حصل، فيأتي أمير المؤمنين إلى المسجد بنفسه ويعطيه الجواب الشافي!!
للولاية معيّة مع الناس بكلّ شراشر وجودهم
فمن الذي أرسله؟ أمير المؤمنين هو الذي أرسله.. هذا هو الذي نسمّيه بـ «الولاية»! فصحيحٌ أنّ أمير المؤمنين عليه السلام جالسٌ في المنزل, لكن في نفس الوقت له معيّة مع الناس بكلّ شراشر وجودهم. فبدنه جالس في المنزل، ولكنّ حقيقته أقرب إلى ذاك الشخص من نفسه. فيكون ذلك الشخص خارجاً من المسجد, ويكون أبو ذرّ قد عزم على الذهاب إلى مكان معيّن، فإذا به فجأةً يُغيّر مسيره, فيدخل المسجد ـ من باب المثال ـ ويقول في نفسه: فلأصلّي ركعتين في المسجد, فيصلّي ثمّ يطّلع على مجريات الأمور، فيقول [لذاك الشخص المُحاجِج]: تمهّل!! فيذهب إلى أمير المؤمنين ويقول له: يا عليّ تعال وأنقذ الإسلام من الضياع، فيذهب حينها أمير المؤمنين عليه السلام ويحلّ المسألة. فمن الذي قلب فكر أبي ذرّ؟ ومن الذي غيّر مسيره؟ ومن الذي أدخله المسجد؟ من؟ هو عليّ عليه السلام نفسه.
نحن نتخيّل أنّ ذلك كان مجرّد صدفة, ونظنّ أنّ مسألةً ما قد حدثت صدفةً، فجاء أمير المؤمنين عليه السلام ليحلّ هذه الشبهة ويرفعها. وعليه، فما هو الفارق بين أن يكون عليّ متصدّياً للخلافة ومتربّعاً على مسند الحكم، ويقول بصوت عالٍ: «سَلُونِي قَبْلَ أَنْ تَفْقِدُونِي فَإِنِّي بِطُرُقِ السَّمَاءِ أَخْبَرُ مِنْكُمْ بِطُرُقِ الأرْضِ»۱، وبين أن يكون جالساً في المنزل، ويُحضر نفسه في قلب الأحداث بهذا النحو؟
إنّ جميع هذه الأحداث نابعةٌ من منشأ واحدٍ ومنبعٍ واحدٍ.. فكلّ هذه التصـرّفات ـ سواءً التي حدثت في هذه الواقعة أم تلك ـ تندرج تحت خطٍّ واحد؛ فقد كان ذلك الخطّ هو خطّ الولاية في مقام الإبراز والإظهار على الملأ، بينما هذا الخطّ هو خطّ الولاية في مقام الإخفاء والاختفاء، لكنّهما يؤولان في الأخير إلى جهةٍ واحدةٍ هي التي تتصرّف فيهما وتقوم بمتابعتهما من دون أن يختلف الأمر في ذلك ولو بمقدار رأس الإبرة! وإلاّ لوحصل اختلاف بينهما، فإنّ ذلك سيكون ظلماً محضاً. فنظام التكوين ليس ملقىً على عهدة الناس, ولا تخضع الحوادث التكوينيّة ولا نظام التكوين لاختيار الناس وإرادتهم، فقد تحصل اليوم قضيّةٌ معيّنة، وتحصل غداً قضيّة أخرى، وقد تندلع اليوم حرب، وغداً يحصل الصلح، وقد يكون اليوم يُسر وغداً عُسر. فهذا الاختلاف الذي يجده الإنسان في حياته ويعرفه المسار الطبيعي لمعيشته هو خارج عن اختياره, وعلى الأقلّ أنّ أغلب ذلك ليس بيده. وأمّا الأمر المهمّ والذي يكون خاضعاً لإرادة الإنسان واختياره، فهو التسليم قبال الحقّ.. هذا هو الأمر المهمّ! فالتسليم في مقابل الحقّ هو المهمّ للإنسان، وأمّا اختلاف الظروف ـ بأيّ نحوٍ كان ـ ، فقد لا يكون خاضعاً لاختيار الإنسان.
اتّصال الإنسان بالوليّ لا يخضع للزمان والمكان
لقد قال المرحوم السيّد الحداد للمرحوم الوالد قدّس الله سرّهما: «يا سيّد محمّد حسين! مِن جهتي، لا يهمّ سواءً أكنت في العراق أم في كربلاء أم في النجف أم كُنتَ بقربي أم كُنتَ في أقصى الأرض؛ فلو كنت في الغرب وأنا في الشرق فلن يختلف الأمر بالنسبة إليّ».
لماذا لا يختلف الأمر عنده؟ لأنّه لا سبيل ولا وجود للزمان والمكان في ذلك العالم؛ فالهداية هي عبارةٌ عن عبور النفس من الشوائب النفسانيّة.. هذا هو معنى الهداية! والتكامل هو عبارة عن العبور والوصول إلى مقام التجرّد، ولا وجود هناك للمكان، فالمكان مختصٌّ بهذه الدنيا. وفي عالم التجرّد ـ يعني عالم الملكوت فما فوقه من العوالم العليا ـ لا سبيل للمكان، ولا سبيل للزمان! ولذا تجده في غرب العالم، لكن كأنّه يجلس بقربك من دون أيّ فرق.. وكأنّه يتكلّم معك مباشرة! فمن باب المثال، لماذا تنتابنا حالة البكاء في مجلس عزاء سيّد الشهداء عليه السلام؟ لأنّ الإمام حاضرٌ معنا، وإلاّ فلو لم يكن كذلك لما انتابتنا حالة البكاء.
