المؤلّفالهیئة العلمیة لموقع مدرسة الوحي
القسم التاريخ و الاجتماع
التوضيح
أهم محتويات المقالة:
- قراءة الإمام السجاد عليه السلام للقرآن ودعاء ختمه.
هو العليم
نبذة من سيرة الإمام السجّاد عليه السلام
بحث منتخب من «نور ملكوت القرآن»
إعداد: الهيئة العلمية في موقع مدرسة الوحي
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
و صلّى اللهُ على محمّد و آله الطَّاهرين
و لعنة الله على أعدائهم أجمعين من الآن إلى قيام يوم الدين
و لا حول و لا قوّة إلاّ باللهِ العليّ العظيم
جاء في «رياض السالكين» في طبعة سنة ۱٣٣٤: ص ٣۱، وفي طبعة جماعة المدرّسين: ج ۱، ص ٢۱۰ إلى ٢۱٢: هو زين العابدين وسيّد الزاهدين وقدوة المقتدين وإمام المؤمنين، أبو الحسن، وأبو محمّد عليّ بن الحسين بن عليّ بن أبي طالب عليهم السلام. أمّه شاه زنان ابنة يزد جرد بن شهريار بن كسرى. وقيل: كان اسمها شهر بانويه. وفيه يقول أبو الأسود الدؤليّ:
وإنَّ غُلاماً بَيْنَ كِسْرَى وهَاشِمٍ | *** | لأكْرَمُ مَنْ نِيطَتْ عَلَيْهِ التَّمائِمُ |
ولد بالمدينة سنة ثمان وثلاثين من الهجرة قبل وفاة جدّه أمير المؤمنين عليه السلام بسنتين، فبقي مع جدّه سنتين، ومع عمّه الحسن عليه السلام اثنتي عشرة سنة، ومع أبيه الحسين عليه السلام ثلاثاً وعشرين سنةً، وبعد أبيه أربعاً وثلاثين سنةً. وتوفّي بالمدينة سنة خمس وتسعين للهجرة، وله يومئذٍ سبع وخمسون سنة. ودُفن بالبقيع في القبر الذي فيه عمّه الحسن عليه السلام، في القبّة التي فيها العبّاس بن عبد المطّلب رضي الله عنه. وكان يقال له: ذو الثَّفِنَاتِ، جمع ثَفِنَة (بكسر الفاء). وهي من الإنسان الركبة ومجتمع الساق والفخذ، لأنّ طول السجود أثّر في ثفناته. قال الزهريّ: ما رأيتُ هاشميّاً أفضل من عليّ بن الحسين.۱ وعن أبي جعفر (الباقر) عليه السلام قال: كان عليّ بن الحسين عليه السلام يصلّي في اليوم والليلة ألف ركعة، وكانت الريح تُميله بمنزلة السنبلة.٢ وكان إذا توضّأ للصلاة يصفرّ لونه فيقول له أهله: ما هذا الذي يعتادك عند الوضوء؟ فيقول: تدرون بين يدي من اريد أن أقوم؟!٣
وقال ابن عائشة: سمعتُ أهل المدينة يقولون: ما فقدنا صدقة السرّ حتى مات عليّ بن الحسين عليهما السلام.٤ ولمـّا مات عليه السلام وجرّدوه للغسل جعلوا ينظرون إلى آثار في ظهره فقالوا: ما هذا؟ قيل: كان يحمل جربان الدقيق على ظهره ليلًا ويوصلها إلى فقراء المدينة سرّاً.٥ وكان يقول: إنَّ صَدَقَةَ السِّرِّ تُطْفِئُ غَضَبَ الرَّبِّ.٦ وعن عليّ بن إبراهيم، عن أبيه قال: حجّ عليّ بن الحسين عليه السلام ماشياً، فسار من المدينة إلى مكّة عشرين يوماً وليلة.۷ وعن زرارة بن أعين قال: سمع سائل في جوف الليل وهو يقول: أين الزاهدون في الدنيا، الراغبون في الآخرة؟ فهتف به هاتف من ناحية البقيع يسمع صوته ولا يرى شخصه: ذاك عليّ بن الحسين.۸ وعن طاووس: إنّي لفي الحجر ليلة، إذ دخل عليّ بن الحسين فقلت: رجل صالح من أهل بيت النبوّة لأسمعنّ دعاءه، فسمعته يقول: عُبَيْدُكَ بِفِنَائِكَ، مِسْكِينُكَ بِفِنَائِكَ، فَقِيرُكَ بِفِنَائِكَ. قال: فما دعوتُ بهنّ في كربٍ إلّا فرّج عنّي.٩
