المؤلّفالهیئة العلمیة لموقع مدرسة الوحي
القسم التاريخ و الاجتماع
التوضيح
أهم محتويات المقالة:
ما تفيده الفلسفة الإسلامية حول الرجل والمرأة عمومًا؛
- الجهة الأولى: ارتكاز نظام العالم الواحد إلى التوحيد الإلهيّ؛
- الجهة الثّانيه: لزوم هداية الله تعالى كلَّ شيء؛
- الجهة الثّالثة: عدم سلب نظام العالم حقّ أحد؛
- الجهة الرّابعة: اختلاف الرَّجل والمرأة في القوى الظاهريَّة والباطنيَّة؛
- الجهة الخامسة: موارد اشتراك الرَّجل والمرأة واختلافهما؛
- ملحق في أقوال بعض علماء النفس حول المرأة.
هو العليم
موقع المرأة والرجل على ضوء قواعد النظريّة الإسلاميّة
بحث منتخب من آثار الأعاظم
إعداد: الهيئة العلمية في موقع مدرسة الوحي
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
المقدّمة
الحمد للَّه الذي خَلَقَنا {من نفسٍ واحِدَةٍ وخلق منها زَوْجَها وبَثَّ منهما رِجالًا كثيراً ونِساءً}۱، وأخرجنا من الظُّلمات البهيميّة إلى الأنوار الإنسانيّة؛ وقَرَّب منازِلنا خلقاً بعد خلقٍ فَسَوّانا بإيداع الصِّفات الإلهيّة والنُّور الأحديّة؛ {فَتَبَاركَ اللهُ أحْسَنُ الخَالِقينَ}٢.
ثُم شَرَّفنا بالتَّكليف، وأضافَنَا بالتَّشريف، وفَضَّلنا بالتَّكريم: {وَ لَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وحَمَلْنَاهُمْ في البَرِّ والْبَحْرِ ورَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وفَضَّلْنَاهُمْ على كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا}٣.
«وَ سَخَّرَ لَنا مَا في السَّمَوَاتِ ومَا في الأرْضِ»٤، «وسَخَّرَ لَنا الشَّمْسَ والْقَمَرَ دائِبَيْن، وسَخَّرَ لَنا اللَّيْلَ والنَّهَارَ»٥، «وخَلَقَ لَنَا ما في الأرْضِ جَميعاً»٦، «وآتانا مِنْ كُلِّ مَا سألْنَاهُ وإنْ نَعُدَّ نِعْمَةَ اللهِ لا نُحْصِهَا، سبحانَك اللّهمَّ إنَّ الإنْسَانَ لَظَلومٌ كَفَّارٌ».۷
و الصَّلاه والسَّلام على خيرِ مَنْ أوتيَ جوامِعَ الكَلِمِ وفَصْل الخِطابِ، صاحِبِ الشَّريعةِ الإلهيَّةِ والدِّينِ القويمِ، الجائي من اللهِ بِنُورٍ وكِتابٍ مُبينٍ {يَهْدي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوانَهُ سُبُلَ السَّلامِ ويُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ ويَهْديهِمْ إِلى صِراطٍ مُسْتَقيمٍ}۸، آمرِنا بالمعروفِ وناهينا عن المنكر، والمُحِلِّ لنا الطَّيِّباتِ، والمُحرِّم علينا الخبائِث، والواضع عنَّا الإصْرَ والأغْلالَ التي كانَت عَلينا٩، القائِلِ بقوله الحقِّ وكلامِهِ الصِّدقِ: «حَلَالُ مُحَمَّدٍ حَلَالُ إلَى يَوْمِ القِيَامَةِ وحَرَامُ مُحَمَّدٍ حَرَامٌ إلَى يَوْمِ الْقِيِامِةِ»۱۰؛ وعلى آله الطّاهرينَ الحافظينَ لدينه، القَيِّمينَ لكتابه، الأولياءِ لِأمّتِهِ، صَلَاةً لا يَقْوى على إحصائِها غيرُك.
اللَهمَّ اجعلنا من {الَّذين آمَنوا به وعَزَّرُوهُ ونَصَرُوهُ واتَّبعوا النُّورَ الذي أُنزِلَ مَعَه} واجْعلنا من المُفْلِحينَ۱۱ بِهِ وبِوِلاءِ أوصيائِه وذرِّيَّتِهِ الطَّيِّبة إنَّك سميعُ النِّداءِ، والعن الَّذين بَدَّلُوا دينَك وحَرَّفوا كَلِمَتَكَ وسخِروا بإمامِك، ولا تكِلنا إلى آرائِنا وأهوائِنا، ربَّنا وتَقَبَّلِ الدُّعاءَ.
