المؤلّفالهیئة العلمیة لموقع مدرسة الوحي
القسم التاريخ و الاجتماع
التوضيح
تعتبر الرياضة من الأمور التي أولاها الإسلام أهميّة قصوى وحدّد أنواعًا خاصّة من الرياضات المفيدة، وفي المقابل تهتمّ المجتمعات المعاصرة برياضة كرة القدم اهتمامًا بالغًا له الكثير من الآثار السلبيّة. وقد تعرّض سماحة آية الله السيّد محمّد محسن الطهراني رضوان الله عليه لهذا الموضوع في إحدى محاضراته استطرادًا، وتمّ استخراجه منها لينشر مستقلاًّ أيضًا لأهميّته.
وهو يجيب فيها عن أسئلة أهمّها: ما هي أولويّات الثقافة الإسلاميّة وأنواع الرياضة التي يجب أن يربّى عليها المجتمع الإسلاميّ لملء أوقات الفراغ؟ ما هو موقف الإسلام من تعلّم المرأة لفنون القتال؟ وما هو الموقف من الحروب الدفاعيّة؟
هو العليم
ثقافة المجتمع والرياضة في الإسلام
آثار شدّة الاهتمام بكرة القدم في المجتمع
إعداد: الفريق العلمي في موقع مدرسة الوحي
بحث منتخب من محاضرات
«شرح دعاء أبي حمزة الثمالي سنة ۱٤٢۸ هـ الجلسة الرابعة»
لآية الله الحاج السيّد محمّد محسن الحسينيّ الطهراني
قدّس الله سرّه
أعوذُ بِاللَه مِنَ الشَّيطانِ الرَّجيم
بِسمِ اللَه الرَّحمَنِ الرَّحيم
وصلَّى اللَه عَلَى سيّدنا و نبيّنا أبي القاسم مُحَمّدٍ
وعلى آله الطّيّبين الطّاهرين و اللعنة عَلَى أعدائِهِم أجمَعينَ
«أدعوك یا سیّدي بلسان قد أخرسه ذنبه، ربّ أناجيك بقلب قد أوبقه جرمه».
يا سيّدي ومولاي أدعوك وأطلب منك وأستلفت نظرك إليّ وأنا على أيّة حال وفي أيّ وضع؟ بلسان جعله ذنبه ألكن ـ فهكذا أدعوك ـ وقد أخرسه ذنبه. وهو في حالة أسوأ من اللكنة، فالخرس يعني توقّف اللسان عن العمل، لقد توقّف لساني عن العمل، وأنا أدعوك في هذه الحالة.
ليس لنا على الله حقّ
وهذه النقطة لا بدّ من الالتفات إليها وأنّنا عندما ندعو ونقرأ القرآن ونذكر الله علينا أن نكون ملتفتين أنّنا ليس لنا حقّ على الله فلا نقول: لقد قمنا نصلّي ونقرأ القرآن فعليك أن تجيبنا يا الله! كلاّ بل علينا أن نلتفت جيّدًا إلى أنفسنا وإلى وضعنا، وإن شاء الله يُحتمل أن نتحدّث حول ذلك في الليالي القادمة أن لا قدّر الله أن ننسى واقعنا عند مواجهتنا لله، ولا ننسى أوضاعنا وحالاتنا وأفكارنا وأعمالنا، وأن لا نجعل أنفسنا دائنين لله وأصحاب حقّ عليه ونتعامل معه على أنّه هو مدين لنا، كلاّ! ولننظر ماذا يعلّمنا الإمام السجّاد؟ فالإمام يعلّمنا كيفيّة الدعاء، ومن هؤلاء علينا نحن أن نتعلّم فإلى أين نذهب؟!
يقول الإمام: «أدعوك يا سيّدي بلسان قد أخرسه ذنبه». لقد تذكّرت اليوم عصرًا ولا أذكر بأيّة مناسبة دعاء أبي حمزة الثماليّ هذا ومضامينه…
أهميّة قراءة دعاء أبي حمزة وكيفيّتها
وليقرأ الرفقاء أيضًا هذا الدعاء في ليالي شهر رمضان، فقد كان المرحوم العلاّمة يوصي به، فإن لم تقرؤوه كلّه فاقرؤوا على الأقلّ صفحتين منه أو ثلاث مع الالتفات إلى المعنى، لا أن تقرؤوا هكذا وتتقدّموا إلى الأمام، فالقراءة وطيّ الصفحات هكذا لا فائدة منها، وعلى الإنسان أن يلتفت إلى معاني الدعاء، أو فائدتها قليلة ولا أقول لا فائدة منها. عندما قال المرحوم الحدّاد لي قم بهذا العمل قال: عليك أن تلتفت في كلّ فقرة إلى المعنى، يمكن أن يؤثّر وإن كان عن غفلة فهو ليس بلا أيّ تأثير، كانت عبارته هكذا: ليس بلا أيّ تأثير، ففي النهاية التلفّظ بذكر الله خير من الأغنية والأنشودة فهو يختلف عنهما قليلاً.
