رسالة حول مسألة رؤية الهلال‏

 رسالة حول مسألة رؤية الهلال‏ 15753
مشاهدة المتن

المؤلّف العلامة آیة الله السيد محمد الحسين الحسيني الطهراني

القسم الفقه والأصول


التوضيح

مجموعة مراسلات ومكاتبات سماحة العلاّمة آية الله مُدّ ظلّه مع أحد أساتذته في علم الاُصول: المرحوم آية الله الحاج السيّد أبي القاسم الخوئي تغمّده الله برحمته في لزوم اشتراك الآفاق في رؤية الهلال لثبوت الأشهر القمريّة. ويضم هذا الكتاب بحوثاً علميّة، فقهية، فنيّة وحليّة موسوعيّة تتضمن خمس رسائل للطرفين وباللغة العربية.

/۱۷٦
بي دي اف بي دي اف الجوال الوورد

رسالة حول مسألة رؤية الهلال‏

1

رسالة حول مسألة رؤية الهلال‏

6
  •  

  •  

  • القسم الاوّل: كلام العلّامة الخوئيّ‌ حُوْل رُؤية الهلال

  •  

  •  

رسالة حول مسألة رؤية الهلال‏

7
  •  

  •  

  • بسم الله الرّحمن الرّحيم‌

  • و صلّى الله على محمَّدٍ و آله الطاهرين 

  • و لعنة الله على أعدائهم أجمعين‌

  •  

  •  

  • لا يخفي أنّ سماحة الآية الحجّة أُستاذنا العلّامة المحقّق الحاج السيّد أبي القاسم الخوئي مُدَّ ظلُّهُ العالي أصدر فَتويً منه حَول مسألة رؤية الهلال، على عدم لزوم اتّحاد البلاد في الآفاق، و كفاية الرُّؤية الاجماليّة لجميع الأصقاع و النّواحي في العالم.

  • و أدرجها مع ما استدلّ عليه دام ظلّه في رسالة منهاج الصّالحين.

  • و لمّا كانت هذه الفتوى مع الأدلّة التي أقامها عليها غير تامّةٍ عندي على حسب نَظَري القاصر؛ كتبتُ رسالةً و أرسلتُها إلى حضرته؛ و بيّنتُ فيها مواضع النَّقد و التّزييف؛ و أقمتُ براهين و شواهد على أنَّ الحقّ هو فتوى المشهور، بلزوم الاتّحاد في الآفاق في الرُّؤية، و عدم كفاية الرُّؤية للآفاق البعيدة. و ها نحن نورد أوّلًا عين عباراته دام ظلّه في رسالة المنهاج؛ ثمَّ نُورد عين الرّسالَة المُرسَلَة؛ حتّى تتبيّن مواقع الجواب، و يتّضح تطبيقه على مواضع ما أفاده مُدَّ ظلّه من كلامه.

  • قال مُدَّ ظلّه: مسئلة ۷٥:

  • إذا رُئي الهلال في بلدٍ كفى في الثّبوت في غيره مع اشتراكهما في الآفاق، بحيث إذا رُئي في بلد الرُّؤية، رئي فيه، بل الظّاهر كفاية الرُّؤية في بلدٍ ما في الثُّبوت لغيره من البلاد مطلقاً. بيان ذلك: البلدان الواقعة على سطح الأرض تنقسم إلى قِسمين:

  • أحدهما ما يتّفق مشارقه و مغاربه أو تتقارب.

  • ثانيهما ما تختلف مشارقه و مغاربه اختلافاً كبيراً.

  • أمّا القسم الاوّل، فقد اتّفق علماء الإماميّة على أنّ رؤية الهلال في بعض هذه‌

رسالة حول مسألة رؤية الهلال‏

8
  • البلاد كافيةٌ لثبوته في غيرها؛ فإنّ عدم رؤيته فيه إنّما يستند لا محالة إلى مانع يمنع من ذلك، كالجبال أو الغابات أو الغيوم أو ما شاكل ذلك.

  • و أمّا القسم الثاني (ذات الآفاق المختلفة) فلم يقع التَّعرُّض لحكمه في كتب علمائنا المتقدّمين؛ نعم حكي القول باعتبار اتّحاد الافق عن الشيخ الطوسيّ في المبسوط؛ فإذن المسألة مسكوت عنها في كلمات أكثر المتقدّمين؛ و إنّما صارت معركةً للآراء بين علمائنا المتأخّرين.

  • المعروف بينهم القول باعتبار اتّحاد الافق و لكن قد خالفهم فيه جماعةٌ من العلماءِ و المحقّقين؛ فاختاروا القول بعدم اعتبار الاتّحاد و قالوا بكفاية الرُّؤية في بلدٍ واحدٍ لثبوته في غيره من البلدان و لو مع اختلاف الافق بينهما.

  • فقد نقل العلّامة في التذكرة هذا القول عن بعض علمائنا و اختاره صريحاً في المنتهى و احتمله الشهيد الاوّل في الدُّروس و اختاره صريحاً المحدِّث الكاشانيّ في الوافي و صاحب الحدائق في حدائقه و مال إليه صاحب الجواهر في جواهره و النراقيّ في المستنَد و السيّد أبوتُراب الخونساري في شرح نجاة العباد و السيّد الحكيم في مُستمسَكه.

  • و هذا القول أي كفاية الرُّؤية في بلدٍ ما لثبوت الهلال في بلدٍ آخر و لو مع اختلاف أُفقهما هو الأظهر. و يدلّنا على ذلك أمران:

  • الدليل الاوّل على كفاية الرؤية الإجمالية

  • الأوّل: أنّ الشهور القمريّة إنّما تبدأ على أساس وضع سير القمر و اتّخاذه موضعاً خاصّاً من الشّمس في دورته الطبيعيّة و في نهاية الدورة يدخل تحت شعاع الشّمس و في هذه الحالة (حالة المحاق) لا يمكن رؤيته في أيّة بقعةٍ من بقاع الأرض؛ و بعد خروجه عن حالة المحاق و التمكّن من رؤيته ينتهي شهرٌ قمريّ و يبدء شهرٌ قمريّ جديد.

  • و من الواضح أنّ خروج القمرمن هذا الوضع هو بداية شهر قمريّ جديد لجميع بقاع الأرض على اختلاف مشارقها و مغاربها؛ لا لبقعةٍ دون أُخرى؛ و إن كان القمر مريتاً في بعضها دون الآخر؛ و ذلك لمانع خارجيّ كشعاع الشّمس أو حيلولة بقاع الأرض أو ما شاكل ذلك؛ فإنّه لا يرتبط بعدم خروجه من المحاق، ضرورة أنه ليس‌لخروجه منه أفرادٌ عديدةٌ؛ بل هو فردٌ واحدٌ متحقّقٌ في الكون؛ لا يعقل تعدُّده بتعدُّد البقاع و هذا بخلاف طلوع الشّمس؛ فإنّه يتعدَّد بتعدّد البقاع المختلفة؛ فيكون لكلِّ بقعةٍ طلوعٌ خاصّ بها.

  • و على ضوءِ هذا البيان فقد اتّضح أنّ قياس هذه الظاهرة الكونيّة بمسئلة طلوع الشّمس و غروبها، قياسٌ مع الفارق؛ و ذلك لأنّ الأرض بمقتضى كُرويّتها تكون بطبيعة

رسالة حول مسألة رؤية الهلال‏

9
  • الحال لكلِّ بقعة منها مشرقٌ خاصٌّ و مغربٌ كذلك؛ فلا يمكن أن يكون للأرض كلّها مشرقٌ واحدٌ و لا مغربٌ كذلك؛ و هذا بخلاف هذه الظاهرة الكونيّة؛ أي خروج القمر عن منطقة شعاع الشّمس؛ فإنّ لعدم ارتباطه ببقاع الأرض و عدم صلته بها لا يمكن أن يتعدّد بتعدّدها.

  • و نتيجة ذلك: أنّ رؤية الهلال في بلدٍ ما أمارةٌ قطعيّةٌ على خروج القمر عن الوضع المذكور الذي يتّخذه من الشّمس في نهاية دورته، و بداية لشهرٍ قمريّ جديدٍ لأهل الأرض جميعاً، لالخصوص البلد الذي يُرى فيه و ما يتّفق معه في الافق.

  • و من هنا يظهر أنَّ ذهاب المشهور إلى اعتبار اتّحاد البلدان في الافق مبنيّ على تخيّل ارتباط خروج القمرعن تحت الشعاع ببقاع الأرض، كارتباط طلوع الشّمس و غروبها؛ إلّا أنّه لاصلة كما عرفت لخروج القمر عنه ببقعة معيّنة دون أُخرى، فإنّ حاله مع وجود الكثرة الأرضيّة و عدمها سواءٌ.

  • الدليل الثاني على عدم اعتبار الاتحاد في الافق‌

  • الثّاني: النصوصُ الدالّة على ذلك و نذكر جملةً منها:

  • ۱ صحيحة هِشام بن الحكَم عن أبي عبدالله عليه‌السلام: «أنهُ قَالَ فِيمَنْ صَامَ تِسْعَةً وَ عِشْرِينَ قَالَ: إنْ كَانَتْ لَهُ بَيِّنَةٌ عَادِلَةٌ عَلَى أهْلِ مِصْرٍ أنهُمْ صَامُوا ثَلَاثِينَ عَلى رُؤْيَتِهِ، قَضَى يَوْماً».

  • فإنّ هذه الصحيحة بإطلاقها تدلُّنا بوضوحٍ على أنّ الشهر إذا كان ثلاثين يوماً في مصرٍ كان كذلك في بقيّة الأمصار بدون فرقٍ بين كون هذه الأمصار متّفقةً في آفاقها أو مختلفةً؛ إذ لو كان المراد من كلمة مصرفيها المصر المعهود المتفق مع بلد السائل في‌الافق لكان على الإمام عليه السّلام أن يبيّن ذلك؛ فعدم بيانه مع كونه عليه السّلام في مقام البيان كاشفٌ عن الإطلاق.

  • ٢ صحيحة أبي بصير عن أبي عبدالله عليه السّلام أنهُ سُئِلَ عَنِ الْيَوْمِ الذي يُقْضَى مِنْ شَهْرِ رَمَضَانَ؛ فَقَالَ: «لَا تَقْضِهِ إلَّا أنْ يَثْبُتَ شَاهِدَانِ عَادِلَانِ مِنْ جَمِيعِ أهْلِ الصَّلَوةِ مَتَى كَانَ رَأسُ الشَّهْرِ؛ وَ قَالَ: لَا تَصُمْ ذَلِكَ الْيَوْمَ الذي يُقْضَى إلَّا أنْ يَقْضِي أهْلُ الأمْصَارِ؛ فَإنْ فَعَلُوا فَصُمْهُ».

  • الشاهد في هذه الصحيحة جملتان: الاولى: قوله عليه السّلام: «لَا تَقْضِهِ إلَّا أنْ يَثْبُتَ شَاهِدَانِ عَادِلَانِ مِنْ جَمِيعِ أَهْلِ الصَّلَوةِ» إلخ. فإنّه يدلّ بوضوح على أنّ رأس الشهر القمري واحدٌ بالإضافة إلى جميع أهل الصّلاة على اختلاف بلدانهم باختلاف آفاقها

رسالة حول مسألة رؤية الهلال‏

10
  • و لا يتعدّد بتعدّدها.

  • الثانية قوله عليه السّلام: «لَا تَصُمْ ذَلِكَ الْيَوْمَ إلَّا أنْ يَقْضِي أَهْلُ الأمْصَارِ»؛ فإنّه كسابقه واضح الدّلالة على أنّ الشهر القمريّ لا يختلف باختلاف الأمصار في آفاقها؛ فيكون واحداً بالإضافة إلى جميع أهل البقاع و الأمصار و إن شئت فقل: إنّ هذه الجملة تدلّ على أنّ رؤية الهلال في مصرٍ كافيةٌ لثبوته في بقيّة الامصار، من دون فرقٍ في ذلك بين اتّفاقها معه في الآفاق أو اختلافها فيها؛ فيكون مردّه إلى أنّ الحكم المترتّب على ثبوت الهلال أي خروج القمر عن المحاق حكمٌ لتمام أهل الأرض، لا لبقعةٍ خاصّةٍ.

  • ٣ صحيحة إسحاق بن عمّار قال: سَألْتُ أبَا عَبْدِ اللَهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ عَنْ هِلَالِ رَمَضَانَ يُغَمُّ عَلَيْنَا في تِسْعٍ وَ عِشْرِينَ مِنْ شَعْبَانَ؛ فَقَالَ: «وَ لَا تَصُمْهُ إلَّا أنْ تَرَاهُ، فَإنْ شَهِدَ أهْلُ بَلَدٍ ءَاخَرَ أنَّهُمْ رَ أوْهُ فَاقْضِهِ».

  • فهذه الصحيحة ظاهرة الدلالة بإطلاقها على أنّ رؤية الهلال في بلدٍ تكفي لثبوته في سائر البلدان بدون فرق بين كونها متّحدةً معه في الافق أو مختلفةً؛ و إلّا فلابدّ من التقييد بمقتضى ورودها في مقام البيان.

  • ٤ صحيحة عبدالرحمان بن أبي عبدالله قال: سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ اللَهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ عَنْ هِلَالِ رَمَضَانَ يُغَمُّ عَلَيْنَا في تِسْعٍ وَ عِشْرِينَ مِنْ شَعْبَانَ؛ فَقَالَ: «لَا تَصُمْ إلَّا أنْ تَرَاهُ؛ فَإنْ شَهِدَ أهْلُ بَلَدٍ ءَاخَرَ فَاقْضِهِ».

  • فهذه الصحيحة كسابقتها في الدلالة على ما ذكرناه.

  • الشواهد على عدم لزوم الاشتراك في الآفاق‌

  • و يشهد على ذلك ما ورد في عدّة رواياتٍ في كيفيّة صلاة عيدَي الأضحى و الفطر و ما يقال فيها من التكبير من قوله عليه السّلام في جملة تلك التكبيرات:

  • «أسْألُكَ بحقّ هَذَا الْيَوْمِ الذي جَعَلْتَهُ لِلْمُسْلِمِينَ عِيداً».

  • فإنّ الظاهر أنّ المشار إليه في قوله عليه السّلام: «هَذَا اليَوْمِ» هو يومٌ معيّنٌ خاصٌّ الذي جعله الله تعالى عيداً للمسلمين؛ لا أنّه كلّ يوم ينطبق عليه أنّه يوم فطر أو أضحى على اختلاف الأمصار في رؤية الهلال باختلاف آفاقها.

  • هذا من ناحيةٍ؛ و من ناحيةٍ أُخرى أنّه تعالى جعل هذا اليوم عيداً للمسلمين كلّهم، لا لخصوص أهل بلدٍ تقام فيه صلاة العيد.

  • فالنّتيجة على ضوئهما أنّ يوم العيد واحدٌ لجميع أهل البقاع و الأمصار على اختلافها في الآفاق و المطالع.

رسالة حول مسألة رؤية الهلال‏

11
  • و يدلّ أيضاً على ما ذكرناه الآية الكريمة الظاهرة في أنّ ليلة القدر ليلةٌ واحدةٌ شخصيّةٌ لجميع أهل الأرض على اختلاف بلدانهم في آفاقهم؛ ضرورة أنّ القرآن نزل في ليلةٍ واحدةٍ؛ و هذه اللَّيلة الواحدة هي ليلة القدر و هي خيرٌ من ألف شهرٍ و فيها يُفرق كلُّ أمرٍ حكيمٍ.

  • و من المعلوم أنّ تفريق كلِّ أمر حكيم فيها لا يخصّ بقعة معيّنةً من بقاع الأرض؛ بل يعمّ أهل البقاع أجمع. هذا من ناحيةٍ و من ناحيةٍ أُخرى قد ورد في عدّةٍ من الرّوايات أنّ في ليلة القدر يكتب المنايا و البلايا و الأرزاق و فيها يفرق كلّ أمرٍ حكيمٍ.

  • و من الواضح أنّ كتابة الأرزاق و البلايا و المنايا في هذه اللّيلة إنّما تكون لجميع أهل العالم؛ لا لأهل بقعةٍ خاصّةٍ؛ فالنّتيجة على ضوئهما أنّ ليلة القدر ليلةٌ واحدةٌ لأهل الأرض جميعاً؛ لا أنّ لكلّ بقعةٍ ليلةٌ خاصّةٌ.

  • هذا مضافاً إلى سكوت الروايات بأجمعها عن اعتبار اتّحاد الافق في هذه المسألة؛ و لم يرد ذلك حتّى في روايةٍ ضعيفةٍ.

  • و منه يظهر أنّ ذهاب المشهور إلى ذلك ليس من جهة الروايات؛ بل من جهة ما ذكرناه من قياس هذه المسألة بمسألة طلوع الشّمس و غروبها و قد عرفت أنّه قياس مع الفارق انتهى ما أفاده أطال الله عمره.

رسالة حول مسألة رؤية الهلال‏

13
  •  

  •  

  • الموسوعة الاولى حُوْل رُؤية الهِلال‌

  •  

  •  

رسالة حول مسألة رؤية الهلال‏

15
  •  

  •  

  • بسم الله الرّحمن الرّحيم‌

  • و صلّى الله على محمّدٍ و آله الطاهرين 

  • و لعنة الله على أعدائهم أجمعين.

  • السّلام عليك‌يا أميرالمؤمنين و إمام الموحّدين 

  • و سيّد الوصيّين و قائد الغُرِّالمحجَّلين‌و رحمة الله و بركاته‌

  •  

  •  

  • و حَيَاةِ أشْواقي إلَيْكَ و تُربةِ الصَّبرِ الجَميلِ‌***مَا استَحْسَنَتْ عَيْني سِواكَ وَ ما صَبَوتُ إلى خَليلِ‌
  • أيا كَعبةَ الْحُسْنِ التي لِجَمالِها***قُلوبُ اولِي الألْبابِ لَبَّتْ وَ حَجَّتِ‌
  • بَريقَ الثَّنايا منكَ أهدى لنا سَنا***بُرَيْقِ الثَّنايا فهْو خيرُ هَديَّةِ
  • وَ أوْحى لِعَيْني أنَّ قَلْبي مُجاوِرٌ***حِماك فَتاقَتْ لِلْجَمالِ وَ حَنَّتِ‌
  • وَ لَوْلاك مَا اسْتَهْدَيْتُ بَرْقاًو لاشَجَتْ‌***فُؤادي فَأبْكَتْ إذ شَدَتْ وُرقُ أيْكَةِ

رسالة حول مسألة رؤية الهلال‏

16
  • سَلامٌ على السيّد السَّند و الحبر المعتمد أُستاذنا الأفخم العَلَم العالِم العلّام حُجَّة المسلمين و الإسلام الآية العظمى الحاجّ السيّد أبي القاسم الخوئيّ أمدّ اللهُ أظلاله الشّارفة و بلّغه غاية مناه بحقّ مُحَمَّدٍ و عِترتِهِ الطّاهِرَة.

  • أ رَجُ النَّسيمِ سَرَى مِنَ الزَّوراءِ***سَحَراً فَأحْيَى مَيِّتَ الأحْياءِ
  • و لِفِتْيَةِ الحَرَمِ المَنيعِ وَ جيرةِ الْ‌***حَيّ المَريعِ تَلَفُّتي وَ عَنائِي‌
  • وا حَسْرَتا ضاعَ الزَّمانُ و لَمْ أفُزْ***مِنْكُمْ أُهَيلَ مَوَدَّتي بِلِقاءِ
  • وَ مَتى يُؤَمِّلُ راحَةً مَنْ عُمْرُهُ‌***يَوْمانِ يَومُ قِليً و يَوْمُ تَناءِ
  • يا ساكِنِي الْبَطْحاءِ هَلْ مِن عَوْدَةٍ***أحْيي بِها يا ساكِنِي الْبَطْحاءِ
  • إن يَنْقَضي صَبْري فَلَيْسَ بِمُنْقَضٍ‌***وَ جْدِي الْقَديمُ بِكُمْ و لا بُرَحائِي‌
  • واهاً عَلى ذاكَ الزَّمانِ وَ ما حَوَى‌***طيبُ الْمَكانِ بِغَفْلَةِ الرُّقْباءِ
  • أيّامَ أرْتَعُ في مَيادينِ الْمُنى‌***جَذِلًا وَ أرفُلُ في ذُيولِ حِباءِ
  • ما أعْجَبَ الأيّامَ تُوجِبُ لِلْفَتى‌***مِنَحاً وَ تَمْحَنُهُ بِسَلْبِ عَطاءِ
  • وَ كَفي غَراماً أنْ أبيتَ مُتَيَّماً***شَوْقي أمامي وَ الْقَضاءُ وَرائي‌
  • و بعد إهداءِ أحسن مراتب السلام و أكملِ التحيّات و أتمّ الإكرام و إبراز غاية ودّي و إخلاصي و ولهي وفرط اشتياقي إلى لقيا طلعتك المنيرة و وجهك الميمون و الاستمطار من شآبيب فيضك الواسع و نفحات سرّك المصون.

  • أحمده على آلائه التي منها أن وفّقني للمُثول بين يديك في هذه اللّحظات بهذه الوُريقات بالكتابة التي هي إحدى اللقائين؛

  • كما أحمده على بلائه الذي منه أن حرمني منذ سنين عديدة عن التشرّف باستلام عتبة باب العلم و معدن الحكمة مولانا أميرالمؤمنين عليه صلوات الله و الملائكة المقرّبين؛

  • و عن زيارة سماحتك بوّابه الآية الحجّة؛ جعله الله من عباده المخلَصين و أوليائه المقرّبين؛ آمين ربّ العالمين.

  • سبب كتابة الموسوعة

  • ثمّ إنّي طالما كنتُ مطّلعاً على فُتياكم في مسألة رؤية الهلال و عدم لزوم الاشتراك‌

رسالة حول مسألة رؤية الهلال‏

17
  • في الآفاق في رسالة منهاج الصالحين؛ ولكنّ المانع من تذكاري إيّاكم بجهات المسألة

  • أوّلًا: أنّ اختلاف الآراء أمرٌ دارجٌ بين الطلبة و الأعلام؛

  • و ثانياً: أنّ مثلي مع ضيق النطاق و قصور الباع و البضاعة المزجاة لايليق للتعرّض‌حول هذه المسأئل؛ و لكن لمّا كان عيد الفطر في هذه السنة معركةً عجيبةً في جميع النواحي و باعثاً للاختلاف الشديد الموجب لترك الجماعات و سقوط الابّهة و العظمة و بروز النفاق و أيادي الشيطان؛ هذا من ناحيةٍ؛ و من ناحيةٍ أُخرى؛ أنَّ صدرك الواسع و حجرك المبسوط أجازا للمشتغلين من قديم الأيّام، البحث و النَّقد، و إن طالا و اتّسعا مع اللُّطف و الكرامة و الإرشاد و الهداية؛ صلَّيتُ و استخرتُ الله ثمّ أجزتُ نفسي و تجرّأت أن أكتب لسماحتك مطالب حول هذه المسألة؛ فإن تلَقَّيتَها بعين القبول و الرضا فلا مناص من تجديد النظر و تبديل الكلام بفتوى لزوم الاشتراك في الآفاق. و ما توفيقي إلّا بالله عليه توكّلت و إليه أُنيب.

  • بسم الله الرحمن الرحيم و الحمد للّه ربّ العالمين الذي جعل الشّمس ضياءاً و القمر نوراً ليعلم الناس عددَ السِّنينَ و الحساب. قال عزَّ مِن قائلٍ: {فالِقُ الْإِصْباحِ وَ جَعَلَ اللَّيْلَ سَكَناً وَ الشَّمْسَ وَ الْقَمَرَ حُسْباناً ذلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ‌}۱؛ و قال: {يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَواقِيتُ لِلنَّاسِ وَ الْحَجِ}‌٢ و قال: {الشَّمْسُ وَ الْقَمَرُ بِحُسْبانٍ}‌٣.

  • و صلّى الله على خير من أُوتي جوامع الكلَم و فصل الخطاب، نبيّنا الأعظم، محمّد بن عبد الله، الحميد المحمود و على آله الطيّبين الطاهرين أُمناءِ المعبود.

  • و بعد فهذه رسالةٌ حول مسألة رؤية الهلال؛ جمعت فيها ما مرّ على فكري القاصر و خطر على قلبي الفاتر، من لزوم اشتراك البلدان في الآفاق بالنسبة إلى رؤية الهلال في الحكم بدخول الشهر الهلاليّ و عدم كفاية الرُّؤية في الآفاق البعيدة.

  • فنقول بحول الله و قوّته و لا حول و لا قوّة إلّا بالله العليّ العظيم:

  • إن البحث حول هذه المسألة يقع في جهتين؛ الاولىالجهة العلميّة؛ و الثانيةالجهة الشرعيّة.

    1. الآية ٩٦، من السورة ٦: الانعام.
    2. الآية ۱۸٩، من السورة ٢: البقرة.
    3. الآية ٥، من السورة ٥٥: الرحمن.

رسالة حول مسألة رؤية الهلال‏

18
  • البحث عن الجهة العلميّة في المسألة

  • امّا البحث عن الجهة الاولى فسرد الكلام فيها يقع بعد تمهيد مقدّمات و إن كان بعضها نافعاً للجهة الشرعيّة أيضاً.

  • المقدّمة الاولى والثانية

  • الاولى: نسبة القرب و البعد بين الكرتين من الكرات السَّماويّة لا تختلف؛ سواءٌ جعلنا الاولى ساكنةً و الاخرى متحرّكةً أو بالعكس؛ فما في فرضيّة بطلميوس من سكون الأرض و حركة الشّمس حولها و حركة القمر حول الأرض لا يوجب اختلافاً في القرب و البعد و النّسبة سواءٌ.

  • إن مدار حركة الأرض حول الشّمس في الهيئة الجديدة عبارةٌ عن منطقة البروج التي كانت مداراً لحركة الشّمس حول الأرض في الهيئة القديمة.

  • و لذلك لا يُرى الاختلاف الفاحش بين الزّيجات المستخرجة من مرصودات المتقدّمين كصاحب المِجَسطي: بطلميوس و البتّانيّ و الحكيم محيي الدين المغربيّ و المحقّق الطوسيّ و الراصدين في سمرقند و الزيج الهنديّ و الزيج البَهادُريّ و أصحاب زيج أُلُغ بيك و بين حساب منجّمي الغرب جمعياً، و القليل من الاختلاف المشاهدبينهما إنّما هو بسبب أدقّيّة نظر المتأخّرين.

  • و العجب أنّ زيج لُورِّية الفرنسيّ مثل الزيج البهادريّ في غالب المحاسبات و هو أدقّ الزيجات. نعم إن كان بينهما فرق و اختلاف ففي الثَّواني و الثَّوالث و الرَّوابع و أحياناً في الدقائق لا في الدرجات في الأغلب؛ هذا مع بعد العهد و طول الزَّمن.

  • الثانية: أنّ القمر يدور حول الأرض من المغرب إلى المشرق دوراً كاملًا يساوي ٣٦۰ درجةً في طول ٢۷ يوماً و ۸ ساعاتٍ تقريباً. و هذه المدّة تسمّى شهراً نجوميّاً. فالقمر يطوي المدار نحو المشرق كلّ درجة منه قريب ساعتين.

  • و بما أنّ الأرض بحركتها الانتقاليّة أيضاً تسير نحو المشرق دوراً كاملًا يساوي ٣٦۰ درجةً في طول ٣٦٥ يوماً و ربع يوم، فتطوي المدار نحو المشرق كلّ يومٍ ما يقرب درجةً و هو ٥٩ دقيقةً و ٥۸ ثانيةً يعني أقلّ من درجةٍ بقليلٍ فلا بدّ عند حساب الشَّهر الهلاليّ الملحوظ فيه الزّمان الحاصل بين اقترانيهما المتواليين أن يلاحظ مجموع مقدار حركة القمر و حركة الأرض و هذا الزمان يبلغ ٢٩ يوماً و ۱٣ ساعةً تقريباً و هذه المدّة تسمّى شهراً هلاليّاً.

  • فالقمر في الشهر الهلاليّ يدور في المدار دوراً أزيد من الدورة الكاملة و هو

رسالة حول مسألة رؤية الهلال‏

19
  • المقدّمة الثالثة و الرابعة

  • الثالثة: أنّ الشهر القمريّ و هو فصل زمان مقارنتي الشّمس و القمر المتواليتين أو مقابلتهما كذلك أو فصل زمان وقوعي الشّمس و القمر المتواليين على خطّ نصف النّهار الواحد يطول تسعةً و عشرين يوماً و اثنتي عشرة ساعةً و أربعاً و أربعين دقيقةً تحقيقاً. ( ٢٩/ ۱٢/ ٤٤).

  • فلمّا كان هذا المقدار يتعسّر ضبطه بل يتعذّر العلم به لعامّة الناس فلا يعرفه إلّا الأوحديّ العالم الخبير بالزّيجات المستخرجة من الأرصاد الصحيحة الدقيقة جعلوا۱ شهراً واحداً ثلاثين يوماً و آخر تسعةً و عشرين يوماً و هكذا إلى آخر السنة فيصير مجموع الأيّام على هذا النهج في السنة الكاملة القمريّة يساوي ثلاثمأة و أربعاً و خمسين يوماً و ثمان ساعاتٍ و ثمان و أربعين دقيقةً ٤۸/ ۸/ ٣٥٤ = (٤٤/ ۱٢/ ٢٩) × ۱٢ ثمّ لمّا كان هذا المقدار أزيد من ٣٥٤ يوماً بثمان ساعات و ثمان و أربعين دقيقةً (٤۸/ ۸) جعلوا للسنوات القمريّة كبائس فجعلوا لكلّ ثلاث سنين تقريباً سنةً كبيسةً و لكلّ ثلاثين سنةً إحدى و عشرة سنةً كبيسةً تحقيقاً و جعلوا في هذه السنة الشهور التامّة سبعةً و الشهور الناقصة خمسةً فيصير المجموع ٣٥٥ يوماً و على هذا النّهج كانوا يستخرجون التقاويم و جعلوا الكبائس سنة ٢ و ٥ و ۷ و

    1. - و سمّوا الأوّل شهراً وسطيّاً و هذا الشهر شهراً حقيقيّاً و الأوّل مبنى الأرصاد و الثاني يستخرج من الأوّل بعد محاسبة التعديلات و غيرها (منه عُفي عنه).

رسالة حول مسألة رؤية الهلال‏

20
  • ۱۰ و ۱٣ و ۱٦ و ۱۸ و ٢۱ و ٢٤ و ٢٦ و ٢٩.

  • كلّ هذا على منهج الملل و الأقوام قبل الإسلام و بعده الذين جعلوا الشهور القمريّة مبدء تواريخهم بلا نظر إلى الامور الشرعيّة.

  • الرّابعة: أنّ كلّ كوكب إذا أشرق على كوكب آخرٍ أصغر منه يكون نصف الطرف المستشرق من الكوكب الأصغر المواجه للكوكب الأكبر أكبر من الطرف الآخر المظلم الذي لايواجه الكوكب المشرق.

  • فإذن يحدث بهذا الإشراق ظلٌّ مخروطيّ ممدودٌ تكون قاعدته الدائرة الصغيرة المنطبقة على دائرة فصل النور و الظُّلمة.

  • فلمّا كانت الأرض أصغر من الشّمس بكثيرٍ فبطلوع الشّمس و إشراقها يحدث ظلٌ مخروطيّ طويلٌ تكون قاعدته‌

  • و بما أنّ الأرض تدور حول نفسها مرّةً واحدةً في كلّ يوم و ليلةٍ بحركتها الوضعيّة فلا محالة يدور هذا الظلّ المخروطيّ حول الأرض دائماً و لا يمكث آناً أبداً و إن شئتَ فقل إنّ الأرض تدور دائماً في هذا الظلّ المخروطيّ.

  • فابتداء اللّيل في كلّ ناحية هو أوّل دخول الأرض في هذا المخروط. فلا محالة لا يكون في جميع العالم ابتداء اللّيل إلّا في خطٍّ واحدٍ۱ شمالًا و جنوباً و هذا الخطّ هو

    1. ما ذكرنا من انطباق أوّل اللّيل على خطٍّ واحدٍ شمالًا و جنوباً إنّما هو على المسامحة للدّلالة علي المقصود علي سبيل التقريب إلى الذهن؛ وإلّا ففي الحقيقة لا يكون أوّل اللّيل في نقطة من الأرض إلّا إذا دخلت هذه النقطة في نقطةٍ من دائرة الظلّ المخروطيّ و هذه الدائرة صغيرةٌ لا تكاد تمرّ على القطبين لكنّها في أوّل الحمل و أوّل الميزان حيث انطبقت دائرة معدّل النهار على منطقة البروج تكون موازية لدائرة نصف نهارِ مارٍّ على القطبين و في غيرهما حيث تسير الأرض شمالًا و جنوباً و يصير المعدّل بعيداً عن المنطقة إلى نهاية مقدار ٢٣ درجةً و ٣۰ دقيقةً و ۱۷ ثانيةً فلا محالة خرجت عن الموازاة؛ و هكذا الأمر بالنسبة إلى آخر اللّيل و هو الخروج عن الظلّ.(منه عفي عنه)

رسالة حول مسألة رؤية الهلال‏

21
  • نصف النهار للبلاد الواقعة جميعاً في طولٍ واحدٍ إذا بلغ حدّ غروب الشّمس.

  • و بهذه المناسبة لا يكون آخر اللّيل و هو الخروج عن الظلّ إلّا في خطّ واحد كذلك و لا يكون نصف اللّيل و ثُلثه و ربعه و خمسه و هكذا إلّا في خطوطٍ خاصّةٍ لا يتعدّاها إلى غيرها.

  • و بالمناسبة الإضافيّة أيضاً لا يكون أوّل النهار و آخره و وسطه إلّا في خطوطٍ خاصّةٍ بعينها لايتعدّاها إلى غيرها، لأنّ الظلّ المخروطيّ حيث يتحرّك، يتحرّك بتبعه نصف كرة الأرض المستضئُ بتبع حركة الظّلّ المخروطيّ؛ ففي كلّ نقطة من نقاط العالم على حسب اختلاف مشرقه و مغربه يوم خاصّ و ليلةٌ خاصّةٌ.

  • المقدّمة الخامسة

  • الخامسة: قسّموا الدائرة الكاملة ثلاثمأة و ستّين درجةً؛ فقسّموا الأرض بما أنّها تدور حول نفسها على محور القطبين شرقاً و غرباً على ٣٦۰ درجةً.

  • و اعتبروا هذا التقسيم في البلاد مبتدئاً من جزائر خالدات التي كانت في غرب إسبانيا مائلًا نحو المشرق و سمّوها بالطول الجغرافيائي.

رسالة حول مسألة رؤية الهلال‏

22
  • مثلًا قالوا إنّ طول مكّة ۷۷ درجة۱ يعني أنّها بعيدة عن هذه الجزيرة شرقاً بهذا المقدار.

  • و لمّا أصبحت هذه الجزائر غريقةً تحت الماءِ٢ ذهبوا يعيّنون المبدء من رصد كرنويج الواقع في ناحية الشمال الغربيّ من مدينة لندن و ذلك، لأنّ هذه المدينة واقعة في ما يقرب من أوّل المعمورة طولًا من الرُّبع المسكون و لا يختلف طولها عن جزائر خالدات إلّا بدرجاتٍ قليلةٍ أوّلًا؛

  • و لأنّ فيها رصداً يمكن النظر إلى الكواكب جميعاً و إلى السيّارات و الشّمس و القمر و إرصادها في أيّ نقطةٍ من المدار ثانياً.

  • فإذا وصل مركز الشّمس إلى نصف النهار بالنسبة إلى ذلك الرصد، جعلوا يقدّرون أول مبدء الطول.

  • المنجّم المعروف: فِلا مِسْتيد في القرن الثامن عشر الميلاديّ كان رئيساً لهذا الرصد؛ و ألّف تأليفاتٍ نافعةً لطول البلاد و عرضها و خرائط مهمّةً و طرقاً نافعةً لإرصاد الكواكب.

  • و قسّموا الأرض أيضاً جنوباً و شمالًا على مأة و ثمانين درجةً و سمّوها بالعرض الجغرافيّائي؛ و كان المبدء خطّ الإستواء المسمّي بدلدائرة الاعتداليّة أو معدّل النّهار إلى قطبَي الشمال و الجنوب.

  • و قسّموا النواحي الشماليّة على ٩۰ درجةً مائلًا نحو الشمال حتّى إذا وصل نفس القطب الشماليّ.

  • مثلًا عرض بلدة طهران يساوي ٥٩ ثانيةً و ٤۱ دقيقةً و ٣٥ درجةً يعني أنّها واقعةٌ في العرض الشماليّ على هذا البُعد من دائرة معدّل النّهار و قسّموا النواحي الجنوبيّة أيضاً كذلك و سمّوها بالعرض الجنوبيّ.

  • المقدّمة السادسة والسابعة

  • السّادسة: أنّ الأرض كرويّة لا مسطّحة و هذه النظريّة قد أصبحت في هذا العصر من البديهيّات التي لا مجال للنقد و البحث فيها أيّ مجال فإذن تطلع الكواكب و تغرب و منها القمر في ناحية دون أُخرى.

  • السابعة: أنّ الافق الحقيقيّ في كلّ ناحية هو محيط الدائرة العظيمة التي تنصف‌

    1. قال في شرح الجِغمينيّ: طول مكّة من جزائرخالدات (عزي) أي سبع و سبعون درجةً و عشر دقائق و عرضها (كام) أي إحدى و عشرون درجةً و أربعون دقيقةً.(منه عفي عنه)
    2. و هذا بعد ما حاسبوا الطول من ساحل البحر الغربيّ من إسبانيا في مدّة طويلةٍ.

رسالة حول مسألة رؤية الهلال‏

23
  • كرة الأرض بنصفين متساويين بحيث يمرّ الخطّ القائم المارّ على رؤوس أهل هذه الناحية على مركز هذه الدائرة. و الافق المحلّي في كلّ ناحية هو أكبر دائرة صغيرةٍ على سطح الأرض يراها أهل هذه الناحية؛ موازيةً للدائرة العظيمة.

  • مثلًا إذا قام انسان في بيداء سهل بلاجبلٍ يرى في غاية مدّ بصره أنّ السماء متّصلةٌ بالأرض بالدائرة التي تحيطها من كلّ جانب. هذه الدائرة تسمّى بالافق المحلّي.

  • و المناط في إمكان رؤية الكواكب و عدمه، كونها فوق الافق المحلّي و كونها تحت هذا الافق؛ لا الافق الحقيقي؛ و هذا واضحٌ.

  • المقدّمة الثامنة

  • الثامنة: أنّ القمر في حال المقارنة مع الشّمس تنطبق الدائرة الظاهرة۱ منه على الدائرة المستضيئة من شعاع الشّمس فإذن لا يُرى نصفه الذي يسامت الأرض. و هذه الحالة تسمّى بالمحاق لمحق نوره.

    1. المراد من الدائرة الظاهرة من القمر هو نصفه الذي يسامت الأرض في أيّ حال و زمان. و هذه الدائرة ربّما تكون مرئيّة بتمامها و يسمّى البدر و هو في حال المقابلة، و ربّما تكون غير مرئيّة أصلًا و يسمّى المحاق و هو في حال المقارنة و ربّما تكون بعضها مرئيّة فقط و هو في حال كونه هلالًا و في سائر أحواله كالتّسديس و التّربيع و التّثليث. (منه عفي عنه).

رسالة حول مسألة رؤية الهلال‏

24
  • و هذا على قسمين:

  • الاوّل: حالة الكسوف و هي حالة اجتماع الأرض و القمر في درجةٍ واحدةٍ من برجٍ واحد على عرضٍ واحدٍ و على رأي القدماء اجتماع الشّمس و القمر كذلك.

  • الحالة الثانية: فيما إذا كانا في برجٍ واحدٍ و درجةٍ واحدةٍ و لكن لم يكونا في عرضٍ واحدٍ؛ بل كان الاختلاف بينهما قليلًا إلى خمس درجاتٍ شمالًا أو جنوباً؛ أو أكثر من الخمس باختلاف المنظر.

  • و ذلك لأنّ القمر تختلف نسبة حركته إلى منطقة البروج فتارةً يميل إلى الجنوب خمس درجات و أُخرى إلى الشّمال كذلك، فإذن لا يتحقّق الكسوف لاختلاف العرض و إن كانت المقارنة حقيقيّةً؛ و لكن لمحق نوره لا يُرى أبداً.

رسالة حول مسألة رؤية الهلال‏

25
  • و علّة عدم رؤيته أنّ وضعه قريب جدّاً في الظاهر۱ للمحلّ الذي تشغله الشّمس في السماء، فيوجّه نحو الأرض نصف كرته المظلم المحجوب عن الأشعّة الشّمسيّة. و هذا يتّفق في كلّ شهرٍ هلاليّ مرّةً واحدةً.

  • و إذا خرج القمر عن هذه الحالة لابدّ أن يُرى على شكل هلالٍ ضعيفٍ؛ لكنّ دقّة القطر المنوّر للهلال جدّاً تمنعنا عن رؤيته إلى حدّ يسيرُ في الفضاءِ و يبعد عن الشّمس بقدرٍ يصير قابلًا لرؤيته بشكل الهلال. هذا الفصل من الزمان يسمّى تحت الشعاع و هو ما إذا كان الفاصل بين جرمَي الشّمس و القمر على قدر نصف جرميهما.

  • و أمّا مدّة مكث القمر تحت الشعاع فبعد خروجه من المحاق إلى أن يسير في المدار ما يقرب ثمان درجات، و حيث نعلم أنّ زمان سير القمر في المدار في كلّ درجةٍ

    1. يعني ليس وضعه حينئذٍ قريباً من المحلّ الحقيقيّ للشمس؛ بل وضعه قريبٌ من المحلّ الذي يظهر لنا من الشّمس، و هو امتداد شعاع أبصارنا إليها. (منه عفي عنه)

رسالة حول مسألة رؤية الهلال‏

26
  • يطول ما يقرب ساعتين‌۱؛ فإذن يخرج القمر عن تحت الشعاع بعد ستّ عشرة ساعةً تقريباً.٢

  • إعلم أنّ حالّتي المحاق و تحت الشعاع جميعاً تطولان ثمان و أربعين ساعةً تقريباً٣؛ لأنّ القمر يدخل تحت شعاع الشّمس قبل المقارنة باثنتي عشرة درجةً في المقارنة و يخرج عن تحت الشعاع بعد اثنتي عشرة درجةً من المقارنة فالمجموع أربع و عشرون درجةً المساوي لسير القمر في المدار زماناً لثمان و أربعين ساعةً.

  • المقدّمة التاسعة

  • التّاسعة: أنّ حركة الأرض حول الشّمس لم تكن على كيفيّة واحدةٍ بحيث تنطبق دائرة معدّل النهار على دائرة منطقة البروج دائماً؛ بل تختلف نسبة المعدّل إلى المنطقة في كلّ يوم من الأيّام.

  • ففي أوّل الحمَل الذي هو أوّل نقطة الاعتدال الربيعيّ، تنطبق الدائرتان؛ و يكون اليوم و اللّيلة في جميع نقاط الأرض متساويين.

  • ثمّ تميل دائرة معدّل عن المنطقة إلى طرف الشمال‌٤ شيئاً فشيئاً، ميلًا دائماً مستمرّاً، ثلاثة أشهر إلى آخر الجوزاء و أوّل السَّرَطان.

  • و في جميع هذه المدّة تختلف نسبة الأيّام إلى لياليها في جميع نقاط الأرض إلّا

    1. أى ساعةً و ٤٩ دقيقةً و بِضع عشرة ثانيةً م.
    2. و ۱٤ ساعةً و ٣٤ دقيقةً و بضع عشرة ثانيةً تحقيقاً م.
    3. و ٤٣ ساعةً و ٤٢ دقيقةً و بضعاً و خمسين ثانيةً تحقيقاً م.
    4. - التعبير إلى طرف الشمال على مبنى القدماء و ما هو المشاهد بالحسّ و المتعارف في التعبير من حركة الشّمس حول الأرض و أمّا بالنسبة إلى الواقع و هو حركة الأرض حول الشّمس فتمايل المعدّل عن المنطقة إلى طرف الجنوب يقرب الصيف و تصير الأيّام في النواحي الشماليّة أطول من الليالي و أوّل السرطان الذي هو اوّل نقطة الإنقلاب الصيفي في النواحي الشماليّة يكون آخر ميل المعدّل عن المنطقة جنوبيّاً. (منه عفي عنه)

رسالة حول مسألة رؤية الهلال‏

27
  • في نفس خطّ الاستواءِ و حواليه تقريباً و آخر انتهاء ميل المعدّل عن المنطقة يكون ثلاث و عشرين درجةً و ثلاثين دقيقةً و سبع عشرة ثانيةً شماليّةً ( ٢٣ و ٣۰ و ۱۷ لي).۱

  • و أوّل السرطان و هو اوّل نقطة الانقلاب الصيفي يكون أطول أيّام السنة في النواحي الشماليّة بالنسبة إلى خطّ الاستواء و دائرة المعدّل؛ و أقصرها في النواحي الجنوبيّة؛ و هذا آخر نقطة الميل الشماليّ؛ ثمّ يميل المعدل إلى المنطقة جنوباً من أوّل السرطان شيئاً فشيئاً ثلاثة أشهر إلى آخر السُّنبلة و أوّل الميزان فيرجع المعدل إلى حالته الاوّليّة فينطبق علي المنطقة؛ فتتساوى الأيّام و الليالي مرّةً أُخرى في جميع بقاع الأرض.

  • ثمّ يميل المعدل أيضاً نحو الجنوب من أوّل الميزان الذي هو أوّل نقطة الاعتدال الخريفي، شيئاً فشيئاً حتّى يبلغ ثلاثاً و عشرين درجةً و ثلاثين دقيقةً و سبع عشرة ثانيةً جنوبيّةً ( ٢٣ و ٣۰ و ۱۷ بي) في مدّة ثلاثة أشهر إلى آخر القوس و أوّل الجَدْي. و يكون عندئذٍ أقصر أيّام السنة في النواحي الشماليّة و أطولها في النواحي الجنوبيّة؛ و هذا آخر الميل الجنوبيّ.

  • ثمّ يميل المعدّل أيضاً نحو الشمال من أوّل الجدي الذي هو اوّل نقطة الانقلاب الشتويّ، ثلاثة أشهر إلى آخر الحوت و أوّل الحَمَل، فتنطبق الدائرتان أيضاً و يتساوى المَلَوان.٢

  • و مدّة هذا الميل الشماليّ و الجنوبيّ في دورةٍ كاملةٍ لحركة الأرض حول الشّمس المسمّاة بالحركة الانتقاليّة تبلغ اثني عشر بُرجاً كاملًا؛ لا ربط لها بالشهور الهلاليّة؛ و تسمّى بالسنة الشمسيّة.٣

  • ثمّ تكرّرت السنوات بدوران الأرض حول الشّمس مع ميل المعدّل عن المنطقة شمالًا و جنوباً على هذا المنهج دائماً.٤

  • المقدّمة العاشرة والحادية عشرة والثانية عشرة

  • العاشرة: أنّ حركة القمر حول الأرض ليست على كيفيّةٍ واحدةٍ بحيث ينطبق مداره على منطقة البروج دائماً بل ينطبق بعض الأحيان على المنطقة ثمّ يميل عن‌

    1. - اعلم أنّ القدماء ضبطوا غاية ميل المعدل عن المنطقة ٢٣ درجةً وثلاثين دقيقةً ولكنّ المتأخّرين ضبطوها ٢٣ درجةً و ٢۷ دقيقةً و تخيّلوا أنّ القدماء لم تكن محاسباتهم المبنيّة على أرصادهم دقيقةً لكن قبل خمس عشرة سنةً جائت كشفيّةٌ جديدةٌ في عالم النجوم و هو أنّ غاية ميل المعدّل عن المنطقة لا تكون أمراً ثابتاً بل متغيّرة دائماً على جهة النقصان فإذن تبيّن أنّ محاسبةَ القدماء صحيحةٌ و هذا الاختلاف حصل من مرور الدهور. (منه عفي عنه)
    2. . كهذه الصورة:
      \Y\E
    3. -.اعلم أنّ مدار الارض حول الشمس ليس بيضيّاً صحيحاً هندسيّاً بل إنّما هو شبه الدائرة و وقعت الشمس خارجةً عن مركزها، و لهذا سمّى هذا المدار فى ألسنة العرف بالبيضىّ.
      ثمّ إنّ هذا المدار إنّما هو بسبب الشكل الاصلىّ لمدار الارض أوّلًا و جذب القمر و المرّيخ و زُحل و بقيّة السيّارات و الشمس إيّاها ثانياً، فنتيجة جميع هذه العوامل صيّرت المدار على هذا النهج منه عفى عنه.
    4. بيان الفصول الاربعة وفقاً للهيئة القديمة:
      إنّ بيان كيفيّة إيجاد الفصول فى هذه المقدّمة كما مرّ مبنىّ على ما هو المشاهد بالحسّ و المتعارف فى التعبير الموافق فى الظاهر لمبنى القدماء من حركة الشمس حول الارض، حيث إنّهم كانوا يعتقدون انّ الشمس تدور حول الارض مرّةً واحدةً كلّ أربع و عشرين ساعةً و إنّ ميلها يتغيّر على مدى السنة، فيسبّب تغيّر ميل الشمس حصول الفصول المختلفة. و أمّا فى علم الهيئة الحديث فيقال: إنّ الارض تدور حول نفسها مرّةً واحدة كلّ أربع و عشرين ساعةً، و مع ذلك تدور حول الشمس مرّةً واحدة فى كلّ سنة و يبقى امتداد محورها بحاله. و حيث إنّ محور الارض مائل عن سطح مدارها بزاوية فى حدود ٦٦ و ٣٣، فإنّ هذا الميل هو العلّة الاساسيّة لحصول الفصول المختلفة.
      ولا يخفى أنّه على الرغم من اختلاف البيانين فى حصول الفصول، لا يوجد لذلك أثر ملاحظ فى أغلب الحسابات الفلكيّة، و خاصّةً فى موضوع هذا الكتاب( رؤية الهلال) حيث إنّه لا يؤدّى إلى أىّ تغيير أساسىّ‌بيان الفصول الاربعة وفقاً للهيئة الحديثة
      بيان الفصول الاربعة وفقاً لعلم الهيئة الحديث على النحو التالى:
      أ) إنّ الارض تدور حول الشمس خلال السنة على مسير شبيه بالدائرة تقع الشمس فى مركزه أو بتعبير أدقّ مسير بيضوىّ قريب من الدائرة جدّاً تقع الشمس فى إحدى بؤرتيه و تُدعى هذه الحركة بالحركة الانتقاليّة للارض.
      ب) يصنع مستوى دائرة البروج مع صفحة الاستواء أو صفحة معدّل النهار زاويةً تعادل ٢٣ و ٢۷، و هذه الزاوية ثابتة تقريباً، و لهذا الدليل فإنّ محور دوران الارض يصنع زاويةً مع مستوى دائرة البروج تعادل ٦٦ و ٣٣.
      ج) يتلاقى مستوى دائرة البروج و مستوى معدّل النهار فى خطّ اذا ما مرّ هذا الخط على الشمس يدعى بخطّ الاعتدالين، يشكّل انتهاؤه على الكرة السماويّة نقطتين تدعيان بنقطتى الاعتدالين: نقطة الاعتدال الربيعىّ و نقطة الاعتدال الخريفىّ.
      د) لو مدّ خطّ من محلّ الشمس على مستوى دائرة البروج بحيث يكون عموديّاً على خطّ الاعتدالين، فإنّ هذا الخطّ سيُدعى خطّ الانقلابين، و يكون انتهاؤه على الكرة السماويّة نقطتين تدعيان بنقطة الانقلاب الصيفىّ و نقطة الانقلاب الشتوىّ.
      هـ) إذا وصلت الارض خلال حركتها الانتقاليّة إلى محاذاة نقطة الاعتدال الربيعىّ( أى فى أوّل برج الحمل)، فإنّ الشمس ستكون على امتداد مستوى استواء الارض، و يتساوى طول الليل و النهار فى جميع نقاط الارض، و يكون ذلك بداية فصل الربيع فى نصف الكرة الارضيّة الشمالىّ
      و) تتحرّك الارض حول الشمس، و لمّا كان محور الارض مائلًا بزاوية عن دائرة البروج، فإنّ الشمس ستخرج تدريجيّاً إثر دوران الارض عن امتداد صفحة استواء الارض، إلى أن تقع بعد مرور ثلاثة أشهر( أى فى أوّل برج السرطان) على مستوٍ يمرّ بمحور الارض و يكون عموديّاً على دائرة البروج، و تكون الارض حينذاك قد وصلت إلى محاذاة نقطة الانقلاب الصيفىّ، و يكون ذلك بداية فصل الصيف فى نصف الكرة الارضيّة الشمالىّ. و باعتبار أنّ أشعّة الشمس تكون عموديّةً بصورة أكثر على المناطق الشماليّة، فإنّ طول النهار سيزداد و حرارة الجوّ سترتفع.
      (تابع الهامش في الصفحة التالية...)

رسالة حول مسألة رؤية الهلال‏

28
  • ...۱

  • المنطقة شمالًا ما يقرب خمس درجاتٍ؛ ثمّ يرجع إلى المنطقة؛ ثمّ يميل عن المنطقة جنوباً ما يقرب خمس درجات؛ ثمّ يميل إلى المعدّل.

  • و تستمرّ حركة القمر على هذه الوَتيرة دائماً٢.

  • الحادي عشرة: الشهر القمريّ على أربعة أقسام:

  • الاوّل: الشهر القمريّ الحسابيّ؛ و هو فصل زمان مقارنتَي النيّرين المتواليتين؛ و يكون تسعةً و عشرين يوماً و اثنتى عشرة ساعةً و أربع و أربعين دقيقةً (٤٤ قة ۱٢ عت ٢٩ يوماً) و هذا لايختلف بمرّ الدهور.

  • الثاني: الشهر القمريّ الوَسَطيّ، و هو جعل شهرٍ ثلاثين ثمّ تسعةً و عشرين ثمّ‌

    1. (...تتمة الهامش من صفحة السابقة)
      ز) تستمرّ الارض فى حركتها الانتقاليّة، فتصل بعد ثلاثة أشهر أُخرى( أى فى أوّل برج الميزان) إلى محاذاة نقطة الاعتدال الخريفىّ، و يمثّل ذلك بداية فصل الخريف فى نصف الكرة الارضيّة الشمالىّ. و يتساوى مرّةً ثانيةً طول الليل و النهار، إذ تكون الشمس ثانيةً على امتداد مستوى استواء الارض.
      ح) و أخيراً تصل الارض خلال حركتها الانتقاليّة بعد ثلاثة أشهر أُخرى( أى فى أوّل برج الجدى) إلى محاذاة نقطة الانقلاب الشتوىّ، فتقع الشمس ثانيةً على مستوٍ يمرّ بمحور القطبين و يكون عموديّاً على دائرة البروج، فيكون ذلك بداية فصل الشتاء فى نصف الكرة الارضيّة الشمالىّ. و باعتبار أنّ أشعّة الشمس تكون مائلةً بالنسبة إلى المناطق الشماليّة بدرجة أكبر، فإنّ النهار سيكون أقصر و درجة الجوّ ستكون أبرد.
      ط) بعد مرور ثلاثة أشهر أُخرى تكون الارض قد أكملت حركتها حول الشمس و بلغت من جديد نقطة الاعتدال الربيعىّ.
      وبهذا الترتيب تتعاقب الفصول الاربعة على الارض دائماً، و بهذه الحركة التى تستغرق اثنى عشر شهراً يتحقّق مرور السنة الشمسيّة
       ى) شروع جميع الفصول فى نصف الكرة الجنوبىّ عكس نصفها الشمالىّ، أى بداية الصيف فى نصف الكرة الشمالىّ هى بداية الشتاء فى نصفها الجنوبىّ، كما أنّ الربيع و الخريف فيهما متعاكسان- م
    2. إنّ مدار القمر متمايل عن دائرة البروج دائماً ما يقرب خمس درجات و تسع دقائق؛ فالقمر يدور فوق دائرة البروج فى نصف مداره و تحتها فى نصفه الآخر.

رسالة حول مسألة رؤية الهلال‏

29
  • ثلاثين ثمّ تسعةً و عشرين و هكذا على هذا المنهج.۱

  • و صحّحوا المقادير الجزئيّة الخارجة عن هذه الضابطة بجعل كبائس كما عرفت. و عليه الملاحدة الإسماعيليّة.

  • الثالث: الشهر القمريّ الهلاليّ الفلكيّ؛ و هو المبدوّ بأوّل زمان إمكان رؤية الهلال عند الفلكيّين.

  • و لا يكون هذا إلّا تسعةً و عشرين يوماً أو ثلاثين يوماً على حسب اختلاف المقامات و الأوضاع الفلكيّة الدخيلة في الرُّؤية عند الخبير المتضلّع باستخراج التقاويم.

  • فإذن تارةً يكون شهرٌ تسعةً و عشرين ثمّ ثلاثين ثمّ تسعةً و عشرين ثمّ ثلاثين و تارةً يكون شهران متواليان أو ثلاثة أشهرٍ متوالياتٍ، تسعةً و عشرين؛ و لا يمكن أزيد من ذلك؛ و تارةً يكون شهران متواليان أو ثلاثة أشهر أو أربعة أشهر متوالياتٍ، ثلاثين؛ و لا يمكن أزيد من ذلك. فلا يمكن أن يكون أربعة أشهرٍ متواليات تسعةً و عشرين؛ و لا خمسةُ أشهرٍ متوالياتٍ ثلاثين.

  • الرابع: الشهر القمريّ الهلاليّ الشرعيّ؛ و هو المبدوّ برؤية الهلال خارجاً؛ لا إمكان رؤيتها كما ستعرف إنشاء الله تعالى.

  • الامور الدخيلة في إمكان رؤية الهلال‌

  • الثانية عشرة: الامور الدخيلة في إمكان رؤية الهلال في أوّل الشّهر الهلاليّ وجوهٌ:

  • الاوّل: اختلاف البلاد طولًا، لأنّ كلّ بلدٍ يكون طوله أقلّ من جزائر خالدات أو من رَصَد كرنويج، أقرب في الرُّؤية؛ لغروب النيّرين فيه بعد غروبهما من البلد الذي يكون طوله أكثر.

  • فيمكن أن يُرى الهلال فيه دون ذلك؛ و إن كان عرضهما سواءً.

  • مثلًا إذا فرضنا في بلدة طهران التي يكون طوله من نصف نهار كرنويج واحداً و خمسين درجةً و نصف درجةٍ تقريباً و تغرب الشّمس فيها قبلها بثلاث ساعات وستّ و عشرين‌

    1. - لا يخفي أن محاسبة الشهور الوسطيّة على هذا المنهج هو المتفق عليه بين الفلكيّين المتفكّرين في خلق السماوات و الأرض كلّهم لا يكتفون بها بل يعيّنون الشهور الحقيقيّة بعد محاسبة المقادير الجزئيّة المعروفة بالتعديلات؛ فتصير شهوراً هلاليّة فلكيّة حقيقيّة كما في القسم الثالث و أمّا الملاحدة من الإسماعيليّة فلا يعتنون بالشهور الحقيقيّة بل يبنون في محاوراتهم و أعمالهم على الشهور الوسطيّة و يلتزمون بالكبائس كما بيّنّاه. (منه عفي عنه)

رسالة حول مسألة رؤية الهلال‏

30
  • دقيقةً (٣ عاتٍ و ٢٥ قة)؛ أن يكون القمر وقت الغروب تحت الشعاع و أن يكون إلى خروجه درجةٌ واحدةً؛ فإذن يخرج بعد ساعتين.

  • ففي طهران و جميع البلاد التي يكون طولها أزيد من ساعةٍ و ستّ و عشرين دقيقةً، لا يكون الهلال قابلًا للرؤية، و إن كانت متساويةً في العرض بالنسبة إلى طهران في الجملة.

