7

الزواج والمهر

6753
مشاهدة المتن

المؤلّفالعلامة آیة الله السيد محمد الحسين الحسيني الطهراني

القسممحاضرات العلامة الطهراني

المجموعةأبحاث فقهية

جلسات المجموعة(7 جلسة)

التوضيح

كيف تُقرأ خطبة العقد في الزواج؟ متى وكيف ظهر مهر السنّة؟ ما هي أهمّ الإشكالات على مسألة التقيّد بمهر السنّة؟ وكيف نجيب عنها؟ ما هي الفوائد المترتّبة على الالتزام بمهر السنّة؟ وأيّ أضرار يستتبعها الصداق الباهظ؟ كيف يُمكننا إجراء صيغة عقد الزواج؟ هي أسئلة في ضمن أسئلة أخرى سعى سماحة آية الله العلاّمة السيّد محمّد الحسين الحسينيّ الطهرانيّ قدّس الله تعالى نفسه الزكيّة للإجابة عنها في هذا المجلس المعقود للحديث عن الزواج والمهر، والذي جرى تفريغه، وطباعته، مع إضافة تعليقات مهمّة من قبل سماحة الحاجّ السيّد محمّد محسن الحسينيّ الطهرانيّ رضوان الله تعالى عليه.

/٦
بي دي اف بي دي اف الجوال الوورد

الزواج والمهر

1
  •  

  • هو العليم 

  •  

  • الزواج والمهر

  • أبحاث فقهيّة ـ المجلس السابع

  •  

  • محاضرات ألقاها

  • سماحة العلّامة آية الله الحاجّ السيّد محمّد الحسين الحسينيّ الطهرانيّ

  • قدس الله سره

  •  

الزواج والمهر

2
  •  

  •  

  • أعوذ بالله مِنَ الشيطان الرجيم

  • بسم الله الرحمن الرحيم

  • وصلّى اللهُ على محمّدٍ وآلِهِ الطاهِرينَ

  • ولَعنَةُ اللهِ على أعدائِهم أجمَعين

  •  

  •  

  • خطبة العقد

  • افتتاحًا بذكره،‌ واعتصامًا برحمته، والحمد للّه ربِّ العالمين إقرارًا بربوبيّته وغايةً لدعوى أوليائه؛ قال عزّ مِن قائل: ﴿وَآخِرُ دَعْواهُمْ أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ﴾،۱ أداءً لصِلَةِ سلامه عليهم بقوله جلّ وعزّ: ﴿سَلامٌ قَوْلًا مِنْ رَبٍّ رَحِيمٍ﴾،٢ حمدًا أزليًّا أبديًّا سرمديّا، لا منتهى لأمده، ولا غايةَ لحُججه، بارئِ النسمات، داحي المدحوّات، خالقِ الأرضين والسماواتِ، والخالقِ مِن الماءِ بشرًا وجاعِله نسبًا وصهرًا، والجاعلِ لنا من أنفسنا أزواجًا لنسكن إليها، وجعل بيننا مودّةً ورحمةً؛ قال سبحانه وتعالى شأنه: ﴿وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ مِنَ الْماءِ بَشَرًا فَجَعَلَهُ نَسَبًا وصِهْرًا وكانَ رَبُّكَ قَدِيرًا﴾،٣ وقال: ﴿وَمِنْ آياتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْواجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْها وجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً ورَحْمَةً إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ﴾.٤

  • والصّلاةُ والسّلام على خَيرِ من أُوتي جوامعَ الكلمِ وحُسنَ الخطاب المـُستَنّ بالسّنن الإلهيّة، حفظًا لنظام العباد ولفوزهم في المعاد؛ القائلِ بقوله الحقّ وكلامِه الصّدق: «النِّكاحُ سُنَّتِي؛ فَمَنْ رَغِبَ عَنْ سُنَّتِي فَلَيْسَ مِنِّي»٥ السّيدِ الأعظم والنّبيّ الأكرمِ، أشرفِ السّفراءِ المكرّمين، وأفضلِ الأنبياءِ والمرسلين، الرسولِ النّبيّ المكّيّ المدنيّ الأبطحيّ التّهاميّ القُرَشيّ، صاحبِ لواءِ الحمد والمقامِ المحمود، أبي ‌القاسم محمّدٍ الحميدِ المحمودِ، وعلى آله أُمناءِ المعبودِ، سيّما ابنِ عمِّهِ وأخِيهِ وصِهرِهِ ووَزِيرِه وخليفته في أُمَّتِهِ ووليّ كلِّ مؤمنٍ ومؤمنةٍ من بعده، عليّ بن أبي ‌طالب، أميرِ المؤمنين وإمامِ الموحّدين ويعسُوبِ المسلمين وسيّدِ الوصيّين وقائدِ الغُرِّ المحجّلين، وعلى الأحدَ عشرَ مِن وُلدِهِ الأئمّةِ الهُداة المعصومين، لا سيّما بقيّةِ الله تعالى في الأرضين، صاحب العصر والزّمان، الحجّة بن الحسن العسكريّ عجّل الله تعالى فرجه، وجعلنا من مواليه وشيعته وناصريه والذابّين عنه.

