المؤلّفالعلامة آیة الله السيد محمد الحسين الحسيني الطهراني
المجموعةالسالك البصير
التوضيح
وهي محاضرة ألقاها المرحوم العلامة آية الله السيد محمد الحسين الحسيني الطهراني رضوان الله عليه في الخامس عشر من شعبان سنة 1415 هجرية في حفل تعميم بعض طلاب العلوم الدينية في مشهد، وهي تتضمن أهمية طلب العلم وأن اعتقاد الشيعة بوجود إمام الزمان عجل الله فرجه الشريف هو الذي جعلهم يتمسكون بالحق دائماً، ويشير إلى ضرورة التمسك بلغة القرآن ومحاولات الاستعمار القضاء على هذه اللغة مهما أمكن ووقوف بعض العلماء أمام هذه المحاولات..
هو العليم
أهمية طلب العلم
وضرورة التمسك بالقرآن
ألقيت ضمن مراسم تعميم بعض طلاب العلوم الدينية
في مشهد المقدّسة عام ۱٤۱٥هـ.ق
العلاّمة آية اللـه الحاج السيّد محمّد الحسين الحسينيّ الطهرانيّ
قدّس اللـه نفسه الزكية
أعوذ باللـه من الشيطان الرجيم
بسم اللـه الرحمن الرحيم
وصلّى اللـه على محمّد وآله الطاهرين
ولعنة اللـه على أعدائهم أجمعين
من الآن إلى قيام يوم الدين
أهميّة طلب العلم ومسؤوليّات العلماء
ورد في إحدى الروايات أنّ رجلاً كان يجلس إلى رسول الله صلّى الله عليه وآله في حضور جبرائيل عليه السلام، فأخبر جبرائيل عليه السلام النبي صلى الله عليه وآله بموت هذا الرجل الجالس عنده قبل حلول وقت أوّل صلاة ، وبدوره قام صلّى الله عليه وآله بإخبار الرجل أنّ جبرائيل عندي وهو يقول أنّك راحل عن الدنيا قبل موعد الصلاة القادمة.
فأجاب الرجل: إذا كان الأمر كذلك يا رسول الله، فما أفضل عمل أقوم به فيما تبقّى من عمري؟
فأمره رسول الله صلى الله عليه وآله بطلب العلم.
بإمكاننا أن نستفيد من هذه الرواية العديد من الفوائد...
نعم وهكذا انتهى الأمر، وفعلاً قبل حلول وقت الصلاة التالية ، وقبل أن يذهب النبيّ صلى الله عليه وآله إلى المسجد لأداء الصلاة، توفّى الله ذلك الرجل.
من هنا نفهم أنّ أيّ عمل يقوم به الإنسان – حتى لو كان في أعلى درجات الإتقان والإحكام إذا خلا من العلم فإنّه سيكون عديم الفائدة. العلم نور يضـيء العمل، ومهما ازداد عمل الإنسان بدون علم فإنّه سيكون بلا فائدة ولن يوصل الإنسان إلى أيّة نتيجة ولن يحمل له سوى المشقّة و الأذى.
اليوم سوف يتشرّف السادة المحترمون وهم من الأصدقاء الأعزّة الأحبّاء – بلباس أهل العلم ، لباس رسول الله صلى الله عليه وآله، وهذه مسألة مهمّة؛ إذ ما معنى أن يرتدي المرء هذا اللباس؟ وما معنى أن يتحمّل الإنسان مسؤوليّة الدفاع عن القرآن ، وعن سنّة النبيّ صلى الله عليه وآله، وعن مدرسة التشيّع ، وعن حياة وسيرة صاحب الزمان الذي نحتفي اليوم جميعاً بمولده المبارك؟
الخيارات في الدنيا كثيرة جداً، وإذا أراد الإنسان أن يستفيد من هذه الدنيا فإنّه سيجد أمامه أعمالاً وطرقاً كثيرة متعدّدة، فما الذي يجعلنا ننتخب طلب العلم من بين كل هذه الأعمال والخيارات؟ وهل ندرك واقعاً مسؤولية هذا الطريق أم لا؟ ما هو معنى الدفاع عن القرآن وعن مدرسة التشيّع؟ وما هو العمل الذي يقوم به الإنسان كمقدّمة لظهور صاحب الزمان؟ وما هو معنى انتظار الفرج الذي يعتبر من أفضل الأعمال؟
إنّ هذه المسائل مهمّة، بل مهمّة جداً، ومن الضروريّ أن نفهم هذه التفاصيل بشكل جيّد، حتى لا نكون – لا قدّر الله في سيرتنا العمليّة من المحاربين لطريق صاحب الزمان، فننادي (صاحب الزمان) بلساننا بينما نبتعد عنه بأفعالنا وتصرفاتنا اليوميّة.
القرآن كتاب ثابت، وسنّة النبيّ ثابتة، وكذلك الأئمة الإثنا عشر المعصومون عليهم السلام، وهذه المسائل مهمّة جداً، مسألة العصمة مهمّة جداً.
علّة الاعتقاد بصاحب الزمان عليه السلام : ضرورة التمسك بالحق
لقد مرّت ألف وثلاثمائة سنة منذ ولادة الإمام صاحب الزمان، ونحن ما زلنا نعتقد أنّه الإمام الحيّ وما زلنا نحبّه ونعشقه من صميم قلوبنا، فما حقيقة ذلك؟ لقد اتخذت كلّ الطوائف والفرق إماماً وقائداً لها، وكلّ واحد منهم قد مات، فلماذا نحن الشيعة نقول بإمام حيّ؟ وما هو تأثير هذا الإمام الحيّ؟ وما هي خصائصه؟ ولماذا نصرّ على القول بإمام حيّ؟ فلماذا لا نقول أنّه ليس إلا أسطورة جاء وذهب فنتخلّى عن الاعتقاد به ونقوم بانتخاب إمام حيّ آخر؟ وبعبارة أخرى، لم نحن إماميّة إثنا عشرية؟ هل هذه المسائل مسائل سطحيّة واعتباريّة؟ أم أنّها مسائل عميقة وواقعيّة وعلى أساسها قد شيّد الشيعة مدرستهم ومازالوا ثابتين ومصرّين على عقائد وأسس هذه المدرسة.
لقد تعرّض الشيعة للسجن وعُلّقت لهم المشانق وأوذوا كثيراً، ووضعوا وهم أحياء في قواعد وأساسات الأبنية وأقاموا المباني والعمارات على أجسادهم الحيّة، وألقوهم في قعور الزنازين الرطبة المظلمة بجانب نهر دجلة في بغداد وقد مرّت عليهم فيها سنوات طوال وهم لا يستطيعون تمييز الليل من النهار ، وكان ماء تلك السجون مخلوطاً بالقاذورات النجسة، فلم يكن عندهم حتى ماء يصلح للوضوء، كلّ هذا لأنّ الشيعة تنادي: الحقّ، الحقّ. هذا هو السبب ولاشيء غيره.
