المؤلّفآية الله السيد محمد محسن الحسيني الطهراني
المجموعةسنة 1435
التوضيح
ما هو دور الفضل الإلهيّ في حركة السالك إلى الله؟ وماذا لو عاملنا الله بعدله وخصوصًا في الذنوب الاجتماعيّة؟ ومتى وكيف يعاملنا الله تعالى بعدله؟ وما هي النوايا والأخلاق التي يجب أن تحكم علاقات الناس على اختلاف أديانهم ومذاهبهم؟ وهل روح التنافس التي تسيطر على مباريات كرة القدم سواء بين الشعوب الإسلامية أو غيرها هي التي يريدها الإسلام في نظرته التوحيديّة؟! وكيف نوفّق بين الاتكاء على فضل الله تعالى وبين ضرورة القيام بالتكاليف؟ محاور تناولها سماحة السيد محمّد محسن الطهراني في محاضرته الثانية عشرة من محاضرات شرح دعاء أبي حمزة بالإضافة إلى كثير من الفروع المهمّة والشواهد والقصص من سيرة أهل البيت عليهم السلام وأتباعهم من العرفاء بالله.
هو العليم
السالك بين عدالة الله وتفضّله
شرح دعاء أبي حمزة الثمالي - سنة ۱٤٣٥ هـ ق - المحاضرة الثانية عشرة
محاضرة ألقاها
آية الله الحاجّ السيّد محمّد محسن الحسينيّ الطهرانيّ
قدس الله سره
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم
بسم الله الرحمن الرحيم
وصلَّى الله على سيِّدنا ونَبيِّنا أبي القاسم محمّد
(اللهمَّ صلِّ على محمّدٍ وآل محمّد)
وعلى آله الطيِّبين الطاهرين واللعنة على أعدائِهم أجمعين
«وَأَنا يا سَيِّدِي عَائِذٌ بِفَضْلِكَ هارِبٌ مِنْكَ إِلَيْكَ مُتَنَجِّزٌ ما وَعَدْتَ مِنَ الصَّفْحِ عَمَّنْ أَحْسَنَ بِكَ ظَنًّا»
إنَّني يا مولاي عائذ بفضلك، ملتجئ إلى صفات فضلك وكرمك، لا إلى صفة عدلك...
دور الفضل الإلهيّ في تنشيط حركة السالك
وكما تقدّم في المجالس السابقة فإنَّ الله يتصف بكلّ من صفتي الفضل والعدل معًا، فالإمام يقول مخاطبًا الله هنا: إنَّني إذ أتوجّه إليك، فأنا أتوجّه متوسلًا بصفات فضلك وكرمك، لا بصفة عدلك وما يقتضيه دقيق حسابك. فما دمتَ مُتّصفًا بصفات الفضل والعدل معًا، فأنا لا شأن لي بعدلك، بل أريد فضلك، أنا لا أريد دقّة حسابك بل أريد كرمك. وما دمتَ مُتّصفًا بكلتا الصفتين، فلا تستطيع والحال هذه أن تنفي عنك تلك الصفة، فلو لم تكن متّصفًا بها لكان الأمر مختلفًا، لكان الله يقول: أنا عادل فقط، ولا وجود لصفة الفضل والكرم عندي؛ وسأتعامل مع الجميع على أساس العدل، وسأستخدم صفة العدل هذه بحيث أستخرج الشعرة من العجينة.
وأنتم بأنفسكم تعلمون كيف ستكون الحال عندها، وما الذي كنَّا سنفعله لو كان الأمر كذلك؟!
لكانت انقطعت بنا السبل، ولبقينا نلطم صدورنا ونقول: يا ويلنا مِن هذا الإله! فهو يقول: أنا لا أتعامل معكم بالفضل والكرم والعفو والتغاضي والإغماض، بل سأحاسبكم على دقائق الأمور، فهذه هي طريقتي!
لو كان الأمر كذلك، لما بقي حجر على حجر، ولتوقّف الإنسان عن الحركة، ولما استطاع أن يفعل شيئًا؛ فإن أذنب ذنبًا، فسيقول له الله: عليك أن تدفع غرامة هذا الذنب...
صعوبة العدل الإلهي في خصوص الذنوب الاجتماعيّة وضرورة ستر العيوب
ولا قدَّر الله أن يكون الذنب بحقّ الآخرين، وبحق المجتمع، كاغتياب إنسان. فقد يُذنب الإنسان ذنبًا شخصيًا، وذلك بأن تفوته الصلاة مثلًا، فعندها يستطيع أن يقضي تلك الصلاة؛ ولكن ما الذي سيفعله فيما إذا وجَّه تهمة لآخر وانتشر خبرها بين الناس؟! [فعلى الإنسان أن يكون حذرًا في هكذا مواقف] فعندما يتمّ المساس بسمعة أحد المؤمنين، أو عندما تصدر عن أحد غيبة بحقّ آخر، وفي الوقت الذي لم يطّلع على ذلك غيرك، فلماذا تأتي أنت وتنقل ما وقع إلى شخص ثالث؟ لماذا؟! فلو كان هو الذي فضح عيبك بين الآخرين، أكنت ستستحسن ذلك؟ فلماذا فضحت عيبه إذًا؟! أمّا إذا ما وصل الأمر إلى العمل على توثيق ذلك، فيا للهول! وإلى أيّ حدٍ تكون قد وصلت فظاعة الأمر؟! كأن يقوم بتسجيل صوته أو تسجيل مشهد مصوّر عنه خفية بواسطة آلة التصوير في هاتفه المحمول، ليقوم بإدانته به لاحقًا، فكيف سيكون العقاب؟! لا إله إلا الله!
لقد جاء في رواية عن رسول الله أنَّ من ستر عيوب الناس، ستر الله عيوبه عن الخلائق يوم القيامة؛ وإن نشر ذلك العيب بين الناس، فضحه الله يوم القيامة.۱
لقد اطلعتَ على عيبٍ لشخصٍ يا هذا! فلماذا تنقله إلى هذا وذاك؟ فالإنسان يخطئ مائة مرة في حياته اليومية، فلو جاء الإنسان واختار منها عيبًا واحدًا ونقله لآخر، فإنّ الله سيفضحه يوم القيامة أمام الخلائق، نعم سيفضحه أمام الخلائق.
إنَّ مسألة ستر العيوب، مسألة عجيبة حقًا؛ فمن مبادئ وبرامج السلوك ألاّ يتفوّه الإنسان بما اطّلع عليه من أسرار غيره من الناس؛ وهذا ما يخالف تمامًا واقعنا، فنحن ننقل للآخرين ما لم نره، فكيف بما رأيناه؟!
صن لسانك يا هذا، وأطبق عليه بشفتيك! لماذا تطلق له العنان؟! لماذا تنقل ما اطّلعت عليه من عيوب أخيك إلى الآخرين؟ ولماذا تنشر ذلك الأمر الذي لم يطّلع عليه سواك؟ أو أنَّ من اطّلع عليه هو شخص أو شخصان لا أكثر، ولم يطّلع عليه سائر الناس ولا هيئة الإذاعة البريطانيّة حتّى تقوم أنت بنشره في جميع أنحاء العالم! فلماذا تفعل ذلك؟ فسيجازيك الله على فعلك هذا، ولك يوم كيومه هنا في هذه الدنيا، وسيفضحك الله أمام جميع الخلائق؛ فالله يعرف جيدًا كيف يدير الأمور ويقلبها عليك، وستدفع الثمن في هذه الدنيا قبل الآخرة، حيث ستقوم بعمل من الأعمال يجعلك مفضوحًا أمام الخلائق. فالله يقول هذا عبدي قد أذنب وأنا مُطّلع على ذنبه، ولو شئتُ لفضحته أنا، فلماذا تتدخل في هذا الموضوع، وما علاقتك أنت بذلك؟ ألستَ أنت عبدي أيضًا، ألم تُفكّر بأنَّ من الممكن أن يأتي يومك الذي تفضح فيه؟!