  • و في جميع البلاد التي يكون طولها أقلّ من ساعةٍ واحدةٍ و ستّ و عشرين دقيقةً، يكون قابلًا لها.

  • الثّاني: اختلاف البلاد عرضاً. و هذا من ثلاث جهات:

  • الجهة الاولى، بُعد المعدّل عن المنطقة و قربه منها، لما ذكرنا أنّ أيّام السنة تختلف طولًا و قصراً على حسب درجة اختلاف بعد المعدّل عن المنطقة؛ و من هذه الناحية أيضاً يختلف وقت غروب الشّمس في الأماكن المختلفة عرضاً؛ فيمكن أن تغرب الشّمس في ناحيةٍ و لم يخرج القمر عن تحت الشعاع؛ ثمّ تغرب في ناحيةٍ أُخرى و قد خرج عن تحته؛ فيُرى الهلال في الثانية دون الاولى.

  • مثلًا في بلدة طهران التي يكون عرضها الشماليّ (٥٩ ثانيةً و ٤۱ دقيقة و ٣٥ درجةً) يكون أطول أيّام السّنة و هو أوّل السّرطان، ما يقرب أربَعَ عشرةَ ساعةً و نصف ساعةٍ؛ و في نفس اليوم يكون النهار في بلدة جنوبيّةٍ من المعدّل بحيث يكون عرضها الجنوبيّ بهذا المقدار و هو (٥٩ ثانيةً و ٤۱ دقيقة و ٣٥ درجةً) جنوبيّةً و كانت متساوية الطول لطهران، أقصرَ أيّام السنة، و هو تسع ساعاتٍ و نصف ساعةٍ تقريباً؛ فإذن يكون الاختلاف بينها و بين طهران خمس ساعاتٍ؛ فيطلع الشّمس في طهران بنصف هذا المقدار و هو ساعتان و نصف ساعةٍ قبل تلك البلدة، و يغرب أيضاً بعدها بهذا المقدار. فحينئذٍ إذا فرضنا وقت الغروب في تلك البلدة، كون القمر تحت الشعاع بدرجةٍ واحدةٍ؛ لم يُرَ الهلال فيها؛ و بعد سيره في المدار بدرجةٍ واحدةٍ تطول ساعتين، يخرج و يُرى في طهران؛ لأنّ غروب الشّمس في طهران إنّما هو بعد نصف ساعةٍ من خروج القمر عن تحت الشعاع.

  • الجهة الثانية: بُعد القمر عن المعدل شمالًا و جنوباً ما يقرب عشر درجات. فإذا كان القمر بعيداً عنها شمالًا لم يُرَ الهلال في بعض النواحي الجنوبيّة؛ و إذا كان بعيداً عنها جنوباً لم يُرَ الهلال في بعض النواحي الشماليّة، و إن كانت النّواحي متساوية الطول.

  • الجهة الثالثة: لمّا كان مدار حركة القمر حول الأرض غالباً حول المعدّل؛ فكلّ‌

رسالة حول مسألة رؤية الهلال‏

31
  • بلدٍ يكون أبعد من المعدّل شمالًا و جنوباً يكون دائرة مدار حركة القمر حولها بالنسبة إليه أبعد من المناطق الاستوائيّة؛ فيكون اضطجاعها إلى الافق أكثر.

  • فيلزم أوّلًا، أن يكون الهلال عند الغروب فيه إلى الافق أقرب.

  • و ثانياً، تكون الأغبرة المجتمعة في حوالي الافق فيه أكثر و تكون الرُّؤية أصعب.

  • و هذه الجهة موجبة لامتناع الرُّؤية أو صعوبتها في البلاد التي يكون عرضها كثيراً؛ بخلاف ما إذا كان مدار القمر في البلد أقرب إلى الانتصاب؛ فتكون الرُّؤية أسهل.

  • الثالث: الأوضاع الفلكيّة و هي أُمورٌ:

  • الأمر الأوّل:بُعد تقويم القمر عن تقويم الشّمس المعبّر عنه بالبعد سُّوي‌۱ و هو بُعد مكان القمر عن الشّمس في السماء٢، لأنّ القمر إذا بعد عن الشّمس مقداراً قريباً من اثنتي عشرة درجةً أو أقلّ بقليل أو أكثر كذلك، خرج عن تحت الشعاع‌٣ و صار قابلًا للرؤية؛ و المعروف عند المحقّقين أنّ أقلّ مقدار بُعد سُّوي عشر درجات.

  • لكنّ المقامات تختلف؛ لأنّه ربّما خرج في أوّل الغروب فيكون قابلًا للرؤية و لكن بصعوبةٍ؛ لأنّ القطر المنوّر للهلال حينئذٍ دقيق جدّاً؛ و أمّا إذا خرج مثلًا في أوّل النهار قبل غروب الشّمس باثنتي عشرة ساعةً؛ يسير في المدار إلى الغروب ستّ درجاتٍ؛ فحينئذٍ يكون بُعده عن الشّمس عند الغروب بثمان عشرة درجةً؛ فيزيد بعد سوي و يصير القطر المنوّر ضخيماً يُرى بالسهولة.

  • الأمر الثاني: بُعدُ مغرب القمر عن مغرب الشّمس زماناً المعبّر عنه بالبعد المعدّل و هو بُعد زمان مَغيبَيهما، ثمّ يحاسب على حسب الدرجات مكاناً فيصير بُعد جِرم القمر عن جِرم الشّمس في السّماء لكن على جهة الغروب.

  • لأنّه كلّما كان هذا الفصل أطول كان زمان مكث الهلال فوق الافق أكثر؛ فيُرى فوق الافق بسهولةٍ. و أمّا إذا كان هذا البعد قليلًا، يغرب القمر بعد غروب الشّمس بفاصلةٍ قليلةٍ؛ و لا يكون قابلًا للرؤية.

    1. سُوي بالضمّ و القصر، فما ربّما يُسمع أو يُرى في بعض الكتب من ضبطه بالفتح و المدّ او بالكسر و المدّ أو القصر فهو لحن (منه عفي عنه).
    2. أي تفاوت تقويمَي النيّرين أي تقويم الشّمس الحقيقيّ، و تقويم القمر المرئيّ (منه عفي عنه).
    3. لا يخفي أنّ تحت الشعاع على قسمين: أحكاميّ و هلاليّ. و ما حدّدناه في طيّ كلامنا باثنتي عشرة درجةً إنّما هو في الأحكاميّ؛ و أما الهلاليّ فهو أقلّ منه كثيراً (منه عفي عنه).

رسالة حول مسألة رؤية الهلال‏

32
  • و المذكور في الكتب المشهورة، أنّه ينبغي أن يكون البعد بين مغربَي النيّرين أكثر من عشرة أجزاءٍ و قيل: ينبغي أن يكون ما بينهما عشرة أجزاء أو أكثر؛ حتّى يكون مكث الهلال فوق الافق بعد غروب الشّمس ثُلثي ساعةٍ أو أكثر؛ ولكنّ التّحقيق أنّ الهلال يُرى ببُعد تسع درجاتٍ أيضاً.

  • و لأنّ الأرض تدور حول نفسها كلّ درجةٍ في أربع دقائق؛ و في هذه المدّة يقرب الهلال من محلّ غروبه درجةً واحدةً؛ فإذا كان بُعدُ مغرب القمر عن مغرب الشّمس عشر درجاتٍ؛ فبَعد حاصل ضربهما و هو ( ٤۰ = ٤* ۱۰) أربعون دقيقةً يخفي الهلال تحت الافق.

  • ففي هذه الحالة يكون مكث القمر فوق الافق أكثر ممّا لم يكن فيه هذه الحالة

رسالة حول مسألة رؤية الهلال‏

33
  • فتكون الرُّؤية أسهل.

  • و حالة الترقّص هي حالة مدار سير القمر حول الشّمس فيما يقرب القمر من زاوية مداره المضرّس بقليل و فيما يبعد عنها كذلك.

  • ثمّ اعلم أنّ ممّا هو دخيل في الرُّؤية و سهولتها، ارتفاع الهلال من الافق لأنّه كلّما كان أكثر كانت الرُّؤية أسهل.

  • هذا و لكنّ الارتفاع ليس دخيلًا فيها بحذاء البعد السُّوي و البعد المعدّل؛ بل هو أمرٌ تابعٌ لمقدار هما فبحصول مقدار بُعدَيهما يحصل قدرُ الارتفاع قهراً.

  • و أمّا انحراف القمر عن الشّمس شمالًا أو جنوباً و تعيين القطر المنوّر للهلال على حَسَب الثواني الفلكيّة فليسا دخيلين في الرُّؤية البتّة؛ و ما ترى أنّ بعض الفلكيّين يحاسبو نهما في مستخرجاتهم فهو من باب المعاونة على تعيين محلّ الهلال و كيفيّة مشاهدته.

  • الرابع: العوامل الفيزيكيّة؛ كوجود الأبخرة المائيّة في الهواء و عدمها.

  • ففي فصل الشتاء تكون الأبخرة المائيّة المتلألأة كثيرةٍ في الهواء؛ فيرى الهلال تحتها رقيقاً و تكون الرُّؤية أصعب.

  • و في فصل الصيف تكون الأبخرة المائيّة قليلةً؛ و الموادُّ المحرقة و الغازاتُ غير

رسالة حول مسألة رؤية الهلال‏

34
  • المائيّة كثيرةً؛ فينعكس النور و ينكسر؛ فيُريا لهلال تحتها غليظاً ضخيماً؛ فتكون الرُّؤية أسهل.

  • هذا مضافاً إلى جهاتٍ أُخرى غير مستمرّة؛ مثل السحب و الغيوم و الرّياح الموجبة لكدورة الهواء و تضر يس بعض الأراضي و الجبال و كلالة البصر؛ فتكون الرُّؤية أصعب.

  • بخلاف الصحو و صفاء الهواء و تسطيح الأرض وحدّة البصر الموجبة لسهولة الرُّؤية؛ لكن لا يمكن ضبطها.

  • المقدّمة الثالثة عشرة

  • الثالث عشرة: إنّ متقدّمي علماء النجوم، أعرضوا عن تخريج ضابطةٍ كلّيّةٍ لرؤية الهلال في جميع الشهور، و ذلك لتعذّر تعيين ضابطةٍ كلّيّةٍ للأهلّة، من حيث البعد السُوي و البعد المعدّل و الارتفاع و انحرافه عن مغيب الشّمس و مكثه فوق الافق و سائر الجهات الفلكيّة التي لا يمكن إدراج جميعها تحت قاعدةٍ كلّيّةٍ أبداً.

  • و أمّا متأخّروهم فقد أتعبوا أنفسهم في تخريج هذه الضابطة، لكن لم يأتوا بشئٍ في المقام؛ و كلّ ما أوردوه ناقصٌ مُراعيً فيه بعض الجهات دون بعض.

  • و قد أتعب نفسَه المحقّق الطوسيّ كثيراً على ما في زيج إيلخانيّ و غيره من الكتب؛ و ذكر نتيجة محاسباته من لحاظ البُعد بين تقويمَي النيّرين و بين مغربَيهما المعبّر عنهما بالبعد السُّوي و البعد المعدّل، و ذهب إلى أنّ البعد المعدّل إذا كان عشردرجاتٍ فالهلال قابلٌ للرؤية أيّ نحوٍ كان.

  • فبنى على أنّ في كلّ ناحيةٍ يكون الهلال قابلًا للرؤية يبقى في السماء أربعين دقيقةً؛ لما مرّ عليك من ضرب عشر درجاتٍ في أربع دقائق.

  • و لم يكن في علماء الإسلام فلكيّ خبيرٌ مثل هذا المحقّق مجدّاً في تعيين هذه القاعدة الشاملة؛ و لذلك ترى أنّ أصحاب التقاويم المستخرجة من بعده، ذهبوا إلى هذا المرام و لم يتعدّوا عنه و بنوا على أنّ أقلّ درجة البعد المعدّل لابدّ و أن يكون عشر درجاتٍ حتّى يصير الهلال قابلًا للرؤية.

  • و لكنّه (قدّه) مع هذا التعب لم يأت بحسابٍ صحيح دقيق؛ بل هو عين التقريب؛ لأنّه أوّلًا:

  • أدخل تحت محاسباته بُعد السُّوي الواقعيّ و البعد المعدل الواقعيّ؛ و هذا غير مجدٍ؛ بل لابدّ من محاسبة بُعد السُّوي المرئيّ و البعد المعدل المرئيّ؛ لأنّه باختلاف المناظر يختلف بُعداهما؛ و المرئيّ منهما يختلف باختلاف النواحي و البلاد و باختلاف الشهور

رسالة حول مسألة رؤية الهلال‏

35
  • و لا يكون تحت ضابط.۱ و ثانياً:

  • أنّه ذهب إلى أنّ أقل بعد سُوي عشر درجاتٍ؛ مع أنّه إذا اجتمع سائر الشرائطبنحو أعلى من كثرة البعد المعدّل و الارتفاع ربّما يمكن الرُّؤية مع تسع درجات بالنسبةإلى بعد سُوي‌٢. هذا مع أنّه ادّعى فلكيّ خبيرٌ جدّاً أنّه رَصَد الهلال أوّل الغروب من دخول شهرٍ من الشُّهور، فوجد البُعدَ المعدّل ثمان درجاتٍ.

  • فإذن تعيين الضابطة الكلّيّة الحقيقيّة لرؤية الهلال عند المنجّمين من الامور المستحيلة؛ نعم لابأس بما ذكروه على سبيل التقريب.

  • المقدّمة الرابعة عشرة

  • الرابع عشرة: الأعراب قبل الإسلام كانوا يعرفون الصور الفلكيّة و منازل القمر؛ و المنازلُ الثمانية و العشرون للقمر كانت من مخترعاتهم؛ و أيضاً كانوا خبيرين بحساب الأنواءِ التي هي التغييرات الجويّة، و مواضع الطلوع و الغروب.

  • و كانوا يستدلّون من أوقات الطلوع و سقوط المنازل على اختلاف الأهوية؛ و واقفين بهذه الامور إلى حدٍّ لم يكن يُعرف مثله لسائر الملل و الأقوام، بحيث يعرف هذه المواضع من علم النُّجوم من خصائصهم في زمان الجاهليّة.

  • الأعراب كانوا يميّزون الكواكب السيّارات من الثوابت؛ نرى اسم زُحَل و عُطارِد في أشعارهم في الجاهليّة؛ و أيضاً نرى في مسطوراتهم اسم زُحَل و مشتري و مريخ قبل نقل العلوم من يونان ففي أشعار كميت المتولّد في سنة ٦۰ من الهجرة و المتوفي في سنة ۱٢٦ نرى اسم زُحَل و مرّيخ.

  • يقولون: إنّ الأعراب الجاهليّة من بني تميم كانوا يعبدون عطارد.

  • و يستفاد من مسطورات المؤلّفين السُّريانيّين و اليونانيّين في القرن الخامس و السادس قبل المسيح أنّ الأعراب المجاورين الشّام و العراق كانوا يعبدون كوكب زهرة في زمان ظهوره الصباحيّ.

    1. و لذلك ترى أنّ أرباب الزيجات و أصحاب الأرصاد يحاسبون اختلاف المنظر في الخسوفين و الهلال بلا كلامٍ فلا تقريب من هذه الحيثيّة في محاسباتهم ولكنّ المحقّق المذكور لم يذهب في تعيين الضابطة الكلّيّة إلى محاسبة اختلاف المنظر فأصبحت محاسباته في هذا المقام على سبيل التقريب (منه عفي عنه).
    2. و قد تقدّم أنّ التحقيق أنّ الهلال يُرى على بُعد تسع درجاتٍ أيضاً؛ و بذلك صرّح الرّاصدون بسمرقند؛ بل بأقلّ من تسع درجات بقليل أيضاً. (منه عفي عنه).

رسالة حول مسألة رؤية الهلال‏

36
  • و هذا الذي ذكرنا مختصر ممّا ذكر من اختصاصاتهم بالنجوم و تبحّرهم في الأنواءِ؛ و التفصيل في كتب عبد الرحمن الصوفي و المجسطيّ للبطلميوس و أنواءِ أبي‌حنيفة الدِّينَوَريّ و روضة المنجّمين للحكيم شَهْمردان الرازيّ من كتب القدماءِ و كتاب علم الفلك‌۱، تاريخه عند العرب في القرون الوسطي؛ للمستشرق الايطاليائيّ: نَلّينو. و المستشرقُ الفرانسويّ سِدِيّو الذي تَرجم باللغة الفرنسيّة مقدّمةَ كتاب زيج أُلُغ بيك ابن شاهرخ بن‌أمير تيمور، ذكر في مقدّمة كتابه هذا ما يفيد تضلّع العرب في النجوم و الأنواء.

  • المقدّمة الخامسة عشرة

  • الخامس عشرة: السنوات القمريّة و شهورها لم تكن من مختصّات الإسلام و مخترعاته؛ بل غالب الملل القديمة كانوا يتّخذون السنوات القمريّة و شهورها في أُمورهم.

  • ملّة الصّين الذين كانوا يتقدّمون في علم النجوم على سائر الملل، و ذلك قبل ألفي سنةٍ من ميلاد المسيح، و كانوا يستخرجون تقاويم الكواكب و يحسبون الكسوفات و الخسوفات، و كانوا يعيّنون عبور ثمانية و عشرين كوكباً من دائرة نصف النهار، و يعيّنون دورة حركة الشّمس على مقدار ٣٦٥ يوماً و ربع يومٍ؛ كانوا يتّخذون في أُمورهم و محاوراتهم و تواريخهم السنين القمريّة و شهورها.

  • مِتُن: المنجّم المعروف اليونانيّ الذي كانت حياته قبل خمسة قرون من ميلاد المسيح؛ اكتشف أنّ تسع عشرة سنةً شمسيّةً تشمل مأتين و خمس و ثلاثين رؤيةً للهلال؛ و بَعد هذه المدّة أهلّة القمرعادت على ترتيبها الاوّل و موضعَا الشّمس والقمر عاد اعلى كيفيّتهما الاولى بالنسبة إلى الأرض.

  • وإن هذه المدّة سمّيت عند اليونانيّين بالدورة الذهبيّة.

  • و عراب الجاهليّة بأجمعهم كانوا يتّخذون الشهور القمريّة في مواقيتهم؛ و عند هذه الطوائف جميعاً كان مبدء الشهر القمريّ، رؤية الهلال بعد خروجه عن تحت الشعاع. و لم يُنسب إليهم العلم بمعرفة السّنة الشّمسيّة و شهورها.

  • إذا تمهّدت هذه المقدّمات، نقول:

  • مبدئيّة خروج القمر عن تحت الشعاع، تخالف اتّفاق جميع الاقوام والامم‌

  • اتّفقت الأقوام و الملل الذين كانوا قبل الإسلام و منها العرب الجاهليّ الذين كانوا يتمسّكون في تواريخهم بالشهور القمريّةو سنواتها؛ و بعد الإسلام إلى حدّ الآن على أنّ مبدء كلّ شهرٍ هو رؤية القمر بعد خروجه عن تحت الشعاع.

    1. هذا الكتاب قد ترجم باللغة الفارسيّة أخيراً بعنوان: تاريخ نجوم إسلامي. و فيه بحث تاريخيّ للنَّسئ الوارد في القرآن الكريم و بحوث أُخرى.

رسالة حول مسألة رؤية الهلال‏

37
  • و ذلك لا يكون إلّا في وقت غروب الشّمس يوم التاسع و العشرين أو الثلاثين؛ و بذلك يدخل الشهر اللاحق الذي مبدؤه أوّل دخول اللّيل.

  • و بهذه المناسبة يجعلون ليلة كلّ يوم، اللّيلة التي قبله لا اللّيلة التي بعده.

  • و كلّ شهر من هذه الشهور يكون ثلاثين يوماً أو تسعةً و عشرين يوماً. و هذا أمرٌ رائجٌ دارجٌ بين جميع الأقوام.

  • و هذا مبنيّ على أنّ لرؤية الهلال الدالّة على كون القمر فوق الافق دخلًا في تحقّق الشهر الهلاليّ و إلّا لم يتحقّق شهرٌ ثلاثونيّ أبداً و لا شهرٌ تسعةٌ و عشرونيّ أبداً، لما عرفت أنّ كلّ شهرٍ قمريّ في جميع الازمنة دقيقاً (٤٤ دقيقةً و ۱٢ ساعت و ٢٩ يوماً) فإذا جعلنا مبدء الشهر هو خروج القمر عن تحت الشعاع مثلًا و هو أمرٌ وحدانيّ في جميع العالم؛ فربّما يخرج القمر عن تحت الشعاع بعد ساعة من اللّيل و ربّما بعد ساعتين أو بعد ثلاث ساعات، و هكذا؛ و ربّما يكون خروجه أوّل طلوع الفجر أو أوّل طلوع الشّمس أو بَعد ساعةٍ من طلوعها أو بَعد ساعتين أو بَعد ثلاث ساعاتٍ؛ أو في وسط النهار وقت زوالها؛ فلا يمكن تعيينه و تقديره بوجهٍ من الوجوه.

  • و السّرُّ في ذلك أنّا ذكرنا أنّ القمر يخرج عن تحت الشعاع بَعد اثنتي عشرة درجةً من المقارنة؛ و كلّ درجة يطول ساعتين زماناً.

  • فعلى هذا إذا فرضنا في حين من الأحيان مثل وقت غروب الشّمس بأُفق طهران لمّا يخرج القمر عن تحت الشعاع و يخرج بعد سيره في المدار بقدر الدرجتين المسأويتين لأربع ساعات زماناً؛ ففي نفس الغروب لم يدخل الشهر الجديد قطعاً؛ و لكن بعد سيره بقدر درجتين بمدّة أربع ساعات يخرج القمر و يدخل الشهر الجديد قطعاً؛ فعلى هذا لابدّ و أن تكون هذه الساعات من الشهر الماضي و بقيّة ساعات اللّيل من الشهر الآتي بلا كلام.

  • مثلًا إنّ أربع ساعاتٍ من ليلة الثلاثين من رمضان تكون من رمضان و بقيّة الساعات تكون من ليلة العيد و إذا فرضنا أن يكون سير القمر تحت الشعاع في المدار بقدر ثلاث درجاتٍ في مدّة ستّ ساعات زماناً؛ فلا بدّ و أن نحسب ستّ ساعات اللّيل من شهر رمضان و الباقي من ليلة العيد.

  • أو أن يكون سيره تحت الشعاع في المدار بقدر خمس درجات؛ و هي تطول عشر

رسالة حول مسألة رؤية الهلال‏

38
  • و يطول خروجه عنه على مقدار عشرين ساعةً؛ فلا محالة يخرج عن تحت الشعاع و هو واقع تحت الأرض؛ فلابدّ و أن نلتزم بأنّ ثُلث يوم الثلاثين أو نصفه أو ثُلثيه و هكذا من شهر رمضان و الباقي من الشوّال.

  • و هكذا يكون دخول الشهر في كلّ نقطةٍ نقطةٍ من بقاع الأرض طولًا، غيره في نقطةٍ أُخرى بحسب ساعات اللّيل و النهار.

  • فهل يمكن لأحدٍ أن يلتزم بهذه المحاذير التي يساوي الالتزام بها، إنكار ضروريّات الإسلام، بل جميع الملل و الأديان، بل جميع الامم و الأقوام؟ كلّا. فبهذه الوجوه لم يلتزم أحدٌ، بل لم يتفوّه بأنّ الشهور القمريّة، هو نفس الخروج عن تحت الشعاع. بل الجميع متّفقون على أنّ للرؤية دخلًا في ذلك.

  • فجميع الملل بانون على الرُّؤية؛ فإذا رأوه حكموا بانقضاءِ الشهر السابق و دخول اللّاحق.

  • اختلاف الآفاق هو السبب الاصليّ لرؤية الهلال في بعض البلاد دون بعض‌

  • فإذن لمّا كانت الأرض كرويّةً؛ و هي معذلك تدور حول نفسها بحركتها

رسالة حول مسألة رؤية الهلال‏

39
  • تساوي ثلاثمأة و ستّين درجةً بدرجةٍ۱ واحدةٍ؛ دوراً كاملًا؛ و في ساعةٍ واحدةٍ تدور أزيد من خمس عشرةٍ درجةٍ بقليلٍ؛ و في دقيقةٍ واحدة أزيد من ربع درجةٍ بقليلٍ؛ و لا تلبث لحظةً إلّا و هي تدور حول قطبيها؛ و بذلك تتبدّل دوائر أنصاف النُّهُر؛ و تبعد كلّ نقطةٍ فرضناها عن نقطة طلوع القمر بحسب طول البلاد دائماً؛ فإذا فرضنا خروج القمر عن تحت‌

    1. إنّما قيّدنا اليوم بأربع و عشرين ساعةً تقريباً، لانّ الأرض تدور حول نفسها بحركتها الوضعيّةمن المغرب إلى المشرق دوراً كاملًا يساوي ثلاثمأة و ستّين درجةً في ثلاث و عشرين ساعةً و ستّ و خمسين دقيقةً تحقيقاً. و يسمّى هذا باليوم النجوميّ. و لمّا تدور الأرض أيضاً من المغرب إلى المشرق بحركتها الانتقاليّة في كلّ يومٍ ما يقرب درجةً واحدةً التي تطول أربع دقائق تقريباً؛ فيصير المجموع واحدةً و ثلاثمأة و ستّين درجةً في أربع و عشرين ساعةً تقريباً؛ و يسمّى هذا باليوم الشمسيّ. أمّا اليوم النجوميّ فثابت في جميع أيّام السنة؛ و ذلك لأنّ حركة الأرض‌من أيّ دائرة من دوائر أنصاف النُّهُريّة؛ إذا فرضت مسامِتة أيّ كوكب في السماء إيّاه إلى دور كاملٍ ينتهي إلى مسامتةٍ ذلك الكوكب لتلك الدائرة، لا يختلف أبداً. و أمّا اليوم الشمسيّ فيختلف؛ لأنّ حركة الأرض الانتقاليّة بيضويّةٌ؛ فيختلف بسببها هذه الاربعة من الدقائق في أيّام السنة، فبعضاً يكون أقلّ، و بعضاً يكون أكثر؛ فلذا قلنا أربع عشرين ساعةً تقريباً. (منه عفي عنه)

رسالة حول مسألة رؤية الهلال‏

40
  • الشعاع يراه الذين كان القمر فوق آفاقهم المحليّة؛ و لا يراه أهل غير هذه الآفاق ممّن كان القمر تحت آفاقهم.

  • فبناءً على ما ذكرنا؛ كرويّة الأرض مع بُعد البلاد بعضها عن بعض طولًا من المغرب إلى المشرق، و عرضاً من دائرة المعدّل إلى القطبين، هما السببان الأصليّان في اختلاف الآفاق بالنسبة إلى مطالع القمر و مغاربه؛ و ليس المانع من الرُّؤية و طلوعه مجرّد مانعيّة الجبال أو الغيوم أو ما شابههما.

  • مثلًا إذا فرضنا مضيّ ثلاث ساعةٍ أو ساعتين من اللّيل بأُفق طهران؛

  • فإذا طلع القمر و خرج عن تحت الشعاع في إسبانيا؛ رآه أهل هذا البلد؛ و أين المانع من رؤية أهالي طهران إيّاه من غيمٍ أو جبلٍ؟

  • بل المانع هو اختلاف الافق. فطلوع القمر في إسبانيا أمرٌ واضحٌ لكونه فوق أُفقهم؛ و أمّا بالنسبة إلى أهالي طهران فلا؛ لكونه واقعاً تحته.

  • نعم، البلاد التي لم تَرَ الهلال، لا لعدم كون القمر تحت الافق؛ بل لعارض سماويّ مثل السُحُب و الغُيوم أو أرضيّ مثل الكُثب و الجبال و الأتلال، فهي متّحدة

رسالة حول مسألة رؤية الهلال‏

41
  • الافق مع البلاد التي رآه أهلها.

  • فإذن، الرُّؤية ليست موضوعاً لدخول الشهر في كلّ ناحيةٍ على الإطلاق؛ بل موضوعاً دالّا على ثبوت الهلال القابل للرؤية فوق الافُق.

  • و بما ذكرنا ظهر:

  • أوّلًا: أ نّ نفس خروج القمر عن تحت الشعاع لا مدخل لها في تحقّق الشهر الهلاليّ أصلًا.

  • و ثانياً: أنّ للرُّؤية دخلًا في هذا التحقّق.

  • و ثالثاً: في كلّ بلدٍ تحقّق الرُّؤية في أوّل اللّيل أو في ما قاربه من البلاد في الآفاق، تحقّق مبدء الشّهر. و في كلّ بلدٍ لم تتحقّق الرُّؤية و كان غير مشترك الافق مع البلد المرئيّ فيه، لا يتحقّق مبدءُ الشهر بل الشَّهر يبتدئُ من اللّيلة التّالية. و هذا يكون في البلاد الشرقيّة عن أُفق الرُّؤية إجمالًا.

  • و رابعاً: أنّ الرُّؤية الفعليّة ليست موضوعاً لدخول الشهر في كلّ بلدةٍ بلدةٍ، بل الرُّؤية الفعليّة إجمالًا طريقٌ إلى ثبوت الهلال فوق الافق.

  • فالبلاد المتّحدة الآفاق كلّها في هذا الحكم سواءٌ و البلاد المختلفة الآفاق، كلّ واحدٍ منها تابعً لحكم نفسه.

  • و خامساً: أنّ لطلوع القمر و غروبه دخلًا في تحقّق الشهر؛ و هذا يختلف باختلاف المطالع و المغارب بالنسبة إلى القمر. كما أنّ الشّمس تختلف مشارقها و مغاربها في النواحي و الأماكن المختلفة و لا فرق بين الشّمس و القمر في ذلك.

  • طلوع القمر واقعة سماوية مرتبطة بالارض وبقاعها

  • و أمّا الاستدلال بأنّ الشهر الهلاليّ لا ربط له بالآفاق الأرضيّة و المطالع و المغارب و إنّما هو حادثةٌ سماويّةٌ لادخل لها بالأرض مضافاً إلى أنّه دعويً بلا دليل فتدفعه الأدلّة المتقنة المتقدّمة التي لا مناص لنا من قبولها و الالتزام بها.

  • و لعمري ما الفرق بين طلوع القمر إذا خرج عن تحت الشعاع و بين الكسوف، في أنّ كلّ واحدٍ منهما أمرٌ سماويّ فكيف إذا تحقّق الكسوف المرئيّ في ناحيةٍ و غير المرئيّ في ناحيةٍ أُخرى؛ يُلتزم به و بما يترتّب عليه من الأحكام في هذه الناحية؛ و لا يُلتزم به و لا تترتّب عليه الأحكام في تلك الناحية؛ و لا يلتزم ذلك في طلوع القمر.

  • فكما أنّ للنواحي المختلفة من الأرض دخلًا في تحقّق الكسوف و هو اختلاف‌

رسالة حول مسألة رؤية الهلال‏

42
  • البلاد طولًا و عرضاً؛ فكذلك الأمر في طلوع القمر؛ و الفرق بينهما تحكّم جدّاً. إن قلتَ: فرق بين الكسوف و خروج القمر عن تحت الشعاع، لأنّ الكسوف ليس أمراً سماويّاً؛ و لا ربط له بالقمر؛ بل هو عبارةٌ عن احتجاب الشّمس لأهل الأرض بحيلولة القمر، الحاصل بدخول الأرض في الظلّ المخروطيّ من القمر، كما ورد هذا العنوان في الرواية، بأنّه كُسِفت عَنَّا الشَّمس.

  • فالاحتجاب إنّما هو بالنسبة إلى الأرض و أهلها؛ و معلوم أنّ الاحتجاب مختلف بالنسبة إلى سكنة الأرض؛ و لا يكونون جميعاً تحت هذا الحجاب.

  • فإذن في كلّ ناحية من الأرض حصل الاحتجاب، تترتّب عليه أحكامه من صلاة الآيات و غيرها و في كلّ ناحيةٍ لم يحصل، لا تترتّب عليه الأحكام.

  • قلتُ: خروج القمر عن تحت الشعاع أيضاً كذلك؛ لأنّه عبارة عن خروجه من مقارنة الشّمس بمسافةٍ معيّنةٍ بالنسبة إلى أهل الأرض؛ فلولا أهل الأرض و محاذاتهم، لا تتحقّق المقارنة و الخروج أبداً و مع غضّ النظر عن الأرض، لا يختلف حال القمر في المحاق و تحت الشعاع عن سائر أحواله؛ و هو يدور في السماء حول الأرض دائماً بلا تغيير كيفيّةٍ و لا تبديل حالٍ؛ و لكن إذا لاحظنا محاذاة الأرض بالنسبة إليه، فتختلف الأحوال؛ ففي حال المقارنة يصير المحاق؛ و بعدها يرى بشكل الهلال؛ و في التسديس و التربيع و التثليث بأشكال مختلفة؛ و في المقابلة بشكل البدر؛ {يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَواقِيتُ لِلنَّاسِ وَ الْحَجِّ}. و المحصّل: أنّه إذا قطع النظر عن محاذاة الأرض و نواحيها المختلفة و ملاحظة اختلاف مناظر أهلها بالنسبة إلى القمر فكما أنّه لا يتحقّق خروجٌ عن تحت الشعاع، لا يتحقق كسوف أيضاً؛ و إذا لوحظ محاذاة الأرض و اختلاف مناظر أهلها، فكما أنّ الكسوف له ربطٌ بالأرض، كذلك الخروج عن تحت الشعاع بلا فرق.

  • و لا يذهب عليك أنّ ما ذكرناه من النقض إنّما هو بالنسبة إلى الكسوف فقطّ؛ و أمّا الخسوف و هو دخول القمر في الظلّ المخروطيّ من الأرض، فالنقض غير واضح، حيث إنّ ظلمة القمر و كدورته حادثةٌ سماويّة كما ورد في الرواية بأنّه خَسَفَ الْقَمَرُ؛ فبحيلولة الأرض ينخسف القمر في السماء على كلّ حال و إن كانت الأرض دخيلةً في تحقّقه؛ فلقائلٍ أن يقول في بادي نظره: إنّ ظلمة القمر واقعةٌ سماويّةٌ و إن كان بالتأمّل التامّ يظهر أنّ الخسوف أيضاً كذلك.

رسالة حول مسألة رؤية الهلال‏

43
  • فإن قلتَ: سلّمنا ولكنّ الدليل الشرعيّ قائمٌ بأنّ في كلّ ناحيةٍ رئي الكسوف يحكم فيها بأحكام دون ناحيةٍ أُخرى.

  • قلنا: هكذا الأمر بالنسبة إلى طلوع القمر؛ ففي كلّ ناحيةٍ رئي خروجه عن تحت الشعاع حكم بدخول الشهر القادم، دون ناحيةٍ لم يُر الخروج فيها.

  • مناط اتّحاد الافق واختلافه‌

  • نعم يبقي هنا سؤال معرفة مناط اتّحاد الافق و اختلافه.

  • و الذي يمكن أن يُغري بعضَ الأعلام إلى الميل إلى برفض مسألة الاتّحاد في الآفاق بالنسبة إلى دخول الشهر هو عدم تعيين مناطٍ خاص لهذه المسألة في كتب النّجوم والهيئة.

  • حيث إنّ الشافعيّة الموافقين لنا في لزوم الاتّحاد في الآفاق التزم بعضهم بأنّ مناط الاختلاف هو مسافة القصر۱ و بعضهم بأنّ المناط هو أربعةٌ و عشرون فرسخاً٢ كلّ ذلك دعويً بلا دليل و قياسٌ بمسافة القصر في الصلاة و أين هذا من ذاك؟

  • و الذي يسهّل الخطب:

  • أوّلًا: أ نّ عدم تعيين الآفاق لا يوجب رفع اليد عن الحكم الذي بيّنّا و الالتزامَ بخلافه الذي لا يمكن الالتزام به.

  • و ثانياً: أنّ الاتّحاد و الاختلاف في الآفاق بالنسبة إلى رؤية القمر هو الاتّحاد و الاختلاف في مطالعه كما عليه العلماء. و لكن لم يُرَ لأحدٍ منهم تعيين ضابطةٍ كلّيّةٍ للمطالع.

  • بيان ضابطة كلّيّة لتعيين الحدّ في اشتراك الافق‌

  • و الذي ألهمنا الله تبارك و تعالى في ضبط قاعدة كلّيّةٍ للآفاق المتحدة بالنسبة إلى مطالع القمر، هو الاستمداد من زمان غروب القمر في النواحي المختلفة؛ و هو الرابطة بين الزمان و المكان: زمان مكث القمر فوق الافق حتّى يغرب، و المكان البعيد شرقاً عن محلّ الرُّؤية.

  • بيان ذلك: أنّ كلّ درجةٍ من مكث القمر فوق الافق يطول أربع دقائق؛ لأنّ غروبه إنّما هو بسبب الحركة الوضعيّة للأرض من المغرب إلى المشرق. و الأرض تسير نحو المشرق كلّ درجةٍ منها في أربع دقائق.

  • فإذا فرضنا أنّ البعد المعدل الذي هو عبارة عن الفصل بين مَغيبي النيّرين في محلّ الرُّؤية يكون عشر درجات أحياناً؛ ففي هذه الصورة يغرب القمر بَعد أربعين دقيقةً؛ بمعنى أنّ الأرض تسير نحو المغرب عشر درجات طولًا في مدّة أربعين دقيقةً حتّى تُخفي القمر تحتها؛ و بهذه الحركة يصير محلّ الرُّؤية بعيداً عن المدار بقدر أربعين دقيقةً؛ و يصل إلى محلٍّ لم ير القمر حين يراه جميع البلاد التي قبله.

    1. التزم به الشيخ يوسف الأردبيلي الشافعي في كتابه: الأنوار لأعمال الأبرار؛ في ص ٢٢۸ من الجزء الأوّل؛ و الرافعيّ كما في حاشية الحاجّ إبراهيم لهذا الكتاب المطبوعة بذيل نفس الصفحة.
    2. كما في كتاب الفقه على المذاهب الأربعة؛ في ص ٤٣٤ من الجزء الاوّل من الطبعة الرابعة مستدلّا بأنّه هو البعد الحاصل لاختلاف مطالع القمر.

رسالة حول مسألة رؤية الهلال‏

44
  • فالبلاد الواقعة بين محلّ الرُّؤية، و المحلّ الذي يكون طوله نحو المشرق أربعين دقيقةً، متّحدة الآفاق مع محلّ الرُّؤية؛ لأنّ القمر في زمان الرُّؤية يكون قابلًا لها في جميع هذه البلاد ولو بلحظةٍ.

  • البلاد التي تكون قريبةً بالنسبة إلى محلّ الرُّؤية ترى القمر أطول زماناً من البلاد التي تكون بعيدةً عنه؛ و الجميع مشترك في إمكان الرُّؤية؛ و هو المُعبّر عنه بالآفاق المشتركة.

  • لكنّ القمر لم يطلع في جميع الشهور على نسق واحدٍ حتّى تكون الآفاق المتحدة مع محلّ الرُّؤية ثابتةً بل بناءً على ما مرّ عليك من طلوع القمر في بعض الأحيان قريباً من تقويم الشّمس، و في بعضها بعيداً عنه و هو المعبّر عنه بالبُعد السّوي أوّلًا؛ و من قرب مغربَيهما تارةً و بُعدهما أُخرى، و هو المعبّر عنه بالبعد المعدل ثانياً؛ و بارتفاعه عن الافق تارةً وانخفاضه أُخرى ثالثاً؛ و بلحاظ اختلاف النّواحي و الأصقاع طولًا و عرضاً رابعاً؛ و بسائر الجهات الدخيلة في الرُّؤية خامساً؛ لابدّ و أن نبيّن تقويم القمر في أوّل كلّ شهرٍ عليحدة، حتّى نحكم باتّحاد آفاق البلاد التي يكون فيها الهلال قابلًا للرؤية بحسب تلك الشهور.

  • و معلوم أنّه لا يتيسّر لنا الوصول إلى هذا المرام إلّا بحساب رياضيّ دقيقٍ جدّاً لكلّ شهرٍ بحذائه؛ لكنّ القواعد الشرعيّة المبنيّة على المسأهلات تأبى ذلك كلّه؛ فاعتبار المطالع المحوِجة إلى الحساب و تحكيم المنجّمين غير مقبولٍ شرعاً.

  • فلا مناص إلّا بالأخذ بالقدر المشترك في الآفاق؛ أي الذي يشترك فيه جميع الشهور.

  • فبناءً عليه نقول: إنّ أقلّ درجة البعد المعدل للقمر حتّى يصير قابلًا للرؤية يكون ثماني درجات؛ فأقلّ مدّة بقاء القمر في السماء فوق الافق المحلّي في أوّل دخول الشهر يكون على حوالي نصف ساعةٍ بعد غروب الشّمس؛ و يغيب بعد مضيّ هذه المدّة؛ فكلّ‌

رسالة حول مسألة رؤية الهلال‏

45
  • بلدٍ شرقيّ قريب العرض بالنسبة إلى محلّ الرُّؤية إذا كان الاختلاف بينه و بين محلّ الرُّؤية بقدر نصف ساعةٍ طولًا، يجوز له رؤية الهلال في الافق بعد الغروب بمدّة عشرين دقيقةً، أو خمس عشرةً دقيقةً، أو عشر دقائق، أو خمسة دقائق، أو دقيقتين، إلى دقيقة واحدةٍ، حتّى إلى لحظةٍ واحدةٍ، إذا حصلت الرُّؤية في بلدها وقت غروب الشّمس. فجميع هذه البلاد، متّفقة الآفاق مع محلّ الرُّؤية و إن لم يَرَ أهلُها الهلال.

  • مثلًا إذا رئي الهلال في طهران، فيجوز رؤيته في سِمْنان الواقع في شرقه بتسع دقائق طولًا؛ و في دَامْغان بثلاث عشرة دقيقةً، و في شاهرود بستَّ عشرة دقيقةً؛ و في سَبْزوار بسبع و عشرين دقيقةً؛ و في نَيسابور باثنين و ثلاثين دقيقةً؛ و في المشهد الرضويّ على ثاويه آلاف التحيّة و الثناء بثلاث و ثلاثين دقيقةً.

  • و كذا تجوز الرُّؤية في البلاد القريبة طولًا من هذه البلاد، و إن اختلفتا عرضاً في الجملة، كآمل و ساري شمالًا و قُمّ و إصْبَهان جنوباً.

رسالة حول مسألة رؤية الهلال‏

46
  • فإذن يستفاد ممّا ذكرنا ضابطةٌ كلّيّة و هي:

  • الآفاق المشتركة عبارةٌ عن جميع البلاد الغربيّة القريبة العرض بالنسبة إلى مطلع القمر، و جميع البلاد الشرقيّة التي كانت مشتركةً في إمكان الرُّؤية مع بلدٍ الرُّؤية ولو بلحظةٍ؛ واقعةً في الطول الجغرافيائي بمسافة اثنتين و ثلاثين دقيقةً زماناً.۱

  • البحث عن الجهة الشرعيّة في المسألة

  • هذا كلّه البحث عن الجهة العلميّة في هذه المسألة

  • و أمّا الجهة الشرعيّة، فنقول: إنّ الموضوعات العرفيّة التي هي موضوعات للأحكام الشرعيّة، لابدّ و أن يؤخذ معناها، و مدى نطاق سعتها و ضيقها، و إطلاقها و تقييدها، و سائر خصوصيّاتها من العرف كالبيع مثلًا.

  • فإذا قال الشارع: {يَسْئَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرامِ ، شَهْرُ رَمَضانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ ، فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ‌}، و غير ها من الآيات؛ يريد تشريع هذا الأحكام متربتةً على ما هو شهر عند العرف.

  • و نحن نرى أنّ العرف، كان يسمّى الشهر، و ابتداؤه الذي هو أوّل دخول اللّيل عند ما وجد الهلال المرئيّ فوق الافق، ولو بعد ساعات من خروجه عن تحت الشعاع.

  • فبناءً عليه، ليلة أوّل رمضان، هو أوّل ليلةٍ لم يسبق برمضان ولو بساعةٍ واحدة.

  • مثلًا إذا فرضنا أنّ القمر خرج عن تحت الشعاع، ورئي في إسبانيا و مادريد البعيدتين عن طهران بثلاث ساعات و ستَّ و عشرين دقيقةً غرباً؛ مضى من اللّيل بافق طهران هذا المقدار، و مضى من البلاد الشرقيّة بالنسبة إليه، كبلاد الصين و اليابان أكثر

    1. و لا يذهب عليك أنّ هذه الضابطة لكلّية اشتراك الآفاق انما هي على تقدير كفاية مجرد وجود الهلال فوق الآفاق في دخول الشهور القمرية فتكون الرُّؤية في محل دليلًا على وجود الهلال فوق الافق في هذا العرض العريض؛ و اما على تقدير لزوم امكان تحقق الرُّؤية الفعلية في كل بلدٍ بلدٍ بعد رؤيةٍ فعليةٍ في بلدٍ ما كما سيجبي بيانه بما لا مزيد عليه فغير سديدٍ فعليه لا تنتج الرُّؤية في بلدٍ الّا دخول الشهر في ذلك البلد فقط و لا يسري الحكم إلى أيّ بلدٍ آخر الّا اذا اتّحدا عرفاً (منه عفي عنه).

رسالة حول مسألة رؤية الهلال‏

47
  • من هذا المقدار جدّاً؛ فهذه اللّيل يُعدُّ من الشهر السابق.

  • و ربّما طلع القمر في إسبانيا أوّل دخول ليلهم، و قد طلع الفجر في تلك البلاد الشرقية.

  • فأهل إسبانيا إذا رأوا هلال رمضان، يصبحون صائمين؛ و أهل الصين و اليابان، يصبحون مجوّزين للإفطار.

  • و هؤلاء إذا رأوا هلال شوّال، يصبحون مفطرين؛ و هؤلاء يصبحون صائمين.

  • هذا مضافاً إلى أنّ الشارع فيما اتّفق الفريقان برواياتٍ مستفيضةٍ صرّح بأنّ المدار في دخول الشهر هو الرُّؤية في الصيام و الحجّ و العمرة و قضاء الديون و سائر الامور، مثل الأحكام و المسنونات المترتّبة على الشهور كرجب و شعبان و المحرّم و الصّفر و غيرها؛ فالخروج عن هذا و الالتزام بخروج القمر عن تحت الشعاع في مبدئيّة الشهر، و هو آن واحدٌ و لحظةٌ واحدةٌ في جميع العالم؛ يوجب الخروج عن جميع هذه الأحكام البالغة إجمالًا حدّ الضّرورة من الدّين، و الالتزامَ بفقهٍ جديدٍ، لا يشبه شئٌ منها شيئاً من الفقه، و قلبَ السُّنّة ظهرا لبطن‌.

  • مجعوليّة الرؤية، على سبيل الموضوعيّة لا الطريقيّة

  • هذا مضافاً إلى أنّ الالتزام بمجرّد خروج القمر عن تحت الشعاع، يستلزم العلم بدخول الشهر بسبب العلم بخروج القمر ولو لم تتحقّق في العالم رؤيةٌ أبداً؛ فتصير الرُّؤيةُ كاشفةً محضةً؛ مع أنّ الروايات تدلّ على موضوعيّتها فإذن لابدّ من الحكم بدخول الشهر إذا علمنا خروجه بالإرصاد، و الآلات الحديثة التي رئي بها القمر، فيما إذا كانت الرُّؤية بالعيون العاديّة غير المسلّحة محالًا؛ أو بحساب المنجّم الماهر الخبير المطّلع من الزّيجات الدقيقة؛ فهو يحسب لنا دقيقاً أنّ خروج القمر عن تحت الشعاع إنّما يكون بعد ٤٤ قه و ۱٢ عت ٢٩ و يوماً من الشهر الماضي تقريباً؛۱ و يدلّنا على هذه الشهور واحداً بعد واحدٍ إلى عشر الآف سنةً؛ فنستريح من هذه الضّوضاءِ.

  • إن قلتَ: إنّ الروايات دلّت على أنّ للرؤية دخلًا في الجملة في تحقّق الحكم؛ فلا بدّ بعد خروج القمر عن تحت الشعاع من رُئي في ناحيةٍ ما، حتّى نحكم بدخول الشهر.

    1. إنّما قيّدناه بالتقريب لأنّ ما هو الثابت غير المتغيّر دائماً و هو (٤٤ قه و ۱٢ عت و ٢٩ يوماً) إنّما هو الفصل بين مقارنتي النيّرين و لكن حيث كان زمان الخروج عن تحت الشعاع متغيّراً فالفصل بين الخروجين يكون هذا المقدار على سبيل التقريب. (منه عفي عنه)

رسالة حول مسألة رؤية الهلال‏

48
  • قلتُ: إنّا نعلم علماً يقينيّاً، أنّ خروج القمر عن تحت الشعاع في أيّة نقطةٍ من نقاط العالم تحقّق، يراه خلقٌ كثيرٌ من أهالي تلك النواحي؛ فالرُّؤية قد تحقّقت؛ و رؤيتنا على حسب المدّعى غير لازم؛ فالشّهر داخلٌ بلا رؤية منّا في آفاقنا القريبة؛ فتصير إناطة الروايات بالرُّؤية لغواً؛ لأنّ الرُّؤية الإجماليّة على أيّ حال موجودةٌ.

  • إن قلتَ: لا يمكن الالتزام بذلك؛ لأنّ ظاهر الأخبار، هو الرُّؤية الحاصلة منّا، أو الواصل إخبارها إلينا فهي الدّخيلة.

  • قلتُ: فإذن لا مناص من رفع اليد عن الحكم بدخول الشهر بمجرّد الخروج عن تحت الشعاع مع رؤيةٍ ما. و هذه التّوالي التي أشرنا إلى بعضها لا يكاد يخفي على المتأمّل في حاقّ المسألة.

  • و كذلك لم يذهب أحدٌ من العلماء إلى هذا؛ و الذين ذهبوا إلى عدم لزوم الاشتراك في الآفاق ذهبوا إلى أنّ خروج القمر عن تحت الشعاع و رؤيته و لو بعد ساعات من اللّيل في أُفق ما دخيلٌ في جعل اللّيل من أوّله من الشهر الجديد بنحو الشرط المتأخّر. و سيأتي الكلام في عدم نهوض أدلّتهم على هذا المرام أيضاً.

  • فإن قيل: إذا خرج القمر عن تحت الشعاع و رُئي في بلدٍ ما؛ نحكم بدخول الشهر في جميع البلاد، مبتدئأً باللّيل؛ و نلتزم بأنّ الساعات السابقة عن خروج القمر تحسب من ذلك الشهر.

  • مثلًا إذا خرج و رئي في إسبانيا ليلة العيد، نحكم بأنّ تلك اللّيلة التي مضى منها في طهران قدرٌ ثلاث ساعات و ستّ و عشرين دقيقةً، كلّها ليلة الفطر؛ و هكذا في جميع البلاد إلى الصّين و اليابان نحكم بأنّ جميع اللّيلة يحسب من الفطر، و إن مضى من بعضها قدر تسع أو عشر ساعات.

  • قلناأوّلًا إنّه دعويً بلا دليل.

  • و ثانياً، إذا التُزم بأنّ مناط دخول الشهر القمريّ، هو نفس خروج القمر عن تحت الشعاع؛ و هو أمرٌ واحدٌ سماويّ في جميع العالم، لا ربط له بالأرض و مشارقها و مغاربها، و هذا عمدة الدّليل الذي ربّما يُتمسّك به مع الإطلاقات على عدم لزوم الاشتراك في الآفاق و كفاية رؤيةٍ ما في بلدٍ ما لجميع العالم؛ فإذن إنّ ذلك البناء مناف للدليل، و خروجٌ عن البناء الذي بُني؛ و هَدمٌ لأساسه من رأس. ثمّ إنّه إذا خرج القمر عن تحت الشعاع في النصف الآخر من كرة الأرض؛ في أوّل نهاره، أو وسطه، أو آخره؛ فكيف‌

رسالة حول مسألة رؤية الهلال‏

49
  • يمكن الحكم بأ نّ هذه المدّة الطويلة، من أوّل اللّيل، إلى هذا الحدّ من الزمان، يكون من الشهر اللاحق.

  • التفصيل بين البلاد الواقعة فوق الارض والواقعة تحتها، لا يدفع الإشكال‌

  • و من هذا يعلم، أنّ دفع الإشكال، بأ نّ عدم لزوم الاشتراك في الآفاق، إنّما هو في فوق الأرض، دون تحتها؛ لا يدفع المحذور أبداً؛ بل يزيد في الإشكال. فنسأل أوّلًا: إذا حكم با نّ المناط، هو نفس الخروج، و هو أمرٌ وحدانيّ، لا يتغيّر بحركة الأرض و المشارق و المغارب؛ فكيف الفرق بين فوق الأرض و تحتها؛ فهل هذا إلّا هدمٌ لأساس الدليل؟ و ثانياً: أيّ مزيّةٍ في جعلنا هذا الحكم لفوق الأرض، دون تحتها؛

  • بل نجعله لتحت الأرض دون فوقها؛ و معلومٌ أنّ الفوقيّة و التحتيّة أمران إضافيّان؛ لا يلتزم بأحدهما دون الآخر إلّا بالدليل.

  • ثمّ أين مبدأ تمييز البلاد التي تكون فوق الأرض دون تحتها؟ و البلد الذي جعل مبدئأً للحكم أيّ بلدٍ من البلاد؟

  • إذا جعلنا هذا البلد مثل الصين و اليابان، فجميع قارّة آسية و أُروبة و إفريقيّة، يكون مشمولًا للحكم؛ و أمّا إذا جعلناه مثل إيران و عراق، فجميع الممالك الغربيّة و بعض الممالك الأمريكيّة، يكون مشمولًا له؛ و إذا جعلناه مثل إسبانيا و برتغال، فجميع الممالك الأمريكيّة يكون مشمولًا له.

  • هذا إذا أُريد ترتّب الحكم على عنوان الفوقيّة؛ و أمّا إذا أُريد ترتّبه على النّواحي القريبة التي يكون اختلافها بالنسبة إلى محلّ الرُّؤية ستّ ساعات مثلًا؛ دون البعيدة الواقعة تحت الأرض، التي يكون اختلافها اثنتي عشرة ساعةً أو أكثر.

  • ففيه: أيّ مناط خارجيّ في تعيين محلّ القرب و البعد؛ و أيّ دليلٍ شرعيّ لهذا الفرق؟ و الإطلاقات إن يؤخذ بها فلا مجال فيها لهذا التفصيل؛ و إن لم يؤخذ بها، فانصرافها إلى كلّ بلدة يكون الهلال فوق أُفقها، و المانع من رؤيته أمرٌ عارضيّ من سحبٍ أو غيومٍ، المعبّر عنها بالبلاد المتحدة الآفاق، هو المتعيّن.

  • و إذا أُريد أنّ الإطلاقات منصرفةٌ إلى النّواحي المعمورة من الأرض؛ و حيث إنّ تحتها لا يكون معموراً في ذلك الزمان، لا يكون الحكم شاملًا له.

  • ففيه: هلّا يُلتزم هذا في الصلاة و الصوم و الحجّ و غيرها من الأحكام؛ و التُزم باختصاصه بالنسبة إلى رؤية الهلال و مطالع القمر؟

  • مع أنّ سياق جميع إطلاقات الأحكام الواردة من هذه الجهة على نسقٍ واحدٍ.

رسالة حول مسألة رؤية الهلال‏

50
  • و الحقّ عدم الفرق في المعمورة و غيرها؛ لأنه مضافاً إلى أنّ القدر المتيقّن في الخارج أو في مقام التخاطب لا يوجب الانصراف؛

  • تدفعه العمومات المنصُوصة مثل قوله تعالى: {وَ ما أَرْسَلْناكَ إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ بَشِيراً وَ نَذِيراً}۱، و قوله تعالى: {وَ ما أَرْسَلْناكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعالَمِينَ}٢، و قوله عليه السلام: «إن لِلَّهِ تَبَارَكَ وَ تعالى حُكْمًا يَشْتَرِكُ فِيهِ الْعَالِمُ وَ الْجَاهِلُ»؛ لا فرق بين أهالي الأراضي المعمورة و غيرها، من حيث الشمول و الاطلاق و التقييد و ساير الجهات.

  • فهذه أُمورٌ كلّما دقّق فيها النظر، تزيد في الاشكال و الغموض؛ فرفع اليد عنها لا يمكن إلّا برفع اليد عن الحكم المبحوث عنه؛ و هو أتقن و أسهل.

  • سبب فتوى المشهور هو موضوعيّة الرؤية ومدخليّة البقاع فيها

  • و ممّا ذكرنا تبيّن أنّ ذهاب المشهور إلى لزوم الاشتراك في البلدان مبنيّ على دخالة رؤية القمر في دخول الشهر؛ و أنّ للمطالع و المغارب بالنسبة إلى القمر دخلًا في دخول شهرٍ و خروج شهر؛ و عدمِ كفاية نفس خروج القمر عن تحت الشعاع في هذا الأمر؛ لاعلى تخيّل ارتباط خروج القمر عن تحت الشعاع ببقاع الأرض، كارتباط طلوع الشّمس‌غروبها بها.

  • فإن من الواضح أنّ نفس الخروج لاصلة لها ببقاع الأرض، مع غمض النظر عن المحاذاة؛ ولكنّ الرُّؤية بعد الخروج الدخيلة في تكوين الشهر القمريّ بما لها من الأحكام، لها صلةٌ ببقاع الأرض.

  • لأنّ حالة القمر، مع وجود النواحي الكثيرة، المختلفة الأوضاع في الأرض، و عدمها و إن كانت سواءً ولكنّ حالة رؤية القمر التي هي الاسّ، لم تكن مع هذه و عدمهاسواءً.

  • و هذه علّة ذهاب المشهور إلى فتواهم.

  • استدلال القائلين بعدم لزوم الاشتراك مبنيّ على منع اختلاف المطالع‌

  • و لذلك ترى أنّ من اشكل على لزوم الاشتراك في الآفاق، لم يستدلّ بعدم ارتباط هذه الحادثة السماويّة ببقاع الأرض.

  • بل كما ذهب إليه العلّامة في أوّل كلامه في المنتهى، و كما في الجواهر، بمنع اختلاف المطالع في الربع المسكون؛ إمّا لعدم كرويّة الأرض، بل لكونها مسطّحةً، فلا تختلف المطالع حينئذٍ، و أمّا لكونه قدراً يسيراً لا اعتداد باختلافها بالنسبة إلى عُلُوّ

    1. سورة سبأ ٣٤ الآية ٢۸.
    2. سورة أنبياء ٢۱ الآية ۱۰۷.

رسالة حول مسألة رؤية الهلال‏

51
  • السَّماءِ.

  • كما أنّ صاحب الحدائق الذي أصرّ على عدم لزوم الاشتراك، إصراراً لم نر مثله لأحدٍ في هذه المسألة بنى لزوم الاشتراك في الآفاق على كرويّة الأرض؛ لكنّه حيث أبطل كرويّتها، و استدلّ على تسطيحها بالأدلّة السمعيّة و الأخبار النبويّة و لوازم كلّها بعيدةٌ عن المقام؛ التزم بعدم لزوم الاشتراك في الآفاق. و كما قال الشيخ المحقّق فخر الدين في شرحه على القواعد:

  • و مبنى هذه المسألة، على أنّ الأرض هل هي كرويّةٌ أو مسطّحةٌ؛ و الأقرب الأوّل، لأنّ الكواكب تطلع في المسأكن الشرقيّة قبل طلوعها في المسأكن الغربيّة، و كذا في الغروب.

  • و كلّ بلدٍ غربيّ بَعُد عن الشرقيّ بألف ميلٍ؛ يتأخّر غروبه عن غروب الشرقيّ ساعةً واحدةً؛ و إنّما عرفنا ذلك بإرصاد الكسوفات القمريّة، حيث ابتدأت في ساعات أقلّ من ساعات بلدنا في المسأكن الشّرقية؛ فعرفنا أنّ غروب الشّمس في المساكن الشرقيّة، قبل غروبها في بلدنا؛ و غروبها في المساكن الغربيّة، بعد غروبها في بلدنا.