ثمَّ إنَّي لمَّا رأيتُ هجومَ الحَضارةِ الكفريَّةِ، الشَّرقيَّةِ منها والغربيَّةِ على الشَّريعة الإسلاميَّة بنظامها الكامل وأساسها الكافل في حقوق الرِّجال والنِّساءِ وما يُرى فيها من الاختلاف حسبَ ما تستدعيه الفطرةُ وتستحِقُّه الغريزةُ، بأنَّ الاختلاف يوجب سلبَ حقوقهنَّ الطبيعيَّةِ في الاجتماع وطردَهُنَّ من إمكان اكتساب الكمالات النفسيَّةِ إلى زاويةِ الخمولِ وقعرِ البَيْتِ، ثُمَّ ما رأيت في جواب طائِفةٍ بأنَّ هذا المنع والتَّحريم إلهيٌّ لمراعاتِ المصلحةِ العامّةِ، وهذا السّلب ضروريّ لبقاءِ المدينة الفاضلة، وجوابِ طائِفةٍ أخرى بمنع الاختلاف بتًّا وادِّعاءِ تساوي حقوقهم وحقوقهنَّ في جميع مراحلِ الحياةِ والحضارةِ حتَّى الجِهاد والقَضاءِ والحكومةِ، خَطَرَ ببالي أن أكتبَ حولَ هذه المسالة موجَزاً ممّا يُستفاد من الكتاب والسُّنَّة، مُؤيِّداً بما حكم العقلُ بما يَرى شأنَ الفِطرة، وأبَيِّن فيها الحقَّ في المقام وضَعفَ ما في كلا الجوابينِ.۱٢
[هذا من ناحية نظريّة، وإذا ما التفتنا إلى الواقع العمليّ لحياة الكثيرين تواجهنا ظاهرة تخلّي الزوج] لزوجته عن مسؤوليّة إدارة أمور المنزل، بل ومسؤوليّة تسيير أموره الشخصيّة، وكذا ما يتعلّق منها بخارج المنزل، فصارت فعّالة لما تشاء، حاكمة بما تريد عليه.
إنّ الزعامة في الأمور والتفويض وحرّيّة الاختيار حين تصبح في يد النساء، فمن الواضح أين سيسقن الرجال، وفي أيّ طريقٍ سيوردنْهم، ومن أين سترد الضربة القاصمة للمجتمع السليم وللسلام! وهنا تشرق هذه الآية المباركة من أفق الغيب فتهتك الستر الخفيّ هاتفةً: {الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَآءِ بِمَا فَضَّلَ اللهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وبِمَآ أنفَقُوا مِنْ أمْوَالِهِمْ فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِّلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللهُ}.۱
و لا ينقضي العجب من أنّ الكلام كثيراً ما يدور هذه الأيام حول آية: {إنَّ أكْرَمَكُمْ عِندَ اللهِ أتْقَاكُمْ}٢، فيعتبرها مدّعو معرفة الإسلام قانوناً أصيلًا يعدّ من مفاخر القرآن، بَيدَ أنّهم لا يأتون بذكرٍ لآية: {الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَآءِ}، أو لجملة: {فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ}٣، أي لمسألة لزوم طاعة النساء للأزواج، كأنّهم جزّأوا الإسلام فقبلوا منه بعضاً ورفضوا بعضاً، مع اعترافهم اللفظيّ الشكليّ بجميع القرآن وإقرارهم الكلّيّ بجميع أحكامه.
إنّ الفتاة التي لا تقبل قيمومة الرجل على المرأة، ووجوب طاعته والتسليم له، وكان في نيّتها أن تُخضِع الزوج لسيطرتها بعد الزواج، فتأمره وتنهاه، وأن تتسلّط على الأمور بالحيلة والمكر بمختلف الوسائل؛ وبشكلٍ عامّ فلو كانت تعتقد أنّ المرأة ينبغي أن تتسلّط على الرجل أو تتدخّل في أموره، فهي في الحقيقة ترفض هذه الآية ولا تقبلها، حتى لو احترمت القرآن وبجّلته والتزمت بفتحه أمام أعينها في مجلس العقد، وسيكون عقد زواجها في هذه الحالة باطلًا، لأنّه لم يجرِ وفق شريعة رسول الله ووفق كتاب الله. وللّه الحمد وله الشكر فقد كتبنا «رسالة بديعة: {الرّجَالُ قَوَّامُونَ}٤ وطُبعت ترجمتها أيضاً، وانتشرت، وحريّ بالجميع ـ رجالًا ونساء ـ أن يقرأوا هذه الرسالة ليتعرّفوا على روح الإسلام وسموّ نظرته بشأن حكمة المجتمع، والواجبات المهمّة للرجال والنساء، من أجل تشكيل مجتمع صالح يقوم على أساس التعاليم القرآنيّة، لا الأوهام الشخصيّة أو الأفكار الجاهليّة.٥
ما تفيده الفلسفة الإسلامية حول الرجل والمرأة عمومًا
وكلامنا... يقع في طيّ جهات:
الجهة الأولى: ارتكاز نظام العالم الواحد إلى التوحيد الإلهيّ
الجهة الأولى: إنَّ نظام العالم مع ما فيه من الكَثَرات، المُجرَّدات والمادِّيَّات، والمَلَكُوتيَّات والمُلكيَّات، والبسائِطِ والمركبَّات نظامٌ واحدٌ على أساس التَّوحيد الإلهيّ، مبنيّ على قاعدة متينةٍ وطرزٍ بديعٍ وبناءٍ عظيم؛ كلُّ جزءٍ منه مرتبطٌ بالآخر بكمال الارتباط والإتقان: {صُنْعَ اللهِ الذي أتَقَنَ كُلَّ شَيْءٍ}۱، لا ينثلم بثُلْمَةٍ ولا ينفطر بفُطُورٍ: {مَا تَرى في خَلْقِ الرَّحْمَنِ مِنْ تَفَاوُتٍ فَارْجِعِ الْبَصَرَ هَلْ تَرى مِنْ فُطُورٍ}٢.
و لا يعرضه الباطل، ولا يعتريه لعبٌ ولهوٌ وعبثٌ:
{وَ مَا خَلَقْنَا السَّمَاءَ والأرْضَ ومَا بَيْنَهُمَا بَاطِلًا ذَلِكَ ظَنُّ الَّذِينَ كَفَرُوا}٣.