لا، ليس حاضراً بقربنا، لا، فهذا اشتباه، بل هو في الواقع حاضر في قلبنا وفي روحنا.
وكذلك، لماذا يؤثّر ذكر الأولياء في رقّة قلب الإنسان؟ لأنّه عند ذكر الأعاظم، يحصل اتّصال بين النفس ـ في مقام تجرّدها وسرّها وملكوتها ـ وبين سرّ وملكوت ذلك الوليّ، فيحصل ذلك الأثر، وإلاّ فلو لم يكن هناك اتّصال [في هذا المقام]، فحتّى لو كان الإنسان جالساً بقرب الوليّ، فلن يحصل أيّ أثرٍ في وجوده ولو بمقدار رأس الإبرة!! ألم يكن عُمَر يجلس بقرب رسول الله؟! بلى، كان يجلس بقرب النبيّ صلّى الله عليه وآله، لكنّه كان بعيداً عنه في الواقع ملايين السنين! وهل هناك شخص أعلى مقاماً من النبيّ؟! لا، لا يوجد أحدٌ أعلى منه. فإذن، لماذا لم يكن هناك تأثير؟! لأنّ النفس هي التي ينبغي أن تتأثّر, والملكوت ينبغي أن يرتبط مع الملكوت، والحال أنّهما في هذه الحالة منفصلان وغير متّصلين، وليس هناك أيّ ارتباط بينهما، وأمّا لو كان هناك ارتباطٌ واتّصالٌ بين الملكوتين، فحينئذٍ لن يكون هناك أيّ داعٍ للقرب أو البعد.
جاء أحد الأصدقاء إلى المرحوم الوالد، وكان يُريد أن يغيّر موطن عمله وشغله، فجاء وقال للعلاّمة: سيّدنا، إنّ ذهابنا بعيداً عنكم يُسبّب لنا مشكلة، فلا أرغب بالبعد عنكم، وأمثال هذا الكلام...، فقال له المرحوم العلاّمة: «يا عزيزي! من جهتي، لا يختلف الأمر.. أينما ذهبت وأينما كنتَ في أيّة نقطةٍ من العالم، ولذا فانظر ما هو الأفضل بالنسبة لك، وقم به، فبالنسبة لي لا يختلف الأمر أبداً».
من الذي يُمكنه أن يتكلّم بهذا النحو؟ فقط الإنسان الذي له إشرافٌ على ملكوته، بحيث يكون ملكوته بقبضة يده؛ فأينما ذهب ذلك الشخص فهو في قبضته، وهنا لا معنى للبعد المكاني؛ لأنّ طريق الله وطريق التكامل هو سيرٌ في الملكوت، وعبور من عالم الكثرة، ووصول إلى التجرّد المحض، وهذا النحو من السير لا يهمّ فيه المكان أصلاً، وليس هناك أهميّة للمكان فيه ولو بمقدار رأس الإبرة، بل لا علاقة له بالمكان من الأساس. ولهذا، ففي زمننا، فإنّ حضرة بقيّة الله إمام الزمان ـ عَجَّلَ الله تَعَالَى فَرَجَهُ الشَّـرِيفَ وَجَعَلَنا لِتُرابِ مَقدَمِهِ الفِدَاءُ ـ أقرب إلينا الآن من أنفسنا! لماذا؟ لأنّ الإمام له إحاطة عِليّة بملكوتنا، وله إحاطة عليّة بنفوسنا؛ وهذه الإحاطة تعني القُرب، وهذه الإحاطة تعني المجانسة، هذه الإحاطة تعني المعيّة والمصاحبة. وأساساً هذا هو معنى الولاية، فلا يمكنكم أن تقولوا: «يا الله» من الأساس، ما لم تكن هناك عناية من مقام الولاية! ففي الحقيقة، نحن لا نستجلب العناية بواسطة قولنا: «يا الله»، لا، بل العناية حصلت حتّى تمكنّا من قول: «يا الله».
الولاية تعني الإشراف على عالم الوجود بأسره
يقول الإمام الحسن العسكري عليه السلام في تلك الرواية المعروفة: «لا جَرَمَ أَنَّ مَن عَلِمَ اللَهُ مِن قلبِهِ مِن هَؤُلاَءِ القَومِ أنَّه لاَ يُرِيدُ إِلاَّ صِيَانَةَ دِينِهِ وَتَعْظِيمَ وَلِيِّهِ، لَم يَتْرُكْه فِي يَدِ هَذَا الْمُتَلَبِّسِ الْكَافرِ، ولَكِنَّهُ يُقَيِّضُ لَهُ مَؤمِناً يَقِفُ بِهِ عَلَى الصَّوابِ، ثمّ يُوَفِّقُه اللَهُ لِلْقَبُولِ مِنهُ، فَيَجْمَعُ اللَهُ لَهُ بِذَلِكَ خَيْرَ الدُّنْيَا وَالآخِرَة»۱.
