المؤلّف العلامة آیة الله السيد محمد الحسين الحسيني الطهراني
القسم القرآن والحديث والدعاء
التوضيح
حاوية لبعض كلمات ومواعظ وخطب سيّد الشهداء أبي عبد الله الحسين عليه السلام مع ترجمتها وذكر مصادرها من الكتب المعتبرة، وهي ـ لاختصارها وبساطتها ـ قابلة للحفظ من قبل العموم، وخاصة طلاب العلوم الدينية وطلبة الجامعات الملتزمين.
المقدمة
بسم الله الرّحمن الرّحيم
والحمدُ للَّه ربّ العالَمين
ولا حولَ ولا قوّةَ إلّا باللَه العَليّ العظيم
صلاةً وسلاماً لاحدّ له على الروح الطاهرة المطهّرة لخاتم الانبياء محمّد المصطفى، و وصيّه ذي المحتد الكريم علي المرتضى و أولاده الاماجد الاحد عشر، و خاصّة وليّ دائرة عالم الإمكان، إمامالزمان: محمّد بن الحسن قائم آل محمّد؛ الذين يقودون قافلة عالم الوجود بالمحبّة و الجاذبيّة في الحركة إلى عالم الإطلاق والتوحيد لحضرة الحقّ جلّ وعلا:
﴿وَ جَعَلْناهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنا وَ أَوْحَيْنا إِلَيْهِمْ فِعْلَ الْخَيْراتِ وَ إِقامَ الصَّلاةِ وَ إِيتاءَ الزَّكاةِ وَ كانُوا لَنا عابِدِينَ﴾.۱
و نظراً لانّ فترة إمامة الإمامين الحسن المجتبي
وسيّد الشهداء عليهما السلام من أصعب الفترات و أحلكها من جهة تسلّط و ضغط الحكم الامويّ الجائر بحيث وصل الاختناق و المدالسة و التزييف و الجهل و الرياء و الكذب و الخداع إلى أقصاه، كما هو مشهود منخطبة الإمام أميرالمؤمنين عليه السلام أواخر عمره الشريف، حيث يقول:
وَاعْلَمُوا رَحِمَكُمُ اللَهُ أَنَّكُمْ في زَمَانٍ الْقَائِلُ فِيهِ بِالْحَقِّ قَلِيلٌ؛ وَ اللِسَانُ عَنِ الصِّدْقِ كَلِيلٌ؛ و اللَازِمُ لِلْحَقِّ ذَلِيلٌ؛ أَهْلُهُ مُعْتَكِفُونَ عَلَى الْعِصْيَانِ، مُصْطَلِحُونَ عَلَى الإدْهَانِ.
فَتَاهُمْ عَارِمٌ؛ وَشَائِبُهُمْ آثِمٌ؛ وَ عَالِمُهُمْ مُنَافِقٌ؛ وَ قَارِئُهُمْ مُمَاذِقٌ. لَايُعَظِّمُ صَغِيرُهُمْ كَبِيرَهُمْ؛ وَلَا يَعُولُ غَنِيُّهُمْ فَقِيرَهُمْ.۱
و بالرغم من طول مدّة حياة هذين الإمامَين الهمامين، و علاوة على أ نّ مدّة إمامة و ولاية كلّ منهما قد دامت لوحدها حدود عشر سنوات، بحيث كان ينبغي بالطبع أن يكون قد وصلنا منهما آلاف الروايات
والاحاديث والخطب والمواعظ في تفسير القرآن و غير ذلك؛ إلّا أنّه لم يصلنا منهما أكثر من حديث أو حديثَين في الفقه و عدّة أحاديث في التفسير، و كانت خطبهما و مواعظهما و كلماتهما هي الاخرى في غاية الاختصار و الإيجاز و القلّة، و ذلك على الرغم من أ نّ آلاف الاحاديث المختلقة و الكاذبة من تجّار الحديث من أمثال أبي هريرة وغيره التي يحكي مضمونها عن مسايرة سياسة ذلك الوقت، قد ملات الكتب و الدفاتر وصفحات التاريخ.
و من الجليّ أنه مع وجود تلك الظلمة و الإبهام و الضغط، فإنّه لم يكن ليُرجع أُصولًا إلى أُولئك الاجلّة أو يُستفاد من بحر علومهم الموّاج الزاخر أو أ نّ الروايات المرويّة عنهم قد أُصيبت بالزوال و الاضمحلال نتيجة رعب و خوف و اضطراب الرواة، فلم تنتقل إلى الطبقات التالية منهم. و قد وصل من سيّد الشهداء عليه السلام القليل من الخطب والمواعظ التي كانت من معلّم درس الحريّة و الحكمة و الإيمان و الإيقان، و جليّ أنّها رشحت منمصدر الولاية:
وَ إِنَّا لَامَرَاءُ الْكَلَامِ؛ وَ فِينَا تَنَشَّبَتْ عُرُوقُهُ؛
وَعَلَيْنَا تَهَدَّلَتْ غُصُونُهُ.۱
و تبعاً لذلك فإنّهم هم الذين يمتلكون أصل الكلام و فرعه الممثّلينِ لُاصول المعاني و الحقائق و فروعها.
و كم هو جميل أن تُكتب كلماته عليه السلام الحاوية لعالمٍ من العزّة و الشرف و الشموخ و الاستقلال و الإيمان و الإيقان و الصبر و الثبات و الفتوّة في اللوحات و اللافتات و تُنصب في مجالس العزاء كما يُفعل بأشعار المحتشم (القاسانيّ)، ليفيد الواردون إلى تلك المجالس والمشاركون فيها استفادة بصريّة مقترنة بالاستفادة السمعيّة من الخطباء و المتكلّمين ذوي الصدق و الاستقامة، فيحفظوا نصوص تلك الكلمات و يجعلوها أُنموذج حياتهم وعملهم.
و الكرّاسة التي يطالعها القرّاء الاعزّاء فعلًا، هي نصوص بعض كلمات الإمام سيّد الشهداء عليه السلام نقلها هذا الحقير عن الكتب المعتبرة مع ذكر تلك المصادر، متجنّباً شرحها و بسطها، ليمكّن الإيجاز
والاختصار من كتابتها على اللوحات و اللافتات و وضعها في المجالس و المحافل بمرأى من الحاضرين، و لتكون في الوقت نفسه قابلةً ببساطتها لاستفادة عموم الإخوة في الدين.
و المنتظَر من طلّاب العلوم الدينيّة و طلبة الجامعات الملتزمين أن يحفظوا نصوص هذه الكلمات و الخطب، و يُنيروا أذهان عامّة الناس في خطبهم و أحاديثهم باللمعات الوهّاجة للانوار الساطعة للحسين عليهالسلام، و ينقلوا إلى الأجيال اللاحقة هذا الميراث الثمين الذي وصلنا من مداد العلماء و دماء الشهداء السَلَف.
شَكَرَ اللهُ مَساعِيَهُمُ الْجَميلَةَ وَ زادَهُمْ إيماناً و تقوى و عِلْماً و عَمَلًا.
والسَّلام عَلينا و عَليهم و على عِباد الله الصَّالحين و رحمة الله و بركاته
السيِّد محمّد الحسين الحُسينيّ الطهرانيّ
أذان ظهر يوم عاشوراء/ ۱٤۰٢ هجريّة في مشهد
المقدّسة الرضويّة على ساكنها السلام.
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
و صلَّى اللهُ على محمّد و آله الطّاهرينَ
و لعنةُ الله على أَعدائهم أجمعين من الآن إلى يَوْمِ الدين
و لا حَوْلَ و لا قُوَّةَ إلّا باللهِ العليّ العَظِيمِ
من كلامٍ للإمام سيّد الشهداء أبي عبدالله الحسين ابن عليّ بن أبي طالب عليهم السلام خطب به أصحابه يوماً:
* أَيُّهَا النَّاسُ! إنَّ اللَهَ مَا خَلَقَ خَلْقَ اللهِ إلَّا لِيَعْرِفُوهُ؛ فَإذَا عَرَفُوهُ عَبَدُوهُ؛ وَاسْتَغْنَوْا بِعِبَادَتِهِ عَنْ عِبَادَةِ مَا سِواهُ.
فَقَالَ رَجُلٌ: يَابْنَ رَسُولِ اللهِ! فَمَا مَعْرِفَةُ اللَهِ عَزَّوَجَلَّ؟
فَقَالَ: مَعْرِفَةُ أَهْلِ كُلِّ زَمَانٍ، إمَامَهُ الذي يَجِبُ عَلَيْهِمْ طَاعَتُهُ.۱
و في خطبة أنشأها عليه السلام وتطرّق فيها إلى ترك الامر بالمعروف والنهي عن المنكر و عن تحرّك الظَّلَمة وحكّام الجور، و تحدّث فيها مفصّلًا عن محروميّة المظلومين والتفرّق عن الحقّ؛ و ذكّر ضمناً بأنّ: مَجَارِي الْامُورِ وَالْاحْكَامِ عَلَى أَيْدِي الْعُلَمَآءِ بِاللهِ، الامَنَآءِ عَلَى حَلَالِهِ وَحَرَامِهِ، ثمّ قال: في آخرها:
اللَهُمَّ إنَّكَ تَعْلَمُ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ مَا كَانَ مِنَّا۱ تَنَافُساً فِيسُلْطَانٍ، وَلَا الْتِمَاساً مِنْ فُضُولِ الْحُطَامِ، وَ لَكِنْ لِنَرَى الْمَعَالِمَ مِنْ دِينِكَ، وَنُظْهِرَ الإصْلَاحَ في بِلَادِكَ، وَ يَأْمَنَ الْمَظْلُومُونَ مِنْ عِبَادِكَ، وَ يُعْمَلَ بِفَرَائِضِكَ وَ سُنَنِكَ وَ أَحْكَامِكَ.