{وَ مَا خَلَقْنَا السَّمَاءَ والأرْضَ ومَا بَيْنَهُمَا لَاعِبِينَ لَوْ أرَدْنَا أنْ نَتَّخِذَ لَهْواً لَاتَّخَذْنَاهُ مِنْ لَدُنَّا إنْ كُنَّا فَاعِلينَ}٤؛ {أفَحَسِبْتُمْ أنَّمَا خَلَقْناكُمْ عَبَثاً وأنَّكُمْ إلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ}٥
بل أسَّسَه رَبُّة وأتْقَنَه مُدبِّره على بناء الحقِّ: {وَ مَا خَلَقْنَا السَّمَوَاتِ والأرْضَ ومَا بَيْنَهُمَا إلَّا بِالْحَقِّ}٦.
فإذن جميع ما في العالم الأعلى من العوالم وشؤونها، وما يُرى فيها من العقول المفارقه والمقارنة، والنُّفوس الرُّوحانيَّةِ النَّاطقيَّةِ والحيوانيَّةِ والنَّباتيَّةِ والجماديَّةِ وغيرها حقُّ صِرفٌ، وحقيقةٌ بَحتةٌ، وواقعيَّة بلا مجازٍ، وصدقٌ بلا هزءٍ، متجليّاتٌ بجماله وجلاله، ومتدلّياتٌ بعزّه وقوامه، وظهوراتٌ لأسمائه وصفاته؛ {ذلك بِأنَّ اللهَ هُوَ الْحَقُّ وأنَّ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ الْبَاطِلُ وأنَّ اللهَ هُوَ الْعَلِيّ الْكَبِيرُ}۷.
أفما حَسْبُنا قُولُه عَزَّ من قائِل: {سَنُريهِمْ آيَاتِنَا في الآفَاق وفي أنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أنَّهُ الْحَقُّ أوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أنَّهُ على كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ ألَا إنَّهُمْ في مِرْيَةٍ مِنْ لِقَاءِ رَبِّهِمْ ألَا إنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ مُحِيطُ}۸.
الجهة الثّانيه: لزوم هداية الله تعالى كلَّ شيء
الجهة الثانية: إنَّ اللهَ تبارك وتعالى لم يكن يُهمل الخلقَ بعد أن خَلَقَ، ولم يَتركه سُدى، بل كان يُسيِّره بعد الخلق من بدءِ القابليَّةِ والاستعداد إلى قُصوَى غايةِ الكمال من الفعليَّة والتَّماميَّة؛ كُلَّ شَيء بحَسَبه؛ وهَدَاه إلى ما فَطَره ورَكَزَه فيه من القُوى إلى نِهاية مسيره بالتَّكوين والتَّشريع؛ وأعطى كُلَّ شَيءٍ ما يحتاج إليه بحسب حاجته الفطريَّة وغريزته الطبيعيَّة؛ ويرزقه بلا فتورٍ ولا تَعَبٍ، في سبيل ما أودعه في جِبِلَّته وهويَّة وجوده وكينونة تحقُّقِه.
أما تنظر إلى ما أجاب به موسى فرعونَ حين سأله وأخاه هارون عن ربِّهما بقوله: {رَبُّنَا الذي أعْطى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى}۱.
و هذا جواب تامٌّ كاملٌ شاملٌ قد أدرج فيه لزومُ الهِدَاية بعد إعطاءِ كلِّ هويَّةٍ ما يُحَقِّقها من الوجود، والإفاضة على كُلِّ ماهيَّةٍ ما تستحقُّه من الآثار.
و بهذه المثابة قوله عزَّ من قائِلٍ: {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الأعْلَى- الذي خَلَقَ فَسَوَّى- والذي قَدَّرَ فَهَدَى}٢.
فَسُبحان من يُتمُّ أمرُه كلَّ شَيء وفي كلِّ شَيء؛ وسُبحان من أطبق أمرَه على خلقه، وتشريعَه على تكوينه.
{كَانَ النَّاسُ أمَّةٍ وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ ومُنْذِرِينَ وأنْزَلَ مَعَهُمُ الْكِتابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُوا فيه}٣.
{رُسُلًا مُبَشِّرينَ ومُنْذِرينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُل}٤.
فَسُبحانَ من أرسل الرُّسل وأنزل الكُتب والموازين كي لا يَتَعدَّى الإنسانُ قَدرَه ولا يتجاوزَ عن حَدِّه: {لَقَدْ أرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّناتِ وأنْزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ والْمِيزانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ}٥، ولا يقولَ أحدٌ: {رَبَّنَا لَوْلَا أرْسَلْتَ إلَيْنَا رَسُولًا فَنَتَّبعَ آيَاتِكَ مِنْ قَبْلِ أنْ نَذِلَّ ونَخْزَى}٦.
و المحصِّل من الكلام: أنَّ الدِّين القويم هو المتَّخذ من الفِطرة الإلهيَّة؛ وما من قاعدة أو حكم كلّيّ أو جزئيّ إلّا مندرجةٌ تحته مصلحةٌ كاملةٌ بلا تضادٍّ ولا تباينٍ بين سُّنةِ التَّكوين والتَّشريع؛ بل التَّشريع مُؤَيِّدٌ ومسدِّدٌ للتَّكوين، وموجبٌ لتحريكِ الإنسانِ السَّاذِجِ من منازل الاستعدادِ ومراحل القابليَّة إلى كماله الغائِيّ وتمامه النِّهائيّ.
{فَأقِمْ وَجْهَكَ لَلدِّينِ حَنِيفاً فِطْرَةَ اللهِ التي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ}۷.