  • وبعد، اتّباعًا لكتاب الله تعالى وقرآنه الكريم، واقتداءً بالسنّة النبويّة السنيّة، وبسيرة الأئمّة الطاهرين صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين، وفي هذه الأوقات البهيّة والآنات المباركة المصادفة للمولد السعيد لمولاتنا الصدّيقة الكبرى فاطمة الزهراء عليها وعلى أبيها وبعلها وبنيها آلافُ التحيّة والإكرام والصلاة والسلام، في سنة ألف وأربعمائة وعشرة من هجرة والدها الأمجد حضرة محمّد بن عبد الله عليه وعلى آله صلوات الله المـَلك العلاّم إلى يثرب، ومع تمنّياتنا باليُمن، والبركة، وحسن العاقبة، والعافية في الدارين، والحياة المقرونة بالسعادة والتوفيق والسرور وراحة البال وهدوء النفس وسكينة القلب، والتمتّع بكافّة المواهب الإلهيّة الدنيويّة والأخرويّة، والجسميّة والروحيّة، والظاهريّة والباطنيّة، والاستمداد من الفيوضات الربّانية والنفحات القُدسيّة، والتنعّم بالولد الصالح والخلف المرضيّ، والرقيّ إلى أعلى درجة من درجات الإنسانيّة، وبلوغ أقصى مرتبة من مراتب الكمال، وطيّ مدارج الاستعداد ومعارجه، والوصول إلى أعلى ذروة من الفعليّة، والفوز بعرفان الحقّ تعالى وتوحيده، وتحت الرعاية الخاصّة والألطاف التامّة لحضرة بقيّة الله تعالى أرواحُنا له الفداء، سيتمّ عقد الزواج والقِران الدائم بين المخدّرة المكرّمة المعظّمة، والعليّة العالية، الابنة المرضيّة لصاحب الفضيلة صَديقنا المـُكرَّم، سُلالَة العِزِّ والعُلى، منبع الصِّدقِ والدِّرايةِ والتُّقى، دَوحَة النَّبالةِ والشِّيَمِ المرضيّة، مَدار الشَّريعَة، عَلَم الإسلام وحُجّتُه، آية الله المُعَظَّم الحاج ...، والشابّ المحترم، المتحلّي بِحِليةِ الشّباب، سيّد الفُضلاء العِظام، فَخرُ الطّائفَةِ الفِخام، الحاجّ ... على الصداق المعلوم والمهر المعيّن: مصحف من القرآن الكريم، ومهر السنّة؛ وهو عبارة عن خمسمائة درهم شرعيّ، ويُساوي ثلاثمائة وخمسين مثقالًا شرعيًّا، أو مائتين واثنتي وستّين ونصف مثقال صيرفيّ من الفضّة المسكوكة؛ وهو المهر المـُعادل للثمن الذي بيع به درعُ مولانا أمير المؤمنين عليه السلام، وبنى عليه الرسولُ الأكرم صلّى الله عليه وآله وسلّم عقدَ زواج بضعته شفيعة يوم الجزاء، وسيّدة النساء، فاطمة الزهراء سلام الله عليها؛٦ فسنّ المهر لنساء أمّته وفقًا لهذا المنهج القويم.۷

    1. سورة يونس، الآية ۱۰.
    2. سورة يس، الآية ٥۸.
    3. سورة الفرقان، الآية ٥٤.
    4. سورة الرّوم، الآية ٢۱.
    5. بحار الأنوار، ج ۱۰۰، ص ٢٢۰.
    6. مناقب آل أبي طالب عليهم السلام، ج ٣، ص ٣٤٥.
    7. المحاسن، ج ٢، ص ٣۱٣.

الزواج والمهر

3
  • ندعو الله تعالى عظُمت آلاؤُه وعَلَت نعماؤُه أن يُبارك هذا الزواج البهيج، ويتفضّل باليُمن على هذا القِران السعيد؛ وأن يجعله تعالى مصحوبًا بالخير والعافية والرحمة الوافرة والبركة الجزيلة تحت الرعاية الخاصّة والعناية الكاملة والتامّة لمقام الولاية الإلهيّة المطلقة والكلّية؛ وأن يقرنه بالسعادة في ظلّ دعاء الأفاضل والسادة الحضور من العائلتين المحترمتين بالخير والبركة؛ وأن يجعل دعائمه قائمة على أساس الأنس والألفة والمحبّة؛ ويقرن هذه المحبّة والمودّة الجزئيّة بمحبّته ومودّته الكلّية.

  • اللهمّ آلِف بَينَهما بِأَحسَنِ ائتِلافٍ، وآنِس بَينَهما بأفضلِ استئناس، وامْلَأ قُلوبَهُما مِن عِلمك ويقينِك ورَحمَتِك وفائضِ وُدِّك، وأيّدهُما في طَيِّ مَدارِجِ العِلمِ واليَقينِ، وسَدِّدهما على صعود مَعارِجِ المَعرِفَة والذروَةِ العُلیٰا مِنَ العِرفانِ والتَّسليمِ والتَّفويضِ، وطَوِّل عُمرَهما، وطيِّب نسلَهما، وارزُقهُما أولادًا صالحين مِن عِبادِك المُخلَصينَ وأوليائك المُقرَّبين، وصلَّى الله على محمّدٍ وآله أجمعينَ، يا أرحمَ الرّاحمينَ ورَبَّ العالمينَ.

  • نبذة تاريخيّة عن مهر السنّة

  • هذا المهر يُعادل مهر الصدّيقة الكبرى فاطمة الزهراء، حيث كان قد خطبها عليها السلام كبارُ قريش، وكان بعضهم من الأغنياء الذين أمهروها مائة جمل، ومائتي جمل، وكانوا مستعدّين لدفع هذا الصداق من أجل الزواج بها؛ ولهذا، حينما خطبها عليها السلام عُمر، فردّه الرسول، وخطبها أبو بكر، فردّه أيضًا، قالوا: «يا عليّ، اخطبها أنت الآن!»، فقال أمير المؤمنين عليه السلام: «وعندي شيء أتزوج به‌؟!»،۱ فقالوا له: وما المشكلة في ذلك؟ اخطبها الآن!

  • ففي ذلك الوقت الذي تقدّم أمير المؤمنين للخطبة، كان سنّه يبلغ الرابعة والعشرين على ما يبدو، حيث حدث ذلك ـ بحسب الظاهر ـ بعد مرور سنة واحدة على الهجرة؛ ومن المعلوم أنّ هجرة الرسول الأكرم إلى المدينة وقعت حينما كان أمير المؤمنين يبلغ الثالثة والعشرين من العمر.