فَإنْ لَمْ تَنْصُرُونَا وَتُنْصِفُونَا قَوِي الظَّلَمَةُ عَلَيْكُمْ، وَ عَمِلُوا في إطْفَاءِ نُورِ نَبِيِّكُمْ؛ وَ حَسْبُنَا اللهُ، وَ عَلَيْهِ
تَوَكَّلْنَا، وَ إلَيْهِ أَنَبْنَا، وَإلَيْهِ الْمَصِيرُ.۱
وصيّته عليه السّلام لمحمّد بن الحنفيّة
وحين عَزَم عليه السلام على الخروج منالمدينة المنوّرة إلى مكّة المكرّمة، فكتب وصيّةً و طواها و ختمها بخاتمه و دفعها إلى أخيه محمّد بن الحنفيّة، ثمّ ودّعه و سار في جوف الليل بجميع أهل بيته إلى مكّة ليلة الثالث من شعبان لسنة ستّين هجريّة؛ وتلك الوصيّة هي:
* بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحيمِ؛ هَذَا مَا أَ وْصَى بِهِ الْحُسَيْنُ بْنُ عَلِيّ بْنِ أَبِيطَالِبٍ إلَى أَخِيهِ محمّد الْمَعْرُوفِ بِابْنِ الْحَنَفِيَّةِ:
إنَّ الْحُسَيْنَ بْنَ عَلِيّ يَشْهَدُ أَ نْ لَا إلَهَ إلَّا اللهُ، وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ؛ وَ أَ نَّ محمّداً صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ عَبْدُهُ وَ رَسُولُهُ؛ جَاءَ بِالْحَقِّ مِنْ عِنْدِ الْحَقِّ. وَ أَنَّ الْجَنَّةَ وَ النَّارَ حَقٌّ؛ وَ أَ نَّ السَّاعَةَ ءَاتِيَةٌ لَا رَيْبَ فِيهَا وَ أَنَّ اللهَ يَبْعَثُ مَن في الْقُبُورِ.
إنِّي لَمْ أَخْرُجْ أَشِراً وَ لَا بَطِراً وَ لَا مُفْسِداً وَ لَا ظَالِماً؛ وَ إنَّمَا خَرَجْتُ لِطَلَبِ الإصْلَاحِ في أُمَّةِ جَدِّي محمّد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ؛ أُرِيدُ أَ نْ آمُرَ بِالْمَعْرُوفِ
وَأَنْهَى عَنِ الْمُنْكَرِ؛ وَأَسِيرَ بِسِيرَةِ جَدِّي وَسِيرَةِ أَبِي عَلِي بْنِ أَبِي طَالِبٍ عَلَيْهِ السَّلَامُ.
فَمَنْ قَبِلَنِي بِقَبُولِ الْحَقِّ، فَاللهُ أَ وْلَى بِالْحَقِّ؛ وَ مَنْ رَ دَّ عَلَيّ، أَصْبِرُ حتى يَقْضِيَ اللهُ بَيْنِي وَبَيْنَ الْقَوْمِ بِالْحَقِّ؛ وَهُوَ خَيْرُ الْحَاكِمِينَ.
وَهَذِهِ وَصِيَّتِي إلَيْكَ يَا أَخِي؛ وَ مَا تَوْفِيقِي إلَّا بِاللهِ؛ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَ إِلَيْهِ أُنِيبُ؛ وَ السَّلامُ عَلَيْكَ وَ عَلَى مَنِ اتَّبَعَ الْهُدَى؛ وَ لَا حَوْلَ وَ لَا قُوَّةَ إلَّا بِاللهِ الْعَلِيّ الْعَظِيمِ.۱
الحثّ على المكارم؛ أُسلوب اجتناب المعاصي
ومن جملة خطبه عليه السلام التي أوردها عليّ ابن عيسى الإربليّ:
* خَطَبَ الْحُسَيْنُ عَلَيْهِ السَّلَامُ؛ فَقَالَ: أَيُّهَا النَّاسُ! نَافِسُوا في الْمَكَارِمِ، وَ سَارِعُوا في الْمَغَانِمِ، وَ لَا تَحْتَسِبُوا بِمَعْرُوفٍ لَمْ تَعْجَلُوا؛ وَ اكْسِبُوا الْحَمْدَ بِالنُّجْحِ، وَ لَا تَكْتَسِبُوا بِالْمَطْلِ ذَمّاً؛ فَمَهْمَا يَكُنْ لِاحَدٍ عِنْدَ أَحَدٍ
صَنِيعَةٌ لَهُ رَأَي أَنَّهُ لَا يَقُومُ بِشُكْرِهَا فَاللهُ لَهُ بِمُكَافَأَتِهِ؛ فَإنَّهُ أَجْزَلُ عَطَاءً وَأَعْظَمُ أَجْراً.
وَاعْلَمُوا أَنَّ حَوَائِجَ النَّاسِ إلَيْكُمْ مِنْ نِعَمِ اللهِ عَلَيْكُمْ؛ فَلَا تَمَلُّوا النِّعَمَ فَتَحُورَ نِقَماً.
وَاعْلَمُوا أَنَّ الْمَعْرُوفَ مُكْسِبٌ حَمْداً، وَ مُعْقِبٌ أَجْراً. فَلَوْ رَأَيْتُمُ الْمَعْرُوفَ رَجُلًا رَأَيْتُمُوهُ حَسَناً جَمِيلًا يَسُرُّ النَّاظِرِينَ؛ وَ لَوْ رَ أَيْتُمُ اللُؤْمَ رَ أَيْتُمُوهُ سَمِجاً مُشَوَّهاً تَنَفَّرُ مِنْهُ الْقُلُوبُ، وَتَغُضُّ دُونَهُ الْابْصَارُ.
أَيُّهَا النَّاسُ! مَنْ جَادَ سَادَ، وَ مَنْ بَخِلَ رَذِلَ. وَ إ نَّ أَجْوَدَ النَّاسِ مَنْ أَعْطَى مَنْ لَا يَرْجُوهُ؛ وَ إ نَّ أَعْفَى النَّاسِ مَنْ عَفَا عَنْ قُدْرَةٍ؛ وَ إ نَّ أَوْصَلَ النَّاسِ مَنْ وَصَلَ مَنْ قَطَعَهُ.
وَالْاصُولُ عَلَى مَغَارِسِهَا بِفُرُوعِهَا تَسْمُو؛ فَمَنْ تَعَجَّلَ لأخِيهِ خَيْراً وَجَدَهُ إذَا قَدِمَ عَلَيْهِ غَداً.
وَ مَنْ أَ رَادَ اللَهَ تَبَارَكَ وَ تَعَالَى بِالصَّنِيعَةِ إلَى أَخِيهِ كَافَأَهُ بِهَا في وَقْتِ حَاجَتِهِ، وَ صَرَفَ عَنْهُ مِنْ بَلَاءِ الدُّنْيَا مَا هُوَ أَكْثَرُ مِنْهُ. وَ مَنْ نَفَّسَ كُرْبَةَ مُؤْمِنٍ فَرَّجَ اللهُ عَنْهُ كُرَبَ الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ. وَمَنْ أَحْسَنَ أَحْسَنَ اللهُ إلَيْهِ، وَ اللهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ.۱
ومن جملة مواعظه عليه السلام:
رُوِيَ أَ نَّ الْحُسَيْنَ بْنَ عَلِيّ عَلَيْهِمَا السَّلَامُ جَاءَهُ رَجُلٌ وَ قَالَ: أَنَا رَجُلٌ عَاصٍ، وَلَا أَصْبِرُ عَنِ الْمَعْصِيَةِ؛ فَعِظْنِي بِمَوْعِظَةٍ!
فَقَالَ عَلَيْهِ السَّلَامُ: افْعَلْ خَمْسَةَ أَشْيَاءَ؛ وَ أَ ذْنِبْ مَا شِئْتَ!
فَأَوَّلُ ذَلِكَ: لَا تَأْكُلْ رِزْقَ اللَهِ؛ وَ أَ ذْنِبْ مَا شِئْتَ!
وَالثَّانِي: اخْرُجْ مِنْ وِلَايَةِ اللَهِ؛ وَ أَ ذْنِبْ مَاشِئْتَ!
وَالثَّالِثُ: اطْلُبْ مَوْضِعاً لَا يَرَاكَ اللهُ؛ وَ أَ ذْنِبْ مَا شِئْتَ!
وَالرَّابِعُ: إذَا جَاءَ مَلَكُ الْمَوْتِ لِيَقْبِضَ رُوحَكَ فَادْفَعْهُ عَنْ نَفْسِكَ؛ وَ أَ ذْنِبْ مَا شِئْتَ!
وَ الْخَامِسُ: إِ ذَا أَ دْخَلَكَ مَالِكٌ في النَّارِ فَلَا تَدْخُلْ في النَّارِ، وَ أَ ذْنِبْ مَاشِئْتَ!۱
و ورد عن الإمام الصادق عليه السلام أنّه قال:
موعظتان اجتماعيّتان
* حَدَّثَنِي أَبِي عَنْ أَبِيهِ عَلَيْهِمَا السَّلَامُ أَ نَّ رَجُلًا مِنْ أَهْلِ الْكُوفَةِ كَتَبَ إلَي أَبِي الْحُسَيْنِ بْنِ عَلِي عَلَيْهِمَا السَّلَامُ:
يَا سَيِّدِي؛ أَخْبِرْنِي بِخَيْرِ الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ!