لذا فليس في السلوك ما هو أهمّ من الحرص على صيانة سمعة المؤمنين وعباد الله، ولا توجد مسألة لها من الأهمية مثل حفظ حرمة إنسان ما، أو السعي في حفظ ماء وجه إنسان ما وعلى كتمان سِّره الخاص عند الاطّلاع عليه.
شدّة انزعاج المرحوم السيد الحدّاد لفضيحة امرأة
كنَّا في كربلاء ذات يوم ـ أمهلوني قليلًا لكي أتذكر القصة جيدًا فأنقلها لكم ـ نعم، كان المرحوم الوالد يتحدّث في إحدى الليالي إلى المرحوم الحداد بشأن قضية تخص أحد الأشخاص الذين كانوا على ارتباط به في طهران ـ وقد حصل هذا الأمر في زمان الشاه ـ فقال: لقد تزوج ابن هذا الشخص أخيرًا، وبعد مدة من هذا الزواج حصلت مشاجرة بين الزوجين، إذ يبدو بأنَّ الزوج قد رأى زوجته راكبة في سيارة [وشكّ في تصرفاتها]؛ فقام والده بمتابعة الموضوع وأثبت للجميع بأنَّ المرأة قد ارتكبت خطًا؛ وتشوَّهت سمعة الزوجة المسكينة وانتهى الأمر بالطلاق.
وعندما سمع المرحوم السيِّد الحداد بهذه القضية تأثّر كثيرًا، وطأطأ برأسه إلى الأرض، ثم رفع رأسه قائلًا: إن كان الأمر قد انتهى بالطلاق، فلينته بالطلاق، ولكن لماذا تشوّه سمعة شخصٍ مؤمنٍ في هذا المجال؟ فلئن يفترقا أو لا يفترقا، فهذا أمر عائد إليهما، ولكن لماذا تشوَّه سمعتها؟ فقد كان بإمكانه أن يقول: لقد عشنا هذه الفترة وحتّى هذه اللحظة معًا، ولكنَّه لا يمكننا الاستمرار بالعيش معًا بعد هذا، فلكلّ منّا أن يختار طريقه الخاص به؛ فما جدوى نشر هذا الخبر بين الآخرين.
أتلاحظون إلى أيّ مدىً ينظر أولياء الله والعرفاء، فهم يقولون: ما دام خطأ ما قد وقع ــ إذ إنَّ الإنسان ليس معصومًا عن الخطأ ــ فلينته الأمر بين الطرفين مراعاة لظاهر الأمر، ولكن لماذا يجب أن ينتهي بهذا الشكل؟ ولماذا يتم تشويه السمعة بهذه الكيفية؟ لِمَ يحصل كلّ ذلك؟
كلّ هذه الأمور هي عِبرة لنا ودرس يجب أن نستفيد منه؛ فهنا قد حصلت المسألة بهذا الشكل، وفي مسألة أخرى قد تحصل بشكل آخر، فكلّ هذه القضايا تعتبر دروسًا لنا نعتبِر بها. لقد جرّبتُ هذه المسألة في حياتي الشخصية ولمست آثارها؛ وذلك عندما تعرض قضية على المرء، فيبقى مُتردِّدًا بين إفشائها وكتمانها؛ فيرى ما لكتمان تلك القضية وإخفائها في نفسه من آثار؛ فسوف يلمس الإنسان بأنَّه عندما يصون سمعة شخص ما، كيف أنَّ الله سيصون سمعته في قضية أخرى، وسيُلاحظ بكلّ وضوح كيف كان بمقدور الله وبكل بساطة أنَّ يهتك سترّه في تلك القضية؛ غير أنَّ الله يقول: ما دمت قد راعيت سمعة هذا الشخص في ذلك الموقف، فسأحفظ سمعتك في النتيجة. فجميع الأدوات اللازمة للعمل من الأسلاك والمفاتيح متوفرة لدى الله، فيقوم بإرخاء هذا المسمار أو شدّ ذاك، فكلّ ذلك بيده، فيقوم أحيانًا بتذكير الإنسان بأمرٍ ما، ويُنسيه أمرًا ثانيًا في وقت آخر، فكلّ تلك الأمور هي بيد الله، وعلى الإنسان الاهتمام بهذا الجانب.
فخلاصة الأمر، لو كان الإنسان سيُعامَل وفقًا لعدل الله، فماذا كان سيفعل والحال هذه؟ فإن أذنب ذنبًا، فسيقول له الله: سأُجازيك الآن على فعلك هذا! فما الذي سيبقى للإنسان عندها؟ سوف لن تبقى له سمعة أو صيت! [بينما نرى الله يقول:] إن أذنبت ذنبًا، فلا تنشره، وتُبْ منه فيما بينك وبيني، فسأتجاوز عن ذنبك. ما الذي سيحصل لو كان الله يقول: أنا لا أتجاوز عن ذنبك، فأنت قد خالفت الأوامر والنواهي التي كلّفتك بها، فسأذهب بك إلى أعلى المرتفع وأُعلن أمام جميع الخلق بأنَّ عبدي هذا قد فعل كذا وكذا الليلة الماضية والليلة التي قبلها والتي قبلها.