الشيعة تقول: لا يوجد إلا حقّ واحد والحقّ حقّ وما سوى الحقّ باطل، وبناءً على تبعيّة الحقّ فالإنسان كلّما رأى طريقاً منحرفاً عن الحقّ وفيه خلل فعليه ألا يتّبعه، هذا كلّ قولهم ولا شيء غيره، وفي هذا الزمان نرى أنّ الشيعة لوحدهم يتعرّضون للهجوم والأذى وهذا فقط لأنّهم يرفعون شعار: الحقّ.
أمّا الفرق الإسلاميّة الأخرى فلا تنادي بالحقّ، بل هم يطيعون أيّ شخص يتولّى الحكم ويعتبرونه من أولي الأمر وواجب الطاعة، ونجد فتاوى فقهائهم تقول: لا يسعكم أن تعصوا أمر الحاكم ولا أن تنتقدوه، فإذا أذنب فعليه ذنبه ولكم ثواب طاعتكم له.
ولذا فإنّ الدول الغربيّة الاستعماريّة لا تخشى الدول الإسلاميّة غير الشيعيّة أبداً؛ فهم يعيّنون حاكماً من قبلهم على رؤوس العباد، وينهبون بواسطته جميع خيرات البلاد.
ولكنّهم يخافون من الشيعة لأنّ الشيعة يطالبون بالحقّ ويقولون أنّ الحقّ أمر مهمّ جداً، بحيث إذا رأَوا أمراً مخالفاً للحقّ ومعارضاً له فإنّهم يعترضون ويثورون ضدّه، في حال لا تملك تلك الدول غير الشيعيّة سوى الخيانة، فهم لا يحقّقون أنفسهم بالحق ولا يسيرون في أفعالهم على أساسه، ولا يسلّمون للحق ولا يخضعون أمامه ولا يعملون على تزكية النفس وتطهيرها حتى تكون أعمالهم طاهرة. ولهذا فلا يمكن أن تكون هذه الدول على وفاق ووئام وسلام مع الدول الشيعيّة؛ فهؤلاء حقّ وأولئك باطل، وهم بالتالي لن يكفّوا عن أعمالهم الشيطانيّة مهما حصل، فكذلك على الشيعة أن يكونوا يقظين فلا يتنازلوا عن الحقّ مهما حصل. وإلا فلو تلوّن المذهب كلّ يوم بلون، واستسلم لهؤلاء ليتقدموا يوماً بعد يوم، فلن يبقى للإسلام والقرآن والتشيّع باقية، ولن يضيع الواقع والحق فحسب، بل حتّى الاسم سيزول، وهذا خلاف ما يريد صاحب الزمان عليه السلام.
ذاك الإمام الذي نعتقد ونؤمن به، ذاك الإمام الذي يؤمن به الجميع ويدعون له بتعجيل الفرج، ذلك الإمام المتحقق بالحقّ. فوالله لو أننا كنّا متحقّقين بالحق لظهر الإمام فوراً، ولكنّنا بأعمالنا هذه نضعه جانباً ونبعده عن الساحة، ولو ظهر سلام الله عليه لأوردْنا على أعماله ألف انتقاد، ولرأيناه غير مؤهّل للقيادة والحكومة وتولّي زمام الأمور، ولحاكَمنا أحكامه الغيبيّة بقواعدنا الأصوليّة والاجتهاديّة، ولحكمنا عليها بالخطأ، وحيث أنّنا لم نهيّئ الأرضيّة اللازمة لظهوره بشكل كامل، ولأنّنا لم نتقبّله ورددناه، فهو لن يجري وراءنا ويرجوَنا لكي يظهر، يجب أن تعلموا أنّ الإمام عزيز بعزة الله سبحانه {وَلِلَهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لاَ يَعْلَمُونَ}۱
فهل نحن واقعاً نطلب إمام الزمان ونتّبعه؟ أم أننا فقط نتعبّد بتقليد آبائنا وأجدادنا ونتّبع أسلافنا؟ إذا كان الجواب هو الثاني فعملنا ليس بذي قيمة تذكر، وفي هذه الحالة فلن يكون هناك فرق كبير لو لم نكن شيعة بل كنّا سنّة، بل حتّى لو لم نكن مسلمين وكنّا يهوداً أو نصارى، وذلك أنّ الآراء والمذاهب مختلفة وكلّ منها قد حدّد لنفسه هدفاً يسعى إليه، وعنده ما يتعلّق به ويأنس له، وإذا لم يكن مذهبنا مبنيّاً على أساس العمل بالحقّ فما الداعي لأن نتمسك بهذا الإمام خصوصاً؟ وما الداعي أن نغتسل ليلة النصف من شعبان ونحيي تلك الليلة بالعبادة حتّى الصباح، ونشتغل بأداء المستحبّات والأعمال الواردة فيها، ونحتفل بالمولد، وننتظر الفرج الذي هو أفضل الأعمال؟ فلماذا نفعل كل هذا؟ إنّ هذا هو من أجل تطبيق الحقّ ولا شيء سوى ذلك.
أبرز مظاهر الحقّ التمسك بالقرآن وبلغة القرآن
فوالله، إذا ما ابتعدنا عن القرآن فسيبتعد عنّا صاحب الزمان...! كلّ آيات القرآن حجّة، وهي ليست لزمان دون زمان، وعلينا دائماً أن نتعلّم القرآن ونحفظه ونعمل به! ويجب أن ندرس ونفهم معاني القرآن! ويجب أن تكون مصطلحات القرآن هي المستخدمة والرائجة في حياتنا! وإنّ ألفاظاً كالجمعة، والجماعة والاجتماع والجمعية والمجمّع والمجتمع والجامع لا بدّ أن تجري على ألسنتنا كل يوم! لماذا؟ لأنّ ما عندنا هو ((الجمعة)) وليس (آدينه)۱.
الجمعة يعني: يومٌ يجتمع فيه النّاس لصلاة الجمعة ويخطب الخطيب ويصلّون صلاةً من ركعتين، هذا اليوم اسمه يوم الجمعة والرسول صلّى الله عليه وآله هو الذي سمّاه بهذا الاسم؛ فقبل رسول الله كانوا يطلقون عليه اسم يوم العروبة، وعندما نزلت آيات القرآن وفرضت صلاة الجمعة في يوم الجمعة، وصار من الواجب أن يجتمع الناس يوم الجمعة في مكان واحد، حينها تبدّل اسمه من يوم العروبة إلى يوم الجمعة. والآن يطلق اسم يوم الجمعة على هذا اليوم في كل أنحاء العالم الإسلاميّ، ولم يعد أحدٌ يستخدم اسم يوم العروبة أبداً فهذا الاسم قد انتهى.