فَكَتَبَ صَلَوَاتُ اللَهِ عَلَيْهِ: بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ؛ أَمَّا بَعْدُ، فَإنَّ مَنْ طَلَبَ رِضَا اللَهِ بِسَخَطِ النَّاسِ، كَفَاهُ اللهُ أُمُورَ النَّاسِ؛ وَمَنْ طَلَبَ رِضَى النَّاسِ بِسَخَطِ اللهِ، وَكَلَهُ اللهُ إلَى النَّاسِ؛ وَالسَّلَامُ.۱
ورُوي عن كتاب «أعلام الدين»:
* قَالَ عَلَيْهِ السَّلَامُ: دِ رَاسَةُ الْعِلْمِ لِقَاحُ الْمَعْرِفَةِ؛ وَ طُولُ التَّجَارِبِ زِيَادَةٌ في الْعَقْلِ؛ وَ الشَّرَفُ التَّقْوَى؛ و الْقُنُوعُ رَ احَةُ الْابْدَانِ. وَ مَنْ أَحَبَّكَ نَهَاكَ؛ وَمَنْ أَبْغَضَكَ أَغْرَاكَ.٢
و من مواعظه عليه السلام:
* وَقَالَ عَلَيْهِ السَّلَامُ: إيَّاكَ وَ مَا تَعْتَذِرُ مِنْهُ؛ فَإنَّ الْمُؤْمِنَ لَايُسِيءُ وَ لَا يَعْتَذِرُ، وَ الْمُنَافِقُ كُلَّ يَوْمٍ يُسِيءُ وَ يَعْتَذِرُ.۱
و من مواعظه عليه السلام:
* وَ قَالَ لِابْنِهِ عَلِي بْنِ الْحُسَيْنِ عَلَيْهِمَا السَّلَامُ:
أَي بُنَيّ! إيَّاكَ وَ ظُلْمَ مَنْ لَا يَجِدُ عَلَيْكَ نَاصِراً إلَّا اللَهَ جَلَّ وَعَزَّ.٢
تنويرأذهان العموم في زمن معاوية
و حين استشهد الإمام الحسن المجتبى عليه السلام بالسمّ في سنة ٤٩ هجريّة على يد زوجته جعدة بنت الاشعث بن قيس بإيعاز من معاوية٣، لمتزل الفتنة و البلاء يعظمان و يشتدّان (على الشيعة)، فلم يبقَ وليّ للّه
إلّا خائفاً على دمه، (و في رواية أُخرى: إلّا خائفاً على دمه أنّه مقتول)، و إلّا طريداً و إلّا شريداً، و لم يبق عدوّ للّه إلّا مظهراً حجّته غير مستتر ببدعته وضلالته؛ فلمّا كان قبل موت معاوية بسنة۱ حجّ الحسينُ بنُ عليّ صلوات الله عليه وعبدالله بن عبّاس وعبدالله بن جعفر معه، فجمع الحسينُ عليه السلام بني هاشم رجالهم ونساءهم ومواليهم ومن الانصار ممّن يعرفه الحسين عليه السلام وأهل بيته، ثمّ أرسل رسلًا لاتَدَعوا أحداً ممّن حجّ العام من أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وآله المعروفين بالصلاح والنسك إلّا اجمعهم٢ لي، فاجتمع إليه بمنى أكثر من سبعمائة رجل و هم في سرادقه، عامّتهم من التابعين و نحو من مائتي رجل من أصحاب النبيّ صلّى الله عليه وآله.
فَقَامَ فِيهِمْ خَطِيباً، فَحَمِدَ اللهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ، ثُمَّ قَالَ:
أَمَّا بَعْدُ؛ فَإنَّ هَذَا الطَّاغِيَةَ٣ قَدْ فَعَلَ بِنَا وَ بِشِيعَتِنَا مَا قَدْ رَ أَيْتُمْ وَ عَلِمْتُمْ وَشَهِدْتُمْ!
فَإنِّي أُ ريدُ أَ نْ أَسْأَلَكُمْ عَنْ شَيْءٍ؛ فَإِنْ صَدَقْتُ فَصَدِّقُونِي، وَ إِ نْ كَذَبْتُ فَكَذِّبُونِي!
وَ أَسْأَلُكُمْ بِحَقِّ اللهِ عَلَيْكُمْ وَ بِحَقِّ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ وَ قَرَابَتِي مِنْ نَبِيِّكُمْ لَمَّا سَيَّرْتُمْ مَقَامِي هَذَا وَ وَصَفْتُمْ مَقَالَتِي، وَ دَعَوْتُمْ أَجْمَعِينَ في أَمْصَارِكُمْ مِنْ قَبَائِلِكُمْ مَنْ آمَنْتُمْ مِنَ النَّاسِ (وَ في رِوَايَةٍ أُخْرَى بَعْدَ قَوْلِهِ: فَكَذِّبُونِي: اسْمَعُوا مَقَالَتِي وَ اكْتُبُوا قَوْلِي، ثُمَّ ا رْجِعُوا إلَى أَمْصَارِكُمْ وَ قَبَائِلِكُمْ فَمَنْ آمَنْتُمْ مِنَ النَّاسِ) وَ وَثِقْتُمْ بِهِ فَادْعُوهُمْ إلَى مَا تَعْلَمُونَ مِنْ حَقِّنَا؛ فَإِنِّي أَتَخَوَّفُ أَ نْ يَدْرُسَ هَذَا الْامْرُ وَ يَذْهَبَ الْحَقُّ وَيُغْلَبَ؛) وَ اللهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَ لَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ).
وَ مَا تَرَكَ شَيْئاً مِمَّا أَنْزَلَ اللَهُ فِيهِمْ مِنَ الْقُرآنِ إلَّا تَلَاهُ وَ فَسَّرَهُ؛ وَ لَا شَيْئاً مِمَّا قَالَهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ في أَبِيهِ وَ أَخِيهِ وَ أُمِّهِ وَ في نَفْسِهِ وَ أَهْلِ بَيْتِهِ إلَّا رَوَاهُ. وَ كُلَّ ذَلِكَ يَقُولُ أَصْحَابُهُ: اللَهُمَّ نَعَمْ! وَ قَدْ سَمِعْنَا وَشَهِدْنَا؛ وَ يَقُولُ التَّابِعِي: اللَهُمَّ قَدْ حَدَّثَنِي بِهِ مَنْ أُصَدِّقُهُ وَأَئْتَمِنُهُ مِنَ الصَّحَابَةِ.
فَقَالَ: أَنْشُدُكُمُ اللَهَ إلَّا حَدَّثْتُمْ بِهِ مَنْ تَثِقُونَ بِهِ وَ بِدِينِهِ!
قَالَ سُلَيْمٌ: فَكَانَ فِيمَا نَاشَدَهُمُ الْحُسَيْنُ وَ ذَكَّرَهُمْ
أَنْ قَالَ:
أَنْشُدُكُمُ اللَهَ! أَتَعْلَمُونَ أَنَّ عَلِي بْنَ أَبِي طَالِبٍ كَانَ أَخَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ حِينَ آخَى بَيْنَ أَصْحَابِهِ فَآخَى بَيْنَهُ وَ بَيْنَ نَفْسِهِ وَ قَالَ: أَنْتَ أَخِي وَ أَنَا أَخُوكَ في الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ؟
قَالُوا: اللَهُمَّ نَعَمْ!
قَالَ: أَنْشُدُكُمُ اللهَ! أَتَعْلَمُونَ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ نَصَبَهُ يَوْمَ غَدِيرِ خُمٍّ فَنَادَى لَهُ بِالْوِلَايَةِ؛ وَ قَالَ: لِيُبَلِّغِ الشَّاهِدُ الْغَائِبَ؟
قَالُوا: اللَهُمَّ نَعَمْ!
قَالَ: أَتَعْلَمُونَ أَ نَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ قَالَ في آخِرِ خُطْبَةٍ خَطَبَهَا: إنِّي تَرَكْتُ فِيكُمُ الثَّقَلَيْنِ: كِتَابَ اللَهِ وَ أَهْلَ بَيْتِي فَتَمَسَّكُوا بِهِمَا لَنْ تَضِلُّوا؟
قَالُوا: اللَهُمَّ نَعَمْ!
و بعد فِقْرات كثيرة من المناشدة ذكر هذه المناشدة، قال:
ثُمَّ نَاشَدَهُمْ أَنَّهُمْ قَدْ سَمِعُوهُ يَقُولُ: مَنْ زَعَمَ أَنَّهُ يُحِبُّنِي وَ يُبْغِضُ عَلِيّاً فَقَدْ كَذَبَ؛ لَيْسَ يُحِبُّنِي وَ يُبْغِضُ عَلِيّاً. فَقَالَ لَهُ قَائِلٌ: يَا رَسُولَ اللهِ! وَكَيْفَ ذَلِكَ؟
قَالَ: لِانَّهُ مِنِّي وَ أَنَا مِنْهُ؛ مَنْ أَحَبَّهُ فَقَدْ أَحَبَّنِي،
وَ مَنْ أَحَبَّنِي فَقَدْ أَحَبَّ اللهَ؛ وَ مَنْ أَبْغَضَهُ فَقَدْ أَبْغَضَنِي، وَ مَنْ أَبْغَضَنِي فَقَدْ أَبْغَضَ اللهَ؟
فَقَالُوا: اللَهُمَّ نَعَمْ! قَدْ سَمِعْنَا. وَ تَفَرَّقُوا عَلَى ذَلَكَ.۱
خطبته عليه السلام عند خروجه من مكّة
خطبته عليه السلام في مكّة المكرّمة حين عزم على الخروج إلى كربلاء:
* وَ رُوِي أَنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ لَمَّا عَزَمَ عَلَى الْخُرُوجِ إلَى الْعِرَاقِ قَامَ خَطِيباً، فَقَال: الْحَمْدُ لِلَّهِ؛ مَاشَاءَ اللهُ وَ لَا قُوَّةَ إلَّا بِاللّهِ؛ وَصَلَّى اللهُ عَلَى رَسُولِهِ.
خُطَّ الْمَوْتُ عَلَى وُلْدِ آدَمَ مَخَطَّ الْقِلَادَةِ عَلَى جِيدِ الْفَتَاةِ. وَ مَا أوْلَهَنِي إلَى أَسْلَافِي اشْتِيَاقَ يَعْقُوبَ إلَى يُوسُفَ. وَ خُيِّرَ لِي مَصْرَعٌ أَنَا لَاقِيهِ؛ كَأَنِّي بَأَوْصَالِي تَتَقَطَّعُهَا عُسْلَانُ الْفَلَوَاتِ بَيْنَ النَّوَاوِيسِ وَ كَرْبَلَاءَ؛ فَيَمْلَانَ مِنِّي أَكْرَاشاً جُوفاً، وَ أَجْرِبَةً سُغْباً.
لَا مَحِيصَ عَنْ يَوْمٍ خُطَّ بِالْقَلَمِ. رِضَا اللهِ رِضَانَا أَهْلَ الْبَيْتِ؛ نَصْبِرُ عَلَى بَلَائِهِ، وَ يُوَفِّينَا أُجُورَ الصَّابِرِينَ.
لَنْ تَشُذَّ عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ لُحْمَتُهُ، وَ هي مَجْمُوعَةٌ لَهُ في حَظِيرَةِ الْقُدْسِ، تَقِرُّ بِهِمْ عَيْنُهُ، وَيُنْجَزُ لَهُمْ وَعْدُهُ.
