1

التفسير الظاهري و المجازي لآية النور، و نقده

8527
مشاهدة المتن

المؤلّفالعلامة آیة الله السيد محمد الحسين الحسيني الطهراني

القسممحاضرات العلامة الطهراني

المجموعةتفسير آية النور

جلسات المجموعة(10 جلسة)

التوضيح

شرع العلامة الطهراني قدس سره في هذه المحاضرة بتفسير آية النور (الله نور السموات و الأرض) ، وبدأ بذكر التفسير الظاهري الذي تتبناه الوهابية ويميل إليه الأخباريون، و بيّن الإشكالات الواردة عليه، ثم تعرّض إلى التفسير المجازي لهذه الآية و نظائرها ، وبيّن الإشكالات الواردة عليه.
وبعد أن تبيّن بطلان هذين المنهجين، طرح قدس سرّه نظرية وضع الألفاظ للمعاني العامة الكلية، و جعلها أساساً للفهم الصحيح لهذه الآية الكريمة ونظائرها.
/۱۵
بي دي اف بي دي اف الجوال الوورد

التفسير الظاهري و المجازي لآية النور، و نقده

1
  •  

  • هو العليم 

  •  

  • التفسير الظاهري والمجازي لآية النور، ونقده

  •  

  • تفسير آية النور 

  • (المجلس الأول)

  • ألقاها:

  • العلامة آية الله الحاجّ السيّد محمّد الحسين الحسينيّ الطهرانيّ

  • قدس الله نفسه الزكيّة

  •  

التفسير الظاهري و المجازي لآية النور، و نقده

2
  •  

  •  

  • أعوذ بالله من الشيطان الرجيم

  • بسم الله الرحمن الرحيم

  • والصلاة والسلام على سيدنا محمّد وآله الطيبين

  • ولعنة الله على أعدائهم أجمعين من الآن إلى يوم الدين

  •  

  •  

  • (اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ الْمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ الزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ يُوقَدُ مِن شَجَرَةٍ مُّبَارَكَةٍ زَيْتُونِةٍ لَّا شَرْقِيَّةٍ وَلَا غَرْبِيَّةٍ يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ نُّورٌ عَلَى نُورٍ يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَن يَشَاءُ وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ )۱

  • قد وعدْنا سابقاً ـ إن شاء الله ـ أن نفسّر هذه الآية وكذلك الآيتين الواقعتين في ذيلها، بل الآيات الثلاث التالية، وإنشاء الله سنستوفي المطالب اللازمة لذلك.

  • وتفسير هذه الآيات بمثابة المقدّمة لفهم حقيقة الولاية؛ الولاية التكوينيّة والولاية التشريعيّة التي منحها الله تعالى للأئمّة المعصومين والأنبياء والأولياء.

  • ونحن ضمن المباحث التي تكلّمنا فيها بشأن أمير المؤمنين عليه السلام فيما مضى من شهري رمضان السابقين في بعض أيّام الجمعة، لم نتعرّض حتّى الآن إلى خصوصيّة معنى الولاية، لأنّ مبحث الولاية بحثٌ مهمّ جداً، وكذلك معرفة معنى الولي، وحقيقة الولاية، وآثار الولي، وكيفية نزول مقام الرحمة، وإفاضة الفيض من جانب ذات الله المقدّسة بواسطة نفس الوليّ على الماهيات الإمكانيّة، والآيات التي تضمّنت لفظ الوليّ، ومعنى الولاية، وآية 

  • (إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ )٢

  • وكذلك الأحاديث المتواترة التي وردتنا عن النبيّ الأكرم صلّى الله عليه وآله وسلّم بأنّه قال: يا عليّ! أنتَ وليّ كلّ مؤمنٍ ومؤمنة من بعدي.

  • وعليه، فإنّ البحث في معنى الولاية وحقيقة الولاية ومعرفة كنهها من الناحية العقليّة، ومن وجهة نظر الآيات القرآنيّة المباركة، والأحاديث الواصلة من النبيّ والأئمّة عليهم السلام لهو بحثٌ جذّاب وجدير بالاهتمام جدّاً، وحقّاً يجدر بالإنسان أنْ يبحثَ في أطراف هذا الموضوع وجوانبه بشكل محكم. 

  • وأظنّ أنّه لو أردنا أنْ نَرِدَ في هذا البحث، فسوف لا ينتهي بأقلّ من عشرين يوماً، وذلك فيما لو أردنا أنْ نستعرض جوانب البحث ونذكر ما يتعلّق به بشكل مستوفى وجيّد، كلّ ذلك مع مراعاة الاختصار والإيجاز، لذلك لم ندخل في هذه البحث حتّى الآن.. فكثير من المباحث قد طرحت بشكل مفصّل، إلاّ أنّ بحث الولاية لمْ يُطرح بشكلٍ موسّع حتّى الآن.

    1. سورة النور (٢٤) الآية ٣٥.
    2. سورة المائدة (٥) الآية ٥٥.

التفسير الظاهري و المجازي لآية النور، و نقده

3
  • هذه الآيات القرآنيّة المباركة، لو التفتّم إلى تفسيرها بتمعّن، فإنّها تساعد كثيراً على فهم معنى الولاية. هذه الآية.. الآية الثالثة والخمسون من سورة النور في الجزء الثامن عشر، وسورة النور هي السورة الرابعة والعشرون من سور القرآن: (اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ) بمعنى أنّ الله هو نور السماوات والأرض، و اللَّهُ يعني: ذاك الإله الجامع لجميع الصفات الكماليّة والجماليّة، والمنزّه عن صفات النقص والعيب، وهو ما يعبّر عنه بصفات الجلال، هذا الإله الحائز على هذه الأسماء والصفات هو نور السماوات والأرض.

  • التمسّك بالمعنى الظاهري للآية

  • ما معنى (نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ)؟ هل تعني أنّ الله هو هذا النور المحسوس؟! فهل السماوات والأرض أشياء أخرى مغايرة للنور!! بحيث يكون هذا النور الحسّي الموجود فيهما هو نور الله؟! وأنّه حينما يعدمُ النور من السماوات والأرض لا يعود الله موجوداً؟! هذا هو معنى الآية؟! أو أنّ معنى (نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ) هو أنّ الله منوّر السماوات والأرض؟! فذات الله ليست نوراً، وإنما هو يعطي النور، يعني: ما تحويه السماوات والأرض من النور هو من ناحية الله، فالمنوّر هو المعطي للنور.