  • ولو كانت الأرض مسطّحةً، لكان الطلوع و الغروب في جميع المواضع في وقتٍ واحدٍ.

  • و لأنّ السائر على خطٍّ من خطوط نصف النَّهار إلى الجانب الشِماليّ، يزداد عليه ارتفاع الشماليّ، و انخفاض الجنوبيّ و بالعكس انتهى. أي ارتفاع الكوكب الشماليّ و انخفاض الكوكب الجنوبيّ.

  • و بالجملة إنّ كرويّة الأرض، لمّا أصبحت في هذا العصر من الامور البديهيّة؛

  • بما استدلّ عليه هذا الشيخ المحقّق و نظائره من المحقّقين، و الواضحة باستعمال الآلات الحديثة و بأ نّ السائر من أيّة نقطةٍ من نقاط الأرض على الخطّ المستقيم، إذا سار إلى المشرق؛ ينتهي إلى نفس النقطة من طرف المغرب؛ و بالعكس.

  • و كذا بسائر الأدلّة التي ذُكر بعضها في مقدّمة تفسير البيان، على مؤلّفه التَّحيّةُ و الإكرام؛ لم يكن مجالٌ لاحتمال عدم لزوم الاشتراك في الآفاق؛ و الذهاب إلى القول بكفايةِ رؤيةٍ ما، في الحكم بثبوت الشهر في جميع العالم.

  • فما ذهب إليه صاحب الحدائق ساقطٌ من رأس.

  • كلمات العلّامة (قدّه) حول المسألة

  • و أمّا العلّامة في التذكرة، و إن نقل هذا عن بعض علمائنا، لكنّه صرّح بلزوم‌

رسالة حول مسألة رؤية الهلال‏

52
  • الاشتراك في الآفاق، و لم يمل إلى عدم اعتباره.

  • بل ردّ جميع الأدلّة التي أقامها بعض الشافعيّة و أحمد بن حنبل و اللّيث بن سعد و بعض علمائنا؛ قائلين إنّه يومٌ من شهر رمضان في بعض البلاد للرؤية، و في الباقي بالشّهادة؛ فيجب صومه؛ لقوله تعالى: {فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ}‌؛ و قوله عليه السّلام: «فَرَضَ اللَهُ شَهْرِ رَمَضَانَ؛ و قد ثبت أنّ هذا اليوم منه؛ و لأنّ الدَّين يحلّ به؛ و يقع النذر المعلّق عليه»؛ و لقول الصادق عليه السّلام: «فَإن شَهِدَ أَهْلُ بَلَدٍ آخَرَ فَاقْضِه»؛ و قال عليه السّلام في من صام تسعةً و عشرين، قال: «إنْ كَانَتْ لَهُ بَيِّنَةٌ عَادِلَةٌ عَلَى أَهْلِ مِصْرٍ، أَنهُمْ صَامُوا ثَلَاثِينَ عَلَى رُؤْيَةٍ قَضَى يَوْماً، و لأنّ الأرض مسطّحةٌ؛ فإذا رئي في بعض البلاد، عرفنا أنّ المانع في غيره شئٌ عارضٌ».

  • ردّ العلّامة جميع هذه الأدلّة، بقوله:

  • إن الهلال ليس بمحلّ الرُّؤية؛

  • و نمنع كونه من رمضان في حقّ الجميع؛ فإنّه المتنازع؛

  • و لا نسلّم التعبّد بمثل هذه الشهادة؛ فإنّه أوّل المسألة؛

  • و قول الصادق عليه السّلام محمول على البلد المتعارب لبلد الرُّؤية، جمعاً بين الأدلّة؛

  • و نمنع تسطيح الأرض؛ بل المشهور كرويّتها انتهى.

  • و أمّا في المنتهى، فلم يصرّح بهذه الفتوى؛ كما توّهم.

  • نعم؛ يظهر منه البناء أوّلًا؛ ولكنّه في آخر كلامه رجع و أفتى بأنّ عدم تساوي البلاد في حكم الرُّؤية بناءً على كرويّة الأرض، هو الحقّ.

  • فها نحن ننقل عين عباراته، كي يتّضح المرام.

  • قال رحمة الله عليه: إذا رأى الهلال أهل بلدٍ، وجب الصوم على جميع النّاس؛ سواءٌ تباعدت البلاد أو تقاربت؛ و به قال أحمد و الليث بن سعد و بعض أصحاب الشافعيّ.

  • و قال الشيخ قدّس سرّه: إن كانت البلاد متقاربةً؛ لا تختلف المطالع، كبغداد و بصرة، كان حكمها واحداً، و إن تباعدت كبغداد و مصر، كان لكلّ بلدٍ حكم نفسه؛ و هو القول الآخر للشافعيّ.

  • و اعتبر بعض الشافعيّة في التباعد مسافة التقصير؛ و هو ثمانية و أربعون ميلًا؛ فاعتبر لكلّ بلدٍ حكم نفسه إن كان بينهما هذه المسأفة و روى عن عِكرِمة أنّه قال: لأهل‌

رسالة حول مسألة رؤية الهلال‏

53
  • كلّ بلدٍ رؤيتهم؛ و هو مذهب القاسم و سالم و إسحاق.

  • لنا أنّه يومٌ من شهر رمضان في بعض البلاد للرؤية، و في الباقي بالشهادة، فيجب صومه؛ لقوله تعالى: {فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ}؛ و قوله عليه السّلام: «فَرَضَ اللَهُ صَوْمَ شَهْرِ رَمَضَانَ». و قد ثبت أنّ هذا اليوم منه و لأنّه يحلّ به الدَّين و يجب به النذر و يقع به الطلاق و العتاق المختلفان به عندهم فيجب صيامه لأنّ البيّنة العادلة شهدت بالهلال؛ فيجب الصوم؛ كما لو تقاربت البلاد؛

  • و لأنّه شهد برؤيته من يُقبَل قوله، فيجب القضاء لوفات؛ لما رواه الشيخ عن ابن مُسكان و الحلبيّ جميعاً، عن أبي عبد الله عليه السّلام؛ قال فيها: «إلَّا أَنْ يَشْهَدَ لَكَ بَيِّنَةٌ عُدُولٌ؛ فَإنْ شَهِدُوا أنهُمْ رَأوُا الهلالَ قَبْلَ ذَلِكَ، فَاقْضِ ذَلِكَ الْيَوْمَ»؛

  • و في رواية منصور بن حازم، عنه عليه السّلام‌: «فَإنْ شَهِدَ عِنْدَكَ شَاهِدَانِ مَرْضِيَّانِ بِأنّهُمَا رَأيَاهُ فَاقْضِهِ»؛

  • و في الحسن عن أبي بصير عن أبي عبد الله عليه السّلام، أنّه سئل عن اليوم الذي يُقضى من شهر رمضان؛ فقال: «لَا تَقْضِهِ إلَّا أنْ يَشْهَدَ (يَثْبُتَ خ ل) شَاهِدَانِ عَدْلَانِ مِنْ جَمِيعِ أَهْلِ الصَّلَوةِ، مَتَى كَانَ رَأسُ الشَّهْرِ؛ وَ قَالَ: لَا تَصُمْ ذَلِكَ الْيَوْمَ الذي يُقْضَى؛ إلَّا أَنْ يَقْضِيَ أَهْلُ الأمْصَارِ؛ فَإنْ فَعَلُوا، فَصُمْه»ُ.

  • علّق عليه السّلام وجوب القضاء بشهادة العدلين من جميع المسلمين؛ و هو نصّ في التعميم، قرباً و بعداً ثمّ عقّبه بمساواته لغيره من أهل الأمصار؛ و لم يعتبر عليه السّلام القرب في ذلك؛

  • و في حديث عبد الرحمان بن أبي عبد الله عن أبي عبد الله عليه السّلام: «فَإنْ شَهِدَ أَهْلُ بَلَدٍ آخَرَ، فَاقْضِهِ‌» و لم يعتبر القرب أيضاً؛

  • و في الصحيح عن هشام بن الحكم عن أبي عبد الله عليه السّلام، قال في من صام تسعةً و عشرين؛ قال: «إن كَانَتْ لَهُ بَيِّنَةٌ عَادِلَةٌ عَلَى أَهْلِ مِصْرٍ أنهُمْ صَامُوا ثَلَاثِينَ عَلَى رُؤْيَةِ الهلالِ، قَضَى يَوْماً».

  • علّق عليه السّلام قضاء اليوم على الشَّهادة على مصر؛ و هو نكرةٌ شائعةٌ، يتناول الجميع على البدل؛ فلا تخصيص في الصلاحيّة لبعض الأمصار إلّا بدليلٍ.

  • و الأحاديث كثيرةٌ بوجوب القضاء، إذا شهدت البيّنة بالرُّؤية؛ و لم يعتبروا قرب البلاد و بعدها؛ ثمّ نقل روايةً عامّيّةً، دليلًا على القول الآخر؛ إلى أن قال:

رسالة حول مسألة رؤية الهلال‏

54
  • و لو قالوا: إنّ البلاد المتباعدة تختلف عروضها؛ فجاز أن يرى الهلال في بعضها دون بعضٍ، لكرويّة الأرض؛

  • قلنا: إنّ المعمورة منها قدر يسير، و هو الرُّبع؛ و لا اعتداد به عند السماء.

  • و بالجملة، إن علم طلوعه في بعض الأصقاع (الصّفائح خ ل)، و عدم طلوعه في بعضها المتباعد عنه؛ لكرويّة الأرض؛ لم يتساو حكما هما؛ أمّا بدون ذلك فالتساوي هو الحقّ. انتهى.

  • هذا ما أفاده العلّامة في المنتهى؛ نقلناه بطوله؛ و آخره كما ترى، ينا في أوّله صريحاً؛ كما اعترف به صاحب الجواهر قدّه.

  • لأ نّ ما ذكره أوّلًا من الاستدلال، فهو من قبيل احتمالات الفقيه في بدو بحثه حول المسئلة، و إيراد غاية ما يمكن أن يستدلّ به المخالف في نقيض المطلوب؛ ثمّ يختار ما عنده بحسب رأيه.

  • و لذلك ترى أنّ ما أفاده أوّلًا، هو عين ما نقل في التذكرة عن بعض الشافعيّة و الليث بن سعد و أحمد بن حنبل و بعض علمائنا؛ ثمّ ر دّ كلّ واحدٍ من هذه الوجوه؛ و التذكرة هو أتقن كتب العلّامة و أحسنها. و ممّا يشهد على ذلك أنه أدخل في جملة أدلّته نفس ما تمسّك به المخالفون من حلول الطلاق و العتاق به و معلومٌ أنه منافٍ لمذهبه لمكان مانعيّة التعليق فيهما. و بالجملة اختيار العلّامة في المنتهي هو عدم تساوي البلاد، إن علم طلوع القمر في بعض الأصقاع، و عدم طلوعه في بعضها المتباعد عنه، لكرويّة الأرض.

  • و أمّا بدون ذلك؛ أي إن يُعلم عدمُ طلوعه في بعضها الغير المتباعد، بجهةٍ أُخرى، غير كرويّة الأرض؛ مثل ما إذا كانت السماء متغيمةً، غير مصحيةٍ؛ أو لعدم كروية الأرض كما إذا فرض تسطيها؛ فالتَّساوي هو الحقّ.

  • و هذا بعينه مذهب المشهور.

  • كلام صاحب الحدائق (ره) في المقام‌

  • لكن صاحب الحدائق، المصرَّ على عدم لزوم الاشتراك في الآفاق، بانياً على مذهبه من تسطيح الأرض؛ و الرّادَّ على الفاضل الخراسانيّ ره في الذخيرة ر دَّه على العلّامة ما استدلّ به في أوّل كلامه؛ أوَّلَ ما استدرك به العلّامة في كلامه الأخير، حيث قال:

  • و أمّا قوله أخيراً: و بالجملة إلى آخره، فالظاهر أنه إشارة إلى منع ما ادّعوه من الطلوع في بعض، و عدم الطلوع في بعضٍ للتباعد، و أنه غير واقع، لما ذكره أوّلًا من أنّ المعمورة من الأرض قدرٌ يسيرٌ، لااعتداد به بالنسبة إلى سعة السماء؛ و أنه لو فرض حصول العلم بذلك فالحكم عدم التساوي؛ فلا منافاة فيه لأوّل كلامه، كما استدركوه عليه.

  • و ملخّصه، أنّا نقول بوجوب الصوم، أو القضاء مع الفوات، متى تثبت الرُّؤية في‌

رسالة حول مسألة رؤية الهلال‏

55
  • بلدٍ آخر قريباً أو بعيداً؛ و ما ادّعوه من الطلوع في بعضٍ و عدم الطلوع في آخر، بناءً على ما ذكروه من الكرويّة ممنوعٌ انتهى.

  • و أنت خبيرٌ بأنّ هذا تأويلٌ لم يَرض به صاحبه.

  • العلّامة كان ينادي صريحاً، بأنه إذا احتمل كون الهلال فوق الافق و أمكن الرُّؤية، لتسطيح الأرض، أو لكرويّتها، لكن لكون المعمورة منها بالنسبة إلى سعة السّماء قليلًا؛ لا تمنع من رؤيته؛ ففي هاتين الصورتين فالحقّ هو التساوي؛

  • و أمّا إذا فرضنا كرويّتها، و قلنا بأنّ الكرويّة تمنع من الرُّؤية؛ ففي هذه الصورة لم يكن الهلال فوق الافق في البلاد المتباعدة؛ بل يخفي تحت قوس الأرض؛ فلا يحكم بدخول الشهر.

  • و هذا بعينه مذهب المشهور.

  • ثمّ أين في كلامه إنكار الكرويّة؛ مع أنّه في التذكرة صرّح بمنع التسطيح، و أنّ المشهور كرويّة الأرض؛ و ذكرنا أيضاً استدلال ولده: فخر المحقّقين في شرحه على القواعد على كرويّتها.

  • ثمّ إنّه على فرض ذهاب العلّامة إلى مذهب غير المشهور، بانياً على عدم كرويّة الأرض؛ كيف يمكن أن يورَد كلامه تأييداً لخلاف مذهب المشهور؛ حيث أنّ الكرويّة ثابتةٌ قطعاً؛ فلا مجال لبقاء حكمه المبنيّ على عدم الكرويّة أيّ مجال.

  • هذا مع أنّه في القواعد ذهب إلى الحكم بلزوم التقارب في البلاد بلا احتمال‌خلافٍ.

  • كلام الشهيد (قدّه) في «الدروس»

  • و امّا الشّهيد (ره) في الدروس، فقد قطع بلزوم تقارب البلاد في الرُّؤية؛ و لم يمِلْ إلى غيره أصلًا حيث قال: و البلاد المتقاربة كالبصرة و بغداد متّحدة؛ لا كبغداد و مصر؛ قاله الشيخ؛ و يحتمل ثبوت الهلال لمن في البلاد المغربيّة، برؤيته في البلاد المشرقيّة، و إن تباعدت؛ للقطع بالرُّؤية عند عدم المانع انتهى.

  • و هذا كلامه، كما ترى ينادي صريحاً بلزوم التقارب؛ و أمّا احتمال ثبوت الهلال في المغرب برؤيته في المشرق، فليس من باب الميل إلى اتّحاد البلاد شرقاً و غرباً؛ و إلّا لما خصّ بالبلاد الغربيّة بل لأنّ القمر إذا رئي في البلاد الشرقيّة، رئي في غالب البلاد الغربيّة؛ كما فصّلنا سابقاً؛ لاتّحاد أُفق الرُّؤية في مطلعه و مغربه في ذلك؛

  • فغالب البلاد الغربيّة متّحد الافق في طلوع القمر مع البلاد الشرقيّة المرئيّ فيها القمر؛ و لا عكس. و لعلّ من نَسب إليه ذلك، لم يطالع نفس الدروس؛ و اكتفى بما نقله‌

رسالة حول مسألة رؤية الهلال‏

56
  • صاحب الجواهر (قدّس سره) من كلامه بعد ذكر الأدلّة التي أُقيمت على خلاف مذهب المشهور حيث قال:

  • و لعلّه لذا قال في الدروس، بعد نسبة ما في المتن إلى قول الشيخ: و يحتمل ثبوت الهلال في البلاد المغربيّة برؤيته في البلاد المشرقيّة، و إن تباعدت؛ للقطع بالرُّؤية عند عدم المانع انتهى.

  • و أنت بأدنى تأمّلٍ تعرف: بأنّ صاحب الجواهر (ره) أخطأ في إسناد هذه النسبة إلى الشهيد (قدّه)؛ و لو بلفظ لعلّ الدالّ على الترجّي و الاحتمال، و لم يفهم مَغزَى مراده.

  • الشهيد (ره) لم يذهب إلى الميل باتّحاد البلاد في الحكم بثبوت الشهر؛ بل كان بصدد بيان الآفاق المتحدة موضوعاً؛ فذهب إلى اتّحاد البلاد الغربيّة في مطالع القمر، إذا طلع في البلاد الشرقيّة. و أين هذا من ذاك؟

  • تبصرةٌ: إنّ العلّامة في التذكرة و القواعد، و الشهيد في الدروس، فرّعوا على المبنى المشهور، من عدم كفاية رؤية بلدٍ للبلاد المتباعدة فروعاً؛ و نحن نذكرها بلفظ الدروس:

  • منها: ما لو رأى الهلال في بلدٍ، و سافر إلى بلدٍ آخر يخالفه في حكمه؛ انتقل حكمه إليه؛ فيصوم زائداً أو يفطر على ثمانية و عشرين؛ حتّى لو أصبح مُعيّداً، ثمّ انتقل، أمسك.

  • و لو أصبح صائماً للرؤية ثمّ انتقل، ففي جواز الافطار نظرٌ. (أي لو رأى الهلال‌مثلًا في ليلة الجمعة ثمّ سافر إلى بلدةٍ بعيدةٍ مشرقيّةٍ، قد رُئي الهلال فيها ليلة السبت؛ أو بالعكس؛ صام‌في‌الاوّل‌واحداً و ثلاثين يوماً؛ و يفطر في الثاني على ثماني وعشرين‌يوماً). و زاد في الجواهر:

  • بأنّهُ لو أصبح معيّداً، ثمّ انتقل ليومه، و وصل قبل الزوال أمسك بالنيّة و أجزأه و لو وصل بعد الزوال مع القضاء، ولو أصبح صائماً للرؤية، ثمّ انتقل؛ احتمل جواز الافطار لانتقال الحكم؛ و عدمه لتحقّق الرُّؤية و سبق التكليف بالصوم انتهي. ثمّ قال: كلّ هذه الفروع ساقطةٌ على المختار من عدم لزوم الاشتراك في الآفاق.

  • كلام النراقيّ (ره) في «المستند» على خلاف المشهور

  • و أمّا صاحب المستند (ره)۱ فهو بعد ما ذكر علل اختلاف البلدان في رؤية الهلال، و أنّه راجع إلى طول البلاد من جهةٍ واحدةٍ، و إلى عرضها من جهتين قال: ثمّ الحقّ الذي لا محيص‌عنه عند

    1. و هو الحاج مولى أحمد النراقيّ (ره) خالنا الأعلى من طرف الامّ أعني أخا أُمّ أُمّ أُمّ أُمّي فأبوه و هو الحاجّ مولى المهديّ النراقيّ (ره) كان جدّنا الأعلى من طرف الامّ أعني أبا أُمّ أُمّ أُمّ أُمّي (منه عفي عنه)

رسالة حول مسألة رؤية الهلال‏

57
  • الخبير كفاية الرُّؤية في أحد البلدين للبلد الآخر مطلقاً، سواءٌ كان البَلَدان متقاربين أو متباعدين كثيراً؛ لأنّ اختلاف حكمهما موقوف على العلم بأمرين، لا يحصل العلم بأحدهما البتّة:

  • أحدهما: أن يعلم أنّ مبنى الصوم و الفطر على وجود الهلال في البلد بخصوصه؛ و لا يكفي وجوده في بلدٍ آخر؛ و أنّ حكم الشّارع بالقضاء بعد ثبوت الرُّؤية في بلدٍ آخر، لدلالته على وجوده في هذا البلد أيضاً. و هذا ممّا لاسبيل إليه.

  • لمَ لا يجوز أن يكفي وجوده في بلدٍ لساير البلدان أيضاً مطلقاً.

  • و ثانيهما: أن يُعلم أنّ البلدين مختلفان في الرُّؤية البتّة؛ أي يكون الهلال في أحدهما دون الآخر؛ و ذلك أيضاً غيرُ معلوم؛ إذ لا يَحصل من الاختلاف الطوليّ و العرضيّ إلّا جواز الرُّؤية، و وجود الهلال في أحدهما دون الآخر؛ و أمّا كونه كذلك البتّة فلا؛ إذ لعلّه خرج القمر عن تحت الشعاع قبل مغربيهما؛ و إن كان في أحدهما أبعد من الشعاع من الآخر.

  • و العلم بحال القمر، و أنه في ذلك الشهر بحيث لا يخرج عن تحت الشعاع في هذاالبلد عند مغربه؛ و يخرج في البلد الآخر غير ممكن الحصول؛ و إن أمكن الظنّ به؛ لابتنائه على العلم بقدر طول البلدين و عرضهما و قدر بُعد القمر عن الشّمس في كلّ من المغربين، و وقت خروجه عن تحت الشعاع فيهما و القدر الموجب للرؤية من البعد عن الشّعاع.

  • و لا سبيل إلى معرفة شئ من ذلك إلّا بقول هَيَويّ واحدٍ، أو متعدّدٍ راجع قول راصدٍ أو راصدين يمكن خطاءُ الجميع غالباً.

  • و بدون حصول العلم بهذين الأمرين، لاوجه لرفع اليد عن إطلاق الأخبار أو عمومها.

  • فإن قيل: المطلقات إنّما ينصَرف إلى الأفراد الشّايعة، و ثبوت هلال أحَدِ البلدين المتباعد كثيراً في الآخر نادرٌ جدّاً.

  • قلت: لا أعرف وجهاً لندرته؛ و إنّما هي يكون لو انحصر الأمر في الثّبوت في الشّهر الواحد؛ و لكنّه يقيّد بعد الشهرين و أكثر أيضاً؛ و ثبوت الرُّؤية بمصر في بغداد، أو ببغداد لطوس، أو للشّام في إصفهان و نحو ذلك بعد شهرين أو أكثر ليس بنادرٍ؛ لتردّد القوافل العظيمة كثيراً انتهى.

  • البحث حول كلام «المستند»

  • و هذا كما ترى أنه (ره) أناط حكم المشهور بالعلم بكبرى المسألة، و العلم بصغراها.

رسالة حول مسألة رؤية الهلال‏

58
  • أما الكبرى، فهو لزوم وجود الهلال في بلدٍ بخصوصه، و عدم كفاية وجوده في بلدٍ آخر.

  • و أمّا الصغرى فهو العلم باختلاف البُلدان في الرُّؤية، أي العلم بكون الهلال في أحدهما دون الآخر.

  • ثمّ أنكر كلتا المقدّمتين؛

  • بأنّه لا سبيل إلى إثبات الكبرى؛ و لا يمكن الالتزام بأنّ الشّارع أناط مبنى الصّوم و الفطر على وجود الهلال في بلدٍ بخصوصه، لا في بلدٍ آخر.

  • و أنه لا سبيل إلى إثبات الصغرى؛ لأنّ الهلال إذا رئي في بلدٍ، لا يحصل لنا العلم بعدم كونه في البلد المتباعد؛ لأنّ العقل يحكم بجواز عدمه في بلدٍ آخر، و لا يحكم بعدمه بتّاً؛ لما بَيّن من الجهات المختلفة الدّخيلة في رؤية الهلال الموجبة لصعوبة الحكم بعدمه في بلدٍ آخر عند عدم رؤيته.

  • ثمّ رتّب على عدم العلم بحصول هذين الأمرين، تحكيم الإطلاقات و العمومات الواردة؛ و عدم جواز رفع اليد عنها. انتهى ما أردنا إيراده من كلامه.

  • أقول: أمّا العلم بكبرى المسئلة، فهو الجمع بين الأخبار المستفيضة بين الخاصّة و العامّة الدالّة على لزوم الرُّؤية في دخول الشهر؛ و الأخبار الدالّة على لزوم القضاءِ بعد ثبوت الرُّؤية في بلدٍ آخر؛ كما اعترف به العلّامة في التذكرة.

  • و هذا الجمع كما نذكره إنشاء الله تعالى، بنحو الحكومة، لا التّعارض؛ لأنّ أخبار وجوب القضاءِ بعد ثبوت الرُّؤية في بلدٍ آخر، حاكمةٌ على الأخبار الأوَل الدالّة على لزوم الرُّؤية؛ حيث إنّها تحكم عليها بتوسيع دائرة الرُّؤية، و أنها غير مختصّةٍ برؤية أهل البلد؛ بل الرُّؤية أعمٌّ من رؤيتهم و رؤية غيرهم. و بهذا نلتزم بأنّ الحكم بالقضاء بعد ثبوت الرُّؤية في بلدٍ آخر؛ لدلالته على تحقّق الرُّؤية في هذا البلد تنزيلًا؛ بعد ما سنبيّن بما لا مزيد عليه، من عدم تسليم عموم خبر أو إطلاقه في هذا المورد؛ و أنّ ما ظاهره العموم أو الإطلاق منصرفٌ إلى الأفراد الشايعة؛ و هي البُلدان المتقاربة.

  • و أمّا ما أفاده من عدم عرفان وجهٍ لندرة الحكم للبلدين المتباعدين، فستعرف أنّه غير مقبول؛ مضافاً إلى جهات أُخرى، عقليّةٍ و نقليّةٍ مانعةٍ من قيام المطلقات على إطلاقها.

  • و أمّا العلم بصغرى المسئلة، فإنّا لا ندّعي العلم بعدم وجود الهلال في الآفاق البعيدة؛ بل ندّعي العلم بوجوده في الآفاق القريبة المتحدة كما بيّنّا سابقاً؛ و بهذا نلتزم‌

رسالة حول مسألة رؤية الهلال‏

59
  • باتّحاد الحكم فيها.

  • و أمّا الآفاق البعيدة، فنحكم بعدم وجود الهلال فيها بالأصل.

  • و هذا الأصل و إن لم يثبت به الموضوع الموجب للحكم الشّرعيّ؛ لكنّه يثبت به عدم ثبوت الحكم الشرعيّ المترتّب على نقيضه من الصيام و الفطر؛ فلا نحكم بهما للاستصحاب.

  • مضافاً إلى الأخبار الواردة الدّالّة على وجوب إبقاء الشّهر، إلى أن يُرى الهلال أو يتمّ ثلاثين.

  • و العجب، أنّه ره تمسّك بعموم الحكم و إطلاقه عند الشّك في الموضوع؛ و هذا لا مجالّ له عند الخبير بالقواعد.

  • البحث حول كلام صاحب الوافي (قدّه) في المقام‌

  • و أمّا صاحب الوافي قدّه فقال: و الظاهر أنه لا فرق بين أن يكون ذلك البلد المشهود برؤيته فيه من البلاد القريبة من هذا البلد، أو البعيدة عنه؛ لأنّ بناء التكليف على الرُّؤية، لا على جواز الرُّؤية و لعدم انضباط القرب و البعد لجمهور الناس، و لإطلاق اللّفظ.

  • فما اشتهر بين متأخّري أصحابنا من الفرق؛ ثمّ اختلافهم تفسير القرب و البعد بالاجتهاد، لا وجه له انتهى.

  • أقول: إنّ بناء التكليف على نفس الرُّؤية مسلّمٌ، و لكن لا نسلّمُهُ بالجملة، كما اعترف به هو (ره) و حكم باتّحاد جميع البلدان مع عدم الرُّؤية إلّا في بعضها.

  • و أمّا مناط التكليف على جواز الرُّؤية بعد تحقّق رؤيةٍ ما، فلحكومة أخبار القضاءِ على أخبار لزوم الرُّؤية بتوسيع دائرة الرُّؤية كما عرفت.

  • و عدم انضباط القرب و البعد للجمهور، لا يوجب رفع اليد عن الحكم؛ بل حالهما كساير الموضوعات غير المنضبطة فلا بدّ من الرجوع إلى أهل الخبرة، و عند عدم التمكّن، إلى الاصول الموضوعيّة.

  • و الشهرة بين متأخّري الأصحاب من الفرق، لا تدلٌّ على عدم اشتهار الفرق بين متقدّميهم؛ بل الأمر كذلك، لبنائهم على الرُّؤية، و الحكم بالثبوت في البلاد غير المرئيّ فيها الهلال، التي يصل إليها الخبر من الخارج عادةً.

  • و لم يُعرف منهم الحكم في البلاد المتباعدة غير المرئيّ فيها الهلال، التي لا يصل إليها الخبر، إلّا بعد أزمنةٍ طويلة بحسبٍ ذلك العصر.

  • و لو كان بنائُهم على ترتيب أحكام الثُّبوت فيها، لَنُقِل إلينا يقيناً؛ لأنّ الصيام و

رسالة حول مسألة رؤية الهلال‏

60
  • الفطر، في رمضان ليسا من الامور الخفيّة، لرجوعهما إلى مجتمع أهل البلد.

  • و اختلافهم في تفسير القرب و البعد بالاجتهاد، كاختلافهم في غالب موضوعات الأحكام سعةً و ضيقاً، لادخل له في الحكم.

  • ثمّ وجهُ هذا الحكم المشهور، ما سنبيّن من انصراف الإطلاقات الواردة إلى الأفراد الشايعة.

  • و أمّا صاحب الجواهر قدّه الذاهبُ إلى عدم لزوم الاشتراك في البلدان، بناءً على عدم الاختلاف في المطالع في الرُّبع المسكون؛ فبما قدّمنا لك من المقدّمات العلميّة، تعرف أنّ ما ذهب إليه غير مقبول.

  • البحث حول كلام السيّد الحكيم (قدّه) في مستمسكه‌

  • و أمّا السيّد الحكيم قدّه، فقال في مستمسكه:

  • أقول: لأجل أنه لاينبغي التأمّل في اختلاف البلدان في الطّول و العرض، الموجب لاختلافها في الطلوع و الغروب، و رؤية الهلال و عدمها؛ فمع العلم بتساوي البلدين في الطّول، لا إشكال في حجّيّة البيّنة على الرُّؤية في أحدهما لإثباتها في‌الآخر.

  • و كذا لورُئي في البلاد الشرقيّة، فإنّه تثبت رؤيته في الغربيّة بطريق أولى.

  • أمّا لورُئي في الغربيّة، فالأخذ بإطلاق النصّ غير بعيد، إلّا أن يُعلم بعدم الرُّؤية؛ إذ لا مجال حينئذٍ للحكم الظاهريّ؛ و دعوى الانصراف إلى المتقاربين غير ظاهرة.

  • نعم يحتمل عدم إطلاق النصّ بنحوٍ يشمل المختلفين، لوروده من حيث تعميم الحكم لداخل البلد و خارجها لا من حيث تعميم المختلفين و المتفقين؛ لكنّ الأوّل أقوى. انتهى.

  • أقول أوّلًا: إنّ ما أفاده من عدم الإشكال في حجّيّة البيّنة على الرُّؤية في أحدهما لإثباتها في الآخر فيما إذا تساوى البَلَدان في الطول على إطلاقه محلّ إشكال، بل منعٍ؛ لما عرفت بما لا مزيد عليه:

  • من أنّ الطول و العرض، كليهما دخيلان في مطالع القمر.۱

  • فأبحاثنا في المقدّمات، تغنيك عن البحث هيهنا.

  • و ثانياً: و بهذا المناط يُشكل أيضاً بل يُمنع، بأولويّة الحكم بثبوت الرُّؤية في‌

    1. فيمكن أن يكون البلدان متساويين طولًاو مختلفين عرضاً على حدّ يُري الهلال في أُفق قليل العرض و لا يُرى في آخر كثير العرض. (منه عفي عنه)

رسالة حول مسألة رؤية الهلال‏

61
  • البلاد الغربيّة فيما إذا رئي في البلاد الشرقيّة.

  • نعم لا إشكال فيه في الجملة؛ و هو فيما إذا كانت البلاد متّحدةً طولًا، مع اختلاف يسير في العرض.

  • و ثالثاً: إنّ حكمه بعدم البعد في الأخذ بإطلاق النصّ فيما رئي في البلاد الغربيّة، لإثباته في البلاد الشرقيّة محلّ منعٍ؛ لأنّ انصراف النصوص في الإطلاقات الواردة ممّا لا محيص عنه.

  • و بذلك يخرج المختلفان من حيّز الحكم؛ و لا ينافي هذا من حيث تعميم الحكم لداخل البلد و خارجه.

  • ثمّ إنّ عدم ذكر الاختلاف في هذه المسألة في كلمات أكثر المتقدّمين، ليس إلّا لاتّفاقهم على أنّ الرُّؤية الكاشفة عن وجود الهلال فوق الافق، شرطٌ في الحكم بدخول الشهر في البلد الذي رُئي فيه الهلال، مع ما يقاربه من البلاد.

  • فحكموا جميعاً، طبقاً للروايات الواردة، على أنّ الدخيل هو الرُّؤية؛ و يستند عدم الرُّؤية لا محالة في البلاد المتقاربة، المتحدة الآفاق، إلى مانعٍ كالجبال و السحب و الأبخرة و الرياح و ماشابهها.

  • و أمّا البلاد المتباعدة، فحكمهما أيضاً دائرٌ مدار الرُّؤية؛ متى رأى أهلها الهلال حكموا بدخول الشهر و إلّا فلا.

  • فحكمهم بأنّ الرُّؤية الكاشفة شرطٌ في دخول الشّهر كافلٌ لجميع هذه الموارد.

  • هذا مع ما في صحيح مُسلم‌۱ عن يحيى بن يحيى و يحيى بن أيّوب و قُتَيبة و ابن حجر؛ قال يحيى بن يحيى:

  • أخبرنا، و قال الآخرون: حدّثنا، إسمعيل و هو ابنُ جعفر عن محمّد، و هو ابن أبي حرملة، عن كريب: أنّ أمّ الفضل، بنت الحارث بعثَتْهُ إلى معاوية بالشّام. قال: فقدمتُ الشّام، فقضيتُ حاجتها، و استهلّ عَلَيّ رمضان، و أنا بالشّام، فرأيت الهلال ليلةَ الجمعة؛ ثمّ قدمتُ المدينة في آخر الشهر؛ فسألني عبدالله بن عبّاس رضي الله عنهما، ثمّ ذكر الهلال فقال: متى رأيتم الهلال؟ فقلت: رأيناه ليلة الجمعة.

  • فقال: أنت رأيته؟ فقلت: نعم، ورآه الناس، و صاموا و صام معاوية.

  • فقال: لكنّا رأيناه ليلة السَّبت. فلا نزال نصوم حتّى نكمل ثلاثين أو نراه.

    1. ص ٤٤۰ ج ۱ من الطبعة الاولي.

رسالة حول مسألة رؤية الهلال‏

62
  • فقلت: أولا تكتفي برؤية معاوية و صيامه؟

  • فقال: لا، هكذا أمرنا رسول الله صلّى الله عليه (و آله) و سلّم.

  • و شكّ يحيى بن يحيى في نكتفي أو تكتفي انتهى.

  • و أوردها العلّامة في التذكرة في جملة ما استدلّ به على ما ذهب إليه الشيخ قدّه في المبسوط، من لزوم الاشتراك في البُلدان.

  • و أوردها البيهقيّ أيضاً في سُنَنه.۱

  • و هذا ظاهر بأنّ البلاد البعيدة حكمها غير حكم البلاد القريبة بالنسبة إلى البلدة التي رئي فيها القمر و لكنّ البيهقيّ قال في آخر كلامه:

  • و يحتمل أن يكون ابن عبّاس أراد ما رُوي عنه في قصّة أُخرى: أنّ النبيّ صلّى الله عليه (و آله) و سلّم أمدّه لرؤيته أو تكمل العدّة و لم يثبت عنده رؤيته ببلدٍ آخر بشهادة رجلين، حتّى تكمل العدّة علي رؤيته؛ لانفراد كريب بهذا الخبر؛ فلم يقبله انتهى.

  • أقول: و هذا الاحتمال غير مقبول؛ كما صرّح به في الجوهر النقيّ المطبوع بذيل هذا الكتاب:

  • بأ نّ قول ابن عبّاس: لا؛ حين قال له كريب: أو لا تكتفي برؤية معاوية؛ يبعّد هذا الاحتمال انتهى.

  • فإذن هذه المسئلة، مبحوث عنها في لسان المتقدّمين، و وردت فيها هذه الرواية العامّيّة بأسناد مختلفةٍ؛ و إن لم تكن دليلًا لنا، لعدم العلم باستناد المشهور إليها؛

  • لكن تدلّنا على وجود البحث حول هذه المسئلة في أوّل زمان الفقه؛ و هو زمان ابن عبّاس الذي كان يأخذ علم الفقه و التفسير، من مولانا عليّ بن أبي طالب أمير المؤمنين، عليه صلوات الله و الملئكة المقرّبين.

  • الكلام حول التمسّك بالإطلاقات، لعدم لزوم الاشتراك‌

  • أمّا الاستدلال بإطلاق الأحاديث الواردة في ذلك؛

  • فالأوّل: قول الصادق عليه السّلام في صحيح منصور بن حازم: «فَإنْ شَهِدَ عِنْدَك شَاهِدَانِ مَرْضِيَّانِ بِأنهُمَا رَأيَاهُ فَاقْضِهِ».

  • و الثاني: صحيح هشام بن الحكم عن أبي عبدالله عليه السّلام، أنّه قال فيمن صام تسعةً و عشرين، قال: «إنْ كَانَتْ لَهُ بَيِّنَةٌ عَادِلَةٌ عَلَى أهْلِ مِصْرٍ، أنهُمْ صَامُوا ثَلَاثِينَ عَلَى رُؤيَتِهِ، قَضَى يوماً».

    1. ص ٢٥۱ ج ٤ من الطبعة الاولي.

رسالة حول مسألة رؤية الهلال‏

63
  • و الثالث: صحيحة أبي بصير عن أبي عبد الله عليه السّلام، أنّه سئل عن اليوم الذي يُقضى من شهر رمضان‌. فقال: «لَا تَقْضِهِ، إلَّا أنْ يَثْبُتَ شَاهِدَانِ عَادلَانِ مِنْ جَمِيعِ أَهْلِ الصَّلَوةِ، مَتَى كَانَ رَأسُ الشَّهْرِ؛ و قال: لَا تَصُمْ ذَلِكَ الْيَوْمَ الذي يُقْضَى، إلَّا أنْ يَقْضِيَ أهْلُ الأمْصَارِ؛ فَإنْ فَعَلُوا، فَصُمْهُ».

  • الرابع: صحيحة إسحق بن عمّار؛ قال: سأَلْتُ أبَا عَبْدِ اللَهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ عَنْ هِلَالِ رَمَضَانَ، يُغَمُّ عَلَيْنَا في تِسْعٍ وَ عِشْرِينَ مِنْ شَعْبَانَ؛ فَقَالَ: «و لَا تَصُمْهُ، إلّا أنْ تَرَاهُ؛ فَإنْ شَهِدَ أَهْلُ بَلَدٍ آخَرَ، أنهُمْ رَأَوْهُ فَاقْضِهِ».

  • الخامس: صحيحة عبد الرحمن بن أبي عبد الله، قال: سَألْتُ أَبَا عَبْدِ اللَهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ، عَنْ هِلَالِ شَهْرِ رَمَضَانَ يُغَمُّ عَلَيْنَا في تِسْعٍ وَ عِشْرِينَ مِنْ شَعْبَانَ. فَقَالَ: «لَا تَصُمْ، إلَّا أنْ تَرَاهُ، فَإنْ شَهِدَ أَهْلُ بَلَدٍ آخَرَ، فاقْضِهِ».

  • بيان ذلك: أنّ في جميع هذه الروايات، حُكم بإطلاق وجوب القضاء؛ و الإطلاق دليلٌ على العموم.

  • فتدلّ على وجوب القضاء لكلّ بلدة لم يَرَ أهلها الهلال، إذا قامت البيّنة من أيّ بلدة رئي فيها الهلال؛ بلا فرق بين الآفاق القريبة و البعيدة.

  • و حيث لا قضاء إلّا لمن ترك الصيام الواجب، فالصيام واجب لأهل جميع البلاد، إذارئي الهلال في بلدة واحدةٍ من جميع العالم، فالرُّؤية الإجماليّة سببٌ لدخول الشهر في جميع الشهور لعدم الفصل بين شهر رمضان و غيره و الإطلاقات هي عمدة الأدلّة التي ذكروها في المقام.

  • و الحقّ أنّ هذه الإطلاقات، لا تقصر عن سائر الإطلاقات الواردة في أبواب الفقه؛ لولا الانصراف و القرائن العقليّة و النقليّة، الموجبة لحصر المفهوم في بعض أفراد ما ينطبق عليه.

  • و هذه الموانع بأسرها موجودة في المقام.

  • القرائن العقليّة المانعة عن انعقاد ظهور روايات الباب في الإطلاق‌

  • أمّا القرينة العقليّة، فهي إنّا نعلم أنّ ساكني نصف قطر العالم، لا يرون الهلال، بعد خروجه عن تحت الشعاع دائماً.

  • فإذن تشريع الأحكام المترتّبة على الرُّؤية؛ ثمّ عدم تنجيزها بتّاً؛ بعدم تحقّق الرُّؤية خارجاً لغوٌ، غير صادر من الحكيم.

  • لأنّ فائدة تشريع الحكم في مقام الجعل و الإنشاء، إمكان تنجّزها في الجملة؛ بالعلم و القدرة و سائر الشرائط العامّة للتكليف.

رسالة حول مسألة رؤية الهلال‏

64
  • و إلّا فالحكم المجعول في عالم الإنشاءِ، غير القابل للتنجيز، بعدم تحقّق ما يوجب تنجّزه دائماً، عبثٌ محضٌ.

  • و أنت ترى أنّ أظهر مصاديق هذا الحكم العقليّ الذي ذكرناه، هو الحكم بوجوب الصيام أداءً المترتّب على الرُّؤية، بالنسبة إلى نصف العالم، مع عدم إمكان تحقّقها؛ بمجرّد تحقّقها في القطر الآخر.

  • فإن قلتَ: إنّ من شرائط الوجوب تحقّق الرُّؤية، فحيث إنّ في هذا القطر لم تتحقّق؛ لم يتحقّق التكليف بالصيام؛ فأيّ محذورٍ فيه؟

  • قلتُأوّلًا، إنّا نعلم علماً يقينيّاً أنّ القمر خرج عن تحت الشعاع بالحساب في نقطةٍ من نقاط العالم فرآه كثيرٌ من أهالي تلك النواحي و البلاد، و إن لم يصل الأخبار برؤيتهم إلى هذا القطر إلى الأبد؛ فالرُّؤية في الجملة قطعيّةٌ؛ و العلم بها حاصلٌ؛ و الأخبار بها ليس شرطاً للموضوع.

  • فإذن يصير أهل هذا القطر مشمولًا للحكم، لتحقّق الموضوع.

  • و محصّل الكلام: إن سُلّم تحقّق الرُّؤية، فالحكم ثابتٌ و غير معقول؛ و مع عدم معقوليّته حيث لا حكم و لا تشريع، فالقضاء غير معقول.

  • و ثانياً، حكم الشارع بوجوب القضاء، يوجب تقلّب الحكم على المسلمين؛ لما ذكرنا من أنّ ساكني نصف القطر لا يرون الهلال دائماً.

  • فلو حكّم الشارع على المسلمين في أقطار العالم، و جعل صومهم عليه الرُّؤية؛ و عند عدم الرُّؤية حكّم البيّنة بعد ستّة أشهرٍ، أو تسعة أشهرٍ أو سنةٍ؛ على أنّ في البلدة الكذائيّة، في نقطةٍ خاصّةٍ من المغرب مثلًا رئي الهلال؛ فلا بدّ و أن يقضوا صيامهم جميعاً في نصف القطر؛

  • فهل هذا إلّا قلب الحكم لجميع الامّة؟ فما معنى هذا التشريع؟ فهلّا حكم الشارع لهم بتقديم صيام يومٍ قبل الشهر، كي لا يقعوا في هذا المحذور؟

  • إن تشريع القضاءِ فيما لايمكن الأداء للمكلّف، لعدم إمكان العلم بالتكليف، تشريعاً عامّاً للجميع، غير معقولٍ و لكنّ هذا التشريع بالنسبة إلى أفرادٍ خاصّةٍ، أو في بعض الأحيان، لا مانع منه.

  • فتشريع قضاءِ الصوم في البلاد المتقاربة للبلد المرئيّ فيه الهلال من هذا القبيل؛ و أمّا بالنسبة إلى الجميع فغير صحيح.

  • و لذلك ترى أنّ الشارع جعل الثلاثين بدلًا للرؤية في جميع الأزمنة و الأمكنة؛ و ذلك في روايات كثيرة، أوردها الحرّ في الوسائل، و النوريّ في المستدرك، بأ نّ‌

رسالة حول مسألة رؤية الهلال‏

65
  • المدار في صيام شهر رمضان على تحقّق الرُّؤية أو إتمام ثلاثين يوماً؛ كما في صحيحة إسحق بن عمّار عن أبي عبد الله عليه السّلام، أنّه قال: في كِتَابِ عَلِيّ عَلَيْهِ السَّلَامُ: «صُمْ لِرُؤْيَتِهِ وَ أفْطِرْ لِرُؤْيَتِهِ، وَ إيَّاكَ وَ الشَّكَّ وَ الظَّنَّ؛ فَإنْ خَفي عَلَيْكُمْ، فَأتموا الشَّهْرَ الأوَّلَ ثَلَاثِينَ».

  • القرائن النقليّة المانعة عن إطلاق الروايات‌

  • و أمّا القرينة النقليّة، فهي الأخبار الواردة من الفريقين، لعلّها تبلغ حدّ التواتر، بإناطة الصيام و الفطر بالرُّؤية.

  • و نحن التزمنا بحكومة الأخبار الواردة الدالّة على وجوب القضاء، على هذه الأخبار، بجعل سعة دائرة الرُّؤية بالنسبة إلى الآفاق القريبة؛ و أمّا الآفاق البعيدة تكون على حالها، بلزوم تحقّق الرُّؤية فيها.

  • إن قلتَ: ما الفرق بين القريب و البعيدة في ذلك؛ فظاهر الأخبار تحكيم البيّنة في القضاء مطلقاً فلا فرق في الحكومة بين القريبة و البعيدة.

  • قلتُ: هذا مساوقٌ لرفع اليد عن الروايات الدالّة على دخالة الرُّؤية بتّاً، موجبٌ لإهمالها و إبطالها.

  • و ذلك، لأنّا نعلم أنّ في آخر كلّ شهرٍ قمريّ؛ و هو الفصل بين الإحتراقين أو المقارنتين، أعنى ٤٤ و ۱٢ و ٢٩؛ أنّ القمر خرج عن تحت الشعاع، ورئي في مكانٍ ما؛ فلابدّ و أن نلتزم بأحكام الصيام و الفطر؛ فإذن سقطت الرُّؤية رأساً؛ و بطلت هذه الروايات المتظافرة المتكاثرة الدالّة على دخالة الرُّؤية؛ و صار الشهر الهلاليّ المبدوّ بالرُّؤية، الشهر الحسابيّ المعلوم بالقواعد و الحساب و هو ٤٤ دقيقةٌ و ۱٢ ساعةً و ٢٩ يوماً.

  • و ابتدائه من خروج القمر عن تحت الشعاع.

  • و نحسب هذا المقدار، ثمّ هذا المقدار، و هلمّ جرّاً إلى آخر الدهر؛ فنستريح من الاستهلال و الرُّؤية و الشهادة و البيّنة و القضاءِ و غيرها جميعاً.

  • مع أنّ القائد العظيم: نبيّنا الأعظم صلوات الله و سلامه عليه و آله، المتجلّي في قلبه أنوار الملكوت و المؤيّد بروح القدس، حسم مادّة النزاع، و حلّ هذا المشكل، و قلع أساس هذه التخيّلات الواهية إلى يوم القيامة، بقوله المعجز عند أهل التحقيق: «صُومُوا لِرُؤْيَتِهِ وَ أَفْطِرُوا لِرُؤْيَتِهِ». و شرط الرُّؤية في جميع الأمكنة.

  • و الظاهر من كلامه صلّى الله عليه و آله و سلّم، جعل الرُّؤية على نحو

رسالة حول مسألة رؤية الهلال‏

66
  • الموضوعيّة، لا الكاشفيّة الصرفة، و الطريقيّة المحضة.

  • فلا بدّ و أن نبني و نلتزم على الرُّؤية.

  • فإذن ربما يكون الشّهران أو أكثر على التّوالي، تسعةً و عشرين؛ و ربما يكون الشهران أو أكثر كذلك ثلاثين، على حسب الرؤية.

  • فلو كانت الرُّؤية في ناحيةٍ ما كافيةً للحكم بدخول الشهر في جميع النواحي و الأصقاع، لم يبق مجال لقوله صلّى الله عليه و آله و سلّم: «صُوموا لرُؤيَتِهِ و أَفطِروا لرُؤيَتِهِ»؛

  • و لَبَطَلَ الشهر التسعة و العشرونيّ و الثلاثونيّ الهلاليّ المبدوّ بالرُّؤية؛ و صار الشهر شهراً حسابيّاً و هو ٤٤ دقيقةً و ۱٢ ساعةً و ٢٩ يوماً. أو شهراً وَسَطيّاً.

  • كما عليه الملاحدة الإسماعيليّة؛ حيث جعلوا مدار الشّهر على هذا المقدار۱. و لأجل عدم اختلالٍ في عدد الشهور، و ضبط الحساب عند العامّة، جعلوا شهراً واحداً ثلاثين، ثمّ آخر تسعةً و عشرين، ثمّ تسعةً و عشرين، فهلمّ جرّاً.

  • و لأجل دخالة المقادير الجزئيّة الخارجة عن هذه الضابطة، جعلوا كبائس على النهج الذي عرفتَ في المقدّمات.

  • ثمّ وضعوا حديثاً نسبوه إلى إمامنا الصادق عليه السّلام: رابع رجبكم غرّة الصيام‌٢. و هذه الضابطة لاتنطبق على الأشهر الهلاليّة دائماً؛ بل تنطبق عليها تارةً، و لا تنطبق أُخرى و أمّا على الأشهر الحسابيّة، فصحيحةٌ هي، و كلّ ما تريد أن تجعل لها نظيراً مثل قولك: رابع شعبانكم غرّة الشوّال، و رابع رمضانكم غرّة ذي القعدة؛ و قس على هذا.

  • و كذلك وضعوا حديثاً، بأنّ يوم نحركم و يوم صومكم واحدٌ.

  • و هذه القاعدة أيضاً صحيحة على الأشهر الوَسَطيّة، دون الهلاليّة الرؤيتيَّة؛ فقد تنطبق عليها و قد لا تنطبق.

    1. قد تقدّم الكلام على أنّ مدار الأزياج و مبناها على الوَسطيّ لاغير ثمّ يستخرج منها بعد محاسبة التعديلات أهلّةُ الشهور و مقاديرها و هذا لايختصّ بفرقةٍ دون أُخرى لكنّ الملاحدة اكتفوا بالشهور الوسطيّة على هذا النهج ثمّ جعلوا المحرّم ثلاثين و الصفراً تسعةً و عشرين و هكذا و صحّحوا باقي المقدار بجعل كبائس (منه عفي عنه).
    2. كما نسب نظماً أوسجعاً إليه صلّى الله عليه و آله و سلّم، قال في الخطب سيد العرب: «يوم صومكم رابع رجب. (منه عفي عنه).

رسالة حول مسألة رؤية الهلال‏

67
  • لأنّا إذا حسبنا المحرّم ثلاثين، و الصّفر تسعةً و عشرين، ثمّ الربيع الأوّل ثلاثين و الربيع الآخر تسعةً و عشرين، و هكذا؛ يصير يومُ اوّل رمضان الذي هو أوّل يوم الصيام، و يوم العاشر من ذي الحجّة الحرام، و هو يوم النحر واحداً بحسب أيّام الاسبوع.

  • مثلًا إذا كان الأوّل جمعةً، يصير الثاني جمعةً؛ و إذا كان الأوّل سبتاً، يصير الثاني سبتاً أيضاً.

  • و بما ذكرنا لك يظهر أُمورٌ:

  • الأوّل: أنّ الرُّؤية التي هي كاشفة عن وجود الهلال فوق الافق، جعلت موضوعاً لدخول الشهر على وجه الموضوعيّة و الصفتيّة.

  • الرؤية جزء الموضوع؛ و الجزء الآخر هو وجود الهلال‌

  • الثاني، أنّ الرُّؤية جزء الموضوع لدخول الشّهر، و الجزء الآخر هو وجود الهلال الثابت بنفس هذه الرُّؤية؛ و إلّا لتحقّق الدخول، و لو بعد إحرازِ الخلاف و تبيّن الخطاء؛ و هذا ممّا لاسبيل إليه.

  • الثالث، لايمكن جعل الرُّؤية كاشفةً صرفةً، و طريقاً محضاً إلى خروج القمر عن تحت الشُعاع، كما لا يمكن أن يكون طريقاً محضاً إلى كون الهلال فوق الافق؛ لعدم مساعدة الأدلّة.

  • فلذلك لا يمكن نيابةُ العيون المُسَلّحة، و الآلات الرّصديّة، و حساب المنجّمين الخبيرة بالزيجات المستخرجة، عن الرُّؤية؛ و لا تكفي هذه للحكم بدخول الشهر، و إن ثبت بها كونُ القمر خارجاً عن تحت الشعاع، أو موجوداً فوق الافق يقيناً.

  • الرابع، أنّ ماجعل بدلًا للرؤية هو إتمام ثلاثين لاغير. فلذا لايمكن الحكم بعدم دخول الشهر، في ليلة الثلاثين، برؤية الهلال يوم الثامن و العشرين؛ أو الحكم بدخوله في ليلة الثلاثين، برؤيته في اللّيلة القادمة، مرتفعاً عن الافق، بمقدار أزيد من غاية الارتفاع الممكن في اللّيلة الاولى من الشهر، بجعل الرصد و المحاسبة.

  • و غير هذه من الفروع المتصوّرة.

  • كلّ ذلك، لدخالة الرُّؤية على وجه الموضوعيّة الظاهرة، من قوله صلّى الله عليه و آله و سلّم: «صُومُوا لِرُؤْيَتِهِ وَ أفْطِرُوا لِرُؤْيَتِهِ».

  • و من الروايات الواردة عن أئمّة أهل البيت سلام الله عليهم أجمعين.

  • هذا مع ما نري من التزام الأصحاب و التابعين و الأئمّة عليهم السلام، بنفس الرُّؤية؛ بلا تعدٍّ عنها.

  • الخامس، الشهر الشرعيّ هو المبدوّ برؤية الهلال فوق الافق المحلّيّ أو ما يقاربه؛

رسالة حول مسألة رؤية الهلال‏

68
  • فلا يفيدنا الشهر القمريّ الحسابيّ، و لا الشهر القمريّ الوسطيّ، و لا الشهر القمريّ الهلاليّ الفلكيّ.

  • وجه انصراف الروايات إلى الآفاق القريبة

  • أمّا الانصراف إلى الآفاق القريبة فممّا لابدّ منه لا لوجود القدر المتيقّن في مقام التخاطب، كما شرط عدمَه صاحبُ الكفاية قدّه في باب الأخذ بالإطلاق، و جعَله إحدى مقدّمات الحكمة؛ حتّى يقال: إنّ الإطلاقات شاملةٌ للقدر المتيقّن في مقام التخاطب و غيرها؛ و نحن نأخذ بها في جميع فنون الفقه، مع أنّ في كلّ منها، قدراً متيقّناً بلا إشكال، و إلّا يلزم فقهٌ جديدٌ.

  • و لا للإغراءِ بالجهل، و الإلقاء في الخطر و المفسدة؛ لو كان المراد الواقعيّ للمتكلّم خلاف ما يفيده بظاهر كلامه من الإطلاق، بدون نصب قرينةٍ على التقييد؛ حتّى يقال: إنّ هذا كلامٌ خالٍ عن السّداد؛ للقاعدة الدّارجة بين الموالي و العبيد في الأخذ بالإطلاق، بدون انتظار مدّةٍ لمجئ القرينة على التقييد.

  • و لا لأجل الشكّ في سعة المفهوم و ضيقه، لغةً أو عرفاً، كما في لفظ الماءِ المشكوك صدقه على ماءِ الزاج و الكبريت، مع أنه من أظهر المفاهيم العرفيّة، كما صرّح به الشيخ الانصاريّ قدّه حتّى يقال: إنّ ما نحن فيه ليس من هذا القبيل. بل لأجل صدق المطلق على صنفه الخاصّ بحسب الفهم العرفي، في ظرفٍ خاصّ بالشرائط المخصوصة و الكيفيّات و القرائن المحفوفة التي اختصّت بهذا المورد؛ و إن لم تكن في موارد أُخَر.

  • بيان ذلك: أنّ أسماء الأجناس موضوعةٌ لنفس الطبائع بنحو اللّا بشرط المقسميّ؛ المعبّر عنه في لسان المشهور بالطبيعة المهملة، فلا يتكفّل اللفظ إلّا هذا المعنى.

  • فإن أراد المتكلّم نفس هذا المعنى فهو؛ و إن أراد الطبيعة المطلقة أو المقيّدة، فلا بدّ و أن ينصب قرينةً على مراده.

  • و الغالب أنّ قرينة التقييد تكون بإيراد شئٍ في الكلام.

  • بخلاف قرينة الإطلاق، فإنّها تكون بالسّكوت، و عدم إيراد شيئي في الكلام دال على خصوصيّةٍ من خصوصيّاته.

  • فإذن لابدّ و أن ننظر إلى جميع خصوصيّات المقامات، و حال المتكلّم الأمر، و حال المخاطب، و كيفيّة الحكم و الظروف التي أُلقي فيها الحكم، و الظروف التي قابلةٌ لإتيان المامور به فيها، و سائر القرائن المحفوفة؛ حتّى يتبيّن مقدار سعة دائرة دلالة هذا

رسالة حول مسألة رؤية الهلال‏

69
  • السّكوت على ما ينطبق عليه المفهوم.

  • و هذا أمرٌ عرفي وجدانيّ، يكون تحت إدراك الإنسان بما أنّه مدرك للحقائق العرفيّة وجداناً، بالذوق الدقيق، الذي لا يمكن أن يعارضه أو يزاحمه أيّ شئٍ. و يختلف بحسب المقامات و الأحوال، كالقرائن الدالّة على المجازات؛

  • لا يكاد ينحصر تحت عدٍّ، و لا ينضبط تحت ضابطة.

  • توسيع دائرة الحكومة إلى الآفاق البعيدة مساوق لإنكار الرؤية

  • إذا عرفت هذا فنقول: بعد ملاحظة تسجيل أذهان المجتمع الإسلاميّ على لزوم الرُّؤية في دخول شهر رمضان، أو إتمام ثلاثين؛ تَبَعاً لسنّة الرسول الأعظم صلّى الله عليه و آله و سلّم، و البناء عليها بلا نكير بين الفريقين؛

  • و بعد ملاحظة تباعد البلاد، بعضها عن بعض زماناً؛ خصوصاً في تلك الأزمنة، و عدم وصول الأخبار إلى الأقطار بتّاً، أو وصولها بعد نصبٍ و تعبٍ و مضيّ زمان بعيد؛

  • إذا ألقى الإمام عليه السّلام: بأنّه «إذَا شَهِدَ أهْلُ بَلَدٍ ءَاخَرَ أَنهُمْ رَأَوْهُ فَاقْضِهِ»، لا يفهم العُرف إلّا البَلَدَ القريب، الذي يمكن جعل الرُّؤية فيه رؤيةً في بلده بالحكومة، و توسيع دائرة الرُّؤية بالنسبة إليه بمناط اتّحاد المكان من حيث وجود الهلال فوق الافق، و أنّ المانع من الرُّؤية شئٌ عارضيّ؛ كما أنّه في البلدة الواحدة، إذا اتّسعت شرقاً و غرباً: تحقّق الرُّؤية في نقطةٍ منها كافٍ للحكم بالرُّؤية في حقّ الجميع.