يعني: لا تتخيّلوا أنّني الآن واقع تحت الحصار وأنّني محبوس في سجن الخليفة العبّاسي، ولا تتصوّروا أنّه قد أسرني في معسكره! ولهذا يُطلق على الإمام اسمُ العسكري؛ لأنّ جيش الخليفة العبّاسي وعسكره كانوا مستقرّين في ذلك المكان، حيث كان يُقيم جميع الجنود العبّاسيّين في المناطق المحيطة بالإمام عليه السلام ـ وبعبارة معاصرة أنّ ذلك المكان كان معسكراً ـ . فالإمام يقول: ليست الولاية هي أن ترون أنفسكم منفصلين عن الإمام، والولاية ليست بهذا الشكل.. إنّ مسألة الولاية تعني الإشراف على جميع ما هو واقع في عالم الوجود.. هذه هي الولاية. وإن شاء الله سنتكلّم في جلسات أخرى ـ إذا وفّقنا الله ـ حول بعض المسائل والأمور، فنحن لم نفهم ما هي مسألة الولاية، وماذا تعني من الأساس، فهل تعرفون ما معنى الولاية؟ إنّ الولاية تعني أنّ إمام الزمان مشرف على جميع ذرّات عالم الوجود ومحيط بها بنفس المقدار ـ من دون أن يزيد ذلك ذرّة أو ينقص ـ الذي يحيط به بنفسه وبدنه وإرادته وفكره، تماماً كما نحن الآن محيطون بأنفسنا، فها نحن الآن جالسون هنا، وأنا أتكلّم والأصدقاء والرفقاء يستمعون، فأنتم قد أعرتموني سمعكم، وأنا وضعت لساني وكلامي تحت تصرّفكم.. فبنفس المقدار الذي نملك فيه سلطة على أنفسنا، بنفس هذا المقدار ـ من دون أن يزيد ذلك ذرّة أو ينقص ـ فإنّ الإمام صاحب الزمان عجّل الله فرجه... فهذه المطالب التي أطرحها في محضركم ليست من نوع المطالب التي تُطرح في مجالس الأنس والمسامرة التي يعقدها الدراويش، بحيث يأتي كلّ واحد ويقول ما يحلو له، لا أبداً! بل إنّ هذه المسائل مدعّمة ببراهين فلسفيّة! فبذلك المقدار الذي يكون الإمام مشرفاً على نفسه وفكره ويتمكّن من تحريك يده باختياره وإرادته.. بنفس ذلك المقدار له إشراف وسلطة على جميع ذرّات عالم الوجود، أي على هذا السُكَّر الذي أخذته بيدي، وعلى جميع ذرّات الهواء، وعلى جميع الكائنات الحيّة في الدنيا، وعلى جميع الأجرام، والعوالم العليا: عالم الملكوت، والملكوت الأعلى، وعوالم الجبروت.. فماذا نُطلق على هذه الهيمنة؟ نطلق عليها اسم «الولاية».
هل تعرّفنا الآن على إمامنا؟ فلا ينبغي عليكم أن تقولوا أين أنت يا بقيّة الله؟ بقيّة الله أقرب منك إلى نفسك، فما معنى أن تقول له: أين أنت؟! فلو لم يكن بقيّة الله موجوداً، لما أمكنكم أن تفهموا كلامي، ولما كان باستطاعة أذنك أن تسمع كلامي، ولن يكون بمقدور هذه الأمواج أن تنتقل إلى أعصاب سمعك، وكذلك، لن يكون بإمكان عينيك أن تنقل هذه الصورة من خلال العصب البصري عبر العنبيّة لتعكسه في الشبكيّة ـ يُقال أنّ الشبكيّة لها نوعان من الخلايا: خلايا أسطوانيّة وخلايا مخروطيّة؛ فالمخروطيّة تعمل في النهار، والأسطوانيّة تعمل في الليل ـ ، فتنقله إلى النقطة الصفراء (البقعة)، ثمّ من هناك إلى الدماغ والأعصاب، بعد ذلك تأتي وترتبط مع الروح والنفس، وفي هذه المرحلة تخرج المسألة عن مجال الطبّ، فتصبح ضمن وادٍ آخر.. وجميع ذلك يجري بولاية بقيّة الله، فلساني بدون عناية الإمام وإرادته يُصبح أخرساً وألكناً.
حسناً, إن كانت هذه الولاية بهذا الشكل، فهل يختلف الأمر معها بين أن يكون الإمام في المنزل أو خارج المنزل؟! أو أن يكون في سجن هارون أو غيره؟! لا، بل أصلاً لا معنى لذلك، وليس هناك أيُّ اختلاف أو فرق.