  • بعضهم يجمدون على ألفاظ القرآن، ويرون أنّ معاني ألفاظ القرآن منحصرة في المعاني الظاهريّة والماديّة، هؤلاء يقولون: نعم.. (اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ) تعني: أنّ الله هو هذا النور الذي يُرى في السماوات والأرض.. هذا هو النور.. وهؤلاء ينقسمون إلى قسمين:

  • فرقةٌ منهم الوهابيّون، الذين يجمدون على ظاهر آيات القرآن، ولا يُخرِجون معاني القرآن عن دائرة المعاني الماديّة والظاهريّة بأيّ وجه من الوجوه؛ فـ (اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ) تعني: أنّ الله هو هذا النور السماويّ، وكذلك قوله تعالى: (الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى )۱ إنّما يعني أنّ الله جالسٌ على عرش ومستلقٍ على سرير، فالعرش عندهم يعني هذا السرير الملكي الذي يجلس عليه الملوك، فالعرش بمعنى الكرسيّ، بمعنى الأسرّة الماديّة الملموسة والمحسوسة، فالله الذي استوى على العرش، بمعنى أنّ الله جالسٌ على عرش السلطة، لذلك لا يمكن لنا أنْ نراه في هذه الدنيا، وما إنْ نذهب إلى القيامة ونسأل عنه ونتعرّف عليه بواسطة حواشيه.. سوف نجده جالساً على كرسيّ الملك!!

    1. سورة طه (٢۰) الآية ٥.

التفسير الظاهري و المجازي لآية النور، و نقده

4
  • وكذلك (وَجَاء رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفّاً صَفّاً )۱ يفسّرونها بأنّ الله سوف يأتي يوم القيامة، وتأتي الملائكة أيضاً صفّاً صفّاً، كيف يأتي الله؟ يأتي على صورة إنسان، وله قدم، لأنّ المجيء يستدعي قدماً، ( وَجَاء رَبُّكَ) أي يأتي الله راجلاً على قدميه!! وكذلك الناس، يرونه بهاتين العينين الباصرتين بشكل تام. 

  • وهكذا قوله تعالى: (وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ )٢ أي عرش الله، أي عرشُ الله وملكه وقدرته وكِبره وعظمته، فإن سعة ذلك السماوات والأرض، يعني: إنّ الله العليّ الأعلى الذي يجلس على ذلك الكرسيّ وعرش السلطنة.. كرسيّه كبير إلى الحدّ الذي استوعب جميع السماوات والأرض، والله يجلس على كرسيّ واسعٍ وتختٍ كبير إلى هذا الحدّ!

  • كذلك قوله تعالى: (وَمَن كَانَ فِي هَـذِهِ أَعْمَى فَهُوَ فِي الآخِرَةِ أَعْمَى وَأَضَلُّ سَبِيلاً)٣ أي كلّ شخصٍ كانَ في هذه الدنيا أعمىً فهو في الآخرة كذلك، وطريقه ضالّ وتائه جدّاً، فمعنى ذلك هو أنّه: من حينِ عرضَ عليه العمي حيثُ كانَ رضيعاً، أو من حين الولادة، أو بسبب مرض الجدري، أو بسبب حادثٍ أو إِثرَ عمليّة جراحيّة.. كلّ أولئك حينما فقدوا هذه الباصرة، هم في الآخرة عميٌ أيضاً، وطريقهم ضالّ وهم ضالون.. هكذا يقول هؤلاء ـ والحال أنّ الآية ليست كذلك ـ .

  • والقسم الآخر الذين يجمدون على ظاهر آيات القرآن ويقولون: إنّ قوله تعالى (اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ) يعني هو هذا النور، إلاّ أنّنا نعلم بأنّ الله ليس نوراً مادّياً، والمسلّم والواضح من سنّة النبيّ ومن أقوال الأئمّة الأطهار عليهم السلام أنّ ماهيّة الله ليست مندرجة تحت الوجود المادي أصلاً، فهو ليس بجسم، وهذا مسلّم، لا شبهة فيه، أمّا آية (اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ) فإنّها تعني: أنّ الله هو نور السماء والأرض، لذلك علينا أن نذعن بعدم فهمنا للآية، فنحن لا نفهم مغزى الآية. فـ (اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ) لها معنى خفيّ، وهؤلاء هم الأخباريّون، وهم كثيرون جدّاً بين علماء الإسلام.

  • والمراد من الأخباريين ـ مقابل الأصوليين ـ الأفراد الذين يكتفون بالظواهر، ولا يتجاوزن ذلك بوجه من الوجوه، فهم يقولون: إن آية (الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى ) تعني: إنّ الله قد تربّع فوقَ كرسيّ السلطة، إلاّ أنّنا لا نعرف حقيقة هذه الكرسيّ، ولا نعرف نوعها، وبالتالي لا نعرف حقيقة معنى هذه الآية، كذلك لا نعرف مغزى قوله تعالى (وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ )، ولا نفهم معنى (وَجَاء رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفّاً صَفّاً )

    1. سورة الفجر (۸٩) الآية ٢٢.
    2. سورة البقرة (٢) الآية ٢٥٥.
    3. سورة الإسراء (۱۷) الآية ۷٢.

التفسير الظاهري و المجازي لآية النور، و نقده

5
  • (يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ)۱ أي يد الله فوق جميع الأيادي، فالوهابيون يعتقدون بأنّ لله يدٌ، وكذا قوله تعالى: (وَالسَّماوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ)٢ أي إنّ السماوات قد طويت في يد الله، يعني إنّ لله يد، مثل اليد التي نمتلكها نحن، فاليد هي ذلك.

  • أمّا العلماء الأخباريون فيقولون: كلا! ليس لله يد، إذ من المسلّم أنّ الله ليس مثلنا، فهو ليس بجسم، وهو غير مرئيّ، وهو غير ملموس، فهو فوق كلّ ذلك وأعلى، فقوله (يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ) فماذا يعني؟ هو ممّا لا نفهمه، كذلك (وَالسَّماوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ) ماذا تعني؟ فهو ممّا لا نفهمه.

  • وعلى هذا يقول هؤلاء: نحن لا نفهم آيات القرآن، فاقرأ القرآن من أوّله حتّى آخره فسوف لا تفهمه، لأنّ جميع آيات القرآن مملوءة ومشحونة بهذه الآيات.