  • و ذلك لمناط وحدة المكان خارجاً عند العرف.

  • فالإمام عليه السّلام يريد أن يوسّع دائرة اتّحاد المكان في الرُّؤية بنحو الحكومة و الاعتبار التشريعيّ، و لا يريد نقض قوله صلّى الله عليه و آله و سلّم: «صُوموا لرُؤيَتِهِ و أفطِروا لرُؤيَتِهِ».

  • و هذا الاعتبار بالنسبة إلى البلاد القريبة التي يكون القمر فيها فوق الافق، له مجالٌ صحيحٌ عند العرف و أمّا بالنّسبة إلى البلاد البَعيدة التي لم يكن القمر فيها فوق الافق، فهو بمنزلة هدم أساس الرُّؤية، و إنكارها من رأس؛ فلا يكاد يفهمه العرف.

  • مثلًا إذا قال الطبيب للمريض: اشرب دواءً فلانيّاً، و لا تجاوز عنه؛ فهل يمكن له أن يقول ثانياً اشرب أيّ دواء شئت، و خذ من الصَّيدليّ أيّة حبّةٍ تريد؟ فلا يستحسنه الذوق السَّليم.

  • فإذن كلّما أجاز الطبيب من دواءٍ ظاهره الإطلاق، يحمله العرف على الأدوية

رسالة حول مسألة رؤية الهلال‏

70
  • المتقاربة للدواء المعيّن، مزاجاً و خاصّيّةً.

  • و كما إذا قال المولى لعبده: ائتني بما عونٍ من ماءِ السُكّر؛ ثمّ قال له: لا بأس بأن تَصُبّ عليه شيئاً من الماء القراح.

  • فيفهم العبد بالذوق الوجدانيّ أنّ ما يجوز له أن يُصَبّ عليه، هو شئٌ قليلٌ ممّا صدق عليه الماء القراح لا كلّما يصدق عليه شئٌ من الماء القراح، و إن كان من الكثرة بمثابةٍ لايبقى معه مفهوم ماء السكّر في الماعون.

  • و الإطلاقات الواردة في المقام من هذا القبيل؛ و توسعة دائرة الأمكنة التي يمكن أن يستفاد من الإطلاق، هي الأمكنة التي يقبل العرف بالحكومة التشريعيّ صدق الرُّؤية فيها.

  • و هي الآفاق القريبة المتحدة مع بلدِ الرُّؤية في كون القمر فوق الافُق، و المانع من الرُّؤية وجودُ جبلٍ أوغيمٍ أو ما شابَههما؛ بعين ما يراه من اتّحاد البلدة الواحدة في نقاطها المختلفة، بتحقّق رؤيةٍ في نقطةٍ منها، و وجود جبلٍ أو غيم في سائر نقاطها.

  • و أمّا الآفاق البعيدة، فالحكومة فيها عند العرف بمنزلة إنكار أصل الرُّؤية و هدم أساسها.

  • فإذن لا يكاد يفهم العرف من ألفاظ مصر، و البلد و البيّنة، و جميع أهل الصلوة، الواردة في الإطلاقات، بلدةَ المدينة المنوّرة بالنسبة إلى خراسان؛ أو حبشة بالنسبة إلى سمرقند البعيدة إحديهما عن الاخرى بستّةٍ أشهر، أو سنةٍ زماناً.

  • و لا يمكن حمل قوله: قيام البيّنة على أهل مصر، قيام البيّنة من أهل مكّة على أهل بخارا، أو أهل إسبانيا على أهل نيسابور مثلًا.

  • مع ما رأينا في عصرنا هذا، في أزمنةٍ قريبةٍ من الحال، أنّ أخبار مدينة قم في الصيام و الفطر، لا تصل إلى مدينة طهران إلّا بعد يومٍ أو يومين؛ و كذلك أخبار بغداد و سامرّاء لا تصل إلى النجف إلّا بعد يومين أو أيّام.

  • فكلامه عليه السّلام بالنسبة إلى تلك الظروف، مع ارتكاز في أذهان المجتمع، من دخالة الرُّؤية في دخول الشهر، لا يشمل إلّا البلاد القريبة التي تصل الأخبار إليها، في أزمنةٍ قريبةٍ، بعناية وجود الهلال في آفاقهم، و أنّ جميع هذه النواحي ناحيةٌ واحدةٌ من هذه الجهة.

رسالة حول مسألة رؤية الهلال‏

71
  • فسعة دائرة نطاق الإطلاق لا يتجاوز عن هؤلاء. فهو عليه السّلام كان بصدد بيان الحكم لهؤلاء و بمقدّمات الحكمة يستفاد الإطلاق لجميعهم، و هو المعبّر عنه بالانصراف في هذا المقام.

  • و العجب من صاحب المستند ره في مقام دفع الانصراف، اعترف بندرة ثبوت الهلال لأحد البلدين المتباعدين، إذا انحصر الأمر في الثُّبوت في الشّهر الواحد؛ و لكنّه انكر النّدرة في ما تصل الأخبار بعد الشهرين و أكثر.

  • و قال: ثبوت الرُّؤية بمصر في بغداد، أو ببغداد لطوس، أو للشّام في إصفهان، و نحو ذلك بعد شهرين أو أكثر ليس بنادرٍ؛ لتردّد القوافل العظيمة فيها كثيراً انتهى.

  • و ذلك، لأنّ ورود القوافل الكثيرة بعد شهرين، لا ينافي الندرة؛ لأنّ القوافل لا ترد إلى كلّ بلدة بلدةٍ أوّلًا.

  • و الأمر لا ينحصر في البلاد التي تصل الأخبار إليها بعد شهرين أو أكثر ثانياً، لأنّ الحكم باتّحاد الآفاق يوجب أن يكون جميع كرة الأرض في الحكم مساوياً؛ فإذن ربما يبعد بلدةٌ عن بلدةٍ بأكثر من سنةٍ زماناً و لا تصل الأخبار إليها بتّاً، فكيف يمكن إنكار الندرة؟

  • هذا مضافاً إلى أنّ نفس النّدرة فقط ليست موجبةً للانصراف، بل بضميمة سائر القرائن المذكورة التي لا يمكن إنكارها؛

  • و عمدتها ارتكاز أذهان الناس بلزوم الرُّؤية، و عدم مساعدة تحكيم أدلّة القضاءِ لجميع البلاد؛ و القرائن العقليّة التي ذكرناها.

  • هذه جملة ما أردنا إيرادها في مقام المنع عن إمكان العمل بالإطلاقات.

  • و للمحقّق البصير، و الناقد الخبير، غنى و كفايةٌ.

  • الكلام حول ما استُشهد به على عدم لزوم الاشتراك في الآفاق‌

  • و أمّا الاستشهاد بما روي في عدّة روايات، في كيفيّة صلاة عيدَي الفطر و الأضحى؛ و ما يقال فيها من التكبير، في قوله عليه السّلام في جملة تلك التكبيرات:

  • «أَسْألُكَ بِحَقِّ هَذَا الْيَوْمِ، الذي جَعَلْتَهُ لِلْمُسْلِمِينَ عِيداً»؛

  • حيث إنّ الظاهر، أنّ المشار إليه في قوله عليه السّلام، في هذا اليوم، هو يومٌ معيّنٌ خاصّ، الذي جعله الله تعالى عيداً للمسلمين؛ لا أنّه كلّ يوم ينطبق عليه أنّه يوم فطر أو أضحى، على اختلاف الأمصار في رؤية الهلال، باختلاف آفاقها؛ مضافاً إلى أنّه تعالى جعل هذا اليوم عيداً للمسلمين كلّهم؛ لا لخصوص أهل بلدٍ تقام فيه صلاةُ العيد،

رسالة حول مسألة رؤية الهلال‏

72
  • حتّى ينتج على ضوئهما، أنّ يوم العيد واحدٌ لجميع أهل البقاع و الأمصار على اختلافهما في الآفاق و المطالع؛ فلا يجدي شيئاً في المقام.

  • و ذلك، لما بيّنّا أنّ لكلّ بقعةٍ بقعةٍ خاصّةٍ في العالم، ليلةً مخصوصةً و نهاراً مخصوصاً.

  • فكلما يمكن أن يُتصوّر في العالم، آفاقٌ مختلفةٌ، و بقاعٌ متفاوتةٌ؛ يمكن أن يُتصوّر دوائر أنصاف نهر متفاوتةٌ فيمكن تصوّر ليالٍ كثيرةٍ، و أيّامٍ كثيرةٍ بعدد تلك أنصاف النهر.

  • و ذلك لأنّ اللّيل عبارة عن الظلّ المخروطيّ، في الطّرف المقابل لطلوع الشّمس من الأرض؛ الحاصل من شعاع الشّمس على سطح الأرض.

  • و هذا المخروط متحرّك دائماً؛ لايقف في لحظةٍ أبداً.

  • فاللّيل يتحرّك دائماً في جميع الأرض، بحسب طول البلاد؛ و لكلّ بقعةٍ منها ليلٌ خاصّ، غير ما لبقعةٍ أُخرى من اللّيل.

  • و لا فرق فيما ذكرنا بين ما إذا فرضنا حركة الشّمس حول الأرض؛ كما في فرضيّة بطلميوس، و بين ما بُيّن في محلّه اليوم من حركة الأرض حول نفسها، من دليل فاندولِ (فوكو) و لزوم الحركة الشديدة بما يبلغ مليارد كيلومتر في الثانية، لو كانت الأرض ثابتةً، و الشّمس متحرّكةً.

  • بخلاف ما لو كانت الأرض متحرّكةً؛ فتلزم حركتها في كلّ ثانيةٍ خمسمأة مترٍ. و هذه في النّقاط الاستوائيّة التي تكون السرعة فيها أكثر.

  • و على كلا التّقديرين لابدّ من الالتزام بهذا المخروط في الفضاء حول الأرض.

  • أمّا على الفرضيّة القديمة فظاهرٌ بأنّ الشّمس لما كانت غير ثابتة في لحظةٍ؛ بل متحرّكة حول الأرض دائماً؛ فبتبع هذه الحركة، يتحرّك الظلّ المخروطيّ حول الأرض.

  • و أمّا على فرضيّة المتأخّرين، فلأنّ الأرض غير ثابتةٍ في لحظةٍ؛ بل متحرّكةٌ دائماً حول نفسها؛ و الظلّ المخروطيّ ثابت، و الأرض تدور حول نفسها في هذا الظلّ؛

  • فتختلف بسبب هذه الحركة البقاع التي صارت مواجهةً لضوء الشّمس، المسمّاة بالبقاع النّهاريّة؛ فتتميّز عن البٍقاع التي صارت مواجهةً لخلاف ضوء الشّمس، المسمّاة بالبِقاع الليليّة.

  • فهذه البقاع تتبدّل دائماً؛ ففي كلّ آنٍ يكون لبقعة جديدةٍ، ليلٌ جديدٌ و نهارٌ جديدٌ.

رسالة حول مسألة رؤية الهلال‏

73
  • و النتيجة واحدةٌ على كلا التقديرين و كلتا الفرضيّتين بالنسبة إلى حدوث الظلّ المخروطيّ الموجد لللّيل، فاللّيلة في طهران، غير اللّيلة التي فيما قبلها و ما بعدها من البلاد طولًا.

  • كيفيّة تصوير الايام و الليالي إمّا جزئيّات أو كلّيّات‌

  • فإذن لابدّ و إمّا أن نلتزم بأنّ ليلة العيد مثلًا مجموع تلك الظلمة، في دورٍ كاملٍ أرضيّ، يبلغ أربع و عشرين ساعةً؛ و لكلّ بقعةٍ حدٌّ خاصٌّ و تعيّنٌ مخصوصٌ من تلك الظلمة.

  • فليلة العيد في طهران، قدرٌ خاصٌّ من جميع اللّيل الطّويل؛ و كذا نهار العيد المتعقّب باللّيل، قدرٌ خاصٌّ من مجموع نهار العيد البالغ أيضاً أربع و عشرين ساعةً.

  • و أمّا أن نلتزم بأنّ ليلة العيد ليست أمراً جزئيّاً، و مصداقاً خارجيّاً مشخّصاً؛ بل أمرٌ كلّيّ ينطبق على مصاديق عديدةٍ؛ و لكلّ بقعةٍ؛ يوجَدُ فردٌ من هذا الكلّيّ بمجرّد غروب الشّمس فيها، إلى أن تطلع؛ كما أنّ النهار أمرٌ كلّيّ، يوجَدُ لكلّ بقعةٍ فردٌ منه بمجرّد طلوع الشّمس فيها، إلى أن تغرب.

  • فإذن ليس العيد يوماً خاصّاً محدوداً بين النقطتين المشخّصتين، حتّى يمكن الاستشهاد بها في المقام؛ بل على ضوءِ هذا البيان؛ يومٌ طويلٌ جزئيّ له تعيّناتٌ كثيرةٌ؛ أو يوم قصيرٌ كلّيّ له أفرادٌ عديدةٌ حسب تعداد النّواحي و الأصقاع في جميع أقطار الأرض.

  • فعلى هذا يكون المراد من قوله عليه السّلام: من هَذَا الْيَوْمِ الذي جَعَلْتَهُ لِلْمُسْلِمِينَ عِيداً، هذا اليوم الطويل الذي لكلّ بلدٍ سهم خاصٌّ منه؛ أو الكلّيّ الذي لكلّ بلدٍ فردٌ خاصٌّ منه.

  • فكيف يمكن أن يستشهد به لتشخّص اليوم في جميع العالم الملازم لاتّحاد جميع الآفاق في ذلك؟

  • و على هذا البيان تبيّن أيضاً، أنّ الكريمة الواردة في ليلة القدر، و أنّها خيرٌ من ألف شهر و أنّ فيها يفرق كلّ أمرٍ حكيم، و تكتب فيها البلايا و المنايا و الأرزاق أيضاً كذلك.

  • فجميع الأيّام و اللّيالي في السّنة، كيوم عاشوراء، و عيد الأضحى، و النصف من رجب، و شعبان و عيد الغدير: الثامنة عشر من ذي الحجّة، و لياليها من هذا القبيل.

  • فإذا ثبت أنّ الأيّام و لياليها، جزئيّاتٌ طويلةٌ الأمَد، أو كلّيّاتٌ منطبقةٌ على مصاديقها الخاصّة، المعيّنة، و أقدارٌ خاصّةٌ في الكثير، كالصّاع من الصُبرة؛ فأيّ مانعٍ‌

رسالة حول مسألة رؤية الهلال‏

74
  • من الالتزام بها في كلّ ناحيةٍ بحسبها على ميزان رؤية الهلال؟ غاية الأمر يصير امتداد دائرة هذا اللّيل و النهار أوسع؛ و أيّ ضيرٍ فيه؟

  • و ممّاذكرنا ظهرأنّ ذهاب المشهور إلي الحكم بلزوم اشتراك البلدان في الآفاق في رؤية الهلال، ليس إلّا من جهة الموازين العلميّة، و الروايات الواردة في‌المقام الدالّة بالحكومة على دخول الشّهر في كلّ بلدةٍ بمجرّد رؤية الهلال في بلدةٍ، الكاشفة عن وجود الهلال في جميع هذه البلاد.

  • و أنّ لمطالع القمر في الآفاق المختلفة دخلًا في مسئلة الحكم بدخول الشهر، بعين مدخليّة طلوع الشّمس، في مطالعها بما له من الأحكام.

  • فليس هذا مجرّد قياس هذه المسئلة بتلك؛ بل لأنّ لكلّ واحدٍ منهما حكماً مستقلًا مشابهاً للآخر.

  • ختام الموسوعة الاولى‌

  • هذا آخر ماجرى على قلمي فيهذا المقام؛

  • و ما كنتُ نويتُ في ابتداء البحث، أن أُطيل الكلام على هذا النهج؛ و لكنّ في الأثناء قضى الله ما قضى على هذا الاسلوب البَيع.

  • و كان تبديل فتياك في هذه المسئلة، هو الباعث لهذه الإطالة؛ حتّى يتّضح جوانب المسئلة، و يتبيّن المرام من جميع الجهات.

  • و ما أردتُ إلّا ابتغاء وجهِ الربّ الكريم.

  • فإن وقعَت مورد القبول فهو، و إلّا فالرجاء الواثق أن تتفضّل علَيّ بالجواب، و لك مزيد الشكر و الامتنان.

  • و غير خفي أنّ هذه و ما شابهها من الرسائل التي كتبتُها من العلوم التي دخلتُها، قطرةٌ من فيضان بحرك، و رشحةٌ من سحاب علمك؛ و بضاعتك التي ردّت إليك؛ صدرَت فوردَت؛ منك و إليك.

  • و له الحمد في الاولى و الآخرة، و آخر دعوانا أن الحمد للّه ربّ العالمين.

  • {رَبَّنَا عَلَيْكَ تَوَكَّلْنَا وَ إِلَيْكَ أَنَبْنَا وَ إِلَيْكَ المصِيرُ ؛ رَبَّنَا لَا تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا وَ اغْفِرْلَنَا رَبَّنَآ إِنَّكَ أَنتَ الْعَزِيزُ الحكِيم}.

  • «ربّنا لا تجعل الدُّنيا أكبر همّنا و لا مَبْلَغَ عِلْمِنا»، لِئلّا نَقْرَأ في صَحيفَتنا يوم القيامة:

  • {أَ ذْهَبْتُم طَيِّبَاتِكُمْ في حَيَاتِكُمُ الدُّنْيَا وَ اسْتمتَعْتم بِها}.

  • ربّنا أدخِلنَا في كلّ خيرٍ أدخلت فيه محمّداً و آل محمّدٍ، و أخرجْنا منْ كلّ سوءٍ أخرجت منه محمّداً و آل محمّدٍ، صلواتك عليه و عليهم أجمعين.

رسالة حول مسألة رؤية الهلال‏

75
  • و في الختام نشكر مساعيكم الجميلة في إحياء التُّراث الإسلاميّ و حمل أثقال الزعامة للُامّة المحمّديّة، جزاكم الله خير جزاء المحسنين.

  • فَقُمْتَ مَقاماً حُطَّ قَدْرُكَ دُونَهُ‌***عَلَى قَدَم عَنْ حَظِّها ما تَخَطَّتِ‌
  • وَ رُمْتَ مَراماً دُونَهُ كَمْ تَطاوَلَتْ‌***بِأعناقِها قَومٌ إلَيْهِ فَجُذَّتِ‌
  • أتَيْتَ بُيُوتاً لم تَنَلْ مِنْ ظُهُورها***وَ أبْوابُها عَنْ قَرْعِ مِثلِكَ و سُدَّتِ‌
  • نسأل الله تعالى، أن يُديم أظلالكم السامية، و أن يجْعَل أيّامَكم خَيراً مِنَ الماضية و أن يوفّقكم و إيّانا لما يحبّ و يرضى. و السلام عليكم و رحمة الله و بركاته.

  • خُتِمَت هذه الرسالة، بحمد الله و منّه، في الساعة الخامسة من اللّيل، ليلة شهادة مولانا و إمامنا، محيي مذهب الإماميّة، حامل لواء الولاية المحمّديّة: جعفر بن محمّد الصادق عليه السّلام في سنة ألف و ثلثمأة و ستّ و تسعين، بعد الهجرة النبويّة، على هاجرها سلام الله المَلِكِ العَلّام. و أنا الراجي عفو ربّه: محمّدٌ الحسين بن محمّدٍ الصادق الحسينيّ الطهرانيّ، ببلدة طهران.

رسالة حول مسألة رؤية الهلال‏

77
  •  

  •  

  • القسم الثاني: جواب العلّامة الخوئيّ عن الموسوعة الاولى‌

  •  

  •  

رسالة حول مسألة رؤية الهلال‏

79
  •  

  •  

  • بسم الله الرّحمن الرحيم‌

  •  

  •  

  • هذه صورة ما تفضّل به سيّدنا العلّامة الخوئيّ‌ مدّ ظلّه السامي جواباً عن الرسالة التي أرسلتُها إلى حضرته دامت بركاته‌ نقلته هيهنا ليكون تبصرةً لي و تذكرةً لغيري و له الحمد في الاولي‌ والآخرة، والصلاة والسلام على سيّدنا محمّدوآله الطاهرين‌

  • و إليك نصّ عبارته دام ظلّه:

  • بسم الله الرحمن الرحيم‌: {إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنا عَشَرَ شَهْراً فِي كِتابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّماواتِ وَ الْأَرْضَ}؛ صدق الله العلي العظيم.

  • بعد السلام و التحيّة؛ وصلتنا موسوعتك الرائعة، الناتجة عن قريحةٍ نجلآء، و جهودٍ ثمينةٍ فشكرنا سعيك، و سبرناها عابرين على ما أبديت من النقود على المختار، و ما أسديت للمشهور من وجوه و استظهار؛

  • فوجدنا أنّ المراد من قولنا كأنّه لم يتّضح ممّا حرّرنا في الرسالة حتّى حُمل على ما لا ينبغي؛

  • و كان التفصيل المبيد للرّيب يتطلّب فراغاً واسعاً من الوقت، لا تساعده واجباتنا المحيطة بنا الآن؛ فاخترنا و جيزاً من الوصف لتوضيح ما اخترناه بما يسع المجال؛ أداءً لما رغبتم إليه في خاتمة المقال؛ عسى أن يتّضح به المراد. و يندفع ما زعمتَ عليه من وجوه الإيراد.

  • تبيين المراد من بداية الشهر و بداية الحساب‌

  • فليُعلم أنّ قولنا: بداية الشهر ببداية الخروج عن المحاق، لم نقصد منه أنّ تلك اللحظة مهما كانت فهي بداية حساب الأيّام، أو مدار نصّ الفروض و الأحكام؛ كي يرد عليه ما توهّم.

  • و إنّما أردنا بذلك دفع ما توهّم أنّ بدوّ الهلال كبزوغ الشّمس للنّهار، ظاهرةٌ

رسالة حول مسألة رؤية الهلال‏

80
  • أُفقيّةٌ لسكّان الأرض؛ فيهلّ الهلال في أُفق لُاناس ليلةً، ثمّ في آخر لآخرين ليلةً أُخرى، كما تشرق الشّمس في أُفقٍ ساعةً لقومٍ، ثمّ لآخرين ساعةً أُخرى، و هكذا.

  • فدفعنا الوهم بأنّ بداية النهار غير بداية الشهر.

  • إذ الطّلوع ظاهرة أُفُقيّةٌ تحدث من حركة الأرض الوضعيّة؛ فتجدّد لها آفاق تجاه الشّمس؛ فيتعدّد لا محالة نهار لكلّ أُفقٍ؛ فلا يكون نهار قوم نهاراً لمن لم يخرج بعد من ظلام اللّيل؛ و ليس هكذا الهلال.

  • فإنّه حادثٌ سماويّ، يحدث من ابتعاد القمر عن تحت الشعاع، عدّة درجات بالقياس إلى سكّان الأرض؛ يبدو لهم منه قوس الهلال.

  • حتّى ولو قدّر أن لم تكن الأرض بآفاقها، و كان الناظرون في الفضاءِ كما هم على الأرض، يحجبهم كوكب عن الشّمس، فيبدو عليهم اللّيل، يرون الهلال.

  • و لذا ترى في واقعنا الذي نعيش فيه، لو رُئي الهلال في أُفق من الأرض، كإسبانيا على ما مثّلت و لم يُرَ في طهران؛ لا يصحّ أن يقال: صار القمر هلالًا في إسبانيا، و لم يصر هلالًا في طهران؛ حين يصحّ أن يقال: صار الوقت نهاراً هنا، و لم يَصرِ بعد نهاراً هناك؛

  • و ذلك لارتباط النهار بهما، و عدم ارتباط الهلال بأيّ منهما إلّا في الرُّؤية لا الهلاليّة.

  • فالقمر حينئذٍ هلال لإسبانيا و لطهران و لأيّ أُفق خيمتْ عليه ليلةُ الرُّؤية.

  • هذا ما أردنا من حديث بداية الخروج لبداية الشّهر.

  • أمّا بداية الحساب فلابدّ أن تكون من أوّل اللّيل ليلة الرُّؤية، مهما تحقّق الخروج، حتّى يعلم بوجوده في السماء بالرُّؤية التي هي الطريق العامّ الوحيد في سهولة التناول لكلّ أحد.

  • و لا تكون غالباً إلّا في أوّل اللّيل، أو قريباً منه. فيتخذونه بدايةً لأوقات شهورهم؛ {يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَواقِيتُ لِلنَّاسِ}

  • فمواقيت الناس من الشّهر تبدء عندهم من أوّل ليلٍ يرى فيه الهلال.

  • و الشارع قرّرهم عليه في أحكامه أيضاً؛ يشهد له قول الصادق عليه السّلام في صحيح حمّاد: «إذا رَ أَوُا الهلالَ قَبْلَ الزَّوَالِ فَهُوَ للِلَّيْلَةِ الماضِيَةِ، وَ إذَا رَ أوْا بَعْدَ الزَّوَالِ فَهُوَ للِلَّيْلَةِ المستَقْبِلَةِ و نحوه غيره» حيث أضاف الهلال إلى اللّيل، و إن اتّفقت الرُّؤية

رسالة حول مسألة رؤية الهلال‏

81
  • نادرةً في اليوم.

  • فنحن أيضاً لا نعدوا عن ذلك، و لا نختلف مع المشهور أو معك فيه؛ و الوجه ما مرّ آنفاً.

  • فسقط جملةٌ من النقود التي بيّنتها على توهّم الخلاف و جعلتها لازم المختار.

  • و أمّا النقد بأن لو كان ملاك البداية ما ذكر فلابدّ أن يعمّ جميع الآفاق، و لا يختصّ بالفوق من الأرض، و لا مزيّة توجب هذا الاختصاص على طول مقالٍ لك في صحيفة ٤٩ في ذلك؛ فيدفعه أنّ المزيّة ما قرّرنا من أخذ البداية من اللّيل ليل الرُّؤية.

  • و اللّيل الذي رُئي فيه إنّما هو الظلّ الواحد للنصف الجانبيّ المعاكس لواجهة الشّمس، كما أنت خبير به و هذا ليس لجميع الآفاق؛ بل للنصف الفوق، و النصف الآخر نهارٌ في أوقاته غالباً؛ أعني غير القطبيّة؛ و النهار دائماً تبع ليله السّابق في العدّ؛ فلا يكون بحساب هذا اللّيل؛ بل بحساب الشّهر الماضي؛ فإذا وصل الظلّ إليه في دوره لتلك الآفاق عُدّت فيها بالأوّليّة.

  • و إن شئتَ قلتَ: إنّ ليلة الرُّؤية ليلةٌ واحدةٌ بأربع و عشرين ساعةً، يتبعها نهارٌ واحدٌ بأربع و عشرين ساعةً، يعدّان أوّل الشهر؛ ثمّ يتبعهما ليالٍ و أيّام كذلك حتّى يتمّ ثلاثين أو تسعةً و عشرين؛ فيكمل شهرٌ واحدٌ، و يتبعه شهور كذلك حتّى يتمّ اثنا عشر شهراً كما في كتاب الله تعالى و أمّا على المشهور الذي أيّدته فكاد أن يتمّ أربعةً و عشرين شهراً على أقلّ تقدير؛ و لا ينبّئك مثلُ خبير.

  • الكلام حول القول بجزئيّة الرؤية للموضوع، و القول بانصراف الإطلاقات‌

  • و أمّا ما سلكت من الطريق إلى المشهور، مُوَجّهاً به دعويهم من اعتبار الرُّؤية في النصوص جزءاً للموضوع على نحو الصّفتيّة، حذو تعبيرك، تريد به اختصاص الموضوع بما يكون في أُفق كلّ مكلّف لنفسه، حسب موضوعيّة رؤيته؛ غاية الأمر وسّع الموضوع بدليل كفاية رؤية بلدٍ آخر إلى الآفاق القريبة بدعوى الحكومة؛ فمن جهة موضوعيّة الرُّؤية لايتعدّى إلى الآفاق البعيدة و بذلك حاولْتَ منع الإطلاق الذي تمسّكنا به دليلًا للمختار؛ بعد أن اعترفْت بعدم قصور إطلاق المقام عن سائر الإطلاقات؛ فكلتا الدعويين بمعزلٍ عن التّحقيق.

  • أما الاولى و هي جزئيّة الرُّؤية للموضوع، يدفعها ظهور أخذها طريقاً إلى ما هو تمام الموضوع أعني دخول الشهر؛ فإنّه الذي يستفاد من الكتاب العزيز وجوب الصوم به حيث قال: {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيامُ}‌ إلى قوله: {شَهْرُ رَمَضانَ‌}؛ و كذلك من السنّة.

  • و كان الأمر بالصّوم للرؤية لأجل لزوم إحرازه لخصوص شهر الصيام؛ و عدم‌

رسالة حول مسألة رؤية الهلال‏

82
  • الاكتفاء بالامتثال الظنّيّ أو الاحتماليّ؛ كما يشهد للأوّل ذيل صحيحتي ابن مسلم و الخزّاز و موثّق ابن عمّار؛ و للثّاني رواية القاسانيّ.

  • و يشهد لطريقيّة الرُّؤية أيضاً أُمور:

  • الاوّل اعتبار البيّنة مقامها؛ فلو كانت جزءاً بنحو الصفتيّة لما استقام قيام البيّنة مقامها.

  • الثاني عدّ الثلاثين إذا لم تتيسّر الرُّؤية و البيّنة، حيث إنّه يوجب العلم بخروج السابق و دخول اللاحق.

  • الثالث وجوب قضاءِ صوم يوم الشكّ الذي أُفطر لعدم طريق إلى ثبوته؛ فتبيّن بعد ذلك بالبيّنة أو بالرُّؤية ليلة التاسع و العشرين من صومه وجودُ الشّهر في يوم إفطاره، ففات عنه الواجب الواقعيّ و هذا ثابت بالنصّ و الفتوى و لا خلاف فينا.

  • الرابع إجزاء صومه إذا صامه بينة شعبان أو صوم آخر كان عليه، فتبيّن بعدُ أنّه من رمضان معلّلًا في النصوص بأنّه يَوْمٌ وُفِّقَ لَهُ؛ و لا يخفي أنّ الإجزاء فرع ثبوت التكليف.

  • و بالجملة لامساغ لأصل الجزئيّة فضلًا عن الصّفتيّة.

  • و إنّما أُخذت طريقاً لأنّها أتمّ و أسهل و أعمّ وصولًا لكلّ أحدٍ، إلى إحراز الهلال المولِّد للشّهر الذي هو تمام الموضوع.

  • نعم لابدّ أن يكون وجود الهلال على نحو يمكن رؤيته بطريق عاديّ؛ فلا تكفي الرُّؤية بالعين الحادّة جدّاً أو بعينٍ مسلحةٍ بالمكبّر أو العلم بوجوده بالمحاسبات الرصديّة على دون تلك المرتبة؛

  • لاستفادة تلك الصفة له من النصوص المعتبرة النّاطقة بأن لو رَآه واحدٌ لرآه خمسون أو لرآه ماةٌ أو لرآه ألفٌ؛ تعبيراً عن حدّ ما ينبغي من صفة وجوده.

  • فهذا أيضاً ممّا لا خلاف بيننا فيه، فإن كان المراد من الجزئيّة هذا التقييد، فحريّ بالتأييد و لكنّه خلاف ظاهر المقال.

  • و عليه فيكفي لثبوت الموضوع رؤيةٌ ما إمّا من نفس المكلّف أو بالبيّنة ولو من بعيد.

  • و أمّا الدعوى الثانية، و هي دعوى انصراف الإطلاقات المدّعاة لنا، بتكلّف أنّ ارتكاز لزوم رؤية المكلّف المستفاد من قوله: «صُمْ لِلرُّؤْيَةِ»، توجب قصر اعتبار البيّنة

رسالة حول مسألة رؤية الهلال‏

83
  • الحاكية عن بلدٍ آخر أو مصرٍ ما في رؤيته بأُفُقٍ قريبٍ للُافق الذي لم يُرَ فيه؛ حيث اعتبرتَه بعناية الحكومة؛ فمفادها التعبّد بثبوت الهلال فيه؛ و لكن لم يُرَ لمانع كما يتّفق في الافق الواحد أيضاً أن يُرى في موضع و لا يُرى في موضع آخر منه، لمانع من جدارٍ أو جبل إلى آخر ما أفدت؛ فيردّها:

  • أ وّلًا أنّ هذه عدول عن الموضوعيّة إلى طريقيّة الرُّؤية بدعوى حكومة البيّنة بوجود المرئيّ في الافق أي أُفق المكلّف و إن لم يره كما في النظير.

  • و ثانياً أنّ الارتكاز الذي استفيد من دليل لزوم الرُّؤية إنّما هو على الطّريقيّة كما بيّنّا؛ و كونها موضوعاً إنّما كان بدعوى منك فقطّ؛ فأخذها في المدّعى لإثبات الانصراف بها مصادرةٌ بيّنةٌ في منع أخبار البيّنة؛

  • فلا مناص عن القول بكفاية ثبوت الهلال في أُفقٍ ما الذي هو ملاك وجود الشهر و دخوله ببيّنة أيّ أُفق كان حسب تلك الإطلاقات عند جماعةٍ؛ بل المعترف بها عندك، لولا الشبهة التي ذكرتَ.

  • البحث حول الإشكال في الاستشهادات‌

  • و أمّا النقد في استشهادنا الثالث بجمل الذكر و الآية في معنى يوم العيد و ليلة القدر، بترديدك في مفهومهما بذاك التفصيل و التطويل؛ فلابدّ أن يعدّ تغافلًا منك؛ و إلّا فلا ريب في أنّ ليلة القدر التي يستفاد من الكتاب و السنّة أنّ فيها تقدير حوادث السنة، ليست إلّا ليلةً واحدةً شخصيّةً؛ لا اللّيل الكلّيّ القابل للصّدق على الكثير و لا نفس جزئيّات ذاك الكثير حسب كلّ أُفق و صقع؛ بل هي الواحدة المحدودة بتمام دور الأرض، بظلّها الليليّ كما قدّمنا؛ و كذا يوم العيد لجميع المسلمين المشار إليه بلفظ (هذا) المفيد للجزئيّة الشخصيّة المضافة لجميع المسلمين، لايلائم إلّا ذاك النهار الواحد المحدود بتمام دوره النهاريّ كما مرّ غير بعيد؛ فلا حاجة لأنّ نعيد؛ كما لا نطيل البحث عليك بمزيد؛ لأنّك بحمد الله تعالى في غنى عن لزوم التطويل؛ و نبدي إليك المعذرة بهذا القليل؛ و نرجو لك التوفيق و السّداد؛ و نيل مناهج الأمانيّ و الرّشاد.

  • فما ذكرنا في هذا الوجيز من بيان ملاك الشهر، و من ملاك احتسابه، و شطراً من طرق السّلوك إلى المدّعى؛ يمكن أن يكون حاسماً لجذور الخلاف.

  • إذ كان كثيرٌ من نقود الموسوعة لا أساس له و لا مَساس بما اخترناه؛ و جملة منها لاتنافيه؛ و البقيّة كانت دعوى منك بلا دليل؛ أو الدَّليل بإثبات خلافها كفيل.

  • و لو كان المجال واسعاً لأشرنا إلى آحادها؛ و لكنّ الحال كما أسلفنا لك في صدر المقال. و نرجو من وُدّك الجميل الغالي أن لاتنسانا في غرر دعواتك العوالي، أطراف النهار

رسالة حول مسألة رؤية الهلال‏

84
  • و آناء الليالي؛ كما لا نَنساك في غيابك و لقياك و السّلام عليكم و رحمة الله و بركاته. انتهى ما أفادهُ مُدّ ظلّه.

رسالة حول مسألة رؤية الهلال‏

86
  •  

  •  

  • الموسوعة الثانية حول روية الهلال

  •  

  •  

رسالة حول مسألة رؤية الهلال‏

87
  •  

  •  

  • بسم الله الرحمن الرحيم‌

  •  

  •  

  • هذه صورة ما كتبتُ إلى حضرة سيّدنا الاستاذ العلّامة الخوئيّ أدام الله أيّام إفاضاته‌جواباً عن جوابه، و دفاعاً عن صحّة موسوعتنا المرسلة إلى جنابه‌ نقلته هاهنا؛ ليكون مبصِّراً و مذكّراً لإخواني‌ المشتغلين، كي ينظروا فيه بعين الاعتبار حنيفين إلى العدل‌ والإنصاف، حائدين عن الجور و الاعتساف‌ و للّه الحمد في كلّ حالٍ‌.

  •  

  •  

رسالة حول مسألة رؤية الهلال‏

89
  •  

  •  

  • بسم الله الرحمن الرحيم‌

  • و به نستعين و صلّى الله على محمّدٍ و آله الطاهرين

  • و لعنة الله على أعدائهم أجمعين

  • السلام عليك يا أميرالمؤمنين أشهد أنّك الصّراطُ الواضحُ

  • و النّجمُ اللائحُ و الإمام النّاصحُ و الزِّناد القادحُ

  • و رحمة الله و بركاته‌

  •  

  •  

  • الصَّبرُ إلّا في فِراقك يَجْمُلُ‌***و الصَّعبُ إلّا عن مَلالِك يَسْهُلُ‌
  • إن تَرْمِ قلبي تَصْمِ نَفسُك إنَّه‌***لَك مَوْطنٌ تَأوي إليهِ و مَنزِلُ‌
  • وَاللهِ لا أسْلوكَ حَتّى أنطوي‌***تَحت التُّرابِ ويَحتويني الجَندَلُ‌
  • يا راكباً تَهوي به شَدَنِيَّةً***حَرْفٌ كما تَهوى حَصاةٌ مِن عَلُ‌
  • هَوْجاءَ تَقطَعُ جَوْزَ تَيّارِ الفَلا***حتّى تَبُوصَ على يَدَيْهَا الأرْجُلُ‌
  • عُجْ بِالغَريّ عَلى ضَريحٍ حَوْلَهُ‌***نَادٍ لأمْلَاكِ السَّماءِ وَ مَحفِلُ‌
  • وَ قُلِ السَّلَامُ عليك يا مولى الوَرَى‌***نَصّاً بهِ نَطَقَ الكِتابُ المُنْزَلُ‌
  • وَ خِلَافَةً ما إنْ لها لَوْ لَم تَكُنْ‌***مَنْصُوصَةً عَن جَيدِ مَجْدِك مَعْدِلُ‌
  • يا أيّها النَبَأُ العَظيمُ فَمُهْتَدٍ***في حُبِّهِ وَ غُواةُ قَوْمٍ جُهَّلُ‌
  • يا وارِثَ التَوْراةِ وَالإنجيلِ وَ***القُرآنِ وَالحِكَمِ التي لا تُعْقَلُ‌
  • لَوْلاكَ ما خُلِقَ الزَّمانُ و لا دَجى‌***غِبَّ ابْتِلاجِ الْفَجْرِ لَيْلٌ ألْيَلُ‌
  • إنكانَ دينُ مُحَمَّدٍ فيه الهُدى‌***حَقّاً فَحُبُّكَ بابُهُ وَ الْمَدخَلُ‌
  • صَلّى عَلَيْكَ اللهُ مِنْ مُتَسَرْبِلٍ‌***قُمُصاً بِهِنَّ سِواك لايَتَسَربَلُ‌
  • سلامٌ على السَّيِّدِ المُعظَّم و السَّنَدِ المُفَخَّم، سيِّد القَوْم الكِرامِ و سَنَد الطّائِفَة الفِخَام أُستاذُنا المُكَرَّم سيِّدُ الفُقَهَاءِ و المُجْتَهِدين الآيةُ العُظْمَى الحاجّ السَّيِّد أبوالقاسِم الخوئيّ أدام الله‌

رسالة حول مسألة رؤية الهلال‏

90
  • أيّام بركاته بحقّ محمّدٍ و آله.

  • أ وَميضُ بَرْقٍ بالأبَيْرِقِ لاحَا***أمْ في رُبى نَجْدٍ أرى مِصْباحَا
  • أمْ تِلكَ ليلَى العامِريّةُ أسْفَرَتْ‌***لَيلًا فَصَيَّرتِ المَسأءَ صَباحَا
  • يا راكِبَ الوَجْناءِ وُقّيتَ الرَّدى‌***إنْ جُبتَ حَزْناً أو طَوَيْتَ بِطاحَا
  • وَ سَلَكتَ نَعمانَ الأراكِ فَعُجْ إلى‌***وَادٍ هُناك عَهِدْتُهُ فَيّاحَا
  • واقْرِ السَّلامَ أُهَيْلَهُ عَنّي وَ قُلْ‌***غادَرتُهُ لِجَنابِكُم مُلْتاحَا
  • يا ساكِني نَجْدٍ أما مِن رَحْمةٍ***لأسيرِ إلْفٍ لا يُريدُ سَراحَا
  • هَلَّا بَعَثْتُم لِلمَشُوقِ تَحيَّةً***في طَيّ صافيَةِ الرِّياحِ رَ واحَا
  • يا أهلَ وُدّي هَلْ لِراجي وَصْلِكُم‌***طَمَعٌ فَيَنْعَمَ بالُهُ استِرواحَا
  • سَعْياً لأيَّامٍ مَضَتْ مَعَ جيرَةٍ***كانَتْ لَيالينا بِهِم أفْراحَا
  • حيثُ الحِمي وَطَني و سُكّانُ الغَضا***سَكَني وَ وِرْدِي الماءَ فيهِ مُباحَا
  • وَاهاً عَلي ذاك الزَّمانِ وَ طِيبِه‌***أيَّامَ كُنتُ مِنَ اللُّغوبِ مُراحَا
  • قَسَماً بِمكَّةَ وَ المقامِ وَ مَنْ أتَي‌ال‌***بَيْتَ الحَرامَ مُلَبّياً سَيّاحَا
  • ما رَنَّحَتْ ريحُ الصَّبا شِيحَ الرُّبى‌***إلَّا وَ أهْدَتْ منكُمُ أرْواحَا
  • و بعد التحيّة و السلام و الإخلاص و الإكرام بُشِّرتُ بمجيئ كتابك الكريم، جواباً عن الرسالة التي أرسلتها إليك حول مسئلة لزوم اشتراك البلدان في الآفاق في رؤية الهلال بالنسبة إلى الأحكام المترتّبة على دخول الشهر.

  • و استقبلتُه من حين، و استلمتُه بَهِجاً فَرِحاً، و زاد لي فخراً و شرفاً لمّا فضّلتني بالجواب، اهتماماً بالسنّة الرائجة بين الأعلام؛ لبقاءِ العلم و حفظه من الجُمود و الرّكود و الاندراس فطالعته مراراً.

  • و شكرت الله على هذه الموهبة العظيمة التي منحها أُستاذَنا الأفخم، حيث وفّقه مع الهَرَمِ و كثرة المشاغل و الشواغل، من الأسئلة و الاستفتاءات من كلّ صوب و توارد الهموم و الحوادث الواقعة من كلّ فجّ؛ للنّظر في هذه المجموعة، و إيراد بيانٍ دفعاً للنّقود المذكورة فيها على عدم لزوم الاتّحاد في الآفاق و كفاية رؤية ما و لومن بعيد في تحقّق‌

رسالة حول مسألة رؤية الهلال‏

91
  • دخول الشهر الجديد.

  • فجزاك الله تعالى عن العلم و أهله خير الجزاءِ، و أبقاك للعلم و أهله خير البقاءِ.

  • هذا و لكن لمّا كانت هذه الأجوبة غير ناهضةٍ لدفع النّقود المذكورة بوجهٍ من الوجوه؛ و لم يكن حالك بما يُتراءى من ظاهر الأمر مُساعداً و مجالك واسعاً عندما تشرّفتُ بلقائك للبحث مشافَهَةً؛

  • و بما قيل من أنّ حياة العلم بنتُ البحث؛

  • صلّيت و استخرتُ الله تعالى، و استجزت من سماحتك أن أكتب جواباً عن كتابك المُرسل عسى أن يقع مورد القبول.

  • و بتبديل فتياك في هذه المسئلة، يرتفع الخلاف، و تنتهي المعارك و الضّوضاء، و يستريح الناس من الشّبهة في أعمال الأيّام و اللَّيالي من شهر رمضان القريب جدّاً، و مناسك عيد الفطر القادم و الله يعلم و ضميرك يشهد بأنه لم يكن الداعي إلى هذه الاطرُوحة إلّا الوصول إلى متن الواقع.

  • و إنّما التوفيق بالله؛ منه المبدءُ و إليه المعاد.

  • فأقول مستعيناً به: بسم الله الرحمن الرحيم‌؛ {شَهْرُ رَمَضانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ ؛ هُدىً لِلنَّاسِ وَ بَيِّناتٍ مِنَ الْهُدى‌ وَ الْفُرْقانِ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ}.

  • مقدّمات المبحث‌

  • و قبل الخوض في البحث لابدّ من تقديم مقدّمات ثلاثة:

  • المقدمة الاولي

  • الاولى: إذا واجه ناظرٌ إلى الكُرة المستضئ نصفها بإشراق مبدءٍ مضئ؛ يرى تمام النصف المستضئ فيما إذا خرج شعاع نورعينه إلى مركز الدائرة المستضيئة؛ و أمّا إذا لم يصل هذا الشُّعاع إلى المركز، فلا يَرى تمام النصف؛ بل بحسب تفاوت اختلاف درجات مركز الدائرة المستضيئة مع نقاط وصول شعاع نور عينه الممتدّ إلى الكرة، يتفاوت مقدار رؤية الكرة.

  • فقد يَرى ثُلثي النصف المستضئ؛ و قد يرى نصفه؛ و قد يرى ثلثه و ربعه إلى أن يراه بشكل الهلال.

  • نصّ على ذلك علماء علم المناظر و المرايا من المتقدّمين و المتأخّرين.

  • و حاسبوا مقدار المرئيّ من النصف المستضئ بحسب جميع تقادير زواياه‌

رسالة حول مسألة رؤية الهلال‏

92
  • المفروضة من وصول الأشعّة الي عين الناظر؛ و أثبتوها في مسطوراتهم‌۱.

  • المقدّمة الثانية

  • الثانية: القمر إذا خرج عن تحت الشُّعاع لايمكن رؤيته إلّا بعد غروب الشّمس؛ نصّ على ذلك جميع علماءِ الفلك.

  • و ذلك، لأنّ الأشعّة القاهرة الشمسيّة تمنعنا من الإبصار و الرُّؤية.

  • فإذن كلّما رئي الهلال في يوم بعد المحاق فهو دليل على خروج القمر عن تحت‌

    1. و من أحسن الكتب المطبوعة من المتقدّمين في علم المناظر، كتابٌ تنقيح المناظر لذوي الأبصار و البصائر؛ و هو مجلّدان ضخمان نقّحه كمال الدين أبوالحسن الفارسي من كتاب ابن الهيثم و طبع في حيدرآباد سنة ۱٣٤۷ و ٤۸ ه. و هذا الكتاب من أُصول علم المناظر و المرايا عند علماء الغرب؛ و قد استنتجوا منه كثيراً من أبحاثهم و بنوا عليه كثيراً من مخترعاتهم.

رسالة حول مسألة رؤية الهلال‏

93
  • الشُعاع في اللّيلة الغابرة؛ سواءٌ كانت الرُّؤية قبل الزوال أو بعده.

  • الامور المترتبة على حركة الارض حول نفسها

  • المقدّمة الثالثة

  • الثالثة: إنّ الأرض تدور في الفضاء حول نفسها بحركتها الوضعيّة دوراً كاملًا في كلّ يوم و ليلةٍ ما يقرب أربع و عشرين ساعةً.

  • و بهذه الحركة يتحقّق اللّيل والنّهار؛ و تتعيّن مقاديرهما؛ و ينطبق ترسيم امتداد الزّمان على جميع النّقاط المفروضة من الأرض. و بهذا يتحقّق اوّلًا تحقّق الزّوال و الطّلوع و الغروب في كلّ نقطة.

  • و ثانياً يكون الغروب في كلّ آنٍ من الآنات في نقطةٍ ما؛ و يكون الطلوع في نقطةٍ ما؛ و يكون الزوال في نقطةٍ ما.

  • و ذلك بسبب حركة الأرض تختفي الشّمس في كلّ آنٍ تحت أُفُق من الآفاق.

  • ففي كلّ لحظةٍ يكون الغروب في ناحيةٍ؛ و يكون بعد الغروب بدقيقةٍ في الناحية الشّرقيّة المجاورة للُاولى بفاصلِ دقيقةٍ. و يكون بعد الغروب بدقيقتين في النّاحية الشرقيّة المجاورة للُاولى بفاصل دقيقتين. و هكذا إلى ساعةٍ بعد الغروب في الناحية المجاورة بفاصل ساعةٍ. و يكون وقت العِشاء في كلّ آن في ناحيةٍ؛ و يكون وقت طلوع الفجر في ناحيةٍ؛ و هكذا وقت طلوع الشّمس و الزّوال و العصر.

  • فلا تمرّ لحظةٌ من الأرض إلّا و يتحقّق فيها جميع الساعات اللّيليّة و النهاريّة بجميع ما فيها من الآنات و اللَّحظات.

  • و بهذا التّرسيم الواقعيّ في كلّ آن في الآنات تتحقّق لطيفةٌ؛ و هي تحقّق صلوة الفجر في كلّ آنٍ في ناحيةٍ ما؛ و صلوة الظُّهر في ناحيةٍ؛ و صلوة العصر في ناحيةٍ؛ وهكذا.

  • ففي كلّ آن تتحقّق الصّلوات الخمسة و رواتبها في الأرض، يصلّي سكّانها جميعاً بالعموم الشّمولي في كلّ آنٍ من الآنات جميع الصّلوات.

  • فلا يمرُّ آنٌ و لحظةٌ من الأرض إلّا و تتحقّق الصّلوةُ أيّ صلوةٍ في ناحيةٍ.

  • مثلًا في آن وقت غروب طهران يصلّي ساكنوها صلوة المغرب. و فيهذا الآن يصلّي من كان في البلاد الشّرقيّة من طهران على قدر ساعةٍ و نصف ساعةٍ صلوة العِشاء. و يصلّي من كان بعيداً عنه بفاصل عشر ساعاتٍ مثلًا صلوةَ الصّبح.

  • فالأرض في جميع اللّحظات و الآنات مشغولةٌ بجميع أنحاء صلوات ساكنيها و بجميع أنحاء أذكارهم و تسبيحاتهم اللّيليّة و النهاريّة.{يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَ النَّهارَ لا يَفْتُرُونَ}‌.

رسالة حول مسألة رؤية الهلال‏

94
  • و ثالثاً بمجرّد خروج القمر عن تحت الشعاع رئي في ناحيةٍ من النَّواحي.

  • و ذلك، لأنّا ذكرنا أنّ في كلّ آنٍ، يكون وقت الغروب في ناحيةٍ؛ فإذا خرج القمر عن تحت الشعاع في أيّ آنٍ من الآنات، يكون وقت غروبٍ في ناحيةٍ؛ و يراه أهل هذه الناحية.

  • فما ربّما يقال مثلًا: رُئي الهلال بعد الخروج بثلاث ساعات؛ إنّما هو في ناحيةٍ يكون غروبها من الناحية المحاذاة لخروج القمر بثلاث ساعات؛ لا أنه لابدّ و أن رُئي بعد ثلاث ساعات في جميع النقاط.

  • و رابعاً لا يمكن تحقّق رؤية الهلال في ليلة واحدة لجميع بقاع الأرض.

  • و ذلك، لأنّ القمر إذا خرج عن تحت الشعاع رئي في الآفاق المشتركة؛ و هي الآفاق التي تشترك في رؤيته حين اشتهر فوق الافق، و لم يغرب بعدُ.

  • و أمّا الآفاق البعيدة لا تكاد يرونه؛ لاختفائه بعد نصف ساعةٍ تحت الافق. بل يرونه في اللّيلة القادمة.

  • و لايمكن أزيد من ليلتين؛ و ذلك لأنّ الأرض تتحرّك حول نفسها دوراً كاملًا في أربع و عشرين ساعةً؛ فبخروج القمر عن تحت الشعاع يراه أهلُ الأرض جميعاً في طول أربع و عشرين ساعةً.

  • و هذا يطول في ليلتين لا أكثر.

  • فما ربّما يقال من أنه يمكن أن يكون أوّل الشهر المتحقّق برؤية الهلال في جميع النّواحي في ليلة واحدة كلامٌ خالٍ عن السداد.

  • كما أنّ ما قيل من تحقّق الشهربتحقّق ليلتين علي‌أقلّ تقدير، لم يُفهم له معنى محصّلٌ.

رسالة حول مسألة رؤية الهلال‏

95
  • إشكالات الواردة على التفريق بين بداية الشهر و بداية النهار

  • و بعد هذه المقدّمات نقول: إنّ إهلال الهلال كبزوغ الشّمس ظاهرة أُفقيّة لسكّان الأرض بلا فرق بينهما أصلًا.

  • و ما أفدتَ من الفرق بينهما بأ نّ بداية النهار غير بداية الشهر؛ إذ الطلوع ظاهرةٌ أُفقيّة تتجدّد للآفاق الواجهة للشّمس، بخلاف إهلال الهلال؛ فإنّه حادث سماويّ يحدث من ابتعاد القمر عن تحت الشعاع؛ حتّى ولو قدّر أن لم تكن الأرض بآفاقها، و كان الناظرون في الفضاء كما هم على الأرض يحجبهم كوكب عن الشّمس، فيبدو عليهم اللّيل، يرون الهلال؛

  • ثمّ ما أفدتَ من الفرق بين بداية الشهر و بداية الحساب؛ بأنّ الأوّل يتحقّق بخروج القمر عن تحت الشعاع و بأنّ الثاني يتحقّق من أوّل ليلة الرُّؤية مهما تحقّق الخروج؛ فيرد عليه:

  • أوّلًا أنّ ما أفدتَ من الاختلاف بين مبدءِ تحقّق الشهر و بين مبدءِ الحساب، هو خلافُ ظاهر تحرير الكلام في رسالة المنهاج.

  • و سنبيّن أنّ النقود الواردة في موسوعتنا كما أنّها واردةٌ على نفس تحقّق الخروج، واردةٌ على مبدءِ تحقّق الحساب، بلا فرقٍ بينهما.

  • و ثانياً أنّ إهلال الهلال له معنى؛ و صيرورةً القمر هلالًا لها معنى آخر.

  • و ذلك لأنّ الإهلال بمعنى الظهور و الإشتهار؛ فالقمر بمجرّد خروجه عن تحت الشعاع يصير هلالًا بالنسبة إلى الامتدادات الأرضيّة؛ و أمّا الإهلال فلا يكون إلّا بعد الرُّؤية، فيختلف بالنسبة إلى بقاع الأرض؛ فيقال: أهلّ الهلالُ لُافق من الأرض كإسبانيا و لم يهلّ لُافق آخر كطهران.

  • و ما ورد في الروايات ممّا هو دخيل في تحقّق الشهر هو الإهلال؛ كما أنّ ما هو دخيل في تحقّقه حسب ما هو المتعارف بين الملل و الأقوام كذلك؛ لا نفس الخروج عن تحت الشعاع؛ فأين هذا من ذاك؟

  • و ثالثاً: أنّ نفس تحقّق الهلال، بابتعاد القمر عن تحت الشعاع عدّة درجات، إنّما هي بالنسبة إلى خصوص الأرض و سكّانها و كلّ ما امتدّ من الأرض بخطّ مستقيم في الفضاءِ إلى نفس القمر.

  • و أمّا في سائر نقاط الفضاء بحيث يكون فيها ناظرون يحجبهم كوكبٌ عن الشّمس فليس كذلك؛ لأنّهم لا يرون القمر هلالًا أبداً بل يرونه بشكل البدر أو ما هو قريبٌ منه دائماً و ذلك لأنّ الكرات الثوابت و السيارات كانت محلّها أقرب‌

رسالة حول مسألة رؤية الهلال‏

96
  • إلى الشّمس من القمر إليها؛ فيرون نصف الكرة القمريّة المستضيئة بنور الشّمس تحقيقاً؛ و هو الشكل البدريّ.

  • و على فرض كوكب متساوي البعد مع القمر بالنسبة إلى الشّمس، يرون القمر عندئذٍ بشكل التربيع لا الهلال.

  • فالترسيم الذهنيّ من حدوث الهلال إنّما هو بالنسبة إلى خصوص الأرض و ساكنيها و كلّ ناظر في الفضاء في امتداد الأرض إلى نفس القمر.

  • ففي هذا الامتداد إذا فرض كوكبٌ تخيّليّ، أو حاجبٌ آخر كالسفينة الفضائيّة و القمر الصناعيّ، يحجب الناظر عن الشّمس؛ يرى القمر بشكل الهلال.

  • فالتصوير الذهنيّ من الهلال إنّما هو في خصوص الامتداد الأرضيّ بالنسبة إلى الأشعّة الصادرة إلى عيون الناظرين إلى الخارج من مركز الدائرة المستضيئة من القمر الواجهة لضوءِ الشّمس لا حادث سماويّ على كلّ تقدير.

  • و رابعاً: أنّ التفريق بين بداية الشهر بخروج القمر عن تحت الشعاع و بين بداية الحساب بالرُّوية أوّل اللّيل تحكّمٌ واضحٌ؛ لأنّا نرى في جميع المواقع و المواضع الاتّحادَ بين مبدء التحقّق و مبدء الحساب كما هو الظاهر المعمول به في الأحكام المترتّبة على موضوعاتها الشَّرعيَّة؛ و السُّنَّة الدارجة بين الأقوام في مبادي قوانينهم و أحكامهم المترتّبة على موضوعاتها العرفيّة.

  • فبداية حساب الشُّهور القمريّة التي لابدّ و أن تكون من أوّل اللّيل ليلة الرُّؤية مهما تحقّق الخروج بالآيات و الروايات التي لامناص إلّا عن الأخذ بها، دليلٌ كافٍ شافٍ على تحقّق نفس الشهور بالرُّؤية أيضاً؛ قضيّةً للاتّحاد.

  • فإذن الالتزام بتحقّق نفس الشهر بالخروج عن تحت الشعاع، مجرّد تصوير ذهنيّ؛ خالٍ عن الدليل؛ بعيدٍ عن مساق الأحكام الواردة؛ غير مماسٍّ بها بأيّ وجهٍ فُرِض.

  • و خامساً: ما الفائدة المتصوَّرة المثمرة الدَّخيلة في تأسيس الدليل لدخول الشَّهر بالخروج عن الشُّعاع؟ و ما فائدة هذا التفريق؟

  • لأنّ بداية حساب الأيّام و مدار نصَّ الفروض و الأحكام، إنّما يترتّبان على نفس الرُّؤية؛ بتحقّق دخول اللّيل كما عليه المشهور و المسلّم عندك.

  • فتعيين تحقّق نفس الشهر بالخروج عن الشّعاع و الإصرار بذلك؛ هل هو إلّا كضمّ الحَجَر في جنب الإنسان؟

رسالة حول مسألة رؤية الهلال‏

97
  • و سادساً: فرض تغاير مبدء التحقّق و الحساب إنّما يصحّ فيما إذا كان مبدء الحساب متأخّراً دائماً أو غالباً؛ و أمّا إذا كان مبدءُ الحساب متقدّماً في كلّ حين و زمان فهو من أخْيلةٍ وهميّة، لا واقعيّةٍ خارجيّةٍ.

  • و ما نحن فيه من هذا النّوع؛ لأنّا ذكرنا أنّه بمجرّد خروجه القمر يُرى في ناحيةٍ؛ فنصف الكُرة الأرضيّة الشَّرقيَّة بالنّسبة إلى هذه الناحية البعيدة عنها من دقيقةٍ إلى اثنتي عشرة ساعةً يحسب من ليلة الشهر القادم؛ مع أنّ الشهر الواقعيّ لم يدخل بعد؛ لأنّ القمر لم يخرج في هذه المدّة عن تحت الشعاع؛ بل يدخل بعد دقيقةٍ إلى اثنتي عشرة ساعةً.