إذا عرفنا بأنّ الولاية هي بهذا النحو، فماذا يعني أن يقول الإمام عليه السلام [لعنوان البصري]: أنا مراقَب وملاحَق أو يقول له: أنا غير ملاحَق؟ ماذا يريد الإمام أن يقول له؟ يريد أن يقول له: لا فرق بالنسبة لي في طريق الهداية، فاذهب واختر مسارك في الحياة؛ لأنّ المجيء عندي واللقاء بي ليس هو المعيار. والإمام يريد أن يقول له: يا عنوان، حينما جئتَ إلى المدينة وشرعت بالبحث عنّي، ففي الواقع أنا الذي أحضرتك إلى هنا من دون أن تشعر بذلك.. فأنا الذي أحضرتك إلى هنا، وأنا بنفسي أقول لك إنّي مراقَب وملاحَق، فاذهب لحال سبيلك! نعم، فالإمام لم يقل له اذهب لحال سبيلك، غاية الأمر أنّ كلامه كان يعني: لا تُكثر من المجيء إلى هنا! [وكما قال الشاعر]:
به آهو مى كنى غوغا كه بگريز | *** | به تازى مى زنى هى بر دويد |
(يقول:
تصيح في الغزال أن اهرب *** وتضرب على كلب الصيد لكي يعدو [للإمساك بالغزال])
فمن جهة أنت الذي تُحرّكه وترسله! ومن جهة أخرى أنت الذي تمسك به من الخلف وتأتي به.. هذا هو فعل الولاية!!
فمن ذاك الجانب يحرّكه ويسوقه، ومن هذا الجانب يوقفه ويضع العراقيل فيمنعه من التحرّك... إذا كنت أنت الذي تسوق بنفسك، فتحرّك إذن، ولماذا توقّفت؟! هو الذي يقوم بنفسه بحفظه، مع أنّه هو نفسه الذي قال له: اذهب! لماذا؟ لأنّه يريد أن يربّيه.. هذا هو السرّ في المسألة! هو بنفسه يحفظه؟ متى حصل ذلك؟ من الذي أحضركم هذه الليلة إلى هنا؟ فقد كان بالإمكان أن نذهب إلى العديد من الأماكن الأخرى، لكن لماذا لم نذهب؟ لماذا أتينا إلى هنا؟ من الذي هيّأ لنا الظروف؟
الواجب على الإنسان اغتنام الفرصة والاهتمام بتكاليفه الفعليّة
هنا نصل إلى هذه المسألة، وهي أنّه المهمّ بالنسبة للإنسان هو أن يغتنم الفرصة، فعليه أن لا ينشغل بما قدّر الله له، بل عليه أن يفكّر بطبيعة العلاقة التي تربطه بالله، وعليه أن يغتنم الفرصة، وأن يعلم بأنّه: «ألا إنّ لله في أيّام دهركم نفحات ألا فتعرّضوا لها ولا تُعرضوا عنها»۱ فهذا ما علّمونا إيّاه؛ ولهذا، علينا أن نستفيد من الفرصة التي مُنحت لنا، فهذه الفرصة لن تعود مرّةً أخرى، وهذه الليلة التي انقضت لن تعود، وغداً الذي سينقضي لن يعود ثانية؛ لأنّ الغد هو حصّة وجوديّة مقدّرة لنا, ويُمكننا أن نملأها كما يُمكننا أن ننقصها ونتركها خالية؛ فهذه الحصّة الوجوديّة قُدّرت لنا في عالم الوجود والمهمّ هو كيف نقضي يومنا. وحينما تطرق أسماعنا الروايات التي وردتنا عن النبيّ صلّى الله عليه وآله والأئمّة المعصومين عليهم السلام ـ من قبيل «إنّ من تساوى يوماه فهو مغبون»٢ ـ، فإنّنا نتجاهلها ونغضّ الطرف عنها.. لا، ليس الأمر كذلك، والأعاظم لم يفعلوا ذلك، بل كانوا ينظرون إليها على أنّها مطالب واقعيّة، ويتعاملون معها على أنّها واقع، ويسعون نحو الارتفاع إلى مقامها. سوف يأتي يوم تقوم فيه القيامة، فيُحضرون ملفّ الأعمال... نعم، هذا من باب المسامحة، وإلاّ فإنّ الإنسان سيرى ـ بواسطة تلك الجنبة التجرّديّة التي تحصل له في يوم القيامة ـ جميع الخصوصيّات والأمور التي مرّت عليه في الدنيا منطويةً في وجوده بشكل علم حضوري (أي حضور نفس الواقعة). بمعنى أنّه، كما تحسّون أنتم الآن بأنفسكم وتتصوّرونها، فلا معنى لأن يأتي شخص ويُعلِمك بأنّك حاضرٌ في المجلس! هل تحتاج لأحد ليأتي ويخبرك ويُعلِمك بأنّك حاضر في المجلس؟! ولو لم يأتِ إليك أحد ولم يقل لك ذلك، أما كنت لتعلم بذلك؟! كلاّ؛ لأنّ نفس حضورك في هذا المجلس هو علم حضوري, وفي يوم القيامة ستحسّ بأنّك موجود في نفس هذا المجلس, لا أنّهم يجعلونك ترى نفسك حينما كنت تجلس في المجلس، لا؛ لأنّه لا يوجد أيّ شريط تسجيل في البين حتّى يجعلونك ترى نفسك حاضراً في هذا المجلس, يعني وكأنّ التاريخ يتكرّر معك من جديد، أي أنّ التاريخ يعود ويضعك في تلك الواقعة التي كنت قد صنعتها.. وهذا هو الذي يُقال له: «التجرّد».