قلّة اهتمام الناس بالثقافة الإسلاميّة
ولكنّ الناس يلتفتون الآن إلى كلّ شيء سوى هذا الكلام، يهتمّون بكلّ شيء سوى هذه الأمور، فهل يجرون الآن مسابقة في التلفاز ويسألون الناس عن دعاء أبي حمزة الثمالي عمّن هو؟! أستبعد من عدد سكّان إيران البالغ سبعين مليونًا أن يكون هناك خمسون ألفًا يقولون إنّه للإمام السجّاد، أستبعد ذلك! ربّما يكون هناك ألف يعلمون ذلك! أمّا لو قالوا إنّ لاعب كرة القدم فلان من أيّ دولة؟ فإنّ تسعين مليونًا من السبعين مليونًا يقولون: من دولة كذا. فهل التفتّم؟!
لقد كنت ذات يوم في مكان… وحقًّا إنّه لأمر مضحك وما هو الضحك؟! بل مثير للقهقهة بسبب هذا الحال التعيس الضعيف الذي وصل إليه هذا البلد الذي يعدّ نفسه من شيعة وأتباع أمير المؤمنين وأتباع إمام الزمان وهو يحتفظ في ذاكرته بأسماء رقّاصات الدنيا ويحسب حسابًا لممثّلي الدنيا وللذين يركضون وراء الكرة أينما تحرّكت.
أنواع الرياضة المطلوبة في الإسلام وضرورة إتقان فنون القتال من قبل الجميع
فيا أيّها التعيس أنت مع أنّ طولك يبلغ المترين لماذا تجري وراء الكرة؟! فالكرة بهذا الحجم لا أكثر، وأينما تحرّكتْ يجري وراءها، على الكرة أن تجري وراءك فلماذا تجري أنت وراءها أيّها المسكين؟! والأكثر منك تعاسة هم الذين يجلسون ويشاهدون، والأكثر منك مسكنة هم الذين يشجّعونك ويصدرون حول ذلك البيانات، فهذا صار عملنا، وهذه صارت ثقافتنا.
لقد ورد في الإسلام الرياضة لا اللعب بالكرة والرقص والتمثيل وأمثال هذه الأمور المثيرة للسخرية، ورد ركوب الخيل، والضرب بالسيف وفنون القتال بما يناسب العصر وبما يناسب الزمان، وعلينا جميعًا أن نكون على خبرة بفنون القتال ومعرفة بالسلاح، والذين هم جالسون منّا الآن هنا ولا خبرة لهم بفنون القتال وبالسلاح هم مخطئون ومجرمون، وعلى الجميع في الحكومة الإسلاميّة أن يكونوا على خبرة بالقتال، وعلى الجميع أن يدافعوا، على الجميع أن يكونوا على علم بما يلزم لحفظ كيان الإسلام وحدوده وثغوره، ولا اختصاص لذلك بعمر دون عمر، ابتداء من الشابّ وحتّى الكبير في السنّ، غاية الأمر أنّ كلّ إنسان بما يناسب وضعه واختصاصه وسائر أحواله. نعم لا يجب أن يكون الجميع ومن قوّاد الطائرات، فقيادة الطائرة تحتاج إلى دورة خاصّة ووقت خاصّ، ولا يجب على الجميع أن يكونوا من قوّاد السفن والملاّحين ولكن في النهاية يمكنهم أن يمسكوا بالبندقيّة، فهذا المقدار يمكنهم أن يقوموا به، حتّى النساء أيضًا يجب أن تكون على خبرة بفنون القتال في الحكومة الإسلاميّة.