  • هؤلاء يقولون أيضاً: إنّ لجميع آيات القرآن معانٍ ظاهريّة ومادّية ومحسوسة، من المادّيات والمحسوسات ونحو ذلك، نعم هذا هو.. أن نجعل الله في قالب المادّة.. فنثبّت له اليد.. له عين له أذن.. يجلس على الكرسيّ.. يأمر.. ينهى.. أمره ونهيه كالأمر الذي يتوجّه إليكم، لذلك فإن قول هؤلاء يرجع إلى التجسيم، يعني يقولون: أصلاً إنّ لله جسد، والشاهد على دعوانا هو الأخبارُ التي ينقلونها عن النبيّ، والحال أنّ جميع هذه الأخبار مبتدعة وكاذبة، أكاذيب كعب الأحبار و أبي هريرة٣.. وسائر وضّاع الحديث الذين انهمكوا بوضع الحديث زمن معاوية وما بعده، وكثير من الأخبار الموجودة في التوراة والإنجيل التي تدلّ على تجسّد الله، أرادوا أن يدّعوا بأنّ القرآن كالتوراة، فهذا الإله إلهٌ مجسّد، وله جسد. ولكي يكون هناك قبول لهذه الأخبار، كانوا ينسبونها إلى النبيّ، وعلى ضوء هذه المرويات التي وضعوها وابتدعوها قد فسّروا آيات القرآن.

  • وهذه الأخبار كاذبة بأجمعها.. كاذبة.. وهي معروفة باسم: الإسرائيليّات، فأخبار الإسرائيليّات كاذبة أجمع؛ عزيزي! الأخبار الواردة غالباً في أحوال الأنبياء وبيان خصوصيّاتهم وأحداثهم ومكالماتهم وأوضاعهم، والتفاسير الواردة عن العرش والكرسيّ والقلم وما يدور حول ذلك قدْ وردتْ من عندهم، فهذه الأخبار كلّها موضوعة، وجميع هذه الأخبار قد وُضعتْ على هذا المنوال، وهذه الأخبار موجودة بكثرة في كتب أبناء العامّة، فهي كثيرة، وحينما يطالعها الإنسان.. فهي مروّعة ومذهلة حقّاً! فإلى أيّ حدّ وضعوا أحاديث!! ونسبوها إلى النبيّ.

    1. سورة الفتح (٤۸) قسم من الآية ۱۰.
    2. سورة الزمر (٣٩) قسم من الآية ٦۷.
    3. ذكر رضوان الله عليه في ضمن هؤلاء أبي بن كعب، و الظاهر أنه سهو أو سبق لسان؛ إذ لم يكن أبي بن كعب من هؤلاء، بل هو يعد من كتاب الوحي ، ولقب بسيد القراء، و قد روى فضائل لأمير المؤمنين عليه السلام ودافع عنه عند غصب الخلافة، و لم يعرف عنه أنه وضاع للحديث بل إنه لم يدرك زمان معاوية. راجع لنماذج من مواقفه التي تدل على ما ذكرنا ما أورده نفس السيد العلامة الطهراني قدس سره في كتاب معرفة الإمام ج۲ ص ۱٦٣، و ج٣ ص ٦٥، و ج ۸ ص ۱٦۸ ، و غيرها. ولذا حذفنا اسمه من المتن من عداد أسماء الوضاعين[المترجم]

التفسير الظاهري و المجازي لآية النور، و نقده

6
  • الفرقة الوهابيّة تدعي أنه: لا بدّ وأنْ لا نتخطّى ظاهر القرآن، فالنّور هو هذا النور! (اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ) تعني: أنّ الله نور للسموات والأرض، وأنّ النور هو هذا النور الماديّ، فهذا النور الموجود في السماوات والأرض هو الله، وهذا الكلام ليس صحيحاً، هل يمكن أن ندّعي بأنّ هذا النور الموجود في السماوات والأرض هو الله؟! هل هذا النور الكائن في السماوات والأرض هو الله!! بناءً عليه، حينما لا يكون هذا النور موجوداً فسوف يكون الله معدوماً! ففي هذه السماوات والأرض ظلمة أيضاً، ولازمه عدم وجود الله هناك، فهل لتلك الظلمة خالق آخر نسمّيه بخالق الظلمة؟! ونسميه الله، يكون مقابلاً لله!! هذه هي فكرة إله الخير وإله الشر ـ أهريمن ويزدان ـ وهو معتَقدُ المجوس، وهي ثنويّة.. اثنينيّة.. شرك! 

  • [كلاّ لا يوجد خالقٌ للظلمة مقابل الله تعالى] فهو ليس بخالقٍ أصلاً؛ (هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ)۱ القرآن يقول: هل هناك من خالقٍ غير الله؟! (وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ )٢ أي إنّ الله خَلَقَكم وخلقَ جميعَ الأفعال التي تقومون بها وتفعلونها، ففي مدرسة التوحيد لا يوجد أثرٌ لغير الله سواء على مستوى الذات أم الصفات أم الأسماء أم الأفعال.

  • حمل الآية ونظائرها على المجاز

  • وعليه، إذا التزمنا بأنّ الله هو وجود ماديّ للسموات والأرض، فهو غلط محض، إذن بماذا علينا أن نلتزم؟ بعضهم حملها على المعنى المجازي، يعني: لفظ النور لم يستعمل في معناه الحقيقي، وإنّما استعمل في معناه المجازي فـ ( اللَّهُ نُورُ ) تعني: الله منوّر، بمعنى المعطي للنور، يستعملون النور بمعنى المنوِّر، وكذلك ( جَاء رَبُّكَ )٣ يرون أنّ الربّ قد استعمل بالمعنى المجازيّ، يعني أمر ربّك، جاء أمر ربّك، كذلك (الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى ) فلا تفسّروا العرش بمعنى الكرسيّ والسرير، وإنّما هو بمعنى دكّة قدرة الله، وذلك على نحو الاستعمال المجازيّ، كذلك قوله تعالى (يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ) حيث استعملت اليد بالمعنى المجازي، كذلك سائر الآيات المشابهة لهذه الآيات، ولنسمّيها الآيات اللفظيّة فهي ليست لبيان المعنى الحقيقي، وإنّما تريد أن توضّح المعنى المجازي.

    1. سورة فاطر (٣٥) قسم من الآية ٣.
    2. سورة الصافات (٣۷) الآية ٩٦.
    3. سورة الفجر (۸٩) قسم من الآية ٢٢.