حينئذ سيشعر الإنسان أنّه قد أتى في يومه بعمل صالح, وبعد يومين أتى بعمل صالح, وسيرى أنّه بين هذين اليومين لم يقم بأيّ عمل صالح!! حينئذ سيصاب بالحسرة وتعلو صرخة «وا حسرتاه» من فمه؛ أَنْ لماذا ضيّعت يوماً بين هذين اليومين؟! وحينئذٍ، لن يكون بالإمكان تدارك الأمر أبداً.. فهذا اليوم كان جيّداً، ثمّ بعد يومين كان الأمر جيّداً، ولكن ماذا عن اليوم المتوسّط بينهما؟! لا.. ففي اليوم الأوّل...، ثمّ بعد يومين هكذا، ثمّ مرّةً أخرى في اليوم الأوّل، بعد ذلك في هذه الساعة... وهكذا. وبناءً عليه:
صوفى ابن الوقت باشد اي رفيق | *** | نيست فرداگفتن از شرط طريق |
(يقول: كن صوفيّاً ابن وقتك أيّها الرفيق، فالتأجيل للغد ليس من شروط الطريق)
يك چشم زدن غافل از آن يار مباشيم | *** | شايد كه نگاهى كند آگاه مباشيم |
(يقول: علينا ألاّ نغفل عن المحبوب طرفة عين أبداً، فلعلّه يمنّ علينا بنظرةٍ فنكون حينها غير منتبهين).
فلا ينبغي أن نقول: دع ذلك لما بعد.. دعه للغد! ولا نقول: إن شاء الله سيمدّ الله بأعمارنا! فمن الذي ضمن لنا ذلك؟! ينبغي أن يكون أسلوب حياة الإنسان بحيث يقضي وقته كلّه في مرضاة الله عزّ وجلّ؛ وحينما يكون الأمر كذلك، فإنّ تلك اللحظة التي يأتيه فيها الموت ستكون هي لحظة سعادته.
إشراف الإمام على عالم الوجود يقتضي وصول هدايته لجميع المستحقّين
يقول الإمام العسكري عليه السلام: أنا في السجن، ولكنّ روحي تشـرف على جميع المُلك والملكوت، فلو كان هناك رجلٌ له قلبٌ صافٍ واقعاً، ومقصوده من هذه الدنيا هو صيانة الدين ـ وهذا كلام الإمام وليس كلامي، وما يصدر عن الإمام فالإمام هو الضامن له ـ أي إذا كان ثمّة هناك شخص من الأشخاص.. من هؤلاء القوم.. من المؤمنين.. من شيعتنا، وكان مراده هو صيانة الدين وتعظيم وليّ الدين, أي كان يتحرّك في ظلّ أهداف وليّ الله وغاياته, فإنّ الله لن يتركه يقع في فخّ هؤلاء؛ وإلاّ فما هو عملي إذن؟ وما هو دوري كإمام في هذه الحالة؟ فصحيح أنّ بدني محاصر، لكن ماذا عن روحي؟ فنحن لا نتركه لوحده يسقط في فخّ هؤلاء، بل يُرسل الله تعالى لهذا الشخص مؤمناً يساعده ويهديه. فيكون مثلاً قاصداً للذهاب في ذلك الاتّجاه، فيخطر في باله ـ فجأةً ـ أن يذهب للمكان الفلاني من أجل الزيارة، وهناك يلتقي بشخص ما، فيحصل التعارف بينهما، ثمّ نرى أنّ هذا الشخص يقوم بمساعدته، ولكن من هو هذا الشخص؟ هو المأمور من قبل الله، يأتي ويوضّح له الأمر ويحوّله إلى الطريق الصحيح ويغيّر له مساره, «يُقَيِّضُ لَهُ مُؤْمِناً ويَقِفُ بِهِ عَلَى الصَّوابِ», وعلاوةً على إحضار الله تعالى لذلك المؤمن، فإنّه تعالى يقوم هنا بأمر آخر: «ويُوَفِّقُه الله لِلْقَبُولِ مِنْه», بحيث يقبل منه كلّ ما يقوله له, فلا يعاند ولا يتمرّد.. فهكذا يضع الله تعالى مثل هؤلاء في طريق الإنسان.
في أحد الأيّام، نقل المرحوم الأنصاري ـ رضوان الله عليه ـ أنّ أحد المعروفين من أعيان همدان ممّن كان له علاقة وارتباط شديد مع طائفة «الجنابذيّة (گناباديها)» وكان متأثّراً بهم وبقي معهم إلى أن رأى منهم أفعالاً تُخالف الشرع, فلم يعد يتحمّل ذلك، وتحرّك وجدانه ومنطقه وعقله، فلم يستطع القبول, فالمعصية معصية أيّاً يكن من صدرت عنه تلك المعصية، والله عزّ وجلّ لا يُمضي الأعمال المخالفة للشرع. ولمّا كان يتخيّل أنّ الحركة إلى الله منحصرةٌ بهذه الطائفة وقد اكتشف أنّهم مدّعون؛ لذا فقد تبرّأ من كلّ تلك الأحداث والأعمال، وصارت لديه حالة من البرود تجاه هذا الطريق، ورأى عندها أنّ طريق الله قد انسدّ, وأصبح منكراً لجميع ذلك بشكل كلّي, وكان يُجابه أيّ شخص يحاول أن يقنعه بذلك, وكان يردّ عليه بأنّ كلّ هذه الأمور ليست إلاّ خداعاً وغوايةً للناس، وأصبح منكراً لجميع المقامات لغير الإمام, وصار يدّعي بانحصارها بالإمام وأنّها لا تتجلّى إلاّ في الإمام فقط ولا غير, وأمّا الآخرون، فلا يسعون إلاّ لإغواء الناس!