ضرورة القدرة على التحمّل عند من تنفتح عين بصيرته على عيوب الناس
ولا فتح الله عين بصيرة الإنسان ــ أقصد عندما لا يكون قد امتلك ذلك التحمّل وتلك السعة اللازمة بعد ــ وإلاّ فستنكشف الكثير من الأمور وسيتغيّر مجرى الأمور، فكّروا في ذلك! فقد فتح الله عين بصيرة النبيّ إبراهيم في الوقت الذي لم يكن فيه ممتلكًا لتلك السعة، فرأى شخصين في معصية، فقال: [أتعصيان الله] اقتلهما يا ربّ! فسقط شيء ما على رأسيهما وقتلهما ــ لا أعلم في أيّ وضع كانا ــ فقُتل هذان المسكينان. ثم نظر مرة أخرى ــ فقد فتحت عين بصيرته، فاعلموا كيف يكون حال من فُتحت عين بصيرته؟ ــ فرأى معصية ترتكب في مكان آخر، فقال: إلهي انظر إلى عبادك العصاة! انظر ما الذي يحصل؟! فقال له الله: أتريد أن تُهلك جميع عبادي لما كنت قد فتحت بصيرتك لدقيقتين؟ فها أنا أرى ذلك من الصباح حتّى المساء، فأرى في الأربع والعشرين ساعة الآلاف من هذه المعاصي، وكذلك ترى ملائكتي ذلك فتغمض عنها؛ بينما لم تتحمّل أنت ذلك عندما فتحت عين بصيرتك لدقيقتين، بل لدقيقة واحدة؛ والعجيب أنَّ المعصية التي حصلت قد حصلت في تلك الدقيقة؛ فقد فتح الله بصره في عين تلك اللحظة التي حصلت فيها المعصية. إلهي ليتك متّعته بنصف ساعة ليرى فيها الطاعات والمسائل الأخرى... [مزاح] ۱
وهنا أريد أن أقول لكم بأنَّ عيون بصائر أولياء الله مفتّحة على مدى أربع وعشرين ساعة، فكيف سيكون واقع حالنا أمامهم؟ لذا فإنَّني عندما أقول علينا أن نتصوّر وجود إمام الزمان عليه السلام إلى جنبنا دائمًا فإنما أقوله لهذا السبب! فهو ليس بغافلٍ عنَّا ولو للحظة واحدة، نعم حتّى للحظة واحدة، بل نحن الغافلون عنه، ونتصرف كتلك النعامة التي تدسّ رأسها في الرمال كيلا يراها الناظرون، فما دمنا لا نعلم، فنحن نتصوّر بأنَّه لا يعلم أيضًا، وها نحن نقول: إنَّ إمام الزمان مشغول بإدارة العالم بأسره الآن، فكيف سيرانا وأعمالنا التي نقوم بها؟ لا يا عزيزي، اعلم أنَّه وبمجرد ولادة الإنسان، فإنَّ النسخة الأصلية منه تتواجد في نفس إمام الزمان، أمّا هذا الذي يتكلّم معكم الآن أو أشخاصكم أنتم الذين تستمعون إلى كلامي، فهي النسخ المستنسخة عن ذلك الأصل الموجود في نفس الإمام. فهل يمكن للإمام عليه السلام والحال هذه أن يغفل عن ذلك الأصل أو ينساه؟ هل يمكن أن يحصل ذلك؟
ضرورة تعامل القاضي والمفتي بالتفضّل والستر في بعض الموارد
لذا وما دام الأمر كذلك [وما دام الله تعالى والأئمة والأولياء مطّلعين ولكنّهم يتعاطون على أساس الفضل لا العدل] تطرح هنا مسألة مهمّة وهي أنّ المفتي وخصوصًا في مقام القضاء كيف يجب عليه أن يتعامل مع القضايا التي ترفع إليه؟ هل يمكن لذلك القاضي الذي ينظر في تلك القضايا والجرائم أن يحكم بحكم واحد في جميع الحالات وأن يعلن هذا الحكم أمام الجميع؟ أو هل يمكن لذلك المجتهد أن يفتي بفتوى واحدة ويعمّمها على جميع الأفراد على اختلاف حالاتهم؟ أم أنَّ كلَّ إنسان وبمقتضى خصوصيّاته يمكن أن يشكّل موضوعات عدّة بحيث يكون لكلّ موضوع منها حكمه الخاصّ المترتب عليه؟
فقد جاءت امرأة إلى أمير المؤمنين عليه السلام، وقالت له: لقد أذنبت يا علي، فأقم عليّ الحدّ. فقال لها أمير المؤمنين: قومي وانصرفي، ما هذا الهراء الذي أسمعه؟ اذهبي فليس لدي الطاقة لسماع هذا الكلام. فتقول المرأة في نفسها: عجبًا! لقد ارتكبت ذنبًا، وهذا هو حكم الله في هكذا مورد، وها قد ذهبت إلى علي، وقال لي ما قال! فتذهب مرة أخرى ـ لعل الشيطان قد وسوس لها، أو لعلها طرحت الأمر على شخص آخر ـ ويطردها أمير المؤمنين مرة أخرى. وتفاصيل الحكاية موجودة في الكتب. ما الذي يعكسه تصرّف أمير المؤمنين هذا؟ هذا يعني بأنَّني ـ أنا عليّ ـ ألمس بنفسي فضل وكرم وصفح الله في هذا المقام، لذا فأنا أقول لك: اذهبي، فلماذا أنت واقفة؟ فلو كان إقامة الحدّ عليك لازمًا، لأقمت عليك الحدّ، فبما أنَّ ذنبك كان في الخفاء، [فأنا أقول لك اذهبي]؛ أمّا لو كان ذنبك في العلن، لكان له حكم آخر، إذ ستترتب عليه لوازم اجتماعية أخرى.
وهكذا الأمر فيما يتعلّق بموضوع الارتداد؛ فهل يكون القتل حكمًا لكلّ مرتدّ؟ سأقوم ببيان هذا الموضوع إن شاء الله في كتاب الارتداد الذي هو قيد التأليف، كلاّ ليس الأمر كذلك؛ فلو أنَّ شخصًا يرتدّ لقصور في تفكيره، أو حتّى لو كان مغرضًا، عالمًا وعامدًا أو لأيّ أمر كان، فذلك مختصّ به ولا شأن للآخرين بهذا الأمر. فلو كان يهوى أن يكون مرتدًّا، وتاركًا للدين، فليترك الدين، فحسابه سيكون على ربّه يوم القيامة. أمّا إن أراد أن ينشر هذا الأمر بين أفراد المجتمع، فذلك شيء آخر. فما دام الأمر يخصّك بنفسك، فلا شأن لنا بك. أمّا إن أردت أن تنشر هذا السّم بين أفراد المجتمع [فسيكون لنا معك شأن آخر] فالشخص المبتلى بمرض وبائي يقومون بحجزه في محجرٍ صحيٍّ خاص، أو في قسمٍ خاصٍ من المستشفى ويضعون لوحة على الباب تشير إلى منع اللقاء به، فيتم وضع هؤلاء الأشخاص تحت المراقبة سواء كان ذلك في المستشفى أم في بيوتهم، ولا يسمحون لهم بالاختلاط بأفراد المجتمع والتجوال في الأماكن المزدحمة كالأسواق والمساجد والحسينيّات والأماكن المكتظّة بالناس؛ لأنَّ ذلك سيؤدِّي إلى سراية المرض إلى البقيّة السالمة. فما دام المرض قد أصاب الشخص نفسه ولم يسر منه إلى الآخرين، فسينقلونه إلى المستشفى ويعالجونه ويضعونه تحت المراقبة إن كان مرضه مرضًا وبائيًا، أمّا إذا ما أراد نقل ذلك الفيروس أو الميكروب إلى الآخرين عن طريق الوسائل المختلفة كالأغذية والمشروبات والهواء، فسيكون لذلك حكم آخر، فسيؤاخذ الشخص ويقال له: لماذا اختلطت بأفراد المجتمع؟ فما دمت مريضًا، فسنعمل على معالجتك في بيتك أو في القسم الخاص من المستشفى حيث يكون اللقاء بك ممنوعا؛ ولكن من الذي سمح لك بالذهاب إلى المسجد والحسينيّة والاختلاط بأفراد المجتمع وتلويث ذلك المجتمع؟
وكذلك هو الحال في موضوع الارتداد، فليس هناك ما يوجب قتل كلّ من يرتدّ عن معتقده، بل لذلك شروطه الخاصة به، فهو يتعلّق بالتصريح بذلك في العلن، وأن يكون معاندًا وينطوي على أغراض سيّئة؛ فلذلك ألف شرط وشرط، أتحسبون أنّه بهذه البساطة؟!