  • وعندما تقدّم عليه السلام لخطبتها، جاء النبيّ عند السيّدة الزهراء، وسألها قائلًا: «إِنَّ عَلِيًّا قَدْ ذَكَرَ مِنْ أَمْرِكِ شَيْئًا (أي: قد خطبك) فَمَا تَرَيْنَ (أي: هل تقبلين وتأذنين)؟»، فَسَكَتَتْ ولَمْ تُوَلِّ وَجْهَهَا؛ فَقَامَ صلّى الله عليه وآله وسلّم (بحالة من الشعف والسرور) وهُوَ يَقُولُ: «[اللَّهُ أَكْبَرُ] سُكُوتُهَا إِقْرَارُهَا (رضاها)».٢ ولا يخفى أنّ سكوت البنات والعُذارى في هذه الظروف التي يخضعن فيها للحجاب والعفّة علامة على رضاهنّ وإذنهنّ، وإلاّ، فلا.

    1.  ابن إسحاق، محمد، سيرة ابن اسحاق، ص ٢٤٦. (المعرّب)
    2. وسائل الشيعة، ج ٢۰، ص ٢۷٥. (المعرّب)

الزواج والمهر

4
  • ولهذا، عُقد العزم على تزويجها عليها السلام بأمير المؤمنين عليه السلام، فجاء رسول الله عند أمير المؤمنين، وقال له: «يا أبا الحسن، فهل معك شيء أزوّجك به؟»، فقال له عليّ عليه السلام: «أملك سيفي ودرعي [وناضحي، وما أملك شيئًا غير هذا]»، فقال له رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم: «يا عليّ، أمّا سيفك، فلا غنى بك عنه تجاهد به في سبيل اللّه، وتقاتل به أعداء اللّه، [وناضحك تنضح به على نخلك وأهلك وتحمل عليه رحلك في سفرك]، لكنّي قد زوّجتك بالدرع ورضيت بها منك (إذ لا حاجة لك بها؛ لأنّك شجاع ومغوار)».۱

  • فجاء بالدرع، فأعطاها الرسول إلى سلمان الذي ذهب بها إلى السوق، وباعها بخمسمائة درهم، فاشترى بها رسول الله أثاث الزواج وجهاز السيّدة الزهراء؛٢ فهذه نبذة تاريخيّة عن الصداق ومهر السنّة.

  • إشكالات على التقيّد بمهر السنّة والجواب عنها

  • وإذا كان هناك من يقول: «يا سيّدي، لقد كانت تُعدّ خمسمائة درهم في ذلك الزمان مالًا ذا قيمة، وأمّا الآن، فلا قيمة لها و...»، فإنّ كلامه هذا هراء بأجمعه! فخمسمائة درهم لم تكن لها قيمة في ذلك العصر؛ لأنّها كانت ثمن درع واحد؛ في حين أنّنا أشرنا سابقًا إلى أنّ كبار قريش وأشرافها كانوا يُمهرون النساء بمائة ومائتي جمل، حيث إنّ مائة جمل تُعادل ديةَ إنسانٍ كاملةً؛ هذا، مع أنّه إذا أردنا أن نُسدّد في هذه الأيّام دية كاملة، فعلينا أن ندفع عشرة ملايين تومان. ولقد أصبحت هذه المسألة سنّة؛ أي أنّ رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم جعلها سنّة لنساء أمّته، بحيث يتعيّن على كلّ من أرادت الانضواء تحت هذه السنّة أن تجعل مهرها موضوعًا على هذا الأساس.٣ و ٤

  • فوائد الالتزام بمهر السنّة والأضرار المترتّبة على الصداق الباهظ

  • نُبارك لوالد العروس، وللعريس ووالده أيضًا على أنّهم اختاروا السير على أساس هذا المنهج والطريق، وأنّهم في هذه الأزمنة المليئة بالفساد والفوضى، والتي تتدفّق فيها الفتن من كلّ جانب حذِرون من أن يخسروا أنفسهم، وينخدعوا بمتاع الدنيا وزينتها وعرضها وريائها، ويبيعوا كرامتهم وشرفهم بهذه الأثمنة البخسة، ويكونوا ـ حقًّا ـ كالشحّاذين أو الحيوانات التي يسوقونها بالعصا إلى سوق المزادات، حيث شاركت بنفسي في بعض مجالس تعيين الصداق، وشاهدتهم كيف يُزايدون على البنات، فينجرّ ذلك إلى الخصام والشجار، ورأيت الأمور التي تقع هناك! وبحقّ، هل هذا هو الذي يُمثّل شرف الإنسان،٥ أم أنّ هذا الشرف يتمثّل في اتّباع رسول الله؟ 