  • و سابعاً: كلما خرج القمر عن تحت الشعاع؛ رُئي في ناحيةٍ ما لا محالة؛ و ذلك لما ذكرنا في المقدّمة الثالثة من أنّ الأرض بحركتها الوضعيّة تتجدّد لها آفاق؛ ففي كلّ آنٍ تغرب الشّمس و تختفي تحت افُق من الآفاق.

  • ففي آنِ خروج القمر عن تحت الشعاع تختفي الشّمس تحت افُقٍ؛ و يُرى الهلال في هذا الافق؛ فإذن لانجد زماناً في آنٍ من الآنات، يفترق زمان الخروج عن تحت الشعاع من زمان الرُّؤية؛ في مجموع الأرض في افُقٍ ما؛ كمالا نجد في مجموعها مكاناً لايمكن فيها الرُّؤية بمجرّد الخروج.

  • فالتفريق الزمانيّ بين الخروج و الرُّؤية، و تصوير الفّصل بينهما مجرّد توهّمٍ باطلٍ؛ كما أنّ تخيّل إمكان عدم وجود ناحيةٍ أرضيّةٍ يمكن فيها الرُّؤية بمجرّد الخروج كذلك.

  • فعلى هذا لا يجدي الفرار عن قبول النُّقود الواردة في موسوعتنا على مذهبك، بالفرق بين المبدئين زماناً؛ مبدء تحقّق الشهر و مبدء الحِساب.

  • فجميع النُّقود باقيةٌ بحالها، و قائمةٌ على ساقها طابق النَّعلِ بالنَّعل و القُذَّةِ بالقُذّةِ و النقود إنّما وقعت موقعها إذا التزم بعدم لزوم الاشتراك في الآفاق، و كفاية رؤيةٍ ما ولو من بعيد. مثلًا إذا فرضنا خروج القمر عن تحت الشُّعاع في أقصى البلاد الغربيّة كإسبانيا فيُرى لا محالة في هذا البلد أوّل وقت خروجه و هو أوّل زمان مغيب الشّمس، المعبّر بأوّل اللّيل.

  • فإذن لابدّ و أن يحسب جميع اللّيلة البالغة اثنتي عشرة ساعةً أو أكثر، من إسبانيا إلى بكين و توكيو من أقصى البلاد الشرقيّة، من الشهر القادم من أوّل اللّيل؛ مع أنّه في أوّل اللّيل في بكن و توكيو لم يخرج القمر عن تحت الشُّعاع؛ بل بقي إلى زمان خروجه اثنتا

رسالة حول مسألة رؤية الهلال‏

98
  • عشرة ساعةً؛ و يطوي القمر في المدار في هذه المُدّة ستَّ درجاتٍ.

  • فلابدّ و أن يلتزم بأحكام الشَّهر الجديد في نصف القطر المحيط، مع أنّه لم‌يدخُل.

  • الإشكال على التفصيل بين النصف الفوقانيّ و النصف التحتانيّ، باق على حاله‌

  • و أمّا النُّقود الواردة في الرسالة على فرض تعميم الحكم لجميع الآفاق، فوق الأرض و تحتها؛ إنّما هي على تقدير دخول الشهر بمجرّد الخروج عن تحت الشعاع، و لو لم يدخل اللّيل، كما هو ظاهر تحرير الكلام في المنهج.

  • و أمّا على فرض دخوله بعد الرُّؤية في أوّل اللّيل، فيختلف حكم النصف الفوقانيّ الواجه لضوءِ الشّمس و النّصف التَّحتانيّ الواجه لضوئها، و يصير أوّل الشَّهر في التحتانيّ بدخول اللّيل المعقّب بالنَّهار؛ و يصير حكماهما مختلفين.

  • ولكنّ النَّقض باقٍ على حاله؛ لاعترافك باختلاف حكم الرُّؤية الدَّخيلة في دخول الشَّهر في النصف الفوقانيّ؛ مع الالتزام بوحدة خروج القمر عن تحت الشُّعاع بما أنه حادثةٌ سماويّةٌ.

  • فإذن نقول: أيّ مانعٍ من الالتزام باختلاف الحكم بدخول الشَّهر في الآفاق غير المشتركة؛ باختلاف الرُّؤية فيها؟

  • و الفرار عن هذا النّقض، بأ نّ ليلة الرُّؤية ليلةٌ واحدةٌ بأربع و عشرين ساعةً، يتبعها نهارٌ واحد بأربع و عشرين ساعةً؛ يُعَدّان أوّل الشَّهر؛ فمجرّد تصوير ذهنيّ و ترسيم فكريّ لجميع النقاط التي واجهت الشّمس عند الغروب، و المارَّة عنها في الدَّورة الكاملة للحركة الأرضيّة؛ في مدّة أربع و عشرين ساعةً.

  • ولكنّ هذه الظلمة الممتدّة بهذا المقدار، إنّما هي زمان غشيان اللّيل لكلّ نُقطة نُقطة من نقاط العالم.

  • و هي غير ما هو المعروف باللّيل في العرف و اللّغة، و الموضوع في الأحكام المترتّبة عليه في الشَّرع. لأنّ اللّيل عبارة عن مجموع الظلمة في كلّ ناحيةٍ، يبدء بغروب الشّمس و ينتهي بطلوعها في هذه الناحية.

  • و كذلك النقاط التي تمرُّ على جهة الشّمس عند طلوعها حتّى تتم في الدّورة الكاملة أربع و عشرين ساعةً إنّما هي لكلّ نقطةٍ نقطةٍ؛ لكنَّ هذا غير ما هو النَّهار عند العرف و اللّغة الذي هو عبارة عن قرصٍ كاملٍ نورانيّ لكلّ ناحيةٍ من النَّواحي؛ يبدء بطلوع الشّمس و ينتهي بغروبها.

رسالة حول مسألة رؤية الهلال‏

99
  • فإذن لما لانجد محيداً عن الالتزام باختلاف الحكم بدخول الشّهر في النصف الفوقانيّ و النصف التحتانيّ و لا مناصاً من أخذ اللّيل و النهار بما هما متعارفان عند العرف و اللغة؛ بهذه الموازاة نحكم باختلاف دخول الشّهر في الآفاق غير المشتركة حرفاً بحرفٍ.

  • هذا مضافاً إلى أنّ بناء الحجّة على هذا المنهج، بجعل ليلة الرُّؤية أربع و عشرين ساعةً، و بتتابع اللّيالي و الأيّام يتم ثلاثين أو تسعةً و عشرين؛ فيكمل شهرٌ واحدٌ؛ و تتبعه شهورٌ كذلك حتّى يتم اثنا عشر شهراً و بجعل بناء المشهور أربعة و عشرين شهراً على أقلّ تقدير؛ ينزِّل الاستدلال عن درجة البرهان المؤلَّفة مقدّماته من الأوّليّات و المشاهدات و الفطريّات و التجربيّات و المتواترات و الحدسيّات و يسقطه إلى حدّ الشِّعر.

  • مع أنّا لم نفهم معنى محصّلًا لقولك: على أقلَّ تقدير.

  • فهل يمكن اختلاف الشَّهر بأزيد من ليلتين حتّى يكون أقلُّ تقديره يرسم لنا أربعة و عشرين شهراً؟ هذا كلّه جوابٌ عمّا أوردته على نقودنا على دليلك الأوّل؛ و هو تحقّق الشَّهر بنفس خروج القمر عن تحت الشُّعاع.

  • الجواب عن الإشكالات الواردة على مجعوليّة الرؤية جزءاً للموضوع‌

  • و أمّا ما أفدتَ من تضعيف حكومة البيّنة على أخبار الرُّؤية، على تقدير كون الرُّؤية جزئاً للموضوع على وجه الصِّفتيَّة؛ بأنَّ الرُّؤية كاشفةٌ محضةٌ، جعلها الشَّارع طريقاً إلى تحقّق الشهر لأتميّتها و أسهليّتها و أعميّتها، و ليس لها دخلٌ في تحقّق الشَّهر؛

  • و بذلك حاولت منع انصراف الإطلاقات الواردة بوجوب قضاءِ الصوم إلى البلادالقريبة؛ بإسقاط مدخليّة الرُّؤية؛ وماذكرتَ من‌أدلّةٍ وشواهدَ علي‌كاشفيّة الرُّؤيةالمحضةو طريقيّتها الصرفة؛

  • فيرد عليه وجوهٌ من الإيراد. توضيح ذلك:

  • أ نّ المراد من الجزئيّة، مدخليّة الرُّؤية في تحقّق الشَّهر، المستفادة من النُصوص المعتبرة الكثيرة المستفيضة لعلّها تبلغ حدّ التواتر.

  • تدلّنا على ذلك أُمورٌ:

  • الأوّل: ظهور الأخبار الواردة في ذلك؛ حيث إنّها أناطت الصِّيام بشهر رمضان؛ لا غير؛ ثمّ أناطته برؤية هلاله، لا غير.

  • فعلى ضوء الشّكل الثّالث من القياس، ينتج أنّ شهر رمضان يتحقّق برؤية هلاله؛ و هكذا في سائر الشّهور.

  • لو كانت الرؤية طريقاً محضاً لوجب أن تخلفها سائر الطرق اليقينيّة

  • الثاني: لو كان تحقّق الشَّهر بنفس خروج القمر عن تحت الشعاع، أو كونه فوق الافُق، بلا مدخليّةٍ للرُّؤية، لكانت الأحكام الواردة على دخول الشَّهر

رسالة حول مسألة رؤية الهلال‏

100
  • أيضاً تابعةً لخروجه عن تحت الشعاع أو كونه فوق الافق، بلا مدخليّة للرؤية.

  • فكانت الرُّؤية حينئذٍ دخيلًا في تنجيز الحكم؛ لا في جعله و تحقّقه.

  • فإذن تكون الرُّؤية كاشفةً محضةً و طريقاً صرفاً، لابدّ و أن تخلفها ساير الطرق اليقينيّة و تقوم مقامَها؛ مثل الحسابات الرَّصديّة القطعيّة و ما شابهها بلا إشكال.

  • و الالتزام بعدم مدخليّة الرُّؤية، ثمّ الالتزام بعدم نهوض بعض الطرق اليقينيّة، مثل بعض هذه الحسابات الصادرة من أصحاب الرأي، هو الالتزام بتحقّق المتناقضَين كما لايخفي.

  • لأنّ مفاد عدم دخالة الرُّؤية في موضوع الحكم، هو تماميّة موضوعه في حاقّ الواقع مع قطع النّظر عن الرُّؤية؛ فالحكم يكون فعليّاً تامّاً بلا ترقُّب شئٍ آخر.

  • و تصير الرُّؤية من شرائط تنجيزه و تعذيره، كساير الطرق الوجدانيّة و العقلانيّة بلا اختلافٍ بينهما. فلا بدّ و أن يلتزم بالحكم بدخول الشهر إذا نصب الطريق القطعيّ، من غير رؤيةٍ ما و لوفي بعيدٍ.

  • فعندئذٍ إمّا يلتزم بهذا و يحكم بدخول الشَّهر بلا رؤيةٍ في جميع العالم أصلًا؛ فواضحٌ أنّ هذا مساوق لطرح الرّوايات المستفيضة و رفضها؛ لايكاد يسلّمه من له أدنى ذوق فقهيّ فكيف يمكن الالتزام به مع إناطة الرّوايات بخصوص الرُّؤية بلسان النّفي و الإثبات؛ مثل قول الصادق عليه السّلام المرويّ في كلّ واحدٍ في الكتب الأربعة، و في المقنعة للمفيد و الهداية للصّدوق‌: «إنَّهُ لَيْسَ عَلَى أهْلِ القِبْلَةِ إلَّا الرُّؤية، و لَيْسَ عَلَى المسلِمِينَ إلَّا الرُّؤية».

  • و ما رواه في التهذيب عن الحسين بن سعيد عن القاسم عن أبان عن عبد الرحمن بن أبي عبد الله قال: سَألْتُ أَبَا عَبْدِ اللَهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ عَنْ هِلَالِ شَهْرِ رَمَضَانَ، يُغَمُّ عَلَيْنَا في تِسْعٍ وَ عِشْرِينَ مِنْ شَعْبَانَ؛ فَقَالَ: «لَا تَصُمْ إلّا أنْ تَرَاهُ» (الحديث).

  • و بسندٍ آخر في التهذيب أيضاً عن الحسين عن فضالة عن أبان عن إسحاق بن عمّار عنه عليه السّلام مثله.

  • و ما في التَّهذيب بإسناده عن أبي عليّ بن راشد عن أبي الحسن العسكريّ عليه السّلام في حديثٍ‌ قال: «لَا تَصُمْ إلَّا لِلرُّؤْيَةِ».

  • و ما في المقنعة بإسناده عن عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله عليه السّلام‌ قال: «لَا تَصُمْ إلَّا لِلرُّؤْيَةِ أوْ يَشْهَدَ شَاهِدَا عَدْلٍ».

رسالة حول مسألة رؤية الهلال‏

101
  • و أمّا لا يلتزم به، بل يحكم بأنّ الرُّؤية، و هي الكاشفة الخاصّة جُعلت منجّزةً لدخول الشَّهر؛ و هذا عين التَّهافت و التَّناقض.

  • لأنّ معنى فعليّة الحكم هو تماميّته في عالم الجعل، بلا جهة انتظارٍ و ترقُّب أمرٍ آخر؛ و حينئذٍ لابدّ و أن يحكم بتنجّزه بمجرّد نصب أيّ طريقٍ قطعيّ؛ لا خصوص رؤيةٍ ما ولو من بعيدٍ.

  • فالالتزام بلزوم رؤيةٍ ما ولو من بعيدٍ؛ لتنجّز الحكم، هو الالتزام بدخالة الرُّؤية في موضوع الحكم على وجه الجزئيّة من حيث لايشعر.

  • هذا، مع أنّه ورد عنوان الرأي في الروايات عِدلًا للتظنّي؛ كما في صحيحة محمّد بن مسلم المرويّة في الكتب الأربعة و المرويّة أيضاً في المقنعة عن أبيجعفر عليه السّلام، قَالَ: «إذَا رَأيْتم الهلالَ فَصُومُوا وَ إذَا رَأيْتما الهلال فَأفْطِرُوا؛ وَ لَيْسَ بِالرَّأيِ وَلَا بِالتَّظَنِّي وَ لَكِنْ بِالرُّؤية». (الحديث).

  • و المراد بالرأي هو ما بني عليه أصحاب الفلك و المنجّمون، و إن وصلت نتيجة حسابهم إلى درجة القطع و اليقين.

  • كما تنتشر في زماننا هذا في كلّ أربع سنين مجلّةٌ للسيّاحين الماشين في اللَّيالي تحت ضوءِ القمر، بلسان الأجنبيّين.

  • و فيهذه المجلّة عيّن وقت طلوع القمر و وقت غروبها لكلّ بلدٍ بلدٍ في العالم عليحدَّة في كلّ يومٍ من أيّام السنين الأربعة في غاية الدَقّة و أقصى مراتب الاطمئنان.

  • و كانت دقّة الحساب الرّصديّة فيهذه المجلّة على جزءٍ واحد من عشرة آلاف جزء من الثانية.

  • و بعد هذه الرِّوايات المتكاثرة المتظافرة بإناطة الصَّيام و ساير أحكام الشُّهور برؤية الهلال لاغير هل يمكن لِمُفْتٍ أن يفتي لمقلّديه بجواز أخذ هذه المجلّة و العمل على طبقها في دخول الأشهر، و يرفض و يرفضون الرُّؤية باتّين؟ كلّا.

  • و ليس هذا إلّا من أجل أنّ الشارع نفي طريقيّة الرَّأي على أيّ نحوٍ كان و حصَرها في خصوص الرُّؤية و هذا عين معنى الجزئيّة.

  • إن الاصحاب رفضوا الروايات الدّالّة على أماريّة غير الرّؤية

  • الثالث: إنّ أصحابنا رضوان الله عليهم رفضوا الرِّوايات الدالّة على أماريّة غيبوبة الهلال بعد الشَّفق و تطوّقه و رؤية ظلّ الرأس فيه و خفائه من المشرق غدوةً على دخول الشَّهر في اللّيلة الماضية و حملوها على التقيّة، حيث إنّ العامّة جعلوها أماراتٍ على دخوله.

رسالة حول مسألة رؤية الهلال‏

102
  • و ليس إلّا من استنباطهم بناءً الشَّريعة على طريقيّة خصوص الرُّؤية، ليس غير؛ وإلّا فربما يكون بعض هذه الطرق خصوصاً إذا يحاسب بالرصد و تعيّن مقدار زمان مكث القمر فوق الافق دليلًا قطعيّاً لخروج القمر عن تحت الشعاع أو كونه فوق الافق في اللّيلة الماضية.

  • و كذلك إنّا نعلم أنّ أقلّ درجة مكث القمر تحت الشعاع قبل المقارنة و بعدها أربع‌۱ و عشرون درجةً و يطول زمان مكثه ثماني و أربعين ساعةً؛ فلو رئي الهلال يوم الثامن و العشرين، لكان الشهر ثلاثينيّاً بلا ترديدٍ.

  • مع أنّه لايمكن الاعتماد بهذه الأمارة، و الحكم بعدم دخول الشهر ليلة الثلاثين؛ بل لابدّ من الاستهلال و بعدم الرُّؤية يحكم بعدم دخول الشَّهر القادم.

  • و أيضاً إنّا نعلم دخوله ليلة الثلاثين، برؤية الهلال في اللَّيلة القادمة، مرتفعاً عن الافق بمقدار أزيد من غاية الارتفاع الممكن في اللّيلة الاولى من الشَّهر، بجعل الرصد و تعيين درجةً زاوية ارتفاع القمر عن الافُق.

  • و هذا دليلٌ قطعيّ لوجود الهلال في اللَّيلة الماضية.

  • و لكن لايُعبأء به؛ لعدم الرُّؤية.

  • و غير هذه من الفروع التي لايمكن أن يُفتي الفقيه بطبقها بدون تحقّق الرُّؤية.

  • و هذا دليلٌ على دخالة الرُّؤية في أصل الحكم؛ لا كونها منجّزةً و واسطةً في الإثبات.

  • و ممّا يشهد على ما ذكرنا، صحيحة حمّاد عن أبي عبدالله عليه السّلام، على ما رواه في الكافي و الاستبصار: قَالَ: «إذَا رأوُا الهلالَ قَبْلَ الزَّوَالِ فَهُوَ لِلَّيْلَةِ الماضِيَةِ؛ وَ إذَا رَ أوْهُ بَعْدَ الزَّوَالِ فَهُوَ لِلَّيْلَةِ المستَقْبِلَةِ».

  • و ذلك لما ذكرنا في المقدّمة؛ من استحالة رؤية الهلال بعد خروجه عن تحت الشعاع قبل غروب الشّمس، فرؤية الهلال قبل الزوال أو بعده دليلٌ على خروجه في اللّيلة الماضية.

    1. يجب أن يفرّق بين قسمي خروج القمر عن الشعاع؛ أحدهما الأحكاميّ و الآخر الهلاليّ و ما حدّدنا فيهذه الموسوعةو التي قبلها باثنتي عشرة درجةً من المقارنة أو بأربع وعشرين درجةً من‌أ وّل دخوله في الشعاع إلى آخر خروجه عنه إنّما هو في الأحكاميّ و أمّا الهلاليّ فهو أقلّ من الأحكاميّ كثيراً. (منه عفي عنه)

رسالة حول مسألة رؤية الهلال‏

103
  • فلو كانت الرُّؤية مجرّد طريقٍ منجِّز، لما يتفاوت الحال قبل الزوال أو بعده.

  • لكن لما كان لها دخلٌ لتحقّقه عند الشَّارع؛ فكيفيّة دخالتها أيضاً بيده؛ فله أن يجعلها قبل الزَّوال دليلًا على اللّيلة الماضية على الأصل؛ و بعد الزوال على اللّيلة القادمة بالتعبّد.

  • إن قلتَ: إنّ الشارع جعل الرُّؤية كاشفةً، لكونها أسهل و أتم و أعمّ؛ بخلاف سائر الطرق اليقينيّة، حيث إنّها لما لم تكن بهذه المثابة، يمكن أن يقع فيها الخلاف و التشاجر و التخاصم، فحينئذٍ لابدّ لرفعها من الرجوع إلى أهل الخبرة في هذا الفنّ؛ و لا يساعده منهاج الشريعة السّمحة السّهلة.

  • قلتُ: هذا صحيحٌ و لكنّه عدول عن الكاشفيّة المحضة إلى الكاشفيّة الخاصّة التي هي تساوق معنى الجزئيّة.

  • الإشكال على أدلّة طريقيّة الرؤية

  • و أمّا ما أفدتَ أدلّةً و شواهدَ على طريقيّة الرُّؤية إلى ما هو تمام الموضوع، و هو خروج القمر عن تحت الشعاع؛ فغير تامّ.

  • أمّا الآية و هي قوله تعالى: {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيامُ كَما كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ... شَهْرُ رَمَضانَ}؛ لم أفهم موضع الاستشهاد بها.

  • لأنّ غاية ما يستفاد منها، أنّ الصيام واجبٌ في شهر رمضان؛ و أمّا شهر رمضان ما هو؟ أهو متحقّقٌ بخروج القمر عن تحت الشعاع، أو متحقّق برؤيته بعد الخروج، فلا.

  • فالاستدلال بها لإثبات طريقيّة الرُّؤية، مصادرةٌ بيّنة.

  • مضافاً إلى أنّ الشهر في اللغة، هو ما بين الهلالين المرئيّين المشتهرين، بما أنّهما مرئيّان فإذن الاستدلال بالآية لمكان ورود لفظ الشهر فيها على خلاف المطلوب أدلّ.

  • ففي مصباح المنير: الشهر، قيل معرّبٌ و قيل عربيّ، مأخوذ من الشهرة و هو الانتشار؛ و قيل: الشّهرالهلال، سمّي به لشهرته و وضوحه؛ ثمّ سمّيت الأيّام به؛ و جمعه شهور و أشهر. و في نهاية ابن الأثير: الشهر الهلال؛ سمّي به لشهرته و ظهوره.

  • و في لسان العرب: و الشهر القمر؛ سمّي به لشهرته و ظهوره؛ و قيل إذا ظهر و قارب الكمال إلى أن قال: و ذكر ابن سيدة: و الشهر العدد المعروف من الأيّام؛ سمّي بذلك، لأنّه يُشهَر بالقمر؛ و فيه علامة ابتدائه و انتهائه؛ و قال الزجّاج: سمّي الشهر شهراً لشهرته؛ و بيانه؛ و قال أبو العبّاس: إنّما سمّي شهراً لشهرته؛ و ذلك أنّ الناس يشهرون‌دخوله و خروجه.

  • و في تاج العروس بعد ما نقل عن ابن الأثير ما نقلناه عنه، قال: و الشهر

رسالة حول مسألة رؤية الهلال‏

104
  • القمر؛ سمّي به لشهرته و ظهوره؛ أو هو إذا ظهر و وضح و قارب الكمال؛ و قال ابن سيدة: الشهر العدد المعروف من الأيّام؛ سمّي بذلك لأنّه يشهَر بالقمر و فيه علامة ابتدائه و انتهائه؛ و قال الزجّاج: سمّي الشهر شهراً، لشهرته و بيانه؛ و قال أبوالعبّاس: إنّما سمّي الشهر شهراً لشهرته؛ و ذلك لأنّ الناس يَشهرون دخوله و خروجه (ج أشهر و شهور)؛ و قال الليث: الشهر و الأشهر عددٌ و الشهور جماعةٌ؛ و قيل: سمّي شهراً باسم الهلال إذا أهلّ إلى آخر ما ذكره.

  • و في مجمع البحرين: و الشهر في الشرع عبارة عمّا بين الهلالين؛ قال الشيخ أبوعلي: و إنّما سمّي شهراً لاشتهاره بالهلال انتهى.

  • الكتاب و السنّة يدلّان على مجعوليّة الرؤية بنحو الصفتيّة

  • هذا، فالاولى أن يستدلّ بقوله تعالى: {يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَواقِيتُ لِلنَّاسِ وَ الْحَجِ‌} لتحقّق الشهر برؤية الهلال فوق الافق و عدم كفاية خروجه عن تحت الشعاع لأنّ الهلال إنّما سمّي هلالًا لارتفاع الاصوات برؤيته فالرُّؤية دخيلة في معنى الهلال، قال الشيخ الطوسيّ في التهذيب ر دّاً على أصحاب‌العدد: و الذي يدلّ على ذلك قول الله تعالى: {يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَواقِيتُ لِلنَّاسِ وَ الْحَجِ}‌؛ فبيّن الله تعالى أنّه جعل هذه الأهلّة معتبرةً في تعرّف أوقات الحجّ و غيره ممّايعتبر فيه الوقت و لو كان الأمر على ما ذهب إليه أصحاب العدد لما كانت الأهلّة مراعاةً في تعرّف هذه الأوقات إذ كانوا يرجعون إلى العدد، دون غيره و هذا خلاف التنزيل، و الهلال إنّما سمّي هلالًا لارتفاع الاصوات عند مشاهدتها بالذكر لها و الإشارة إليها بالتكبير أيضاً و التهليل عند رؤيتها؛ و منه قيل استهلّ الصّبيّ إذا ظهر صوته بالصياح عند الولادة، و سمّي الشهر شهراً لاشتهاره بالهلال، فمن زعم أنّ العدد للأيّام و الحساب للشهور و السنين يغني في علامات الشهور عن الأهلّة أبطل معنى سمات الأهلّة و الشهور الموضوعةفي لسان العرب على ما ذكرناه و يدلّ على ذلك أيضاً ما هو معلوم كالاضطرار غير مشكوك فيه في شريعة الإسلام من فزع المسلمين في وقت النبيّ صلّى الله عليه و آله و من بعده إلى هذا الزمان في تعرّف الشهر إلى معاينة الهلال و رؤيته، و ما ثبت أيضاً من سنّة النبيّ صلّى الله عليه و آله.

  • أنّه كان يتولّى رؤية الهلال و يلتمس الهلال و يتصدّى لرؤيته و ما شرّعه من قبول الشهادة عليه و الحكم في من شهد بذلك في مصرٍ من الأمصار، و من جاء بالخبر به عن خارج الأمصار و حكم المخبر به في صحّته و سلامة الجو من العوارض و خبر من شهد به مع‌

رسالة حول مسألة رؤية الهلال‏

105
  • السواتر في بعض الأصقاع، فلولا أنّ العمل على الأهلّة أصل في الدين معلوم لكافّة المسلمين ما كانت الحال في ذلك على ما ذكرناه، و لكان اعتبار جميع ما ذكرناه عبثاً لا فائدة فيه و هذا فاسدٌ بلا خلاف، فأمّا الأخبار في ذلك فهي أكثر من أن تحصى، لكنّي أذكر منها قدر ما فيه كفاية إن شاء الله تعالى انتهى. ثمّ ذكر الروايات الدالّة على لزوم الرُّؤية. و أنت بالتأمّل فيما أفاده قدّه تعرف مواضع منا الدليل على لزوم الرُّؤية و عدم كفاية نفس الخروج عن تحت الشعاع فلو كانت الرُّؤية كاشفةً صرفةً و طريقاً محضاً لكان جميع ما أفاده لغواً عبثاً و لكان الخروج بدون الرُّؤية موضوعاً للحكم فقد عرفت أن الآية و السنّة تدلّان على لزوم الرُّؤية و هذا عين معنى الجزئيّة.

  • و أمّا السنّة، فهي بخلاف ما أفذتَ أدلّ؛ و ما ادّعيت من الأمر بالصّوم للرؤية، لأجل لزوم إحرازه لخصوص شهر الصيام، دعوى منك؛ و عدم جواز الإكتفاء بالامتثال الظنّيّ أو الاحتماليّ كما في صحيحتي ابن مسلم و الخزّاز و موثّق ابن عمّار و رواية القاسانيّ، صحيحٌ و لكن لا تدلّ بأزيد من عدم جواز الاكتفاء بالظنّ و الشكّ؛ و لا تنفي موضوعيّة الرُّؤية؛ و لا تثبت طريقيّتها المحضة و كاشفيّتها الصرفة.

  • قيام البيّنة مقام الرؤية لا ينافي مو ضوعيّة الرؤية

  • و أمّا قولك باعتبار البيّنة مقام الرُّؤية؛ فلو كانت جزءاً بنحو الصفتيّة لما استقام قيام البيّنة مقامها؛ فعجيبٌ منك.

  • لأنّ استحالة قيام البيّنة مقام القطع الموضوعيّ، بنحو الصفتيّة؛ إنّما هي فيما إذا كان قيامها مقامه بنفس أدلّة حجّيّتها و اعتبارها؛ لا فيما إذا دلّ دليلٌ خاصٌ على القيام.

  • صرّح بذلك شيخنا الأنصاريّ قدّس سرّه و كلّ من تأخّر عنه حتّى في زماننا هذا من مشايخنا قدّس الله أسرارهم.

  • و هذا هو الذي صرّحتْ به نفسك الشريفة في مجلس البحث؛ فكأنّي الآن أسمع كلامك، حيث أفدت بقولك: إنّ الأمارات بنفس دليل حجّيّتها تقوم مقام القطع الطريقيّ المحض؛ و هذا ممّا لا ريب فيه بل لا معنى لحجّيّة الأمارات إلّا هذا.

  • كما لا ريب في عدم قيامها بدليل حجّيّتها مقام القطع الموضوعيّ على وجه الصفتيّة.

  • و ليس هذا لأجل استحالة ذلك؛ لأنّ موضوعات الأحكام بيد الحاكم؛ فكما يمكن أن يرتّب الحكم على خصوص القطع، يمكن أن يرتّبه على الأعمّ منه و من موارد قيام الأمارة.

  • بل لأجل عدم نهوض أدلّة حجّيّتها بذلك؛ فإنّ أدلّتها ناظرة إلى إثبات الواقع و ترتيب آثار الواقع و ليست ناظرةً إلى أنّه يترتّب على الأمارة ما يترتّب على القطع من حيث كونه صفةً خاصّةً قائمةً بنفس القاطع انتهى الإفادة.

رسالة حول مسألة رؤية الهلال‏

106
  • و معلومٌ أنّ قيام الأمارات مقام الرُّؤية إنّما هو بأدلّةٍ خاصّةٍ واردةٍ في مقامنا هذا.

  • مثل ما مضى آنفاً و هو ما رواه المفيد قدّه في المقنعة عن ابن أبي نجران عن عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله عليه السّلام‌ قال: «لَا تَصُمْ إلَّا لِلرُّؤْيَةِ أو يَشْهَدَ شَاهِدَا عَدْلٍ».

  • و ما رواه الكلينيّ بإسناده عن الحلبيّ عن أبي عبد الله عليه السّلام‌: «إنَّ عَلِيًّا عَلَيْهِ السَّلَامُ كَانَ يَقُولُ: لَا أُجِيزُ في الهلالِ إلَّا شَهَادَةَ رَجُلَيْنِ».

  • و ما رواه أيضاً بإسناده عن حمّاد عن أبي عبد الله عليه السّلام‌ قال: «قَالَ أمِيرُالمؤْمِنِينَ عَلَيْهِ السَّلَامُ: لَا يجوزُ شَهَادَةُ النِّسَاءِ في الهلالِ، وَ لَا يجوزُ إلَّا شَهَادَةُ رَجُلَيْنِ عَدْلَيْنِ».

  • و رواه في التهذيب مرسلًا نحوه.

  • و ما رواه محمّد بن الحسن الطوسيّ قدّه بإسناده عن قيس عن أبي جعفر عليه السّلام قال: «قَالَ أمِيرُ المؤْمِنِينَ عَلَيْهِ السَّلَامُ إذَا رَأيْتم الهلالَ فَأفْطِرُوا، أو شَهِدَ عَلَيْهِ بَيِّنَةُ عَدلٍ مِنَ المسلِمِينَ الرواية».

  • و ما رواه أيضاً بإسناده عن أبي بصير عن أبي عبدالله عليه السّلام: إنَّهُ سُئِلَ عَنِ اليَوْمِ الذي يُقْضَى مِنْ شَهْرِ رَمَضَانَ‌ فَقَالَ: «لَا تَقْضِهِ إلَّا أنْ يَثْبُتَ شَاهِدَانِ عَدْلَانِ مِنْ أهْلِ الصَّلَوةِ مَتَى كَانَ رَأسُ الشَّهْرِ». (الحديث).

  • و ما رواه أيضاً بإسناده عن منصور بن حازم عن أبي عبد الله عليه السّلام: قال: «صُمْ لِرُؤْيَةِ الهلالِ، وَ أفْطِرْ لِرُؤْيَتِهِ؛ فَإنْ شَهِدَ عِنْدَكُمْ شَاهِدَانِ مَرْضِيَّانِ بِأنهُمَا رَأيَاهُ فَاقْضِهِ».

  • و غير ذلك من الروايات الكثيرة الدالّة على قيام البيّنة مقام الرُّؤية في خصوص المقام.

  • و معذلك كيف يمكن أن يُتفوّه بعدم إمكان قيام الأمارات مقام الرُّؤية، حتّى إذا فرض أنّ الشارع صرّح و نادى بأعلى صوته بمدخليّة الرُّؤية بما أنّها رؤيةٌ، لا بما أنّها كاشفةٌ محضةٌ.

  • و بذلك يظهر أنّ ما أفدتَ من تضعيف دعوانا انصراف الإطلاقات، من أنّ هذه عدول عن الموضوعيّة إلى طريقيّة الرُّؤية؛ بدعوى حكومة البيّنة بوجود المرئيّ في أُفق المكلّف و إن لم يره؛ خالٍ عن السداد.

رسالة حول مسألة رؤية الهلال‏

107
  • كما أنّ بناء دعوى ارتكاز لزوم الرُّؤية المستفادة من دليل لزومها على الطريقيّة دون الصفتيّة كذلك.

  • لأنّ هذه النقود إنّما نهضت لكسر الدعوى، إذا تمسّكنا بنفس أدلّة حجّيّة الأمارة و اعتبارها.

  • و أمّا مع الأدلّة الخاصّة في المقام، فلا ريب في قيام المدّعى على ساقه.

  • فإذن لا مناص من دعوى حكومة أخبار البيّنة إلى الآفاق القريبة، بتوسعة دائرة الرُّؤية التي هي عبارةٌ عن الإبصار بالعيون المتصلة، بالإبصار بالعيون المنفصلة، بالجعل التشريعيّ دون البعيدة منها، للزوم رفض الرُّؤية، كما عرفت في الرسالة.

  • و أمّا ما أفدتَ من عدّ الثلاثين إذا لم تتيسّر الرُّؤية و البيّنة، حيث إنّه يوجب العلم بخروج السابق و دخول اللّاحق.

  • ففيه ما مرّ من أنّ الثلاثين يعدّ في الأخبار الكثيرة عِدلًا للرؤية؛ و لم يظهر في واحدٍ منها أنّه يكون طريقاً و كاشفاً إلى دخول الشهر الجديد.

  • وجوب قضاء يوم الشكّ الذي أُفطر، لا يدلّ على طريقيّة الرؤية

  • و ما أفدتَ من وجوب قضاءِ يوم الشكّ الذي أُفطر، لعدم طريق إلى ثبوته، فتبيّن بعد ذلك بالبيّنة أو بالرُّؤية، ليلة التاسع و العشرين من صومه، وجودُ الشهر في يوم إفطاره؛ ففات عنه الواجب الواقعيّ؛ فلا يدلّ على الطريقيّة المحضة للرؤية.

  • و ذلك، لأنّ الرُّؤية أو البيّنة ليلة التاسع و العشرين من صومه، كما أنّها كاشفةٌ و طريقةٌ إلى ثبوت الفطر، كذلك كاشفة و طريقة إلى ثبوت الهلال قبل مضيّ تسعة و عشرين يوما من رؤيته.۱ لأنّ مفاد أدلّة حجّيّة الأمارة هو تتميم الكشف، و جعلها بمنزلة

    1. لا يقال: كاشفيّة الرؤية الفعليّة أو البينة ليلة التاسع و العشرين عن ثبوت رمضان يوم الشكّ إنّما تتم بعد ضمّ مقدّمة خارجة و هي إثبات أنّ الشهر لا يمكن أن يكون أنقص من تسعة و عشرين يوما؛ و حيث كانت هذه الضميمة قضيّةً خارجيّةً علميّةً لا يمكن الاستناد إليها بعد فرض لزوم الرؤية الفعليّة الخارجيّة لتحقّق الشهور الشرعيّة كما ستبيّن. لأنّه يقال: إنّا لا نستند في إثبات هذه القضيّة الخارجيّة إلى مقدّمات علميّة نجوميّة فقط، بل نستند إلى الروايات الواردة في المقام و هي كثيرة أوردها في الوسائل كتاب الصيام، أبواب أحكام شهر رمضان باب ٥ فمنها ما رواه عن الشيخ بإسناده عن محمّد بن مسلم عن أحدهما يعني أبا جعفر و أبا عبد الله عليهما السلام قال: «شَهْرُ رَمَضانَ يُصيبُهُ ما يُصيبُ الشُّهورَ مِنَ النُّقْصانِ فإذا صُمْتَ تِسْعَةً و عِشْرينَ يوماً ثمّ تَغَيمتِ السَّمآءُ فَأتمّ الْعِدَّةَ ثَلاثِينَ» و منها ما رواه عنه بإسناده عن أبي عبد الله عليه السّلام قال: «إنَّ رَسولَ اللَهِ صَلَّى اللَهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَ سَلَّمَ قَالَ: إنَّ الشَّهْرَ هَكَذا وَ هَكَذا و هَكَذا يُلْصِقُ كَفَّيْهِ وَ يَبْسُطُهُمَا ثمّ قالَ: هَكَذا وَ هَكَذا وَ هَكَذا» ثمّ يَقْبِضُ إصْبَعًا واحِدةً في آخِرِ بَسْطِهِ بِيَدَيْهِ وَ هِيَ الابْهامُ فَقُلْتُ: شَهْرُ رَمَضانَ تامٌّ أبَدًا أمْ شَهْرٌ مِنَ الشُّهورِ؟ فَقالَ: «هُوَ شَهْرٌ مِنَ الشُّهورِ» ثمّ قالَ: «إنَّ عَليًّا عَلَيْهِ السَّلامُ صامَ عِنْدَكُمْ تِسْعَةً وَ عِشْرينَ يوما فَأتَوْهُ فَقالوا: يا أميرَ المؤْمِنينَ قَدْ رَأَيْنا الهلالَ فَقالَ: أفْطِروا».
      (تابع الهامش في الصفحة التالية...)

رسالة حول مسألة رؤية الهلال‏

108
  • ...۱

  • اليقين الواقعيّ فللرؤية أو البيّنة في هذا المقام كشفان: أحدهما دخول الفطر و الشهر الجديد، و الآخر خروج الصيام و الشهر الماضي المتحقّق مقداره بنفس هذه الرُّؤية أو البيّنة.

  • إجزاء صوم يوم الشكّ، لا يدلّ على كاشفيّة الرؤية

  • و أمّا ما أفدتَ من إجزاءِ صومه إذا صامه بنيّة شعبان أو صومٍ آخر كان عليه؛ فتبيّن بعدُ أنّه من رمضان؛ معلّلًا في النُّصوص بِأَنَّهُ يَوْمٌ وُفِّقَ لَهُ؛ مستدلّا بأنّ الإجزاء فرع ثبوت التكليف، ففيه ما لايخفي.

  • لأنّ تبيّن أنّ ما صامه من رمضان، إنّما هو بقيام البيّنة بعد ذلك على الرُّؤية ليلة الصيام، أو بالرُّؤية أو بالبيّنة عليها ليلة التاسع و العشرين من صومه، و ما شابهها.

  • و معلومٌ أنّ التكليف الواقعيّ المترتّب على شهر رمضان حينئذٍ ثبت بالرُّؤية أو البيّنة.

  • هذا مضافاً إلى أنّ في بعض الأخبار ما يدلّ على أنّ صحّة صومه مبنيّ على التساهل و الإرفاق.

  • مثل ما رواه محمّد بن يعقوب الكلينيّ بإسناده عن سماعة: قال: قُلْتُ

    1.  (...تتمة الهامش من صفحة السابقة)
      ومنها ما رواه عنه علي بن مهزيار عن عثمان بن عيسى عن سماعة قال: «صِيامُ شَهْرِ رَمَضانَ بِالرُّؤْيَةِ وَ لَيْسَ بِالظَّنِّ وَ قَدْ يَكونُ شَهْرُ رَمَضانَ تِسْعَةً وَ عِشْرينَ يوماً وَقَدْ يَكونُ ثَلاثينَ وَ يُصيبُهُ ما يُصيبُ الشُّهورَ مِنَ التمامِ والنُّقْصانِ». وعنه عن عثمان بن عيسى عن رفاعةعن أبيعبدالله عليه‌السّلام مثله. و منها ما رواه عنه بإسناده عن يونس بن يعقوب مثله إلّا أنّه قال: ثمّ قالَ لي: «قالَ رَسولُ اللَهِ صَلَّى اللَهُ عَلَيْهِ وَ ءَالِهِ وَ سَلَّمَ: الشُّهورُ شَهْرٌ كَذا وَ قالَ بِأصابِعِ يَدَيْهِ جَمِيعًا فَبَسَطَ أصابِعَهُ كَذا وَ كَذا و كَذا؛ وَ كَذا وَكَذا وَكَذا فَقَبَضَ الإبْهامَ وَ ضَمَّها قالَ: وَ قالَ لَهُ غُلامٌ لَهُ وَ هُوَ معتب: إنّي قَدْ رَأَيْتُ الهلالَ قالَ فَاذْهَبْ فَأعْلِمْهُمْ».
      ومنها ما رواه عنه بإسناده عن أبي خالد الواسطيّ عن أبي جعفر عليه السّلام في حديث قال: «إنَّ رَسولَ اللَهِ صَلَّى اللَهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ قالَ: وَ إذَا خَفي الشَّهْرُ فَأتموا الْعِدَّةَ شَعْبَانَ ثَلَاثِينَ يوماً وَ صومُوا الواحِدَ وَ الثَلاثِينَ وَ قالَ بِيَدِهِ الواحِدُ وَ اثْنانِ وَ ثلَاثَةٌ واحِدٌ وَ اثْنانِ وَ ثَلاثَةٌ و يزوي إبْهامَهُ‌ثمّ قالَ: أَيُّها النَّاسُ شَهْرٌ كَذا وَ شَهْرٌ كَذا». و منها ما رواه عنه بإسناده عن جابر عن أبي عبد الله عليه السّلام قال: سَمِعْتُهُ يَقولُ: «ما أدري ما صُمْتُ ثَلاثينَ أوْ أكْثَرَ أوماصُمْتُ تِسْعَةً وعِشْرينَ يوماً إنَّ رَسولَ اللَهِ صَلَّى اللَهُ عَلَيْهِ وَ آلهِ وَسَلَّمَ قالَ: شَهْرٌ كَذا وَ شَهْرٌ كَذا وَ شَهْرٌ كَذَا يَعْقِدُ بِيَدِهِ تِسْعَةً وَ عِشْرِينَ يوماً». و غيرها من الروايات الكثيرة فإذن كاشفيّة الرؤية الفعليّة أو البيّنة ليلة التاسع و العشرين عن خروج الشهر الماضي شرعاً بعد هذه المقدّمة الشرعيّة ممّا لا خفاء فيها. (منه عفي عنه).

رسالة حول مسألة رؤية الهلال‏

109
  • ‌لأبِي عَبْدِ اللَهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ: رَجُلٌ صَامَ يوماً وَ لَا يَدْرِي أمِنْ شَهْرِ رَمَضَانَ هُوَ أو مِنْ غَيْرِهِ؛ فَجَآءَ قَوْمٌ فَشَهِدُوا أنَّهُ كَانَ مِنْ رَمَضَانَ فَقَالَ بَعْضُ النَّاسِ عِنْدَنَا: لَا يُعْتَدُّ بِهِ. فَقَالَ: بَلَى. فَقُلْتُ: إنَّهُمْ قَالُوا: صُمْتَ وَ أَنْتَ لَا تَدْرِي أمِنْ شَهْرِ رَمَضَانَ هَذَا أمْ مِنْ غَيْرِهِ. فَقَالَ: «بَلَى، فَاعْتَدَّ بِهِ؛ إنَّمَا شَئٌّ وَفَّقَكَ اللَهُ لَهُ؛ إنَّمَا يُصَامُ يَوْمُ الشَّكِّ مِنْ شَعْبَانَ وَ لَا يَصُومُهُ مِنْ شَهْرِ رَمَضَانَ؛ لأنَّهُ قَدْ نُهِيَ أنْ يَنْفَرِدَ الإنْسَانُ بِالصِّيَامِ في يَوْمِ الشَّكِّ؛ و إنّما يَنْوِي مِنَ اللَّيْلَةِ أنَّهُ يَصُومُ مِنْ شَعْبَانَ، فَإنْ كَانَ هو مِنْ شَهْرِ رَمَضَانَ أجْزَأ عَنْهُ؛ بِتَفَضُّلِ اللَهِ، وَ بِمَا قَدْ وَسَّعَ عَلَى عِبَادِهِ، وَ لَوْلَا ذَلِكَ لَهَلَكَ النَّاسُ».

  • و بالجملة لا مساغ للقول بالكاشفيّة المحضة للرؤية و أخذها طريقاً صرفاً إلى ثبوت الهلال، و واسطةً في الإثبات.

  • و كونها أتم و أسهل و أعمّ لكلّ أحدٍ، إنّما هو الداعي إلى جعلها موضوعاً واحداً فارداً في عالم الجعل و الإنشاء و واسطةً في الثبوت؛ لا أنّها طريق إلى إحراز الهلال المولِّد للشهر الذي هو تمام الموضوع. هذا كلّه ما أردنا من حديث الجزئيّة.

  • معنى صفتيّة الرؤية

  • و أمّا حديث الصفتيّة في رسالتنا، ليس المراد بالرُّؤية المقيّدة بها؛ هي الرُّؤية بما أنّها صفةٌ و كيفيّة نفسانيّة كالحبّ و البغض و نحوهما.

  • بل المراد، أنّ الرُّؤية التي هي كاشفةٌ إلى ثبوت الهلال في الافق، جُعلت دليلًا عليه؛ بما أنّها رؤية و كاشفةٌ خاصّةٌ و طريقةٌ مخصوصةٌ؛ لا بما أنّها كاشفةٌ صرفةٌ غير ملحوظةٍ فيها خصوصيّة الرُّؤية. لأنّه كما يمكن جعل القطع موضوعاً لحكمٍ على وجه الكاشفيّة المحضة، يمكن أن يجعل موضوعاً على وجه الصفتيّة و الكاشفيّة الخاصّة، كما يمكن أن يجعل على وجه الصفتيّة بلا لحاظ جهة الكاشفيّة بل بما أنّه كيفٌ نفسانيّ كساير الصفات، إمّا لإلغاء جهة كشفه، و أمّا لاعتبار خصوصيّة فيه من كونه من سبب خاصٍ أو شخضٍ كذلك أو غيرهما.

  • نصّ على ذلك المحقّق الخراسانيّ قدّه في حاشيته على مبحث القطع لشيخنا الأنصاريّ قدّه.

رسالة حول مسألة رؤية الهلال‏

110
  • حيث إنّه قسّم القطع الموضوعيّ إلى ما هو تمام الموضوع، و إلى ما هو جزئه؛ و على التقديرين إمّا يلاحظ بما أنّه كاشفٌ صرفٌ و طريقٌ محضٌ، و أمّا يلاحظ بما أنّه صفةٌ خاصّةٌ و طريقةٌ مخصوصةٌ و كشف خاصٌ و ثالثةً، بما أنّه صفة للقاطع بإلغاء جهة كشفه أو بملاحظة اعتبار خصوصيّة فيه.

  • و معلومٌ أنّ الرُّؤية بما هي رؤية، و هي الطريق العلميّ من جهة خصوص الإبصار، إذا جعلت طريقاً إلى ثبوت الهلال، و كاشفةً عن تحقّقة؛ لا يقوم مقامها سائر الطرق العلميّة، إلّا بدليلٍ خاصٍّ؛ و هذا معنى الصفتيّة.

  • هذا كلّه؛ مضافاً إلى ما ذكرنا في الرسالة: أنّ عدم إمكان الأخذ بالإطلاقات، هو القرائن العقليّة و النقليّة الموجودة في المقام، المانعة من الأخذ بها مضافاً إلى الانصراف، بدعوى حكومة أخبار البيّنة في المقام على الروايات الدالّة على لزوم الرُّؤية، في الآفاق القريبة دون البعيدة؛ و إن تنزّلنا إلى طريقيّتها فلابدّ و أن تجعل طريقاً إلى كون الهلال في الافق لامحالة فإن أبيتَ عن دعوى الحكومة، فلا محيص عن التخصيص، كما عبّر به العلّامة قدّه في التذكرة؛ و إن أبيت عن أصل دعوى الانصراف، فلا محيد عن تسليم القرائن العقليّة و النقليّة المانعة عن الأخذ بها. هذا مع أنّ المقدّمات العلميّة في الموسوعة لا تبقى مجالًا للأخذ بالإطلاقات حتّى إذا فُرضت نصوصاً فكيف بكونها ظواهر دانيةً.

  • تبصرةٌ و تنبيهٌ: ما أفدتَ من قولك بورود النصوص المعتبرة الناطقة بأن لورآه واحدٌ لرآه خمسون أو لرآه ماةٌ أو لرآه ألفٌ؛ لم نجد روايةً بهذا المضمون.

  • بل لنا في هذا المعنى عبارتان؛

  • الاولى؛ مارواه في‌التهذيب بإسناده عن أبي أيّوب إبراهيم بن عثمان الخزّاز عن أبيعبدالله عليه‌السّلام قال: قُلْتُ لَهُ: كَمْ يجزِي في رُؤْيَةِ الهلالِ؟ فَقَالَ: «إنَّ شَهْرَ رَمَضَانَ فَرِيضَةٌ مِنْ فَرَآئِضِ اللَهِ فَلَا تُؤَدُّوا بِالتَّظَنِّي؛ وَ لَيْسَ رُؤْيَةُ الهلالِ أَنْ يَقُومَ عِدَّهٌ، فَيَقُولَ وَاحِدٌ قَدْ رَأيْتُهُ وَ يَقُولَ الأخَرُونَ لم نَرَهُ؛ إذَا رَآهُ وَاحِدٌ رَآهُ مِأهٌ، وَ إذَا رَ آهُ مأهٌ رَ آهُ ألْفٌ؛ وَ لَا يجزِي في رُؤْيَةِ الهلالِ إذَا لم يَكُنْ في السَّمَآءِ عِلَّةٌ أَقَلُّ مِنْ شَهَادَةِ خَمْسِينَ؛ وَ إذَا كَانَتْ في السَّمَآءِ عِلَّةٌ قُبِلَتْ شَهَادَةُ رَجُلَيْنِ يَدْخُلَانِ وَ يخرُجَانِ مِنْ مِصْرٍ».

  • و الثانية: ما في صحيحة ابن مسلم علي ما رواه في الفقيه و الاستبصار؛ و ما في صحيحة الخزّاز علي ما رواه في الكافي و التهذيب؛ عن أبي جعفر عليه السّلام،

رسالة حول مسألة رؤية الهلال‏

111
  • قال: «إذَا رَأيْتم الهلالَ فَصُومُوا، وَ إذَا رَأَيْتم الهلالَ فَأَفْطِرُوا؛ وَ لَيْسَ بِالرَّأي وَ لَا بِالتَّظَنِّي؛ وَ لَيْسَ الرُّؤية أن يَقُومَ عَشْرَةُ نَفَرٍ، فينظروا فَيَقُولَ وَاحِدٌ هُوَ ذَا، وَ يَنْظُرُ تِسْعَةٌ و لَا يَرَوْنَهُ؛ لَكِنْ إذَا رآهُ وَاحِدٌ لرَآهُ ألْفٌ».

  • و أمّا الاستشهاد الثالث بجمل الذكر و الآية في معنى يوم العيد و ليلة القدر و ما شابههما؛ فقد قلنا: إنّ المراد منها إمّا ليلٌ طويلٌ هو مجموع تلك الظلمة في دورٍ كامل أرضيّ يبلغ أربع و عشرين ساعةً؛ و لكلّ بقعةٍ حدٌّ خاصٌّ و تعيّنٌ مخصوصٌ منها؛ أو نهارٌ طويلٌ كذلك؛

  • و أمّا ليلٌ قصيرٌ كلّيّ ينطبق على مصاديق عديدة، حسب الآفاق المختلفة أو نهارٌ قصيرٌ كذلك فسماحتك اختارت الشقّ الاوّل من التقسيم؛ حيث أفدتَ أنّها هي الواحدةٌ المحدودة بتمام دور الأرض بظلّها الكلّي.

  • غاية الأمر أنّ المشار إليه بلفظ (هذا) عندك جميع الظلمة أو النور في الدور الكامل الارضيّ؛ و عندنا هو تعيّنٌ مخصوصٌ من تلك الظلمة أو النور في كلّ صقعٍ بحسبه.

  • فالمشار إليه على كِلَا المذهبين هو الظلمة أو النور المشخّصة الخارجيّة.

  • لكن لمّا كان مجموع تلك الظلمة أو النور البالغ لأربع و عشرين ساعةً في الدور الكامل الأرضيّ، هو ترسيمٌ فكريٌ و تصويرٌ ذهنيّ فقط، لجميع النقاط المارّة عن محاذات القمر عند غروب الشّمس؛ أو جميع النقاط المارّة عن محاذات الشّمس عند طلوعها، من هذه الدورة الكاملة؛ خارجٌ عن محطّ الصِّدق اللغوي و العرفي من معنى اللّيل و النّهار؛ اخترنا أنّ المراد من المشار إليه هو البُعد ما بين غروب الشّمس و طلوعها أو البعد ما بين طلوعها و غروبها من الدورة.

  • فما ذهبنا إليه في مدلول لفظ (هذا) بهذا التعيّن و التّشخّص، هو المسأعد للدّليل.

  • و أمّا الشقّ الثاني و هو جعل اللّيل كلّيّاً منطبقاً على أفرادٍ عديدةٍ؛ فلا ريب أنّ هذا الكلّيّ طبيعيّ خارجيّ؛ لا كلّيّ منطقيّ و لا عقليّ.

  • و بلفظ (هذا) يشار إلى هذه الطبيعة المتحدة مع مصاديقها خارجاً.

  • و نظير هذا الاستعمال في محاوراتنا كلّ يومٍ يبلغ آلاف.

  • ختام الموسوعة الثانية

  • هذا آخر ما وفّقني الله تعالى لتحرير الجواب، دفاعاً عن رسالتنا التي لو انتشرت في بلاد العامّة من المسلمين لاضطرّتهم إلى القبول، بالموازين العلميّة المدرجة فيها، التي لا مناص لأحدٍ عن قبولها؛ و لَهداهم إلى سبيل الحقّ؛ و هو أحقّ أن يُتّبع.

  • و أمّا الباعث لي في النّهوض بتحرير الرسالة، و هذا الجواب، مع كثرة ما ورد عَلَيّ‌

رسالة حول مسألة رؤية الهلال‏

112
  • من الموانع و الصّوارف تبديل نظرك الشريف ورأيك المنيف.

  • عسى أن يمدّك الله بتوفيقه؛ فتَسود على أهل الفضل و اليقين، بالعبور عن هذه المرحلة التي لا يكاد يعبر عنها إلّا المُخلِصون؛ و المُخلِصون في خطرٍ عظيمٍ.

  • فإن قبلتَ هديّتي هذه، و هي هديّةٌ نمليّةٌ إلى ملِك الفضل و النباهة، و سليمان العلم و الشَّرف؛ فهو أجري و مثوبتي؛ و ما عند الله خيرٌ و أبقى.

  • و إن أبيت، فلا أقلّ من الاحتياط الذي هو سبيل النجاة؛ و إرجاع الناس إلى الغير؛ كي يتخلّصوا من المحاذير المضلّة و الأهواءِ المردية و الفتن المهوية؛ و هذا دلالة ناصحٍ مشفقٍ.

  • جزاك الله عن العلم و الورع و أهلهما خير الجزاء، و أبقى حياتك السامية للُامّة خير البقاء، و يرعاك في كلّ حالٍ و لا ينساك في الاولى و الآخرة، و السلام عليك و رحمة الله و بركاته.

  • و إن شِئتَ أن تَحيى سعيداً فَمُتْ به‌***شهيداً و إلّا فالغَرامُ لهُ أهْلُ‌
  • و أحِبّةَ قَلبي و المَحَبَّةُ شافِعي‌***لَدَيْكُم، إذا شِئتُم بِها اتّصَلَ الحَبْلُ‌
  • عَسَى عَطفةٌ مِنكُم عَلَيّ بِنَظرَةٍ***فَقَد تَعِبَتْ بَيني وَ بَينَكُمُ الرُّسْلُ‌
  • و له الحمد في كلّ حال؛ و إليه المرجع و الماب.

  • ربّنا اجعلنا من الذين قالوا: {الحمْدُ لِلَّهِ الذي أذْهَبَ عَنَّا الحزَنَ إنَّ رَبَّنَا لَغَفُورٌ شَكُورٌ ، الذي أَحَلَّنَا دَ ارَ المُقَامَةِ مِنْ فَضْلِهِ لَايَمَسُّنَا فِيهَا نَصَبٌ وَ لَا يَمَسُّنَا فِيهَا لُغُوبٌ}.

  • {رَبَّنَا اغْفِرْلَنَا و لإخْوانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإيمانِ و لَا تَجْعَلْ في قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ ءَامَنُوا رَبَّنَآ إِنَّكَ رَؤفٌ رَحِيمٌ}.

  • ربَّنا لا تَكلْنا إلى أنفسنا طرفةَ عينٍ أبداً في الدنيا و الآخرةِ؛ فَلا نُنادَى من بُطنانِ العَرشِ: ألا أيّتها الامّةُ المتحيّرةُ الضالّةُ بعد نبيّها! لا وَفّقكم اللَهُ لأضحَى و لا لفطر؛ و لا يجابَ فينا دعوةُ الملَكِ: لا وَفَّقكمُ اللهٌ لِصَومٍ و لا فِطْرٍ.

  • اللّهُمَّ ما عَرَّفْتَنا من الحقّ فَحَمِّلْناهُ و ما قَصُرْنا عنه فَبَلِّغْناهُ.

  • خُتم هذا الجواب بحول الله و قوّته «و لا حَولَ و لا قوَّةَ إلّا بالله العليّ العظيم» في السَّاعة الثالثة من اللّيلة السادسة و العشرين من شهر شعبان المعظّم؛ سنة ألف و ثلثمأة

رسالة حول مسألة رؤية الهلال‏

113
  • و سبع و تسعين بعد الهجرة؛ على هاجرها آلاف التّحيّة و السّلام.

  • و أنا الراجي عفو ربّه محمّد الحسين بن محمّد الصادق الحسينيّ الطهرانيّ ببلدة طهران.

رسالة حول مسألة رؤية الهلال‏

116
  •  

  •  

  • القسم الثالث: جواب العلّامة الخوئيّ عن الموسوعة الثانية

  •  

  •  

رسالة حول مسألة رؤية الهلال‏

117
  •  

  •  

  • بسم الله الرّحمن الرّحيم‌

  •  

  •  

  • هذه صورة ما أجادبه سيّدنا الاستاذ العلّامة الخوئِي أدام الله أيّام بركاته ثانياً؛ جواباً عن جوابنا الذي أرسلنا إلى محضره، دفاعاً عن الموسوعة المرسلة إلى جنابه في لزوم اشتراك النّواحي في الآفاق في رؤية الهلال، للحكم بدخول الشهور القمريّة، و جواباً عمّا أجاب به أوّلًا؛ نقلناه هيهنا بعين العبارة، لتسهيل المراجعة و المطابقة مع جوابنا الثاني الماضي ذكره، و جوابنا الثالث الآتي نصّه؛ و قد أفاد مُدّ ظلّه السامي في الكتاب الذي أرسله معه أنّ هذا الجواب قد صدر من بعض الأفاضل من العلماء بأمرٍ منه أطال الله بقاه.