التفسير الظاهري و المجازي لآية النور، و نقده

7
  • قد وردَ في آيات القرآن فيما يتعلّق بإمكانيّة بلوغ الإنسان لقاء الله:

  • (مَن كَانَ يَرْجُو لِقَاء رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحاً وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَداً)۱ يعني: بما أنّ لقاء الله غير ممكن مناله، لا بدّ وأنْ نقدّر الكلمة ليتمّ المعنى،فيصبح المعنى: لقاء نِعَمِ الله.. لقاء أسماء وصفات الله، فنستعمل لقاء الله بالمعنى المجازي ونقول إنّ المقصود هو لقاء ظهورات الله، لا لقاء نفسه تعالى. فجميع هذه الآيات لا بد ّ وأنْ نسقطها عن الاستعمال الحقيقي ونحملها على استعمال المعنى المجازي.

  • كذلك يردُ على هذه المدرسة أنّه: ألم يكن الله قادراً على بيان هذه المعاني الحقيقيّة في القرآن؟ كي يتوسّل إلى المعاني المجازيّة ويلجأ إليها؟! هذا فضلاً عنْ أنّ المعنى المجازي يحتاج إلى قرينة تصرفه عن المعنى الحقيقيّ، فلا بدّ من قرينة وشاهد عليه، وأيّ قرينة في آية (اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ) يجعلنا نفسّر النور بالمنوِّر؟ وما هو الدليل على أنّ النور فيها بمعنى المنوّر؟ حينئذٍ علينا أن نختلق من عندنا، و ننحتْ ونرسم قرينة معيّنة من تلقاء أنفسنا، كذلك في آية (يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ) أو (الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى ) أو (وَالسَّماوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ) أو (جَاء رَبُّكَ) والتي نستعملها بمعنى "أمر ربّك"، أو لقاء الله الذي هو لقاء أوصاف الله وأسمائه وصفاته والموجودات العليا والملكوتيّة، ليصبح: المراد من لقاء الله هو لقاء حور العين، أو الملائكة، أو نفوس تلك الملائكة المقدّسة، فلو كان المعنى كذلك، لا بدّ من قرينة تدلّ عليه، وحيث أنّه لم يُقمِ الله هذه القرينة، كي نفهم ذاك المعنى المجازيّ من هذه الاستعمالات، فلا ينبغي أن نعتني بهذا الكلام أيضاً.

  • إذن كيف هو حلّ المسألة؟ إذا أردنا أن نفهم (اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ) بشكل جيّد، فما هو حلّ هذه المسألة؟ حلّ هذه المسألة يحتاج إلى بيان مقدّمة، وهذه المقدّمة سوف أبيّنها لكم بشكل بسيط جدّاً، وإذا فهمتموها بشكل جيّد إن شاء الله سوف تُحلُّ جميع هذه الإشكالات بشكل جليّ، وسوف يتّضح معنى هذه الآية وجميع الآيات وسائر الأخبار وجميع محاورات الناس المشابهة لذلك.

    1. سورة الكهف (٢۰) ذيل الآية ۱۱۰.

التفسير الظاهري و المجازي لآية النور، و نقده

8
  • وضع الألفاظ للمعاني العامّة والكلية

  • هذه المقدّمة هي: أنّ الألفاظ توضعُ لمعانٍ عامّة لا لمعانٍ خاصّة، فأيّ لفظٍ ضمن أيّ لغةٍ: سواء الفارسيّة أم العربيّة، الانكليزيّة، الشرقية الغربية.. أيّ لفظٍ يضعونه، يقوم الواضع بوضع اللفظ لمعنى خاص، وهذا المعنى ـ أي الذي يستحضره في ذهنه ـ هو معنى عام، فيضع هذا اللفظ له.

  • من باب المثال: لأيّ شيء وضعَتْ كلمة الضوء في لغتنا الفارسية؟ السراج..! ففي ذاك الزمان الذي كانوا يستعملون فيه لفظ السراج، كان السراج عبارة عن فتيل يوضع في وعاء من الزيت، أي زيت السراج نفسه، وبعد ذلك كانوا يوقدون ذاك الشريط ويشعلونه بواسطة حجر النار، فتشتعل هذه الفتيلة، ماذا كان اسم ذلك؟ هو السراج، كانوا يطلقون على ذلك اسم السراج، وفي ذلك الوقت الذي كانوا يسمّونه سراجاً لم يكن هناك أيّ كلام حول السراج النفطيّ، السراج النفطيّ أو الشريط أو الأسطوانة، ولم تكن هذه الأشياء موجودة آنذاك، وبعد أن عمدوا إلى السراج النفطيّ واخترعوه، بأن صبّوا النفط في خزّان ووضعوا فوقه شريطاً، وصنعوا فوق ذلك زجاجة محدّبة، وأوقدوا.. فما هو الاسم الذي أطلقوه عليه؟ سمّوه بالسراج، ولم يكن ذلك لأنّهم لاحظوا معنى آخر ثمّ وضعوا له لفظ السراج.. لا! بل هو نفس ذلك اللفظ الذي وضعوه سابقاً، نعم..!! نفس ذلك اللفظ يطلقونه الآن على هذا السراج، ولم يوجد أيّ تغيير في ذهنهم، يرون أنّ نفس معنى السراج الذي كان في السابق متحقّق الآن بهذا الشكل، فهذا سراج أيضاً، يعني لا بدّ وأنْ يُسمّى سراجاً، وبعد أن وُجد السراج الغازيّ، والذي يكون الآن بهذا الشكل.. أطلَقوا عليه السراج، كذلك سمّوا الـ المصابيح النوريّة بـ السراج، فأطلقوا كلمة السراج على المصباح الفتيليّ وعلى المصباح الكهربائي الذي اكتشف فيما بعد.. فنقول: آقا! أشعل الضوء!! سيّد! اضغط على المفتاح! أضئ الضوء...! حسناً!

  • مثلاً: هذه الأسطوانة المدوّرة، التي تشاهدونها الآن، ما هي علاقتها بذلك السراج الذي كان يصنعُ من الزيت والفتيل، وكانوا يوقدونه بالزناد (الحجر الناريّ)؟ فهذا من الكهرباء، وهي عبارة عن حركة إلكترونيّة داخل الأسلاك، تريد أن تتحرّك من أحد الطرفين إلى الآخر، وبسبب شدّة وسرعة الحركة مضافاً إلى عدم وجود الفضاء الكافي، فسوف يخرج مقداراً منها إلى الخارج، ويتبّدل إلى النور، فلمَ تسمّونه سراجاً؟! وكذلك: إذا صُنعَ في المستقبل سراجاً من نوع آخر، مثلاً: افرضوا أنّه يُتَوصّلُ إلى اختراع جديد، يضيء الفضاء بدون هذه الوسائل من ضغط المفتاح ونحوه، فسوف نسمّيه أيضاً ضوءً.