وحكى الزمخشريّ في «ربيع الأبرار» قال: لمـّا وجّه يزيد بن معاوية مسلم بن عقبة لاستباحة أهل المدينة، ضمّ عليّ بن الحسين إلى نفسه أربعمائة منافية بحشمهنَّ، يعولهنّ إلى أن تقوّض جيش مسلم، فقالت امرأةٌ منهنّ: مَا عِشْتُ واللهِ بَيْنَ أبَوَيّ بِمِثْلِ ذَلِكَ الشَّرِيفِ.۱ وكان عليه السلام كثير البرّ بأمّه، فقيل له: إنّك أبرّ الناس بأمّك، ولسنا نراك تأكل معها في صحفة؟ فقال: أخاف أن تسبق يدي إلى ما سبقت إليه عينها، فأكون قد عققتها.٢ وقيل له: كيف أصبحتَ؟ فقال: أصبحنا خائفين برسول الله، وأصبح جميع أهل الإسلام آمنين. ٣ و.٤
قراءة الإمام السجاد عليه السلام للقرآن ودعاء ختمه
أورد الكليني أيضاً بسنده المتّصل عن الإمام أبي الحسن موسى بن جعفر عليهالسلام، أنّ النوفليّ ذكر الصوت عنده، فقال عليهالسلام:
إن عليّ بْنَ الحُسَيْنِ كَانَ يَقْرَأ فَرُبَّمَا مَرَّ بِهِ المَارُّ فَصَعِقَ مِنْ حُسْنِ صَوْتِهِ. وإنَّ الإمَامَ لَوْ أظْهَرَ مِنْ ذَلِكَ شَيْئَاً لَمَا احْتَمَلَهُ النَّاسُ مِنْ حُسْنِهِ.
قُلْتُ: ولَمْ يَكُنْ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآلِهِ يُصَلِّى بِالنَّاسِ ويَرْفَعُ صَوْتَهُ بِالقُرآنِ؟
فَقَالَ: إنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآلِهِ كَانَ يُحَمِّلُ النَّاسَ مِنْ خَلْفِهِ مَا يُطِيقُونَ.٥
و روى الكلينيّ أيضاً بسنده المتّصل عن الإمام الصادق عليهالسلام، قَالَ: كَانَ عليّ بْنُ الحُسَيْنِ صَلَواتُ اللهِ عَلَيْهِ أحْسَنَ النَّاسِ صَوْتاً بِالقُرْآنِ وكَانَ السَّقَّاؤُونَ يَمُرُّونَ فَيَقِفُونَ بِبَابِهِ يَسْمَعُونَ قِرَاءَتَهُ؛ وكَانَ أبُوجَعْفَرٍ عَلَيْهِ السَّلَامُ أحْسَنَ النَّاسِ صَوْتاً.٦
لقد كانت تلاوة الإمام زين العابدين عليهالسلام للقرآن، وشرح حالاته، وحال الإغماء والتحيّر والفناء التي كانت تحصل عنده وقت تلاوته القرآن لأمرٌ عجيبٌ حقّاً؛ تُرى بأيّ نظر ورؤية كان يتلوه؟ وأيّة جهة من جهاته كان يواجه ويُقابل؟ من شاء الاطّلاع الكامل على ذلك فليقرأ وليتدبّر وليتأمّل دعاء الإمام عند ختم القرآن، الوارد في «الصحيفة السجّاديّة» ليدرك الأبعاد الواسعة والجهات الكثيرة التي كانت تستلفت نظره المقدّس من كلّ جانب عند قراءته القرآن۷
و نكتفي هنا بإيراد عدّة فقرات من هذا الدعاء الكريم المبارك ونُحيل القرّاء الكرام إلى متن الصحيفة المقدّسة ليستفيدوا من دعاء ختم القرآن ومن سائر أدعيتها اللطيفة آناء ليلهم وأطراف نهارهم:
اللَهُمَّ إنَّكَ أعَنْتَني على خَتْمِ كِتَابِكَ الذي أنْزَلْتَهُ نُورَاً؛ وجَعَلْتَهُ مُهَيْمِنَاً على كُلِّ كِتَابٍ أنْزَلْتَهُ؛ وفَضَّلْتَهُ على كُلِّ حَدِيثٍ قَصَصْتَهُ؛ وفُرْقَاناً فَرَقْتَ بِهِ بَيْنَ حَلَالِكَ وحَرَامِكَ؛ وقُرْآناً أعْرَبْتَ بِهِ عَنْ شَرَايعِ أحْكَامِكَ، وكِتَاباً فَصَّلْتَهُ لِعِبَادِكَ تَفْصِيلًا، ووَحْيَاً أنْزَلْتَهُ على نَبِيِّكَ مُحَمَّدٍ صَلَوَاتُكَ عَلَيْهِ وآلِهِ تَنْزِيلًا؛ وجَعَلْتَهُ نُورَاً نَهْتَدِي مِنْ ظُلَمِ الضَّلَالَةِ والجَهَالَةِ بِاتِّبَاعِهِ، وشِفَاءً لِمَنْ أنْصَتَ بِفَهْمِ التَّصْدِيقِ إلى اسْتِمَاعِهِ، ومِيزَانَ قِسْطٍ لَا يَحِيفُ عَنِ الحَقِّ لِسَانُهُ، ونُورَ هُدَى لَا يُطْفَا عَنِ الشَّاهِدِينَ بُرْهَانُهُ، وعَلَمَ نَجَاةٍ لَا يَضِلُّ مَنْ أمَّ قَصْدَ سُنَّتِهِ؛ ولَا تَنَالُ أيْدِي الهَلَكَاتِ مَنْ تَعَلَّقَ بِعُرْوَةِ عِصْمَتِهِ.