علينا أن نفهم هذا الأمر، وأن نستخدم لفظ الجامع والاجتماع وأمثالها في كلامنا، ولا نستبدلها بألفاظ أخرى؛ فتغييرها يحدث من الأضرار ما يحدث.
هناك مؤسسة خيريّة في العتبة الرضويّة المقدّسة تحمل اسم (بنياد پژوهش های اسلامی آستان قدس رضوي۱) ، حسناً يا عزيزي ماذا تعني (بنياد پژوهش)؟! هل كان سينكسر فمك لو سمّيتها (مجتمع تحقيقات إسلامي) بدلاً من ذلك؟ لماذا أزلت لفظ اجتماع ومجتمع؟ وما هو معنى كلمة (پژوهش تحقيقات)...؟!
هؤلاء لا يفهمون حجم البلاء الذي يجرّونه على أنفسهم، ولكنّني أرى أنّ هذه الأعمال هي من آثار تلك السياسة الاستعماريّة القبيحة الخشنة، والمدمّرة المخرّبة...
سيّدي العزيز! لا زال كلام جلادستون يتردّد حيث كان يقول: (ما دام القرآن موجوداً بين أظهر المسلمين وما داموا متمسّكين به فلا سبيل إلى التغلّب عليهم)، إنّ هذا الكلام بعينه نجده اليوم، وهو بعينه كان قبل أربعين وخمسين سنة؛ فقد قاموا برسم سياسات عامّة وتأسيس كليّات للآداب وأمثال ذلك في إيران، وقام الشاه رضا خان ببناء المجمّع الثقافي وبدأوا باستبدال الألفاظ العربيّة بألفاظ فارسيّة؛ لتختفي وتندرس الألفاظ العربيّة مثل (الجمعة واجتماع وتحقيقات)، ولتُستبدل كلمة تحقيقات بكلمة (پژوهش) وليضعوا كلمة (بنياد) بدلاً من كلمة (مجمّع)
ما هو الضرر الذي لحق بنا من القرآن الكريم حتى نبعد أنفسنا عنه؟ نحن دائماً ننادي باسم القرآن، أمّا في الناحية العمليّة، فإنّنا نوجّه ضربة للقرآن! فما معنى ذلك؟ أليس لفظ رمضان في القرآن الكريم؟ {شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِيَ أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ}٢، {إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِندَ اللـهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْراً فِي كِتَابِ اللـهِ}٣.
إنّ أشهر السنة أشهر قمريّة، اثنا عشر شهراً قمرياً إسلامياً: رمضان وشوّال وذو القعدة وذو الحجّة ومحرّم وصفر... ما الذي يدفعنا لاستبدال هذه الأشهر بـ (ارديبهشت) و(خرداد) و(تيرماه)٤... وهي أشهر مجوسيّة آوستيّة٥؟ لماذا نستبدل الأشهر القمريّة بارديبهشت وخرداد؟ لماذا نستبدل السنة القمريّة بالسنة الشمسيّة؟ عزيزي، لم يفعلوا ذلك لأنّ ارديبهشت وخرداد وغيرها أسماء جميلة، بل لأنّ من دسّ هذه الأسماء في أوساطنا كان يعي جيّداً ما يفعل!
هل قرأتم الرسالة التي ألّفها الحقير بعنوان رسالة جديدة في بناء الإسلام على الشهور القمريّة والتي تبيّن عدم اعتبار الشهور الشمسيّة في الإسلام؟ هل قرأتم هذه الرسالة؟ هل يستطيع أيّ شخص أن يقرأ هذه الرسالة ويجد إشكالاً واحداً على حرف من حروفها؟!
القرآن هو الذي يقول: أيّها المسلمون يجب أن تكون شهوركم قمريّة، وإن لم تلتزموا بذلك فسوف يلتهمونكم، بل سيبتلعونكم، وهذا واضح، واضح جداً! سيبتلعوننا كما فعلوا سابقاً، ومن دون أن نشعر!
جهاد الشيخ فضل اللـه النوري في سبيل تعاليم القرآن
لقد قاموا بدسّ السمّ للمرحوم (المدرّس) – رحمة الله عليه في يوم الثامن والعشرين من شهر رمضان في بلدة (ترشيز) ونزعوا عمامته ومزّقوها ثم قاموا بخنقه. لقد كان المرحوم المدرّس رجلاً حيّ الضمير ذا فهم وبصيرة، وكان مطّلعاً على سياسة انجلترا، عارفاً بأساليب دول الكفر، وكان رجلاً معرضاً عن الدنيا، فلم يستطيعوا أن يخدعوه أبداً.
لقد أرادوا في أحد المجالس أن يُلغوا الأشهر الإسلاميّة ويستبدلوها بالأشهر الفارسيّة مثل أرديبهشت وما شابهه، فاعترض المرحوم المدرّس على ذلك. وكان تقي زاده أحد أعضاء الماسونيّة المعروفين والمشهورين، وأحد الأشقياء الذين أمضوا فتوى إعدام الشيخ فضل الله النوريّ شنقاً، وأصدر على إثرها ذلك القاضي الشيخ إبراهيم الزنجانيّ حكم الشنق، وقاموا بشنق الشيخ فضل الله النوريّ.
لقد كان هذا الشيخ كان عالماً مجتهداً عادلاً، وكان مرجع التقليد في زمانه، فلم يكن الشيخ فضل الله النوريّ عالماً عادياً بل كان مرجعاً...!
قال والدي رحمه الله: عندما أنهيت دراستي في النجف وسامراء وكربلاء، عدت إلى طهران، وذات يوم قلت لوالدي السيّد إبراهيم: هل هناك أحد يمكنني أن أستفيد من درسه ما دمت في طهران؟ أريد درساً واحداً أحضره بالإضافة إلى مسؤوليّاتي العلميّة الأخرى... فأجاب والدي: اذهب إلى درس الشيخ، يعني الشيخ فضل الله. يقول: لقد تعجّبت كثيراً من هذا الجواب، فما هو فضل هذا الشيخ وما هو مقامه لينصحني والدي بحضور درسه بعد أن درست عند أولئك الأساتذة الكبار أمثال الميرزا محمّد تقي الشيرازي وغيره من تلامذته الكبار؟
يقول: وعلى كلّ حال، ذهبت إلى درس الشيخ التزاماً بأمر والدي ولكنّني لم أجلس في غرفة الدرس بل جلست خارجاً لأستمع إلى درس الشيخ وأحدّد مستوى درسه لأقرّر بعد ذلك هل أحضر الدرس أم لا...
و بعد أن سمع والدي الدرس كان يقسم أن مستوى بحث الشيخ وطريقة دخوله وخروجه من البحث لم يكن يقل أبداً عن أولئك الأساتذة العظماء في النجف وكربلاء.