التفسير الظاهري و المجازي لآية النور، و نقده

9
  • ففي جميع هذه المراحل، ترون أن السراج الذي تشاهدونه الآن يختلف عن ذلك السراج، نعم! كانَ السراج الأوّل سراجَ الفتيل مع الزيت، بعد ذلك أصبح السراج نفطيّاً، وبعده أصبحَ غازيّاً، وكهربائيّاً، والحال أنّنا نطلق على الجميع لفظ السراج، والآن نحن نطلق على لفظ السراج الكهربائيّ لفظ السراج، ونلحظ نفس ذلك المعنى المستعمل فيه سابقاً، الذي كانوا يطلقونه على السراج الفتيلي مع الزيت، ولا نعمدُ إلى وضعِ لفظٍ آخر للسراج لهذا المعنى الجديد، وإنّما نقول: هو ذاك اللفظ غاية الأمر أنّ له شكل آخر، وهذا هو اللفظ العام.

  • في ذك الزمان الذي كانوا يستعملون لفظ السراج، لم يكن استعمالهم له بخصوص هذا الشيء ـ أي الوعاء الذي فيه زيت وفتيل ـ بل كانوا يطلقونه على ما يشابه ذلك، ويطلقونه على آخَرٍ، وآخر، وكلّ ما يوجد من هذه الأسرجة في هذه المدينة يطلقون عليه لفظ السراج، وكذا لو كان في مدينة أخرى، كذلك لو كان في هذا الزمان فإنّهم يسمّونه سراجاً، وكذلك لو كان في زمان آخر، فتكثّر المصاديق المختلفة وتعّددها لا يستوجب وضعَ لفظ السراج بأوضاع متعدّدة ومتفاوتة.

  • وكذلك من حيث أشكال السراج المختلفة، فإنّه لا يستدعي تعدّد الوضع، بل لفظ واحد يوضع لمعنى عام، دون أن يكون لفظ السراج مختصّاً بخصوص هذا أو ذاك أو غيره.. بل لفظ السراج قد وضعَ لذلك الشيء، وللآلة التي صنعوها ويشعُّ النور منها، فهذا نسمّيه سراجاً، سواء كانَ فتيلاً مع الزيت - الذي نطلق عليه لفظ السراج - فإنّه هو الشيء الذي يشعّ منه النور، أو كان نفطاً مع الفتيل أو كانَ فتيلاً ورغاءً وفقاقيعاً.. فجميع ذلك سراج لأنّه يشعّ منه النور، وكذلك لو كانَ غازاً أيضاً، فهو يشعّ منه النور، أو كان كهربائيّاً أيضاً، يشعّ النور منه، وهو في جميع موارده سراج، فالواضع عندما وضع اللفظ وضعه لهذا المعنى العام.

  • نحنُ مثّلنا لكم بهذا اللفظ ـ لفظ السراج ـ واعلموا أنّ جميع الألفاظ هي من هذا القبيل، لفظ النور كذلك، كذلك لفظ الإنسان، لأي شيءٍ وضع؟ لذلك الشخص الذي يتحرّك، وينمو، وله قوّة التغذية والقوّة الدافعة، ولديه عقل أيضاً، إذا وجد إنسان له رأسين يتكلّم بهما فهو ليس إنساناً؟ إذا كان عنده أربعة أرجلٍ ألا نسمّيه إنساناً؟ نسميه إنساناً ذا أربعة أقدام! أو إنساناً له رأسين، أو لو أتى الآن إنسان طوله خمسة أمتار، ألا نسميه إنسانا؟ بلى نسمّيه بالإنسان، حيث أنّه لم يوضع لفظ الإنسان لشخص له طول بمقدار مترين، ولم يوضع لشخص له رأس واحد وقدمين، وإنّما وُضعَ للشخص الذي لديه هذه الخصوصيّة، بأيّ شكلٍ كان، هل التفتّم لهذه النكتة؟!

التفسير الظاهري و المجازي لآية النور، و نقده

10
  • كلمة المجيء بمعنى الإتيان، والإتيان يعني: التقرّب التدريجي، فإذا أراد إنسانٌ أنْ يأتي بشكلٍ تدريجيّ نحو إنسان آخر، سوف يكون قد اقترب منه وذلك لأنّ قدميه قد تحرّكتا، خطوة بعد خطوة، فنقول: جاء.. جاء زيد.. مجيء زيد على قدميه، وأمّا إذا أردنا أن نقول: جاء الثلج، فالثلج لا يمشي ويتحرّك! كذلك قولنا: جاء السحاب، أو جاء المطر، هل للمطر أقدام؟! جاء الثلج، جاء البرد، جاء الحر، جميع هذه الألفاظ التي نستعملها لا يتغيّر معناها، بل المعنى واضح، فإذاً، المجيء هو الدنو والاقتراب التدريجي.

  • ( جَاء رَبُّكَ ) لا تعني أنّ لله قدماً! بل تعني أنّ الله يتقرّب إلى الأشياء تدريجيّاً.. يبتعد تدريجياً.. قليلاً قليلاً.. شيئاً فشيئاً.. ويظهرُ للأشياء.. هذا هو معنى مجيء الله، فلماذا نؤوّل معنى ( جَاء رَبُّكَ ) بـ جاء أمر ربّك؟! بل الحقيقة هي أنّ الله يأتي بذاته، ولكن المجيء هو القرب التراتبيّ والتدريجيّ، حينها تبلغُ الفيوضات الإلهيّة مرحلتها الفعليّة لدى الإنسان.

  • كذلك العرش، فهو بمعنى مكان الحكم ومقرّه، فالمتعارف أن الملِك حينما يريد أن يحكم بشيء يجلس على العرش؛ وعندما ينزل من أعلى العرش لا يحكم بشيء، وأمّا عندما يجلس على العرش: افعل هذا الأمر! افعل ذلك الأمر! وكأنّ قدرة كلامه ونفوذه وسلطته منحصرة بظرف جلوسه على العرش، ولله عرشٌ أيضاً، فما هو عرش الله؟ هو عالم المشيئة، أي إرادته واختياره، وبما أنّ عرش الله هو نفس وجوده وحاقّ وجوده، فإنّه يحكمُ الموجودات من جهة مشيّته ونفوذ إرادته عليهم؛ وبذلك يتّضح معنى عرش الله. لذلك فإنّ للعرش معنى عام، وكما يستعمل في هذا فإنّه يستعمل في ذاك المعنى أيضاً.