مَنْ كَانَ فِينَا بَاذِلًا مُهْجَتَهُ، وَمُوَطِّناً عَلَى لِقَاءِ اللهِ نَفْسَهُ، فَلْيَرْحَلْ مَعَنَا؛ فَإنَّنِي رَاحِلٌ مُصْبِحاً إ نْ شَاءَ اللهُ تَعَالَى.۱
أشعاره عليه السلام في جواب الفرزدق و محادثته معه
وقد التقاه (عليه السلام) و هو متوجّه إلى الكوفة الفرزدقُ بن غالب (الشاعر المعروف في ذلك العصر) وقال له:
يابنَ رسولِ الله؟ كيفَ تَركَنُ إلى أهل الكوفةِ و هم الذين قَتلوا ابنَ عَمِّك مسلمَ بنَ عقيل و شيعته؟
فترحّمَ (الحسينُ) على مُسلمٍ و قال: صار إلى رَ وْحِ اللهِ و رِضوانِهِ، أما إنَّهُ قَضَى مَا عَلَيهِ وَ بَقِي مَا عَلَيْنَا و أنشده:
وَ إ نْ تَكُنِ الدُّنْيَا تُعَدُّ نَفِيسَةً | *** | فَدَارُ ثَوَابِ اللهِ أَعْلَى وَ أَنْبَلُ |
وَ إ نْ تَكُنِ الْابْدَانُ لِلْمَوْتِ أُنْشِئَتْ | *** | فَقَتْلُ امْرِئً بِالسَّيْفِ في اللهِ أَفْضَلُ |
وَ إنْ تَكُنِ الْارْزَاقُ قِسْماً مُقَدَّراً | *** | فَقِلَّةُ حِرْصِ الْمَرْءِ في الْكَسْبِ أَجْمَلُ |
وَ إ نْ تَكُنِ الْامْوَالُ لِلتَّرْكِ جَمْعُهَا | *** | فَمَا بَالُ مَتْرُوكٍ بِهِ الْمَرْءُ يَبْخَلُ۱ |
و قال الكثير من أصحاب المقاتل إنّه عليه السلام كان يرتجز يوم عاشوراء و يقاتل بسيفه، و يتمثّل في رجزه بهذه الاشعار؛ مثل المحدّث القمّيّ في «نفس المهموم» و الشيخ سليمان القندوزيّ في «ينابيع المودّة».٢
يقول علي بن عيسى الإربِليّ:
* قَالَ الْفَرَزْدَقُ: لَقِيَنِي الْحُسَيْنُ عَلَيْهِ السَّلَامُ في مُنْصَرَفِي مِنَ الْكُوفَةِ؛
فَقَالَ: مَا وَ رَاكَ يَا أَبَا فِرَاسٍ؟
قُلْتُ: أَصْدُقُكَ؟!
قَالَ عَلَيْهِ السَّلَامُ: الصِّدْقَ أُ رِيدُ!
قُلْتُ: أَمَّا الْقُلُوبُ فَمَعَكَ؛ وَ أَمَّا السُّيُوفُ فَمَعَ
بَنِي أُمَيَّةَ؛ وَالنَّصْرُ مِنْ عِنْدِ اللهِ.
قَالَ: مَا أَ رَاكَ إلَّا صَدَقْتَ! النَّاسُ عَبِيدُ الدُّنْيَا وَ الدِّينُ لَغْوٌ عَلَى أَلْسِنَتِهِمْ؛ يَحُوطُونَهُ مَا دَرَّتْ بِهِ مَعَايِشُهُمْ؛ فَإذَا مُحِّصُوا بِالْبَلَاءِ قَلَّ الدَّيَّانُونَ.
خطبة الإمام عند ممانعة الحرّ له
وحين اعترض الحرُّ بن يزيد الرياحيّ الإمامَ و منعه بشدّة من التوجّه إلى الكوفة أو الرجوع إلى المدينة، فقام عليه السلام في «ذي حَسَم» وفق رواية الطبريّ فيتأريخه عن عَقَبة بن أبي العيزار:
* فَحَمِدَ اللهَ وَ أَثْنَى عَلَيْهِ ثُمَّ قَالَ: أَمَّا بَعْدُ، إنَّهُ قَدْ نَزَلَ مِنَ الْامْرِ مَا قَدْ تَرَوْنَ؛ وَ إ نَّ الدُّنْيَا قَدْ تَغَيَّرَتْ وَ تَنَكَّرَتْ وَ أَ دْبَرَ مَعْرُوفُهَا وَ اسْتَمَرَّتْ حَذَّاءَ، فَلَمْ يَبْقَ مِنْهَا إلَّا صُبَابَةٌ كَصُبَابَةِ الإنَاءِ، وَ خَسِيسُ عَيْشٍ كَالْمَرْعَى الْوَبِيلِ.
أَلَا تَرَوْنَ أَ نَّ الْحَقَّ لَا يُعْمَلُ بِهِ، وَ أَ نَّ الْبَاطِلَ لَايُتَنَاهَى عَنْهُ؟! لِيَرْغَبِ الْمُؤْمِنُ في لِقَاءِ اللهِ مُحِقّاً؛ فَإنِّي لَا أَ رَى الْمَوتَ إلَّا سَعَادَةً، وَ لَا الْحَيَاةَ مَعَ الظَّالِمِينَ إلَّا بَرَماً. ۱
و زاد في كتاب «تحف العقول» هذه الجملة بعد ذكره لهذه الجملات من الخطبة: قال عليه السلام:
إنَّ النَّاسَ عَبِيدُ الدُّنيَا، وَ الدِّينُ لَعْقٌ عَلَي
أَلْسِنَتِهِمْ، يَحُوطُونَهُ مَا دَرَّتْ مَعَايِشُهُمْ؛ فَإذَا مُحِّصُوا بِالْبَلَاءِ قَلَّ الدَّيَّانُونَ.۱
فقام آنذاك زُهَيْر بن القَيْن ونافِع بن هِلال و بُرَيْر ابن خُضير، كلًّا بدوره، فتكلّموا و أظهروا موالاتهم و مساندتهم للإمام.
و أقبل الحرّ بن يزيد يُساير الإمام و لا يُفارقه و هو يقول له:
* يَا حسين! إنّي أُ ذكِّركَ اللهَ في نفسكَ، فإنّي أشهَد لَئن قاتلتَ لَتُقْتَلَنَّ.
كلامه عليه السلام في جواب تهديد الحرّ
فَقَالَ لَهُ الْحُسَيْنُ عَلَيْهِ السَّلَامُ: أَفَبِالْمَوْتِ تُخَوِّفُنِي؟! وَ هَلْ يَعْدُو بِكُمُ الْخَطْبُ أنَّ تَقْتُلُونِي؟!
وَسَأَقُولُ كَمَا قَالَ أَخُو الْاوْسِ لِابْنِ عَمِّهِ وَ هُوَ يُرِيدُ نُصْرَةَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ؛ فَخَوَّفَهُ ابْنُعَمِّهِ وَقَالَ: أَيْنَ تَذْهَبُ؟ فَإنَّكَ مَقْتُولٌ.
فَقَالَ:
سَأَمْضِي وَ مَا بِالْمَوْتِ عَارٌ عَلَى الْفَتَى | *** | إذَا مَا نَوَى حَقّاً وَ جَاهَدَ مُسْلِمَا |
وَ وَاسَى الرِّجَالَ الصَّالِحِينَ بِنَفْسِهِ | *** | وَ فَارَقَ مَثْبُوراً وَ خَالَفَ مُجْرِمَا |
فَإنْ عِشْتُ لَمْ أَنْدَمْ وَ إ نْ مِتُّ لَمْ أُلَمْ | *** | كَفَى بِكَ ذُلّا أَنْ تَعِيشَ وَ تُرْغَمَا۱ |
و ربّما كانت تلك الكلمات القيّمة كالدرر التي أوردها العلّامة المعاصر توفيق أبوعلم في كتابه الموسوم بـ «أهل البيت» كانت إجابة سيّد الشهداء عليه السلام في هذا المكان للحرّ بن يزيد الرياحيّ، حيث يقول:
* لَيْسَ شَأْنِي شَأْنَ مَنْ يَخَافُ الْمَوْتَ. مَا أَهْوَنَ الْمَوْتَ عَلَى سَبِيلِ نَيْلِ الْعِزِّ وَ إحْيَاءِ الْحَقِّ. لَيْسَ الْمَوْتُ في سَبِيلِ الْعِزِّ إلَّا حَيَاةً خَالِدَةً؛ وَ لَيْسَتِ الْحَيَاةُ مَعَ الذُّلِّ إلَّا الْمَوْتَ الذي لَا حَيَاةَ مَعَهُ.
أَفَبِالْمَوْتِ تُخَوِّفُنِي؟! هَيْهَاتَ؛ طَاشَ سَهْمُكَ، وَ خَابَ ظَنُّكَ! لَسْتُ أَخَافُ الْمَوْتَ.
إنَّ نَفْسِي لأكْبَرُ مِنْ ذَلِكَ، وَ هِمَّتِي لَاعْلَى مِنْ أَ نْ أَحْمِلَ الضَّيْمَ خَوْفاً مِنَ الْمَوتِ؛ وَ هَلْ تَقْدِرُونَ عَلَي
أَكْثَرَ مِنْ قَتْلِي؟!
