العلامة آية الله السيد محمد حسين الطباطبائي قدس سره

۱٤٤٤/۱۲/۲۸
۲,۲۵۷
العلامة آية الله السيد محمد حسين الطباطبائي قدس سره
۱٤٤٤/۱۲/۲۸
2,257
نبذة مختصرة حول العارف الكامل و السالك الواصل، الحكيم والمفسر الكبير سماحة العلامة آية الله الحاج السيد محمد حسين الطباطبائي قدس سره، صاحب تفسير الميزان، وفقيد العلم والعرفان والتزكية والأخلاق، مربّي طلّاب أنوار المعرفة، الأستاذ الّذي لا بديل له، العلّامة بلا نظير (أفاض الله علينا من بركات تربته الشريفة).

ولادة العلامة الطباطبائي و وفاته

الولادة: ولد العلامة الطباطبائي في ۲٩ ذي الحجة ۱۳۲۱ هـ ق، في مدينة شاد آباد، في محافظة تبريز في إيران.

وفاته: توفي العلامة الطباطبائي في يوم ۱۸ من شهر محرم الحرام ۱٤۰۲ هـ ق، في مدينة قم المقدسة، و دفن إلى جوار السيدة فاطمة المعصومة عليها السلام.


أستاذ العلامة الطباطبائي في السير و السلوك و العرفان

لقد تتلمذ العلامة الطباطبائي المعارف الإلهيّة و الأخلاق و فقه الحديث عند آية الحق والعارف الذي لا بديل له : سماحة آية الله الحاجّ السيّد علي القاضي الطباطبائي قدس سره، و قد تربّى على يدي هذا الاستاذ الكامل في السير و السلوك و المجاهدات النفسانيّة و الرياضات الشرعيّة.

وكان العلامة الطباطبائي يقول عن أستاذه السيد علي القاضي:

إنَّ كلّ ما عندنا هو من المرحوم القاضي.

كما يقول العلامة الطهراني (وهو التلميذ الأبرز للعلامةالطباطبائي) :

لقد كان استاذنا [العلامة الطباطبائي] يحمل في قلبه عشقاً شديداً لُاستاذه، و حقّاً كان يرى نفسه صغيراً أمامه؛ و يلمس في سيماء المرحوم القاضي عالماً من العظمة و البهاء و أسرار التوحيد و الملكات و المقامات.
في أحد الأيّام قدّمت له عطراً، فحمله بيده، و قال بعد تأمّل: لقد رحل استاذنا المرحوم القاضي منذ سنتين؛ و منذ ذلك الحين لم أتطيّب حتّى الآن. و إلى الفترة الأخيرة أيضاً كنت كلّما قدّمت له عطراً؛ كان يفلقه و يضعه في جيبه. و لم أره قد تعطّر، رغم انقضاء أكثر من ۳٦ سنة على وفاة استاذه.
و المدهش تساوي عمر العلّامة مع استاذه القاضي؛ فقد عاش كلّ منهما ۸۱ سنة.


جامعية العلامة الطباطبائي

لقد كان العلامة الطباطبائي تجسيدا للحياء، مثله مثل معصوم من المعصومين! كان كتلة من الحياء! إذا اراد الإنسان أن يعرف الأئمّة، و أن يفهم كيف كان مقام الإمام، فعليه أن ينظر إليه فهو آية!

نعم؛ لقد كان آية عظيمة! ليس فقط من ناحية الجامعيّة و الشموليّة بالنسبة لسائر العلوم و إحاطته بالمعقول و المنقول، بل من ناحية التوحيد و المعارف الإلهيّة و الواردات القلبيّة و المكاشفات التوحيديّة و المشاهدات الإلهيّة القدسيّة و مقام التمكين و استقرار الجلوات الذاتيّة في جميع عوالم النفس و زواياها.


أخلاق العلامة الطباطبائي و تواضعه

كان العلامة الطباطبائي عالما من العظمة؛ و رغم الأمواج المتلاطمة لبحر الأسرار الإليّهة في قلبه الزاهر، فقد كان دائم البشاشة، شعاره الصمت، والنبرة الهادئة، و يستغرق دائما في التفكير، و تعلو شفتيه ابتسامة لطيفة.

و كان يخيّل لمن جالسه و شاهد صمته المطبق و سكوته المطلق أنّ هذا الإنسان لا يملك شيئا في مستودع فكره! بيد أنّه في الحقيقة كان مستغرقا في الأنوار الإليّهة و المشاهدات الغيبيّة الملكوتيّة بحيث لم يكن ليجد مجالا للنّزول عنها.


المنهج العلمي للعلامة الطباطبائي

كان العلامة الطباطبائي مفكّرا عميقا؛ لم يكن ليمرّ على المطالب العلميّة بسهولة؛ فإذا لم يصل إلى عمق المطلب ويكشف جميع جوانبه لم يكن يرفع يده عنه أبدا.

وفي العديد من المرّات عندما كان يُسأل سؤالا بسيطا في مسألة فلسفيّة أو تفسيريّة أو روائيّة بحيث يمكن الإجابة عنها بعدّة كلمات مباشرة وينهي الموضوع؛ لكنّه كان يسكت و يتأمّل مليّا ثم يبدأ بتقديم الاحتمالات و عرض جوانب القضيّة و ما قيل، فيكون ذلك عبارة عن درس تعليميّ.