و على الأخصّ شريعة سيِّدنا محمَّدٍ صلَّى اللهُ عليه وآله وسلَّم، النُّور المشرقِ، والرُّوحِ المكمَّلِ، مُزكِّي النُّفُوسِ ومُطَهِّرِها، والتَّالِي لآياتِ اللهِ ومُبَيِّنِها، ومُعَلِّمِ الكتاب والحِكْمَة، ومخرجِ النّاس من الظُّلمات إلى النُّور بإذن ربِّه والسِّراجِ المُضيء:
{إنَّا أرْسَلْنَاكَ شَاهِداً ومُبَشِّراً ونَذِيراً ودَاعِياً إلَى اللهِ بِإذْنِهِ وسِرَاجاً مُنيراً}۸.
الجهة الثّالثة: عدم سلب نظام العالم حقّ أحد
الجهة الثَّالثة: إنَّ اللهَ عَزَّ وجلَّ لم يَسلُب عن ذي حقٍّ حقّه ولو بقدر ذَرَّةٍ، بل أعطاه من الحقوقِ على النَّهج الأوفر؛ لأنَّه تعالى عَدلٌ ويأمُر بالعَدل والقِسط، والوزنِ بالميزان المستقيم.
{إنَّ اللهَ يَأمُرُ بِالْعَدْلِ}۱؛ {قُلْ أمَرَ رَبِّي بِالْقِسْطِ}٢؛ {وَ زِنُوا بِالْقِسْطَاسِ الْمُسْتَقِيمِ}٣.
و قد أورد في مواضعَ من كتابه {بِأنَّ اللهَ لَيْسَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ}٤.
و أخبر في موارد كثيرة بأنَّه: {مَا كَانَ اللهُ لِيَظْلِمَهُمْ}٥؛ بل أخبر {بأنَّ اللهَ لَا يَظْلِمُ النَّاسَ شَيْئاً}٦ وقال: {إنَّ اللهَ لَا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ}۷.
و معلوم أنَّ من العدل إعطاء كلِّ ذي حقٍّ حقَّه بلا إفراطٍ ولا تفريطٍ. فالله سبحانه يُعطي كلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ حَسَبَ ما تستدعيه فطرتُهُ، وتستجلبه غريزَتُه. فالإفراط تحكُّمٌ وتكليفٌ وراءَ التَّحمُّل، وتحميلٌ لما فوق القدرة والطَّاقة، و{لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلاَّ ما آتاها}۸؛ بل و{لَا يُكَلِّفُ اللهُ نَفْساً إلَّا وُسْعَهَا}٩ كما أنَّ التَّفريط ظلمٌ وموجبٌ للمحروميَّةِ والتَّعطيل؛ {ولَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أحَدا}۱۰
و حيث إنَّ الخلق ومنه الإنسان لم يُخلق على وَتيرةٍ واحدةٍ ونهجٍ واحدٍ، بل يوجد في نوعه القويّ والضَّعيفُ من جهة البُنيةِ البشريَّة والقوَّة المادِّيَّة، ومن جهة الصِّفات الروحيَّة والغرائِز الخُلقيَّة والتَّفكير والإحساس والعواطف؛ فهو معجونٌ من موادّ مختلفة وصفات كثيرة، عَجَنَه ربُّه وركَّبه مُدَبِّره على مدارجِ الاستعداد ومراتب الاستحقاق. أعطى الإنسانَ ومنه الذَّكرُ والأنثى على مقدار ما أودع جلَّ وعزَّ في وجوده من القابليَّة، وكلَّف الذَّكر والأنثى كُلًّا على حسبِ ظرفه وسَعةِ محلِّه، وإلَّا لانقلب العدلُ ظلماً؛ وحاشاه أن يكون ظالماً.
فما يُرى من منع النِّساءِ عن جهات من الأمور كالقَضاءِ، والحكومة، والجِهاد، والبُروز في أندية الرِّجال، وكشفِ الحجاب، والجمعة، والجماعة، وشهادة الجنائز، والحضور عند القبور مع الجنازة، ورفعِ المشاقِّ عنها، ليس فيها جهةُ سلبِ حقٍّ عنهنَّ، بل إعطاءُ حقٍّ لهنَّ بالنَّحو الأتمِّ الأكمل.
و ذلك لأنَّه تبارك وتعالى لمَّا فطرهنَّ من أنواع الغرائِز وشَكَّلهنَّ بشاكِلَةٍ خاصَّةٍ راعى بالنِّسبة إليهنَّ ما هو صالح الأمر في حقِّهنَّ، وهو الكفُّ عن الجِهاد والقضاءِ والحكومة وما يضاهيها.
و هذا الكفُّ إنَّما هو حقٌّ إلهيّ أعطاهنَّ العليم الخبير، لا أنَّ حقَّهنَّ الأوَّليّ هو الجِهادُ وأمثالُه، واللهُ مَنَعَهنَّ عنه وعن أشباهِه.
إن اللهَ تعالى لم يمنع ذا حقٍّ حقَّه، بل يُعطى كلَّ ذِي حقٍّ حقَّه؛ وإيَّاك وأن يشتبه عليك إعطاءُ حقٍّ من سلبِ حقٍّ.
إن الحقَّ الأوَّليّ للمرأة هو الكفُّ عن مَشاكِلِ الأمور، لا أنَّ الحقَّ الأوَّليّ هو التَّرخيص فيها ثمَّ عرض عارضٌ إلهيّ وهو المنعُ عن إعمال هذا الحقِّ.
إن الحَقَّ الأوّلِيّ للمرأة هو الحجابُ وسترُ بدنها عن أنظارٍ شَهويَّةٍ موبِقَةٍ، لا أنَّ حقَّها الأوَّليّ هو السُّفور والكَشف، والله مَنَعَها عن هذا الحقِّ وألزمَهَا الحجابَ والقرارَ في البيت.