النساء وتعلّم فنون القتال
أحيانًا يكون العدوّ قويًّا ويأتي ولا يكفي إرسال الرجال إلى الجبهات، فمن الذي عليه أن يدافع؟ على النساء أن تدافع. يجب أن تكون المرأة على خبرة بفنون القتال ولديها اطّلاع على ذلك، فمن الذي قال إنّ هذا حرام؟! من قال إنّ في ذلك مشكلة؟! ففي زمان المرحوم العلاّمة أذكر أنّه سُمِع أنّهم يأخذون النساء لتعليمهنّ فنون القتال، فجاء أحد العلماء وقد توفّي الآن إلى منزل المرحوم العلاّمة وأذكر ذلك وكنت حاضرًا فكان يعترض ويقول: سيّدنا ما هذه الحكومة؟ وما هذه الدولة؟ إنّها تأخذ النساء…! فقال المرحوم العلاّمة: حسنًا فلتأخذهنّ يجب أن تأخذهنّ. فعلى النساء في الدولة الإسلاميّة أن يتعلّمن كالرجال فنون القتال والحرب ولا يختلف الأمر أبدًا، نعم ما دام إرسال الرجال إلى الحدود والثغور فيه الكفاية فلا ضرورة لإرسال النساء، وإلا فعلى النساء أن تعلم أنّهنّ أيضًا قد يجب عليهنّ الجهاد. وفي زمان النبيّ كانت النساء حاضرة أيضًا، وكان لهنّ اطّلاع على فنون القتال، وكنّ قادرات على الدفاع عن أنفسهنّ إذا ما هاجمهنّ العدوّ، وكنّ على اطّلاع على أمور التمريض، فكنّ يأتين إلى المعارك ويداوين الجرحى، وكنّ يفعلن ذلك أمام النبيّ. فمن الذي يقوم بهذه الأعمال؟ فما دام الرجل يقاتل فلا بدّ أن يأتي من يهتمّ بالجرحى، فهذا أمر طبيعيّ. فالإفراط خطأ وكذلك التفريط، كلاهما خطأ.
موقف المرحوم العلاّمة من الحرب الدفاعيّة
والمضحك أنّي أتيت ذات يوم في ذاك الزمان ويبدو أنّه كان في شهر رمضان، وكنت قد تشرّفت بزيارة مشهد، وكان الوقت ليلاً فرأيت أنّ المرحوم العلاّمة يقول: جاء فلان وذكر اسمه وهو الآن ليس من الأحياء وانتقل إلى رحمة الله ـ وأودّ أن أبيّن طريقة التفكير لتروا أنّ البعض كيف يفكّرون حقًّا ـ فعندما كانت هناك حرب بين إيران والعراق وهجم البعثيّون على الأراضي الإسلاميّة، فجاء أحد العلماء المعروفين وكان لديه اعتراض يقوله للمرحوم العلاّمة أن: لماذا علينا أن نحاربهم؟! هذه حرب بين الإخوة!
فقال المرحوم العلاّمة: فإن لم نقاتل فماذا نفعل؟! إن لم يقاتلوهم فماذا سيفعلون؟
قال: لا شيء يأتون ويستولون على البلد! فما هو الفرق بين الحالين؟ يجب أن لا يقتتل الإخوة! فليأخذوا هذا الشاطئ وذاك وتلك الأرض وتلك فلا إشكال في ذلك.
قال المرحوم العلاّمة: عجيب! أنت تجيز أن تأتي جماعة من الكفّار البعثيّين الذين لا دين لهم ولا وجدان ولا إنسانيّة ويحكموا أعراضنا وشرفنا في أرضنا وأنت تنظر؟! إنّ أوّل من يأتون إليه إن جاؤوا هو جنابك ونساؤك وأطفالك، أهكذا أنت تنفق من جيب غيرك؟! فهل التفتّم؟
ضرورة الاهتمام بالرياضات المفيدة وفنون القتال
فلا بدّ من الاهتمام بهذه الأمور، نعم هذه الأمور صحيحة، فلا بدّ من إيجاد الرياضة بين الناس في الفنون المفيدة في حفظ الدولة وفي حماية الحدود والثغور من تصرّف الأجانب ومن تصرّف الكفّار ومن اعتداء المعاندين الذين هم موجودون على الدوام. فمنذ أن خلق الله تعالى جدّينا آدم وحوّاء بدأت الحرب بين هاتين النقطتين وحتّى زماننا هذا وحتّى ظهور الإمام، وفقط في زمان ظهور الإمام تنتهي هذه الحروب، وتأتي الحكومة الحقّة وتسير بالناس على أساس الفطرة، وعلى أساس الحقّ وعلى أساس الوجدان، ولا يعود هناك معنى للحرب، وهناك لا معنى لأنت وأنا، والظهور هناك هو ظهور الولاية، والولاية تهضم في داخلها وتحت سيطرتها الولائيّة جميع الشعوب والفروع وجميع الجوانب، يأتي الكبير فتقبل به، ويأتي الصغير فتقبل به، تأتي المرأة فتقبلها ويأتي الرجل فتقبله، يأتي الجاهل فتقبله ويأتي العالم فتقبله، يأتي الرئيس فتقبله ويأتي المرؤوس فتقبله، تقبل الجميع وتنظر بعين واحدة إلى الجميع فمن الذي يريد أن يحارب؟! ومع من ستكون هناك مشكلة؟!