    1. كشف الغمّة في معرفة الأئمّة، ج ۱، ص ٣٤٦. (المعرّب)
    2. راجع: الأمالي، الشيخ الطوسيّ، ص ٣٩ ـ ٤۱.
    3. المحاسن، ج ٢، ص ٣۱٣.
    4. مطلع أنوار (فارسي)، ج ۷، ص ٢٩٦، الهامش:
      «إنّ الكلام الذي ذكره المرحوم الوالد رضوان الله عليه في النصّ تامّ ومبرّر بشكل كامل؛ فعمومًا، ومثلما يظهر من نفس عبارة "مهر السنّة"؛ أي المهر الذي جُعل كسنّة ومنهج في الشريعة، فإنّ هذا المهر قد عيّنه رسول الله بذاته لابنته المكرّمة الصدّيقة الكبرى، كما أُمر صلّى الله عليه وآله وسلّم من قبل جبرائيل أن يجعله مهرًا لنساء أمّته.
      وتوجد لدينا في هذا المجال العديدُ من الروايات الصادرة عن السادة المعصومين عليهم السلام، حيث وردت في كتاب المحاسن للبرقيّ، ج ٢، ص ٣۱٣ رواية صحيحة السند بهذا المضمون عن الإمام موسى بن جعفر عليهما السلام جاء فيها:
      ”عَن مُحمّدِ بنِ أسلَمَ عنِ الحُسينِ بنِ خالِدٍ، قالَ: سَألتُ أبا الحَسَنِ عليه السّلام عَن مَهرِ السُّنَّةِ کَيفَ صارَ خَمسَمائَةِ دِرهَمٍ؟ فَقَالَ: إِنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وتَعَالَى أَوْجَبَ عَلَى نَفْسِهِ أَلَّا يُكَبِّرَهُ مُؤْمِنٌ مِائَةَ تَكْبِيرَةٍ، ويُسَبِّحَهُ مِائَةَ تَسْبِيحَةٍ، ويُحَمِّدَهُ مِائَةَ تَحْمِيدَةٍ، ويُهَلِّلَهُ مِائَةَ تَهْلِيلَةٍ، ويُصَلِّيَ عَلَى مُحَمَّدٍ وآلِهِ مِائَةَ مَرَّةٍ، ثُمَّ يَقُولَ: «اللَّهُمَّ زَوِّجْنِي مِنَ الْحُورِ الْعِينِ»، إِلَّا زَوَّجَهُ اللَّهُ حَوْرَاءَ عَيْنٍ، وجَعَلَ ذَلِكَ مَهْرَهَا؛ ثُمَّ أَوْحَى اللَّهُ عَزَّ وجَلَّ إِلَى نَبِيِّهِ صلّى الله عليه وآله أَنْ سُنَّ مُهُورَ الْمُؤْمِنَاتِ خَمْسَمِائَةِ دِرْهَمٍ، فَفَعَلَ ذَلِكَ رَسُولُ اللَّهِ صلّى الله عليه وآله وسلّم“.
      ونُقلت أيضًا مثل هذه الرواية مع إضافات جاءت بهذا النحو:
      ”وَأَيُّمَا مُؤْمِنٍ خَطَبَ ‌إِلَى أَخِيهِ حُرْمَتَهُ (وابنته)، فَقَالَ (هذا الخاطب الذي جعل طلبه للزواج مبنيًّا على أساس مهر السنّة): خَمْسُمِائَةِ دِرْهَمٍ، فَلَمْ يُزَوِّجْهُ (الأب وامتنع عن القبول بهذا المهر)، فَقَدْ عَقَّهُ، وَاسْتَحَقَّ مِنَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ أَلَّا يُزَوِّجَهُ حَوْرَاءَ“
      ولا يخفى وجود العديد من الروايات في هذا الخصوص، والتي وردت في الكتب المشهورة؛ نظير المناقب لابن شهرآشوب ومستدرك الوسائل وبحار الأنوار؛ لكنّنا أحجمنا عن ذكرها رعايةً للاختصار. (مناقب آل أبي ‌طالب، ج ٤، ص ٢٧٠؛ مستدرك الوسائل، ج ١٥، ص ٦٢، باب استحباب كون المهور خمسمائة درهم؛ بحار الأنوار، ج ١٠٠، ص ٣٤٨، باب ١٧: المهور وأحكامها).
      ولتسليط الضوء على هذه المسألة، يلزمنا الحديث قليلًا عن مهر السنّة، لكي نجيب عن بعض الشكوك والإشكالات الواردة في هذا المجال:
      فكما ورد في النصّ، قال رسول الله لأمير المؤمنين: «هل معك شيء؟ (وماذا تملك وما الذي يوجد بين يديك من مال الدنيا حتّى تُمهر به عروسك؟)»
      فقال أمير المؤمنين عليه السلام: أملك سيفي (أجاهد به)، ودرعي (أرتديه أثناء الحروب).
      فقال رسول الله: أمّا سيفك فلا غنى بك عنه تجاهد به في سبيل اللّه، وتقاتل به أعداء اللّه،... (لكنّك تستطيع الاستمرار في الحرب من دون درع؛ لأنّك لا تُدير ظهرك أبدًا للعدوّ، حتّى تكون بحاجة لدرع يقيك ضربات السيف وغيره؛ ولهذا،) زوّجتك بالدرع ورضيت بها منك.
      ولهذا، بيع الدرع بخمسمائة درهم، واشتُري بها جهازُ السيّدة الزهراء عليها السلام، والذي تحدّثت الكتب عمّا تضمّنه، حيث كان جهازًا يسيرًا جدًّا، ويتوفّر على أدنى حدّ ممكن [من الأثاث]. ولا يخفى أنّ هذا المهر كان في ذلك الزمان أمرًا غير مسبوق؛ وقد أراد الرسول الأكرم بهذا العمل أن يصير تحديدُ مهرٍ يسيرٍ سنّةً رائجة وشائعة في أمّته؛ ولهذا السبب، قال: أوصاني جبرائيل بأن آمر أمّتي بأن يجعلوا مهور نسائهم نفس المهر والمبلغ الذي عيّنتُه لابنتي.
      وحينئذ، على كلّ من يعدّ نفسه من أمّة رسول الله اقتفاء هذه السنّة والمنهج؛ وكلّ من لم يرتضِها، واعتبرها مرتبطة بعصر النبيّ، معتمدًا في ذلك على تبريرات واهية وتأويلات مُضحكة، فلن يكون بالتأكيد منضويًا تحت أمّته صلّى الله عليه وآله وسلّم.