لقد قاموا في ذلك الوقت ببثّ الدعايات والشائعات ليغرّروا بالناس، وقاموا بإعدام الشيخ فضل الله النوريّ، وكان تقي زاده هذا الذي استبدل الأشهر الإسلاميّة بتلك الأشهر من جملة الذين أصدروا حكم الإعدام وعملوا على تنفيذه. وبعد ذلك قاموا بخداع الناس، وقالوا لهم أنّ هناك شيخاً كان يعمل على خلاف مصالح الأمّة فأُعدم، وقاموا بتصوير الشيخ فضل الله على أنّه رجل عاميّ لا أهميّة له وو.. وعندما دوّنوا تاريخ فترة المشـروطة أظهروا الشيخ على أنّه رجل خائن مغرور متكبّر.
لقد ذهبت ذات يوم لشراء كتاب من إحدى مكتبات طهران، وكان هناك أحد أساتذة الجامعة – هذه الحادثة وقعت منذ زمن بعيد، أي منذ حوالي خمس وثلاثين سنة تقريباً۱ وقد تعجّب ذلك الأستاذ كثيراً عندما رآني أمدح الشيخ فضل الله، وقال: هل هذا هو اعتقادك فعلاً بالشيخ؟ ألا تعتبره خائناً؟ ألم يكن الشيخ مسؤولاً عن المشروطة وإراقة الدماء وما تبع ذلك من مشكلات؟. لقد أبدى الكثير من التعجّب لوجود شخص يرى في الشيخ مثل هذا الرأي!
لقد أعدموا الشيخ وقاموا بشنقه! وأمّا تقي زاده هذا، والذي كانت بيده أزمّة الأمور، فقد رأى بعد ذلك أنّ الأحوال قد تغيّرت ولم يعد في وسعه البقاء في إيران، وذلك بعد أن أرسل المرحوم الآخوند الملّا محمّد كاظم الخراساني (بإملاء المرحوم النائيني) برقيّةً إلى طهران مؤلّفةً من مائتي كلمة، وأمر فيها بطرد هؤلاء الذين ارتكبوا تلك الجرائم، ففرّ تقي زاده إلى تركيا.
نعم، لقد سجّل الكاتب عبّاس إقبال الآشتياني في مجلّة (يادگار) جميع تلك الأحداث بدقّة، فقد قام إدوارد براون من كامبريج بإرسال رسالة في ذلك الزمان إلى الآخوند محمّد كاظم الخراساني في النجف، وكانت في غاية التفصيل، شرح له فيها ما حدث، وذكر فيها أنّ بقاء تقي زاده خارج إيران خسارة كبيرة، وأنّ قضاءه عمره وحيداً بهذه الطريقة أمر مؤسف، والتمس من الآخوند أن يسمح لتقي زاده بالرجوع إلى إيران، ليتولّى منصبه من جديد، وفي ذلك الزمان كانوا يعتبرون تقي زاده رجلاً وطنيّاً حكيماً غيوراً وناشطاً. وبعد ذلك عندما استلم تقي زاده الحكومة، وتولّى زمام الأمور قام بسحق مخالفيه والقضاء عليهم.
جهاد السيّد المدرّس
لقد قاموا باستدعاء السيّد المدرّس رحمة الله عليه إلى ترشيز (تسمّى كاشمر هذه الأيام) بعد أن كان منفيّاً لمدّة عشر سنوات في مدينة (خواف)، وبعد أن حجزوه عدّة أيّام، قاموا بمحاولة سمّه في الثامن والعشرين من شهر رمضان لسنة ألف وثلاثمائة وستة وخمسين، ولمّا رأوا أنّ السمّ لم يؤثّر فيه، قتلوه خنقاً. يقول المأمور بوضع السمّ آنذاك أنّ السيّد المدرّس قال له: انتظر حتى أتأكّد من أنّ الشمس قد غربت وحان وقت الإفطار لأتمكّن من شرب العصير الذي تقدّمه لي، فأجابوه: يا سيّد، إنّ نظرك ضعيف، والشمس قد غربت منذ زمان بعيد، فقام السيّد بفتح الستارة ورأى أنّ الشمس لم تغرب، لكنّهم أصرّوا عليه أن يشـرب العصير، فشربه ولكنّه لم يتأثر بالسمّ الذي كان فيه، فلمّا رأوا ذلك، هجم عليه مجموعة من الرجال ذوي العضلات المفتولة، فنزعوا عنه العمامة وقتلوه خنقاً، ثم دفنوه في نفس تلك الليلة في بلدة (سرتپه)، لقد قتلوه بهذه الطريقة الوحشيّة.
لقد قضى السيّد المدرّس نحبه صائماً في شهر رمضان، لقد صام شهراً كاملاً في سجن (خواف) وكان طعامه الخبز واللبن لأنه لم يكن يأكل من طعام السجن، ولكن عندما يكتبون عنه في الصحف، فإنّهم لا يذكرون أيّ شيء عن صيامه... ولا عن شهر رمضان... ولا عن سنة ألف وثلاثمائة وستة وخمسين هجريّة قمريّة... ويؤرّخون لذلك في العاشر من شهر (آذر) لسنة ألف وثلاثمائة وستة عشر هجري شمسي. أوليس هذا عداءاً لشهر رمضان؟ أليس هذا استئصالاً لشأفة القرآن الكريم؟ القرآن الكريم الذي يقول {إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِندَ اللـهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْراً فِي كِتَابِ اللـهِ}۱ وهذا المعنى هو الذي قام السيّد المدرّس واعترض من أجله في المجلس عندما أرادوا أن يُلغوا التاريخ الهجريّ القمريّ، وقال لهم: نحن نريد محرّم وصفر ولا نريد غيرها، فأجابه تقي زاده: يا سيّدنا، سنترك لك محرّماً وصفراً لأعمالك الدينيّة، أمّا نحن فنريد أن نرجع إلى أرديبهشت وخرداد وذلك لمصالح سياسيّة (طبعاً هم في البداية استخدموا التاريخ الشمسي وأطلقوا على الشهور أسماء الحمل والثور والجوزاء).
ونحن بدورنا إذا أردنا أن نكون مسلمين حقيقيّين فيجب أن نكون كذلك (مثل السيّد المدرّس).