وأمّا الاهتمام بالأمور الأخرى والفنون الأخرى من هذه الأشياء التي يشاهَد في الدنيا الآن كيف أوقعت يد الاستعمار الجميع فيها كألعاب مثيرة للسخرية وأعمال لغو لا تساوي شيئًا وليس فيها إلا إتلاف النفوس وإتلاف رأس المال، فرؤوس الأموال التي يجب أن تصرف في عمارة البلاد والتي يجب أن تصرف على الفقراء والتي يجب أن تصرف في الزراعة والتي يجب أن تصرف في تطوير القوّة والقدرة، القدرة الدفاعيّة للدولة، والتي يجب أن تصرف في الرقيّ العلميّ والصحّي للدول، نجد أنّ الاستعمار كيف صرفها في الكرة: هذه كرة! هذه كرة! فاركض خلفها وخذها! لقد طارت إلى تلك الجهة فاركض خلفها وخذها ولا تفوّتها! ثمّ ارم بها هنا في داخل الهدف! وهذه أمور ترجع بنسبة ثمانين في المائة منها إلى الحظّ والنصيب وعشرون بالمائة منها إلى المهارة، والناس يجلسون ويصفّقون أن ماذا؟ أن أصابت الكرة الهدف المؤلّف من أربعة أعمدة، تعال أنت أصب عشرة أهداف! فعندما صرنا نشجّع أن اضرب الكرة لتصيب اضربها مائة مرّة! صفّق لأنّ الكرة أصابت الهدف! صارت أفكارنا هكذا… حقًّا إنّه لمؤسف!
سهرة عائليّة حول كرة القدم
لقد شاركت ذات ليلة في مجلس لأقاربنا، مثلاً كان مجلس صلة رحم مثلاً مع غضّ النظر عن الكلام الفارغ الذي كان في ذلك المجلس والذي كان يتلف الوقت، ولا أدري هل ذكرت للرفقاء هذا الأمر أم لا؟ يرجع ذلك إلى زمان بعيد، قبل سنوات، وكانت ليلة ماطرة، وبسبب إصرار بعض الأقارب ذهبت ولم أكن قد شاركت فيه حتّى تلك الليلة، فقالوا لي: تعال تعال، على الأقلّ تعال مرّة واحدة، ففي كلّ شهر تعقد هذه الجلسة مرّة واحدة فتعال، وكانت الأيّام قريبة من النصف من شعبان ولم يكن يفصلنا عنه إلا بضعة أيّام، وكانت ليلة ماطرة يهطل المطر فيها بشدّة، أظنّ أنّها كانت قبل أربع أو خمس سنوات، وكانت ليلتها مباراة بين إيران وإحدى الدول العربيّة، مباراة في كرة القدم، اللعب بالكرة اللعب بالكرة! اللعب كالأطفال! لقد كان كلّ همّ المجلس تلك الليلة والذي يتضمّن طبقات مختلفة من العلماء والمعمّمين وكان أكثر الحاضرين منهم وإن لم نقل أكثرهم فنصفهم من العلماء والمعمّمين وأئمّة الجماعات والمساجد وأمثال ذلك، فمضى المجلس كلّه حول هذه المباراة، من ربح؟ وكلّما جاء أحد سأل ما الأخبار؟ من سجّل هدفًا؟ من ربح؟ وجاء أحدهم وكان في السبعين من عمره فأضحكني كثيرًا حيث كان يقول: نعم يا عزيزي كنت حتّى هذه اللحظة أتابع عبر راديو السيّارة وكنت أتابع خطوة بخطوة ولم يسجّل أيّ هدف! وكنت أنا أنظر مصدومًا، لم أكن أنظر إلى هؤلاء بل كنت أنظر إلى الجدران والأبواب كيف احتضنت جماعة كهؤلاء… كنت أنظر إلى هذا الجدار أمّا هؤلاء فلمن أنظر منهم؟! وقد تأسّفت كثيرًا تلك الليلة، وعندها كان هناك أحد المعمّمين الذي كان عجيبًا جدًّا في كلامه، فعندما رآني هكذا بدأ بالقول: ماذا تقول أنت؟! إنّ مسألة كرة القدم الآن صارت مسألة عالميّة، والدنيا تبذل عليها المبالغ وكذا وكذا، وقد أسّسوا الآن في إيطاليا وزارة تدعى وزارة كرة القدم. ولا أدري ما إن كانوا حقًّا قد أسّسوا ذلك أم لا؟ فقلت: عجيب عجيب! كم نحن غافلون! نحن لسنا في هذه الدنيا أصلاً! أصلاً لا اطّلاع لدينا أنّ هناك وزارة باسم وزارة اللعب بالكرة إلى جانب وزارة الدفاع وإلى جانب وزارة العلوم وإلى جانب وزارة الصحّة، هناك وزارة الكرة، الكرة! الكرة! هناك وزارة الأمور الفارغة، وزارة السخرية وأمثال ذلك! فانظروا ماذا صنع الاستعمار، تعالوا وانظروا لتدركوا أنّه ليس مزاحًا حين يقال إنّهم خدعونا نحن المسلمين، خدعونا خدعة كبيرة جدًّا انغمسنا بها من أخمص أقدامنا إلى رؤوسنا. ثمّ بدأ هذا الرجل بذكر أسماء لاعبي إيرلندا والأرجنتين واحدًا واحدًا، وأسماء آبائهم وأمّهاتهم وأحفادهم والهرّة والكلب اللذين في بويتهم، بدأ بكلام جعلني أكاد تنبت لي قرون من عجبي! فلو أنّه بدلاً من كلّ هذه المعلومات حول هؤلاء قرأ كتبًا لصار أبقراط وأفلاطون، ولتفوّق عليهما.
فكم يجب أن تبلغ الحماقة! فانظروا كان هذا رجلاً معمّمًا لا أيّ إنسان، أفيجب أن يصرف الوقت في هذه الأمور؟! حقًّا هذا مبك وليس مضحكًا، عندما أُرسِلَتِ الرسائل إلى المرحوم الوالد أنّك ذهبت وسلّمت نفسك إلى هؤلاء الصوفيّة والدراويش، فاترك هذه الأمور وتعال واهتمّ بأمور أكثر أهميّة، فمن الذي أرسل هذه الرسائل؟ هم هؤلاء الذين كانوا يقولون هذا الكلام تلك الليلة فهل التفتّم؟! فقال في جوابهم في رسالة: اذهبوا والعبوا بالجوز. أو أنّه أرسل إليهم بحبّتي جوز ورسالة في ظرف ـ ويبدو أنّه فعل هذا ـ وقال لهم: فلتلهوا الآن بهذه حتّى نرى لاحقًا ماذا سيجري! أذكر أنّه أرسل الجوز أيضًا، فقد اشترى بضع حبّات من الجوز من الدكّان ووضعها في كيس وأرسلها، هكذا على ما أذكر، ولكن لا شكّ لديّ بالرسالة. فهؤلاء هم الذين كانوا هكذا.
ذلك الذي يترك مسجده، ويعطّل درسه في التفسير، ويقول للنّاس: اذهبوا اليوم باكرًا إلى المنازل لتشاهدوا ذاك المسلسل التمثيليّ وذلك الفيلم والممثّلين الأجانب واليابانيّين وأمثال ذلك… اذهبوا وشاهدوا ذلك فما هذا يا عزيزي؟! إنّه يد الاستعمار. ما هذا؟ إنّه إلهاء لأذهان الناس بالأمور الفارغة والخاوية والمزخرفة.
ما معنى زخرف القول؟
هل تعرفون ما معنى {زُخْرُفَ الْقَوْلِ}۱ يعني الكلام الفارغ والكلام اللغو. يأتي مجنون إلى هنا ويجلس ويبدأ بالكلام مع نفسه، فهذا ما يسمّى زخرف القول، يجلس هكذا دائمًا يتحدّث مع نفسه، المجنون مسكين فهو مجنون، يبدأ بالحديث مع نفسه ويتابع فما هذا؟ إنّه زخرف القول، الكلام المزخرف يعني الكلام الذي لا محتوى له، الكلام اللغو الذي لا فائدة منه.