وبقي معتقداً بذلك إلى أن وُفّق لسفر إلى العتبات المقدّسة في العراق. وحينما كان في الكوفة وكان الوقت عصراً ـ حيث كان هناك في ذلك الزمن خطّ للسكّة الحديديّة يربط بين الكوفة والنجف، وكان هناك بعض العربات التي تمشي عليها، والظاهر أنّهم كانوا يجرّونها بالأحصنة وما شابه ذلك ـ ، فكان منتظراً لمجيء العربة, فرأى شخصاً يرتدي قبعة خاصّة (قبّعة "مولويّة"۱), فناداه باسمه: يا حاج فلان!! فتعجّب وقال في نفسه: لا بدّ أنّه يعرفني ـ فقد كان من الأعيان المعروفين ـ فقال له ذلك الرجل: إلى أين تذهب؟ هل تذهب إلى النجف؟ تعال لنذهب سويّاً.. دعنا نسير على الأقدام قليلاً، فقال له: لا، إنّ المسافة طويلة (فرسخان تقريباً) ، فقال له ذلك الشخص: لا، دعنا نمشي رويداً رويداً.
فيلتحق به في الطريق, فيشرع ذلك الرجل بمحادثته وبالحديث عن حالات الأولياء، وعن مراتب الأولياء ودرجاتهم, والكمالات التي يمكن أن تظهر للإنسان, وكان ذلك الحاج يُنكرويقول: لا يا عزيزي، هذا ليس صحيحاً, فقد ذهبنا وجرّبنا جميع ذلك، ورأيناهم يقومون بما هو مخالف للشرع، فكانوا يصنعون كذا وكذا، ولا فائدة في ذلك كلّه, فهم يخدعون الناس ويضحكون عليهم.. إنّهم يفتحون دكّاناً مثل بقيّة الدكاكين!! قال له: يا عزيزي! إن كنت قد ابتليت بفرقة خاصّة وطائفة معيّنة، فهذا لا يعني أنّ جميع الأفراد هم كذلك أيضاً.
لكنّه في النتيجة لم يقبل كلامه، حتّى وصلوا إلى مكان يحيط بالكوفة، (كان خندقاً، وآثاره ما زالت موجودة حتّى الآن، فقد حفروه للحفاظ على الكوفة من هجمات الأعداء)، هناك قال له: حسناً, ما الذي تريده؟ ما الذي تريد أن تراه؟ ماذا تريد أن ترى لكي تعتقد بصدق الطريق نحو الله والتكامل؟ ففكّر وتأمّل، وقال: لعلّ إحياء الأموات يُمكن أن يكون دليلاً على ذلك حيث أنّ الإحياء أمر عظيم ولا يصدر عن أيّ أحد. فقال له: يا عزيزي! إنّ إحياء الأموات هو فعل أطفال هذه المدرسة وبإمكانهم جميعاً القيام به!
قال له: حسناً، إن كنت تستطيع فعل ذلك، تفضّل وقُم به! وطالما تدّعي ذلك، فتفضّل وافعل!
فنظر ذاك الرجل إلى الخندق ـ حيث كانت فيه بعض الحيوانات، من قبيل الطيور وأمثال ذلك، التي تسقط وتموت وتبقى جثّتها هناك، وفي الأخير وجد هناك حمامة، وكانت قد ماتت منذ زمن ـ فقال له: اذهب وأحضر تلك الحمامة, وعندما وصل إليها، وجدها متلاشيةً من الأساس، ووجد ريشها قد تساقط، لكنّه أحضرها في نهاية المطاف، فقال له: أعطني إيّاها، فأخذها وقرأ دعاءاً ورماها إلى الأعلى، وإذا بالحمامة تحلّق وتطير، فيُصاب ذلك الرجل بحالة من الذهول، ولا يستوعب ما الذي حصل!
ثمّ يستأنفان بعد ذلك المشي، ويكملون مسيرهم، فيقول له: يا عزيزي، إنّ هذه الأمور حقّ، وطريق الله حقّ, وطريق الله صدق، فهل يُمكن أن يكون باطلاً؟! إنّ الله نفسه حقّ، فكيف يكون طريقه باطلاً؟!والوصول إلى الله حقّ, وإدراك صفاته الجلاليّة والجماليّة حقّ, وقد سار العظماء [في هذا الطريق]؛ فذهبوا ورأوا ولمسوا واطّلعوا. ولا ينبغي أن نتوقّف؛ لأنّ بعض المدّعين والمتسكّعين جمعوا الناس من حولهم وخدعوهم ببعض الأمور المسليّة وما شابه ذلك. لا، فالحقيقة موجودة بالفعل!