أما واللهِ لَقَد دَخَلَ التَّبديل وعَرَض التَّحريف، لا في مرحلة التَّكليم [والتعبير] فقط بل في ساحةِ التَّفكير؛ حتَّى كأنَّ سُفورَ المرأة وكشفَها ودخولَها في جماعاتِ الرِّجال وتَصدِّيها للقَضاءِ والحكومةِ والجِهاد حقوقٌ أوليَّةٌ لها، والشَّارع سَلَبَها عنها.
و هذا النحو من التَّحريف إنَّما هو الاستعباديّ الاستيلائيّ الفِكريّ، وهو تبديلُ مواضع المعاني عن محالِّها الأوَّليَّة وجعلُها فيما لا يَستحقُّها.
و هذا من أعظم المصائب الواردة علينا من الكُفر الجاشِم۱؛ لأنَّه بهذا التَّحريف كان قد أعمى بصائِرنَا عن إدراك واقع الأمر، لا أنَّه كان يكتفي بإعماءِ أبصارنا عن ظاهر الأمر.
و كم لهذه المسألة نظير في المعارف والآداب، فكان الكُفر الحاسم٢ قد أوقع علينا أشدَّ ضَرَباته بتحريف اللُّغات٣ عن معانيها الواقعيَّة، وبتحريف المعاني ـ مواضعَها ـ عن محالِّها اللّائِقَةِ بها.
نسأل اللهَ تعالى أن لا يُبقينا في العمى بعدَ أن فَتَحَ عيونَنا بإحرازِ الرَّويَّة، ولا يَطْمِسَ بصائِرَنا بتعمية الحقيقة بعد أن نوَّرَهَا بإدراك البَصيرة؛ ولا يكلَنا إلى آرائِنا الزَّائفَةِ وأفكارنا الهالكة، فَنَذُوقَ وبَالَ أمرِنا ويكونَ عَاقِبَةُ أمرِنا خُسْراً٤، ولا يَجْعَلنَا مِمَّنْ أغْفَلَ قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِهِ {وَ اتَّبَعَ هَوَاهُ وكَانَ أمْرُهُ فُرُطاً}٥
الجهة الرّابعة: اختلاف الرَّجل والمرأة في القوى الظاهريَّة والباطنيَّة
الجهة الرَّابعة: إنَّ من البديهيّ اختلاف الرَّجل والمرأة في جهاتٍ عديدةٍ، ظاهريَّةٍ وباطنيَّة، جسميَّةٍ وروحيَّةٍ، خَلقيَّةٍ، فِكريَّةٍ وعاطفيَّةٍ.
فاللهُ سبحانَه وتعالى دَرَّ عليهما من خزائِن رحمته وملكوتِ بحار أسمائِه ما هو أليقُ بشاكِلَتِهِما وأحسنُ بتركيبهما:
{وَ إنْ مِنْ شَيْءٍ إلَّا عِنْدَنَا خَزائِنُهُ ومَا نُنَزِّلُهُ إلَّا بِقَدَرٍ مَعْلُومٍ}٦
يكون الرَّجلُ شديدَ البَطْش، قويّ الأركان، متينَ الْبنيان، ذا قُوَّة تعقُّلٍ وتفكيرٍ حادٍّ وإحساسٍ متناسبٍ. والمرأةُ رقيقَة البنيان، لطيفَة الأركان، ذات إحساس حادٍّ وعاطفةٍ قويَّةٍ وتفكيرٍ متناسبٍ، بعكس ما يكون للرَّجل.
قد أودع اللهُ سبحانَه في كلٍّ منهما بَحَسَبَهِ ما هو لازمٌ له في الطَّريق الأحسن والنَّهج الأقرب إلى كَمال هويَّتهما وصَيرورةِ قابليَّتِهما فعليِّةً تامَّةً، حتّى تكون أثْمَرَتْ شجرةُ وجودِهما ونضجتْ ثمرةُ حَياتهما بلا تعطيلٍ وفتورٍ.
و أنت يا أيُّها العاقل! إذا فكَّرتَ في كيفيَّة ما أودع اللهُ فيهما من عالم الخِلْقَة، ثم ما يَتَرقَّب منهما في نِظام الوجود، لَتَرى المرأةَ ذاتَ تحمُّلٍ في أعباء الحمل، وإيداع النُّطفة التي هي أعظم تَجلٍّ إلهيّ في رَحِمِها الذي هو من أعظم أجهزة البَدَن، والمخاضِ والولادةِ والإرضاع، والتَّربية، وقد احتاجتْ إلى محبَّةٍ شديدة، وعاطفةٍ قويَّةٍ، وإحساس لطيفٍ، وذوقٍ رقيقٍ كي تَتَحمَّلَ هذه المَشاكل، وتُرَتِّبَهَا بأدقّ ترتيبٍ، وتُنَزِّلَهَا بأحسنِ منزلة؛ وتحتاج إلى السُّكونِ والقَرار، وفراغِ شغلٍ عن تحصيل النَّفقةِ وترميمِ المعاش؛ بخلاف الرَّجل فإنَّه واقعٌ في معزل عن هذه الأمور وغير مصادَم بها؛ والفطرة لا تنتظر منه في طَيّ هذه السِّلسلةِ الطَّويلةِ إلّا الاستيلاد؛ ولا مَؤُونة فيه بالنِّسبة إليه؛ فلا بدَّ له من الْكَدِّ والسَّعيِ في المعاش، وتهيئة المَسكن والمَلبس والمَأكل والمَشرب، وترميمِ البَيت من الآفاتِ والعاهاتِ، وترتيب المنزل الاجتماعيّ على أحسنِ صورةٍ وأتَمِّ ترتيبٍ.