  • و ها إليك نصٌّ الجواب.

رسالة حول مسألة رؤية الهلال‏

118
  •  

  •  

  • المدخل‌

  •  

  •  

  • بسم الله الرّحمن الرّحيم‌

  • بعد السلام عليكم و رحمةٍ من الله و بركاتٍ،

  • اطّلعنا على ما ذكرته في موسوعتك المتكفّلة لمسئلة الهلال، و كيفيّة ثبوته.

  • و هي تنمّ عن سعة اطّلاعك، و طول باعك في ما هو مرتبطٌ بالموضوع؛ من البحوث العلميّة و القضايا الفلكيّة التي حاولتَ أن تخرج على ضوئها الأدلّة و الرَّوايات الواردة في المسئلة من الناحية الشرعيّة؛ فتستنتج منها ما هو بصالح القول باشتراط وحدة الآفاق في ثبوت الشهور القمريّة.

  • و كأنّك افترضت أنّ هذا القول هو الأنسب من الناحية الواقعيّة؛ لأنّه الأقرب إلى ذوق المتشرّعة من الناس، بل ذوق العرف و العقلاءِ بشكل عامٍّ؛ و أنّ القول الآخر الذي هو المختار قد استوجب مزيداً من الأوهام، و أوقع كثيراً من الاضطراب عند العوامّ؛ فكثر الشجار و القيل و القال حتّى...

  • مع أنّ واقع الحال بحسب تصوّراتنا على عكس ما تقول تماماً.

  • فإنّ القول بوحدة مبدءِ حساب الشّهور و تاريخها فهو المتطابق مع المرتكزات العقلائيّة؛ و المناسب مع ذوق وحدة مبدء التاريخ لجميع سكّان الأرض؛ و أنّ الاختلاف و التقدّم و التأخّر في حساب الأيّام أمرٌ على خلاف طباعهم؛ كما لا تناسب وحدة شعائرهم المرتبطة بالأيّام و التواريخ. و أيّاً ما كان فلعلّه بالنظر فيما نورده لك من النّقاط التّالية، يتّضح لديك المراد من قولنا المختار فتوى و مدركاً؛ بنحوٍ يندفع ما زعمتَ عليه من وجوه الإيراد و المؤاخذة، فنقول:

  • الاستدلال على طريقيّة الرؤية

  • ۱- إنّ الظاهر الأوّلي في كلّ عنوان يؤخذ في موضوع حكم شرعيّ و إن كان يقتضي اعتباره قيداً دخيلًا في ذلك الحكم؛ إلّا أنّه في جملة من الآجال قد يكون هنالك‌

رسالة حول مسألة رؤية الهلال‏

119
  • ارتكازٌ عرفي أو متشرّعيٌ يمنع عن انعقاد هذا الظهور، و يقتضي حمل العنوان في لسان الدليل على الطريقيّة و المعرفيّة.

  • و من جملة موارد هذا الارتكاز بل من أوضح مصاديقه عرفاً ما إذا ورد عنوان العلم أو الرُّؤية أو التبيّن و نحو ذلك في موضوع حكمٍ شرعيّ واقعيّ.

  • فإنّ ارتكازيّة كون هذه العناوين لدى الإنسان هي الطريق في إثبات الواقع و كشفه، و لا يمكن من دونها الوصول إلى الواقع المطلوب، يوجب فهم العرف الملقى إليه الخطاب لهذه العناوين على أنّها مجرّد طرق في إثبات الواقع الذي هو موضوع الحكم الشرعيّ من دون دخالتها بنفسها فيه.

  • و هذا الظهور العامّ لعلّه من المسلّمات الفقهيّة التي لا تشكيك فيها.

  • و ما أكثر المسأئل التي ورد في لسان أدلّتها عنوان العلم أو التبيّن و مع ذلك لم يحتمل فقيهٌ أن يكون ذلك دخيلًا في الحكم الشرعيّ.

  • هذا على العموم؛ و في المقام بالخصوص يضاف إلى ذلك ما ورد في ذيل روايات الباب، من أنّ الصوم بالرُّؤية لا بالتظنّي و الرأي و الاحتمال، ممّا يدلّ على أنّ المقصود من الرُّؤية إحراز الواقع بها و لزوم التثبّت فيه.

  • و كذلك ما هو ثابت نصّاً و فتوى من كفاية قيام البيّنة التي هي تبيّن الواقع كما يشعر به لفظها على ذلك، أو مضيّ ثلاثين يوماً من شعبان و لو لم ير أحدٌ الهلال.

  • و كذلك ما ثبت من لزوم قضاءِ يوم الشكّ الذي أُفطر فيه، لعدم طريقٍ له إلى ثبوت الهلال، فتبيّن بعد ذلك بالبيّنة أو الرُّؤية ليلة التاسع و العشرين من صيامه وجود الشّهر يوم إفطاره.

  • فإنّ هذه الأحكام جميعاً و إن أمكن تخريجها على أساس الحكومة و نحوها كما أُفيد؛ إلّا أنّه لا إشكال في أنّه خلاف ظاهر الأدلّة؛ بمعنى أنّ العرف يستفيد من مجموعها أنّ الرُّؤية مجرّد طريق لإثبات الشهر و ليست مقوّمةً له.

  • و الوجه في ذلك أنّ الحكومة و التنزيل مؤنةٌ زائدةٌ لابدّ في مقام استفادتها من دليلٍ، أن يكون ذلك الدليل واضح الظهور في كونه بصدد التنزيل و الحكومة.

  • و مجرّد معقوليّة الحكومة ثبوتاً لا يشفع لاستفادتها إثباتاً كما هو واضحٌ.

  • أضف إلى ذلك: أنّ عنوان الشهر الذي أُنيط به الحكم بوجوب الصوم، أمرٌ عرفي؛ و ليس من مستحدثات الشّارع؛ و من الواضح أنّ الشهر عند العرف أمرٌ واقعيٌ؛ و ليس‌

رسالة حول مسألة رؤية الهلال‏

120
  • للرؤية دخلٌ فيه إلّا بنحو الطريقيّة المحضة.

  • فلو أُريد الدوران مدار الرُّؤية، كان لابدّ من الالتزام بأنّ الحكم الشرعيّ بوجوب الصوم قد أُخذ في موضوعه ثبوت الشهر و العلم به عن طريق الرُّؤية مثلًا.

  • و هذا بنفسه بعيدٌ عن مساق أدلّة الصوم الظاهرة في ترتيب الصوم على نفس الشهر على حدّ سائر الأحكام الشرعيّة المترتّبة على الأهلّة و الشهور.

  • ٢ حمل الرُّؤية على الطريقيّة المحضة، لا يعني أن يكون الميزان واقع خروج الهلال عن تحت الشعاع أو المحاق كما أُفيد؛ بل هناك مطلب ثالثٌ عرفي و مطابقٌ أيضاً مع ما هو المستفاد من أدلّة الباب؛ و هو أن يكون الشهر عبارةً عن بلوغ الهلال في الافق مرتبةً يمكن للعين المجرّدة رؤيته.

  • و هذا غير أخذ الرُّؤية أو العلم موضوعاً؛ بل الرُّؤية ليست إلّا طريقاً إلى إحراز هذه المرتبة في تكوّن الهلال و ظهوره في الافق.

  • و وجه عرفيّة هذا المطلب و مطابقته مع المرتكزات واضحٌ؛ حيث قلنا إنّ الشهر بحسب المرتكزات العرفيّة أمرٌ واقعيّ على حدّ الامور الواقعيّة الاخرى التكوينيّة، فلا يناسب أن يكون للعلم و الجهل دخلٌ فيه.

  • كما أنّ الخروج عن المحاق بحسب المقاييس الدقيقة التي لا تثبت إلّا بالأجهزة و الآلات أيضاً ليس ميزاناً لدخول الشهر عند العرف؛ لعدم ابتناءِ الامور العرفيّة على المداقّة و الحسابات الرياضيّة أو الفلكيّة.

  • فيتعيَّن أن يكون الميزان عندهم ما ذكرناه من ظهور الهلال، و تكوّنه و بلوغه مرتبةً قابلةً للرؤية بالعين المجرّدة.

  • و وجه مطابقة هذا المطلب مع الروايات أنّ عنوان الرُّؤية الوارد فيها، و إن كان على نحو الطريقيّة المحضة؛ إلّا أنّ ذا الطريق هو الهلال البالغ مرتبةً قابلةً للرؤية بالعين المجرّدة؛ لا مجرّد الخروج عن المحاق و لو لم يكن قابلًا للرؤية؛ و الحمل على الطريقيّة لايقتضي أكثر من إلغاء موضوعيّة الرُّؤية؛ لا المرتبة المفروضة في المرئيّ كما هو واضح.

  • مضافاً إلى أنّ هذا هو مقتضى حمل الدليل على الميزان العرفي الارتكازيّ في كيفيّة تكوّن الشهر الهلاليّ؛ و قد عرفت أنّه يقتضي ذلك أيضاً.

  • ثمّ إنّكم إمّا تعتبرون الرُّؤية الخارجيّة بالفعل، أو تكتفون بالرُّؤية التقديريّة أيضاً؛ بمعنى صدق القضيّة الشرطيّة القائلة: إنّه لو استهلّ الناس و لم يكن حاجبٌ كالغيم مثلًا

رسالة حول مسألة رؤية الهلال‏

121
  • لرئي الهلال؟ فإن التزم بالأوّل، لزم القول بعدم دخول الشهر ولو علم بوجود الهلال في الافق بنحو قابل للرؤية و لكن قد حجبه غيمٌ مكثّفٌ عن تحقّق الرُّؤية خارجاً.

  • كما لو علم بذلك نتيجة رصده في السّماء أو تشخيصه بالأجهزة الحديثة التي تخرق حجاب الغيم، أو افترضنا إخبار معصوم لنا بذلك.

  • و الالتزام بهذا بعيد جدّاً؛ و من يخالف لا ينبغي أن يكون خلافه كبرويّاً؛ بل في الصغرى و المنع عن إمكان تحصيل العلم بوجوده كذلك في الافق.

  • و إن التزم بكفاية الرُّؤية التقديريّة، كان ذلك عبارةً أُخرى عن إلغاء دخالة الرُّؤية في تكوّن الشهر و حملها على الطريقيّة المحضة إلى بلوغ الهلال في نفسه مرتبةً قابلةً للرؤية في السماءِ.

  • عدم التلازم بين خروج القمر عن تحت الشعاع وإمكان رؤيته‌

  • ٣ إنّ خروج الهلال عن المحاق أو تحت الشعاع، لا يساوق العلم بإمكانيّة رؤيته في نقطةٍ ما على سطح الأرض و هي النقطة التي تشرف فيها الشّمس على المغيب من مجموع الكرة الأرضيّة لكي يمكن دعوى: أنّ جعل الرُّؤية طريقاً محضاً يلزم منه أن يكون الشهر الشرعيّ مساوقاً مع الشهر الفلكيّ دائماً؛ و ذلك لاحتمال أن لا يكون الهلال الخارج عن تحت الشعاع قابلًا للرؤية في تلك النقطة.

  • لا من جهة احتمال وجود أحد العوامل الطبيعيّة أو الفلكيّة أو الفيزيائيّة التي اعترفتم بإمكان منعها عن الرُّؤية فحسب؛ بل و لاحتمال أن لا يكون الهلال بعد قد وصل في سيره حول الأرض إلى أُفق تلك المنطقة التي تغرب فيها الشّمس، لكي يمكن أن يُرى بمجرّد خروجه عن تحت الشعاع.

  • فإنّ الخروج عن تحت الشعاع وحده لا يحقّق إمكانيّة الرُّؤية؛ بل لابدّ من افتراض زوال أشعّة الشّمس عن منطقة الرُّؤية أيضاً.

  • و هذا لا يكون إلّا مع تطابق الافقين و المغربين؛ لكي يتاح للنظر رؤية الهلال بمجرّد خروجه عن الشعاع.

  • و هذا التطابق لا دليل على أنّه يحصل بمجرّد خروج الهلال عن تحت الشعاع؛ لأنّ الدائرة التي ينعكس فيها القمر من سطح الكرة الأرضيّة أصغر من الدائرة التي تنعكس فيها الشّمس منه؛ لكبر حجم الشّمس و صغر حجم القمر.

  • و قد عرفنا أنّ الكوكب الأكبر إذا كان منيراً يحتلّ مساحةً أكبر في إشعاعه على الأرض من كوكبٍ آخر أصغر حجماً.

رسالة حول مسألة رؤية الهلال‏

122
  • فمن الطبيعيّ أن يكون مغرب القمر قبل مغرب الشّمس في أوّل الأمر حين تقارن النيّرين؛ ثمّ يبدء المغربان بالتقارب؛ أي يبدء مغرب القمر بالاقتراب من مغرب الشّمس؛ نتيجة حركته إلى جهة المغرب حول الأرض، حتّى يصل الحال في دورانه و وصوله إلى الناحية الاخرى المقابلة لجهة الشّمس من الأرض، أن يكون بداية غروب الشّمس هي بداية طلوع القمر، و بداية طلوع الشّمس هي بداية غروب القمر و هكذا.

  • هذا مضافاً إلى عوامل أُخرى ربّما تفرض دخالتها في عدم تطابق دائرتي الانعكاس على سطح الأرض من النيّرين، نتيجة ميلان أحدهما على الآخر في السماء في نفسها، أو نتيجة ميلان الأرض في الفصول الأربعة.

  • فعلى كلّ حالٍ مجرّد تحقّق المغرب في نقطةٍ ما على سطح الأرض في كلّ آنٍ حتّى آن خروج القمر عن تحت الشعاع، لايلازم دخول الشهر؛ لأنّه لا يلازم بلوغ القمر إلى تلك النقطة في الافق؛ بحيث يكون قابلًا للرؤية؛ بل قد يكون لا يزال في الآفاق و الدوائر الأرضيّة التي تقابل ضوء الشّمس و يكون الوقت فيها نهاراً، فلا يكون قابلًا للرؤية.

  • اشتراك الآفاق، معنى غير محدّد

  • ٤ إنّ الاشتراك في الآفاق، لا نفهم له معنى محدَّداً محصَّلًا.

  • و توضيح ذلك: أنّ رؤية الهلال كما قلنا تتحقّق نتيجة سير القمر إلى جهة المغرب من الأرض بنحو يخرج عن المحاق و يكون قابلًا للرؤية في نقطة مغرب الشّمس في سطح الأرض.

  • فإذا لاحظنا تلك النقطة من سطح الأرض، فتمام النقاط التي تقع على جهة المغرب منها، و على خطّ عرضٍ واحدٍ، تكون مشتركةً معها في الافق، لأنّها جميعاً حين يمرّ عليها نفس هذا الغروب يكون الشهر داخلًا بالنسبة إليهم لرؤيتهم الهلال؛ و لكنّ النقاط الواقعة إلى جهة المشرق منها مهما تكون قريبةً منها لا تكون مشتركةً في الافق معها، لعدم إمكان رؤية الهلال فيها عند مغربها بحسب الفرض.

  • و هكذا النقاط التي تقع إلى جهة الشمال أو الجنوب منها، بنحوٍ تخرج عن الدائرة التي تنعكس على الأرض من القمر حين مغيب الشّمس عنها.

  • فهل يا ترى يلتزم باشتراك بلدين متباعدين جدّاً في دخول الشهر و عدم الاشتراك مع البلد المجاور القريب من أحدهما.

  • هذا بحسب المكان؛ و كذلك الأمر غير محدّدٍ بحسب الزمان؛ إذ ربّما يكون خروج القمر عن تحت الشعاع مصادفاً في شهرٍ لنقطةٍ من سطح الأرض حين مغيب‌

رسالة حول مسألة رؤية الهلال‏

123
  • الشّمس فيها بنحو يرى الهلال منها غير ما يصادفه في الشهر الآخر، نتيجة اختلاف ميلان الأرض و حركتها المحقِّقة للفصول، أو نتيجة اختلاف بروج القمر و ميلانه أو لغير ذلك من العوامل؛ فيلزم أن يكون بلدان بعينهما مشتركَين في أُفقٍ واحدٍ في شهرٍ و غير مشتركين في شهرٍ آخر.

  • و هذا ممّا لا يمكن الالتزام به، لا عرفاً و لا فقهيّاً.

  • النقوض والمحاذير، مشترك اللزوم بين القولين‌

  • ٥ و أمّا المشكلة التي آثرتَها بناءً على المختار، من أنّ ذلك يؤدّي إلى لزوم افتراض ليلة أوّل الشهر واحدةً في تمام المنقطة التي تحلّ بها الظلمة من الكرة الأرضيّة؛ فيؤدّي إلى أن يكون اللّيل في المنطقة الواقعة شرق منطقة رؤية الهلال منذ بدايته ليلة أوّل الشهر مع أنّه في بدايتها التي قد يكون قبلها باثنتي عشرة ساعةً فما دون يكون القمر لا يزال في المحاق فكيف يمكن أن يحسب من الشهر القادم؟

  • فهذه المشكلة أوّلًا لا تختصّ على القول بالرأي المختار؛ بل يمكن إيرادها على القول بلزوم الاشتراك في الآفاق أيضاً.

  • و ذلك فيما إذا افترضنا أنّ خروج الهلال عن الشعاع بنحو قابل للرؤية بالعين المجرّدة قد صادف المغرب في نقطةٍ من سطح الأرض، مشتركةً في الافق مع نقطةٍ أُخرى واقعةٍ على خطّ طولٍ آخر يحلّ فيه غروب الشّمس من قبل؛ فإنّه مثل هذه الفرضيّة سوف يكون خروج الهلال عن تحت الشعاع بالنسبة إلى النُّقطة الثّانية بعد المغرب فيها بزمانٍ مع أنّه من بداية اللّيل يعتبر من الشهر اللّاحق.

  • و ثانياً حلُّها: إنّ رؤية الهلال في نقطةٍ من الأرض عند غروب الشّمس فيها إنّما يوجب الحكم بأنّ النهار القادم بعد ذلك اللّيل من الشهر القادم بالنسبة إلى تمام النقاط من الكرة الأرضيّة التي تشترك مع منطقة رؤية الهلال في ذلك اللّيل؛ دون النقاط التي لا تشترك معها في تلك اللّيلة و الرِّوايات الخاصّة أيضاً لا تدلّ على أكثر من هذا المقدار، حيث تأمر بقضاء النهار القادم بعد ليل الرُّؤية ولو في مصرٍ آخر.

  • و واضحٌ أنّ هذا لا يشمل ما إذا كانت رؤية الهلال في نقطة المغرب معاصراً مع النهار عندنا فإنّه ليس نهار ما بعد تلك اللّيلة التي هي ليلة الرُّؤية.

  • و هذا إن كان مطابقاً مع المرتكزات العرفيّة، بأن فرض أنّ العرف أيضاً يكتفي في دخول الشهر الجديد أن يخرج الهلال عن تحت الشعاع بنحوٍ قابلٍ للرؤية في نقطةٍ مشتركةٍ معنا في اللّيل و لو كان المقدار الباقي منه عندنا أقلّ منه في تلك النقطة، لأنّ‌

رسالة حول مسألة رؤية الهلال‏

124
  • الميزان عنده وقوع النهار الذي يلي الرُّؤية بعد خروج الهلال، سواءٌ وقعت ليلته كاملةً بعده أم لا، فقد تطابق المستفاد من الروايات مع المرتكزات؛ و إلّا فلا أقلّ من أن يكون الحكم الشرعيّ بالصَّوم بمقتضي الروايات المذكورة منوطاً بذلك.

  • و على كلّ حالٍ لا إشكال في عدم وجود ارتكاز معاكسٍ على الخلاف لكي يتجرّأ أن يرفع اليد به عن مقتضى ظهور أدلّة الباب المتمثّلة في الرِّوايات الخاصّة التي استند إليها في اختيار القول بعدم لزوم الاشتراك في الآفاق.

  • ٦ اتّضح من مجموع ما تقدّم أنّ ما هو نسبيّ و يختلف من منطقةٍ إلى أُخرى في مسئلة الهلال إنّما هو إمكانيّة الرُّؤية؛ و نعني بها بلوغ الهلال مرتبةً من الظهور في نفسه، بحيث يكون قابلًا للرؤية لولا وجود سحاب و نحوه؛ و أمّا خروجه عن تحت الشّعاع فلا يختلف فيه نقطةٌ عن أُخرى فلو كان الحكم الشرعيّ منوطاً بالأوّل، كان حكماً نسبيّاً لا محالة، مختلفاً من بلدٍ إلى آخر، و للزم اشتراك البلدان في أُفق الرُّؤية، لترتّب الحكم فيه.

  • و لو كان منوطاً بالثاني، كان مطلقاً غير نسبيّ، و لم يلزم الاشتراك في الآفاق.

  • و المستفاد من روايات حكم الصوم الأوّليّة، و إن كان هو الأوّل، أعني إناطة الحكم بإمكانيّة الرُّؤية؛ إلّا أنّ ما جاء في الروايات الخاصّة من كفاية حصول الرُّؤية في مصرٍ لتحقّق الشهر في جميع الأمصار التي تشترك مع ذلك المصر في ليل الرُّؤية دلّنا على عدم لزوم الاشتراك في الآفاق. انتهى الجواب.

رسالة حول مسألة رؤية الهلال‏

125
  •  

  •  

  • المَوسُوعة الثَّالثة حَول رؤية الهِلال‌

  •  

  •  

رسالة حول مسألة رؤية الهلال‏

127
  •  

  •  

  • بسم الله الرّحمن الرّحيم‌

  • و صلّى الله على محمّدٍ و آله الطاهرين

  • و لعنة الله على أعدائهم أجمعين.

  •  

  •  

  • هذه صورة ما جرى على فكري الفاتر و قلمي القاصر؛ جواباً ثالثاً عن الجواب الثاني للعلّامة الاستاذ الخوئي؛ أنعم الله على المسلمين بطول بقائه؛ ذكرتُ فيها مواضع النقد من جوابه، و أدرجت فيها ما هو المؤيّد للموسوعة من لزوم الاشتراك في الآفاق في رؤية الهلال، للحكم بدخول الشهور القمريّة؛ تذكرةً للإخوان المشتغلين و تبصرةً للأخلاء المحصّلين و الحمد للّه ربّ العالمين حمداً أبديّاً ما دامت السّمواتُ و الأرضين.

رسالة حول مسألة رؤية الهلال‏

128
  •  

  •  

  • بسم الله الرّحمن الرّحيم‌

  • و صلّى الله على محمّد و آله الطاهرين

  • و لعنة الله على أعدائهم أجمعين.

  • السّلامُ على ميزان الأعمال و مقلّب الأحوال

  • و سَيْفِ ذِي الجلالِ و ساقي السَّلْسَبيلِ الزُّلال

  • أميرالمؤمنين وَ رَحمَةُ الله و بركاتُهُ.

  •  

  •  

  • مطلع الموسوعة الثالثة

  • أيُّها الرّاكِبُ المُجِدُّ رُوَيْداً***بِقُلُوبٍ تَقَلَّبَتْ مِنْ جَواهَا
  • إن تَرائَتْ أرضُ الغَريَّينِ فَاخْضَع‌***و اخْلَعِ النَّعْلَ دُونَ وادي طُواهَا
  • و إذا شِمْتَ قُبّةَ العَالَم الأعلى‌***وَ أنْوارَ رَبِّها تَغْشاهَا
  • فَتَواضَعْ فَثَمَّ دارَةُ قُدْسٍ‌***تَتَمَنَّى الأفْلاكُ لَثْمَ ثَراهَا
  • قُلْ لَهُ وَ الدُّموعُ سَفْحَ عَقيقٍ‌***وَ الْحَشا تَصْطَلي بِنار غَضاهَا
  • يَابْنَ عَمِّ النَّبِيّ أنْتَ يَدُ اللَهِ‌***التي عَمَّ كُلَّ شَي‌ءٍ نَداهَا
  • أنْتَ قُرآنُهُ القَّديمُ وَ أوْصافُكَ‌***آياتُهُ التي أوْحاهَا
  • خَصَّكَ اللهُ في مَآثِرَ شَتَّى‌***هِيَ مِثْلُ الأعْدادِ لا تَناهَى‌
  • أنْتَ بَعْدَ النَّبيّ خَيْرُ البَرايا***وَ السَّما خَيْرُ ما بِها قَمَراهَا
  • لَكَ نَفْسٌ مِنْ مَعْدِنِ اللُّطفِ صيغَتْ‌***جَعَلَ اللهُ كُلَّ نَفْسٍ فِداهَا
  • يا أبَا النَّيِّرَيْنِ أنْتَ سَماءٌ***قَدْ مَحَى كُلَّ ظُلمَةٍ نَيِّراهَا
  • لَكَ ذاتٌ مِنَ الجَلالةِ تَحْوي‌***عَرْشَ عِلْمٍ عَلَيهِ كانَ اسْتِواهَا
  • فَجَعلْتَ الرَّشَادَ فَوقَ الثُّرَيا***وَ مَقامَ الضَّلالِ تَحْتَ ثَراهَا
  • يا أخا المُصْطَفي لَدَيّ ذُنُوبٌ‌***هِيَ عَيْنُ الْقَذَى وَ أنْتَ جَلاهَا
  • سلام على السيِّدِ الأكْرَم وَ الحِبرِ الأعْظَم، فَخر العلماءِ الأعلام، سَيّد الفُقَهاءِ

رسالة حول مسألة رؤية الهلال‏

129
  • العِظام، الآية الحُجَّة الحاجّ السَّيِّد أبي القاسم الخوئي؛ زاده الله عِلما و بَرَكةً و أدامه الله عُمْراً و بقاءً و رَحمةً بحقّ محمّدٍ و آله آمين.

  • يا أخِلّايَ هَلْ يَعُودُ التَّدانِي‌***مِنْكُمُ بِالحِمَى بِعَوْدِ رُقادِي‌
  • ما أمَرَّ الفِراقَ يا جِيرَةَ الحيّ‌***وَ أحْلِى التَّلاقِ بَعْد انْفِرادِ
  • كَيْفَ يَلْتَذُّ بِالْحَياةِ معنى‌***بَينَ أحْشائِهِ كَوَرْيِ الزِّنادِ
  • عُمرُهُ وَ اصْطِبارُهُ في انتِقاصٍ‌***وَ جَواهُ وَ وَجْدُهُ في ازديادِ
  • فَغَرامي القَديمُ فيكُمْ غَرامي‌***وَ وِدادي كَما عَهِدْتُمْ وِدادِي‌
  • قَدْ سَكَنْتُم مِنَ الفُؤادِ سُوَيْدا***هُ، وَ مِنْ مُقْلَتي سَواءَ السَّوادِ
  • يا سَميري رَوِّحْ بِمَكَّةَ رُوحي‌***شادياً إنْ رَغِبتَ في إسْعادِي‌
  • فَذَراها سِرْبي وَ طِيبي ثَراها***وَ سَبيلُ المَسيلِ وِرْدي وَزادي‌
  • كانَ فيها أُنْسي وَ مِعْراجُ قُدْسي‌***وَ مَقامي المَقامُ وَ الفَتْحُ بادِ
  • قَسَماً بِالحَطيم وَ الرُّكْنِ والأسْتارِ***وَ المَروَتَينِ مَسْعَى العِبادِ
  • وَ ظِلالِ الجَنابِ وَ الحِجْرِ***وَ الميزابِ وَ المسْتَجابِ لِلْقُصّادِ
  • ما شَمِمْتُ البَشامَ إلّا وَأهْدَى‌***لِفُؤادي، تَحيَّةً مِنْ سُعادِ
  • و بعد التحيّة و الإكرام، و التبجيل و الإعظام، و إهداء خلوصي و ودّي و دعائي آناء ليلي و أطراف نهاري، لدوام الصحّة و العافية و طول العمر بالبركة و الرحمة، و غاية شعفي حين ذكراك و شغفي إلى لُقياك؛ قد افتخرت باستلام كتابك المبارك، الحاكي عن طلعتك المنيرة و سيما وجهك الميمون، و حبّك القديم و خلقك العظيم؛ فقلت في نفسي:

  • و فَبَشِيري لَو جَاءَ مِنكَ بِعَطْفٍ‌***وَ وُجودِي في قَبْضَتي قُلتُ هاكَا
  • فُقْتَ أهْلَ الكَمالِ حُسْناً وَ حُسْنَى‌***فَبِهِم فاقَةٌ إلي مَعْناكَا
  • و كَفانِي عِزّاً بحُبِّك ذُلّي‌***و خُضوعي و لَستُ مِن أكْفاكَا
  • فلثمته لما فيه من أطايب روائح الكرامة الفائحة من ضمير أُستاذنا المعظّم، أدام اللةُ ظلاله السامية.

  • و كانت معه رسالةٌ صدرت من بعض الأفاضل من العلماءِ، حفظه الله؛ بأمر

رسالة حول مسألة رؤية الهلال‏

130
  • السيّد الاستاذ؛ جواباً عن بعض ما حرّرتُه ثانياً، حول مسئلة لزوم اشتراك الآفاق في رؤية الهلال، للحكم بدخول الشُّهور القمريّة.

  • فطالعتها بأتم الدقّة و أكملها، فلم أجد فيها ما يَشفي العَليل أو يُروي الغَليل؛ بعد اعترافه أوّلًا بتماميّة بحوثنا العلميّة، حول المسئلة، من ناحية المسأئل الفلكيّة فيما هو مرتبط بالمقام و اعترافه أخيراً من الناحية الشّرعيّة أيضاً، لما هو المستفاد من روايات الصّوم الأوّليّة لولا ما تَوَهَّم من دلالة الرِّوايات الخاصّة على كفاية حصول الرُّؤية في مصرٍ.

  • هذا، فلمّا كان بعض ما أجاب به في هذه الرسالة غير مستندٍ إلى المقدّمات البرهانيّة؛ و بعضه ناشئاً من عدم التأمّل و الدقّة في ما أوردناه في الموسوعة؛ فلم ينهض في كسر ما اختاره المشهور، أو في إقامة ما اخترتم بوجهٍ من الوجوه؛ بل كلّما أوردناه قائم على ساقه؛ استجزت من جنابك أن أكتب جواباً عمّا أورده؛ فأقول بعد الصلاة و الاستخارة:

  • بسم الله الرحمن الرحيم، و الصلوة و السلام على خاتم الأنبياء و المرسلين محمّدٍ و آله الأطيبين الأنجبين الغُرّ الميامين، و لعنة الله على أعدائهم أجمعين، و لا حول و لا قوّة إلّا بالله العليّ العظيم.

  • {يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَواقِيتُ لِلنَّاسِ وَ الْحَجِّ}. صدق الله العلي العظيم.۱

  • أفاد المجيب حفظه الله أوّلًا: أنّ القول بوحدة مبدءِ حساب الشهور و تاريخها هو المتطابق مع المرتكزات العقلائيّة، و المناسبة مع ذوق وحدة مبدء التاريخ لجميع سكّان الأرض؛ و أنّ الاختلاف و التقدّم و التأخّر في حساب الأيّام أمرٌ على خلاف طباعهم؛ كما لا تناسبه وحدة شعائرهم المرتبطة بالأيّام و التواريخ.

  • ثمّ أورد أُموراً ستّةً في دفع ما أوردناه من النقود على القول بعدم لزوم الاشتراك في الآفاق و بلزوم الطريقيّة المحضة للرؤية، المسأوق لرفضها بتّاً.

  • و نحن نبحث أوّلًا عن كيفيّة مبدء التاريخ، ثمّ عن هذه الامور الستّة واحداً بعد واحدٍ، طبقاً لما أفاده.

  • أمّا القول بلُزوم وحدة المبدء في حساب الشّهور المبتنية على رفض مدخليّة الاختلاف في الآفاق فقد تقدّم عليه في هذه النّكتة السّيّد أبوتراب الخونساريّ قدّس‌

    1. سورة ٢ البقرة آية ۱۸٩.

رسالة حول مسألة رؤية الهلال‏

131
  • سرّه في كتابه: سبيل الرشاد في شرح كتاب الصوم من نجاة العباد؛ حيث قال: و يؤيّده أنّ عدم اختلاف الشهور في الأمصار، لكون المدار على ذلك، أنسب إلى الضّبط و عدم تشويش‌الحساب، وأوفق‌للحكمةجدّاً؛ فيناسب‌أن‌يكون‌هو المعتبر عرفاً و شرعاً.

  • أقول: و هو المتبادر إلى بعض الأذهان، و المتسابق إلى الأفهام؛ حيث إنّه كلامٌ لطيفٌ على أساس حلاوة الذوق ورقّة الإحساس؛ لكنّه خالٍ عن السداد.

  • و قبل الخوض في المطلب لابدّ من تمهيد مقدّمتين:

  • المقدّمة الاولى للمقال: خطّ الزمان الدوليّ‌

  • الاولى: الأرض كرويّةٌ؛ و تدور حول نفسها دوراً كاملًا فيما يقرب من أربع و عشرين ساعةً و يتحقّق بذلك نهارٌ واحدٌ و ليلةٌ واحدةٌ في النّواحي المعمورة.

  • سبب تعيين مبدأ فرضيّ للزمان‌

  • جميع النّواحي الواجهة لضوء الشّمس المشتركة في الاستنارة تحسب نهاراً واحداً؛ كما أنّ جميع النّواحي المعاكسة لضوئها المشتركة في الظّلمة الواقعة في الظّلّ المخروطيّ تحسب ليلةً واحدةً؛ و لمّا لم يكن لكرويّتها ميزٌ و شاخصٌ، يتميّز و يتشخّص به بعض الأصقاع عن بعضٍ، في تعيين مشخّصات الأيّام و اللّيالي؛ و حدودها من تقويم الأسابيع و الشّهور، وقعت مشكلةٌ عويصةٌ و هي تمادي يومٍ واحدٍ و ليلةٍ واحدةٍ، إلى مرّ الأسابيع و الشّهور و كرّ الأعوام و الدّهور؛ ما بقيت أرضٌ مستنيرةٌ و شمسٌ منيرةٌ.

  • مثلًا إذا سمّينا الناحية الواجهة للشّمس من الكرة الأرضيّة يوم الجمعة؛ لم يتغيّر هذا اليوم إلى الأبد و لو تدور الأرض حول نفسها آلاف مرّة.

  • و ذلك لعدم تعيّن مبدءٍ له بدئاً و نهايةً؛ و لا يمكن أن نتصوّر قبله و لا بعده من خميسٍ و سبتٍ فكيف بسائر أيّام الاسبوع؛ لعدم إمكان تصوّر القَبليّة و البَعديّة.

  • و بهذه الموازاة لايمكن لنا تقدير أيّام الشّهور، أيّ شهرٍ كان، شمسيّاً أو قمريّاً؛ لعدم تمايز الأيّام بعضها عن بعض.

  • و هذه المشكلة إنّما حدثت بعد كشف قارّة إمريكا، و العلم بكرويّة الأرض؛ وبعد مسافرة السَّيَّاح المعروف: مازْلانْ بسفائنه حول الأرض في مدّة ثلاث سنين؛ من‌إسبانيا إلى جهة المغرب حيث را كبي هذه السّفن كانوا يعدّون الأيّام بغاية الدقّة؛ و بعد مضيّ هذه المدّة و الوصول إلى أوطانهم كانوا يعلمون أنّ اليوم يوم الثلاثاء؛ فلمّا سألوا أهلها اتّفقوا جميعاً على أنّ اليوم يوم الأربعاء.

  • و لم يدروا أنّ هذا الاختلاف، و هو يومٌ واحدٌ نشأ من خلاف جهة مسيرهم لمسير

رسالة حول مسألة رؤية الهلال‏

132
  • الأرض؛ و هي من المغرب إلى المشرق.

  • فإنّهم كانوا يسيرون حول الأرض بحسب تعداد الأيّام، مدّةً أزيد من مدّة غيرهم؛ و هي مدّة دوران الأرض حول نفسها دوراً واحداً، البالغة أربع و عشرين ساعةً.

  • فهذه المدّة بمثابة عدم تحويل الشّمس عنهم في طول مدّة اثنتي عشرة ساعةً؛ فكأنّهم واجهون لضوءِ الشّمس يومين متواليين، لكنّهم كانوا يحسبونهما يوماً واحداً.

  • و أمّا قبل كشف هذه القارّة فالعلماء كانوا بانين إمّا على عدم كرويّة الأرض و إمّا على انحصار المعمورة بنصفها الممتدّ من جزائر خالدات إلى أقصى بلاد الصين و اليابان.

  • و على كلٍّ كان مبدء الأيّام عندهم عند بزوغ الشّمس في هذه البلاد؛ كما أنّ المنتهى غروبها في هذه الجزائر.

  • خطّ الزمان وخطّ نصف نهار كرينويج، ينصفان كرة الارض‌

  • و لحلّ هذه العويصة عيّنوا مبدئاً فرضيّاً للتاريخ، و اتّفق الأقوام و الامم كلّهم على هذا المبدء و هو خطّ مفروضٌ مارّ على القطبين، على زاوية ۱۸۰ درجةً من خطّ نصف نهار كرنويج؛

رسالة حول مسألة رؤية الهلال‏

133
  • و إنّما عيّنوا موقع الخطّ المفروض في هذا الموضع لما أوّلًا:

  • أ نّ معظمه يمرّ من البحر المحيط: الاقيانوس الكبير؛ و لا يكون فيه سكّان يسكنون في بلدٍ حتّى يختلف تاريخ أهله.

  • و حيثما يقطع هذا الخطّ من طرف الشمال قطعةً صغيرةً من السّيبريا، أمالوه و جعلوه خارج هذه المنطقة بين السّيبريا من آسيا و آلاسكا من إمريكا؛ و عبّروه بما بين جزيرتين مسمّاتين بدِيُومِد بينهما قدر مسافة ثلاثة أميال.

  • إحديهما أكبر من الاخرى و واقعةٌ في غرب الخطّ؛ و الاخرى أصغر من الاولى و واقعةٌ في شرقه ففي جميع الأوقات تكون أيّام الأسابيع و الشهور في دِيُومِد الصغرى قبل أيّام ديومد الكبرى.

رسالة حول مسألة رؤية الهلال‏

134
  • و ثانياً أنّ هذا الخطّ على الطرف المقابل من نصف نهار كرنويج و بينهما ۱۸۰ درجةً من كلّ واحدٍ من الطرفين.

  • و ذلك لأنّ محيط الدائرة الأرضيّة ينقسم عليْ ٣٦۰ درجةً و هذا المقدار يمرّ عن مواجهة الشّمس في أربع و عشرين ساعةً.

  • فالأرض تسير نحو المشرق في كلّ ساعةٍ خمس عشرة درجةً؛

  • ۱٥ = ٢٤ / ٣٦۰ 

  • فإذا فرضنا أنّ الساعة في كرنويج كانت على رأس الثانية عشرة من النهار، و هي الظهر التقريبيّ؛ تكون الساعة في النواحى الشرقيّة عنه على مسافة ۱٥ درجةً، ساعةً بعد الظهر؛ و هكذا إلى النواحى البعيدة عنه على مسافة ۱۸۰ درجةً، اثنتي عشرة ساعةً بعده؛ و هي المقارنة لنصف اللّيل.

  • و أيضاً تكون السّاعة في النواحي الغربيّة عنه على مسافة ۱٥ درجةً، ساعةً قبل الظهر؛ و هكذا إلى النواحي البعيدة عنه على مسافةْ ۱۸۰ درجةً، اثنتي عشرة ساعةً قبله؛ و هي المقارنة أيضاً لنصف اللّيل.

  • فهذه الناحية التي انطبقت على خطّ التاريخ المللي، بعيدةٌ عن كرنويج على مقدار ۱۸۰ درجةً متقدّمةٌ عنه زماناً من ناحية المشرق، و متأخّرة عنه زماناً من ناحية المغرب؛ كلّ باثنتي عشرة ساعةً.

  • فمجموع تفاوت هذين المقدارين، و هو أربع و عشرون ساعةً، يكون قدر يومٍ واحدٍ و ليلةٍ واحدةٍ.

  • فيكون هذا الخطّ متقدّماً عن نفسه من جهةٍ، و متأخّراً عن نفسه من جهةٍ أُخرى؛ متقدّماً من الناحية الشرقيّة، و متأخّراً من الناحية الغربيّة؛ فهو المبدء للتاريخ تكون الأيّام في شرقه و لو بمقدارٍ يسيرٍ، متقدّمةً على الأيّام في غربه كذلك.

رسالة حول مسألة رؤية الهلال‏

135
  • هذا كلُّه من جهة أيّام الأسابيع، من الجمعة و السبت و غيرهما.

  • و تتبعها أيّام الشهور من الواحد و الإثنين و غيرهما.

  • فإذا فرضنا أنّ الشّمس طلعت في يوم الثامن من إيلول على مشرق هذا الخطّ، علمنا بأنّها غربت يوم الثامن من إيلول عن مغربه فابتداء الثامن في جهة المشرق يساوق انتهائه في جهة المغرب؛ ففي المشرق يكون الثامن و في المغرب يكون التاسع.

  • و لا فرق فيما ذكرنا في الشهور الشمسيّة بين الروميّة و الفرسيّة و الروسيّة و الفرنسيّةو غيرها.

  • فإذا فرضنا أنّ في مشرق هذا الخطّ يكون يوم الأحد السابع من خردادماه، يكون في مغربه يوم الأثنين الثامن منه.

  • فكلّ أحد يسافر من المشرق إلى المغرب، مارّاً عن هذا المبدء، لابدّ و أن يقدّم‌

رسالة حول مسألة رؤية الهلال‏

136
  • يوماً من تاريخ تقويمه و كذا العكس، إذا سافر نحو المشرق لابدّ و أن يؤخّر يوماً واحداً من تقويمه.

  • المقدّمة الثانية: اختلاف مبدء طلوع القمر في أوّل كلّ شهر

  • المقدّمة الثانية: مبدء الشهور القمريّة إمّا يتحقّق بخروج الهلال عن تحت الشعاع، و ظهوره في الافُق على ما هو المشهور؛ فإذن يختلف المبدء في النَّواحي الشَّرقيَّة عن محلّ الرُّؤية، و النّواحي الغربيّة عنه؛ و يتأخّر بيومٍ واحدٍ.

  • و إمّا يتحقّق بنفس الخروج فقطّ و إمكانيّة الرُّؤية في ناحية ما؛ على ما ذهبتَ إليه؛ فإذن يختلف المبدء في النصف الفوقانيّ من الأرض الذي يشترك في الظلمة الليليّة مع نقطة الخروج، و النصف التحتانيّ منها الذي كان واجهاً للشمس، و كان نهارٌ هناك.

  • فإذا دارت الأرض بحركتها الدوريّة بقدر نصف الدائرة، البالغ اثنتي عشرة ساعةً تقريباً؛ يواجه جميع النقاط الواقعة في ذلك النهار على مغرب الشّمس؛ و تدخل واحدةٌ بعد أُخرى في تلك الظلمة و بذلك يبتدئ الشهر بالنسبة إليها.

  • لكنّ هنا نكتةً دقيقةً، و هي أنّ القمر لا يخرج من الشعاع في مبدء كلّ شهر في موضعٍ خاصٍّ، محاذياً للأرض، حتّى تتّحد الآفاق؛ و تستقرّ في كلّ حين؛ بل بمقتضى سيره الخاصّ حول الأرض أوّلًا؛ و بميله عن معدِّل النَّهار شمالًا و جنوباً على مقدار خمس درجاتٍ ثانياً؛ و بساير العوامل التي ذكرناها في الموسوعة الاولى ثالثاً؛ يختلف مبدءُ طلوعه في أوّل كلّ شهرٍ من الشهور.

  • إذا تمهّد هذا فنقول: إنّ اختلاف حساب الشهور أمرٌ لازمٌ لا مناص و لا مفرّ منه حتّى في الشهور الشمسيّة بأنحاءِ سنواتها في نصف الكرة الأرضيّة.

  • فعلى أساس ما ذكرنا تختلف مبادئ الشهور الشمسيّة في النصف الشرقيّ من قارّة آسيا؛ كالمعظم من أرض سيبيريا و الصين و برمه و تايلند و أندونزي و ويتنام و سوماترا و برنئو و استراليا، بالنسبة إلى النصف الغربيّ من قارّة إمريكا كأرض آلاسكا و المعظم الغربيّ من كانادا و الإيالات المُتَّحدة و مكزيك.

  • فعدد أيّام الأسابيع و الشهور في سكّان الاوَل، مؤخّر عن عدد أيّام الأسابيع و الشهور في سكّان الاخر بيومٍ واحدٍ.

  • فاليوم السابع من حزيران مثلًا بالنسبة إلى هؤلاء، بعينه اليوم الثامن منه بالنسبة إلى أُولئك؛

رسالة حول مسألة رؤية الهلال‏

137
  • و السّبت بالنسبة إلى هؤلاء، هو يوم الجمعة بالنسبة إلى أولئك؛ مع أنّهم مجتمعون تحت ضوءٍ واحدٍ شمسيّ في نهارٍ واحدٍ؛ أو تحت ظلٍّ واحدٍ في ليلةٍ واحدةٍ.

  • و كذلك النواحي الغربيّة من إمريكا الجنوبيّة كأرض ونزوئلا و كلمبيا و برو و شيلي و ارزانتين و المعظم من برزيل، تختلف مع النواحي الشرقيّة من السّيبريا و زلاندو أُستراليا مع اتّحاد نهار سكّانهم و اتّحاد ليلهم.

  • و أمّا في الشهور القمريّة، فلا نحتاج إلى تعيين خطٍّ فرضيّ مارٍّ على القطبين في تعيين مباديها و أيّامها، و إن كان الأمر أيضاً كذلك بالنسبة إلى أعداد أُسبوعها.

  • و ذلك لأنّ مبدء كلّ شهرٍ له تعيُّنٌ واقعيّ خارجيّ؛ و هو خروج الهلال عن تحت الشعاع و ظهوره في الافق، أو نفس خروجه عنه فقط على اختلاف المسلكين.

  • مبدء الشهر لجميع النواحي، يختلف بيوم واحد؛ على كلا القولين‌

  • فعلى كلا التقديرين تختلف مبادئ الشهور بالنسبة إلى جميع النواحي الارضيّة بيومٍ واحدٍ؛ و هذا أيضاً لا مفرّ منه.

  • أما على مسلك الجمهور فابتداء الشهر بالنسبة إلى كلّ بلدٍ إنّما هو بظهور الهلال في أُفقه؛ فإذا خرج الهلال عن الشعاع و صار قابلًا للرؤية بعد غروب الشّمس في ابتداءِ اللّيل، دخل الشهر بالنسبة إليه.

رسالة حول مسألة رؤية الهلال‏

138
  • و أمّا على ما اخترتَ من كفاية الخروج عن الشعاع و رؤيةٍ ما و لو من بعيدٍ، فجميع القطر المظلم اللَّيليّ المشترك مع نقطة أُفق الرُّؤية في ابتداء اللّيل يحسب من أوّل الشهر.

  • فالمبدءُ لدخول الشهر إنّما هو آخر القطر المقابل لُافق الرُّؤية؛ و هي الناحية التي كاد أن ينقضي فيها اللّيل، و يطلع فيها الفجر؛ و كان دخول الشهر بالنسبة إليهم في حالٍ يكون القمر في عين المحاق و يخرج عنه و عن الشعاع بعد اثنتي عشرة ساعةً أو أزيد.

  • أمّا القطر المستنير النَّهاريّ المقابل للقطر المظلم، فابتداء الشهر بالنسبة إلى كلّ ناحيةٍ منه إنّما هو بسبب المواجهة للهلال حين دخوله في اللّيل عند غروب الشّمس بالحركة الدوريّة؛ و ذلك يطول اثنتي عشرة ساعةً أيضاً.

  • فمبدءُ الشهر في النواحي المختلفة الأرضيّة يطول أربع و عشرين ساعةً، المنقسم بليلتين على حسب الآفاق الفوقانيّة و التحتانيّة.

  • و قد علم ممّا ذكرنا أنّ اختلاف مبدء الشهور القمريّة كالشمسيّة ممّا لا مجال لأحد في إنكاره، و لا مناص إلّا من الالتزام به على أيّ مذهب سُلك.

رسالة حول مسألة رؤية الهلال‏

139
  • ناحيةٍ من جانب المغرب من هذه الناحية حتّى تصل الدورة إلى أقرب ناحيةٍ بالنّسبة إلى هذه الناحية من القطر.

  • فلا فرق بين المذهبين من جهة الاختلاف في التاريخ أبداً.

  • و مجرّد أسبقيّة دخول اللّيل في ناحيةٍ تكون مبدئاً للشهر على ما اخترتَ، لا يوجب وحدةً في التاريخ؛ كما أنّ نفس جعل ابتداء الشهر بظهور الهلال في الافق، لاتوجب اختلافاً فيه.

  • لكنّ النكتة الدقيقة التي ذكرناها آنفاً، و هي طلوع الهلال في رأس كلّ شهرٍ في مكانٍ مغاير لما طلع سابقاً تنبِّهنا على سقوط عنوان الفوقانيّة و التَّحتانيّة على ما ذهبتَ إليه، من مسلك عدم لزوم الاشتراك في الآفاق بالمرة.

  • لأنّ الهلال في بدء خروجه عن الشعاع لايطلع دائماً في النواحي المعمورة من الصين و الهند و إيران و العراق و الشام و مصر و الممالك الاوربيّة و الإفريقيّة، حتّى يحكم بدخول الشهر في كلّ ناحيةٍ غشيها ظلمة اللّيل الوحدانيّة؛ و هو جميع هذه النواحي؛ فيحكم باتّحاد مبدءِ الشّهر فيها.

  • و ليست بلدة طهران مركزاً فوقانيّاً للعالم حتّى يطلع الهلال في مشرقه أو مغربه إلى برتغال و إسبانيا من نهاية المعمورة الفوقانيّة، فيتّحد أُفقه مع آفاق سائر البلاد؛ فيحكم بدخول الشهر في جميع النقاط الفوقانيّة من الأرض في ليلةٍ واحدةٍ.

  • و هكذا ليس النّجف الأشرف بهذه المثابة.

  • بل الأرض كرويّة لاتتميّز أصقاعها بعضها عن بعضٍ في الحركة الدوريّة.

  • و ليس طلوع الهلال بأيدينا، فنخرجه عن الشعاع في المعمورة الفوقانيّة دائماً، كي نتمكّن من الحكم بدخول الشهر في جميع النواحي المحيطة بنا من كلّ صوبٍ بلا اختلاف.

  • بل ربّما يطلع في النواحي الغربيّة من الإيالات المتحدة، أو الاقيانوس الكبير، في موضعٍ يكون بُعده عن النجفْ ۱۸۰ درجةً، أعني بفاصل نصف القطر المحيط.

  • فإذن تطول الظلمة الوُحدانيّة اللّيليّة في موضع رؤية الهلال، في الاقيانوس الكبير إلى النواحي الغربيّة من العراق حتّى النجف؛ فيحكم بدخول الشهر في النجف و لا يحكم بدخوله في النواحي الشرقيّة منه، كخانقين و البصرة.

  • فنرى أنّه على ما ذهبتَ إليه ربّما يختلف بالحساب الدقيق مبدء شهر كربلا و

رسالة حول مسألة رؤية الهلال‏

140
  • النجف الاشرف بليلٍ واحدٍ فكيف بساير نواحي العراق و غيرها.

  • و أيضاً على ما ذهبتَ إليه، لابدّ للعلم بمبدء طلوع الهلال في كلّ شهرٍ من محاسبة النواحي الواقعة في نصف القطر المظلم، حتّى يحكم بدخول الشَّهر فيها، و محاسبة النواحي الواقعة بعد القطر المظلم فيحكم بعدم الدخول.

  • و هذه محاسبات دقيقة على أساس الهندسة، يتكفّلها علم الفلك؛ خارجٌ عن محطّ النظر الشرعيّ، فلا يكاد يعبأ به الشارع المبنيّة أحكامُه على المساهلات.

  • بخلاف مذهب الجمهور، من ابتداء كلّ شهرٍ في كلّ ناحيةٍ برؤية الهلال فوق‌أُفقه.

  • المصير إلى كفاية الرؤية الإجمالية لايوجب وحدة التواريخ والشعائر

  • و ممّا ذكرنا يعرف أنّ ما ذكر من أنّ الالتزام بكفاية خروج الهلال عن الشعاع في مبدءِ الشهور، موجبٌ لوحدة حساب الشهور و تاريخها، و مناسبٌ لوحدة شعائرهم المرتبطة بالأيّام و التواريخ، كلامٌ على أساس الإحساس، خالٍ عن التحقيق، خارجٌ عن منطق التعقّل الصّحيح، ساقطٌ من أساسه في الاحتجاجات.

  • هذا ما أردنا بيانه في مسئلة اختلاف التاريخ على كلّ مسلك.

  • الردّ على النقاط الستّ في الجواب عن الموسوعة؛ النقطة الاولى‌

  • و أمّا النقاط الستّ التي حاول فيها الجواب عمّا حرّرنا، فلم يقع واحدٌ من‌الأجوبة موقعه.

  • أمّا النقطة الاولى، فنقول:

  • الفرق بين «العلم» و «التبيّن» عند الاخذ في موضوع الحكم‌

  • كلّ عنوان أُخذ في موضوع حكمٍ شرعيّاً كان أو غيره، يقتضي اعتباره قيداً دخيلًا في الحكم، يثبت الحكم بثبوته و ينتفي بانتفائه؛

  • إلّا فيما دلّت قرينةٌ خاصّةٌ على عدم مدخليّته فيه، كما أنّ السنّة دلّت على عدم دخالة كون الربائب في حجور الرجال في حرمة نكاحهنّ عليهم؛ مع ظهور في الحرمة في بادئ الأمر من قوله عزَّ و جلَّ: {وَ رَبائِبُكُمُ اللَّاتِي فِي حُجُورِكُمْ}.۱

  • أو دلّت قرينةٌ عامّةٌ على عدم المدخليّة، ككثرة ورود القيد في لسان العرف‌العامّ، أو الخاصّ بلا مدخليّة له في الحكم، و كانت الكثرة إلى حدٍّ يصرف الموضوع‌المقيّد عن ظهور دخالة القيد فيه؛ فحينئذٍ يحمل الحكم على نفس الموضوع اللّا بشرط عن وجود القيد و عدمه.

  • و هذا في جملةٍ من الآجال التي أُخذ في موضوع حكمها عنوان نفس العلم أو ما هو بمعناه في كونه كاشفاً صرفاً و طريقاً محضاً مسلّم.

    1. سورة ٤: النساء الآية ٢٣.

رسالة حول مسألة رؤية الهلال‏

141
  • و الشاهد عليه في المحاورات العرفيّة كثيرٌ، و كذلك في المسأئل الفقهيّة.

  • أمّا عنوان التبيّن فليس بهذه المثابة، فضلًا عن الرُّؤية.

  • لأنّ التبيّن ليس مطلق الانكشاف؛ بل الانكشاف الخاصّ، و هو وضوح جميع نواحي المعلوم، و ارتفاع الغيم و الحجاب عن أطرافه، و انجلائه من كلّ جهةٍ، و من كلّ ناحيةٍ، من المقدّمات و المقارنات و الغايات.

  • و كثيراً ما يكون التثبّت في الموضوع و التأنّي فيه دخيلًا في الحكم، و لو مع حصول العلم قبلًا، من المشاهدة و السماع و غيرهما، ممّا يوجب الإطمئنان بدواً؛ و لكن بالتروّي و التثبّت و التأنّي ربّما يزول؛ كما في قوله تعالى: {يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَتَبَيَّنُوا}؛۱ ففي المجمع: أي إذا سافرتم و ذهبتم للغزو فتبيّنوا، أي اطلبوا بيان الأمر و ثباته، و لا تعجلوا فيه.

  • و في قوله تعالى: {يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جاءَكُمْ فاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا}٢؛ و هيهنا بمعنى التحقيق و التثبّت و الفحص في الأطراف، حتّى ينجلي جميع جوانب الأمر بكمال الوضوح.

  • و لهذا فسّره في تاج العروس: بالتثبّت في الأمر و التأنّي فيه.

  • و السِّرُّ في ذلك أنّ الذهاب للغزو و الدفاع المستلزم للقتل و الجرح و ذهاب الأموال و الأسر أمرٌ مهمٌّ في الغاية، لايُعتمد فيه على العلم الحاصل في بادي النظر و الاطمئنان المستفاد من القرائن البدويّة بل لابدّ من التحقيق الكافي و الفحص الوافي، و هذا معنى التبيّن الوارد في موضوع الدليل.

  • و بهذا يعلم أنّ الاستناد بقول المنجّمين في تعيين طلوع الفجر، و البناء على أقوالهم في الصلوة و الصيام غير تامٍّ، لأنّ الله تبارك و تعالى جعل الغاية في الأكل و الشرب في ليالي شهر رمضان، تبيّن النهار و وضوحه قبالًا لللّيل؛ فقال: {كُلُوا وَ اشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ}٣ بحيث يتشخّص في امتداد الافق مثل الخيط الأبيض من طلوع الصباح؛ و يتميّز عن ظلمة اللّيل الممتدّة في السماءِ إلى هذه الناحية.

    1. الآية ٩٤، من السورة ٤: النساء.
    2. الآية ٦، من السورة ٤٩: الحجرات.
    3. الآية ۱۸۷، من السورة ٢: البقرة.

رسالة حول مسألة رؤية الهلال‏

142
  • ففي الكافي روى الكلينيّ قدّه بإسناده عن الحلبيّ قال: سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ اللَهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ عَنِ الخيْطِ الأبْيَضِ مِنَ الخيْطِ الأسْوَدِ. فَقَالَ: «بَيَاضُ النَّهَارِ مِنْ سَوَادِ اللَّيْلِ»‌ (الحديث).

  • و رواه الشيخ في التهذيب بإسناده عن الكلينيّ.

  • و في الكافي أيضاً عن أبي بصير قال: سَألْتُ أَبَا عَبْدِ اللَهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ فَقُلْتُ: مَتَى يَحْرُمُ الطَّعَامُ وَ الشَّرَابُ عَلَى الصَّآئِمِ، و تَحِلُّ الصَّلَوةُ صَلَوةُ الْفَجْرِ؟ فَقَالَ: «إذَا اعْتَرَضَ الْفَجْرُ وَ كَانَ كَالقِبْطِيَّةِ۱ الْبَيْضَآءِ، فَثمّ يَحْرُمُ الطَّعَامُ وَ تحِلُّ الصَّلَوةُ صَلَوةُ الفَجْرِ».

  • قُلْتُ: فَلَسْنَا في وَقْتٍ إلَى أَنْ يَطْلُعَ شُعَاعُ الشَّمْسِ؟ فَقَالَ: «هَيْهَاتَ أَيْنَ تَذْهَبُ؟ تِلْكَ صَلَوةُ الصِّبْيَانِ». و رواه الشيخ في التهذيب بإسناده عن الكلينيّ، و الصدوق في من لايحضره الفقيه عن عاصم بن حُميد عن أبي بصير.

  • و روى الصدوق أيضاً أنّه سُئِلَ الصَّادِقُ عَلَيْهِ السَّلَامُ عَنِ الخيْطِ الأبْيَضِ مِنَ الخيْطِ الأسْوَدِ مِنَ الفَجْرِ؛ فَقَالَ: «بَيَاضُ النَّهَارِ مِنْ سَوَادِ اللَّيْلِ؛ و قال في خبرٍ آخر: و هُوَ الفَجْرُ الذي لَا شَكَّ فِيهِ».