وبقيا يتحدّثان هكذا حتّى وصلا إلى النجف، فلمّا وصلا إلى النجف وأرادا أن يفترقا، قال له ذلك الحاج: أنا لن أتركك.. إلى أين تريد الذهاب؟ فقال له: لا، فلا بدّ وأن أذهب إلى مكانٍ معيّن, وإذا أردت أن تلقاني، فتعال صباحاً، فأنا سأذهب غداً إلى وادي السلام، فتعال وستراني هناك، (فوادي السلام هو مقبرة النجف المعروفة, وفيها العديد من العظماء والأولياء, وهي مقبرة معروفة جداً, وقد نقل عنها العديد من الروايات, وشُوهدت فيها العجائب، وروي العديد من القصص عن أحوال هذه المقبرة، وفيها روحانيّة عجيبة.. عجيبة جداً) فيذهب ذلك الرجل، ويبقى هذا الحاج في حالة من الدهشة، وكأنّه استفاق للتوّ، ويتساءل: من هو ذلك الشخص؟ من هي هذه الشخصيّة؟ وأصلاً لم يستطع أن ينام طوال الليل، فقد أشعلت نار فراق ذلك الرجل العظيم اللهب في قلبه، فيبقى هكذا يعدّ اللحظات حتّى يأتي وقت الذهاب للقائه. وعند الصباح، يُؤدّي صلاة الفجر، ويأتي حين الطلوع إلى وادي السلام, فيرى أنّ عدة من السادات يحضرون جنازة, وحينما يصل إلى هناك، يجد نفس ذاك الشخص الذي التقى به! وحينئذ يتنبّه! ويفهم حقيقة هذه المعاني!
اختلاف طرق الهداية بحسب اختلاف الظروف والأشخاص
فمفاد قول الإمام عليه السلام أنّ كيفيّة الهداية والإرشاد إلى طريق الصواب ليست بيدي ولا بيدك, بل هي بيد الوليّ الذي يجري الأمور بحسب ما يُشخّصه هو؛ فأحياناً يرغب الوليّ أن يجذب الشخص إليه ويشدّه إليه ويقرّبه منه, فيقول له: ينبغي أن تبقى هنا.
لقد كان لدى المرحوم القاضي ـ رضوان الله عليه ـ العديد من التلامذة، وكان أحد تلامذته الذين تتلمذوا على يديه يُريد أن يأتي إلى إيران, لكنّ السيّد علي القاضي لم يكن يرى الصلاح في ذهابه, ومع ذلك، فإنّ ذلك الشخص أتى إلى إيران على الرغم من أنّ السيّد علي القاضي كان قد صرّح بأنّ ذهاب هذا الشخص في تلك الظروف ليس في صالحه, فما معنى ذلك؟ يعني أنّ ذلك الشخص يخضع الآن لخصوصيّة معيّنة، وخاضع لطريقة خاصّة من التربية يحتاج معها إليّ، وهو يحتاج إلى مصاحبتي ومرافقتي, وتركه لي مع هذه الخصوصيّات والظروف سيؤدّي إلى الإضرار به؛ ونحن رأينا أنّه أتى [إلى إيران]، وبقي في تلك المرحلة، وتوقّف عن مسير الرشد والكمال!
لكنّنا نجد أنّه يقول للسيّد حسن المسقطي: أنت تستطيع الذهاب! وأينما أردت أن تذهب فلا عليك، أينما أردت الذهاب فالأمر لن يختلف!
هذا كانت حاله تقتضي ذلك، وذاك يقتضي أمراً آخر. ولا يمكن لنا أن نقيس هذا على ذاك، بل لكلّ منهما مسيرة خاصّة، وكيفيّة في الهداية تختصّ به. إنّ الله المتعال قد جعل للناس وللأشخاص ظروفاً مختلفة في هذا العالم, والأساس الذي ينبغي البناء عليه في جميع ذلك هو أن نجعل أنفسنا تحت إرادة واختيار المشيئة الإلهيّة في جميع الظروف التي يقدّرها الله لنا.. هذا هو المهمّ، وهذه هي حقيقة المسألة. فلعلّ هذه الظروف التي ضمن هذه الخصوصيات تكون بنفع الإنسان, ولعلّه إن غيّر ظروفه، فلن يكون ذلك مناسباً له.
المدار في السير والسلوك هو الطاعة
في يوم من الأيّام ـ كنت آنذاك في سنّ الثانية عشرة من العمر تقريباً.. بين الحادية عشر والثانية عشر تقريباً ـ جاء عدّة من الرفقاء ـ والظاهر أنّها كانت ليلة التاسع عشر أو الواحد والعشرين من شهر رمضان المبارك ـ إلى المنزل الذي كان يقع في شارع «شهباز وآهنك»، حيث كنّا نسكن هناك أوّلاً، ثمّ انتقلنا بعد ذلك إلى مكان آخر. وكانت عادة المرحوم الوالد رضوان الله عليه أنّه لا يجيب دعوة أحد ولا يستقبل أحداً على الإفطار في ليالي القدر, وهكذا كان دأبه وقاعدته التي يمشي عليها؛ لأنّه كان يذهب بعد ذلك إلى المسجد، وكان يبقى هناك إلى ما يُقارب وقت السحر, كما كان يصلّي مائة ركعة، مضافاً إلى قراءة الأدعية والزيارات في ليالي القدر، وكان بدوره يُلقي محاضرةً, حيث كانت محاضرته تطول في بعض الأحيان إلى ما يزيد عن الساعتين, بالإضافة إلى العزاء والتعرّض لذكر مصائب أهل البيت من قِبل الواعظ، والمراسم التي تعقبها...