يا عزيزي... لقد قُتل السيّد المدرّس صائماً يوم الثامن والعشرين من شهر رمضان؛ لأنّه كان من أهل الحقّ، ولو كان من غير أهل الحقّ، لكانوا رفعوه بإشارة واحدة مكاناً عليّاً، فالآلاف ممن هم أقلّ من طلاّب طلاّب طلاّب السيّد المدرّس قد تربّعوا على المقامات، ووصلوا إلى مراكز عالية – وأنا لا أريد أن أفصّل في هذا الموضوع؛ فهو موضوع يطول وليس هذا مكانه ـ إنّ كلامنا ليس عن تغيير تاريخ وفاة السيّد المدرّس فقط، فهؤلاء يريدون أن يُلغوا التاريخ الإسلاميّ من أصله، يريدون أن يُلغوا رمضان وينسخوا المحرّم، إنّهم يريدون أن يستبدلوا الأشهر الإسلاميّة بيونيو وفبراير وأغسطس وأمثالها، هل تتصوّرون أنّ هذا العمل لا يمثّل لديهم أهميّة بالغة؟
من مظاهر التخلي عن القرآن في مجتمعنا
في العام الماضي، سنة ألف وأربعمائة وأربعة عشر هجريّة قمريّة، أقاموا احتفالاً بمناسبة مرور مائة سنة على ارتحال آية الله المرحوم الآخوند الملاّ حسينقلي الهمداني، والواقع أنّه كان قد مرّ على وفاته مائة وثلاث سنوات، لا مائة!!
لقد توفّي الآخوند في الثامن والعشرين من شعبان لعام ألف وثلاثمائة وأحد عشـر، وبالتالي فالذكرى المئويّة لرحلته ستكون في الثامن والعشرين من شعبان لعام ألف وأربعمائة وأحد عشر، ولكنّهم لم يقيموا الاحتفال في هذا التاريخ بل أقاموه بعد ذلك بثلاث سنوات، أي سنة ألف وأربعمائة وأربعة عشر، أي في هذه السنة الماضية، فلم ذلك؟ لأنّ كل مائة سنة شمسيّة تعادل مائة وثلاث سنين قمريّة، وللدقّة فكل مائة سنة شمسيّة تعادل مائة وثلاث سنين وبعضاً من السنة القمريّة، أوليس إقامة الحفل المئويّ بهذه الطريقة وبعد موعده بثلاث سنوات، مخالفة للإسلام؟
هل مات قوله تعالى {إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِندَ اللـهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْراً فِي كِتَابِ اللـهِ}؟ أولم تعد آية {إِنَّمَا النَّسِيءُ زِيَادَةٌ فِي الْكُفْرِ}۱ موجودة في القرآن؟ ألم يرد فيها أنّ هذا العمل كفر، النسيء (وهو تأخير التاريخ) كفر، ويجب ألا نقوم به.
والآن انظروا ماذا يفعلون، يريدون أن يحتفلوا بمرور ثلاثمائة سنة على ارتحال المرحوم الشيخ المجلسيّ وذلك بعد عشر سنوات من موعده الصحيح، وذلك أنّ المرحوم المجلسيّ قد توفي في عام ألف ومائة وعشرة، ولذا فالتاريخ الصحيح لمرور ثلاثمائة سنة على وفاته هو ألف وأربعمائة وعشـرة، أي قبل خمس سنوات من الآن، وقد أرادوا أن يقيموا الاحتفال في ذلك الوقت ولكنّ البعض اعترضوا وأجّلوا إقامته إلى بعد خمس سنوات أخرى، لماذا؟ لأنهم يريدون أن يقيموه حسب التاريخ الشمسي!! هل فهمتم الموضوع؟!
حسناً، بناء على ذلك فماذا تتوقعون أن يفعلوا بتاريخ وفاة أمير المؤمنين عليه السلام....؟
ما الفرق بين وفاة أمير المؤمنين عليه السلام ووفاة الشيخ المجلسي رحمه الله؟ أمير المؤمنين كان أحد الأئمة، فما المشكلة لو أقمنا العزاء له في الثامن عشـر من آذر بدلاً من الحادي والعشرين من شهر رمضان؟ ولماذا نقيم العزاء لسيّد الشهداء في العاشر من محرّم؟ إنّ الخامس والعشرين من السرطان أفضل، لقد قمنا بحسابات دقيقة وتبيّن أنّ سيّد الشهداء قد استشهد في الخامس والعشرين من شهر تير، وإقامة العزاء في هذا التاريخ أفضل لأنّه يصادف أوّل الصيف، وبذلك سيعلم النّاس في أيّ حرّ قُتل الإمام الحسين عليه السلام.
هل تعلمون حقيقة هذه الأعمال؟ ما هي حقيقة هذا الحساب الدقيق الذي يتشدّقون به؟ إنّهم يخدعوننا بذلك ويستخفّون بعقولنا، ويأخذون منّا ديننا وشرفنا، ويقضون على الإسلام والقرآن وكلّ ما لدينا، وكلّ ذلك تحت ستار التمدّن والحضارة، وبعنوان الثقافة والتطوّر، وبحجّة إحياء اللغة القوميّة.
قولوا لنا أيّ لغة تلك التي تريدون إحياءها؟ لغة رستم وأراسياب؟! أم لغة (زند وأوستا)؟ أيّ لغة؟ لغة القرآن؟ إذا قلتم لغة أراسياب وتذرّعتم بالقوميّة وما شاكلها، فما معنى رفع شعار القرآن والإسلام وتعبئة الأمة أمّا إن كان مرادكم القرآن والإسلام، فهذه القوميّة التي تروّجون لها مخالفة للإسلام والدين!
يا عزيزي، إنّ كلّ من يقول: نحن نريد أن نخالف العرب واللغة العربيّة، ويقول: لا تتكلم بالعربيّة، ولا تستخدم الألفاظ العربيّة، فهو في الواقع يحارب الإسلام تحت قناع محاربة العربيّة. اللغة العربيّة يجب أن تكون اللغة الأولى لكلّ مسلم لأنّها لغة القرآن ولغة نهج البلاغة، وكلّ مسلم يجب أن يتعلّم القرآن ويفهمه.
لماذا تستخدمون مصطلحات من قبيل (ويژه نامه ستاد)؟ ما معنى كلمة (ستاد) وفي أيّ لغة فارسيّة أصيلة وردت هذه الكلمة؟ أليس أصل هذه الكلمة لاتينيّاً؟! كيف سمحتم لأنفسكم باستخدام لفظة لاتينيّة؟ أليس في هذا مشكلة؟ إنّ هذا اللفظ لا يخالف تلك القوميّة والعزة الوطنيّة؟! أمّا لفظ (اجتماع) وأمثاله فيخالفها!
ماذا كان سيحصل لو كتبتم (نامه مخصوص مركز) بدلاً من (ويژه نامه ستاد)؟ ولكنّهم لكي يوجّهوا ضربة للقرآن الكريم يقولون: دعك من هذه اللفظة، فهي لفظة أجنبيّة، لفظة (الجمعة) لفظة أجنبيّة، لفظة (خصوصيّة) لفظة أجنبيّة، ولفظة اجتماع ورمضان ومحرّم كلّها أجنبيّة، ونحن يجب أن ننأى بأنفسنا عن كلّ ما هو أجنبيّ.