  • واليد تعني تلك الآلة الموجودة في الإنسان والتي بواسطتها يدير أموره وينجز مهمّاته، وهو ما نطلق عليه اسم اليد، فنقول: يدُ الغنم، يدُ..، لذلك فإنّ الشخص العاجز، هو الذي ليس لديه آلة ووسيلة ليقضي بها أموره، فنقول: فلانٌ لا يدَ له، والحال أنّه يمتلك يداً، إلاّ أنّه لا يقدر على فعل شيء، فنقول: عجيب! ليس له يد!! فـ (يَدُ اللَّهِ) تعني: قدرة الله، أي ذاك المقام الذي هو محلّ بروز القدرة وظهورها هو يد الله، (وَالسَّماوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ) تعني: أنّ السماوات ملفوفة ومندكّة في قدرة الله.. قدرة الله.. يد الله.. أصلاً، هل لله يدٌ كالتي عندنا ذات أصابع وأنامل؟!! فلا نلتزم بأنّ الآية القرآنيّة تريد إثبات ذلك.

التفسير الظاهري و المجازي لآية النور، و نقده

11
  • بناء على هذا التعريف، اتضّحَ أنّ الإخباريين قائلون: إنّ لفظ النور وُضعَ لمعنىً خاصّ، هل انتبهتم؟ فنحن نسمّي النور الذي ينشأ من النار نوراً، ونسمّي النور الذي يشعّ من القمر نوراً، والنور الذي يشعّ من الشمس والذي نعرفُ مدى تفاوته عن غيره ومع ذلك نسميّه نوراً، ونسمّي نور النجم نوراً، ونور البرق نسمّيه نوراً، وحينما نضرب حجارة النار (الصوان) نقول: قدْ تولّدَ منها نورٌ، ألا نقول ذلك؟! وفي الليالي تظهر النجوم وتفترش في السماء، فنقول: جاء النور، فمن جهة نقول أيضاً: يا للعجب!! زيد لديه نورٌ جيّد، فهو نورانيّ، لديه نور يتلألأ، عجيب كيف وجهه نيّرٌ! واقعاً نقول: زيدٌ ذو نور، يعني يكون وجه زيد واقعاً يسطع بالنور، والحال أنّه لا يوجد نور حقيقيّ، إلاّ أنّنا نسمّيه نورا.

  • فلفظ النور لم يوضع لذاك النور السابق، أي للشيء الذي ينبعثُ النور منه.. وإنّما هو شامل لكلّ نور، فالعقل نور، والحياة نور أيضاً، والعلم نور، فـ العلم نور يقذفه الله في قلب من يشاء فالعلم نور، ولفظ النور الذي نستعمله في المصاديق المختلفة ليس من باب تعدّد الوضع! وإنّما هو وضعٌ لغويّ واحد، فكلمة النور وضعتْ لمعنى واحد، واقترن ذاك المعنى بلفظ النور وأُلحقَ بها، سواء كان نوراً مادّياً أم معنويّاً، فهو يستعمل في الجميع على السواء، دون أيّ عناية خارجيّة.

  • معنى النور الظاهر بنفسه المظهر لغيره

  • فلأيّ معنىً وُضعَ معنى النور؟ نريد أنْ نرى لفظ النور لأيّ شيء قد وضع؟ نجدُ أنّه وضع لكلّ شيء ظاهرٍ في حدّ نفسه ومظهر لغير، هذا هو الذي نسميّه "النور".

  • والآن هذا النور الموجود في فضاء المسجد، ما هو الشيء الذي يُظهرُ هذا النور؟ لا شيء، بل نفس نور ذاته هو الظاهر، وجميع موجودات المسجد وأشيائه ظاهرة به، فمكبّر الصوت هذا، ووعاء الماء، وهذا السجّاد في المسجد.. جميع هذه الأشياء ظاهرة، بأيّ شيء ظاهرة؟ بالنور، فلو لم يكن هناك نورٌ هل نكون ظاهرين؟! لو يُطفئون هذه اللمبات الآن فهل يمكننا أن نميّز الورود الموجودة في السجاد؟! هل يمكننا أنْ نميّز عباءة آقاي ... البنية عن عباءة آقاي ... السوداء؟! أبداً، لا يوجد أي لون، أصلاً لا يمكننا أنْ نميّز الرفقاء عن بعضهم، ولا نعرف الصديق من العدو، ولا نشخّص العامود من الحائط، لا نميّز شيئاً عن شيء، فجاء النور وأوضحَ الاختلاف الكائن بين الموجودات، أمّا نفس النور، فلا يحتاج إلى شيء كي يبيّنه، فنفس النور نور، وجميع الأشياء في هذا المسجد تصبحُ واضحة بالنور، أمّا نفس النور فهو بذاته جليّ واضح، حينئذٍ، فما هو الشيء الذي أضاءَهُ النورُ؟ فذاته جليّة بيّنة، فإذاً النور هو الشيء الظاهر في حدّ نفسه والمُظهرِ لغيره.

التفسير الظاهري و المجازي لآية النور، و نقده

12
  • أحدُ مصاديق النور هو النور المنبعث من الخشب من قطعة السنديان حينما نقوم بإشعالها، فنجمع عدّة ألواح ونشعلها بالكبريت، فيظهر النور، ما هو هذا؟ هو نور، لأنّ ذاته ظاهرة بنفسها وبدوره يقوم بإضاءة ما حوله، ويريكم الأشياء ويكشفها لكم، ونور القمر نور، لأنّ ذاته ظاهرة بنفسها وينوّر لكم الليالي المعتمة، ونور الشمس نور، واقعاً هو نور، لأنّ ذاته ظاهرة بنفسها ويظهر لكم الأشياء، العقل نور، لماذا؟ ـ واقعاً هو نور ـ لأنّ ذاته ظاهرة وبواسطة العقل تُكشفُ المجهولات للإنسان.

  • لو كان هناك أحدٌ لا عقل له فإنّه يعجز عن كشف المجهولات بواسطة المقدّمات وترتيب المعلومات، أو أنّه سوف لا يستطيع أنْ يهتدي إلى البرهان، ولا يمكنه أنْ يحلّ مسألة رياضيّة، ويكون عاجزاً عن المشورة فيما لو أردتَ أنْ تشاوره، لا عقل له، ولا يشخّص بين الصحيح والسيّئ، لأنّه لا عقل له، لا نور له، والإنسان المجنون لا نور له، لا عقل له، فما هو العقل إذا؟ العقل نور.