، فكانت تطول كلّها حوالي الساعتين! ولهذا، لم يكن يذهب في ليالي القدر إلى أيّ مكان، كما لم يكن ليدعو أو يستقبل أحداً. وأذكر أنّه في تلك الليلة كان يهطل المطر, فجاءت مجموعة من الأصدقاء والرفقاء لملاقاته (كانت الليلة الحادية والعشرين، أو الليلة التاسعة عشر), وكان آنذاك متواجداً في داخل المنزل، فقال لي: اذهب وقل لهم: «فلان ليس لديه مجال للملاقاة» ,فأتيت وقلت لهم ذلك, وقد كانوا أربعة أو خمسة أشخاص, وقلت لهم: إنّه يقول: لا مجال عنده للملاقاة, فقال ثلاثة منهم أو أربعة: حسن جداً، سنرجع أدراجنا، لكنّ واحداً منهم قال: لا! ما معنى قوله: ليس لديّ مجال للملاقاة؟! ينبغي أن نراه وأن ندخل لزيارته, لقد قطعنا جميع هذه المسافة، فلا بدّ وأن نلقاه, ولو بأن نلقي نظرة على وجهه، ونستفيض من جماله، فهذا يكفي. فدخل ذلك الرجل إلى المنزل، وبما أنّ الفصل كان فصل الشتاء، فقد جلس تحت الكرسي، حيث كان يوجد آنذاك كرسي، وأمّا الآن، فجميع هذه الأمور قد عفى عليها الزمان! فجاء المرحوم الوالد ـ والظاهر أنّه كان في الحمام للقيام بغسل ليلة القدرـ وجلس ما يقارب النصف الساعة معه، بل حتّى أنّه تكلّم معه، وصار بينهما نقاش حول مسألة معيّنة إلى أن خرج ذلك الشخص الذي كان فرحاً ومسروراً قد نال مراده من ذلك اللقاء، ثمّ ذهب إلى منزله ليتهيّأ للذهاب إلى المسجد. ثمّ مضى على هذه الحادثة حوالي السنتين أو الثلاث سنوات، وكنّا قد انتقلنا من ذلك المنزل إلى منزل آخر في شارع «هدايت»، ورويداً رويداً بدأت تظهر على ذلك الشخص بعض الحالات, وبدأ يُبتلى ببعض المسائل في أفكاره وأطواره، فبدأ يبتعد عن العلاّمة قدّس سره بشكل تدريجي, إلى أن وصل الأمر بحيث كانت هذه الحالات والأطوار سبباً لانفصاله بشكل تامّ عن المرحوم الوالد, وبدأت تظهر عليه بعض الحالات الشيطانية، وساء وضعه بشكل عجيب جداً.. وأنا لن أوضّح أكثر من ذلك، وخلاصة القول أنّه انقطع بشكل نهائي, ووقع بينه وبين المرحوم العلاّمة حجاباً ومانعاً قويّاً. وكما ذكرت، فبعد مرور سنتين أو ثلاث سنوات على هذه الحادثة ـ حيث كنّا قد انتقلنا من منزلنا ـ كان المرحوم الوالد يتحدّث في أحد الأيّام مع أولئك الأشخاص الثلاثة الذين صادف مجيؤهم تلك الليلة, وقد كنت أنا موجوداً أيضاً. وفي الأثناء، يأتي ذكر ذاك الشخص وكيف أنّه ذهب، وليس هناك من أخبار عنه! حينها قال المرحوم الوالد: إنّ الأمر المهمّ في هذا الطريق هو مسألة الطاعة.. هذا هو الأمر المهمّ! فالطاعة هنا هي المؤثّرة. ثمّ قال: يا حضرة السيّد الفلاني! هل تذكر قبل ثلاث سنوات حينما جئت أنت وأنت وأنت برفقة ذلك الشخص إلى هنا، وكانت ليلة ماطرة، وقد أبلغت السيّد محسن بأن يقول لكم: «ليس لديّ وقت ولا مجال»، فأطعتم أنتم ورجعتم, وأمّا هو فجاء وجلس وحضر للقائي؟ لقد بدأ بمرحلة الأفول منذ ذلك الوقت، إلى أن وصل الأمر به إلى الانقطاع بشكل تامّ... وبطبيعة الحال، فإنّ أصدقاءنا القدامى يعرفون من الذي أقصد!
يا عزيزي، إنّ الأمر لا يدور على الرؤية، بل إنّ نفس هذه الرؤية، ماذا يُمكنها أن تسبّب؟ يُمكنها أن تسبّب قطع العلاقة والارتباط.. فالأمر يدور على الطاعة.
إنّ الكلام حول هذه الفقرة لم ينتهي بعد، وكلّ الأمور بيد الله، ولهذا يقولون: الكلام يجرُّ الكلام.. نسأل الله أن يوفّقنا لكي لا تنحرف نفوسنا ـ إن شاء الله ـ في مقام الطاعة عن تلك الإرادة والمشيئة الإلهيّة ولو بمقدار ذرّة واحدة، وأن يكون مقام الولاية هو المباشر ـ في كلّ حال ـ لأفعالنا وممشانا وشراشر وجودنا، وألاّ يكلنا إلى أنفسنا طرفة عين أبداً، وألاّ يقصر أيدينا عن التمسّك بأذيال أهل البيت عليهم السلام، وأن يجعل جميع أفعالنا وتصرّفاتنا مورداً لرضى الأعاظم، وأن يرزقنا في الدنيا زيارة أوليائه وألاّ يحرمنا في الآخرة من شفاعتهم.
اللهمَّ صلِّ على محمّد وآل محمّد