وقد كنت في تلك الليلة أشكر الله أن لك الشكر يا إلهي لك الشكر يا إلهي لك الشكر يا إلهي، لولا أنّك أخذت بيدي وعرّفتني على هذه المدرسة لكنت واحدًا من هؤلاء، همّي أنّ فلانًا من هو أبوه ومن هي جدّته ومن هي عمّته وكم مترًا طوله؟ وكم كيلو وزنه؟ كم لديه من الشعر؟ وكم لديه وكم لديه…؟ في هذا الحدّ في التخيّلات والتوهّمات…
بماذا يجب أن تُملأ أوقات الفراغ؟
الأوقات التي يجب أن نحمل فيها كتابًا ونطالعه ونتعلّم منه المعارف ونسمع رواية عن الإمام الصادق، ونسمع حكاية مفيدة عن أولياء الله والأعاظم والتي تملأ كتب التراجم وكتب التاريخ والكتب المدوّنة في هذا الموضوع، فأنا لا أقول اقرؤوا كتب المرحوم الوالد فقط، كلاّ بل اذهبوا واقرؤوا كتبًا أخرى، طالعوا كتب حكايات الأعاظم وقصصهم، طالعوا كتب العرفاء والأولياء، طالعوا كتب هؤلاء الذين يؤدّي كلامهم إلى إشراق وإضاءة النوافذ وفتح الطرق، اذهبوا وطالعوا كتب هؤلاء، فربّما تنقدح شرارة لدى الإنسان عند قراءة قصّة فيغيّر طريقه ويغيّر طريقة تفكيره. يحدث هذا وكثيرًا ما يحدث، وإنّه مهمّ جدًّا جدًّا، وأقتصر على إخباركم أيّها الرفقاء والأصدقاء بأنّ هذه الرؤية وهذه البصيرة التي لديّ وهي موجودة عند لّ واحد في كلّ مرتبة، قد حصلت لي فيما يتعلّق بوضعي وبطريقي وبأموري بسبب قراءة حادثة واحدة وحكاية واحدة حول إنسان معيّن، فغيّرت طريقة تفكيري حول الأمور بشكل كامل، حادثة واحدة أحيانًا تؤثّر إلى هذا الحدّ.
يقول أمير المؤمنين عليّ عليه السلام إذا مللتم من القراءة والمطالعة والعبادة فالجؤوا إلى الحكايات المفيدة.۱ فالنفس تميل أكثر إلى تلقّي الحقائق الأخلاقيّة التي هي في قالب حادثة تاريخيّة، حادثة، حادثة تاريخيّة، لماذا أوصي الرفقاء كثيرًا إذا خطبوا على المنبر أن لا يجعلوا كلامهم جافًّا إلى هذه الدرجة، ولا يقتصروا على تكرار قراءة الروايات ثمّ ترجمتها وتفسيرها… كلاّ بل ليستفيدوا من كلمات الأعاظم ومن كلمات أولياء الله، وليكثروا من الحكايات والقصص التي في هذا المجال، لماذا كلّ ذلك؟ لأنّ النفس أكثر ميلاً إلى تلك الأمور المشهودة والخارجيّة والملموسة منها إلى الأمور العلميّة الظاهريّة وذات البعد الظاهريّ، فتلك الأمور تأتي وتتجسّد وتكون أوقع في النفس وتستقرّ فيها أكثر.
آثار الاهتمام بكرة القدم وأمثالها من أنواع الرياضة
فتلك الأعمال الرياضيّة المفيدة لا بدّ أن تكون، أمّا الأعمال الفارغة فلا قيمة لها ولا فائدة ولا تستوجب الفخر! ففي سنة معيّنة يتصدّر بلد ما المرتبة الأولى فليكن، فماذا حصل؟ كم زادت معلومات أبنائه؟ كم زادت قيمتهم؟! كم حصلت لديهم من الأمور المعنويّة في ربحهم هذا؟! وها نحن نرى ماذا هناك في البلدان! ماذا هناك؟ كيف هي الأحوال؟ هل أخلاق ذلك البلد تزداد بواسطة الربح في هذه الألعاب أم أنّ غروره هو الذي يتضاعف؟ هل تزداد ثقافته أم أنّه يبتلى بالأوهام أكثر فأكثر؟!