اللَهُمَّ فَإذَا أفَدْتَنَا المَعُونَةَ على تِلَاوَتِهِ؛ وسَهَّلْتَ جَواسِيَ ألْسِنَتِنَا بِحُسْنِ عِبَارَتِهِ فَاجْعَلْنَا مِمَّنْ يَرْعَاهُ حَقَّ رِعَايَتِهِ، ويَدِينُ لَكَ بِاعْتِقَادِ التَّسْلِيمِ لِمُحْكَمَ آيَاتِهِ؛ ويَفْزَعُ إلى الإقْرَارِ بِمُتَشَابِهِهِ ومُوضِحَاتِ بَيِّنَاتِهِ.
حتّى يقول:
اللَهُمَّ وكَمَا نَصَبْتَ بِهِ مُحَمَّداً عَلَماً لِلدَّلَالَةِ عَلَيْكَ، وأنْهَجْتَ بِآلِهِ سُبُلَ الرِّضَا إلَيْكَ فَصَلِّ على مُحَمَّدٍ وآلِ مُحَمَّدٍ، واجْعَلِ القُرْآنَ وَسِيلَةً لَنَا إلى أشْرَفِ مَنَازِلِ الكَرَامَةِ؛ وسُلَّماً نَعْرُجُ فِيهِ إلى مَحَلِّ السَّلَامَةِ؛ وسَبَباً نُجْزَي بِهِ النَّجَاةَ في عَرَصَةِ القِيَامَةِ، وذَرِيعَةً نَقْدُمُ بِهَا على نَعِيمِ دَارِ المُقَامَةِ!
ثمّ يصل إلى القول:
اللَهُمَّ صَلِّ على مُحَمَّدٍ وآلِهِ، وأدِمْ بِالقُرْآنِ صَلَاحَ ظَاهِرِنَا، واحْجُبْ بِهِ خَطَراتِ الوَساوِسِ عَنْ صِحَّةِ ضَمَائِرِنَا، واغْسِلِ بِهِ دَرَنَ قُلُوبِنَا وعَلَائِقَ أوْزَارِنَا، واجْمَعْ بِهِ مُنْتَشَرَ امُورِنَا، وأرْوِ بِهِ في مَوْقِفِ العَرْضِ عَلَيْكَ ظَمَأ هَوَاجِرِنَا، واكْسُنَا بِهِ حُلَلَ الإيمَانِ يَوْمَ الفَزَعِ الأكْبَرِ في نُشُورِنَا.۱
نعم، لقد كانت آيات القرآن تستقرّ في أعماق نفس الإمام السجّاد عليهالسلام فتسوق فكره وذِكره وعنايته من عالم الدنيا والغرور مباشرةً إلى عالم التوحيد والعرفان والبقاء. ولقد كان القرآن هو الذي ينزّه ويطهِّر الأئمّة وأولياء الله ويوصلهم إثر المجاهدة وصقل النفس إلى أعلى المدارج المتصوّرة... .
[ملاحظة: هذا البحث مستخرج من كتاب نور ملكوت القرآن، ج٣، ص ٢۱٢، تأليف المرحوم العلاّمة آية اللـه الحاج السيّد محمّد الحسين الحسينيّ الطهرانيّ رضوان اللـه عليه، وقد تمّ توثيقه ومقارنته مع المصدر الفارسي من قبل الهيئة العلميّة في لجنة الترجمة والتحقيق، و تجدر الإشارة إلى أنّ العبارات و الهوامش التي وقعت بين معقوفتين هي من الهيئة العلميّة]