      وبناءً عليه، قد يقول البعض: «إنّ المراد من جعل المهر بهذا النحو هو الإشارة إلى طابعه الروحانيّ والقدسيّ؛ فهذا الذي يُقصد حصوله من اتّباع مثل هذه السنّة؛ وإلاّ، فإنّ الواجب في العقد هو العملُ بالصداق المتعارف، والمبلغ الذي تُلحظ فيها الشؤون الاجتماعيّة والعائليّة للمرأة، من دون الاقتصار على مهر السنّة».
      غير أنّ جواب هذا الإشكال واضح تمامًا؛ لأنّ اتّباع السنّة يعني الاقتداء بأمرٍ يُريده الشارع، والخضوع له؛ ومن المعلوم أنّ رسول الله لم يُعيّن صداقًا آخر، سوى ذلك الصداق الذي تحصّل من بيع درع أمير المؤمنين، ولم يقل صلّى الله عليه وآله وسلّم: في الوقت الراهن، لنجعل المهر على هذا المنوال، وذلك باعتبار الطابع القدسيّ والروحانيّ الذي يمتلكه هذا المهر؛ لكن، اعلم يا عليّ أنّ صداق ابنتي سيكون هو المقدار الكذائيّ من الذهب والمجوهرات والأموال والعقارات؛ وعليك أن تلتزم وتتعهّد بسداده لاحقًا!
      وعليه، فإنّ هذا الكلام سيكون سخيفًا للغاية وغير لائق تمامًا؛ وعلاوة على ذلك، فإنّ رسول الله صرّح بأنّه على نساء أمّته الاقتصار في مهورهنّ على هذا المبلغ، لا أكثر؛ وذلك بسبب انخفاض قيمته؛ هذا، مع أنّه لو كان مراد النبيّ [الإشارة إلى] الطابعَ الروحانيّ لهذا الصداق، فلماذا أمر أمير المؤمنين ببيع درعه، وشراء الجهاز بثمنه؟ وقد كان بوسعه صلّى الله عليه وآله وسلّم أن يطلب من أمير المؤمنين الإتيان ببعض الآيات القرآنيّة أو شيء آخر كصداق للسيّدة الزهراء!
      ويقول البعض: «لقد كان هذا الصداق يمتلك في ذلك الزمان قيمة عالية، بحيث كان بمقدورهم أن يشتروا به أشياء ثمينّة وغالية؛ كأن يبتاعوا به منزلاً وهكذا».
      غير أنّ هذا الكلام مجانب أيضًا للصواب؛ لأنّ الأشياء التي تمّ شراؤها بواسطة هذا المهر وردت بأجمعها في الكتب التاريخيّة، حيث جاء فيها أنّ الجهاز الذي اشتُري كان يبلغ أقلّ قدر ممكن؛ هذا أوّلاً، وثانيًا: كم يا تُرى تبلغ قيمة الدرع؟ وهل يُمكننا شراء منزل بهذه القيمة؟
      وعليه، فإنّ مهر السنّة هو مهرٌ سنّه رسولُ الله لكافّة الزواجات، وجعله سيرة إلى يوم القيامة؛ ويتعيّن على كافّة المؤمنين والمؤمنات الخضوع له، وجعله أساسًا لعقود بناتهم؛ ولو أنّ للطرفين الخيار في تحديد مقدار الصداق، بحيث يكون الرجل ملزمًا بأداء هذا الصداق، والوفاء به مهما بلغ مقداره.
      ويقول البعض في تفسيرهم لهذا المهر: «إنّ عليًّا عليه السلام لم يكن يملك شيئًا سوى هذه الدرع؛ وإلاّ، لأمهر السيّدة الزهراء عليها السلام بكلّ ما كان يملك»!
      لكنّ هذا التفسير يبدو أيضًا ـ كالمسألتين السابقتين ـ غير صائب؛ وهؤلاء لا يعلمون أنّهم يُوجّهون بهذا التفسير أعظمَ إهانة وإساءة للساحة المقدّسة للسيّدة الزهراء عليها السلام، وأنّهم يبيعون شخصيّتها الملكوتيّة بالدرهم والدينار والأمتعة الدنيويّة! أ ولا يكون مفاد هذا الكلام والمراد منه سوى أنّهم يبيعون هكذا شخصيّة ويُبادلون قيمتها وثمنها ـ أثناء تحديد المهر وتعيينه ـ بالبساتين والأراضي والعقارات والمنازل والمزارع، مثلما يجري في بقيّة الموارد وعند بقيّة الناس؟! مرحى بهذا الغباء والجهل!
      وعلاوةً على ذلك، فإنّ رسول الله ذكر أنّه جعل هذا المهر سنّة لبقيّة أفراد أمّته؛ وهذا الكلام يتعارض بشكل واضح مع الفرض المذكور.
      ومن هنا، وبكلّ تأكيد، يكون مهر السنّة عبارة عن تلك الخمسمائة درهم التي جعلها رسول الله ـ ببركة بيع درع أمير المؤمنين ـ صداقًا لبضعته شفيعة يوم الجزاء الصدّيقة الكبرى سلام الله عليها؛ وهو الصداق بعينه ـ لا أقلّ ولا أكثر ـ الذي أوصى بجعله مهرًا لبقيّة نساء أمّته إلى يوم القيامة.
      وقد يُطرح علينا الإشكال التالي: «رغم كون اتّباع سنّة رسول الله السنيّة أمرًا محمودًا ومرضيًّا، إلاّ أنّه قد يوجد بعض الأزواج الذين يُسيئون الاستفادة من هذه السنّة، ويلجؤون بسبب قلّة المهر إلى ظلم زوجاتهم، والتضييق عليهنّ، وتعريض حقوقهنّ للإجحاف؛ أو يعمدون إلى طلاقهنّ لأدنى مسوّغ، ويطردونهنّ من بيوتهنّ بأعذار واهية؛ فيصير المثل المعروف: «أراد أن يكحّلها فعماها» جاريًا هنا بكلّ وضوح!».
      وفي الجواب عن هذا الإشكال، نقول: الظلم والإجحاف والإضرار مرفوض ومردود في الإسلام في كلّ مورد ولأيّ سبب، وتترتّب عليه مجموعة من التبعات الحقوقيّة، بل وحتّى التأديبيّة؛ إذ لا وجود للضرر والإجحاف في النظام الإسلاميّ القويم، بحيث يكون الطرفان ـ سواء الرجل أو المرأة ـ مكلّفين بمراعاة وأداء المهامّ الملقاة على عاتقيهما من قبل الشرع؛ وعليه، إذا صدر من الرجل ظلم أو عدوان، وأراد أن يُطلّق زوجته من دون سبب شرعيّ وعقلائيّ، فإنّه سيكون ملزمًا بأداء مهر المثل، لا مهر السنّة؛ وأمّا إذا بَدَر من المرأة إجحافٌ وتمرّدٌ، فلن يكون للرجل هنا أيّ تقصير؛ وفي هذه الحالة، لن يقتصر الأمر على عدم استحقاق المرأة لأيّ مهر ـ حتّى مهر السنّة ـ ، بل ستكون هذه المرأة ملزمة بإرجاع الخسائر التي لحقت بالرجل بسبب مراسم الزواج.