  • ما هو العلم؟ العلم نور لأنّ ذاته ظاهرة بنفسها وبواسطته يحلّون المجهولات، ولدى الإنسان الكثير من الجهل، ولكن حينما يضيء نور العلم، سوف تضيء جميع نقاط الجهل ببركة هذا العلم، تماماً مثل الضوء المنير هنا، فنميّز الأفراد المختلفين في أشكالهم وقاماتهم، الكهل والشاب والضاحك والباكي والمتفكّر والمبهوت.. فكلٌّ منّا له قيافته الخاصّة به، وكذا في الأماكن المتعدّدة والحالات المختلفة، وذلك بواسطة النور المضيء، فضوء العلم حينما يضاء يصبح نورا، وجميع المجهولات الواقعة في نفس الإنسان والمستقرّ فيه بسبب هداية نور العلم وعطائه وإفاضته تصبح جميعها نورانيّة.

  • يسألون أحد الأشخاص أنّه: ما هو ذاك الشيء أو ذاك الشخص؟ يقول: لا أعلم، فقبل أنْ يضيء له نور العلم يقول: لا أعلم.. أنا لا أعلم.. لا أعلم.. لا أعلم.. لا أعلم.. لا أعلم، فيقول لا أعلم إلى الحدّ الذي يأتي ويقول فيه أنا أعلم.

  • أو أنّنا لو أطفأنا هذا الضوء، ثمّ أسألكم: آقا! ماذا يوجد في آخر المسجد؟ يقول: لا أعلم، أو كم الساعة؟ لا أعلم، هذا الماء بارد أم حار؟ لا أعلم، كم شخصٍ يوجد في هذا المسجد؟ لا أعلم، وذلك لأنّه لا يوجد ضوء، وما إنْ نضيء الضوء، ونسأله عن الساعة يقول: العاشرة إلاّ خمس دقائق، كم من الماء في هذا الإبريق ؟ يقول: مملوء إلى أعلاه، أو من أينَ هذه السجادة؟ فوراً الحاج آقاي ... يقول: هي صنع آراك، دون أيّ عَناء، وأمّا لو كان المسجد مُعتماً فسوف لا يقدروا على الإجابة، بل يقولوا: آقا! دع ذلك للغد، غداً صباحاً، كي يأتي الصباح حتّى نفهم الأمر.

التفسير الظاهري و المجازي لآية النور، و نقده

13
  • فإذاً، العلم نور، والعقل نور، الحياة نور، كلّ شيء في حدّ نفسه ظاهر ومظهر للغير، والوجود نور، لأنّ الوجود ظاهر بحدّ ذاته وبقيّة الموجودات بواسطة الوجود تظهر.

  • التفسير الصحيح لآية النور

  • فمع اتضّاح هذا المعنى، تكون الآية ( اللَّهُ نُورُ ) الله ظاهر أم لا؟ أينَ يوجد مكان لا يكون الله فيه؟! جميع الموجودات يظهرون بالله، هل الأمر غير ذلك؟! فإذاً أي نورٍ لا يكونُ من الله؟! الله نور واقعاً، لا أنْ نقول: الله نورٌ مادّي، عجيبٌ هؤلاء كيف يتكلّمون بدون قاعدة ودون دراسة لكلامهم!! هل الله نورٌ مادّي!! أيّ شرك وتحجّر وتزمّت هو هذا القول؟! وكم هو خطأ فاحش!! فلنقل: نحن لا نفهم معنى هذه الآية من القرآن.. لا نفهم ما معنى ( اللَّهُ نُورُ )، أو أنّه لم يقدر على فهم الحقيقة، فأراد أنْ يقول: الله منوّر، ففسّر ( اللَّهُ نُورُ ) بمعنى الله منوّر، والحال أنّ ( اللَّهُ نُورُ ) تعني أنّ الله هو نور، ( نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ )، فذات الله ظاهرة وجميع الموجودات ظاهرة بالله، أيّ شيء يمكن للعين أن تراه ولا يكون هو الله أوّلاً؟! فجميع الموجودات إنّما ظهرت ببركة وجود الله.

  • به نزد آنكه جانش در تجلّى است *** همه عالم كتاب حق تعالى است۱
  • عرض إعراب و جوهر چون حروف است *** راتب همچو آيات وقوف است٢
  • فذاك الوجود الأصيل الثابت بنفسه والمتحقّق بذاته، قائمٌ بذات نفسه، وتمام الموجودات قائمة به، وهو قيّوم على الموجودات، هو الله، هو الإله الظاهر.. ليس فقيراً.. ولا محتاجاً.. غير عاجز.. غير مستعطٍ.. وإنّما ذاته قائمة بوجود نفسه، وعلم الموجودات إنّما ظهر منه، وقدرتهم ظهرت من ذاته، ونورهم شعّ وظهر منه، وحياتهم ظهرت منه، وانتسابهم يرجع إليه، فإذاً ذاته ظاهرة والآخرون ظاهرون بالله.

  • وعليه، ما معنى النور في قوله تعالى: ( اللَّهُ نُورُ ) ؟ هو نور كلّ الموجودات، (السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ) تعني: أن جميع الموجودات، (السَّمَاوَاتِ) تعني: سماوات عالم المادّة، وسماوات عالم المعنى، ذاك الملكوت الأسفل، والملكوت الأعلى الذي هو عبارة عن عالم المثال وعالم النفس وعالم الجبروت وعالم اللاهوت والتي هي عبارة عن الأسماء والصفات، فالله هو نور جميع ذلك، وأيّ موجود نراه، يكون الله قد أعطاه النور أولاً، بل لو لم يكن الله هو المنوّر فهل يمكننا أن نتكلّم الآن نحن؟! كذلك حين استماعكم الآن، الله هو المستمع أوّلاً وبعد ذلك نحن، وقوله تعالى َنَحْنُ (أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ )٣ يدل على هذا المعنى.

    1. من كان قلبه وسرّه متجلّياً بجلوات الله تعالى فهو يمثّل عالم كتاب الله التكويني, لأنّ الكتاب التشريعي هو القرآن الكريم.
    2. العَرَض عبارة عن الإعراب والجوهر هو الحروف ومراتب الوجود كالآيات المدوّنة في الكتاب.
    3. سورة ق (٥۰) ذيل الآية ۱٦.