فعليه الخروج في طلب المنافع، ودفع المضارِّ والجهاد، والدِّفاع عن كينونة موجوديَّتهما وموجوديَّة المجتمع الذي يَعيشانِ فيه، وحَلِّ الأمور وفَسْخِها، والأخذ والبَطش والدَّفع والطَّرد بجسمهِ وعقلِه وذِهنهِ.
فاللهُ ـ سبحانه وتقدَّس ـ أعطاه من قُوَّة الجِسم وضِخَمِ العَظم، ومن قُوَّة الفعل دون الانفعال، والتَّفكيرِ القويّ دون الإحساس، ومن خُشونة الحَياة، وجُشوبة العَيش ما يستحقُّه بحسب خلقته، وعلى نهج ما أودَعَه فيه من فطرته.۱ وهذا هو التَّوزيع الصَّحيح والتَّقسيم السَّليم:
{إنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ}٢ {وَ كَانَ أمْرُ اللهِ قَدَراً مَقْدُوراً}٣ {وَ كُلُّ شَيْءٍ عِنْدَهُ بِمِقْدَارٍ}٤.
و هذا هو الحقُّ الَّذى وصف اللهُ سبحانَه نفسَه به بقوله: {بِأنَّ اللهَ هُوَ الْحَقُّ}٥. وهي الحكمة الَّتى تقتضي جَعْلَ كُلَّ شَيْء فى موضعه، وإعطاءَ كُلِّ ذي حقٍّ حَقَّهُ؛ وقد وصف اللهُ سبحانه نفسه بأنهَّ هو العليمُ الحكيمُ وأنَّه هو العزيزُ الحكيمُ فى آياتٍ كثيرة.
و هذا من ناحيةٍ؛ ومن ناحيةٍ أخرى: إنَّ بَين نفس الرَّجل والمرأة تجاذُباً فعليّاً مغناطيسيّاً، يَجذب كُلٌّ منهما صاحبَه، ويَجلبه بلا دافعٍ ولا مانعٍ٦؛ واسترسال هذا التّجاذب يُخِلُّ بأمر الزَّواج، ويُعطِّل أمر الأولاد، ويَهدم السُّكونَ المنزليّ، {ويُهلك الحرثَ والنَّسل واللهُ لا يُحِبُّ الْفَسَادَ}۷.
فاللهُ سبحانَه عيَّن مقدار التّجاذب وَحَدَّه على أساس الزَّواج، والاستعفاف، وغضِّ البَصَر، والحجاب، وعدم التّبرّج، وعدم الخضوعِ في القول، والقَرار في البيت.
شبهة وجواب: ما عليه النساء من الضعف هو نتيجة التربية الاجتماعيّة
و ما ربما يسمع من سفاهات بعض من لا خبرةَ له من أنَّ تقرير النِّساءِ في البيوت، وسَدْلَ الحجاب عليهنَّ، وعدمَ إشراكهنَّ مع الرِّجال في المعارك والأمور الخطيرة بالتَّصدِّي لأمر الولادة والحضانة، هي التي أورثَت عليهنَّ الضَّعفَ في القوى البدنيَّة والتّفكيريَّة؛ فالضَّعف ثمرةٌ اكتسابيَّةٌ من هذه الرِّياضة الاجتماعيَّة، لا أمرٌ موهوبيّ غريزيّ؛ فكان معلولًا بها لا علّة لها.
الجواب عليها بثلاث نقاط:
يُبطله أوّلًا أنَّ ما يُشاهد فيهنَّ من الضَّعف ليس مختّصاً بالمجامع التي تكون النِّساءُ فيها مُحَجَّبَةً وغيرَ مُداخلاتٍ في أعمال الرّجال؛ بل مشترك فيهنَّ وفي غيرهنَّ، مع أنَّهنَّ يَحِضْنَ في كلِّ شهرٍ بلا تفاوتٍ منهنَّ بين الحَضَريَّة والبَدَويَّة.
و ثانياً: إنَّ اختلاف القوى في الذَّكر والأنثى ليس في دائِرة الإنسان فقط، بل يسع أقسام الحيوان بأنواعه، البَرِّيّ منه والبحريّ والطُّيور؛ فالاختلاف مشهودٌ في أنواعه في ذَكَرِه وأنثاه؛ فأينَ هذا من سُنَّةِ الحجاب۱ ؟.
و ما ربّما يُتوهَّم بأنَّه يمكن أن يكون في أنواع أنثى الحيوان حجابٌ أيضاً أوجب عليها الضَّعف، مدفوعٌ بأنَّه بناءً عليه يُعلم عندئذٍ أنَّ الحجاب لازم ضروريّ، أقَرَّه لها التَّكوينُ، فلا يَشُذُّ عنه حيوانٌ؛ فَلِمَ لا نلتزم به في الإنسان ونحكم فيه بالسُّفور؟!.
و إن لم يستند بناءُ الضَّعف إلى الحجاب، فلا فَرق في أصالة التَّفاوت في الحيوان والإنسان بين الذَّكَر منه والأنثى.
و ثالثاً: إنَّ هذا التَّفاوت ناموسٌ كلّيّ في جميع أعضاءِ عالم المادَّة حتَّى الجمادات؛ لأنَّ القُوَّةَ الفعليَّةَ فيها أقوى من القُوَّة الإنفعاليَّة طُرّاً؛ وقد ثَبَتَ في العلوم الفيزياويَّة أنَّ مقدار قُوَّة البرُوتُون التي هي مرتكزة في مركز الذّرّة وحاملةٌ للقُوَّة الفعليَّة المُثبتَة على وَحْدِها تكون بقدر جميع قوى الإلكْتِرونات الإنفعاليَّة المنفيَّة التي تدور حولها.