      ولهذا السبب، لكي نتجنّب الوقوع في هذا المحذور حينما يلجأ الرجل إلى العدوان والإجحاف في الحياة [الزوجيّة]، لن تكون هناك حاجة إلى أن يُشترط مسبقًا منح المرأة حقّ الطلاق، وأن يجعلها الرجل وكيلة في هذا الطلاق؛ هذا، وسأسعى إن شاء الله في أقرب فرصة إلى كتابة ونشر رسالة بخصوص مهر السنّة والطلاق، بحوله تعالى وقوّته وتوفيقه».
    5. مطلع أنوار (فارسي)، ج ۱۰، ص ٤٩٥ ـ ٤٩٩:
      «لقد ارتفعت مهور النساء في هذا العصر بشكل مُهول؛ فصارت بذلك سدًّا كبيرًا أمام طريق الزواج؛ وفي الحقيقة، أصبح يُنظر إلى الزواج والنكاح كعمليّة مقايضة للفتاة بالصداق، بحيث أضحى كلّ واحد يرغب في المحافظة على عزّته وشرفه بواسطة الرفع من قيمة ابنته، والذي يعني المطالبة بصداق أكبر؛ فظهر عن طريق التنافس والأنانيّة وبيع النفس سوق مزدهر! وصارت كلّ فتاة ترغب في الزواج تريد أن يكون مهرها أكثر من قريناتها! فترتّبت على ذلك التبعاتُ المشينة التالية:
      الأولى: سدّ باب النكاح والحيلولة دون ازدياده؛ مع أنّ الشرع الإسلاميّ أمر بالزواج وتسريعه وزيادته.
      الثانية: عدم تمكّن الرجال من تسديد الصداق الذي ينبغي أن يكون نقدًا يدفعونه للنساء؛ وحلّ محلّه الصداق في الذمّة والدين؛ أي أنّ المهر صار في ذمّة الزوج إلى أن يُؤدّيه لاحقًا؛ وهذا بنفسه يتضمّن مجموعة من العيوب الجسيمة:
      لأنّه أوّلاً: الصداقات الباهظة غير مقدورة الأداء من قبل الرجل؛ ولهذا، لن يتمكّن الزوج من تسديدها إلى أن يموت أو تموت الزوجة؛ وفي هذه الحالة، قد لا يتسنّى للورثة أيضًا دفعها بسبب غلائها، حيث لم يكن الزوج قد هيّأ إلى ذلك الحين مالاً كافيًا لكي يُؤدّيها؛ بل ولربّما أفضى هذا النوع من المهور الذي لا يقدر الزوج عادةً على أدائه إلى إبطال نفس المهر ـ هذا إذا لم نقل إنّه سيُؤدّي إلى إبطال أصل عقد النكاح ـ ، وإلى تخفيض المهر المسمّى في العقد إلى مهر المِثل.
      وثانيًا: في ليلة التفاوض والتعارف بين عائلتي الزوجين، والتي تُعرف بليلة "بله بران"، عوض أن تسود المفاوضات الواقعة بين الطرفين أجواء المحبّة والألفة، فإنّها تشهد أجواء من الشحناء والأنانيّة وبيع النفس؛ لأنّ أقارب العروس يسعون بقدر المستطاع إلى الإعلاء من شأنهم، والاستعانة بالشواهد والأمثال والمال والشهرة وبقيّة الأمور الاعتباريّة من أجل إبراز ابنتهم ذات قيمة عالية، لكي تنسجم مع الصداق الذي يُريدون أن يُشكّلونها به؛ كما أنّ أقارب العريس، ولكي لا يخسروا الكثير، فإنّهم يبذلون كلّ جهدهم من أجل دحض دعاوى الطرف المقابل، ويلجؤون إلى الاستعانة بالشواهد والأمثال وعرض النماذج من أجل إظهار القيمة الحقيقيّة للفتاة، بل ويسعون إلى الحطّ من قيمة الخصم إلى مستوى أدنى من أقرانه، حتّى يدفعوا أقلّ!
      وفي الحقيقة، فإنّ حفل التعارف الذي ينبغي أن يكون حفل صفاء ومودّة، ومجلس أنس وألفة بين عائلتين ارتبطتا ببعضهما حديثًا، سيضحى مجلسًا لبيع النفس، وإظهار الشخصيّة، وإبراز الذات، ومبادلة السلع بأعلى قيمة في سوق العرض؛ وإذا لم نُبالغ في القول، فإنّه سيصير مثل سوق بيع الحمير الذي تجري فيه المزايدة عليها، لكي تُباع بأعلى ثمن؛ أي سيتحوّل النكاح إلى متجر وسوق لشراء السلع وبيعها؛ في حين أنّه أمر عباديّ وسنّة حسنة! وستُصبح الفتاة الشابّة النزيهة شهيدة لأفكار أقاربها الجاهليّة، بحيث يتعيّن عرضها كسلعة في السوق؛ فأين هو شرف الإنسانيّة؟! وأين هي روح الألفة والوئام؟!
      فمجلس التفاوض والتعارف وتحديد المهر هو أوّل محفل أنس واجتماع بين الطائفتين؛ وينبغي أن تحكمه أعلى القيم الإنسانيّة، ويسوده الإيثار والعفو والمحبّة والحميميّة وعلاقة الصداقة وعقد الألفة والأنس؛ فهذه هي روح الإسلام! وهذا هو النهج الطاهر السرمديّ! وهذه هي سيرة العظماء والأولياء المكرّمين!