التفسير الظاهري و المجازي لآية النور، و نقده

14
  • (وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنتُمْ)۱ يعني: أنّه في أيّ مكانٍ تكونون هو معكم. هل يعني أنّنا لو كنّا نحن واحداً، والثاني يكون شيئاً آخراً، يكون الله شيئاً ثانياً؟! لا..! وإنّما يعني: أنّ بدننا قائم بنفسنا، فنحن نمتلك روحاً وبدناً، ففي أيّ مكان نكون فيه فإنّ نفسنا حاضرة فيه، وروحنا موجودة، إلاّ أنّ الروح ليست شيئاً مضافاً على البدن، فهو معنى بسيط لا مقدار له كما وأنّه غير مرئيّ، هكذا هي الروح، الروح لا طعم لها.. والروح لا لون لها.. الروح لا كميّة لها.. فليست الروح ذات كيفيّة ماديّة، والحال أنّ بدننا قائم بها، وهي التي تعطيه وتمدّه بالحياة، والله العليّ الأعلى هو حياة جميع الموجودات، وتمام الموجودات هي شكله وصورته، وتمام الموجودات ظهوره وبروزه، وتمام الموجودات آياته وعلاماته.

  • كم هو عالٍ وشامخ ما يقوله حضرة الإمام سيّد الشهداء عليه السلام في ذيل دعاء عرفة! كم هو رائع!

  • أَيَكونَ لِغَيركَ منَ الظهورِ ما ليسَ لكَ حتّى يكونَ هوَ المُظهرَ لك؟! أبداً.. كلّ ظهورٍ أينما وجدَ هو لك، فإذا، كنتَ أنتَ الأوّل الذي أعطيتَ الظهور لغيرك، كيف يمكنُ لهذا الظهور أنْ يكون هو الدليل عليك، والحال أنّك كنتَ قبله؟! فهذا الظهور مسبّب ومعلول لك، هذا الظهور مخلوق لك، هذا الظهور معلول لك، كيفَ له أنْ يُظهرَ خالقَه والحال أنّكَ أنتَ النور وهو ظهورٌ ظهرَ بواسطة نورك؟!

  • متى غبتَ حتّى تحتاجَ إلى دليل يدلّ عليك؟! أي متى كنتَ غائباً حتى تكون محتاجاً إلى دليل يأتي ويظهرك ويكشف النقاب عنك؟!

  • ومتى بعدتَ حتّى تكون الآثار هي التي توصل إليك؟! أيْ متى كنتَ بعيداً حتّى تكون الآثار والعلائق هي الموصلة إليك؟! كي نأتِ وننظر إلى الشجرة لنصل إليك ونعرفك!! أو أنْ نأتي وننظر إلى الشتاء والثلج والبرد والحر والفصول الأربعة والتغييرات والتبدّلات ونعبر منها إلى الله!! فقبل الاجتياز كان الله.. فحينما آتي وأقول: يجب أن نطوي ونجتاز.. فقبل وجودي.. وقبل أنْ أتفوّه بذلك.. وقبل حركة لساني فإنّ الله موجود، والله هو حقيقة ذلك، فنحن نأتي ونقول: الله موجود، يعني هل الله بعيد ومنزوٍ!! إذا كان الإله بهذه الأوصاف فلا ينفع للعبادة..

    1. سورة الحديد (٥۷) قسم من الآية ٤.

التفسير الظاهري و المجازي لآية النور، و نقده

15
  • ولذا أمير المؤمنين عليه السلام يقول في دعاء الصباح.. ماذا قال؟

  • يا من دلّ على ذاته بذاته، أي أنتَ الذي دللتَ على نفسك بنفس ذاتك، وليس بآثارك، فكيف للآثار أن تدلّ عليك وتظهرك!! فهذه الشجرة تستطيع أن تدلّ على أنّ لي خالقاً مّا، وهو أكبر منّي وأقدر، وهذا الضوء إنّما يستطيع أنْ يحكي لنا أنّ هناك مصنعاً وأنا متّصلٌ به ونوري إنّما يأتي من هناك، وهل لهذه النملة أنْ تبيّن وتظهرَ ذات الله؟! وهل بإمكان الجرادة أن تحاكي الوجود الإلهي؟! هل بإمكان البعوضة أنْ تُظهرَ الله؟! فهذه ظهورات صغيرة! أبداً.. ليس للظهور أنْ يُظهرَ ذاك المُظهِر إلاّ أنْ يكون بمقدار سعة ذاته، فينبغي أنْ يُعرفَ الله بذاته، وليس بظهوراته.

  • والآن إلى هذا الحدّ ينتهي بحثنا، والنتيجة هي أنّه بأيّ شيءٍ يمكن أن يُعرفَ الله؟ هل يجب أنْ يعرفَ بواسطة ظهوراته؟ فنعبرَ أولاً من الظهورات ونجتاز من خلالها؟! أو أنّه أولاً نبدأ بمعرفة الله ثمّ بعد ذلك نعرف الظهورات والموجودات من الله؟ وهنا يفتح الباب أمام بحث دقيق جدّاً.

  • ها قدْ مرّت ساعة، و لم ننته من توضيح معنى هذه الآية ( اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ )، إن شاء الله التتمّة تكون بعد أنْ نرى مدى قابليّة الأفراد، فالمطالب التي لم تلقَ بعد لا تخلو من صعوبة ـ ليس كثيرا جدّاً ـ، ولكن أنا سعيتُ إلى تسهيلها وتبسيطها، كي تتناسب مع فهم الجميع، وأنتم دقّقوا في مسألة كيفية وضع الألفاظ، حيث قلنا: إنّها توضع للمعاني الكليّة، فهذا المبنى يساعدنا لفهم هذه الآية والمسائل المتعلّقة بها، بل وجميع آيات القرآن، وتوضّح لنا معناها.

  • ندعو ربّنا العليّ الأعلى ببركة نوره في هذه الدنيا وببركة ظهوره في نفسه – إن شاء الله - يكمّل جميع عقولنا.. ويبلغ بنا جميعاً منتهى هدفنا وأسمى غايتنا.. وأنْ يرقّي وجودنا.. ويوفّقنا كي نبلغ هذا الحدّ من المعارف.. ويأخذ بأيدينا ولا يجعلنا مقصّرين في التمسّك بعروة ولاية أهل البيت عليهم السلام والتي هي مبدأ التجلّيات الجمالية والجلاليّة الطاهرة لله.

  • اللهمّ صلّ على محمّد وآله محمّد