إنّ هذه السياسة وهذه الخطّة بعينها كان يُعمل بها في عهد رضاخان، وهاهي الآن تنفّذ من جديد دون أن نلتفت. إنّ تلك الأيادي الخفيّة التي كانت ومازالت تسعى لهذا الأمر تقوم باستغفالنا والاستهتار بنا دون أن نعي ما يجري، وفي النهاية نتخيّل أنّ المسألة تغييرٌ بسيط في اللغة ليس إلا، وا أسفاه!
في أوائل الانتخابات والحوادث المتعلّقة بمراكز المحافظات، أي قبل خمسة وثلاثين أو ستة وثلاثين سنة تقريباً، قام (علي دشتي) بكتابة مقالة في مجلة (راهنما) عن الفردوسي – ولقد نقلتُ مجمل المقالة في المجلد الرابع من كتاب (نور ملكوت القرآن) في القسم الذي يتحدث عن اللغة العربية والحثّ على تعلّمها، وإن شاء الله تقرؤونها عندما تطبع فعليّ دشتيّ هذا يقول بشكل واضح وصريح عن الفردوسيّ: (أريد أن أبيّن أمراً للطلّاب والأساتذة الأعزاء، ولقد رغبت مراراً بذكر هذا الأمر ولكنّني امتنعت عن ذلك، ولكنّني أرى الآن أنّ من الواجب أن أبيّنه، وهذا الأمر هو أنّه قد قام العديد من الأشخاص بتعريف الفردوسي، ولكن برأيي أنه قد فات الجميع أمر لطيف ودقيق، وعلى أبنائي طلّاب الجامعات أن يهتمّوا به، وذلك أنّ إيران قد تعرّضت للعديد من الحملات، فقد تعرّضت أمّتنا لحملات الإسكندر والمغول و... ولكنّها جميعاً كانت حملات عسكريّة لا عمق لها، فقد كانت تستمرّ لعدد من السنوات ثم تذهب ويختفي أثرها، ولكنّ الهجوم العربيّ كان مختلفاً إذ قام بضـرب أساسنا وأجلسنا على التراب وأدّى بنا إلى كذا وكذا، لماذا؟ لأنّ هجومهم كان مقترناً بغزو ثقافيّ وفكريّ، ومتلبّساً بلباس الدين والعقيدة، وهكذا جاؤوا، وبعنوان الدين دخلوا وأسّسوا قواعدهم في أمّتنا، ولذلك لم نستطع أن نتخلّص منهم. لقد ذهبت حملة الإسكندر، ولم تدم هجمة المغول إلا لبعض سنوات، بل إنّ هؤلاء قد أسلموا ورجعوا مسلمين إلى أوطانهم، ولكنّ هجوم العرب الذي كان توأماً مع الدين هو الوحيد الذي بقي وثبت، والشخص الوحيد الذي وقف أمام هذه الهجمة هو الفردوسيّ، فقد تحمّل هذا الرجل المشاقّ لمدة ثلاثين سنة وأقام بناء (الشاهنامه) الشامخ، وقال لنا: أيّها الناس، إنّكم أصحاب أصول وجذور، أصحاب قوميّة، إنّ لديكم (رستم) و(زال) و(أفراسياب) و(كيخسـرو) و.. وهذه الخدمة التي قدّمها الفردوسيّ للأمّة الإيرانيّة لم يسبقه إليها أحد، وهو أمر يستدعي الاهتمام والعناية من الجميع)
هل سمعتم؟! هل أقول لكم من هو علي دشتي؟ هل تعرفون من هو؟ إنّه ليس شخصاً مجهولاً، إنّه ذلك الكاتب الذي ألّف كتاب (ثلاثة وعشرين سنة) ضدّ النبيّ، هازئاً من الثلاثة والعشرين سنة التي قضاها النبيّ في أداء رسالته، لقد ألّف كتاب (ثلاث وعشرين سنة) بالاشتراك مع علي نقي منزوي (وهو ابن الحاج الشيخ آغا بزرگ الطهراني) وهناك مستندات مطبوعة تؤكّد ذلك.
علي دشتي "نور عيون" انجلترا، لقد توقّع الجميع أن يكون علي دشتي أوّل شخص تقوم الحكومة الإسلاميّة بإعدامه بعد انتصارها، ولكنّه لم يُعدم، ثم غادر البلاد، وتعجّب الجميع أن يُترك بهذه الطريقة إلى أن يموت ميتة طبيعيّة. وها نحن الآن نرى كلمات علي دشتي تتكرّر أن يا أيها الناس، اعلوا شأن الفردوسيّ ومجّدوه، فقد كان كذا وكذا وقام بكذا وكذا..
حسناً! إذا كنتم تريدون أن تكونوا أمّة القرآن فالقرآن يقول:
{إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَـهِ أَتْقَاكُمْ}۱
ألم يرد هذا في القرآن الكريم؟! فعليه، الحديث عن إيرانيّ وعربيّ وأبيض وأسود لا معنى له في منطق القرآن ، لماذا عندما تقرؤون هذه الآية تشرعون ببيانها وتوضيحها بخطبة عصماء؟ وعندما يصل الأمر إلى التطبيق، تذكرون الفردوسيّ والقوميّة وأمثال ذلك؟!
من هو (رستم) ؟ ومن هو (زال)؟ وما معنى الوطنية؟ ما هو معنى الوطنيّة مقابل حكومة القرآن؟ ما معنى أن نضع رستم وزال في إزاء عليّ بن أبي طالب ونفاضل بينهم؟ إمّا أن تنادوا: الكفر الكفر، أو أن تنادوا الإسلام الإسلام، إما أسود وإما أبيض.
قبل حوالي سنتين أو ثلاث سنوات، عُرض برنامج تلفزيونيّ ضمن برامج عيد النيروز كان عنوانه (مقابلة صحفية مع تماثيل طهران)، وفكرة البرنامج أنّه لو تكلّمنا مع هذا التمثال فما الذي سيقوله لنا.