      وثالثًا: سيجعل الصداق الباهظ الفتاة متجبّرة، ومتكبّرة أمام زوجها، ويسلبها روح التواضع والخضوع. وبسبب اعتماد هذه الفتاة على صداقها الباهظ وعدم قدرة الزوج على الأداء، فإنّها ستوضع دائمًا في مقام الأمر والنهي والتجبّر؛ كما سيرى الرجل نفسه منذ بداية العقد تحت العبء الثقيل للمهر؛ وبالتالي، سيضحى هذا المهر الغالي عقدة في نفسه.
      الثالثة: تخندق كلّ من الرجل والمرأة في مقابل بعضهما؛ إذ منذ الوهلة الأولى، سترى المرأة لنفسها وزنًا وثقلاً في مقابل الرجل، ويرى الرجل أيضًا المرأة عبئًا مفروضًا عليه؛ وستشتدّ هاتين الرؤيتين ـ لا قدّر الله تعالى ـ عند حصول أدنى اختلاف، وتتزايد يومًا بعد يوم، لتخرج هذه العقدة عن دائرة التحمّل، وتؤدّي إلى حلول البغض وسوء النية، حيث سيرى الرجل أنّ المرأة مفروضة عليه، في حين سترى المرأة أنّ الرجل يكرهها رغم كلّ هذه المشاكل وهذا الصداق؛ فتبدأ هذه الحياة في الأفول، وتشعر المرأة شيئًا فشيئًا بالتعب والملل، ويطلب الرجل من الله تعالى أن يُخلّصه من هذا العبء المفروض، وتقول المرأة: «مالي حلال [لك] في مقابل حرّيتي [وطلاقي منك]»؛ فينفصلان حينئذ عن بعضهما من دون أداء المهر، ومع آلاف الهواجس والمشاكل، وتتحوّل تلك المحبّة المتوقّعة إلى عداوة، والحياة المشتركة إلى تفرّق؛ فهذه هي نتائج الصداق الباهظ.
      إنّ حدوث جميع هذه المصائب والمشاكل هو بسبب أنّ النكاح والزواج قد اكتسب بين الناس عنوان المبادلة والمعاوضة! لكن، إذا أدرك هؤلاء الناس أنّ هذا العنوان خاطئ، وأنّ المراد من النكاح هو عبادة الله تعالى، والسير في مدارج الكمال الإنسانيّ ومعارجه، وتكثير النسل، وإيجاد خليفة الله تعالى على الأرض، وبناء حياة مشتركة على أساس المحبّة والمودّة والإيثار وتحمّل المشاقّ في سبيل جلب وتربية الأولاد الذين يُعدّون أعظم ثمرة لعالم الخلق، فإنّ الموضوع سيتغيّر تمامًا، ليتغيّر الحكم أيضًا بتبعه؛ غاية الأمر، بما أنّ الرجل يُحدث ـ ظاهريًا ـ في المرأة شيئًا بواسطة عمليّة النكاح، فإنّ عليه أن يهبها شيئًا قيّمًا ونفيسًا كهديّة، حيث تكون هذه الهديّة عبارة عن المهر بعينه، والذي يكون على شكل ذهب أو فضّة أو كتاب علميّ أو تعليم للقرآن وأمثال ذلك، وينبغي أداؤه نقدًا، ويكون له اعتبار أيضًا إذا تعلّق بالذمّة في حالة عدم القدرة على تسديده.
      والأرقى من ذلك كلّه هو مهر السنّة الذي يُساوي خمسمائة درهم شرعيّ، ويُعادل ثلاثمائة وخمسين مثقالاً شرعيًّا، ومائة واثنين وستّين ونصف مثقال صيرفيّ من الفضّة المسكوكة؛ وهو المهر الذي يُساوي ثمن درع مولانا أمير المؤمنين عليه السلام، والذي بيع بواسطة سلمان الفارسيّ، وأسّس عليه الرسول الأكرم صلّى الله عليه وآله وسلّم عقد زواج بضعته المطهّرة، شفيعة يوم الجزاء، سيّد النساء، فاطمة الزهراء عليها السلام، ؛ فسنّ المهر لنساء أمّته وفقًا لهذا المنهج القويم.
      وفي هذه الحالة، إذا اقتدى نساء أمّة الرسول بابنته الطاهرة، واتّبع رجال الأمّة أمير المؤمنين، واستقوا من مؤسّس الدين المحمّدي الطاهر.. الرسول الأكرم صلّى الله عليه وآله وسلّم سنَّته، وجعلوا مهر السنّة صداقًا لهم، فإنّ هذه المشاكل ستنحلّ بأجمعها.
      وقد جعل هذا العبد الفقير مهر السنّة صداقًا لكافّة بناته، وجعلتُه أيضًا مهرًا لزوجات أبنائي؛ كما قام إلى حدّ الآن المئات من الأصدقاء والمعارف والأفراد الذين تعرّفوا على هذا المنهج ورجعوا إليه بجعل مهر السنّة صداقًا لهم؛ وهم يعيشون ولله الحمد والمنّة بأجمعهم في خير وبركة وعافية وحياة مقرونة بالسرور والسعادة والمواهب الإلهيّة.
      هذا، مع أنّني لا أريد هنا أن أقول: يجب ضرورةً وعلى نحو الوجوب والإلزام إرجاعُ كافّة المهور إلى مهر السنّة، بل أريد القول: من خلال اقتراح هذا الأمر على الفتيات وعائلة العروس أثناء الزواج، وعن طريق بيان الخصائص التي يتّصف بها، ولأجل الرفع من شأن كلام رسول الله، وعظمة هذه السنّة السنيّة، ورفعة هذا النهج القويم، فإنّ الفتيات كنّ بأنفسهنّ يُبادرن إلى اختيار مهر السنّة، ويجلبن بذلك الفخر لأنفسهنّ ولعوائلهنّ.
      وكلّ من تعرّف على هذا الطريق والمنهج امتدحه وارتضاه؛ إلى درجة أنّ بعض النساء المصونات اللواتي تزوجّن بصداق باهظ رغبوا في أن يطلّقهنّ أزواجهنّ، ثمّ يتزوّجوا بهنّ مجدّدًا، للتبرّك بهذا المهر الذي يُمثّل مهر سيّدة عالم الإمكان الأولى.. سيّدة نساء أهل الجنّة! لكنّني قلت لهنّ: إنّ الطلاق أمر غير محبوب، ولا ينبغي الإقدام عليه تحقيقًا لهذا الهدف؛ فصالحن الآن أزواجكنّ على مهوركنّ بمهر السنّة، وستحصلن على الثواب والأجر بعينه!