المسلك العرفاني للعلّامة الطباطبائي 

المسلك العرفاني للعلّامة الطباطبائي كان مسلك أستاذه الأوحد المرحوم آية الحق و سيّد العارفين الحاجّ ميرزا عليّ القاضي رضوان الله عليه، وهو مسلك معرفة النفس، الذي يتلازم مع معرفة الربّ عزّ وجلّ.


تفسير الميزان والمنهج التفسيري للعلامة الطباطبائي  

امّا المنهج التفسيريّ عند العلّامة الطباطبائيّ قدّس سرّه، فقد كان طبقا للأسلوب التفسيريّ لأستاذه في العرفان و العلوم الباطنيّة الإلهيّة: المرحوم آية الله الحاجّ الميرزا علي القاضي، و هو تفسير الآيات بالآيات، وذلك طبقاً للروايات الموجودة عندنا و التي تقول: إنَّ القُرْآنَ يُفَسِّرُ بَعْضُهُ بَعْضَاً. وقد تجلى ذلك بأبهى صورة في تفسيره القيّم: الميزان في تفسير القرآن. ويبين تفسير الميزان العديد من المسائل الدقيقة و الحسّاسة، و يقف مقابل مغالطات المعاندين، و يتميّز بالجامعيّة.

العلامة الطباطبائي وهو يكتب


يقول العلامة الطهراني في كتاب الشمس الساطعة عن تفسير الميزان:

في هذا التفسير، جمع بين المعاني الظاهريّة و الباطنيّة للقرآن، و بين العقل و النقل، و أعطى كلّ شيء حظّه.
إن هذا التفسير من الروعة و الجمال و البهاء بقدر يمكن معه تعريفه للعالم كسند لعقائد الإسلام و الشيعة، و يمكن إرساله إلى جميع المدارس و المذاهب؛ و دعوتهم على أساسه إلى دين الإسلام و مذهب التشيّع. كما أنّه قد قام بنفسه بإنجاز هذا الأمر الهامّ، و انتشر «الميزان» في العالم و وصل إلى قلب فرنسا و أمريكا، و أرسلت الأعداد الكثيرة منه إلى البلاد الإسلاميّة، و اجريت التحقيقات حوله، و أدّى إلى فخر الشيعة و مباهاتهم و رفعتهم في المحافل العلميّة....

و حقّاً يمكن القول: إنَّه لم يؤلّف تفسير مثله منذ صدر الإسلام حتّى اليوم.


القريحة الشعريّة للعلامة الطباطبائي

كان للعلّامة الطباطبائي روحا لطيفة، وذوقا رفيعا، و رقّة خاصة و قريحة شعريّة و كان ينشى الغزليات العرفانيّة الجيّاشة المليئة بالوجد و العشق و الشّوق.


عشق العلامة الطباطبائي لأهل البيت عليهم السلام

كان العلامة الطباطبائي محبّا و عاشقا متيّما بالأئمة الأطهار صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين، و عندما يذكر اسم احدهم، كانت تعلو محياه حالة التواضع و الأدب، و كان يعظّم إمام العصر أرواحنا فداه بشكل خاصّ، و يؤمن بأنّ مقامهم و منزلتهم مع رسول الله و الصديقة الكبرى لا يمكن تصوّرها. و كان يعيش حالة من الخضوع و الخشوع الحقيقيّين و التعلّق الوجدانيّ بهم، يرى منزلتهم و مقامهم ملكوتيّا. و كان يقول:

 إنّ التشيّع الحقيقي هو الاتّباع لسنّة رسول الله المتجلّية في الولاية.


الميزة الأساسيّة للعلامة الطباطبائي

أمّا الفرق الواضح الذي كان يميّز العلّامة الطباطبائيّ عن الآخرين هو أنّ أخلاقيّاته كانت تاشئة من رشحات الباطن، و بصيرة الضمير، و حلول حقيقة السير و السلوك في باطن القلب و الذهن، و تمايز عالم الحقيقة و الواقعيّة عن عالم المجاز و الاعتبار، و الوصول إلى حقائق عوالم الملكوت.

أمّا مسلك غيره في الأخلاق فقد كان ناشئا من تصحيح الظاهر، و رعاية الأمور الشرعيّة و المراقبات البدنيّة لعلّهم يفتحون بذلك نافذة على الباطن، و يجدون طريقا إلى جوار الحضرة الأحديّة.


كتاب الشمس الساطعة 

إن أفضل كتاب يمكن مطالعته للتعرف على شخصية العلامة الطباطبائي هو كتاب الشمس الساطعة : رسالة في ذكرى العالم الرباني العلامة السيد محمد حسين الطباطبائي التبريزي‏، الذي ألفه العلامة الطهراني قدس سره في ذكرى أستاذه العظيم. وهو يتألف من قسمين: 

القسم الأول: رسالة في ذكري العالم الرباني العلامة السيّد محمد حسين الطباطبائي التبريزي

وقد تطرق فيه لبيان تاريخ حياة العلامة الطباطبائي قدس سره ونسبه وأسلوبه العلمي والفلسفي والعرفاني والتفسيري ولبيان أحوال ثلة من الأجلاء من أساتذته، كما بين فيه مميزات تفسير الميزان و خصوصياته. ومن الجدير بالذكر أن أغلب ما أوردناه في هذه المقالة المختصرة مستفاد من هذا القسم من الكتاب.

القسم الثاني: محاورات التلميذ و العلامة

في حين يتطرق في القسم الثاني إلى ذكر بعض محاوراته مع العلامة الطباطبائي التي تشمل أبحاثاً قرآنية وفلسفية وعرفانية وأخلاقية وعلمية وتأريخية.