  • و الحاصل أنّ ما جعله الشارع أجلًا لصلوة الفجر و الصيام هو تبيّن الفجر، بحيث كان من الوضوح بمثابة افتراش الافق من ثياب بيض، لايشكّ فيه أحدٌ؛ و هذا التبيّن مع هذا العرض العريض متأخّرٌ عمّا جعله الفلكيّون مبدئاً للفجر بفاصلٍ، و لا يمكن جعله طريقاً و كاشفاً عن أوّل زمان خروج الافق عن الظلّ المخروطيّ إلى فضاء أشعّة الشّمس، و هو بحساب علم الفلك يتحقّق في لحظةٍ.

  • و هذا بخلاف زوال الشّمس عن خطّ نصف النهار المارّ على رأس المصلّي، فإنّه يتحقّق في لحظةٍ واحدةٍ؛ و حيث جعل موضوعاً لصلوة الظهر في قوله تعالى: {أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلى‌ غَسَقِ اللَّيْلِ}،٢ يمكن التعويل عليه إلى القول الفلكيّ مع الوثاقة.

  • و السرّ في جميع ما ذكرناه من الشواهد و الأمثلة، أنّ التبيّن مأخوذ من البيان، و

    1. في مرآة العقول نقل عن الصحاح: أنّ القبط أهل مصر، و القبطيّة ثيابٌ بيضٌ رقاق من كتّان يتخذ بمصر؛ و قد يضمّ لأنهم يغيّرون في النسبة كما قالوا:؛ سُهليّ و دُهريّ انتهى.
    2. الآية ۷۸، من السورة ۱۷: الإسراء.

رسالة حول مسألة رؤية الهلال‏

143
  • هو بمعنى الوضوح و الانجلاء في الغاية؛ و فيه خصوصيّةٌ زائدةٌ عن معنى العلم، و بها يمكن أن يلحظ النظر.

  • ذكر ابن الأثير في النهاية في معنى قوله صلّى الله عليه و آله و سلَّم: «ان من البيان لسحرا»: البيان إظهار المقصود بأبلغ لفظٍ؛ و هو من الفهم و ذكاء القلب؛ و أصله الكشف و الظهور؛ و قيل معناه: إنّ الرجل يكون عليه الحقّ، و هو أقوم بحجّته من خصمه، فيقلب الحقّ ببيانه إلى نفسه لأنّ معنى السحر قلب الشئ في عين الإنسان، و ليس بقلب الأعيان؛ ألا ترى أنّ البليغ يمدح إنساناً حتّى يصرف قلوب السامعين إلى حبّه، ثمّ يذمّه حتّى يصرفها إلى بغضه انتهى. و في مجمع البحرين: و في الحديث: «إنَّ اللَهَ نَصَرَ النَّبِيِّينَ بِالبَيَانِ»، أي بالمعجزة، و بأن ألهمهم و أوحى إليهم بمقدّمات واضحة الدلائل على المدّعى عند الحضم، مؤثّرة في قلبه.

  • و فيه أيضاً: أنزل الله في القرآن تبيان كلّ شئ، أي كشفه و إيضاحه إلى أن قال: و تبيَّن الشئ لي، اذا ظهر عندي و زال خفاه عنّي انتهى.

  • و كم من مورد وردت في القرآن الكريم من هذا الأصل اشتقاقات، مثل تَبيَّنَ و بَيِّن و بيِّنَة و بيِّنات و مُبيِّنَة و مُبَيِّنَات و مُبين و بَيان و تِبْيان و نظائرها؛ في كلٍّ منها لوحظت خصوصيّةٌ للإيضاح و كشف الستر بنحو أتم و أكمل.

  • و محصّل الكلام أنّ التبيّن ليس مرادفاً للفظ العلم بوجهٍ؛ و القرينة العامّة المدّعاة في استعمال لفظ العلم بعنوان الطريقيّة في موضوع الأحكام في الآجال‌غير موجودة فيه.

  • دعوى استعمال «الرؤية» بعنوان الكاشفيّة المحضة، وهم‌

  • و أنكرُ من هذا ادّعاء وجود قرينةٍ عامّةٍ في استعمال لفظ الرُّؤية بعنوان الكاشفيّة المحضة في موضوع الأحكام؛ و دعوى تحقّقها مردودةٌ على مدّعيها. لأنّ للرؤية بمعنى الإبصار الحسّيّ خصوصيّةً ليست في غيرها من طرق الانكشاف؛ فإذا وردت في موضوع دليلٍ عرفي أو شرعيّ؛ ظاهره دخالة هذه الخصوصيّة في استجلاب الحكم؛ فلابدّ من الأخذ بها و جعلها قيداً يدور الحكم معها وجوداً و عدماً؛ إلّا إذا دلّت قرينةٌ خاصّةٌ على عدم دخالتها فيه.

  • و لعلّ المدّعى نظر إلى القرائن الخاصّة في موارد شخصيّة؛ ثمّ تَوهّم منها كثرتها إلى حدٍّ يصرف الكلام عن ظهوره في التقييد؛ أو نظر إلى الرُّؤية التي هي من أفعال القلوب، و هي بمعنى العلم مثل ما ورد في حديث رسول الله صلّى الله عليه و آله و سلّم مع‌

رسالة حول مسألة رؤية الهلال‏

144
  • سلمان الفارسيّ في أشراط الساعة؛ المرويّ عن تفسير القمّيّ، و نظائره‌۱؛ فتوهّمَ أنّ الرُّؤية الحسّيّة أيضاً كذلك؛ و هذا توهُّمٌ باطلٌ؛ و لكلّ منها حكمٌ غير ما للآخر؛ هذا على العموم.

  • و أمّا في المقام يُضاف إلى ذلك‌

  • القرائن الدالّة على موضوعيّة الرؤية

  • أوّلًا كثرة الروايات التي دلّت على دخالة الرُّؤية من الفريقين عن رسول الله صلّى الله عليه و آله و سلّم؛ و كذلك تواتر الروايات الواردة عن الأئمّة المعصومين عليهم السلام‌الصريحة في دخالتها؛ فقد ذكر بعض الأعلام من المشايخ أنها أكثر من أن تعدّ و تحصى؛ و قد فهموا منها مدخليّة الرُّؤية بلا نكيرٍ، و هم من أهل اللسان، العارفون بأساليب الكلام؛ و ذُكر في بعضها دخالة الرُّؤية و حصرها في ثبوت الهلال بلسان النفي و الإثبات؛ مثل قوله عليه السّلام: «لَا تَصُمْ إلَّا أَنْ تَرَاهُ»؛ و قوله عليه السّلام: «لا تَصُمْ إلّا لِلرُّؤْيَةِ»؛ و أدلّ منهما قوله عليه السّلام: «إنَّهُ لَيْسَ عَلَى أهْلِ القِبْلَةِ إلَّا الرُّؤية، وَ لَيْسَ عَلَى المسلِمِينَ إلَّا الرُّؤية».

  • فهَب أيّها المجيب أنّ الشارع يريد مدخليّة الرُّؤية بنحو الموضوعيّة، لا الكاشفيّة المحضة، في مقام الثبوت؛ فهل يتصوّر جملةٌ بليغةٌ، أو كلامٌ بليغٌ؛ أبلغ من هذا الذي أفاده، في مقام الكشف عمّا أراده، في مقام الإثبات؛ فقل لنا ساعدك الله: بأيّ كلامٍ يفهمنا، و بأيّ عبارة يُنبِّهنا؟

  • و العجب كلّ العجب أنّه اعترف في آخر كلامه، بأنّ المستفاد من روايات الصوم الأوّليّة، هو دخالة الرُّؤية بمعنى إناطة الحكم بإمكانيّة الرُّؤية. و مع هذا كان ينكر موضوعيّتها بادّعاء قرينة عامّة و قرائن خاصّة على الكاشفيّة. مع أنّ كلتا الدعويين: دعوى وجود القرينة العامّة، و دعوى وجود قرائن خاصّة، معلولتان.

  • و ثانياً ما هو المشاهد في جميعها أنّهم عليهم السلام سدّوا جميع الطرق المتصوّرة لثبوت الهلال، مثل أماريّة غيبوبة الهلال بعد الشفق، و تطوّقه، و رؤية ظلّ الرأس فيه، و خفائه من المشرق غدوةً على دخول الشهر في اللّيلة الماضية، مع أنّ في بعض منها خصوصاً إذا أُيّدت بالرصد أماريّةً على ثبوت الهلال.

  • لكن الأصحاب فقد رفضوها، و حملوها على التقيّة، حيث إنّ العامّة جعلوها أماراتٍ عليه. و ليس هذا إلّا ممّا فهموه من بناء الشريعة على انحصار أماريّة الرُّؤية.

    1. رواه العلّامة الطباطبائيّ مدّ ظلّه السامي في تفسير الميزان في المجلّد الخامس في ص ٤٣٢ إلى ص ٤٣٥ في ضمن بحثه المختلط من القرآن و الحديث المبدوّ من ص ٤٢۸.

رسالة حول مسألة رؤية الهلال‏

145
  • و ثالثاً ما ورد في كثير من الروايات من إنكار أصحاب الرأي، و هم أصحاب العدد و الجدوال، من الفلكيّين و المنجّمين، و الردّ الشديد عليهم.

  • و ما ربّما يمكن أن يقال أنّ الردّ عليهم إنّما هو لعدم وصول نتيجة محاسباتهم الرصديّة إلى درجة اليقين مدفوعٌ أوّلًا:

  • بأنّ عنوان الرأي ورد في بعض الروايات قسيماً للتظنّي، حيث‌ قال عليه السّلام: «و لَيْسَ بِالرَّأيِ و لَا بِالتَّظَنِّي، وَ لَكِنْ بِالرُّؤية».

  • و ثانياً إنّ المحاسبات الرصديّة المدوّنة في الزّيجات مفيدةٌ للقطع لأصحاب الرصد، لكونها قواعد مضبوطةً على أساس علم الحساب، مبرهنةً ببراهين هندسيّةٍ، منتهيةٍ إلى الحسّ و الوجدان و يحصل القطع لغيرهم إذا عرفهم بالمهارة في فنونهم و الوثاقة في‌أنفسهم.

  • و ثالثاً أنّ مفاد هذه الروايات إطلاق عدم جواز التّعويل على أقوالهم ولو مع اليقين الحاصل. إن قلتَ: لعلّهم عليهم السلام إنّما سدّوا هذا الطريق على الإطلاق، و حصروه في طريقيّة الرُّؤية، لئلّا يقع الخلاف و لا يشتبه الأمر.

  • قلتُ: نعم و لكن هذا عين الإقرار بانحصار طريقيّة الرُّؤية المسأوق للموضوعيّة.

  • ثمّ إنّ كثيراً من الأصحاب ادّعوا الإجماع على انحصار طريقيّة الرُّؤية؛ و ادّعوا خلافه خلاف المذهب و قد نقلنا سابقاً ما ذكره الشيخ رضوان الله عليه في التهذيب؛ و الآن ننقل ما ذكره الشيخ الأجلّ القاضي ابن البَرّاج في كتابه: شرح جمل العلم و العمل‌۱، لشيخه الأعظم: السيّد المرتضى رضوان الله عليهما.

  • كلام القاضي ابن البرّاج (قدّه) حول انحصار طريقيّة الرؤية

  • قال: إعلم أنّ رؤية الهلال هي المعتبر، و الذي عليه يعتمد في الصوم و الفطر و أوائل الشهر و ذلك لم يخالف فيه أحدٌ من المسلمين، إلّا قومٌ من أصحاب الحديث من جملة طائفتان (كذا٢) فإنّهم عوّلوا في ذلك على العدد٣ و شذّوا عن الإجماع‌

    1. طبع هذا الكتاب في مطبعة جامعة المشهد (مشهد الرضا عليه السّلام) في سنة ۱٣٥٢ الهجريّة الشمسيّة و ما نقلناه عنه إنّما هومن ص ۱٦۷ إلى ص ۱۷۰.
    2. يعني أنّ لفظ« طائفتان» ورد في النسخ مرفوعاً.
    3. قال الشهيد الثاني في شرحه لللّمعة: و العدد، و هو عدّ شعبان ناقصاً و رمضان تامّاً أبداً و به فسّره في الدروس و يطلق على عدّ خمسةٍ من هلال الماضي و جعل الخامس أوّل الحاضر و على عدّ شهر تامّاً وآخر ناقصاً مطلقاً و على عدّ تسعة و خمسين من هلال رجب وعلى عدّ كلّ شهرثلا نعم اعتبره بالمعنى الثاني جماعة منهم المصنّف في الدروس مع غمّة الشهور و كلّها مقيّداً بعدّ ستّة في الكبيسة وهو موافق للعادة و به‌روايات و لا بأس به، أمّا لو غمّ شهر و شهران خاصّةً فعدّهما ثلاثين أقوى و فيما زاد نظر من تعارض الاصل و الظاهر، و ظاهر الاصول ترجيح الاصل انتهى (منه عفي عنه).
      ثين والكلّ لاعبرة به

رسالة حول مسألة رؤية الهلال‏

146
  • بهذا المذهب.

  • و خلافهم في هذا غير معتبر؛ لأنّ الإجماع سابقٌ لهم.

  • و جرَوا في فساد ما ذهبوا إليه و شذّوا به عن الإجماع مجرى الخوارج في خلافهم و شذوذهم عن الإجماع السابق لما ذهبوا إليه في (عدم رجم الزاني المحصن فإنّهم ذهبوا إلى ذلك بعد انعقاد الإجماع على)۱ رجمه‌٢.

  • (و كما لايؤثّر خلافهم هذا في صحّة ما انعقد عليه الإجماع)٣ مِن رجم هذا الزاني‌٤، لحدوث هذا المذهب و سبق الإجماع له؛ فكذلك لا يؤثّر خلاف من ذلك إلى العدد فيما لم يعقد عليه الإجماع من صحّة العمل على رؤية الأهلّة؛ لحدوث مذهبهم هذا، و تقدّم الإجماع له.

  • فإن قيل: لم زعمتم أنّ مذهب أهل العدد حادث؟

  • قلنا: لا شبهة فيه، لأنّ القائلين بذلك ما ظهر خلافهم و عملهم به إلّا عند الجدوال‌٥ المنسوب إلى عبد الله بن مسعود (و معاوية)٦؛ و لا شكّ في حدوث ما هذا سبيله.

    1. ما بين الهلالين هو المصحّح من نسخة العالم المحترم: واعظ زاده.
    2. في نسخة العالم المحترم: واعظ زاده ورد مكان رجمه رحمة.
    3. ما بين الهلالين هو المصحّح من نسخة مكتبة مجلس الشورى بطهران.
    4. ظاهراً.
    5. الجدول للقمر عند الفلكيّين حساب سيره في منازله الثمانية و العشرين و تعيين موضعه في أيّ وقت أُريد، فعليه يكون مرادفاً للزيج؛ وفسّره الشهيد الثاني‌عند قول الشهيدالاوّل في اللمعة: و لا عبرة بالجدول: بأنّه‌حساب مخصوصٌ‌مأخوذ من تسيير القمر ومرجعه إلى عدّ شهر تامّاً و شهر ناقصاً في جميع السنة مبتدئاً بالتامّ من المحرّم؛ لعدم ثبوته شرعاً بل ثبوت ما ينافيه و مخالفته مع الشرع للحساب أيضاً لاحتياج تقييده بغير السنة الكبيسة؛ أما فيها فيكون ذوالحجّة تامّاً انتهى. أقول: والسرّ في ذلك أنّ الأزياج مبتنية على الشهور الوسطيّة لا الحقيقيّة ثمّ بضميمية محاسبة التعديلات تصير شهوراً حقيقيّةً فلكيّةً، أمّا الشهور الشرعيّة فالعبرة فيها بنفس الرؤية. هذا ولكنّي لم أجد لفظ الجدوال في واحدٍ من كتب اللغة و النجم و لعلّه مصدر جعليّ على وزن الدِّحراج من مادّة جعليّةٌ هي جَدْوَلَ يجدوِلُ أي عيّن الجدول فعلى هذا يكون خارجاً عن استعمال العرب (منه عفي عنه).
    6. في نسخة مكتبة مجلس الشورى بطهران.

رسالة حول مسألة رؤية الهلال‏

147
  • و أنّ العمل على ما ذكرناه لايجري العلم بتقدّمه على زمان من نُسبت الجدوال إليه، مجرى العلم بالعمل على رواية الأهلّة؛ و لا تقاربه؛ بل و لا يعلم ذلك أصلًا على وجهٍ و لا سبب.

  • فإن قيل: إذا كان العمل على الجدول حادثاً، فما ينكر أن يكون الأمر من الرسول صلّى الله عليه و آله و الإمام بعده في تعريف أوائل الشهور و أواخرها، هو المعتبر في ذلك؟ و عليه العمل؟ قلنا: لو كان ما ذكرتَه صحيحاً لكان النقل به وارداً مورد الحجّة؛ و المعلوم خلاف ذلك.

  • ثمّ إنّ الامّة بين القائلَين؛ فقائل يذهب إلى أنّ المعتبر في معرفة الفطر و أوائل الشهور بالأهلّة و قائل يذهب إلى أنّ المعتبر في ذلك بالعدد؛ و ليس فيهم من يقول إنّ المعتبر في ذلك بما ذكرتَه‌۱؛ و لا يقول أحدٌ عن الرسول صلّى الله عليه و آله و لا عن أحدٍ من الأئمّة عليهم السلام، إنّه قال: أوّل الشهر يوم كذا و الآخر يوم كذا، إلّا ما يذكر من الخبر المتضمّن‌ لقوله عليه السّلام: «يَوْمُ صَوْمِكُمْ يَوْمُ نَحْرِكُمْ»‌٢. و هذا ممّا لا شبهة فيه أنّه لم يرد مورد الحجّة، و ذُكر في هذا المذهب خلاف متقدّم على زمان الجدول و إذا كان كذلك وجب القضاء بفساد ما ذكرتَه.

  • و ممّا يدلّ أيضاً على أنّ المعتبر في معرفة أوائل الشُّهور و الصَّوم و الفطر بالأهلّة، ما هو معلومٌ ضرورةً في شرع الإسلام من فرق المسلمين إلى (أنّ)٣ رؤية الأهلّة في تعريف أوائل الشهور من زمن النبيّ صلّى الله عليه و آله إلى زماننا هذا؛ و أنّه صلّى الله عليه و آله كان يتولّى رؤية الهلال بنفسه و ملتمسه‌٤ و يتصدّى لرؤيته و كذلك المسلمين، و خروجهم إلى المواضع المكشفة، و تأهّبهم كذلك من غير إنكار من أحدٍ له و لا دفعٍ.

  • و ما ثبت عنه صلّى الله عليه و آله ممَّا شرعه من قبول الشَّهادة في لرُّؤيته، و الحكم‌

    1. في نسخة واعظ زاده و في نسخة المكتبة المركزيّة لجامعة طهران ورد مكان ذكرتَه (ذكر به) و المصحّح صحّحه قياساً.
    2. أقول: أورد في تفسير البرهان في ذيل آية {يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ} نقلًا عن السيّد ابن طاووس ره في الإقبال: أنّه قال: و من ذلك (أي من القواعد) ما سمعناه و لم نقف علي اسناده عن أحدهم عليهم السلام: يَوْمُ صَوْمِكُمْ يَوْمُ نَحْرِكُمْ انتهى.
    3. في نسخة المكتبة المركزيّة لجامعة طهران ورد لفظ (أنّ).
    4. ظاهراً: يلتمسه.

رسالة حول مسألة رؤية الهلال‏

148
  • في من شهد بذلك في مصر۱ من الأمصار، و من يرد بالإخبار برؤيته عن خارج المصر و حكم المخبر به و الصحّة و سلامة الخبر ممّا تعرضه من العوارض، و خبر من شهد برؤيته مع التواتر في بعض المواضع.

  • فلولا أنّ المعتبر بالأهلّة، و أنّها أصل الدين، معلوم لجميع المسلمين؛ لما كانت‌٢ الحال في ذلك على ما شرحناه؛ و لكان ذلك عبثاً لو كان الاعتبار بالعدد، و حكايةً٣ لما فائدة فيه؛ و المعلوم خلافه.

  • و يدلّ على ذلك قوله سبحانه: {يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَواقِيتُ لِلنَّاسِ وَ الْحَجِ}‌٤؛ فبيّن سبحانه الأهلّة هي المعتبرة في المواقيت، و الدلالة على أوائل الشهور؛ و ذلك نصٌّ صريحٌ فيما ذهبنا إليه.

  • ألا ترى أنّه علّق التوقيت فيها، و لو كان الذي نعرف به التوقيت هو العدد، لعلّق التوقيت و خصّه به، دون رؤية الأهلّة؛ لأنّ رؤية الأهلّة لا معتبر بها عند العدديّين في تعريف أوقات حجّ و لا غيره.

  • و الهلال إنّما سمّي بهذا الإسم، لرفع الأصوات عند مشاهدته بالتكبير و التهليل؛ و منه يقال: استهلّ الصبيّ إذا أظهر صوته بالصياح عند ولادته؛ و سمّي الشهر لاشتهاره‌٥ بالهلال.

  • فإن قال: بأنّ عدد الأيّام و حساب الشهور و السنين هو المعتبر فيها، و أنّه يغني‌٦ عن الأهلّة، فقد أبطل سمات الأهلّة و الشهور من الموضوعيّة في لسان العرب؛ و من ذهب إلى ذلك وجب ترك الالتفات إلى قوله.

  • و يدلّ على ذلك أيضاً قوله تعالى: {هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِياءً وَ الْقَمَرَ نُوراً وَ قَدَّرَهُ مَنازِلَ لِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَ الْحِسابَ}‌۷.

    1. في نسخ واعظ زاده و المجلس و مكتبة الجامعة ورد لفظ مصري و الظاهر زيادة الياء.
    2. في نسخة المجلس: كا مكان كانت.
    3. في جميع النسخ مكاتباً و صحّحه المصحّح حكايةً.
    4. الآية ۱۸٩، من السورة ٢: البقرة.
    5. في نسخة الجامعة المركزيّة: الإستشهاد مكان لاشتهاره.
    6. في جميع النسخ (يعني) بدل (يغني) و حيث لا معنى له صحّحه المصحّح.
    7. الآية ٥، من السورة ۱۰: يونس.

رسالة حول مسألة رؤية الهلال‏

149
  • (و هذا نصّ منه تعالى على معرفة السنين و الحساب)۱ مرجوع فيها إلى القمر و زيادته و نقصانه، و أنّ العدد لاحظّ٢ له في ذلك.

  • و يدلّ أيضاً على ذلك ما روي عن النبيّ صلّى الله عليه و آله من قوله: «صُومُوا لِرُؤْيَتِهِ و أَفْطِرُوا لِرُؤْيَتِهِ فَإنْ غُمَّ عَلَيْكُمْ فَعَدُّوا ثَلَاثِينَ يوماً».

  • فنصّ عليه السّلام أيضاً صريحاً غير محتمل بأنّ الرُّؤية هي الأصل و العدد تابعٌ لها، و أنّه غير معتبر إلّا بعد عدم الرُّؤية؛ و لو كان المعتبر بالعدد لما علّق الصوم بنفس الرُّؤية؛ و لعلّقه بالعدد؛ و كان يقول: صوموا بالعدد و أفطروا بالعدد؛ و الخبر يمنع ذلك بالأشبه.

  • فإن قيل: كيف تستدلّون بهذا الخبر و هو من الآحاد؛ و عندكم أنّ أخبار الآحاد لا يعوَّل عليها في علمٍ و لا عملٍ.

  • قلناه: إنّما نقول في خبر الواحد بما ذكرتَه إذا لم يقرن به قرينةٌ و لا دلالةٌ تدلّ على صحّته؛ و أمّا ما يقرن به قرينةٌ و تدلّ على صحّته دلالةٌ، فلا بدّ من القول بصحّة مضمونه، للقرينة به.

  • و هذا الخبر و إن كان من أخبار الآحاد، فقد عضّدته قرينةٌ، و هي تلقّي الامّة له بالقبول؛ فصحّ الاستدلال به؛ و هذا ممّا لا يشتبه مثله على أهل العلم.

  • و اعلم أنّه قد ورد في صحّة الصوم و الفطر على رؤية الهلال من الأخبار المتواترة ما يكثر ذكره و يطول إيراده و نحن نورد بعضاً من ذلك ليقف عليه من أهّل نفسه بأُنس الخبر، و يميل إليه أكثر من أُنسه بطرف النظر و ميله إليها. انتهى الموضع أردنا إيراده من كلامه قدّه ثمّ شرع في ذكر الروايات الدالّة على موضوعيّة الرُّؤية و بحث فيها بحثاً تامّاً و ذكر الروايات الدالّة على عدم جواز التعويل على الجدوال و سائر الطرق و الأمارات.

  • و الحقّ أنّه رحمة الله عليه أو في البحث في المقام بما لا مزيد عليه؛ و نحن نقلنا كلامه بطوله لما فيه من جهات التنبيه و الفائدة ما لا يخفي على الخبير.

  • دلالة الروايات المفسّرة للاهلّة، على انحصار مدخليّة الرؤية

  • و ما يدلّ على انحصار دخالة الرُّؤية رابعاً:

    1. ما بين الهلالين ليس في نسخة مكتبة المجلس.
    2. في جميع النسخ (لاحصا له) فصحّحه المصحّح.

رسالة حول مسألة رؤية الهلال‏

150
  • الروايات التي دلّت على أنّ الله تبارك و تعالى جعل الأهلّة مواقيت، في تفسير قوله تعالى: {يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَواقِيتُ لِلنَّاسِ وَ الْحَجِّ}؛ و هذه الروايات مستفيضة.

  • مثل ما رواه العيّايّش في تفسيره عن زياد بن المنذِر، قال: سَمِعْتُ أَبَا جَعْفَرٍ مُحَمَّدَ بْنَ عَلِيّ عَلَيْهِمَا السَّلَامُ، يَقُولُ: «صُمْ حِينَ يَصُومُ النَّاسُ، وَ أَفْطِرْ حِينَ يُفْطِرُ النَّاسُ، فَإنَّ اللَهَ جَعَلَ الأهِلَّةَ مَوَاقِيتَ». و رواه أيضاً الشيخ في التهذيب، و القاضي ابن البرّاج في كتابه: شرح جُمَل العلم و العمل.

  • و ما رواه المفيد في المقنعة عن ابن مُسكان عن أبي بصير عن أبي عبد الله عليه السّلام، قال: سَألْتُهُ عَنِ الأهِلَّةِ، فقَالَ: «أَهِلَّةُ الشُّهُورِ؛ فَإذَا رَأيْتَ الهلالَ فَصُمْ، و إذَا رَأيْتَهُ فَأَفْطِرْ».۱

  • فلولا تكون الرُّؤية طريقاً خاصّاً إلى معرفة الشهور، لما يكون وجهٌ لجعلها مواقيت؛ إذ من السهل اليسير رجوع الناس إلى ما ضبطوه في الجدول كما هو المتعارف اليوم في كثير من البلاد التي جعلوا مدار أوقاتهم على الشهور الشمسيّة؛ و استغنوا عن الأهلّة و مواقيتها.

  • قال الشيخ أبوعليّ الفضل بن الحسن الطَبْرِسيّ في مجمع البيان عند تفسير قوله تعالى: {قُلْ هِيَ مَواقِيتُ لِلنَّاسِ وَ الْحَجِ}‌: و فيه أوضح دلالة على أنّ الصوم لايثبت بالعدد؛ و أنّه يثبت بالهلال؛ لأنّه سبحانه نصّ على أنّ الأهلّة هي المعتبرة في المواقيت، و الدلالة

    1. و ما رواه الكلينيّ في الكافي بإسناده عن الحلبيّ و المفيد في المقنعة عن حمّاد بن عثمان عن أبي عبد الله عليه السّلام قال: إنَّهُ سُئِلَ عَنِ الأهِلَّةِ، فَقَالَ: «هِيَ أَهِلَّةُ الشُّهُورِ فَإذَا رَأَيْتَ الهلالَ فَصُمْ و إذَا رَأَيْتَهُ فَأفْطِرْ». و ما رواه الشيخ في‌التهذيب و الاستبصار بإسناده عن زيد الشحّام عن أبي عبد الله عليه السّلام أَنَّهُ سُئِلَ عَنِ الأهِلَّةِ، فَقَالَ: «هِيَ أَهِلَّةُ الشُّهوُرِ فَإذَا رَأَيْتَ الهلالَ فَصُمْ وإذَا رَأَيْتَهُ فَأَفْطِرْ» (الحديث). ومارواه الشيخ‌أيضاً فيهما بسندين عن الحلبيّ عن أبي عبد الله عليه السّلام أَنَّهُ سُئِلَ عَنِ الأهِلَّةِ فَقَالَ «هِيَ أَهِلَّةُ الشُّهوُرِ فَإذَا رَأَيْتَ فَصُمْ وإذَا رَأَيْتَهُ فَأَفْطِرْ» (الحديث). ومارواه الشيخ‌فيه أيضاً بإسناده عن عبد الله‌بن‌سنان قال سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ اللَهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ عَنِ الأهِلَّةِ فَقَالَ: «هِيَ أَهِلَّةُ الشُّهوُرِ فَإذَا رَأَيْتَ الهلالَ فَصُمْ و إذَا رَأَيْتَهُ فَأفْطِر» (الحديث). و ما رواه الشيخ فيه أيضاً بإسناده عن عمر بن الربيع البصريّ قال: سُئِلَ الصَّادِقُ عَلَيْهِ السَّلَامُ عَنِ الأهِلَّةِ فقَالَ: «هِيَ أَهِلَّةُ الشُّهُورِ إذَا رَأَيْتَ الهلالَ فَصُمْ وإذَا رَأَيْتَهُ فَأفْطِر» (الحديث). ومارواه الشيخ فيه
      أيضاً بإسناده عن عبد الله بن عليّ بن الحسين (الحسن نسخ) عن أبيه عن جعفر بن محمّد عليهما السلام في قوله عزّ و جلّ: {قُلْ هِيَ مَواقِيتُ لِلنَّاسِ وَ الْحَجِ‌} قال: «لِصَوْمِهِمْ و فِطْرِهِمْ وَ حَجِّهِمْ».

رسالة حول مسألة رؤية الهلال‏

151
  • على الشهور؛ فلو كانت الشهور إنّما تعرف بطريق العدد، لخصّ التوقيت بالعدد دون رؤية الأهلّة، لأنّ عند أصحاب العدد لا عبرة برؤية الأهلّة في معرفة المواقيت. انتهى.

  • أقول: و نعم ما أفاد قدّس الله سرّه.

  • فنقول: حمل الرُّؤية في الروايات على الطريقيّة المحضة؛ يساوق إلغاء خصوصيّة الرُّؤية؛ فيناقض الآية المباركة: {قُلْ هِيَ مَواقِيتُ لِلنَّاسِ وَ الْحَجِ}‌.

  • لأنّ الله جعل الأهلّة مواقيت؛ و لا يكون الهلال ميقاتاً إلّا إذا رئي، فالرُّؤية دخيلةٌ في كونها مواقيت فمن أنكر انحصار طريقيّتها، فقد أبطل ميقاتيّتها.

  • فالآية أدلّ دليلٍ على دخالة الرُّؤية على مبادي الشهور؛ كما أنّها أدلّ دليلٍ على بطلان القول بعدم لزوم الاشتراك في الآفاق، و كفاية رؤيةٍ ما ولو من بعيدٍ، أو كفاية الرُّؤية الإمكانيّة؛ فالله جعلها مواقيت للناس جميعاً، لكلّ بلدةٍ لكلّ جيلٍ.

  • و لا معنى لجعل الهلال الخارج عن الشعاع، و القابل للرؤية في إسبانيا ميقاتاً لأهل بلخ و بُخارا و لا الهلال الطالع للأعراب القاطنين في المراكش و الليبيا ميقاتاً للتركمن و الأتراك القاطنين في الصين!

  • فمن التزم بهذا فقد أبطل سمات الأهلّة، و أنكرها مواقيت؛ و من ادّعى عدم تنافيه مع الآية الكريمة، فهل يا ترى إلّا كونه لاعباً بالقرآن العظيم؟

  • الجواب عن الاستدلال لطريقيّة الرؤية بكفاية قيام غيرها مقامها

  • و أمّا ما استدلّ لطريقيّتها المحضة من كفاية قيام البيّنة التي هي تبيّن الواقع كما يشعر به لفظها على ذلك، أو مضيّ ثلاثين يوماً من شعبان ولو لم ير أحدٌ الهلال؛ فيرد عليه:

  • أ وّلًا: أنّ البيّنة، و إن كانت صفةً مشبّهةً من بَانَ يَبينُ فيقال: بَيِّن و بَيِّنَةٌ كسَيِّدٍ و سَيِّدَةٍ من سَادَ يَسُودُ؛ و حيث إنّ موصوفها هي الحجّة، يقال: بيّنة بالتاء؛ أي حجّةٌ واضحة لا خفاء فيها؛ و بهذا المعنى تكون مرادفةً للبرهان.

  • لكنّها حجّةٌ واضحةٌ بالنسبة إلى ما تعلّقت به، لا إلى شئٍ آخر؛ و هذا واضح.

  • فلابدّ من أن يلاحظ متعلّقها في كلّ مورد فيحكم بثبوته في متن الواقع بالتعبّد؛ كما يحكم بالثبوت فيما إذا تعلّق به القطع الوجدانيّ.

  • و في المقام إذا فرض دلالة النصوص و الفتاوى على كفاية البيّنة القائمة على دخول الشهر، أو على خروج الهلال عن الشعاع، أو على وجوده في الافق، كان لما أُفيد من دلالة البيّنة على طريقيّة المحضة للرؤية وجهٌ؛ لقيامها مقام الرُّؤية؛ فكلّ واحدٍ من‌

رسالة حول مسألة رؤية الهلال‏

152
  • الرُّؤية و الأمارة دليلٌ على ثبوت الواقع حينئذٍ؛

  • لكنّه ليس كذلك؛ بل أطبق النصّ و الفتوى و ادّعي الإجماع على كفاية البيّنة القائمة على رؤية الهلال ليس غير.۱

  • فحينئذٍ ليست الرُّؤية و البيّنة متسابقان إلى إثبات الواقع؛ أحدهما وجداناً و الآخر تعبّداً.

  • بل الرُّؤية الوجدانيّة تعلّقت بوجود الهلال، و البيّنة تعلّقت بالرُّؤية؛ فتعلّقت بالمتعلِّق بالكسر لا بالفتح.

  • و مفادها تنزيل الرُّؤية التعبّديّة مقام الرُّؤية الوجدانيّة؛ و توسيع دائرة الرُّؤية إلى الأعمّ منهما بتوسعة دائرة الرُّؤية التي هي عبارةٌ عن الإبصار بالعيون المتصلة، بالإبصار بالعيون المنفصلة بالجعل التشريعيّ.

  • و هذا معنى حكومة أخبار البيّنة على أخبار الرُّؤية.

  • و هنا محلّ الدقّة و النظر؛ فإنّه من مزالّ الأقدام؛ حيث اشتبه الأمر على كثيرٍ من أهل العلم، فادّعوا طريقيّة الرُّؤية المحضة، بادّعاءِ قيام الأمارات مقامها؛ و لم يتنبّهوا للاختلاف بين متعلّقيهما.

  • و ثانياً المستند في حجيّة البيّنة في هلال شهر رمضان هو الروايات الخاصّة الواردة في المقام، الدالّة على قيام البيّنة مقام الرُّؤية؛ و هي كثيرة، فإذن لا دلالة لها على الطريقيّة المحضة و الكاشفيّة الصرفة للرؤية إذ جعْل الرُّؤية طريقاً واحداً و كاشفاً فارداً عن الهلال في مقام الثبوت، و مع ذلك توسيع هذه الدائرة بالرُّؤية التعبّديّة الحاصلة بالبيّنة في مقام الإثبات بالنصوص الخاصّة، ممّا لا مانع منه.

  • و قد دلّت الأخبار المستفيضة، بل المتواترة على طريقيّتها المنحصرة؛ و بعبارة أُخرى على جزئيّتها للموضوع على نحو الكاشفيّة؛ و دلّت الرِّوايات على كفاية الرُّؤية التعبّديّة في مقام الإثبات.

  • نعم لو قامت البيّنة على غير الرُّؤية، بل على دخول الشهر المستند إلى التطوّق، أو الارتفاع، أو الجدول و الزيج، أو قول الرصديّ و نحو ذلك؛ و استندنا على حجّيّتها بعمومات‌

    1. - و اعترف به الاستاد نفسه مدَّ ظله على ما في رسالة المنهاج ج ۱ ص ٢۸۰ حيث قال: و لا (اي و لا يثبت الهلال) بشهادة العدلين إذا لم يشهدا بالرؤية.

رسالة حول مسألة رؤية الهلال‏

153
  • أدلّة حجيّة البيّنة في الموضوعات كرواية۱ مَسعَدة بن صَدَقة، و علقمة٢، و غيرهما، و الإجماع المدّعى في المقام؛ كان لنا شاهداً على كاشفيّتها المحضة.

  • لكنّك عرفت أنّه لا مجال لحجّيّة مثل هذه البيّنة بعد إطباق الإجماع و النصوص و الفتاوى على حجيّة البيّنة القائمة على خصوص الرُّؤية، ليس غير.

  • الردّ على الاستدلال لطريقيّة الرؤية بلزوم القضاء يوم الشكّ‌

  • و أمّا الاستدلال بطريقيّتها المحضة من ثبوت لزوم القضاء يوم الشَّكّ الذي أُفطر فيه، لعدم طريقٍ له إلى ثبوت الهلال، فتبيّن بعد ذلك بالبيّنة أو الرُّؤية ليلة التاسع و العشرين من صومه وجود الشهر يوم إفطاره فسيرد عليه ما أوردنا سابقاً، من أنّ الرُّؤية أو البيّنة ليلة التاسع و العشرين كاشفةٌ عن ثبوت الفطر أوّلًا و عن ثبوت الهلال قبل مضيّ‌

    1. و هي مارواه في الوسائل في كتاب التجارة في الباب الرابع من أبواب ما يُكتسب به عن الصدوق و عن الشيخ بإسنادهما عن عليّ بن إبراهيم عن هارون بن مسلم عن مسعدة بن صدقة عن أبي عبد الله عليه السلام قال: «سَمِعْتُهُ يَقولُ: كُلُّ شَي‌ءٍ هُوَ لَكَ حَلالٌ حَتَّى تَعْلَمَ أَنَّهُ حَرامٌ بِعَيْنِهِ فَتَدَعَهُ مِنْ قِبَلِ نَفْسِكَ، وَذَلِكَ مِثْلُ الثَّوْبِ يَكونُ عَلَيْكَ وَقَدِ اشْتَرَيْتَهُ وَهُوَ سَرِقَةٌوَالممْلوكِ عِنْدَكَ لَعَلَّهُ حُرٌّ قَدْ باعَ نَفْسَهَ أوْخُدِعَ فَبِيعَ قَهْرًا أوِ امْرَأَةٍ تَحْتَكَ وَ هِيَ أُخْتُكَ أوْ رَضيعَتُكَ وَ الاشْيَاءُ كُلُّها عَلَى هَذا حَتَّى يَسْتَبينَ لَكَ غَيْرُ ذَلِكَ أوْ تَقومَ بِهِ البَيِّنَةُ».
    2. و هي ما رواه في الوسائل في كتاب القضاء في الباب الواحد و الأربعين من أبواب الشهادات عن كتاب عرض المجالس بإسناده عن علقمة قال قالَ الصَّادِقُ عَلَيْهِ السَّلامُ و قَدْ قُلْتُ لَهُ يا ابْنَ رَسولِ اللَهِ أخْبِرْني عَمَّنْ تُقْبَلُ شَهادَتُهُ وَ مَنْ لاتُقْبَلُ فَقالَ: «يا عَلْقَمَةُ! كُلُّ مَنْ كانَ عَلَى فِطْرَةِ الإسلامِ جازَتْ شَهادَتُهُ. قالَ: فَقُلْتُ لَهُ: تُقبَلُ شَهادَةُ مُقْتَرِفٍ بِالذُّنوبِ؟ فَقالَ: «يا عَلْقَمَةُ لَوْ لم تُقْبَلْ شَهادَةُ المعتَرِفِينَ لِلذُّنُوبِ لما قُبِلَتْ إلَّا شَهادَةُ الأنْبِياءِ وَ الاوْصِياءِ عَلَيْهِمُ السَّلامُ لِانَّهُمُ المعْصُومونَ دونَ سائِر الخلْقِ».
      فَمَنْ لم‌تَرَهُ بِعَيْنِكَ يَرْتَكِبُ ذَنْبًا أوْلم‌يَشْهَدْ عَلَيْهِ بِذَلِكَ شاهِدانِ فَهُوَ مِنْ أهْلِ العَدالَةِ وَالسِّتْرِوشَهادَتُهُ مَقْبولَةٌ؛ و إنْ كَانَ في نَفْسِهِ مُذْنِباً و مَنِ اغْتابَهُ بِما فيهِ فَهُوَ خارِجٌ مِنْ وِلَايَةِ اللَهِ داخِلٌ في وِلايَةِ الشَّيْطَانِ، و لَقَدْ حَدَّثَني أَبي عَنْ أبيهِ عَنْ آبائِهِ أنَّ رَسولَ اللَهِ صَلَّى اللَهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ قالَ: مَنِ اغْتابَ مُؤْمِناًبِما فيهِ لم يجمَعِ اللَهُ بَيْنَهُما في الْجَنَّةِ و مَنِ اغْتابَ مُؤْمِناً بِما لَيْسَ فِيهِ فَقَدِ انْقَطَعَتِ العِصْمَةُ بَيْنَهُما و كانَ المغْتابُ في النَّارِ خالِداً فِيهَا و بِئْسَ المَصِيرُ».
      قالَ عَلْقَمَةُ: فَقُلْتُ لِلصَّادِقِ عَلَيْهِ السَّلامُ: إنَّ النّاسَ يَنْسُبونَنا إلَى عَظائِمِ الامورِ وَ قَدْ ضاقَتْ بِذَلِكَ صُدورُنا فَقالَ عَلَيْهِ السَّلامُ: «إنَّ رِضا النَّاسِ لا يملَكُ وَ ألْسِنَتُهُمْ لا تُضْبَطُ و كَيْفَ تَسْلَمونَ ممّا لم يَسْلَمْ مِنْهُ أنْبِياءُ اللَهِ و رُسُلُهُ» (الحديث).
      وقد نقلنا هذا الحديث بطوله لما فيه من جهات الفائدة الصادرة من معدن العلم والحكمة؛ رزقنا الله التعلّم و التفهّم.

رسالة حول مسألة رؤية الهلال‏

154
  • تسعة و عشرين يوماً من رؤيته ثانياً.

  • لأنّ مبنى حجّيّة الأمارة ليس على التنزيل، أو على جعل المؤدّي منزلة الواقع؛ بل على ما هو المحقّق في الاصول و بنى عليه مشايخنا المحقّقون، منهم أُستاذنا العلّامة الخوئيّ أدام الله أيّام بركاته، من باب تتميم الكشف الناقص تعبّداً، و جعلها بمثابة اليقين في عالم الاعتبار، فإذن نفس الرُّؤية الوجدانيّة، أو الرُّؤية التعبّديّة توجب لنا قضاء يوم الشكّ، لمكان محرزيّتهما و كشفهما عن ثبوت الهلال ليلة الثلاثين من شعبان.

  • و ليس هذا مجرّد إمكان التنزيل و الحكومة في مقام الثبوت كما أُفيد؛ بل الكافل لهذه الحكومة و التنزيل في مقام الإثبات هو نفس أدلّة حجّيّة البيّنات.

  • و قد ثبت في الاصول أنّ الأمارت و الاصول التنزيليّة، لها حكومةٌ على العلم الذي أُخذ في الموضوع على وجه الطريقيّة، بنفس أدلّة حجّيّتها.

  • و أمّا ما أُفيد من أنّ عنوان الشهر الذي أُنيط به الحكم بوجوب الصوم أمرٌ عرفي؛ و ليس من مستحدثات الشارع و الشهر عند العرف أمرٌ واقعيّ ليس للرؤية دخلٌ فيه إلّا بنحو الطريقيّة المحضة.

  • فيرد عليه أنّ للشارع دخلًا في الموضوعات العرفيّة التي يريد أن يرتّب عليها الأحكام، بإدخال بعض القيود في التوسعة و التضييق.

  • مثل عنوان السفر و الحضر؛ فتصير حينئذٍ موضوعاتٍ شرعيّة لما يترتّب عليها من الأحكام.

  • كما أنّ له نصب طريقٍ خاصّ بالنسبة إلى موضوعٍ واقعيّ خارجيّ؛ مثل الإقرار أربع شهادات أو شهادة أربعة شهود في إثبات الزنا، و الإقرار أو البيّنة أو القسامة مع اللوث، في إثبات القتل، و الحكم بمضيّ شهادة النساء فيما يتعلّق بهنّ و في الوصايا و الأموال دون رؤية الهلال.

  • و الشهر و إن كان موضوعاً خارجيّاً، و عنوانه المحمول عرفيّاً؛ إلّا أنّ الشارع نصب طريقاً خاصّاً إلى إحرازه، و هو الرُّؤية، و لا يرضى بإحرازه من غير هذا الطريق.

  • فلهذه المناسبة صارت الرُّؤية دخيلةً في تحقّق الشهر بما يرتِّب عليه الشارع من الأحكام؛ فتصير جزئاً للموضوع على نحو الطريقيّة الخاصّة المعبّر عنها بالموضوعيّة أو الصفتيّة.

  • فيصير الشهر شهراً قمريّاً هلاليّاً شرعيّاً؛ في قبال الشهر القمريّ الحسابيّ،

رسالة حول مسألة رؤية الهلال‏

155
  • و الشهر القمريّ الوَسَطيّ، و الشهر القمريّ الهلاليّ الفلكيّ.

  • فما ترى في التقاويم المدوّنة، المستنتجة من الزيجات المستخرجة من الأرصاد، من تعيين الشهور، و مباديها و خواتيمها إنّما هي الشهور الهلاليّة النجوميّة؛ لا عبرة بها عند الشارع.

  • فالعبرة بتحقّق الرُّؤية الخارجيّة الفعليّة، و بها يصير الشهر هلاليّاً شرعيّاً، تدور عليه الأحكام.

  • الكلام حول النقطة الثانية

  • و أمّا النقطة الثانية، فنقول: قد برهنّا في الموسوعة الاولى على أنّ القمر في مبادي الشهور بعد خروجه عن المقارنة، و هي المحاق، لابدّ و أن يسير في مداره إلى حدّ يصير قطره المنوّر الهلاليّ قابلًا للرؤية و هذه المدّة تسمّى تحت الشعاع.

  • فإذا خرج عن هذا الحدّ يصير قابلًا للرؤية؛ لأنّ المانع منها ليس إلّا محق نوره تحت احتجابه عن الشّمس فبخروجه يرتفع المانع؛ فيراه كلّ أحدٍ بعينٍ مجرّدةٍ عاديّةٍ في أوّل مبدء اللّيل.

  • و مسيره هذا في المدار لايقلّ من اثنتي عشرة درجةً من المقارنة؛ يطول أربعاً و عشرين ساعةً على أقلّ تقدير و هو نصف مجموع حالة المحاق و تحت الشعاع كلّا و هي أربع و عشرون درجةً، البالغ زمان مكثه، ثماني و أربعين ساعةً.

  • فمدّة زمان الخروج عن الشعاع هي عين زمان سيره في المدار عن المقارنة و ما في حكمها في محق نوره.

  • و لا يحتاج بعد إلى سيره و بلوغه في الافق مرتبةً يمكن للعين المجرّدة رؤيته، و هذا واضحٌ لمن له أدنى خبرةٍ بعلم النجوم.

  • فالقمر بمجرّد خروجه عن الشعاع يكون قابلًا للرؤية في نقطةٍ ما؛ و هي أقرب أُفقٍ من الآفاق الأرضيّة بالنسبة إليه في مغرب الشّمس؛ و قبله‌لايكون‌قابلًا لهاو لوبالآلات و الأجهزة.

  • لأنّ الآلات لا تقدر على إرائة الهلال حال كونه تحت الشعاع، بإرائة القطر المنوّر الدقيق جدّاً، و لا على إرائة الهلال الواقع تحت الافق.

  • بل إنّما تقدر على رفع حجاب الغيم و الأغبرة الدخانيّة و المائيّة و ما شابهها.

  • فالمحاسبات الفلكيّة لتعيين زمان رؤية القمر عند خروجه عن الشعاع ليس إلّا لتعيين زمان ظهور الهلال، و تكوّنه و بلوغه مرتبةً قابلةً للرؤية للعين المجرّدة.

  • و قد تبيّن بما ذكرناه أنّ كلّ ما أُفيد فيهذه النقطة ممّا لا طائل تحته.

رسالة حول مسألة رؤية الهلال‏

156
  • هذا ثمّ إنّ ما أوردناه على الطريقيّة المحضة لرؤية الهلال إنّما هو على طريقيّتها المحضة لهذه المرتبة؛ فقد برهنّا على أنّ ما هو المستفاد من الكتاب و السنّة و الإجماع المدّعى، طريقيّتها المنحصرة للهلال البالغ لهذه المرتبة القابلة للرؤية؛

  • و معنى طريقيّتها الانحصاريّة، دخالتها في ترتّب الأحكام الشرعيّة بما هي رؤية و طريق خاصٌّ و كاشفٌ مخصوصٌ؛ و هذا عين معنى الموضوعيّة.

  • محطّ الطريقيّة والموضوعيّة كلتيهما هو كون القمر قابلًا للرؤية

  • و لم نعطف محطّ الطريقيّة إلى كون الهلال في مرتبةٍ غير قابلةٍ للرؤية، كحال خروجه عن الشعاع على ما تُوهّم، و محطّ الموضوعيّة إلى كونه في مرتبة قابلة لها، حتّى يختلف مورداهما كما أُفيد.

  • بل محطّها على كلا المسلكين واحدٌ؛ إنّا برهنّا على كون الهلال طريقاً انحصاريّاً لدخول الشهر إذا رئي في الافق، و الاستاذ ذهب إلى كونه طريقاً محضاً إلى خروجه عن تحت الشعاع.

  • ثمّ إنّ ما هو دخيل في الشهور، الرُّؤية الفعليّة؛ و هي الظاهرة من النصوص‌و الفتاوى و الإجماع المدّعى؛ و هي محطّ النظر و الآراءِ؛ و المعتمد عليها عند الأصحاب‌الإماميّة رضوان الله عليهم؛ و صريح الشيخ و الفاضلَين و الجمهور. و أمّا الرُّؤية التقديريّة فهي بمنزلة العدم.

  • فإذن نلتزم بعدم دخول الشهر و لو علم بوجود الهلال فوق الافق بالتطوّق و الارتفاع و رؤية ظلّ الرأس و ما شابهها و لو فيما يوجب العلم، و كذا بالقول الرصديّ، و بالأجهزة الحديثة إذا خرقت حجاب الغيم، و بقول معصوم مفيدٍ لليقين.

  • لأنّ المعصوم لايخبرنا بدخول الشهر مع فرض كونه مترتّباً على الرُّؤية و لما تتحقّق و لما يتم الموضوع؛ بل يخبرنا بوجود الهلال فقط بلا رؤيةٍ على الفرض.

  • فهو أيضاً لا يُرتّب على نفسه الأحكام المترتّبة على دخول الشهر من الصيام و نحوه؛ مع علمه بوجود الهلال و إخباره لنا به؛ فكيف بصيامنا و نحوه؛ و لا بُعد في هذا.

  • و من خالفكم إنّما يخالف في كبرى المسئلة؛ و أمّا الصغرى فكثيراً ما يحصل العلم بوجود الهلال مع المحاسبات الدقيقة الرياضيّة الهندسيّة، المساوقة للبداهة و الوجدان؛ خصوصاً في هذه الآونة التي انتهت دقّة المحاسبات الرصديّة إلى الواحد من عشرة آلاف جزءٍ من الثانية ۱۰۰۰۰/ ۱

  • تنبيهٌ و تبصرةٌ: إنّ محطّ خلافنا الأصليّ مع الاستاذ مدّ ظلّه السامي إنّما هو في‌

رسالة حول مسألة رؤية الهلال‏

157
  • لزوم الاشتراك في الآفاق في رؤية الهلال، الراجع إلى لزوم كون الهلال فوق الافق في كلّ ناحيةٍ و ما حواها؛ و عدم اللزوم الراجع إلى كفاية خروجه عن تحت الشعاع.

  • و في كلّ واحدٍ من المسلكين يمكن أن يُتصوّر ثبوتاً دخالة الرُّؤية على وجه الطريقيّة، أو على وجه الموضوعيّة كما يمكن أن يَذهب إثباتاً، كلُّ واحدٍ من الطرفين إلى دخالتها على وجه الطريقيّة، أو على وجه الموضوعيّة فلا يلازم القول بلزوم الاشتراك مع القول بالموضوعيّة، كما لا يلازم القول بعدم اللزوم القول بالطريقيّة.

  • لكن لما انجرّ البحث إلى كيفيّة دخالة الرُّؤية إثباتاً، أردنا في طيّ هذه المباحث أن نستدلّ على طريقيّتها الانحصاريّة المعبّر عنها بالموضوعيّة، تتميماً للبحث.

  • الكلام حول النقطة الثالثة

  • و أمّا النقطة الثالثة فنقول: إنّ للقمر بعد دخوله في الشعاع إلى أن يخرج منه إلى أن يصير قابلًا للرؤية في ناحيةٍ معيّنةٍ ثلاثَ حالات.

  • الحالة الاولى، حال المقارنة مع الشّمس؛ فتنطبق الدائرة الظاهرة منه على الدائرة المستضيئة من شعاع الشّمس؛ فلا يرى، لأنّ نصفه الذي يسامت الأرض مظلم؛ و هذه الحالة تسمّى بالمحاق.

  • الحالة الثانية، حالة كونه تحت الشعاع؛ فهي فيما إذا خرج عن المقارنة؛ و حينئذٍ لابدّ و أن يرى على شكل هلالٍ ضعيف، كالخيط الدقيق في غاية الدقّة؛ لكن أبصارنا لا تقدر على رؤيته و هو على هذه الدقّة و الضعف، إلى أن يسير في المدار، و يبعد عن الشّمس، حتّى يكبر هذا الخيط بابتعاده عنها، و يصير القطر المنوّر له قابلًا للرؤية بشكل الهلال؛ و هذه الحالة تسمّى تحت الشعاع.

  • الحالة الثالثة، حالة خروجه عن الشعاع؛ فإذن إمّا أن يقارن و هو في هذه الحالة غروبَ الشّمس بالنسبة إلى هذه الناحية؛ فيرى لامحالة بشكل الهلال؛ و لا يحتاج بعد إلي‌سيره في المدار، أو سير الأرض نحو المشرق حتّى يصل إلى أُفق تلك المنطقة حين غروب الشّمس.

  • لأنّا فرضنا تقارن خروجه عن الشعاع مع غروب الشّمس بالنسبة إليها؛ و ليس معنى خروجه عن الشعاع إلّا صيرورته قابلًا للرؤية.

  • و أمّا أن لايقارن، بل خرج عن الشعاع و لما تغرب الشّمس عن هذه الناحية؛ فالرُّؤية حينئذٍ غير ممكنةٍ لأنّ الأشعّة القاهرة الشمسيّة تمنعنا عن الرُّؤية.

  • فلابدّ و أن تسير الأرض نحو المشرق إلى حدٍّ تغيب الشّمس تحت الافق، فتطابَقَ المغربان و الافقان مغرب القمر و مغرب الشّمس؛ و دائرة انعكاس نور القمر على سطح‌

رسالة حول مسألة رؤية الهلال‏

158
  • الأرض و دائرة انعكاس شعاع الشّمس عليه؛ بمعنى غروب الشّمس قبل غروب القمر حتّى تكون دائرة انعكاس نور القمر على الأرض خارجةً عن دائرة انعكاس شعاع الشّمس عليها.

  • ففي هذه الحالة حيثما يكون الرائي في داخل دائرة انعكاس نور القمر و خارجاً عن دائرة انعكاس شعاع الشّمس يرى الهلال بالسهولة.

  • إذا عُلم هذا فنقول: قد ذكرنا سابقاً أنّ الأرض كرويّةٌ، لا يتميّز بعض أصقاعها عن بعض؛ و هي مع ذلك تدور حول نفسها مرّةً واحدةً في أربع و عشرين ساعةً.

  • فلا تمرّ لحظة من الأرض إلّا و ناحيةٌ منها تكون مقارنةً لغروب الشّمس في ناحيةٍ، برٍّ أو بحرٍّ، سهلٍ أو جبلٍ؛ بمعنى اختفائها تحت أُفق هذه الناحية، بخروج دائرة انعكاس ضوئها عنها؛ فإذا خرج القمر عن الشعاع في أيّ لحظةٍ فرض، فلابدّ و أن يكون زمان ذلك الخروج مقارناً مع غروب الشّمس في ناحيةٍ ما؛ فتنطبق دائرة نوره المنعكس على الأرض على هذه الناحية لا محالة؛ فيصير قابلًا للرؤية بلا إشكال.

  • ثمّ نقول: لما كان الخروج عن الشعاع معيّناً في العلوم الفلكيّة في كلّ شهر في غاية الدقّة؛ و هذا الخروج يكون مقارناً مع غروب الشّمس في ناحيةٍ ما بالضرورة؛ فإذن يصير الهلال قابلًا للرؤية في ناحيةٍ ما بعد نفس خروجه عن الشعاع بلا ريب.

  • فإذا جعلنا الرُّؤية طريقاً محضاً، و كاشفةً صرفةً يلزم أن يكون الشهر الشرعيّ مساوقاً مع الشهر الفلكيّ دائماً فإذن تسقط الشهور المبدوّة بالرُّؤية، و يصير الميزان الشهور الفلكيّة المبنيّة على الجدول أو الحساب أو العدد، و قد ذكرنا أنّه مخالف لإجماع المذهب، و مخالف لصريح النصوص المتواترة و الفتاوى بلا شبهةٍ و إشكالٍ.

  • و هذا محلّ إمعان النظر و الدقّة، فإنّ بحثنا هذا في غاية الدقّة.

  • لكن المورد لم يتأمّل مغزى ما أردناه، فأشكل بأنّ نقطة الخروج عن الشعاع لا يلازم إمكانيّة الرُّؤية و لا يلازم بلوغ القمر إلى تلك النقطة، بحيث يكون قابلًا للرؤية، بل يمكن أن يكون الوقت فيه نهاراً فلا يزال القمر في الآفاق و الدوائر الأرضيّة التي تقابل ضوء الشّمس حتّى تغرب؛ و لم يعرف بأنّا لم نعيّن ناحية الرُّؤية نقطةً خاصّةً حتّى يرد علينا ما وَرد، بإمكان كونها نهاراً، و لا يُرى القمر فيها إلّا إذا تطابق الافقان و المغربان.

  • بل ذكرنا ناحيةً ما، أي ناحيةً غير مشخّصة؛ فالأرض بحركتها الدوريّة في كلّ لحظة تقارن غروب الشّمس في ناحيةٍ غير مشخّصةٍ من أيّ النواحي.

رسالة حول مسألة رؤية الهلال‏

159
  • فإذا خرج القمر عن الشعاع في أيّ لحظةٍ فرضت، يقارن هذه الناحية بالضرورة الكونيّة.

  • فنفس الخروج عن الشعاع وحده تُحقّق إمكانيّة الرُّؤية؛ و لا معنى لترقّب زوال أشعّة الشّمس عن المنطقة التي غربت عنها الشّمس.