مَرْحَباً بِالْقَتْلِ في سَبيلِ اللهِ! وَ لَكِنَّكُمْ لَا تَقْدِرُونَ عَلَى هَدْمِ مَجْدِي وَمَحْوِ عِزَّتِي وَشَرَفِي؛ فَإذاً لَا أُبَالِي مِنَ الْقَتْلِ.۱
وسيّد الشهداء هو القائل:
* مَوْتٌ في عِزٍّ خَيْرٌ مِنْ حَيَاةٍ في ذُلٍّ.٢
وهو الذي كان يرتجز في الحرب حين يحمل على جيش الاعداء فيقول:
الْمَوْتُ خَيْرٌ مِنْ رُكُوبِ الْعَار | *** | وَ الْعَارُ أَ وْلَى مِنْ دُخُولِ النَّارِ٣ |
خطبته عليه السلام في أصحابه و أصحاب الحرّ
و نُقل عن الطبري أ نّ أبا مخنف روى عن عَقَبَة ابن أبي العيزار أنّ الحسين عليه السّلام خطب أصحابه و أصحاب الحرّ في «البَيْضَة»:
* فَحَمِدَ اللَهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ؛ ثُمَّ قَالَ: أَيُّهَا النَّاسُ إ نَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ قَالَ: مَنْ رَ أَى سُلْطَاناً جَائِراً مُسْتَحِلًّا لِحُرَمِ اللهِ، نَاكِثاً لِعَهْدِ اللَهِ، مُخَالِفاً لِسُنَّةِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ، يَعْمَلُ في عِبَادِ اللَهِ بِالإثْمِ وَ الْعُدْوَانِ، فَلَمْ يُعَيِّرْ [يُغَيِّرْ] عَلَيهِ بِفِعْلٍ وَ لَا قَوْلٍ؛ كَانَ حَقّاً عَلَى اللهِ أَ نْ يُدْخِلَهُ مَدْخَلَهُ. أَلَا وَ إنَّ هَؤُلَاءِ۱ قَدْ لَزِمُوا طَاعَةَ الشَّيْطَانِ، وَ تَرَكُوا طَاعَةَ الرَّحْمَنِ، وَ أَظْهَرُوا الْفَسَادَ، وَ عَطَّلُوا الْحُدُودَ، وَ اسْتَأْثَرُوا بِالْفَيْءِ، وَأَحَلُّوا حَرَامَ اللهِ، وَ حَرَّمُوا حَلَالَهُ؛ وَ أَنَا أَحَقُّ مِنْ غَيْرٍ٢ [مَنْ غَيَّرَ؛ مَنْ عَيَّرَ]. وَ قَدْ أَتَتْنِي
كُتُبُكُمْ، وَقَدِمَتْ عَلَى رُسُلُكُمْ بِبَيْعَتِكُمْ أَنَّكُمْ لَا تُسَلِّمُونِي وَلَا تَخْذُلُونِي؛ فَإنْ تَمَمْتُمْ عَلَى بَيْعَتِكُمْ تُصِيبُوا رُشْدَكُمْ.
فَأَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ عَلِي، وَابْنُ فَاطِمَةَ بِنْتِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ؛ نَفْسِي مَعَ أَنْفُسِكُمْ، وَ أَهْلِي مَعَ أَهْلِيكُمْ۱؛ فَلَكُمْ في أُسْوَةٌ.٢
وإنْ لَمْ تَفْعَلُوا وَنَقَضْتُمْ عَهْدَكُمْ، وَخَلَعْتُمْ بَيْعَتِي مِنْ أَعْنَاقِكُمْ، فَلَعَمْرِي مَا هي لَكُمْ بِنُكْرٍ؛ لَقَدْ فَعَلْتُمُوهَا بِأَبِي وَأَخِي وَابْنِ عَمِّي مُسْلِمٍ.
وَالْمَغْرُورُ مَنِ اغْتَرَّ بِكُمْ؛ فَحَظَّكُمْ أَخْطَأْتُمْ؛ وَ نَصِيبَكُمْ ضَيَّعْتُمْ؛ وَ مَن نَكَثَ فَإِنَّمَا يَنكُثُ عَلَى خ نَفْسِهِ. وَ سَيُغْنِي اللَهُ عَنْكُمْ. وَالسَّلَامُ عَلَيْكُمْ وَ رَحْمَةُ اللَهِ وَ بَرَكَاتُهُ.٣
وحين نزل سيّد الشهداء عليه السلام كربلاء دعا بدواة و بياض و كتب نظير هذه الخطبة التي ذُكرت، إلى أشراف الكوفة ممّن يُظَنّ أنه على رأيه۱، ثمّ طوى الكتاب و ختمه بخاتمه الشريف و دفعه إلى قَيْس بن مُسْهر الصَّيداويّ وأمره أن يسير إلى الكوفة.
خطبة الإمام ليلة عاشوراء في أصحابه
جمع سيّد الشهداء عليه السلام أصحابه عند قرب المساء ليوم تاسوعاء؛ قال عليّ بن الحسين زين العابدين عليهما السلام: فدنوتُ منه لاسمع ما يقول لهم، و كنتُ إذ ذاك مريضاً، فسمعتُ أبي يقول لاصحابه:
* أُثْنِي عَلَى اللَهِ أَحْسَنَ الثَّنَاءِ؛ وَ أَحْمَدُهُ عَلَى السَّرَّاءِ و الضَّرَّاءِ.
اللَهُمَّ إنِّي أَحْمَدُكَ عَلَى أَ نْ أَكْرَمْتَنَا بِالنُّبُوَّةِ، وَ عَلَّمْتَنَا الْقُرْآنَ، وَفَقَّهْتَنَا في الدِّينِ.
أَمَّا بَعْدُ، فَإنِّي لَا أَعْلَمُ أَصْحَاباً أَوفَى وَ لَا خَيْراً مِنْ أَصْحَابِي، وَ لَا أَهْلَ بَيْتٍ أَبَرَّ وَ لَا أَ وْصَلَ مِنْ أَهْلِ
بَيْتِي؛ فَجَزَاكُمُ اللهُ عَنِّي خَيْرَ الْجَزَاءِ.
أَلَا وَ إنِّي قَدْ أَ ذِنْتُ لَكُمْ فَانْطَلِقُوا جَمِيعاً في حِلٍّ؛ لَيْسَ عَلَيْكُمْ مِنِّي ذِمَامٌ. هَذَا اللَيْلُ قَدْ غَشِيَكُمْ فَاتَّخِذُوهُ جَمَلًا.۱
فنهض إخوته وأبناؤه وأبناء إخوته و أبناء عبد الله بن جعفر، و مسلم بن عوسجة، و زهير بن القين و جماعة آخرون من الاصحاب فتكلّم كلٌّ منهم معتذراً كلاماً معناه: لا بقينا بعدك! لا أبقانا الله بعدك! لن يكون ذلك منّا أبداً! لوددنا لو كان لدينا عدّة أرواح لنفديك بها جميعاً!
دعاؤه عليه السلام صبيحة يوم عاشوراء
ويُروى عن سيّد الساجدين وزين العابدين عليه السلام أنّه قال:
* لَمَّا صَبَّحَتِ الْخَيْلُ الْحُسَيْنَ عَلَيْهِ السَّلَامُ، رَفَعَ يَدَيْهِ وَ قَالَ:
اللَهُمَّ أَنْتَ ثِقَتِي في كُلِّ كَرْبٍ؛ وَأَنْتَ رَجَائِي فِيكُلِّ شِدَّةٍ؛ وَ أَنْتَ لِي في كُلِّ أَمْرٍ نَزَلَ بِي ثِقَةٌ وَ عُدَّةٌ.
كَمْ مِنْ هَمٍّ يَضْعُفُ فِيهِ الْفُؤَادُ، وَ تَقِلُّ فِيهِ الْحِيلَةُ، وَ يَخْذُلُ فِيهِ الصَّدِيقُ، وَ يَشْمَتُ فِيهِ الْعَدُوُّ؛ أَنْزَلْتُهُ بِكَ، وَ شَكَوْتُهُ إلَيْكَ، رَغْبَةً مِنِّي إلَيْكَ عَمَّنْ سِوَاكَ؛ فَفَرَّجْتَهُ عَنِّي، وَ كَشَفْتَهُ، وَ كَفَيْتَهُ.
فَأَنْتَ وَلِي كُلِّ نِعْمَةٍ، وَ صَاحِبُ كُلِّ حَسَنَةٍ، وَ مُنْتَهَى كُلِّ رَغْبَةٍ.۱
ثمّ دعا الحسينُ عليه السلام براحلته فركبها و نادى بأعلى صوته بحيث يسمعه الجميع فقال:
* أَيُّهَا النَّاسُ! اسْمَعُوا قَوْلِي، وَلَا تَعْجَلُوا حتى أَعِظَكُمْ بِمَا يَحِقُّ عَلَيّ لَكُمْ؛ وَحَتَّى أُعْذِرَ إلَيْكُمْ! فَإنْ أَعْطَيْتُمُونِي النِّصْفَ كُنْتُمْ بِذَلِكَ أَسْعَدَ! وَ إنْ لَمْ تُعْطُونِي النِّصْفَ مِنْ أَنْفُسِكُمْ فَأَجْمِعُوا رَأْيَكُمْ وَ شُرَكَاءَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُنْ أَمْرُكُمْ عَلَيْكُمْ غُمَّةً ثُمَّ اقْضُوا إِلَيّ وَ لَا تُنظِرُونِ! إنَّ وَلِيَّيَ اللهُ الذي نَزَّلَ الْكِتَابَ وَ هُوَ يَتَوَلَّى الصَّالِحِينَ.
ثُمَّ حمد الله و أثنى عليه، وذكر الله تعالى بما هو أهله، و صلّى على النبي و آله و على ملائكته و أنبيائه، فلم يُسمع متكلّم قطّ قبله و لا بعده أبلغ في منطق منه.
ثمّ قال: أمّا بعد، فانسبوني فانظروا مَن أنا، ثمّ ارجعوا إلى أنفسكم و عاتبوها فانظروا هل يصلح لكم قتلي و انتهاك حرمتي؟!
ألستُ ابن بنت نبيّكم و ابن وصيّه و ابن عمّه و أوّل المؤمنين المصدّق لرسول الله صلّى الله عليه و آله بما جاء به من عند ربّه؟!
أو ليس حمزة سيّد الشهداء عمّي؟ أو ليس جعفر الطيّار في الجنّة بجناحين عمّي؟!
أو لم يبلغكم ما قال رسول الله صلّى الله عليه و آله لي و لأخي: هَذَانِ سَيِّدَا شَبَابِ أَهْلِ الْجَنَّةِ؟
فإن صدّقتموني بما أقول و هو الحقّ واللهِ ما تعمّدتُ كذباً منذ علمتُ أ نَّ الله يمقت عليه أهله، و إ نْ كذّبتموني فإنّ فيكم من إ نْ سألتُموه عن ذلك أخبركم سَلوا جابر بن عبدالله الانصاريّ و أبا سعيد الخدريّ و سهل بن سعد الساعديّ و زيد بن أرقم و أنس ابن مالك يخبروكم أنّهم سمعوا هذه المقالة من رسولالله صلّى الله عليه و آله لي و لأخي. أما في هذا حاجزٌ لكم عن سفك دمي؟!