في البرنامج يقترب المذيع من تمثال الفردوسي ويسلّم عليه ليجري معه مقابلة:
المذيع: مشاهدينا الأعزاء، أرجو أن تنتبهوا معنا، حيث أننا سنبدأ مقابلتنا مع الحكيم الكبير والشاعر المفوّه و... الحكيم أبو القاسم فردوسيّ. (ثم يصعد المذيع على سلّم حتى يقترب من التمثال ويقول له (سلام عليكم) فلا يجيب، وعندها يلتفت المذيع إلى المشاهدين ويقول: لا أدري لماذا لا يجيب الفردوسيّ على سلامي، ثم يكرّر السلام دون جواب من الفردوسي، فيتوجّه إليه بالسؤال:
هل يمكن أن تخبرني لماذا لا تجيب على سلامي؟
الفردوسي: ما معنى كلمة (سلام)؟
المذيع: إذن ماذا يجب أن نقول؟
الفردوسي: قل (درود بر شما)۱ ، أو كلمة مشابهة
بعد أن يمتثل المذيع لأمر الفردوسيّ، يقول له المذيع: لقد جئنا اليوم لنجري معكم مقابلة٢، (لم يردّ الفردوسي على كلامه و قال له)
الفردوسي: ماذا تعني كلمة مصاحبه (=المقابلة)؟
المذيع: ماذا نقول إذاً؟
الفردوسي: قل (گفت و شنود)٣
وبهذه الطريقة استمرت المقابلة بحيث كلّما قال المذيع كلمة فارسيّة من أصل عربيّ صحّحها له الفردوسي وأمره أن يستخدم كلمة فارسيّة الأصل بدلاً منها، وفي ختام المقابلة سأله المذيع:
في ختام لقائنا، هل لدى حكيمنا العظيم وصيّة ننقلها للأمّة الإيرانيّة؟ هل عندكم كلمة أخيرة توجهونها للشعب الإيراني؟
الفردوسي: وصيّتي لأمتي هي أنّهم بدلاً من أن يأتوا إليّ، عليهم أن يذهبوا ويقرؤوا الشاهنامه٤، أفهل هناك نقص في ثقافتنا الحيّة أو في كلمات لغتنا العريقة حتى نحتاج أن نأخذ من هؤلاء الأجانب؟!!
هل تعلمون من هم الأجانب الذين عناهم؟ إنّهم الإسلام، والقرآن! السلام كلمة قرآنية، واللغة العربية لغة القرآن، ها قد صار القرآن الكريم من الأجانب، وذاك الفردوسيّ يقول: اقرؤوا الشاهنامه وتعلّموا منها ولا تأخذوا عن الأجانب!
إنّ الحرب على العرب ما هي إلّا ستار للحرب الحقيقيّة على الإسلام. ما معنى عرب؟ عجم؟ لا فرق بين مسلم وآخر سواء كان من العرب أو العجم أو الترك أو الهنود أو الباكستانيّين أو الإنجليز أو الأمريكان، فكلّ مسلم محترم. ومن العجيب كيف استطاعوا في مثل هذه الأيام ، والتي ارتفع فيها مستوى التفكير، أن يخدعوا الناس باستخدام هذه العناوين البرّاقة وإشاعة هذه الأفكار الباطلة؟!
إنّ هذه السياسة هي عين سياسة أولئك الذين جاؤوا بعد انتصار الإسلام وبعد الثورة وقاموا بقتلنا قتلاً جماعياً، هل تعلمون أيّ قتل جماعيّ؟ جاؤوا بعنوان الاقتصاد والرحمة والمحبة وغيرها من الشعارات والدعايات المكثّفة ودعوا النساء إلى عمليّات ربط الأنابيب وقطع النسل، حتّى وصل الأمر إلى أن قام بعض الأفراد المحسوبين على العلماء والمحقّقين بعنوان خدمة الإسلام بتطبيق ذلك، ثمّ ندموا الآن على ذلك وتحسّروا، ولا يدرون ما العمل.
مع حلول شهر صفر الماضي، عندما ألّف الحقير رسالة بعنوان (الرسالة النكاحيّة: الحدّ من عدد السكان ضربة قاصمة لكيان المسلمين)، كانوا قد قاموا بعمليّات قطع النسل لمليون امرأة وستمائة ألف رجل! وكلّها عمليات عقم دائم لا مؤقت، والآن سمعت أنّ هذا العدد قد زاد إلى مليون وستمائة ألف امرأة، أي أنّهم قدموا إلى مليون وستمائة ألف امرأة قادرة على الحمل والإنجاب وجعلوهن عقيمات، وهذا هو معنى القتل العام والإعدام الجماعيّ، تحت أيّ عنوان قاموا بذلك؟ هل تعلمون ما هو أساس هذه الأفكار ومن أين مصدرها؟ اقرؤوا تلك الرسالة التي ألّفتها لتفهموا لبّ المسألة وأصلها، ولن تستطيعوا أن تفهموا حقيقة الأمر حتّى تقرؤوها فتعلموا أنّ هذه الخطّة قد بدأت منذ مائتي سنة، اقرؤوا تفاصيل الموضوع حتّى تعرفوا أيّ بلاء قد حلّ بنا.
نحن ننادي بالإسلام والثورة وصاحب الزمان، وهؤلاء يجلسون في بيوتهم ساخرين منّا ولسان حالهم يقول: سيّدي العزيز، لا تتعب نفسك؛ فنحن سننزل على رأسك المصائب وأنت جالس في بيتك بحيث نقطع عنك حتى النفس، ولن يستطيع أحد من الشباب أو الجنود أو العسكر أن يفعل أمامنا شيئاً، سنقوم بقتل نطفكم ونقضي على نسلكم ونقطع دابركم، هذا ما يفعلونه هنا، أمّا في إسرائيل فإنّهم يقدّمون لهم الدعم الكامل حتّى يتمكّنوا من إنجاب أكبر عدد ممكن بحيث يزيد تعدادهم كلّ يوم، وتفصيل ذلك كلّه موجود في الرسالة المذكورة، ولو أردنا الخوض في هذه المسألة لخرجنا عن موضوعنا.
يا طلبتنا الأعزّاء، هل تعلمون ما هي موقعيّتكم الآن؟ فأنتم يجب أن تكونوا من حماة القرآن الكريم، ويلزم عليكم أن تكونوا من حماة السنّة النبويّة المطهرّة، ويجب عليكم أن تدافعوا عن صاحب الزمان عليه السلام، وتؤدّوا أعمالكم بما يرضيه، بحيث لو ظهر الآن صاحب الزمان لقبلكم أعواناً وأنصاراً له، لا أن تكون أعمالكم كأعمال رضاخان، ثمّ تشرعون بلعنه والدعاء عليه، فما الفرق بينكم وبينه عندئذ؟
اليوم يقولون: لقد نصبنا تمثالا لـ(رستم) في الميدان الرئيسي في (زابل)، ما معنى هذا العمل؟ ثمّ قاموا بإنفاق ستين مليون تومان –حسب قولهم لإعداد ونصب تمثال آخر في ميدان (زاهدان)! كما قاموا بنصب تمثال لـ (بزرجُمِهر)۱ ، وستشاهدون نصب العديد من هذه التماثيل من الآن فصاعدا.
هل هذا هو القرآن؟ أأنتم من لا طعام لديه يأكله؟! أنتم الذين تدفعون نساءكم للقيام بعمليات قطع النسل، ويقدم شبّانكم بأنفسهم على إجراء عمليّات ربط الأنابيب متخلّين عن شبابهم بأيديهم، وبعد ذلك تأتون لتقولوا: ماذا نفعل!؟ أيّة وطنيّة هي هذه التي تفاخرون بها؟ أليست هذه خطّة جلادستون؟ أليس هذا مخطّط لورد (كرزون)؟ هل فكّرتم ما هي خطوَاتهم التالية وأيّ موضع سيهدمون؟ لقد اصطنعوا إسلاماً من عند أنفسهم، وهاهم بهذا العنوان يهدمون بنياننا ويقوّضون حياتنا.