الجهة الخامسة: موارد اشتراك الرَّجل والمرأة واختلافهما
الجهة الخامسة: إذا نظرنا إلى الرَّجل والمرأة من جهة اشتراكهما في الاجتماع المنزليّ في المدينة الفاضلة الإنسانيّة، نرى لكلّ واحدٍ منهما سهماً مساوياً للآخر في تنظيم المنزل واشتراك الاجتماع، من حيث نفس التَّنظيم والإشراك.٢
و إذا قايَسْنا كلَّ واحدٍ منهما مجرَّداً عن الآخر بحسب المواهب الطبيعيَّة الإلهيَّة، فلا إشكال في تقديم الرِّجال على النِّساء من جهة البُنية القويمة والقُوَّة العقلانيَّة الحكيمة وسعةِ التَّفكير وقُوَّة التَّدبير:
{الرِّجَالُ قَوَّامُونَ على النِّساءِ بِما فَضَّلَ اللهُ بَعْضَهُمْ على بَعْضٍ}۱.
{وَ لَهُنَّ مِثْلُ الذي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ ولِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ}٢.
و أمَّا إذا لاحظنا كلَّ واحدٍ منهما في سلوكه الخاصِّ إلى الله تعالى ولقائِه وسيره في النَّشآت الكماليَّة ودرجات الزُّلفى والقُربة، فالسَّبيلُ واضحٌ والطَّريقُ مشهودٌ؛ فلا حاظرٌ يَمنع، ولا دافعٌ يَدفع، بل لكلٍّ منهما تشمير الذَّيل والحركة من الظَّاهر إلى الباطن، ومن الاعتبار إلى الحقيقة، ومن الأهواءِ إلى الآراءِ، ومن الدُّنيا إلى العُليا، وممَّا سوى الله تعالى إلى التَّبتُّل إليه والنُّزول في حرمِ قُدسِهِ وحريم عزِّه {في مَقْعَدِ صِدْقٍ عِنْدَ مَلِيكٍ مُقْتَدِرٍ}٣.
انظر إلى قول الله تبارك وتعالى كيف جعلهما في درجةٍ واحدة في الغُفران والعظيم من الأجر: {إنَّ الْمُسْلِمِينَ والْمُسْلِمَاتِ والْمُؤْمِنِينَ والْمُؤْمِنَاتِ والْقَانِتِينَ والْقَانِتَاتِ والصَّادِقِينَ والصَّادِقَاتِ والصَّابِرِينَ والصَّابِرَاتِ والْخاشِعِينَ والْخَاشِعَاتِ والْمُتَصَدِّقِينَ والْمُتَصَدِّقَاتِ والصَّائِمِينَ والصَّائِمَاتِ والْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ والْحَافِظَاتِ والذَّاكِرِينَ اللهَ كَثِيراً والذَّاكِرَاتِ أعَدَّ اللهُ لَهُمْ مغْفِرَةً وأجْراً عَظِيماً}٤.
و من أتمِّ الآيات في إفادة هذا المعنى قوله تعالى:
{وَ مَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ مِنْ ذَكَرٍ أوْ أنْثَى وهُوَ مُؤْمِنٌ فَأولَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ ولَا يُظْلَمُونَ نَقِيراً}٥.
وَ أتمُّ منها قوله تعالى:
{ومَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أوْ انْثَى وهُوَ مُؤْمِنٌ فَأولَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ يُرْزَقُونَ فِيهَا بِغَيْرِ حِسَابٍ}٦.
و أصرح منها معنى وأكملها مفاداً قوله تبارك وتعالى:
{مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أوْ أنْثَى وهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً ولَنَجْزِيَنَّهُمْ أجْرَهُمْ بِأحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ}.۷
حيث وعد اللهُ سبحانَه فيها بالحياة الطيِّبةِ وجزاءِ الأجر بأحسن الأعمال.۸
ملحق في أقوال بعض علماء النفس حول المرأة
۱ـ حول الفوارق النفسية والجسدية
يقول الدكتور عبد الرحمن محمّد العيسويّ: تدلّ دراسات عديدة على أنّ للحبّ أثرًا أكبر في حياة المرأة، وأنّه أكثر من القوّة٩
ويقول: في علاقتها العاطفيّة تركّز المرأة على العلاقات الشخصيّة المتبادلة وتميل إلى الأمور الرومانسيّة والعاطفيّة ومسائل الحب، من ذلك ما يلاحظ من قوّة عاطفة الأمومة عندها، تلك العاطفة التي تدفعها لبذل الجهد والطاقة والسهر والعناء والتعب...۱۰
النساء بصفة عامّة أصغر حجمًا من الناحية الجسميّة أو من ناحية بناء الجسم وطول القامة، وأقلّ في القوّة العضليّة عن الذكور، أو أنّ الأنسجة العضلية لديهنّ أقلّ من الرجال...۱
ويقول د. داكو:
الهرمونات الأنثويّة تهيّئ سلفًا لـ : الهرمونات الذكريّة تهيّء سلفًا لـ :
ـ الثبات ـ التقلقل
ـ السلبية ـ الفاعليّة
ـ قابليّة الاستقبال ـ المحاكمة، المنطق
ـ الاستقرار ـ الترحال
ـ الحمل ـ التعبير الخارجيّ عن الذات٢
ـ الماهيّة ـ المظهر٣