فقال له شمر بن ذي الجوشن: هو يعبدالله على حَرْفٍ إ نْ كان يدري ما تقول.
فقال له حبيب بن مظاهر: واللهِ إنّي لأراك تعبد الله على سبعين حرف، وأنا أشهد أنّك صادق ما تدري مايقول، قد طبع اللهُ على قلبك. ثمّ قال لهم الحسين عليهالسلام: فإنْ كنتم في شكٍّ من هذا أفتشكّون أَنّي ابن بنت نبيّكم؟ فواللهِ ما بينَ المشرقِ و المغربِ ابنُ بنتِ نَبيّ غَيري، فيكم و لا في غيركم. وَيْحَكُمْ أتطلبوني بقتيلٍ منكمْ قتلتُه؟ أو مالٍ لكم استهلكتُه؟ أو بقصاصِ جراحةٍ؟
فأخذوا لا يكلّمونه؛ فنادى: يا شبث بن ربعيّ! و يا حجّار بن أبجر! و يا قيس بن الاشعث! و يا يزيد بن الحارث! ألم تكتبوا إليّ: أ نْ قدْ أينعت الثمارُ و اخضرَّ الجنابُ، و إنّما تَقْدَمُ عَلى جُندٍ لَكَ مُجَنَّدَةٍ؟!
فقال له قيسُ بن الاشعثِ: ما ندري ما تقول؛ و لكن انْزِل على حُكم بَني عمّكَ، فَإنّهم لن يُرُوك إلّا ما تحبّ.
فَقَالَ الْحُسَيْنُ عَلَيْهِ السَّلَامُ: لَا وَاللهِ لَا أُعْطِيكُمْ بِيَدِي إعْطَاءَ الذَّلِيلِ؛ وَ لَا أُقِرُّ لَكُمْ إقْرَارَ الْعَبِيدِ۱؛ ثُمَ
نَادَى: يَا عِبَادَ اللَهِ! إِنِّي عُذْتُ بِرَبِّي وَرَبِّكُمْ أَ ن تَرْجُمُونِ؛ وَ أَعُوذُ بِرَبِّي وَ رَبِّكُمْ مِنْ كُلِّ مُتَكَبِّرٍ لَايُؤْمِنُ
بِيَوْمِ الْحِسَابِ.۱
خطبة الإمام الغرّاء يوم عاشوراء
وروى ابن طاووس الخطبة الغرّاء التالية عن سيّد الشهداء عليه السلام خطبها يوم عاشوراء، بهذا المضمون:
* قالَ الرَّاوي: وَ رَكِبَ أَصْحَابُ عُمَرَ بْنِ سَعْدٍ لَعَنَهُمُ اللَهُ، فَبَعَثَ الْحُسَيْنُ عَلَيْهِ السَّلَامُ بُرَيْرَ بْنَ خُضَيْرٍ فَوَعَظَهُمْ؛ فَلَمْ يَسْتَمِعُوا وَذَكَّرَهُمْ فَلَمْ يَنْتَفِعُوا.
فَرَكِبَ الْحُسَيْنُ عَلَيْهِ السَّلَامُ نَاقَتَهُ وَ قِيلَ فَرَسَهُ فَاسْتَنْصَتَهُمْ فَأَنْصَتُوا. فَحَمِدَاللهَ، وَ أَثْنَى عَلَيْهِ، وَ ذَكَرَهُ بِمَا هُوَ أَهْلُهُ؛ وَصَلَّى عَلَى محمّد وَ عَلَى الْمَلَائِكَةِ وَ الْانْبِيَاءِ وَ الرُّسُلِ؛ وَ أَبْلَغَ في الْمَقَالِ؛ ثُمَّ قَالَ:
تَبّاً لَكُمْ أَيَّتُهَا الْجَمَاعَةُ وَ تَرَحاً حِينَ اسْتَصْرَخْتُمُونَا وَالِهِينَ، فَأَصْرَخْنَاكُمْ مُوجِفِينَ؛ سَلَلْتُمْ عَلَيْنَا سَيْفاً لَنَا في أَيْمَانِكُمْ! وَحَشَشْتُمْ عَلَيْنَا نَاراً اقْتَدَحْنَاهَا عَلَيعَدُوِّنَا وَعَدُوِّكُمْ! فَأَصْبَحْتُمْ ألْباً لِاعْدَائِكُمْ عَلَيأَوْلِيَائِكُمْ بِغَيْرِ عَدْلٍ أَفْشَوْهُ فِيكُمْ! وَلَا أَمَلٍ أَصْبَحَ لَكُمْ فِيهِمْ!
فَهَلًّا لَكُمُ الْوَيْلَاتُ تَرَكْتُمُونَا؛ وَالسَّيْفُ مَشِيمٌ، وَ الجَأْشُ طَامِنٌ، وَ الرَّأْيُ لَمَّا يُسْتَحْصَفْ؟! وَ لكِنْ أَسْرَعْتُمْ إلَيْهَا كَطَيْرَةِ الدَّبَى! وَ تَدَاعَيْتُمْ إلَيْهَا كَتَهَافُتِ الْفَرَاشِ!
فَسُحْقاً لَكُمْ يَا عَبِيدَ الْامَّةِ! وَ شُذَّاذَ الْاحْزَابِ! وَ نَبَذَةَ الْكِتَابِ! وَ مُحَرِّفِي الْكَلِمِ! و عُصْبَةَ الآثَامِ! وَ نَفَثَةَ الشَّيْطَانِ! وَ مُطْفِئِي السُّنَنِ! أَهَؤُلَاءِ تَعْضُدُونَ؟! وَ عَنَّا تَتَخَاذَلُونَ؟!
أَجَلْ وَاللهِ غَدْرٌ فِيكُمْ قَدِيمٌ! وَ شَجَتْ إلَيْهِ أُصُولُكُمْ! وَ تَأَزَّرَتْ عَلَيْهِ فُرُوعُكُمْ! فَكُنْتُمْ أَخْبَثَ ثَمَرٍ شَجاً لِلنَّاظِرِ! وَأُكْلَةً لِلْغَاصِبِ!
أَلَا وَ إنَّ الدَّعِيّ ابْنَ الدَّعِيّ۱ قَدْ رَكَزَ بَيْنَ اثْنَتَيْنِ:
بَيْنَ السِّلَّةِ وَالذِّلَّةِ؛ وَ هَيْهَاتَ مِنَّا الذِّلَّةُ!
يَأْبَى اللهُ ذَلِكَ لَنَا وَ رَسُولُهُ وَ الْمُؤْمِنُونَ وَ حُجُورٌ طَابَتْ وَ طَهُرَتْ، وَ أُنُوفٌ حَمِيَّةٌ، وَ نُفُوسٌ أَبِيَّةٌ، مِنْ أَنْ نُؤْثِرَ طَاعَةَ اللِئَامِ عَلَى مَصَارِعِ الْكِرَامِ.
أَلَا وَ إنِّي زَاحِفٌ بِهَذِهِ الأُسْرَةِ مَعَ قِلَّةِ الْعَدَدِ، وَ خَذْلَةِ النَّاصِرِ. ثُمَّ أَوصَلَ كَلَامَهُ بِأَبْيَاتِ فَرْوَةَ بْنِ مُسَيْكٍ الْمُرَادِي:
فَإنْ نَهْزِمْ فَهَزَّامُونَ قِدْماً | *** | وَ إ نْ نُغْلَبْ فَغَيْرُ مُغَلَّبِينَا۱ |
وَ مَا إ نْ طِبُّنَا جُبْنٌ وَ لَكِنْ | *** | مَنَايَانَا وَ دَوْلَةُ آخَرِينَا٢ |
إ ذَا مَا الْمَوْتُ رَفَّعَ عَنْ أُنَاسٍ | *** | كَلَا كِلَهُ أَنَاخَ بِآخَرِينَا |
فَأَفْنَى ذَلِكُمْ سُرَوَاءَ قَوْمِي | *** | كَمَا أَفْنَى الْقُرُونَ الْاوَّلِينَا |
فَلَوْ خَلَدَ الْمُلُوكُ إ ذاً خَلَدْنَا | *** | وَ لَوْ بَقِيَ الْكِرَامُ إ ذاً بَقِينَا |
فَقُلْ لِلشَّامِتِينَ بِنَا أَفِيقُوا | *** | سَيَلْقَى الشَّامِتُونَ كَمَا لَقِينَا |
ثُمَّ أَيْمُ اللهِ لَا تَلْبَثُونَ بَعْدَهَا إلَّا كَرَيْثِمَا يُرْكَبُ الْفَرَسُ، حتى تَدُورَ بِكُمْ دَوْرَ الرَّحَى! وَ تَقْلَقَ بِكُمْ قَلَقَ الْمِحْوَرِ! عَهْدٌ عَهِدَهُ إِلَى أَبِي عَنْ جَدِّي؛ فَأَجْمِعُوا أَمْرَكُمْ وَ شُرَكَآءَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُنْ أَمْرُكُمْ عَلَيْكُمْ غُمَّةً ثُمَّ اقْضُوا إِلَيّ وَلَا تُنظِرُونِ!
إِنِّي تَوَكَّلْتُ عَلَى اللهِ رَبِّي وَ رَبِّكُم مَا مِن دَآبَّةٍ إِلَّا هُوَ ءَاخِذُ بِنَاصِيَتِهَآ إِنَّ رَبِّي عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ.