أصلاً، تمثال (زال) حسب تاريخهم كان موجوداً في منطقة سيستان، أهذه هي الآداب؟ أية آداب هي هذه؟
في بداية الشتاء من هذا العام أمرت وزارة التربية أن يسرّح طلّاب المدارس باكراً ليتمكّنوا من القيام بمراسم ليلة (يلدا)!۱ فما هي قيمة ليلة (يلدا) حتى يفعلوا ذلك؟ لا قيمة لها أبداً. هل قمتم بتعطيل الطلّاب من أجل إحياء ليلة القدر؟ هل أعطيتموهم إجازة في الثالث والعشرين من شهر رمضان حتى يتمكّنوا من إحياء ليلة القدر؟ لماذا لا تدعون الناس إلى آداب الدين و(نهج البلاغة)؟ وتدعونهم إلى إحياء ليلة لا قيمة لها؟
و الآن انظروا إلى احتفال (المهرجان)٢ الذي يقيمونه، هذا المهرجان الذي كان يقام بشكل غير رسمي في عهد رضا شاه لأنّ الأرضيّة لم تكن تسمح بذلك، وفي زمان محمّد رضا بدؤوا يقيمونه بالتدريج، والآن سيتدرّج الأمر إلى أن تصبح إقامة هذا المهرجان رسميّة، تماماً كما حصل بالنسبة للنيروز؛ إذ أشغلوا الناس بهذه الأباطيل، وهكذا سيفعلون في (المهرجان). ما معنى كل هذا؟ إنّ هذا لا يعني سوى استبدال الحقائق بالأباطيل.
مرجع التقليد الذي يُتوفّى، هل له عنوان الأبديّة؟! أم أنّ الأمر في مدرسة التشيّع مختلف عن ذلك ففتوى كلّ مجتهد محترمة، ولكنّها تفقد اعتبارها بمجرّد موته؟ فهل راجعتم مرجعاً آخر في هذه الأمور والمسائل، وسألتموه عن حكمه ورأيه في هذه الفتوى؟ أم أنّكم مازلتم تعملون بتلك الفتوى الأولى؟
إنّ هذا مخالف لهذه المدرسة، فمدرسة صاحب الزمان ليست كذلك، مدرسة صاحب الزمان تقول: إنّ كلام العلّامة الحلّي والشيخ الطوسيّ وأيّ عالم آخر يفقد اعتباره بمجرّد ارتحاله، فهذه الخصوصيّة هي لأصحاب العصمة فقط الذين يقول فيهم رسول الله: «إني تارك فيكم الثقلين»، أولئك الأئمة الإثنا عشر الذين هم عِدل القرآن الكريم في الفضل والحقّانية، وليست العصمة لأحد غيرهم، ولذا فلا يمكننا أن نعطي حجيّة لكلام غيرهم.
ولذا كان على الإنسان في كلّ عصر أن يرجع إلى علماء ذلك الزمان ويسألهم عن الحكم والفتوى، هذا هو الحقّ، وهذه هي المدرسة التي يجب اتباعها، وإذا خالفنا ذلك فسنكون مخادعين لأنفسنا.
وفي مقابل هذا فهؤلاء يريدون لهذه الأمور أن تنقرض، تماماً كما كان الدكتور شريعتي يقول: (إلى متى نبقى متخلّفين؟ انظروا كيف جاءت النهضة إلى فرنسا وأحدثت تغييرات وتطوّرات كثيرة، وفي النهاية أنشئ مذهب البروتستانت مقابل مذهب الكاثوليك المتزمّت، فارتاح المسيحيّون من جمود وتزمّت الكاثوليك. ونحن أيضا بحاجة لمثل هذه النهضة، لنقضي على الكاثوليكيّة وتحجّرها، لنلغي رمضان ومحرّم وإقامة العزاء، ونداء يا حسين، فهذه الأمور ليست إلا تخلّفاً وجموداً. نحن بحاجة إلى نهضة تذهب بهذه الأمور وما شابهها)؛ كلام منمّق وجميل يتقبّله عامّة الناس وينجذب إليه الشباب. إنّ كلّ هذا خطأ ومخالف للدين.
إن كان هدفكم إيصالنا إلى هذه النتيجة فـ {ما سَمِعْنَا بِهَذَا فِي آبَائِنَا الْأَوَّلِينَ}۱...! أمّا إن كان غرضكم أن تقودونا إلى الإسلام، فالإسلام أمر آخر يغاير هذا.
إن كنتم واقعاً تريدون الوطنيّة والعزّة القوميّة فلم لا تصغون لكلام ذلك الحكيم الذي قال لكم: يا عزيزي، إنّ الأعداء يخدعونكم، وأعمالهم تشبه ورقة الحنظل فهي ناعمة ملساء في الظاهر ولكنّها حنظل! ولو أكلتها لقتلتك، فمهادنة الأعداء وإتاحة السبيل ليدخلوا إليكم هي كذلك تماماً.
أنصار صاحب الزمان هم أهل اليقظة والحذر من خطط الأعداء
يجب أن نتنبّه اليوم إلى أنّ أعداءنا يهاجموننا من كلّ حدب وصوب، فعلينا ألا نتخلّى عمّا نملك من أصول مسلّمة مهما حدث، فإذا تمكنّا من ذلك فحينئذٍ نكون شيعة من أتباع أمير المؤمنين عليه السلام، ومن أنصار صاحب الزمان وطلّاباً في مدرسته، وعندها يكون سلام الله عليه راضياً عنّا، وإلا فلا.
تـرسـم نرسـي بـه كعبـه اى اعـرابـى | *** | كاين ره كه تو مى روى به تركستان است٢ |
أيّها السادة الأحبّة الذين سيتشرّفون اليوم بلباس العمامة، إنّ هذا الكلام كان لكم؛ فنحن انتهينا، فقد ابيضّت لحيتنا.. وانقضى عمرنا.. وقُرأت فاتحتنا...
عندما كان صديقنا المرحوم الحاج هادي الأبهري – رحمه الله يقرأ في المجلس، ويكون المجلس موفقاً، كان يقول في آخره: اقرؤوا الفاتحة لي، فيقولون له: يا مولانا أنت ما زلت حيّاً! فيجيب قائلاً: لا والله، نحن الأحياء أكثر حاجة الى الفاتحة.
الواقع أنّ من الصعب جداً أن يكون الإنسان مؤمناً، مسلماً، فلا يتعدّى، ولا يتجاوز ولا يتمرّد ولا يعاند، ويبقى هادئا ًمنشغلاً بأداء وظيفته، إنّ ذلك في غاية الأهميّة.
(مراسم التعميم)