فلو أنَّ الله قد قال لنا بأنَّني أتمتع بصفة العدل فقط، فما الذي كنَّا سنفعله عندها؟ ما مقدار التكامل الذي سيحصل لنا؟ لا شيء، بل كنَّا سنضع إحدى أيدينا على الأخرى، ونبقى على هذا الحال، فالإنسان بطبيعته يخطئ، [ولو أنَّ الله قال:] لو فكرّت مجرد التفكير بارتكاب الذنب، فسأحاسبك عليه؛ فلا يُفترض بك حتّى التفكير بذلك. [فما الذي كان سيحصل عندها؟] بينما نرى أنَّ الله قد تجاوز عن كلّ ذلك كما جاء في حديث الرفع۱ وأمثاله، وهو بذلك يُعطي الإنسان قوة مُحرّكة تدفعه إلى الأمام، ألا وهي التعامل على أساس الفضل الإلهيّ حيث يقول الله: أنا لا أعاملك بعدلي.
متى وكيف يعاملنا الله بعدله؟
نعم، لو أنَّك قمت باستعراض عضلاتك أمامي، فسأعاملك بتلك الصفة، فلو قلتَ: أنا الذي عملت عمل الخير هذا، وأنا الذي قمت بأعمال الإحسان هذه، وأنا الذي صلّيت وقمت بكل أعمال البِرِّ تلك، فسيقول لك الله عندها: حسنًا، لنستعرضها واحدة واحدة ونبدأ بالعدّ والحساب، لنرى أيًّا من هذه الأعمال التي كنت قد قمت بها كانت لأجلي، وأيّها كان لأجل الناس ولأجل نفسك؟!
قصّة أحد المبلّغين في الجبهة حول إخلاص النيّة
ففي يوم من الأيام جاء أحد طلاّب العلوم الدينيّة إلى مشهد لمقابلة المرحوم العلاّمة، وكان ذلك أثناء حرب السنوات الثمان وقال: ـ وكان قد قال ذلك لأخي لا لي ـ أريد مقابلة المرحوم العلاّمة لأمر ضروريّ جدًا، فلديّ مشكلة صعبة؛ فقال المرحوم العلاّمة: دعوه يصعد إليّ. كان الوقت بعد الظهر، فصعد، وكان رجلًا في غاية الأدب يطرح سؤاله بتواضع ولطف، وقال: مضى عليّ وقت وأنا أذهب إلى جبهات القتال، وكنت أعيش مع الجنود والمقاتلين وأقوم بحسب ظنِّي بواجب الإرشاد الديني في الخطوط الأمامية والخلفية للجبهة، وكنت أشارك في القتال أيضًا؛ حتّى حصلت مسألة سبّبت لي اضطرابًا، فقلت في نفسي: أهكذا هي حقيقة حالي في كلّ هذه الفترة التي أمضيتها في الجبهة؟!
فقد كانت الحرب قائمة، والقذائف والرصاص يُطلق من كلا الجانبين؛ فبينما كنت قد ذهبت لتجديد الوضوء يومًا إذ طرأ على ذهني هذا الأمر وهو: لو سقطت قذيفة مدفع أو هاون أو صاروخ أو لو أنَّ طائرة قد ألقت قنبلة عليَّ وقُتلت وأنا على هذه الحال، فسيكون ذلك أمرًا مشينًا لي؛ فأسرعتُ إلى الخروج من المكان حتّى إذا ما سقطت قذيفة أكون عندها في وضع عادي؛ فبعد أن خرجت وجلست، أخذت أفكر في نفسي وأقول: لو كان مجيئك إلى الجبهة من أجل الدفاع ومن أجل الله، فلا يجب أن يكون هنالك تفاوت لديك فيما إذا كان الناس سيعلمون الحال التي كنت عليها عندما استشهدت: هل كنتُ نائمًا أم في حال القتال أم أنَّي كنت في حال قضاء الحاجة؛ ففي أيٍّ من هذه الأماكن يكون الإنسان حين مقتله فسيموت شهيدًا، فالقذائف تسقط في كل لحظة.
فما هي مشكلتي؟ فلا بدّ من وجود خلل في نيتي؛ فقد كانت هنالك نيّة أخرى في نفسي؛ وكانت هذه النيّة الإضافية مقترنةً مع تلك النيّة التي جئت بها للمشاركة مع هؤلاء المقاتلين؛ وهذه النيّة الإضافية هي أني إذا استشهدت فينبغي أن أكون في وضع ممدوح وأكون ذا شخصية مُتميّزة؛ فلا أريد أن استشهد في حال النوم، بل في وضع القتال وفي حال الهجوم على العدو. فلا أريد أن يُقال: لقد كانوا نائمين وسقطت عليهم قذيفة أدَّت إلى استشهادهم جميعًا، أو كانوا في وضع آخر على سبيل المثال. من كلّ هذا يكون معلومًا بأنَّ هناك خللًا في نيّتي، وقد جئت إليكم لإصلاحه.
لقد كان من الطلبة الجيّدين، وجاء يريد تصفية نيّته. فعندما يريد الإنسان الذهاب للقتال من أجل الدفاع ومن أجل نيل الشهادة، فلا بدَّ من أن تكون نيّته نيّة صادقة وخالصة، وستكون المكانة التي تُعطى له متناسبة مع تلك النيّة. فلا يكون وضع الإنسان لا قدَّر الله مثل وضع ذلك الشخص الذي كان قد رأى مركبًا لدى أحد أفراد العسكر المقابل، فهجم عليهم بنيّة قتل صاحبه واغتنام مركبه، وكانت النتيجة أن قُتل هو، حيث قال عنه رسول الله ذهب شهيدًا في طريق الكذا. لا ينبغي أن يكون الأمر هكذا.۱
دور اليقين بالطريق في تحقيق إخلاص النيّة والعملِ بالتكليف بغير نظر إلى النتيجة
فتكلّم معه المرحوم العلاّمة بعض الشيء قائلًا: عليك أولًا ومنذ الخطوة الأولى أن تسير في الطريق الذي تسلكه بقدم راسخة، فهذه مسألة مهمّة جدًا. فأحد العلل المهمّة لهذا التشويش والاضطراب والخلجان والترديد هو وجود مشكلة منذ البداية، فحيث لا يوجد ذلك اليقين، وذلك القطع وذلك الاطمئنان والثبات على المسير لدى الإنسان منذ البداية، تحصل له هذه الأمور.
بالطبع فمن الممكن أن تحصل تلك المسألة للإنسان في بداية سلوكه للطريق، أمّا في المراتب المتقدِّمة فلا ينبغي حتّى لقضايا الفتح والظفر والنجاح والانتصار أن تكون هي الهدف المقصود للسالك، وكما كنت قد بيّنت ذلك للإخوة سابقًا، يجب أن يكون الملاك عند السالك هو العمل بموجب التكليف، فقد لا يحصل النصر في بعض الأحيان، المهمّ هو أنّه عند قيامه بعمل ما هل يقوم به بموجب التكليف الملقى على عاتقه أم لا؟ هذا هو المطلوب سواء حصلت النتيجة أم لم تحصل.
فلو قيل لك: لو ذهبت اليوم إلى محلّ عملك وفتحت باب المحل وانشغلت بالمعاملات التجارية والأخذ والردّ، فإنَّك ستخسر مليونًا، فهل كنت ستذهب إلى العمل والحال هذه أم لا؟ ستقول: لا أذهب ما دمت سأخسر؛ فهل أنا مجبور على الذهاب وفتح باب المحلّ؟ بل سأجلس في بيتي؛ فإن لم أكن سأربح، فسوف لن أخسر على أقل تقدير.