اللَهُمَّ احْبِسْ عَنْهُمْ قَطْرَ السَّمَاءِ؛ وَ ابْعَثْ عَلَيْهِمْ سِنِينَ كَسِني يُوسُفَ؛ وَ سلِّطْ عَلَيْهِمْ غُلَامَ ثَقِيفٍ! فَيَسُومَهُمْ كَأْساً مُصَبَّرَةً؛ فإنَّهُمْ كَذَّبُونَا وَ خَذَلُونَا وَ أَنْتَ رَبُّنَا! عَلَيْكَ تَوَكَّلْنَا وَإلَيْكَ أَنَبْنَا وَ إلَيْكَ الْمَصِيرُ!۱
أشعاره الرجزيّة يوم عاشوراء
وجاء في كتاب «كشف الغمّة» عن كتاب «الفتوح» أنه عليه السلام لمّا أحاطت به جموع ابن زياد وقتلوا من قتلوا من أصحابه ومنعوهم الماء كان له عليهالسلام ولدٌ صغير فجاءه سهمٌ منهم فقتله، فزمّله الحسين عليه السلام و حفر له بسيفه و صلّى عليه و دفنه، (و وقف أمام جيش الاعداء وَحمل عليهم مرتجزاً):
غَدَرَ الْقَوْمُ وَ قِدْماً رَغِبُوا | *** | عَنْ ثَوابِ اللهِ رَبِّ الثَّقَلَيْن |
قَتَلُوا قِدْماً عَلِيّاً وَ ابْنَهُ | *** | حَسَنَ الْخَيْرِ كَرِيمَ الطَّرَفَيْن |
حَسَداً مِنْهُمْ وَ قَالُوا أَجْمِعُوا | *** | نُقْبِلِ الآنَ جَمِيعاً بِالحسين |
يَا لَقَوْمٍ لِانَاسٍ رُذَّلٍ | *** | جَمَعُوا الْجَمْعَ لِاهْلِ الْحَرَمَيْن۱ |
ثُمَّ سَارُوا وَ تَوَاصَوْا كُلُّهُمْ | *** | لِاجْتِيَاحِي لِلرِّضَا بِالْمُلْحِدَيْن٢ |
لَمْ يَخَافُوا اللهَ في سَفْكِ دَمِي | *** | لِعُبَيْدِ اللَهِ نَسْلِ الْفَاجِرَيْن |
وَ ابْنُ سَعْدٍ قَدْ رَمَانِي عَنْوَةً | *** | بِجُنُودٍ كَوُكُوفِ الْهَاطِلَيْن |
لَا لِشَيْءٍ كَانَ مِنِّي قَبْلَ ذَا | *** | غَيْرِ فَخْرِي بِضِيَاءِ الْفَرْقَدَيْن |
بِعَلِيّ خَيْرِ مَنْ بَعْدَ النَّبِيّ | *** | وَالنَّبِيّ الْقُرَشِي الْوَالِدَيْن |
خَيْرَةُ اللهِ مِنَ الْخَلْقِ أَبِي | *** | ثُمَّ أُمِّي فَأَنَا ابْنُ الْخَيْرَتَيْن |
فِضَّةٌ قَدْ صُفِيَتْ مِنْ ذَهَبٍ | *** | فَأَنَا الْفِضَّةُ وَابْنُ الذَّهَبَيْن |
مَنْ لَهُ جَدٌّ كَجَدِّي في الْوَرَى | *** | أَ وْ كَشَيْخِي فَأَنَا ابْنُ الْقَمَرَيْن |
فَاطِمُ الزَّهْرَاءِ أُمِّي وَ أَبِي | *** | قَاصِمُ الْكُفْرِ بِبَدْرٍ وَ حُنَيْن |
وَ لَهُ في يَوْمِ أُحْدٍ وَقْعَةٌ | *** | شَفَتِ الغِلَّ بِفَضِّ الْعَسْكَرَيْن |
ثُمَّ بِالْاحْزَابِ وَالْفَتْحِ مَعاً | *** | كَانَ فِيهَا حَتْفُ أَهْلِ الْقِبْلَتَيْن |
في سَبِيلِ اللهِ مَاذَا صَنَعَتْ | *** | أُمَّةُ السَّوْءِ مَعاً بِالْعِتْرَتَيْن |
عِتْرَةِ الْبَرِّ النَّبِي المصطفى | *** | وَ عَلِيّ الْوَرْدِ بَيْنَ الْجَحْفَلَيْن۱ |
يقول عبدالله بن عَمّار بن يَغوث: ما رأيتُ مكثوراً قَطّ قد قُتلَ ولده و أهلُ بيته و صحبُهُ أربط جَأشاً منهُ و لا أمْضى جناناً و لا أجرأ مقدماً، و لقد كانت الرجال تنكشف بين يديه إذا شدّ فيها، و لم يثبتْ له أحد.۱
فصاح عُمر بن سَعد بالجمع: هذا ابنُ الانْزَعِ البطين٢، هذا ابنُ قتّالِ العرب، احملوا عليه من كلّ جانب! فأتته أربعةُ آلاف نبلة، و حال الرجال بينه و بين رحله، فصاح بهم سيّد الشهداء عليه السلام:
نداؤه عليه السلام في أتباع آل أبي سفيان
* يَا شِيعَةَ آ لِ أَبِي سُفْيَانَ! إنْ لَمْ يَكُنْ لَكُمْ دِينٌ، وَكُنْتُمْ لَا تَخَافُونَ الْمَعَادَ، فَكُونُوا أَحْرَاراً في دُنْيَاكُمْ! وَ ا رْجِعُوا إلَي أَحْسَابِكُمْ إ نْ كُنْتُمْ عُرْباً كَمَا تَزْعُمُونَ!
فناداه شمر: ما تقولُ يا ابنَ فاطمة!
قال: أنا الذي أقاتلكم و النِّساءُ ليس عليهنّ جُناح فامنعوا عُتاتكم عن التعرّض لحرمي ما دمتُ حيّاً.
قَالَ اقْصُدُونِي بِنَفْسِي وَ اتْرُكُوا حَرَمِي | *** | قَدْ حَانَ حِينِي وَ قَدْ لَاحَتْ لَوَائِحُهُ |
فقال شمر: لك ذلك!
و قصده القوم، واشتدّ القتال و قد اشتدّ به العطش.۱
ثمّ إنّه عليه السلام رجع إلى الخيمة ثانياً فودّع عياله، و رجع إلى مركزه يُكثر من قول:
لَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إلَّا بِاللّهِ!٢
و رماه أبو الحُتوف الجُعْفي بسهم في جبهته، فنزعه و سالت الدماء على وجهه فقال:
دعاؤه عليه السلام على أهل الكوفة و مخاطبته لهم
* اللَهُمَّ إنَّكَ تَرَى مَا أَنَا فِيهِ مِنْ عِبَادِكَ هَؤُلَاءِ الْعُصَاةِ! اللَهُمَّ أَحْصِهِمْ عَدَداً! وَ اقْتُلْهُمْ بَدَداً! وَ لَا تَذَرْ عَلَى وَجْهِ الأرْضِ مِنْهُمْ أَحَداً! وَلَا تَغْفِرْ لَهُمْ أَبَداً!
و صاح بصوت عالٍ:
يَا أُمَّةَ السَّوْءِ بِئْسَمَا خَلَّفْتُمْ محمّداً في عِتْرَتِهِ! أَمَا إنَّكُمْ لَا تَقْتُلُونَ رَجُلًا بَعْدِي فَتَهَابُونَ قَتْلَهُ! بَلْ يَهُونُ
عَلَيْكُمْ ذَلِكَ عِنْدَ قَتْلِكُمْ إيَّاي! وَ أَيْمُ اللَهِ إنِّي لأرْجُو أَ نْ يُكْرِمَنِيَ اللهُ بِالشَّهَادَةِ، ثُمَّ يَنْتَقِمَ لِي مِنْكُمْ مِنْ حَيْثُ لَا تَشْعُرُونَ!
فقال الحُصَيْن: و بماذا ينتقم لك منّا يا ابن فاطمة؟
قال (عليه السلام): يُلقى بأسَكم بينكم و يسفك دماءَكُم ثُمّ يصبّ عليكم العذابَ صَبّاً.۱
كيفيّة استشهاده عليه السلام
و لمّا ضعف عن القتال وقف يستريح، فرماه رجلٌ بحجر على جبهته، فسال الدم على وجهه، فأخذ الثوب ليمسح الدم عن عينيه (ف) رماه آخر بسهمٍ مُحدَّد له ثلاث شعب وقع على قلبه؛ فقال:
بِسْمِ اللهِ وَ بِاللهِ وَ عَلَى مِلَّةِ رَسُولِ اللهِ. وَ رَفَعَ رَ أْسَهُ إلَى السَّمَاءِ وَ قَالَ: إلَهِي إنَّكَ تَعْلَمُ أَنَّهُمْ يَقْتُلُونَ رَجُلًا لَيْسَ عَلى وَجْهِ الأرْضِ ابْنُ نَبِيّ غَيْرُهُ!
ثمّ أخرج السهم من قفاه وانبعث الدم كالميزاب٢؛ فوضع يده تحت الجرح فلمّا امتلات
رمى به نحو السماء و قال: هَوَّنَ عَلَي ما نَزَلَ بي أنَّهُ بِعَيْنِ اللهِ. فلم يسقط من ذلك الدمِ قطرةٌ إلى الارضِ. ثُمّ وَضَعها ثانياً فلمّا امتلأت لطّخ به رأسَه و وجهَه و لحيته و قال: هكذا أكونُ حتى أَلقى اللهَ وَ جدِّي رَسُولَ اللهِ۱
و أعياه نزفُ الدمِ؛ فجلسَ على الارض ينوءُ برقبته، فانتهى إليه في هذا الحالِ مالكُ بنُ النسر، فشتمه ثُمَّ ضربه بالسَّيفِ على رأسه، و كان عليه بُرْنُسٌ فامتلأ البرنس دماً، فألقى البرنسَ و اعتمَّ على القَلَنسُوَةِ٢. و روى البعض أنّه استدعى بخرقةٍ فشَدَّ بها رأسَهُ.