وقال: الأنوثة مستقرّة وساكنة وهي شبيهة بالماء العميق... والذكورة التي تتصف بأنّها في حركة غير مستقرة كسهم، تشعر بالحاجة إلى أن تجهّز نظريّات وضروبًا من الأخلاق... وبما أنّ الأنوثة لدى المرأة أكثر اتساعًا، فمن المؤكّد أنّها تحسّ بالحياة على نحو يختلف عن الرجل.٤
ويقول د. العيسوي: إقرار وجود فروق طبيعيّة بين الرجال والنساء ليس عيبًا ولا قدحًا في حقّهما فالفروق مسألة سويّة وطبيعيّة وصحيحة بل إنّ اختفاء الفروق هو الوضع الشاذ؛ ذلك لأنّ لكلّ جنس دوره ورسالته في الحياة وفي المحافظة على الجنس البشري، بل إنّ هذه الفروق حين وجودها قد تؤكّد امتيازًا لصاحبها وتفرّدًا وتميّزًا، فهناك سمات كلّما زادت كلّما زانت صاحبها.٥
٢ـ حول عنصر العاطفة في المرأة
يقول الدكتور جون غراي٦ في كتاب الرجال من المريخ النساء من الزهرة: الرجال يحفَّزون ويتمكنون عندما يشعرون بأنّ هناك من يحتاج إليهم، وعندما يشعر الرجل بأنه غير محتاج إليه في إطار علاقة يصبح بالتدريج سلبيًا وأقل نشاطًا.... والنساء مثل الزهريات يحفزن ويتمكنّ عندما يشعرن بأنّهن معزّزات، وعندما لا تشعر امرأة بأنّها معزّزة في إطار علاقة تصبح تدريجًا مسؤولة بطريقة قهريّة ومنهكة من البذل الزائد، ومن ناحية أخرى عندما تشعر بأنها تلقى الرعاية والاحترام فإنّها تكون مشبعة ولديها المزيد من العطاء أيضًا.۷
ويقول: كانت الزهريّات (النساء) الغريبات الجميلات مصدر جذب غامض لأهل المريخ (الرجال)، لقد جذبت اختلافاتهنّ بصفة خاصّة أهل المريخ، فبينما كان أهل المريخ صلبين كانت الزهريات ناعمات، بينما كانت أطراف أهل المريخ أشبه بالزوايا كانت أطراف الزهريّات مقوّسة، وبينما كان أهل المريخ باردين كانت الزهريات دافئات. يبدو وبطريقة سحريّة ومثاليّة اختلافاتهم تكمل بعضها. وبلغة غير منطوقة وبدرجة عالية الوضوح بلّغتهم الزهريّات: إنّنا نحتاج إليكم، طاقتكم وقوتكم تستطيع منحنا إشباعًا عظيمًا يملأ فراغًا عميقًا في كياننا، إنّنا نستطيع أن نعيش معًا في سعادة عظيمة، لقد حفّزت هذه الدعوة أهل المريخ ومكّنتهم۸
٣ـ حول مبدأ قيوميّة الرجل
في حوار مع الدكتور جون غراي حول الخلفيّة العلميّة لكتابه الآنف الذكر أوضح الروابط بين طبيعة الحياة والهرمونات بالقول: الرجل هو الذي يجب أن يكون القائد للحياة بكاملها، فعندما يكون الرجل هو المسؤول ويلعب دور القائد في الحياة الزوجيّة، هذا يشير إلى أنّ المرأة ليست مضطرّة إلى القيام بأخذ القرارات، وهذا يسهم في التخفيف من الأعباء عن المرأة، وتشعر بالراحة لا سيّما إن كان زوجها يسمعها ويفهمها، فهذا يجعلها أكثر راحة في التعامل مع الرجل». وأضاف أنّ «هذا الأمر يؤثر في العلاقة العاطفيّة الحميمة بين الطرفين، وإن لم يستطع الرّجل أن يكون القائد، سيخسر من انجذاب زوجته مستقبلاً وستفشل علاقتهما».
وتحدث عن أهمية أخذ القرارات، موضحاً أنّ أخذ القرار يرفع من الضغوط عند المرء بشكل عام؛ لأنّ القرار محفوف بخطورة الصواب والخطأ، وأنّ جسم الرجل يتعاطى مع مواقف الخطورة بطريقة إيجابيّة، لأنّ معدل التيستستيرون يرتفع، وهو الهرمون الذي يسبب الراحة عند الرجل عندما يرتفع، بينما يكون الأمر معاكساً عند المرأة. أمّا الأمور التي ترفع الهرمونات الإيجابية عند المرأة، فهي اللحظات الرومانسيّة وكذلك سماع الرجل لها والتواصل معها، وكذلك كيف تعمل على طلب بعض الواجبات من الزوج دون أن تشعره بأنه يخضع للأوامر، كلّ هذه الأمور ترفع هرمون «الأوكسيتوسن» عند المرأة وهو الذي يسبب لها السعادة. وتابع، أن انتاج هرمون «التيستستيرون» يتعزّز إنتاجه عند الرّجل عندما يؤمّن لزوجته السعادة والاكتفاء في العلاقة الحميمة. ونوّه بأنّه في المقابل إنّ الهرمون المسؤول عن الضغط والتوتّر عند المرأة، يتضاعف في العمل ويرتفع الى أربعة أضعاف في المنزل، وهذا يقود إلى تراجع الحياة بين الطرفين إن لم يدرك الرجل كيف يرفع من هرمونات «الأوكسيتوسن» عند المرأة. وشدّد على أنّ المرأة التي تتحدّث عن مشكلاتها إلى زوجها أو حتّى إلى بعض الأصدقاء تخفّف الكثير من الضغوط، كما أنّ البحوث تبيّن أنّ الأمراض ولا سيّما المتعلّقة بالقلب تزداد مع الضغوط النفسيّة التي لا تخرجها المرأة.۱