أمّا الإنسان المتوكّل على الله والمعتقد بأمور أخرى، فسيقول: هل إنَّ تكليفي هذا اليوم هو الذهاب للعمل أم لا؟ فلا شأن لي بموضوع الربح والخسارة. فينظر هذا الشخص ليرى ما هو تكليفه، [وسيقول لنفسه:] لماذا أنت جالس في البيت؟ قم وافتح باب دكانك وانشغل بعملك؟
وما الذي سيحصل عندها؟ سترى بأنَّك قد خسرت. والسؤال الذي يطرح نفسه في هذا المقام هو: لو لم نكن نعلم بأمر الخسارة التي ستحصل لنا، لا عن طريق منامٍ ولا عن قول شخص صادق مُصدّق، فهل كنَّا سنذهب للعمل أم لا؟ بالتأكيد كنَّا سنذهب ونفتح باب المحل، وكلّ هذا في حالة عدم علمنا، فلا يكون هذا الأمر قد قيل لنا من قبل، ولا رأيناه في منامٍ أو مكاشفةٍ أو اطّلاعٍ على الأمور المستقبليّة، ولا أُخبرنا به من قبل شخص نثق بأنَّ كلامه لا يتخلّف عن الواقع، فلو تصرّفنا تصرّف إنسان عادي، فسنذهب غير ملتفتين إلى احتمال الخسارة، نعم، نذهب ونفتح باب المحلّ وننشغل بالأخذ والردّ والمعاملة، وإذا بنا نرى بأنَّ الشخص الذي اشترينا منه نوعًا من البضاعة قد غشّنا في المعاملة وباعها لنا بسعر أعلى من سعرها الواقعي بمليون تومان، أو أنَّ سعرها قد انخفض فجأةً. فنقول عندها: يا ليتنا لم نكن قد اشترينا تلك البضاعة ذاك اليوم! ليتنا اشتريناها في اليوم التالي! ماذا سنفعل بهذه البضاعة؟!
فلو حصل ذلك هل نحزن ونقول يا ويلاه؟! أم لا، فهذا أمر قد حصل، وهل يجب أن يربح الإنسان كلّ يوم لكي يضحك بملء فمه دائمًا؟! دع هذا الفم يُغلق في يوم من الأيام، فليس من الصلاح كثرة الضحك. ولـمّا كانت ملامح وجهه متفتحة يوميًا، دع وجهه يعبس هذا اليوم، فما الضير في ذلك؟ ولـمّا كان فمه مفتوحًا من شدّة الضحك حتّى أذنيه، فدعه يأخذ شكلًا منتظمًا هذا اليوم، فما المشكلة في هذا؟ فسيُفتح مرة أخرى في الغد، وسوف لن يبقى مُغلقًا إلى الأبد؛ فلا تكون الدنيا على منوال واحد دائمًا! لماذا تتغيّر ملامح الإنسان مع تغيّرات الحياة اليومية؟ فلو يتم تصوير شخص ما في أوقات مختلفة، فيتم تصويره عندما تكون فتحة فمه واصلة إلى أذنيه، وذلك لأنَّه قد أنجز معاملة تجارية ناجحة، يكون قد ربح فيها عشرة ملايين، فتراه سعيدًا جدًا وتراه يقول: هذا يوم ممتاز...
ولقد رأيت نماذج من ذلك بنفسي، فيدخل الشخص منزله فرحًا لأنَّه حصل على فرصة عمل أو ربح في معاملة تجارية على سبيل المثال، فيكون غارقًا في السعادة ويجلب معه علبةً من الحلوى، ويأخذ باللعب مع الأطفال، ويأخذ بالرقص؛ والأطفال يقولون: يا له من أب أو جدٍّ رائع! ليته يربح يوميًا على هذا المنوال؛ فكم أصبحت أخلاقه رفيعة هذا اليوم! ولكن الويل لهم عندما يأتي بذلك الحال الذي يقلب فيه البيت إلى مجلس عزاء. فقد قال لي أحدهم: تمّ استدعائي يومًا ليخبروني بعزلي عن المنصب الفلاني، أو العمل الفلاني وقالوا لي: لا تأت بعد هذا اليوم ـ وكان يرتقي المنبر في مكان ما ـ يقول: عندما عدت إلى المنزل كنت على سوء من الحال بحيث إنَّ ابنتي الصغيرة أخذت تبكي لحالي. قلت: تبًا لك! أهكذا يجب أن يكون وضع الإنسان؟ هل يجب أن يصل الحال بالإنسان بحيث إذا ما قيل له: لا تأت إلى هذا المكان بعد هذا اليوم، [يحصل له هذا الأمر!]؛ إن قيل لك: لا تأت، فلا تأت إذًا! واذهب إلى مكان آخر. هل يجب أن يصل الإنسان إلى هكذا وضع؟ هل يُطلق عليك إنسان والحال هذه؟! وهل أنت إنسان في واقع الأمر؟! بل هل أنت رجل؟! عليك أن تحلق ذقنك، وتزيل المسائل الأخرى، فأنت لست برجل حين يصل بك الأمر إلى هذا الحد!
لماذا يحصل كلّ هذا؟ لعدم وجود الاعتقاد، لسنا معتقدين بما نقول، فنحن نخدع الناس؛ نقوم بنصيحة الناس وتعليمهم المبادئ، في الوقت الذي لا نكون فيه معتقدين بما نقول، بل نحن نشكّ في هذه المبادئ، ونتكلّم إلى الناس ونحن في شكّ من أمرنا؛ فتلك المواضيع التي نحن في شكّ منها، نطرحها على الناس على أنَّها أمور يقينية. لماذا؟ كان من الأفضل ألاّ نطرحها، كان علينا أن نصل إلى محتواها بأنفسنا في بادئ الأمر، ثم نقوم بطرحها على الناس!
أمّا عندما يحلّ ذلك اليوم الذي يخسر فيه الإنسان، [فسيدخل المنزل بحال من الكآبة بحيث إذا ما تكلّم معه شخص فسيقول له:] مزاجي متعكّر هذا اليوم، فاتركوني وشأني؛ اذهب يا بنيّ والعب مع ذلك الطفل! اذهب! ليس لدي الوقت الآن، فرأسي يؤلمني! ويقلب المنزل إلى جهنّم والبرزخ؛ لم كلّ هذا؟ لأنَّه قد خسر مليونًا؛ إن كنت خسرت فقد خسرت، فأيّ نمط من الحياة هذا؟! إن كان هذا المليون سيأتي إلى جيبك، فقد صار الآن في جيب الرجل المجاور؛ فهو موجود لم يُعدم، كلّ ما في الأمر أنَّ مكانه قد تغيّر، فاستقرّ في جيب الرجل المجاور، فلم يبتعد عنك كثيرًا بحيث أقمت مأتمًا، بل ابتعد عنك بمسافة نصف متر؛ فلو كان قد ابتعد كثيرًا، وذلك بأن يكون قد ذهب إلى الهند أو أمريكا أو استراليا [لاختلف الأمر بعض الشيء]، ولكنّه لم يبتعد عنك سوى نصف متر فاستقرّ في جيب جارك، وأنت ترى أنَّه في جيبه؛ فهذا مما لا ينبغي أن يبعث على الحزن؛ ومن الممكن أن يتغيّر مكانه مرة أخرى لمسافة نصف متر ويعود إلى مكانه؛ وسيحصل ذلك في يوم ما.