و ضربه زُرعة بن شَريك على كتفه الأيْسرِ، و رماه الحُصينُ في حلقه٣، و ضربه آخرُ على عاتِقه و طعنه سِنان بن أنس في ترقوته ثُمّ في بواني صدرهِ ثُمّ رماه بسهم في نَحْره٤، و طعَنَه صالح بن وهب في
جنبه.۱
قال هلال بن نافع: كنتُ واقفاً نحوَ الحسينِ و هو يجودُ بنفسه، فواللهِ ما رأيتُ قتيلًا قطّ مُضمَّخاً بدمِهِ أحسنَ منه وجهاً و لا أنور! و لقد شغلني نورُ وجهه عن الفكرة في قتله!٢
و لمّا اشتدّ به الحالُ رفعَ طرفَهُ إلى السماء و تضرَّع إلى ساحة الربِّ ذي الجلال قائلًا: صَبْراً عَلَى قَضَائِكَ يَارَبِّ، لَا إلَهَ سِوَاكَ، يَا غِيَاثَ الْمُسْتَغِيثِينَ!٣
و رُوي عن الإمام محمّد الباقر عليه السلام أ نّ فرس الحسين كان يصهَل صهيلًا عالياً و يمرّغ ناصيته بدمه و يشمّه و يقول:
الظَّلِيمَةَ الظَّلِيمَةَ مِنْ أُمَّةٍ قَتَلَتِ ابْنَ بِنْتِ نَبِيِّهَا.٤ و٥
و توجّه نحو المخيّم.
و نادت أ مّ كلثوم:
وَا محمّداهْ، وَا أَبَتَاهْ، وَا عَلِيَّاهْ، وَا جَعْفَرَاهْ، وَاحَمْزَتَاهْ۱! هَذَا حُسَيْنٌ بِالعَرَاءِ صَرِيعٌ بِكَرْبَلاءَ.
ونادت زينب:
وَا أَخَاهْ، وَا سَيِّدَاهْ، وَا أَهْلَ بَيْتَاهْ، لَيْتَ السَّمَاءَ أَطْبَقَتْ عَلَى الْارْضِ؛ وَلَيْتَ الْجِبَالَ تَدَكْدَكَتْ عَلَى السَّهْلِ.٢
وانتهت نحو الحسين و قد دنا منه عمر بن سعد فيجماعة من أصحابه، والحسين يجود بنفسه! فصاحت: أَ يْ عُمَرُ! أَيُقْتَلُ أَبُو عبدالله وَ أَنْتَ تَنْظُرُ إلَيْهِ؟!
فصرفَ بوجهه عنها و دموعُه تسيلُ على لحيته.٣
فصاحت: وَيْحَكُمْ أَمَا فِيكُمْ مُسْلِمٌ؟!
فلم يجبها أحد!٤ ثمّ صاح عمر بن سعد بالناس: انزلوا إليه و أريحوه! فبدر إليه شمر فرفسه برجله
وجلس على صدره، وقبض على شيبته المقدّسة، و ضربه بالسيف اثنتي عشرة ضربة۱ و احتزّ رأسه المقدّس!!
أشعار في تصوير حالات سيد الشهداء عليه السلام و حال جميع المخلوقات
و ما أروع ما جسّد المرحوم حجّة الإسلام نيّر التبريزيّ حال الموجودات عند شهادة الإمام، كلّا بدوره و بقدر سعته و استعداده، حيث يقول:
جان فداي تو كه از حالتِ جانبازي تو | *** | در طفِ ماريه از ياد بشد شور نُشور |
قُدسيان سر بگريبان بحجاب مَلكوت | *** | حُوريان دست بگيسوي پريشان ز قُصور |
گوش خَضرا همه پُر غُلغُلة ديو و پَري | *** | سَطح غَبْرا همه پُر ولولهء وحش و طُيور |
غرق درياي تحيّر زلب خشك تو نوح | *** | دست حسرت بدل از صبر تو أيّوب صَبور |
مرتضى با دل افروخته لا حَوْل كنان | *** | مصطفى با جگر سوخته حيران و حَصور |
كوفيان دست بتاراج حرم كرده دراز | *** | آهوانِ حَرَم از واهمه در شيوَن و شُور |
أنبياء محو تماشا و ملائك مَبهوت | *** | شمر سرشار تمنّا و تو سرگرم حُضور۱ |
وما أروع وأبلغ ما حكى آية الله الشعرانيّ رحمالله في «دَمع السُّجوم» عن حقيقة شهادة ذلك الإمام:
شاهان همه بخاك فكندند تاجها | *** | تا زيب نيزه شد سر شاه جهان عشق |
بر پاي دوست سر نتوان سود جز كسي | *** | كو را بلند گشت سر اندر سِنان عشق |
از لا مكان گذشت بيك لحظه بي بُراق | *** | اين مصطفى كه رفت سوى آسمان عشق |
شاه جهان عشق كه جانانش از أَلَسْت | *** | گفت اي جهان حُسْن، فداي تو جان عشق |
تو كشتهء منيّ و منم خون بَهايِ تو | *** | بادا فداي خون تو كَوْن و مكان عشق۱ |
وللّهِ الحمدُ ولهُ المِنّة، فقد استغرقت كتابة هذه الرسالة أُسبوعاً واحداً، و حُرّرت أيّام إقامة مراسم العزاء عليه (سلام الله عليه)، أي في الايّام العشرة الاولى منالمحرّم لسنة ألف و أربعمائة و اثنين هجريّة قمريّة، واختتمت بعد شروع ليلة تاسوعاء الحسين بساعتين و ربع الساعة بمَنّه وَجودِه وكرمِه إنّه أرحمُ الراحمين.
رَبَّنَا احْشُرْنَا مَعَ الْحُسَيْنِ وَالْمُسْتَشْهَدِينَ بَيْنَ يَدَيْهِ رَبَّنَا وَتَقَبَّلِ الدُّعَاءَ.
محفل انس است دو عالم ولي | *** | شمع دل افروز حسين است و بس |
آنكه سُرود اين دُرَرِ پاك را | *** | خاك ره كوي حسين است و بس۱ |
كتبه بيُمناه الداثرةِ العاشقُ المسكين، والفاني المُستكين، السيّد محمّد الحسين الحسيني الطهرانيّ في البلدةِ الطيِّبةِ لِلمشهدِ الرضَوي المُقدَّسِ عَلى
مُقدِّسِها آلافُ التحيّةِ و الإكرامِ بجاهِ محمّد وآلهِ البَررَةِ الكِرام.
أشعار المؤلّف في مدح سيّد الشهداء عليه السلام
بسم الله الرحمن الرحيم
السَّلَامُ عَلَيْكَ يَا أَبَا عبدالله
وَعَلَى الْمُسْتَشْهَدِينَ بَيْنَ يَدَيْكَ وَرَحْمَةُ اللَهِ وَبَرَكَاتُهُ
الثالث من شعبان المعظّم لسنة ۱٣۷۸ هجريّة قمريّة
العيد السعيد لميلاد سيِّد الشُّهداءِ أَرواحُنا و أرواحُ العالمين له الفِداءُ
إ نّ نور الإله و مرآة تجلّي الحقّ ونور الهدى نور الحسين لا سواه.
و سرّ الولاء ولؤلؤ الحقّ المتوهّج و مظهر الواهب المعطى إنّما هو الحسين.
و لقد كان سرّ الهويّة الذي تجلّى، هو الضوء الساطع لنور الحسين.
و روح المشيّة التي ظهر منها الكون و المكان هي الحسين لا سواه.
كان تجلّي الذات الاحديّة بلا نقاب هو نور تجلّي الحسين.
و لقد كانت السجدة التي سجدتها جمهرة الملائكة لآدم الترابيّ إنّما هي من أجل الحسين لاسواه.
و إ نّ سلسلة الانبياء المستمرّة ليست إلّا طلائع جيش الحسين.
و هو لا سواه ثمرة الخلقة منذ الازل إلى الابد، و هدف الخلقة و الإيجاد.
و مع أ نّ العالمين محفلٌ للُانس، لكن الشمع الذي يُنير القلوب الحسين لا سواه
وليست النفحة المنعشة لنسيم الجنّة إلّا شمّة وعبيراً من رائحة الحسين.
ومن سجيّة الحسين ولاجله صارت نار نمرود علي الخليل برداً و سلاماً.
و سفينة نوح في طوفان اليمّ لم تكن إلّا كزورق في جدولٍ للحسين.
لقد ذهب موسى بن عمران للميقات حين ذهب، لاجل ميقات الحسين.
و لقد كان نور الوادي الايمن على الدوام شعشعة مُحيّا الحسين لا سواه.
والنار المشتعلة في جبل الطور لم تكن إلّا ضوءاً من نور الحسين.
والنفخة التي نفخها عيسى في الجسد فأحياه، إنّما كانت من أنفاس و رائحة الحسين.
و هذه القبّة المرتفعة المنشورة إنّما تدور على استدارة حاجب الحسين.
فما الذي أقول؟ إذ إ نّ كلّ ما في العالم إنّما يبحث عن الحسين.
والذي سطع هذه الليلة كالشمس إنّما هو راية التوحيد: الحسين لا سواه.
ذلك الذي قبّل الرسول عنقه عطفاً و حبّاً فبكى، هو الحسين لا سواه.
إ نّ شمعة محفل سرور حريم اللقاء إنّما هو الرأس الطافح بالانوار للحسين لا سواه.
ولقد أحرق الحسين لا سواه فراشة الروح في حرم العشق شوقاً.
فالقتيل الذي فدى بروحه في سبيل الحبيب، و ذو الجسد المُقطَّع إرباً إنّما هو الحسين.
والذي نصب خيمته خارج العالمينِ كليهما ليس إلّا الحسين.
ومَن قال لموضع تقديم القرابين للحبيب: رضى ربِّ، إنّما هو الحسين لا سواه
و مَنْ ضُمِّخَ ناصية ذؤابتة بدم عنقه إنّما هو الحسين لا سواه.
إ نّ باب الخلاص من الغمّ، و سفينة النّجاة في بحر البلاء الحسين دونما سواها.
و اليد التي تشفع للجميع جوداً و كرماً يوم الحشر، يدالحسين لا سواه.
فإن رُمتَ الفوز و الفلاح، فالسبيل ليس إلّا ولاية الحسين.
و إ نّ مُنشد هذه الدرر الطاهرة ترابٌ في مسير درب الحسين.
ربّنا احشُرنا مع الحسين عليه السّلام
وأدخلنا في زمرته ربنا و تقبل الدّعاء
السيِّد محمّد الحسين الحُسينيّ الطهرانيّ