لقد كنت بنفسي في مكان ما في منزل أحد الأقارب في طهران وذلك السنة الماضية، وكان تلفازه مشغّلاً يعرض مباراة كرة قدم بين إيران وإحدى الدول ـ اللعب بالكرة! ـ فخسرت فيها إيران، فرأيت بنفسي أنّ المذيع يبكي مثل الثكلى، فقلت الويل لك، أنت تسمّى إنسانًا! بدأ بالبكاء آه آه آه، الويل لك، هل تسمّى أنت إنسانًا؟! أتعجّب لماذا يعرضون ذلك للنّاس؟ ما معنى ذلك؟ طوله ثلاثة أمتار! الآن خسرت فلتخسر، إلى هذه الدرجة يكون الإنسان عديم القيمة والثقافة والمتانة والوزن؟! الآن خسرت فهي لعبة أحدهم يربح والآخر يخسر ولا تحتاج إلى لطم على الرؤوس والبكاء كالثكلى وهذا النوع من الأعمال أن ماذا نصنع؟ فإلى هذه الدرجة نحن ضعفاء؟! أهكذا يجب أن نكون؟! هل يجب أن ينتهي بنا الأمر إلى هذا المستوى؟
الأهداف التي ينبغي أن تسعى إليها الأمة الإسلاميّة في إيران
علينا أن نلطم على رؤوسنا لأنّ أخلاقنا وثقافتنا وكلامنا ومستوانا العلميّ في المسائل المختلفة والفنون المختلفة بهذه الحال، هل هذا ما يتوقّع من الأمّة التي تعدّ نفيها قائدة وفي صدارة الثقافة والحضارة الإنسانيّة وتعدّ نفسها تابعة لمدرسة رسول الله وسنّته ومدرسة التشيّع، فهل وصلنا إلى هذا المستوى؟ لهذا علينا أن نضرب على رؤوسنا أن هل وصلنا إلى ذلك المستوى الذي تتوقّعه منّا الدنيا بعنوان أمّة أخلاقيّة وعلميّة صاحبة ثقافة ويمكن الاقتداء بها وجعلها قدوة واتّباعها على أساس الصدق وعلى أساس الحقّ وعلى أساس الدين وعلى أساس الشفافيّة وعلى أساس الوضوح مع الشعوب والمجتمعات الإسلاميّة وغير الإسلاميّة من المسيحيّة واليهوديّة وأمثالهما، فهل وصلنا إلى تلك النقطة أم لا؟ علينا أن نفكّر بهذه الأمور، الآن خسرنا لعبة فليكن ليس مهمًّا أصلاً، فهي من الأساس أمر خاطئ فكيف بالخسارة فيها أو الربح؟!
مكارم الأخلاق وتطبيق القانون في مدرسة النبيّ صلّى الله عليه وآله
لدينا كلّ هذه الآيات في القرآن حول مكارم الأخلاق، وقد روي عن رسول الله: بعثت لأتمّم مكارم الأخلاق.۱ حيث يقول النبيّ إنّي بعثت لأوصل معارف الأخلاق إلى أوجها، فما كان في الأمم السابقة هو أنا ومدرستي وطريقي ومنهجي، فانظروا إليّ وتعلّموا الحياة، انظروا إليّ وتعلّموا الأخلاق، انظروا إليّ وتعلّموا الصدق وكيف أمرت الجلاّد أن يقطع يد ابنة عمّي أمام عينيّ عندما سرقت، فتعلّموا هذا. تعلّموا من ابن عمّي عليّ بن أبي طالب الذي عندما جاء إليه أخوه عند اشتداد الفقر والفاقة والمصيبة وطلب منه زيادة أدنى منه حديدة محماة، فتعلّموا هذا. تعلّموا من ابنه الحسين بن عليّ عندما اقترض من بيت المال عسلاً زيادة على ما له عنّفه بشدّة وهدّده أن إذا رأيت منك ذلك مرّة أخرى لأعاقبنّك أشدّ العقاب. فتعلّموا هذا، تعالوا وتعلّموا منّي محبّة النوع والوحدة وكيفيّة التعامل مع الناس، تعالوا وتعلّموا أنّي عندما أكون جالسًا بين الناس أجلس بطريقة بحيث إذا دخل أحد من الخارج لم يميّز بيني وبين الجالسين معي، فتعالوا وتعلّموا هذا، لا أنّي أجلس وأجعل لنفسيّ كرسيًّا ومنبرًا في حين يجلس الآخرون على الأرض، كلاّ بل على الجميع أن يجلسوا متساوين، على الجميع أن يجلسوا بطريقة واحدة، على الجميع في المجلس أن يكونوا بنحو واحد.