هل تنسجم الروح المسيطرة على مباريات كرة القدم مع الروح الإنسانيّة وحبّ الإنسان لبني نوعه؟
وقد كنت أتكلم مع بعض الأصدقاء قبل عدّة أيام، فقلت: أنا أتعجب حقًا مما يجري في مباريات كرة القدم العالمية، فما يتعلق من الموضوع بمسألة الرياضة بحدّ ذاتها فهو جيّد ويمكن قبوله؛ أمّا ما يتعلّق بتلك الضجّة المثارة في دول العالم حول هذا الموضوع، وما يحصل من الاحتفالات الصاخبة المرافقة لفوز هذا الفريق، أو الإصابة بالسكتة القلبية نتيجة لخسارة ذلك الفريق، فهذا أمر بعيد عن الشأن الإنساني وحب الإنسان لبني نوعه. ألا يُفكر الإنسان بأنَّ الطرف الخاسر في هذه المسابقة سيحزن بنفس الدرجة التي يفرح بها هو من جراء هذا الفوز؛ وأيّ فوز هو؟! ذلك الفوز الذي يكون لعامل الحظ نسبة الثمانين بالمائة فيه، وهذا ما نلاحظه بأنفسنا، فقد شاء الله أن تفوز في هذه المسابقة. ألا تفكّر في نفسك بأنَّ هذا الفوز الذي سبّب لك كلّ هذه السعادة وجعلك تطلق أبواق السيارات ــ ولأيّ شيء؟ لأنَّ الكرة قد دخلت في الهدف ــ فجعلك تتصرّف وكأنَّ جبرائيل قد نزل من السماء، أو كأنَّك قد سيطرت على بقية الكواكب؛ ألا تُفكّر بأنَّ هذه السعادة يقابلها الآن نفس هذه الدرجة من الحزن لدى النساء والأطفال والرجال في البلد المقابل؟ فلو فكّر الإنسان بهذا الأمر، فهل سيفرح عندها؟ قد يفرح بعض الشيء، ولكن لا ينبغي أن يصل الأمر إلى هذا الحدّ من الصخب والضجيج حيث يكاد أحدهم أن يُمزّق نفسه، ولأيّ شيء؟ لأنَّه قد فاز.
لو كنَّا نفكّر بهذه الكيفية وهي أنَّنا كلنا عباد لله سواء منَّا نحن الذين نعيش في إيران، أو أولئك الذين يعيشون في العراق أو في الجزيرة العربية أو أمريكا أو أوروبا أو أستراليا أو أفريقيا، فالكلّ عباد الله، ولكلٍّ منهم علاقة بالله. أتتفطنون لما أقول؟ كلّ الناس تربطهم بالله رابطة، ولا ترجيح لأحدهم على الآخر؛ ولا ينبغي لأحد أن يتفاخر ويتباهى على الآخرين ويقول: فزنا عليهم ودمرناهم وكسرنا ظهورهم! فكيف سيكون حال الناس لو تمت مراعاة هذه الأمور؟ فهل سيكونون مستعدين للقيام بعمل يؤدِّي إلى حزن وأذى أطفال ورجال سكان البلد الفلاني كبارهم وشبابهم وصغارهم أم لا؟ وبالطبع لا بأس بذلك الحدّ من السرور بشرط ألاّ يتجاوز الحدّ المعقول.
لم يحصل لي ـ وبحمد الله ـ أن شاهدت مثل هذه المسائل، ولا أعتقد بأنَّ توفيق مشاهدتها سيحالفني بعد هذه المرة، فقد كنت في طهران في العام الماضي أو العام الذي قبله وحللت ضيفًا مساء أحد الأيام عند أحدهم، وكان ذلك مصادفًا لوجود هذا النوع من الألعاب، وقد كانت النتيجة خسارة الفريق الإيراني، كانت خسارة كبيرة للفريق الإيراني، وأيّة خسارة كانت [مزاح]!! وكانت المباراة تنقل عن طريق الإذاعة أو التلفزيون؛ بل كانت تُنقل عن طريق التلفزيون لأنَّني كنت أرى هيئة الشخص الذي يشاهد المباراة، وإذا به بذلك الوزن وبتلك الهيأة يبكي بعد انتهاء اللعبة، فيأخذ منديلًا ورقيًّا ليمسح به عيونه ويقول: اعذروني فحالي لا يساعدني على الاستمرار! فنظرت إليه وقلت شيئًا لا أستطيع أن أقوله الآن. هل تُسمّى رجلًا يا هذا؟ هل يُطلق عليك اسم رجل في واقع الحال؟ أنت بما نشاهد منك من مظاهر الرجولة وبهذا الوزن البالغ مائة وخمسين كيلوغرامًا وأنت تجلس خلف المنضدة وكنت تكاد أن تُمزِّق نفسك ...
ألا تفكّرون بحال أولئك الأشخاص الذين خسروا؟ أنحن نُسمي أنفسنا مسلمين وشيعة وغير ذلك؟! أمّا أولئك المساكين فلا هم من المسلمين ولا هم ممّا نفتخر به على غيرنا من أنَّنا شيعة! بل هم من النصارى أو اليهود أو البوذيين أو من أيّ دين آخر... فهل هذا هو منهج الإسلام؟ [وذلك بأنَّ نتكلّم بهذا الأسلوب] بشأن مباراة كمباراة كرة القدم مثلًا فنقول: فزنا عليكم وحطّمناكم. أهكذا يجب أن يكون تعاملنا مع الآخرين؟ أهذا هو نهج الإسلام؟ أهذه هي تعليمات الله ورسوله لنا، وهل يقتضي ذلك الارتباط بين العبد وربه أن يتعامل العبد مع الآخرين بهذا الأسلوب؟ أم يجب أن يكون التعامل بحيث يتعانقون مع بعضم البعض ويقبّل أحدهم الآخر [في نهاية المباراة]، ثم تأتي المباراة القادمة ويحصل فيها أن يُحقّق هذا هدفًا أو يخسر الطرف الآخر ثمّ يجلسون ويضحكون مع بعضهم البعض مرّة أخرى، لكي يكون ذلك عاملًا على التقريب بين الأمم والتئام الصدع الذي بينها. فأيٍّ من هذين المنهجين يطابق الأخلاق الإسلامية الكريمة؟ أيّهما؟
فما هذا التهريج والتطبيل والتعامل بعصبية وتعنّت، فسيأتي في الغد من يسحقك بشدّة، وهذا ما حصل بالفعل. فهل هذا نهج صحيح؟ ما الذي يقوله الله هنا؟ يقول: أتفعل ذلك مع عبادي؟ فخذها في الغد بما لا تستطيع معه النهوض. فذلك عبدي أيضًا، فهل أنتم وحدكم عبادي؟ هل أنتم المسلمون وشيعة أمير المؤمنين ـ والذين لا تملكون شيئًا من صفات علي ـ وحدكم عبادي؟ لا، فمسيحيّو البلد الفلاني ويهود البلدان الفلانية والبوذيّون هم عبادي أيضًا، فكلّ أولئك هم عبادي. فالعبوا مع بعضكم البعض، فلا ضير في ذلك، ولكن عليكم ألّا تُطلقوا مثل هذه الكلمات ولا تتعاملوا هكذا تعامل؛ فهل إنَّ هكذا نوع من التعامل يعمل على التقريب بين الأمم أم يعمل على تنافرها؟ لقد كانت سيرة رسول الله تعمل على تقريب الناس من بعضهم، ولم تكن تُباعد بينهم.