الزواج والمهر

5
  • فهنا، تكمن أعظم قيمة للإنسان؛ فالزواج المبنيّ على مهر السنّة يكون أساسُه المحبّة والمودّة، بحيث إنّ العريس والعروس يبنيان محبّتهما على هذا الأساس، ولا يقول أحدهما: «إنّ صداقي يبلغ المقدار الفلانيّ!»، ولا يقول الآخر: «كذا وكذا»، ويتحدّث عن تهديدات الحياة وأمثال ذلك من الأمور التي قد تحصل هنا؛ لأنّهما أعرضا عن الدنيا، فلا يواجهان أيّة مشكلة. وطوال هذه العشرة أو الخمسة عشرة أو العشرين سنة التي حدّدنا فيها المهور بمهر السنّة، ترافقت هذه المهور بالسرور والسعادة والمحبّة والصدق والبركة؛ لأنّنا لا نملك من أنفسنا شيئًا، بل نقول فقط: اعملوا بما قاله الرسول؛ إذ ما معنى: ﴿وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا﴾؟۱ وما معنى التأسيّ برسول الله؟ وما معنى: ﴿لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ﴾؟٢

  • نحن فخورون وسعداء جدًّا بأنّ هناك ولله الحمد في هذا الزمان أناسٌ ـ ولو على نحو الموجبة الجزئيّة ـ لهم رغبة في تطبيق سنّة الله، والعمل وفقًا لهذا المنهج.

    1. سورة الحشر، الآية ۷.
    2. سورة الأحزاب، الآية ٢۱.

الزواج والمهر

6
  • صيغة عقد الزواج

  • أعوذ بالله من الشيطان الرجيم

  • بسم الله الرحمن الرحيم‌

  • وصلّى الله على سيّدنا محمّدٍ وآله الطيّبين الطّاهرين‌

  • ۱ـ وكيل المرأة: زوّجت بالزواج والنكاح الدائم موكّلتي المصونة المكرّمة، البكر الآنسة ... الابنة المرضيّة للسيّد ...، الموكّلَ الموقّر حضرة السيّد ... الابن المحترم للسيّد ... على الصداق المعلوم والمهر المعيّن: مصحف من كلام الله المجيد جرى تسليمه الآن، ومهر السنّة سيتمّ دفعه لاحقًا لموكّلتي المصونة.

  • وكيل الرجل: قبلت تزويج الآنسة ... لموكّلي حضرة السيّد ... على المهر المذكور.

  • ٢ـ وكيل المرأة: زوّجت الآنسة ... السيّدَ ... على هذا المهر.

  • وكيل الرجل: قبلت تزويج الآنسة ... للسيّد ... على هذا المهر.

  • ٣ـ أوجدت علاقة الزوجيّة بين المصونة المكرّمة ... و السيّد ... على هذا الصداق.

  • وكيل الرجل: قبلت علاقة الزوجيّة لموكّلي السيّد ... على هذا الصداق.۱

  • بسم الله الرحمن الرحيم‌

  • ٤. أنكحتُ موكّلَتي موكّلَكَ على المهر.

  • قبلتُ النكاحَ لموكِّلِي على المهر.

  • ٥. أنكحتُ موكِّلَك موكِّلَتي على المهر.

  • قبلتُ النكاحَ لموكِّلِي على المهر.

  • ٦. بإذن أبيها أنكحتُها إيّاه على المهر.

  • قبلت النكاح له على المهر.

  • ۷. بإذن أبيها أنكحته‌ إيّاها على المهر.

  • قبلت النكاح له على المهر.

  • ۸. أنكحت المرأةَ المعلومةَ الحاضرة في المجلس للرجل المعلومِ الحاضر في المجلس على الصّداق المعلوم.

  • قبلت النكاح للرجل المعلوم على الصّداق المعلوم.

  • ٩. زوّجت المرأةَ المعلومةَ للرجل المعلومِ على الصداق المعلوم.

  • قبلت التزويج للرجل المعلوم على الصداق المعلوم.

  • ۱۰. بإذن أبيها زوّجتها إيّاه على الصداق المعلوم.

  • قبلت التزويج له على الصداق المعلوم.

  • ۱۱. بإذن أبيها زوّجته إيّاها على الصداق المعلوم.

  • قبلت التزويج له على الصداق المعلوم.

  • ۱٢. زوّجت موكِّلَتي ... موكِّلَكَ ... على الصداق المعلوم.

  • قبلت التزويج لموكّلي ... على الصداق المعلوم.

  • ۱٣. زوّجت موكّلَكَ ... موكّلَتي ... على الصداق.

  • قبلت التزويج لموكّلي على الصداق.

  • ۱٤. أنكحتها وزوّجتها إيّاه على الصداق.

  • قبلت النكاح والتزويج له على الصداق.

  • ۱٥. أنكحته وزوّجته إيّاها على الصداق.

  • قبلت النكاح والتزويج له على الصداق.٢

    1. هذه الصيغة مذكورة في أصل الكتاب باللغة الفارسيّة، وجرى تعريبها للفائدة. (المعرّب)
    2. هذه الصيغة مذكورة في أصل الكتاب باللغة العربيّة، فجرى نقلها كما هي. (المعرّب)