  • الجواب عن النقطة الرابعة

  • و أمّا النقطة الرابعة، و هي عدم محدوديّة الآفاق المشتركة موضوعاً، لا زماناً و لا مكاناً؛

  • فنقول: أوّلًا إنّ مجرّد عدم محدوديّتها، و اختلافها في الخارج في الشهور المختلفة، لا يوجب رفع اليد عن الحكم الثابت بالأدلّة؛ فهل يا ترى يمكن أن يلتزم فقيهٌ برفض الحكم و إبطاله بتّاً فيما إذا كان موضوعه غير مشخّص و لا محدّدٍ عنده؛ و يلتزم بعموميّة الحكم لموضوع كلّيّ يندرج تحته جميع جزئيّاته: هذا الموضوع غير المحدّد و غيره؟ فإذا دلّ الدّليل على موضوعيّة الرُّؤية لدخول الشهور القمريّة؛ ثمّ دلّ الدليل على لزوم القضاء في مصر لم تتحقّق فيه الرُّؤية؛ لا يكون لنا مناصٌ إلّا الالتزام باتّحاد الآفاق المشتركة في الرُّؤية بالحكومة الشرعيّة، و الحكم بسعة دائرة الرُّؤية بالنسبة إليها تعبّداً، بعين ما نحكم بسعة دائرة الرُّؤية في بلدةٍ واحدةٍ حقيقةً، إذا رئي الهلال في ناحيةٍ منها و لم يُرَ في أُخرى.

  • و هذا أحسن تقريب بأحسن بيان أوردناه في المقام على كيفيّة الحكومة و توسيع دائرة الرُّؤية؛ بحيث لم يُرفض اليد عن الروايات الناصّة في دخالة الرُّؤية، و لم يلزم التخصيص فيها كما التزم به العلّامة في التذكرة.

  • و ذلك لأنّا لو خلّينا و أنفسنا مع خصوص ما دلّ على لزوم الرُّؤية في الشهور، لحكمنا بلزومها في كلّ بلدةٍ بلدةٍ؛ و لو خلّينا و أنفسنا مع خصوص ما دلّ على لزوم القضاءِ في ما لم تتحقّق الرُّؤية، و لم تكن في البين الأدلّة الناصّة على لزوم الرُّؤية، لذهبنا إلى الشهور الفلكيّة، و حكمنا بعدم لزوم الاشتراك في الآفاق بلا تأمّلٍ. فالجمع بين هاتين الطائفتين من الروايات لا يجعل لنا مخرجاً و لا مفرّاً إلّا الالتزام بما يترتّب على أحكام الرُّؤية في كلّ ناحية يكون الهلال موجوداً في أُفقه، و كان المانع من الرُّؤية وجود جبلٍ أو سحابٍ أو غيمٍ و نحو ذلك، و ترتُّبَ الآثار الشرعيّة من الصيام ونحوه على تلك الآفاق؛ و عدم الالتزام به فيما إذا كان الهلال لا يكون موجوداً في أُفقه حين دخول اللّيل في تلك الناحية بغيبوبة الشّمس تحت أُفقها.

رسالة حول مسألة رؤية الهلال‏

160
  • و بعبارة أُخرى: إنّ ما هو لازم في الحكم بدخول الشهر هو الرُّؤية الفعليّة إجمالًا، و الرُّؤية الإمكانيّة تفصيلًا لكلّ مكان.

  • فمن مطاوي هذا البحث تولّد عنوان الاشتراك في الآفاق، و عنوان عدم الاشتراك، تولّداً طبيعيّاً.

  • و ثانياً، قد بحثنا بما لا مزيد عليه، في الموسوعة الاولى، من آخرصفحة ٤٣، إلى آخر صفحة ٤٥ في كيفيّة تعيين الضابطة الكلّيّة.

  • فبرهنّا على أنّ الآفاق المشتركة عبارة عن جميع البلاد الغربيّة القريبة العرض بالنسبة إلى مطلع القمر و جميع البلاد الشرقيّة التي كانت مشتركةً في إمكان الرُّؤية مع بلدٍ الرُّؤية، و لو بلحظةٍ، الواقعة في الطول الجغرافيائي بمسافة اثنتين و ثلاثين دقيقةً زماناً؛ و هي البالغة بأزيد من مأة و ستّين فرسخاً.۱

  • و ثالثاً، إنّ رؤية الهلال في الآفاق المتحدة ليست موضوعاً واحداً لتكليفٍ شخصيّ، حتّى يوجب اختلافها في الشهور زماناً و مكاناً، الإبهام و الإجمال في التكليف.

  • و ذلك، لأنّ التكاليف العامّة تنقسم على كلّ واحدٍ من آحاد المكلّفين على حسب القضيّة الحقيقيّة و معلوم أن لا إبهام و لا إجمال في تكليف كلّ فردٍ بالنسبة إلى نفسه؛ لأنّه إذا كان الهلال مشاهداً في أُفقه، أو علم بمشاهدته في أُفق قريب، يَرى نفسه مكلّفاً؛ و إلّا فاستصحاب عدم الرُّؤية أو استصحاب عدم دخول الشهر الجديد أو بقاء الشهر الماضي، لا يبقي مجالًا للشكّ في التكليف الحادث.

    1. لأنّ محيط كرة الأرض يساوي أربعين ألف كيلومتر، و إذا انقسم المحيط إلى ثلثمأة و ستّين درجةً يكون طول قوس الدرجة الواحدة منها أزيد من مأة وأحد عشر كيلومتراً؛
      ۱۱۱. ۱۱۱ = ٣٦۰/ ٤۰۰۰۰ ثمّ إنّا نعلم بأنّ الأرض تدور حول نفسها مرّةً واحدةً في أربع و عشرين ساعةً ففي ساعةٍ تدور على مقدار خمس عشرة درجةً ۱٥ = ٢٤/ ٣٦۰، فكلّ درجةٍ منها تُطوى بأربع دقائق ٤ = ۱٥/ ٦۰؛ فمسافة اثنتين و ثلاثين دقيقةً زماناً تكون طول قوس ثمان درجاتٍ من الأرض۸ = ٤/ ٣٢؛ و يساوي طول هذا القوس من الأرض أزيد من ثمانمأة و ثماني و ثمانين كيلومتراً، الحاصل من ضرب المثال في مأة وأحدى عشرة كيلومتراً
      ۸۸/ ۸۸۸ = ۸× ۱۱۱. ۱۱۱، ثمّ إنّا نعلم أنّ مسافة الفرسخ تبلغ خمس كيلومترات و نصف كيلومتر؛ فهذه المسأفة تزيد على مأة و ستّين فرسخاً
      ٦. ۱٦۱ = ٥. ٥/ ۸۸۸. ۸۸۸ هذا و لكنّا ذكرنا سابقاً أنّ هذا المقدار يفيد على بناء كفاية الهلال فوق الافق، لا على الرّؤية الفعلية.

رسالة حول مسألة رؤية الهلال‏

161
  • تنبيهٌ، ما أفاد حفظه الله في هذه النقطة من أنّ رؤية الهلال كما قلنا تتحقّق نتيجة سير القمر إلى جهة المغرب من الأرض وَهَمٌ؛ لأنّ جهة حركة القمر حول الأرض من المغرب إلى المشرق دائماً؛ كما أنّ جهة حركة الأرض حول الشّمس كذلك؛ و قد بيّنّاه في صفحة ۱۸ من الموسوعة الاولى.

  • الردّ على النقطة الخامسة

  • أمّا النقطة الخامسة، فقد ذكرنا في الموسوعة الثانية بأنّ القول بعدم لزوم الاشتراك في الآفاق يستلزم افتراض ليلة أوّل الشهر واحدةً في جميع النواحي التي تحلّ بها الظلمة من الكرة الارضيّة فيؤدّي إلى أن يكون اللّيل في الناحية الواقعة شرق منطقة رؤية الهلال منذ بدايته ليلة أوّل الشهر؛ مع أنّه في بدايتها التي قد يكون قبلها باثنتي عشرة ساعةً فما دون، يكون القمر لا يزال تحت الشعاع؛ فلابدّ و أن يحسب من الشهر القادم، مع أنّ القمر حينئذٍ في المحاق.

  • فعبّر المجيب حفظه الله بأنّ هذه مشكلةٌ آثرتَها على المختار؛ مع أنّ جميع ما أوردناه على هذا المذهب مشاكلُ ثمّ أجاب نقضاً و حلًّا.

  • أمّا نقضاً فبما إذا افترضنا خروج الهلال عن الشعاع بنحو قابل للرؤية بالعين المجرّدة مصادفاً للمغرب في نقطةٍ على سطح الأرض مشتركة في الافق مع نقطةٍ أُخرى في شرق هذه النقطة تغرب فيها الشّمس من قبل.

  • فإنّه في مثل هذه القضيّة يتحقّق خروج الهلال عن تحت الشعاع بالنسبة إلى النقطة الثانية بعد المغرب بزمانٍ مع أنّه من ابتداء اللّيل يحسب من الشهر القادم.

  • و أمّا حلًّا بأنّ رؤية الهلال عند غروب الشّمس في ناحيةٍ توجب لنا الحكم بأنّ النهار القادم بعد ذلك اللّيل من الشهر القادم في جميع النواحي التي تشترك مع منطقة الرُّؤية في ذلك اللّيل؛ لا النقاط التي لا تشترك معها في تلك اللّيلة؛ بل يكون فيها نهاراً؛ لأنّه لا يصدق على ذلك النهار أنّه نهار ما بعد تلك اللّيلة التي هي ليلة الرُّؤية.

  • و الرّوايات الخاصّة الأمرة بقضاءِ صيام النهار ولو في مصرٍ آخر، لا تدلّ على أزيد من ذلك؛ لأنّها تدلّ على قضاءِ نهار القادم بعد ليلة الرُّؤية.

  • و لا يخفي ما في كلا الجوابين من الخبط الواضح.

  • أمّا في النقض، فلانّ الهلال في كلتا النقطتين المشتركتين قابلٌ للرؤية؛ لأنّه لا معنى لاشتراك الآفاق إلّا كونها متّحدةً في قابليّة الرُّؤية.

  • فمن المستحيل افتراض رؤية الهلال في نقطة من سطح الأرض عند غروب‌

رسالة حول مسألة رؤية الهلال‏

162
  • الشّمس مشتركة في الافق مع نقطة أُخرى على طولٍ آخر في مشرق هذه النقطة قد غربت الشّمس فيها من قبل، حين كون القمر تحت الشعاع. فرؤية الهلال في نقطةٍ عند غروب الشّمس، و عدم رؤيته في النقطة الشرقيّة المشتركة معها في الافق حين تغرب الشّمس فيها من قبل؛ دليلٌ على وجود مانعٍ خارجيّ من السُّحب أو الغيوم أوالجبال في الناحية الشرقيّة من الرُّؤية، بعد إمكانيّة الرُّؤية على الفرض من اتّحاد أُفقيهما.

  • فالرُّؤية في النقطة الغربيّة تكشف عن دخول الشهر في النقطة الشرقيّة من قبل، بها حلّ الشهر بعد تماميّة موضوعه، و هو إمكانيّة الرُّؤية بعد الخروج عن تحت الشعاع و الرُّؤية الفعليّة في الافق المتحد؛ و لا كلام لنا فيه.

  • و أمّا في الحلّ فلأنّه ليس محطّ البحث في النواحي التي يكون فيها نهارٌ عند غشيان اللّيل نصف الكرة الأرضيّة التي تشترك نواحيها مع نقطة الرُّؤية في الظلمة؛ لأنّه من المعلوم أنّ نهار تلك النواحي تابعٌ لليلها المتقدّم عليه.

  • و إنّما البحث في جميع هذه الناحية المظلمة التي تشترك مع ناحية الرُّؤية في لحظةٍ واحدةٍ، إلى اثنتي عشرة ساعةً؛ و ربّما تكون أزيد؛ و في النواحي المعمورة البعيدة عن الاستواء ربّما يبلغ اللّيل عشرين ساعةً.

  • كفاية الرؤية الإجماليّة توجب الحكم بدخول الشهر عند المحاق‌

  • فقد أوردنا بأنّ قضيّة عدم لزوم الاشتراك في الآفاق توجب الحكم بدخول الشهر القادم في جميع هذه النواحي، مع أنّ القمر بعدُ في المحاق.

  • و هذا من بداهة البطلان بمكانٍ ينبغي أن يحسب من الأساطير الوهميّة، أُضحوكةً للشابّ و الهرم.

  • و ذلك لأنّ الشهر القمريّ المبدوّ برؤية الهلال عند جميع أهل الإسلام، بل جميع أهل الأديان بل الملل و الاقوام؛ يصير حاله في التنزّل إلى حدٍّ لا يقف بالرُّؤية الفعليّة ولو في نقطةٍ ما من بعيدٍ؛

  • و لا يقف على إمكانيّة الرُّؤية أيضاً بخروجه عن تحت الشعاع؛ بل تنزّل إلى حدّ السقوط في درك البوار يُزعم أنّه موجودٌ في عالم الفعليّة؛ مع أنّ مُوجِدَه و هو ظهور الهلال بعدُ باقٍ في نطفة الاستعداد، محبوسٌ في رحم المحاق؛ مظلم محجوبٌ تحت ظلمات ثلاث: ظلمة المحاق، و ظلمة تحت الشعاع، و ظلمة الخفاء في الآفاق؛ فهل هذا إلّا من أخيلةٍ وهميّة؟

  • فأين كنت يا لَلقرآن العظيم؟ إذ ناديتَ بصوتك المعجز الدائم الباقي العامّ‌

رسالة حول مسألة رؤية الهلال‏

163
  • لكلّ فردٍ في العالم: {يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَواقِيتُ لِلنَّاسِ وَ الْحَجِّ}.

  • فهل يكون القمر في المحاق، و لما يسمّى هلالًا، ميقاتاً للناس، مبدئاً لعباداتهم و معاملاتهم و حجّهم و تاريخهم؟ و هل يدرك العالم و العامّيّ، الحضريّ و البدويّ، هذا المبدء الوهميّ، و يجعل مبدئاً لتاريخه؟ و هل يكون هذا معنى الشريعة السمحة السهلة، يباهي بها أهلُ الإسلام كافّة المذاهب و المكاتب في العالم؟

  • ألا و إنّ نتائج قلّة التأمّل، و المبادرة إلى رأيٍ لا يستقيم على أُصولٍ متينةٍ، ممّا يضيق عن الإحاطة بها نطاق البيان.

  • ثمّ إنّ المجيب حفظه الله نهض على كسر صولة هذه المشكلة، بالاستناد إلى المرتكزات العرفيّة، مردِّداً بأنّ العرف إن اكتفى في دخول الشهر الجديد بخروج الهلال عن تحت الشعاع بنحوٍ قابلٍ للرؤية في نقطةٍ مشتركةٍ معنا في اللّيل، ولو كان المقدار الباقي منه عندنا أقلّ منه في تلك النقطة فقد تطابق المستفاد من الروايات و المرتكزاتُ؛ و إلّا فلا أقلّ من أن يكون الحكم الشرعيّ بوجوب الصيام بمقتضى الروايات المذكورة منوطاً بذلك.

  • لأنّه لا إشكال في عدم وجود ارتكازٍ معاكسٍ على الخلاف، كي يتجرّأ به أن يرفع اليد عن مقتضى ظهور أدلّة الباب، المتمثّلة في الروايات الخاصّة التي استند إليها في اختيار القول بعدم لزوم الاشتراك في الآفاق.

  • و لا يخفي ما فيه من اتّهام العرف بوجود هذا الارتكاز أو عدم وجود الارتكاز المعاكس.

  • لأنّ العرف لايقبل أبداً اشتراك نقطةٍ بعيدةٍ عن نقطة الرُّؤية باثنتي عشرة أو عشرين ساعةً مثلًا في دخول الشهر الجديد.

  • و لا يلتزم بتّاً بأحكام الشهر القادم من أوّل اللّيل المنوط بخروج القمر عن تحت الشعاع، مع أنّه بعدُ في المحاق؛ و من ادّعى فقد كابر و العرب بالباب.

  • و أنت يا أيّها المجيب! سَلْ نفسك بما أنّها من العرف، لا بما أنّها متّهمةٌ في حدسها؛ هل تقبل و أنت في النجف الأشرف، بعد تصرّم اللّيل، و قبل الفجر بدقيقةٍ، و جاء الخبر من نقطةٍ بعيدةٍ زماناً باثنتي عشرة ساعةً و مكاناً بفاصل نصف القطر المحيط، من وسط الاقيانوس الكبير، بأنّ القمر خرج عن الشعاع ورئي فيهذه اللحظة في هذا المكان، و هل تبنى على أنّ اللّيلة المتصرّمة من أوّلها إلى آخرها مع كون القمر في المحاق من الشهر

رسالة حول مسألة رؤية الهلال‏

164
  • القادم؟

  • و أعجب منه إذا جاء الخبر في أوّل غروب الشّمس، و القمر بعدُ في المحاق بأنّه سيخرج عنه بعد اثنتي عشرة ساعةً، في وسط البحر المحيط، و يُرى عندئذٍ، فهل تبنى من هذه اللحظة على أحكام الشهر القادم؟

  • ثمّ الأعجب أنّه إذا لم يجئ خبر، لكنّك تعلم بالمحاسبة الرصديّة، أو الرجوع إلى قول الرصديّ الثقة المدوّن في الزيجات، خروجَه عنه كذلك؛ فهل تبنى على كون هذه اللّيلة ليلة أوّل الشهر القادم، مع افتراض ما هو المسلّم عندك من دخالة خروج القمر عن الشعاع في تحقّق موضوع الشهر عرفاً، في جميع هذه التقادير؟

  • و المحصّل أنّ وجود الارتكاز المعاكس، على الخلاف عرفاً، خصوصاً مع ملاحظة تسجيل أذهان المسلمين جميعاً على لزوم الرُّؤية في دخول الشهر، تبعاً لسنّة النبيّ الأعظم صلّى الله عليه و آله و سلّم، خاصّةً في تلك الأزمنة التي تباعد البلاد بعضها عن بعضٍ زماناً، و عدم وصول الأخبار إلى الأقطار بتّاً، لا يبقي مجالًا لانعقاد ظهورٍ للمطلقات التي استند إليها في اختيار القول بعدم لزوم الاشتراك في الآفاق، في الإطلاق.

  • فانصرافها بهذه القرينة الارتكازيّة العرفيّة و المتشرّعيّة، إلى البلاد القريبة المتحدة في الآفاق هو المتعيّن.

  • الجواب عن النقطة السادسة

  • و أمّا النقطة السادسة فقد اعترف بأنّ المستفاد من روايات الصوم الأوّليّة، هو نسبيّة رؤية الهلال، و اختلافها بالنسبة إلى مناطق مختلفة؛ و الظاهر منها إناطة الحكم بإمكانيّة الرُّؤية في كلّ منطقةٍ؛ إلّا أنّ ما جاء في الروايات الخاصّة من كفاية حصول الرُّؤية في مصر، لتحقّق الشهر في الجميع، دلّ على عدم لزوم الاشتراك في الآفاق.

  • و فيه أنّه بعد كثرة الشواهد و القرائن الصارفة التي كاد أن تجعل هذه الروايات الخاصّة ناصّةً في اختصاصها بالآفاق القريبة، بمثابة انجلاء الشّمس في رابعة النهار؛ لا يبقى مجال للأخذ بالإطلاق.

  • فالمحكَّم هو الأخذ بمفاد أدلّة الصوم و نحوه من الأحكام المترتّبة على الشهور، الدالّة على اختصاصها بمنطقة الرُّؤية ليس غير.

  • و حمل مادلّ على كفاية الرُّؤية في مصرٍ على الأمصار المتقاربة، بمناط إمكانيّة الرُّؤية في آفاقها ببلوغ الهلال فيها مرتبةً من الظهور في نفسه، بحيث يكون قابلًا للرؤية،

رسالة حول مسألة رؤية الهلال‏

165
  • لولا وجود سحاب و نحوه؛ على أساس الارتكاز العرفي، و تسجيل لزوم الرُّؤية في المجتمع الإسلاميّ من تعليم نبيّهم الخاتم صلّى الله عليه وآله و سلّم: «صُومُوا لِرُؤْيَتِهِ، و أفْطِرُوا لِرُؤْيَتِهِ».

  • فعلى هذا الارتكاز و التسجيل لا يفهم العرف أبداً من قوله عليه السّلام: «فَإنْ شَهِدَ عِنْدَكَ شَاهِدَانِ مَرْضِيَّانِ بِأنَّهُمَا رَأيَاهُ فَاقْضِهِ»، إلّا البلد القريب الذي يمكن جعل الرُّؤية فيه رؤيةً في بلده، بالحكومة و توسيع دائرة الرُّؤية بالنسبة إليه، بمناط اتّحاد المكان من حيث وجود الهلال في الافق، و المانع شئٌ عارضيٌ، كالسحاب و الجبال و نحوهما.

  • كما أنّه في بلدٍ واحد متّسعٍ، إذا تحقّقت الرُّؤية في نقطةٍ منه، فهي كافيةٌ للحكم بها في جميع نواحيه لمناط وحدة المكان عرفاً.

  • فالإمام عليه السّلام، كان يريد أن يوسّع دائرة اتّحاد المكان في الرُّؤية بالحكومة التشريعيّ؛ و يبيّن بأنّ المناط وجود الهلال في الآفاق، و إمكانيّة الرُّؤية في البلاد المتقاربة، بعد الرُّؤية الفعليّة في الجملة؛ و لا يريد أن ينقض قول المشرّع الأعظم صلّى الله عليه و آله و سلّم: «صُومُوا لِرُؤْيَتِهِ و أفْطِرُوا لِرُؤْيَتِهِ».

  • فلا يكاد يفهم العرف من إطلاق ألفاظ: البلد و مصر و البيّنة و جميع أهل الصلوة، إطلاقها بالنسبة إلى جميع أصقاع العالم؛ و بالنسبة إلى جميع المسلمين القاطنين في الربع المسكون، إلى أقصى البلاد المعمورة.۱

  • التنبيه على أُمور؛ الاوّل: استقلال كلّ من الادلّة العلميّة والشرعيّة

  • ينبغي التنبية على أُمور.

  • الأوّل: قد عرف بما ذكرناه في مطاوي هذه الموسوعات، أنّ المتكفّل لإثبات لزوم الاشتراك في البلدان في رؤية الهلال، كلّ واحدة من الأدلّة العلميّة، و الأدلّة الشرعيّة، بحذاءِ نفسها؛ لا ربط لإحديهما بالاخرى كلّ الارتباط.

  • و لذا ذهب المشهور إلى هذا المرام على أساس الأدلّة الشرعيّة؛ و لم نجد في‌

    1. و ممّا ينبّهك و يسدّدك و يؤيّدك على هذا المرام الذي بيّنّاه أنّه لم يُر من النبيّ صلّى الله عليه و آله و سلّم و من الأئمّة المعصومين سلام الله عليهم أجمعين في طوال القرون الثلاثة الأمر بقضاء صوم أهل بلدانهم من مكّة و المدينة و الكوفة و بغداد و سُرّ من رآه و طوس مع إمكان دعوى العلم الإجماليّ برؤية الهلال في بلاد المغرب قبل رؤية أهل بلدهم بليلةٍ واحدة في طول هذه المدّة أزيد من ألف مرّة، وصل إليهم الخبر بعد زمان أم لم يصل و ذلك لانّ العلم الاجماليّ منجّز للتكليف؛ فعلى عهدة كلّ أحدٍ في مدّة عمره قضاء أيّام من الصيام حسب علمه إجمالًا برؤية من تقدّمه من بلاد المغرب؛ و حيث لم يكن في الروايات و التواريخ و السير عين و لا أثر من الأمر بقضاء الصيام بالعلم الاجماليّ علمنا عدم وجود تكليف برؤية من تقدّمهم بالرؤية (منه عفي عنه).

رسالة حول مسألة رؤية الهلال‏

166
  • كلامهم أن يعتمدوا في ذلك على ما بيّن في العلوم الفلكيّة و الهندسيّة، و ما شابههما من العلوم الطبيعيّة و الرياضيّة، إلّا قليلًا.

  • و أمّا نحن فقد باحثنا في المقام على أساس كلّ واحدةٍ من العلوم الطبيعيّة و الشرعيّة مستقلًّا.

  • فما أفاد المجيب حفظه الله من أنّ بحوثنا من الأدلّة و الروايات من الناحية الشرعيّة، وقعت على ضوء بحوثنا العلميّة فيما هو مرتبط بالموضوع من القضايا الفلكيّة، غير تامٍّ.

  • ثمّ إنّ الظاهر منه تماميّة بحوثنا العلميّة فيما هو مرتبطٌ بالمقام، و الاعتراف بها جملةً؛ بخلاف الأدلّة الشرعيّة؛ فلم يعترف بها كلّ الاعتراف.

  • و فيه ما لا يخفي؛ لأنّه كيف يمكن أن يخالف الدليل الشرعيّ ما هو مسلّم من العلوم العقليّة أو الطبيعيّة المنتهية إلى الأوّليّات و المسلمات و الوجدانيّات و غيرها، ممّا يكون مأخذاً للبرهان؟ و كيف يمكن التعبّد بما هو غير صحيح عند العقل أو الوجدان؟ مع أنّ التشريع منطبقٌ على التكوين؛ و حاشا لمذهب الإسلام، مع ارتفاع بنيانه، أن تكون قاعدةٌ من قواعده، على خلاف العقل الصريح، أو مخالفةً لواقعيّةٍ خارجيّةٍ، أو يكون أُسٌّ من أُسسه مبنيّاً على التخيّل و التوهّم، خلافَ المنطق الصحيح واقعاً على شفا جرف هارٍ؛ مع ندائه الصريح بالقول الفصل الذي ليس بالهزل:

  • {فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْها لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَ لكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ}.۱

  • التنبيه الثاني: الجهات الاصليّة لتعقيب المباحث‌

  • التنبيه الثاني: إنّ ما أوردناه في الموسوعة الاولى، ثمّ في هاتين الموسوعتين، ليس حمايةً لمذهب المشهور صرفاً.

  • و ليس على مبنى الخوف من استيجاب مزيدٍ من الأوهام، و اضطراب العوامّ، و كثرة الشجار و القيل و القال كما أُفيد؛ لأنّه لا يعبأ بهذه التمويهات. {قُلِ اللَّهُ ثُمَّ ذَرْهُمْ فِي خَوْضِهِمْ يَلْعَبُونَ}‌.٢

  • و ليس على أساس الخطابة و النصح المجرّد، للجهات الخارجيّة، لملاحظة

    1. الآية ٣۰، من السورة ٣۰: الرّوم.
    2. الآية ٩۱، من السورة ٦: الانعام.

رسالة حول مسألة رؤية الهلال‏

167
  • الظروف و الملابسات و المقامات و المقتضيات؛ {قُلْ إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدى‌ وَ لَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْواءَهُمْ بَعْدَ الَّذِي جاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ ما لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَ لا نَصِيرٍ}.۱ و لا على تحميل رأي و مؤاخذةٍ على ما لاينبغي.{الَّذِينَ يُجادِلُونَ فِي آياتِ اللَّهِ بِغَيْرِ سُلْطانٍ أَتاهُمْ كَبُرَ مَقْتاً عِنْدَ اللَّهِ وَ عِنْدَ الَّذِينَ آمَنُوا كَذلِكَ يَطْبَعُ اللَّهُ عَلى‌ كُلِّ قَلْبِ مُتَكَبِّرٍ جَبَّارٍ}؛٢ {إِنَّ الَّذِينَ يُجادِلُونَ فِي آياتِ اللَّهِ بِغَيْرِ سُلْطانٍ أَتاهُمْ إِنْ فِي صُدُورِهِمْ إِلَّا كِبْرٌ ما هُمْ بِبالِغِيهِ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ}.٣ بل لما رأينا أنّ فتوى عدم لزوم الاشتراك في الآفاق، خلاف للموازين العلميّة و للجهات الشرعيّة.

  • و ما أُفيد من ابتناء الشهور القمريّة على مجرّد نفس خروج القمر عن تحت الشعاع، بما أنّه حادثةٌ سماويّةٌ غير مرتبط ببقاع الأرض، غير تامٍّ.

  • و ما أُفيد من دلالة المطلقات، مجروحٌ بجهاتٍ من الإيراد من القرائن العقليّة و النقليّة على الخلاف و بداهة الانصراف.

  • و نسبة هذه الفتوى إلى العلّامة في المنتهى، و الشهيد في الدروس، غير صحيحةٍ.

  • و التزام صاحب الحدائق بها مبنيّ على تسطيح الأرض، و صاحبِ الجواهر على تسطيحها أو على صغر الربع المسكون إلى سعة السماء و نحو ذلك؛ ممّا هو باطلٌ بالضرورة.

  • و ما في كلام النراقيّ و المحدّث الكاشانيّ و السيّد الحكيم، جهات من الإشكال.

  • و نسبة فتوى المشهور إلى قياسهم رؤية القمر الخارج عن الشعاع، بطلوع الشّمس و غروبها و ما لها من المشارق و المغارب، باطلةٌ.

  • و ليس كلّ من كانت فتواه مطابقةً لفتوى الشيخ قدّس الله نفسه من المقلّدة.

  • فلم نتمكّن إذاً على الاختلاف الشديد، الموجب لترك الجماعات، و سقوط الابّهة و العظمة و بروز النفاق في عيد الفطر؛ على مبنى فتوى غير صحيحةٍ.

  • فأتعبنا أنفسنا مع كثرة الشواغل و المشاغلٍ التي تحيط بنا من كلّ صوبٍ، بتحرير

    1. الآية ۱٢۰، من السورة ٢: البقرة.
    2. الآية ٣٥، من السورة ٤۰: الغافر.
    3. الآية ٥٦، من السورة ٤۰: الغافر.

رسالة حول مسألة رؤية الهلال‏

168
  • رسالةٍ استدلاليّة إلى فقيهٍ نبيهٍ، له حقُّ علينا في الدراسة و التعليم. كي يرفع الله بها الخلاف، و يقع الحجر على أساسه الأصليّ، و تعود السنن.

  • و الحمد لله عادت في عيد الفطر الماضي على موضعها، و لم يوجد خلاف في جميع قطر الشيعة.

  • التنبيه الثالث: أخذ الإطلاقات ورفض روايات الرؤية، متنافيان‌

  • التنبيه الثالث إنّ مصادر الخلاف بين أصحابنا الاصوليّين و إخواننا الأخباريّين، و إن كانت كثيرةً؛ و مواقع الردّ و الإيراد بينهم، و الطعن و الدقّ دائمةٌ على ما هو المشهود من كتبهم المدوّنة؛ إلّا أنّ محطّ جميع موارد اختلافاتهم، موردٌ واحدٌ؛ و يرجع كلٌّ من منازعاتهم إلى محلٍّ فاردٍ و هو أنّ الأخباريّين يأخذون ظواهر الأخبار الواردة عن أئمّتنا المعصومين عليهم السلام، بلا تحقيقٍ كافٍ في أسناده غالباً، و لا فحص تامٍّ عن القرائن العقليّة و النقليّة، الموجبة لصرف ظواهرها إلى المحطّ الأصليّ المشهود في مدلولهما.

  • و أمّا الاصوليّون فهم أدقّ نظراً بمواقع القرائن المتصلة و المنفصلة، المقاليّة، و المقاميّة؛ و لا يأخذون خبراً إلّا بعد الفحص التامّ عن سنده، و لا ظهور روايةٍ إلّا بعد ملاحظة جميع الجوانب التي يحتمل وجود ما يصرف الظهور إلى غيره.

  • فما أُفيد في المقام من الإصرار على أخذ ظهور الإطلاقات الواردة في قضاءالصيام، ثمّ الإصرار على إسقاط ظهور الروايات الواردة في دخالة الرُّؤية، عن الموضوعيّةإلى الطريقيّة المحضة؛ ممّا يجعل الباحث على القطبين المختلفين، من الإفراط في الأوّل و التفريط في الثاني.

  • التنبيه الرابع: موضوعيّة الرؤية لكلّ أُفق، تُناسب الشريعة السمحة السهلة

  • التنبيه الرابع قد روى الشيخ الطوسيّ بإسناده في التهذيب عن أبي أُسامة زيدٍ الشحّام أو غيره، و روى الصدوق بإسناده في من لا يحضره الفقيه و في المجالس عن زيدٍ الشحّام قال: صَعَدْتُ مَرَّةً جَبَلَ أبِي قُبَيْسٍ وَ النَّاسُ يُصَلُّونَ المغْرِبَ، فَرَأيْتُ الشَّمْسَ لم تَغِبْ، إنَّمَا تَوَارَتْ خَلْفَ الجَبَلِ عَنِ النَّاسِ؛ فَلَقِيتُ أَبَا عَبْدِ اللَهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ فَأَخْبَرْتُهُ بِذَلِكَ‌فَقَالَ لِي: «و لِمَ فَعَلْتَ ذَلِكَ؟ بِئْسَ مَا صَنَعْتَ؟؛ إنَّمَا تُصَلِّيهَا إذَا لم تَرَهَا خَلْفَ جَبَلٍ، غَابَتْ أوْ غَارَتْ، مَا لم يَتَجَلَّلْهَا سَحَابٌ أوْ ظُلْمَةٌ تُظِلُّهَا؛ و إنّما عَلَيْكَ مَشْرِقُكَ و مَغْرِبُكَ؛ و لَيْسَ عَلَى النَّاسِ أنْ يَبْحَثُوا».

  • و أورده في الوسائل في كتاب المواقيت من الصلوة، و أشار إليه في باب ثبوت رؤية الهلال بالشياع و بالرُّؤية في بلدٍ آخر قريبٍ في كتاب الصوم.

رسالة حول مسألة رؤية الهلال‏

169
  • و هذه الرواية و إن وردت في باب المواقيت من الصلوة، إلّا أنّه يمكن أن يستفاد من قوله عليه السّلام: «وإنَّمَا عَلَيْكَ مَشْرِقُكَ و مَغْرِبُكَ»،۱ تنقيح مناط كلّيّ في باب الصيام و غيره، بلزوم الرُّؤية في كلّ بلدٍ لدخول الشهور القمريّة؛ و لا أقلّ من التأييد.

  • حيث إنّه عليه‌السّلام بعدتوبيخه عن بحثه عن‌الشّمس خلف الجبل حصروظيفته‌بالأخذ بما هو المشرق و المغرب عنده بلا تجاوزٍ عنه؛ كأنّه قال أيضاً: و إنّما عليك رؤيتك؛ كما ورد نظير هذا التعبير في روايات باب الرُّؤية خصوصاً مع ما هو المشهود من ابتناءِ أحكام الإسلام، على الموضوعات السهل التناول.

  • و لذا لم يجعل مدار شهوره على السنة الشمسيّة المبنيّة على الحساب، بلا استمساكٍ بالرُّؤية الخارجيّة {يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَ لا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ}.٢

  • فموضوعيّة الرُّؤية لكلّ أُفقٍ، توجب سهولةً تناول الشهور لترتّب الأحكام، في‌

    1. و لنعم ما أفاد العالم الفاضل الفلكيّ آية الله الشيخ أبوالحسن الشَّعرانيّ رحمه الله في حاشيته على الوافي ج ٢ كتاب الصوم ص ٢٢ ردّاً على ما ذهب إليه الفيض القاسانيّ من عدم الفرق بين البلاد القريبة و البعيدة في لزوم القضاء إذا غمّ هلال رمضان في تسع و عشرين من شعبان إذا شهد أهل بلدٍ آخر برؤيته بقوله رحمه الله: العادة قاضية بأنّ الشهادة من أهل بلدٍ قريب كمكّة بالنسبة إلى اهل المدينة و الكوفة إلى بغداد. و ذلك لأنّ المسأفرة من البلاد البعيدة كبَلخ و مَرو و بُخارا إلى الكوفة و المدينة كانت تطول شهوراً بعد أن مضي شهر رمضان و انصرف الأذهان و توجّه الهمم من الصوم إلى أُمور أُخر و لا يسأل أحدٌ أحداً عن الهلال و ربّما ينسون أوّل الشهر أنّه أيّ يوم كان و الهلال كنصف النهار و نصف اللّيل و الطلوع و الغروب يختلف باختلاف البلدان فيجب أن يختلف الرؤية أيضاً فيحسب الاربعاء في الصين مثلًا آخر شعبان و في طنجة أوّل رمضان لأنّ الغروب في الصين قبل الغروب في طنجة بعشر ساعات و يمكن أن لا يكون الهلال ظاهراً في ساعة و يظهر بعد عشر ساعات و كما أنّ المتبادر من الغروب و الزوال في كلّ بلدٍ الغروب و الزوال في ذلك البلد فكذلك «صُمْ لِلرُّؤْيَةِ و أفْطِرْ لِلرُّؤْيَةِ» أي لرؤية ذلك البلد ألا ترى أنّ قوله تعالى: {أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ}، ليس معناه أنّ المكّيّ يجب عليه إقامة الصلاة إذا دلكت الشّمس في الصين أو في المغرب بل إذا دلكت في مكّة فكذلك «صُمْ لِلرُّؤْيَةِ و أفْطِرْ لِلرُّؤْيَةِ»؛ فالصينيّ لم ير الهلال و لا يجب عليه الصوم و الطنجيّ رآه فوجب و ليس الغروبان في ساعة واحدة بل كانا ليوم مسمّى باسم واحد و أوّل ليلة الأربعاء في طنجة إنّما تكون بعد مضيّ عشر ساعات من ليلة الأربعاء في الصين ألا ترى أنّك تفطر في بلدك لأنّ الشّمس غربت عنك و في هذا الوقت بعينه لا يجوز الإفطار لأهل الكوفة لأنّ الشّمس لم تغب عنهم بعد انتهى ما أفاده رحمه الله. (منه عفي عنه)
    2. الآية ۱۸٥، من السورة ٢: البقرة.

رسالة حول مسألة رؤية الهلال‏

170
  • حقّ كلّ حاضر و مسافر في البرّ و البحر، أو قاطنٍ على قلّة جبلٍ أو أكمهٍ أو بطن وادٍ، أو مسافر مع خدمه و حشمه و خيمه طوال السنة، في الأماكن المعمورة المتناسبة، كالايلات.

  • و أمّا البناء على عدم لزوم الاشتراك في الآفاق، يوجب مزيد غموضٍ و إشكالٍ و تحيّر في الناس، و يضطرّهم إلى الرجوع إلى أقوال الرصديّين، بلزوم أخذ مستخرجاتهم في التقاويم و غيرها؛ أو البناء في غالب شهورهم على الشكّ و استصحاب عدم الهلال.

  • كما أنّ بناء المواقيت في الصلوات إنّما هو على موضوعاتٍ سهل التناول كالزوال و الغروب و العصر المعلوم بظلّ الشاخص و العشاءِ المعلوم بذهاب الحمرة المغربيّة و تبيّن الفجر الصادق.

  • و هذه المواقيت معلومة لكلّ أحدٍ حضريّ و بدويّ، برّيّ و بحريّ عالمٍ بالعلوم الرياضيّة و جاهلٍ بها فلو كانت مواقيت الصلوات منوطةً بالساعات المستخرجة من التقاويم، لما تمكّن من تناولها الجميع، و انحصرت في بعض الطوائف من الناس، أو وقع الناس في العسر العظيم و الحرج الشديد.

  • كلّ ذلك في الصلاة و الصوم و الحجّ و ما شابهها، ممّا لا تساعده الشريعة السمحة الغرّاء. {وَ ما جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ}؛۱{وَ ما أَرْسَلْناكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعالَمِينَ}.٢

  • التنبيه الخامس: الكلام حول الاستدلال بصحيحة محمّد بن عيسى‌

  • التنبيه الخامس، أنّ كتاب سبيل الرشاد في شرح كتاب نجاة العباد للسيّد أبي تراب الخوانساريّ قدّه لم يكن بأيدينا حين تأليف الموسوعة الاولى، كي نطالعه و نلاحظ مواقع الاستدلال فيه على عدم لزوم الاشتراك في الآفاق.

  • و قد وهبنا الله تعالى في هذه الآونة؛ و بعد ما طالعناه وجدنا أنّ من جملة ما استدلّ به على مرامه صحيحة محمّد بن عيسى المرويّة في التهذيب بإسناده عنه قال: كَتَبَ إلَيْهِ أبُوعَمْروٍ: أخْبِرْنِي يَا مَوْلَايَ أنَّهُ رُبَّمَا اشْكَلَ عَلَيْنَا هِلَالُ شَهْرِ رَمَضَانَ وَ لَا نَرَاهُ؛ و نَرَى السَّمَآءَ لَيْسَتْ فِيهِ عِلَّةٌ؛ و يُفْطِرُ النَّاسُ وَ نُفْطِرُ مَعَهُمْ؛ وَ يَقُولُ قَوْمٌ مِنَ الحسَّابِ قِبَلَنَا أنَّهُ يُرَى في تِلْكَ اللَيْلَةِ بَعَيْنِهَا بِمِصْرَ وَ إفْرِيقِيَّةَ وَالأنْدُلُسِ؛ هَلْ يجوزُ يَا مَوْلَايَ مَا قَالَ الحسَّابُ في هَذَا البَابِ، حَتَّى يختَلِفَ الفَرْضُ عَلَى أهْلِ الأمْصَارِ، فَيَكُونُ صَوْمُهُمْ‌

    1. الآية ۷۸، من السورة ٢٢: الحجّ.
    2. الآية ۱۰۷، من السورة ٢۱: الانبياء.

رسالة حول مسألة رؤية الهلال‏

171
  • خِلَافَ صَوْمِنَا وَ فِطْرَهُمْ خِلَافَ فِطْرِنَا؟

  • فَوَقَّعَ عَلَيْهِ السَّلَامُ‌: «لَا تَصُومَنَّ بِالشَّكِّ، أفْطِرْ لِرُؤْيَتِهِ و صُمْ لِرُؤْيَتِهِ».

  • و رواه في الوسائل في باب أنّه لا عبرة بأخبار المنجّمين، و أهل الحساب.

  • طريق الاستدلال: أنّ النهي عن الصوم لأجل كونه شاكّاً من قولهم كالصريح في أنّه لو كان قاطعاً برؤية أهل تلك البلاد، لكان له حكمهم، و الحال أنّها من البلاد البعيدة بالنسبة إلى بلاد الراوي كما لا يخفي.

  • بل و ظاهر السؤال أنّ في استخراج أهل الحساب أيضاً إنّما كان ممكن الرُّؤية في تلك البلاد خاصّةً، دون بلدٍ الراوي كما لا يخفي.

  • و احتمال أن يكون المراد أنّ الرُّؤية في تلك البلاد موجبةٌ للشكّ في إمكان الرُّؤية في بلدك، فلا تصم لأجل ذلك؛ فيدلّ على أنّ العبرة ببلد المكلّف خاصّةً، كما ترى خلاف الظاهر جدّاً ولو بالنظر إلى أنّه لو كان المراد ذلك لقال: صم بالرُّؤية في بلدك صريحاً، و لم يأمر بالصوم بالرُّؤية بقولٍ مطلقٍ الذي هو في مقابل العمل بقول أهل الحساب و نحوه من الامور الظنّيّة، كما أشرنا إليه مراراً، و إلى أنّ من البعيد فرض الشكّ في إمكان الرُّؤية في بلد الراوي، بعد فرض عدم رؤية جميع الناس طرّاً، مع عدم العلّة في السماءِ، و كونه في استخراج أهل الحساب غير ممكن الرُّؤية.

  • فليس إلّا الشكّ في الرُّؤية في تلك البلاد، لقول أهل الحساب بإمكان الرُّؤية فيها انتهى.

  • أقول: فقه الحديث يدلّنا على أنّ السائل لم يُرد سؤال تكليفه بالصيام عن الإمام عليه السّلام، و لم يشكل عليه شهر رمضان بالنسبة إلى بلده حيث صرّح في سؤاله بأنّه لم يَر الهلال و لم يره الناس و ليست في السماء علّة؛ و الظاهر منه أيضاً أنّ في استخراج أهل الحساب كانت الرُّؤية ممتنعةً في بلده حيث علّق إمكان الرُّؤية على قولهم بتلك البلاد النائية خاصّةً.

  • بل كان بانياً على عدم دخول شهر رمضان في بلده، على ما هو المرتكز في ذهنه و أذهان الناس، من لزوم الرُّؤية فيه بخصوصه.

  • و على هذا الأساس بنى على الإفطار قطعاً كإفطار الناس.

  • و لم يظهر من سؤاله هذا أدنى توهّم شكٍّ و شبهةٍ بالنسبة إلى إفطاره و إفطارهم.

  • و إنّما سأل عن أمرٍ آخر؛ و هو جواز اختلاف الآفاق في الرُّؤية و عدمه؛ و أنّه هل تجوز الرُّؤية في بلدٍ، فيترتّب عليها أحكام الصيام، و عدم الرُّؤية في آخر، فلا يترتّب عليها

رسالة حول مسألة رؤية الهلال‏

172
  • أحكامه، أم لا؟ بعد مفروغيّة ترتّب الصيام في كلّ بلدٍ على الرُّؤية في ذلك البلد.

  • فلذا صرّح بأنّ قوماً من الحسّاب ذهبوا إلى رؤيته في تلك اللّيلة بعينها في تلك الآفاق البعيدة، فهل يجوز ما قاله الحسّاب حتّى تختلف الآفاق و يختلف الفرض على أهل الأمصار، ببيان ما هو مرتكزٌ في ذهنه من ترتّب الصيام على الرُّؤية ليس غير، معبِّراً عنه بأنّه هل يمكن بأن يكون صومهم خلاف صومنا، و فطرهم خلاف فطرنا؟

  • فتبيّن أنّه لم يكن بصدد تكليف نفسه في بلده أبداً، بل كان متيقّناً على أنّه لم يؤمر بالصيام لمكان عدم الرُّؤية عنده.

  • بل كان بصدد أن يعرف تكليف القاطنين في تلك البلاد، بأنّهم هل يمكن أن يصوموا لمكان الرُّؤية الحاكية عنها طائفة الحسّاب، و يفطروا لمكان الرُّؤية في بلادهم أيضاً باختلاف آفاقهم مع أُفقه؛ أم لا يجوز ما قاله الحسّاب؛ فيكون جميع الآفاق متّحدةً في إمكان الرُّؤية و عدمه؟

  • و إذا لم يجز ما قاله الحسّاب، فلمكان استهلاله في آفاقه و عدم الإهلال مع فقدان علّة في السماءِ علم عدم وجوده في تلك الآفاق أيضاً، فعلم بطلان قول الحسّاب.

  • و ممّا ذكرنا يظهر أنّ قوله في أوّل سؤاله: بأنّه ربّما أشكل علينا هلال شهر رمضان، لم يكن المراد تردّداً و إشكالًا في وظيفته من الصيام قطعاً.

  • بل المراد تحقّق الإشكال من حيث إمكان دخول شهر رمضان في ناحيةٍ كإفريقيّة و الأندلس، و عدم دخوله في ناحيةٍ أُخرى كبلده، و عدم إمكانه.

  • و يظهر أيضاً أنّ ما وقّع عليه السّلام بقوله‌: «لَا تَصُومَنَّ بِالشَّكِّ؛ أَفْطِرْ لِرُؤْيَتِهِ وَ صُمْ لِرُؤْيَتِهِ»، لم يكن بيان تكليفه في بلده و هو في هذه الحالة من اليقين على عدم دخول الشهر.

  • بل كان بصدد بيان قاعدةٍ كلّيّةٍ لجميع الأفراد في كلّ مكانٍ، في قالب الخطاب الشخصيّ، بأنّ المدار على الرُّؤية الفعليّة؛ و لا عبرة بقول المنجّمين الموجب للشكّ.

  • فكلّ أحدٍ في أيّ بلدةٍ من البلاد، إذا تحقّقت الرُّؤية يصوم، و إلّا فلا يصوم؛ نظير الخطابات القرآنيّة فيما يكون المخاطب فيها خصوص النبيّ صلّى الله عليه و آله و سلّم، و المراد بيان تكليف قاطبة المكلّفين.

  • فعلم ممّا ذكرنا أنّ هذه الرواية من حيث دلالتها على مفروغيّة الرُّؤية الفعليّة في كلّ ناحيةٍ في ذهن السائل و عدم ردعه عليه السّلام أوّلًا،

رسالة حول مسألة رؤية الهلال‏

173
  • ثمّ السؤال عن إمكان تحقّق الاختلاف في الآفاق حتّى يكون تكليف كلّ ناحيةٍ على مدار الرُّؤية فيها بخصوصها و عدم ردعه عليه السّلام كذلك ثانياً،

  • ثمّ بيان القاعدة الكلّيّة بأنّ المدار على الرُّؤية الفعليّة، لا على الشكّ ثالثاً،

  • لابدّ و أن تحسب من الروايات الدالّة على لزوم الاشتراك في الآفاق، لا من الأدّلة الدالّة على عدم اللزوم كما ذهب إليه السيّد قدّس سرّه.

  • التنبيه السادس، والتنبيه السابع‌

  • التنبيه السادس: ذهب هذا السيّد قدّه على أنّ ممّا يدلّ على عدم لزوم الاشتراك في الآفاق في رؤية الهلال ورود النصوص المتواترة و الإجماع بل الضرورة أيضاً على أنّ شهر رمضان إمّا ثلاثون يوماً و أمّا تسعة و عشرون.

  • و ذلك لأنّه على مقالة المشهور من لزوم الاشتراك في الآفاق يلزم أن يكون شهر رمضان أحداً و ثلاثين يوماً أو ثمانيةً و عشرين، في حقّ من رأى هلال شهر رمضان في بلده ثمّ سافر إلى بلدٍ آخر يخالفه في الحكم حيث إنّه بانتقاله إليه يتبدّل حكمه لا محالة.

  • و فيه ما لا يخفي، لأنّ مدار الثلاثين أو تسعة و عشرين إنّما هو في حقّ القاطنين في كلّ بلدةٍ، و المسأفرين إلى بلادٍ متقاربةٍ تتّحد فيها الآفاق، بعين ما بيّنّا مورد الانصراف في مطلقات القضاءِ بالآفاق القريبة المتحدة بإمكانيّة الرُّؤية؛ لا في حقّ من سافر نادراً من قطرٍ إلى قطرٍ.

  • كما أنّ مطلقات آيات المواقيت في الصلوة و أخبارها منصرفة إلى المكلّفين الساكنين في النواحي المعمورة المعتدلة من الأرض؛ لا في حقّ من خرج عن المعمورة، و لم تكن فيها مواقيت، من زوالٍ و غروبٍ و فجرٍ و نحوها و هذا واضحٌ.

  • التنبيه السابع: روى الكلينيّ في الكافي و الشيخ في التهذيب‌۱ و الصدوق في من لا يحضره الفقيه و الطبرسيّ في مجمع البيان في تفسير سورة القدر، كلّ واحدٍ منهم بإسنادهم عن عليّ بن أبي حمزة الثُّمالي، قال: كُنْتُ عِنْدَ أَبِي عَبْدِ اللَهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ، فَقَالَ لَهُ أبُو بَصِيرٍ: جُعِلْتُ فِدَاكَ اللَيْلَةُ التي يُرْجَى فِيهَا مَا يُرْجَى؟ فَقَالَ: «في لَيْلَةِ إحْدَى وَ عِشْرِينَ أوْ ثَلَاثٍ وَ عِشْرِينَ». قَالَ: فَإنْ لم أقْوِ عَلَى كِلْتَيْهِمَا؟ فَقَالَ: «مَا أيْسَرَ لَيْلَتَيْنِ فِيمَا تَطْلُبُ». قَالَ: قُلْتُ: فَرُبَّمَا رَأيْنَا الهلالَ عِنْدَنَا، و جَآءَ مَنْ يخبِرُنَا

    1. في كتاب الصلوة في باب فضل شهر رمضان و الصلاة فيه زيادةً على النوافل المذكورة في سائر الشهور.

رسالة حول مسألة رؤية الهلال‏

174
  • بِخِلَافِ ذَلِكَ مِنْ أرْضٍ اخْرَى؟

  • فَقَالَ: «مَا أيْسَرَ أرْبعَ لَيَالٍ تَطْلُبُهَا فِيهَا»۱. و أورده في الوسائل في كتاب الصيام باب ٣٢ تعيّن ليلة القدر و أنّها في كلّ سنة و تأكّد استحباب الغسل فيها و إحيائها بالعبادة... .

  • ربّما تُوهّم من هذا الحديث عدم لزوم الاشتراك في الآفاق، حيث إنّ قوله عليه السّلام‌: «مَا أيْسَرَ أرْبَعَ لَيَالٍ تَطْلُبُهَا فِيهَا»، يدلّ على لزوم الأخذ بالهلال المرئيّ في الافق الذي جاء منه الخبر، قبل رؤيته في أُفق السائل.

  • و فيه لو كان كذلك لتعيّن اللّيلة التي يرجى فيها أيضاً في ليلتين، لكنّهما على حساب الرُّؤية في الافق الذي جاء منه الخبر، لا أربع ليالٍ.

  • فمراده عليه السّلام بالأخذ بأربع ليالٍ ليس إلّا من باب الأخذ بالحائطة؛ بأنّه إن كانت اللّيلة التي رئي فيها الهلال، هي أوّل الشهر بالنسبة إلى أُفقه، فاللّيلتين المذكورتين ظرفٌ للمطلوب، لكون ليلة القدر في إحديهما لا محالة؛ و إن كانت ليلة أوّل الشهر هي اللّيلة التي رئي فيها القمر من قِبَل المخبر، وخفي الهلال عندئذٍ في أُفق السائل، لغيمٍ أو سحابٍ و نحوهما، فاللّازم إحياء ليلتين أُخريين أيضاً قبل هاتين اللّيلتين، رجاءً لإدراك ليلة القدر في إحديهما.

  • بل هذه الرواية للقول بلزوم الاشتراك في الآفاق أدلّ.

  • لأنّه لو لم يلزم الاشتراك فيها لتعيّن أن يجيب عليه السّلام بإحياء ليلتين أُخريين فقط على حساب الرُّؤية في أُفق المخبر بالخبر، لاختلاف أُفقه مع أُفق السائل؛ فيلزم الأخذ برؤية الهلال فيه، بنائاً على عدم لزوم الاشتراك؛ فعدم التعيين دليلٌ على لزوم‌

    1. تتمة الحديث: قُلْتُ: جُعِلْتُ فِداكَ لَيْلَةُ ثَلاثٍ وَ عِشْرينَ لَيْلَةُ الجُهَنيّ؟ فقال: إنّ ذلك ليقال». قال جُعِلْتُ فِداكَ إنَّ سُلَيمانَ بْنَ خالِدٍ رَوَى في تِسْعَ عَشْرَةَ يُكْتَبُ وَ فْدُ الحاجِّ. فَقالَ لِي: «يا أبا مُحَمَّدٍ وَفْدُ الحاجِّ يُكْتَبُ في لَيْلَةِ القَدْرِوَ المنايا وَ البَلايا وَ الأرْزاق وما يَكونُ إلى مِثْلِها في قابِلٍ فَاطْلُبْها في لَيْلَةِ إحْدَى وَعِشْرينَ وَثَلثٍ وَ صَلِّ في كُلِّ واحِدَةٍ مِنْهُمَا مِأةَ رَكْعَةٍ و أحْيِهِمَا إنِ اسْتَطَعْتَ إلَى النّورِ وَ اغْتَسِلْ فيهِما» قالَ: قُلْتُ و إنْ لم أقْدِرْ عَلَى ذَلِكَ و أَنَا قآئمٌ؟ قالَ: «فَصَلِّ و أنْتَ جالِسٌ» قُلْتُ فَإنْ لم أسْتَطِعْ قالَ: «فَعَلَى فِراشِكَ» قُلْتُ فَإنْ لم أسْتَطِعْ قالَ: «لا عَلَيْكَ أنْ تَكْتَحِلَ أوَّلَ اللَيْلِ بِشَيئٍّ مِنَ النَّوْمِ و إنَّ أبْوابَ السَّمآءِ تُفْتَحُ في رَمَضانَ و تُصْفَدُ الشَّياطينُ و تُقْبَلُ أعْمالُ المؤْمِنِينَ، نِعْمَ الشَّهْرُ رَمَضانُ كانَ يُسَمَّى عَلَى عَهْدِ رَسولِ اللَهِ صَلَّى اللَهُ عَلَيْهِ وَ ءَالِهِ و سَلَّمَ المرزوقَ».

رسالة حول مسألة رؤية الهلال‏

175
  • الاشتراك، بالقياس الاستثنائيّ.

  • هذا آخر ما وُفّقت بتحريره في هذه الموسوعة بتوفيقٍ من الله تعالى.

  • ختام الموسوعة الثالثة

  • و هي موسوعةٌ ثالثةٌ حرّرتها حول مسئلة لزوم الاشتراك في الآفاق في رؤية الهلال في دخول الشهور القمريّة.

  • و راعيت فيها جوانب الجواب، و سدّ ثغور ما تُوهّم أن يدخل فيها من كلّ بابٍ. و للّه الحمد و له المنة عَلَيّ، على أن أخرَجها طريّةً نقيّةً صافيةً قابلةً لأن أُرسلها إلى السيّد الأيّد الفقيه النبيه: أُستاذنا المعظّم، عليه من التحيّات أزكاها و من الدعوات أنماها.

  • اشاهِدُ معنى حُسْنِكُمْ فَيَلَذُّ لي‌***خُضُوعي لَدَيْكُمْ في الهَوَى وَ تَذَلُّلِي‌
  • وَ أشْتاقُ لِلْمَعْنَى الذي أنتُمُ بِهِ‌***و لَوْلاكُمُ ما شَاقَني ذِكرُ مَنْزِلِي‌
  • وَ نِلْتُ مُرادي فَوْقَ ما كُنْتُ رَاجياً***فَوا شَعَفاً لَوْتَمَّ هذا وَدامَ لِي‌
  • عسى أن يقع مورد القبول، و تبيّن له المقبول، فهو غاية المسئول، و نهاية المأمول؛ فالله تبارك و تعالى دعا أرباب العقول بقوله عزّ مِن قائل‌: {فَبَشِّرْ عِبادِ الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُولئِكَ الَّذِينَ هَداهُمُ اللَّهُ وَ أُولئِكَ هُمْ أُولُوا الْأَلْبابِ}.۱

  • و في الختام ندعو لك بدوام الصحّة و التوفيق، و التأييد و التسديد، و فيضان الرحمة الراحمة من نفسك الواسعة، على الامّة المرحومة، الفرقة الناجية.

  • و أن يتفضّل علينا بقبول أعمالنا، و أن يجعلها خالصةً لوجهه الكريم، و يمنّ علينا بالعفو و المغفرة في سيّئاتنا، بجوده و كرمه و السلام عليكم و رحمة الله و بركاته.

  • اللهمّ إنّا نعوذ بك أن نَذهبَ عن قولك، أو نَفتتن عن دينك، أو تَتابعَ بنا أهوائنا دون الهدى الذي جاء من عندك.

  • اللهمّ أمتِعْنا بأبصارنا و أسماعِنا و قُوّاتِنا ما أحييتَنا، و اجعلْهُ الوارثَ مِنّا، و لا تَجعل مُصيبتَنا في ديننا و لا تَجعلِ الدُّنيا أكبر همِّنا و لا مَبلغَ علمِنا.

  • و أعنّا على ذلك بفتحٍ منك تُعجِّله، و بضرٍّ تَكْشفه، و نصرٍ تُعزّه، و سلطانِ حقٍّ تُظهره، و رحمةٍ منك تُجلِّلناها و عافيةٍ منك تُلبِسناها، برحمتك يا أرحم الراحمين.

    1. آلايتان ۱۸ ۱۷ من السورة ٣٩: الزمر.

رسالة حول مسألة رؤية الهلال‏

176
  • خُتمت هذه الموسوعة بتوفيق من الله و تأييده و بحوله و قوّته في الساعة الرابعة بعد الظهر، من اليوم السادس و العشرين من شهر ربيع المولود، مولد سيّدنا الأعظم و نبيّنا الأكرم، الخاتم لما سبق و الفاتح لما استقبل، محمّد بن عبد الله، عليه و على أولاده الطاهرين صلَوات الله و صلوات ملائكته المقرّبين و أنبيائه المرسلين و عباده الصالحين إلى يوم الدين؛ سنة ألف و ثلثمأة و ثمان و تسعين بعد الهجرة المحمّديّة على هاجرها آلاف التحيّة و الإكرام من الملك العلّام؛ و أنا الرّاجي عفو ربّه محمّد الحسين بن محمّد الصادق الحسينيّ الطهرانيّ ببلدة طهران.