كيف تعامل أمير المؤمنين عليه السلام مع أبناء سائر الأديان؟
دخل أمير المؤمنين المسجد يومًا فوجد يهوديًا كان قد جاء إلى المسجد، فقال: السلام عليك يا أخا اليهود. أيّ شعور هذا الذي يشعر به أمير المؤمنين؟ لم يقل له: أنت يهوديّ، فلا أريد أن أتكلّم معك. أو اخرج من المسجد، فإن كان لك سؤال، فاسأله هناك. لم يتعامل معه بهذا الشكل، بل قال له: تفضّل اجلس، تكلّم بما تريد أن تطرحه، وإن كان لديك سؤال، فاسأل. أتلاحظون؟ وهنالك قضايا كثيرة أخرى.
الرياضيّون القدامى وقصص المروءة...
لقد كان الأبطال والرياضيّون في سابق الأيام رجالًا بمعنى الكلمة، فقد كانت أخلاقهم وتعاملهم مختلفة عمّا هي عليه اليوم؛ كانت لديهم فتوة، فعندما كانوا يعلمون بوجود نقطة ضعف لدى الخصم، لم يكونوا ليستغلّوها، أولئك هم الرجال! وهنالك حكايات كثيرة في هذا المجال تتحدّث عمّا فعله ذلك البطل وكيف أوقع نفسه أرضًا ليفوز خصمه عليه، كقصة بوريا الوليّ التي نسمع بها، فقضيته شبيهة بقضيّة الحاج طيِّب الذي تحدّثنا عنه تلك الليلة؛ فقصته معلومة لعلكم تعرفونها؛ فقد كان ذاهبًا إلى مدينة أخرى لمصارعة شخص هناك؛ وكان هذا الشخص شابًا يعاني بعض المشكلات في زواجه وقد اشترط عليه أهل الفتاة الفوز على بوريا الوليّ في المصارعة لتزويجه منها، فعلم بوريا الوليّ بهذا الأمر وقام بإسقاط نفسه على الأرض بشكل لم يتفطن فيه أحد من الحاضرين إلى أنَّ هذا السقوط كان متعمّدًا ــ إذ كان من أهل الفنّ والخبرة فعمل على إسقاط نفسه بشكل فنّي لا يثير شك الآخرين ــ مما أدّى إلى فوز ذلك الشاب. يقول بوريا الوليّ: ما إن سقطت أرضًا حتّى انفتحت عينا بصيرتي وأصبحت أرى أشياءً أخرى. فالله يُري الإنسان جزاء عمله ويضعه بين يديه، فبما أنَّك قد أسقطت نفسك أرضًا، فها أنا أفتح لك عين قلبك؟ هذا هو الذي جعل منه بوريا الوليّ. ويوجد الكثير من أمثال ذلك؛ فعندما كنت أتعلّم الخط على يدي أستاذ الخط المرحوم السيِّد حسين ميرخاني رحمه الله، كان يحكي لي من هذه القصص؛ فقد كان ـ علاوة على تدريس فن الخط ـ ينقل لي من هذه الحكايات التي كان قد رآها بنفسه ــ إذ كان يمارس هذه الرياضة في وقت من الأوقات ــ فكان ينقل حكايات كثيرة لا مجال لذكرها هذه الليلة.
كان أولئك من أصحاب الأخلاق، وكانوا يقومون بكسر أنفسهم أمام الآخرين. فكم لدينا في مجتمعنا من هذه النماذج ممن يتعامل بهذا الأسلوب الذي يتعامل به العظماء في علاقاتهم الاجتماعية وفي الرياضة وغيرها؟ كم لدينا منهم؟ وكم يوجد من الأشخاص الآخرين من خارج هذا المجتمع ممن يكون عملهم متطابقًا مع عمل الماضين، وممن يُشاهد الناس أعمالهم؟ ماذا أقول أكثر من هذا، كم من هؤلاء نعرف؟
إنَّ مجال تطبيق الأخلاق التوحيديّة والإسلاميّة والعرفانيّة وأخلاق أولياء الله هو مجال واسع وشامل، ولا يقتصر على مورد محدد مثل آداب الطعام وما شاكل ذلك، بل يشمل كافة العلاقات في المجالات الاجتماعية وفي مسائل الجوار وفي الرياضة وفي العلاقات السياسية وغيرها. ففي كل من هذه المجالات قواعد وبرامج تقتضي أن يتواضع الإنسان ويكسر نفسه في بعض الظروف، بينما تحتّم عليه في ظروف أخرى ألاّ يفعل ذلك. أتلاحظون؟ فهذا هو المنهج الذي يجب أن يتّبعه الإنسان، وهو المنهج الذي يرتضيه الله.
والغرض من كل كلامنا أنّنا نطلب من الله أن يعاملنا بفضله لا بعدله، وهكذا ومن مطاوي ما تقدّم ندرك أنَّ أحد مبادئ السلوك أن يتّكئ الإنسان على فضل الله.
كيف نوفّق بين الاتكاء على فضل الله وبين ضرورة العمل؟
ولكن أرسل بعض الأصدقاء إليّ رسالة يقول فيها: أنتم تقولون بأنَّ على الإنسان ألاّ يأخذ عمله بنظر الاعتبار؛ في الوقت الذي نكون فيه عاقدين الأمل على أعمالنا التي نقوم بها، وها أنتم تهدمون كلّ ما عوّلنا عليه، وتقولون بأنَّ على الإنسان أن ينظر إلى فضل الله وأن يكون لديه اعتقاد ويقين بذلك وما شابه ذلك من أمور!!
عليكم التدقيق في هذا الأمر وهو أن الإنسان إذا اقتنع بأنَّ عليه القيام بهذا العمل الذي أُمر بالقيام به، فمن المعلوم هنا بأنَّ الله هو الذي كلَّفه بالقيام به؛ وعليه أن يُركّز تفكيره في ذلك. أنا لا أنفي دور العمل في مُساعدة الإنسان على الارتقاء، بل ما كنت أقوله هو عدم صحة وصواب الاعتماد على هذا العمل؛ فالله هو الذي أعطاك التوفيق للقيام به، فلماذا تنسب هذا التوفيق إلى نفسك؟ لم أقل لا ينبغي العمل، فإنه لا بدَّ من العمل، غير أنَّ عليك ألاّ تقيم لعملك هذا وزنًا وتتباهى به أمام الله، إذ إنَّ الله سيقطع عليك الطريق ويقول لك: ومن أعطاك القابلية على النهوض للصلاة؟ ومن مكّنك من الاستيقاظ لكي تنال هذا التوفيق؟ فلو أنَّك نمت في فراشك ولم أُوقظك للصلاة، أكان ذلك أفضل لك؟! أكنت ستستطيع النهوض عندها أم لا؟! ولو أنَّني أمرضتك، أو جعلت النعاس يستولي عليك أو سلبتك ذلك التوفيق أو حصلت لك تلك المشكلة في حياتك اليوميّة... والكثير من أمثال هذه الـظروف التي تحصل لنا [أكنت ستستيقظ؟].