كان المرحوم العلاّمة يقول: انظروا إلى هذا المجلس الآن هل الذين يجلسون مستندين على الجدار هم جميعهم من العلماء والفضلاء؟ كلاّ! فبينهم غير معمّمين وبينهم من غير العلماء كما أنّ بينهم من الفضلاء والأصدقاء، بل أكثر هؤلاء يجلسون في وسط المجلس، فانظروا بأنفسكم، كان المرحوم العلاّمة يقول: مجلسنا مجلس ليس فيه اختلاف بين الطبقات بحيث إنّه لا بدّ أن يجلس جماعة من الناس في جانب والآخرون في جانب. كلاّ، بل أينما كان هناك مجلس خال جاؤوا وجلسوا، وإن لم يكن هناك مجلس خال يذهبون جانبًا ويجلسون، وليس من الضروريّ أن يجلس عدد إلى جانب الجدار، وأن يملأ هذا الجانب جماعة معيّنة، فمن كان رئيسًا وإن كان لا يملك شيئًا من العلم ولكن بمجرّد أن صار رئيسًا فلا بدّ أن يجلس إلى جانب فاضل ومعمّم لأنّ لديه مسؤوليّة معيّنة، حسنًا فليذهب إلى الوسط وليجلس هناك ولا داعي لأن يجلس في مكان آخر، إن كنت رئيسًا في مكان ما فلتكن، جلست على كرسيّ فسيقولون لك بعد أربع سنوات اذهب من هنا واجلس في بيتك، فهذه ليست بشيء إذن. أليس كذلك؟! فلو أنّنا بدلاً من إطلاق الشعارات والصراع والضجيج قمنا بالالتزام بأعمال النبيّ هذه فنجلس كما كان النبيّ يجلس أليس ذلك أفضل؟ أيّهما أفضل؟ حقًّا! جرّبوا إن كان مجلسنا هكذا، إن كان لأجل الناس فلننظر ألا يمتدحون هذا أكثر أم لا؟ إن كان للنّاس. أمّا إن كان لله فهذا لا يحتاج إلى بيان فهذه أمور واضحة أنّها ترضي الله. فلو عملنا بهذه الأمور فإنّ الله يوفّق ويحقّق لنا مصالح أخرى.
فمن كان يأتي ويجلس في أيّ موضع يجده من المجلس فإنّه بلا شكّ يستفيد أكثر، ولكنّ من يأتي وينظر أوّلاً إلى هذه الجهة وإلى تلك ويعيّن مكانًا له بين الناس، وبين المشهورين، يا عزيزي الأمر واضح من البداية فلا داعي لأن تشارك فمجلس العزاء هذا لم يعد مجلس سيّد الشهداء، سيكون هذا مجلس استعراض، ويا له من استعراض!
ضرورة أن نقدّم مجتمعنا كقدوة لسائر المجتمعات
ولهذا كان المرحوم العلاّمة في الزمان السابق يقول مرارًا: إنّ ما نتوقّعه من الشعوب الأخرى من أن يلتفتوا إلينا ويحترمونا ويدافعوا عنّا ويساندونا ويعدّونا أمّة مثلى في قرارة أنفسهم وفي مخيّلتهم وأفكارهم ويقبلون بنا فهل قدّمنا من أنفسنا أنموذجًا كهذا لنتوقّع هذا التوقّع؟! فالناس لم يأكلوا التبن والعلف، الناس يدركون جيّدًا، أهل العالم يميّزون جيّدًا، يميّزون الصدق كما تميّزونه أنتم تمامًا، فهم أيضًا لديهم عقل ولديهم دماغ ويميّزون الكذب ويميّزون الباطل، خصوصًا مع كلّ هذه الوسائل التي يمتلكونها فيدهم العليا في ذلك، فمن حيث جمع المعلومات لديهم اليد العليا، ومن حيث التفوّق العلميّ لديهم اليد العليا، ومن حيث الفهم والشعور ففي النهاية الجميع لديهم مستوى معيّن من الفهم والشعور. وهنا تغدو المسؤوليّة ثقيلة جدًّا، تغدو المسؤوليّة ثقيلة جدًّا، فإذا ما عرفها الإنسان، فلا أعتقد أنّه يمكنه أن يجلس هادئًا ويتجاوز عنها بسهولة، فالأمر مهمّ جدًّا والمسألة مشكلة جدًّا. فلو أنّ إنسانًا كان في وظيفة معيّنة وارتكب مخالفة معيّنة في نقطة من نقاط الأرض، فإنّه يقال: هناك الكثير من الذين يرتكبون المخالفات فلتكن أنت واحدًا منهم أيضًا، فليس الأمر مهمًّا، المهمّ هو أنّ المخالفة ترتكب هنا، وهنا يختلف الأمر.