فكلامي كان يدور حول هذا الموضوع وهو أنّ على الإنسان القيام بالأعمال التي أمر بها العظماء وتلك التي كلّف بها بمقدار استطاعته، لا أن يحسب لها أمام الله حسابًا؛ فإن فعل ذلك، فسيقول له الله في المقابل: تعال نتحاسب عليها واحدة واحدة؛ ألم تكن تُفكّر بهذا الأمر؟ ألم يخطر على بالك ذلك الشيء؟ ألم يكن لديك ذلك القصور؟ فستكون المحصّلة هي خمسة بالمائة فقط وسأُلقي بالبقية جانبًا. أمّا إن قلنا: إلهي نحن قمنا بهذه الأعمال لأنَّك أنت الذي أمرت بها، وأنت الذي وفقتنا لها، ولو شئت لما فعلت ذلك؛ فلولا مشيئتك لكنَّا ننام، ولكانت أذهاننا تتشوّش بسبب ما يدور حولنا من مسائل، ولما حصل لنا التوفيق، ولما كان حالنا مُساعدًا [للعبادة]، لولاك لكان كلّ ذلك سيحصل لنا، فأنت الذي منحتنا هذا التوفيق. فإن كان الأمر على هذا المنوال، فسيقول الله: قبلت منك عملك الآن.
علينا أن لا نتعامل مع الله على أساس المقايضة، فنقول: عملت هذا العمل، وها أنا أريد الأجر في المقابل، فإن تصرّفنا بهذه الكيفية، فسيقول الله: أنا خير حسيب. فيجب علينا أن نجعل هذا أصلًا [في تعاملنا].
لقد كنت مصمّمًا على الحديث عن موضوع آخر هذه الليلة، إلاّ أنَّ الحديث قد انجرَّ إلى هذا الموضوع، فسأتحدّث عنه في فرصة قادمة إن شاء الله.
خلاصة الكلام: أساس حركة السالك الاعتماد على فضل الله لا على عدله
ما أريد أن أقوله هو: إنَّ أساس حركة الإنسان في سلوكه مبنيّ على الاتّكاء على فضل الله لا على عدله، وسأتحدّث عن هذا الموضوع في الليلة القادمة إن شاء الله، وهذا هو ما أوصى به العظماء، وهذا هو معنى الجملة «دَعْ ْ نَفسَكَ وتَعال»۱ فقد سُئل أحد العظماء: ما معنى الطريق، وما هو السير والسلوك؟ فأجاب: دَعْ نَفسَكَ وتَعال، وهو يعني الاعتماد على فضل الله؛ فالمعنى في هذه العبارة وعبارة الإمام السجاد واحد.
والاعتماد على فضل الله يعني ألاّ تحسب لنفسك حسابًا، فلا تقل: أنا الذي أقوم بهذا العمل، وأنا الذي عملت هذا، وأنا الذي عملت عمل الخير هذا؛ بل عليك أن تفعل الخير، ولكن عليك أن تعلم بأنَّ مصدر فعل الخير هذا غيرك. عندها سترى بنفسك نتيجة عملك، سترى بأنَّ حالك قد تغيَّر وقد أصبحت شخصًا آخر. [وسيحصل لك عكس هذه الحال] إن قمت بعمل الخير، ورتّبت عليه أثرًا وقلت مفتخرًا: لقد حصل لي التوفيق بحمد الله للقيام بعمل الخير هذا، فتأخذ بالانتفاخ ويُضاف إليك كيلوغرامين أو ثلاثة؛ على أنَّ ما أضيف إليك هو ليس وزنًا إضافيًّا، بل هو هواء.
فأصل وأساس السلوك متمثّل في هذه العبارة: دَعْ ْ نَفسَكَ وتَعال. فيجب أن تكون حركة السالك وابتداءً من الخطوة الأولى في سلوكه وحتّى آخر مرحلة قبل وصوله مبنيّةً على هذه العبارة، التي تعني اترك نفسك خارجًا وادخل المنزل. أرأيتم [كيف يتكلّم البعض فترونه يقول:] أنا! أنا الذي أتمتع بهذا العلم، وهذه الشخصيّة وهذه الهيبة وهذه المكانة! كما تراه لا يستطيع أن يمشي بمفرده عندما يريد الذهاب إلى مكان ما، وكأنه لا قدرة لأرجله على المشي فيما لو خرج وحده، فلا بدَّ من أن يحيط به ستة أشخاص، ثلاثة عن كل جانب، ويحمل أحدهم حقيبته ويحمل الثاني شيئًا آخر. فلا يستطيع الذهاب إلى مكان ما وحده، بل لا بدَّ من أن يرافقه جمع من الناس. إن أردت المجيء، فتعال لوحدك يا هذا، ألا تستطيع الكلام لو جئت بمفردك؟ ألا تستطيع التنفس عندها؟ هل ستُصاب بمرض الخناق، فلا بدّ من ستة أشخاص ليوفّروا لك الجوّ المناسب؟ يقول الله: لا تأتيني بستة أشخاص ــ وها نحن نذهب بستين شخصًا ــ بل تعال لوحدك، تعال إليّ بمفردك. وكم هي المتعة التي يشعر بها الإنسان عندما يتكلّم مع شخص لا يُقيم لنفسه وزنًا. [ويحصل العكس عندما يتكلم الإنسان مع شخص يكون كلّ كلامه:] أنا كذا، وأنا أتمتع بالمكانة الكذائية، فعندها لا يتحمّل الإنسان التحدّث معه لمدة خمسة دقائق، فيعتذر منه وينصرف. أمّا عندما يكون المتكلم من النوع الذي لا يحسب لماله، ولا لعلمه ولا لجاهه ولا لمكانته الاجتماعية والعائلية أيّ حساب، بل يتكلّم مع الطرف المقابل وكأنه هو لوحده، من دون تلك الأمور المتعلّقة به [فكم سيكون الحديث معه ممتعًا]
لقد مضى الوقت، وكان بنيّتي أن أذكر لكم حكاية، فذكّروني في الليلة القادمة إن شاء الله، وقولوا لي: ما الذي كنت تريد أن تحكيه لنا البارحة. الساعة الآن الثانية عشر والربع، وعليّ ألاّ أطيل الحديث، لكي لا أتعرّض لمؤاخذة الأصدقاء من الأطباء، وقد أُحرَم من هذا التوفيق، فعليّ مراعاة الوقت المحدّد لي. هل انتهى نصف الساعة المقرّر لي أم لا أيها الطبيب؟! [مزاح] نعم، نصف ساعة وعدة ثان! على أنَّ هذه الثواني أكثر من نصف ساعة!
سُئلت أمرأة عن عمرها ــ وكان عمرها ستين عامًا ــ فقالت: ثمانية عشر عامًا وعدة أشهر لا أكثر، ويُقال بأنَّ عمري ستون سنةً، وهذا غير صحيح!
نسأل الله أن يزيد معرفتنا بهذه الأمور ويوفقنا ببركة شهر رمضان وهذا الجو الذي حلَّ والحاكي عن نزول رحمة الله وفتح طرق السير باتجاهه.
يشعر الإنسان بأنَّ الجو قد تغيّر في شهر رمضان، وتغيّرت الأمور، ونحن نسأل الله أن يُديم ذلك علينا، ولا يجعله مقتصرًا على هذا الشهر المبارك؛ وأن يفتح عقولنا لإدراك هذه المواضيع وأن يمنَّ علينا بالتوفيق للاهتداء بهداية أولياء الله.
اللهمَّ صلِّ عَلى محمَّد وآلِ محمَّد