المؤلّفالهیئة العلمیة لموقع مدرسة الوحي
القسم الاخلاق والحکمة والعرفان
التوضيح
أهم محتويات المقالة:
- الفصل الثاني: آداب الزيارة.
هو العليم
رسالة آداب الزيارة للشيخ البهاري رضوان الله عليه
بحث منتخب من آثار الأعاظم
إعداد: الهيئة العلمية في موقع مدرسة الوحي
أعوذ باللـه من الشيطان الرجيم
بسم اللـه الرحمن الرحيم
الحمد لله ربّ العالمين
والصلاة والسلام على سيّدنا ونبيّنا أبي القاسم محمد
وعلى آله الطيبين الطاهرين
واللعنة على أعدائهم أجمعين
الفصل الثاني: آداب الزيارة
من أراد زيارة الأوليــاء الحقيقيّين سلام الله عليهم، فعليه أن يعلَـم أوّلاً أنّ هذه النفوس المقدّسة الطيّبة الطاهرة قد فارقت الأبدان الجسمانيّة، واتّصلت بعالم القدس والمجرّدات، فصارت أقوى إحاطةً بهذا العالَم، وأكثر تصرّفاً في هذه النشأة من السابق، وصار اطّلاعها على الزائر أتمّ وأكمل، فهم {أَحْياءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُون ، فَرِحينَ بِما آتاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ}۱
لذا فإنّ نسيم ألطافهم ورشحات أنوار أولئك العظماء تصل إلى زوّارهم وخصوصاً للخلّص من قاصديهم، فيحسن بالزائر أن ينوي تجديد العهد بهم، وإعلاءِ كلمتهم، ورغماً لأنف أعدائهم، وأن يقصد زيارة مؤمنين محضوا الإيمان محضاً، ثمّ يتوجّه إليهم على أمل الشفاعة في غفران الذنوب، ورجاءً للوصول إلى الفيوضات العظيمة، مع مراعاة الآداب المثبتة في كتب المزار.
وينبغي عليه أن يعلم أنهم مطّلعون على حركات وسكنات هذا الشخص، بل هم مطّلعون على خواطره القلبيّة؛ ولذا ينبغي له أن يسعى كلّ السعي في التضرّع و التذلّل والانكسار خصوصاً حين الدخول إلى مراقدهم الشريفة، وليكن حذراً تمام الحذر وكماله، فإنّ عدم توجّه الذهن وتشتّت الأفكار الباطلة بمنزلة الإعراض عن الإمام والإدبار عنه. وحذارِ أن يتحدّث الزائر مع أحد بأحاديث جانبيّة، كأن يجلس في الحرم المطهّر ـ نستجير بالله ـ فيغتاب، أو يستمع إلى الغيبة، أو يكذب، أو يرتكب المعاصي الأخرى، بل حتّى صوته ينبغي أن لا يرتفع هناك، فآية {لا تَرْفَعُوا أَصْواتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِي}٢ تجري في هذا الموطن أيضاً، خصوصاً في حرم أمير المؤمنين سلام الله عليه الذي بمنزلة نفس رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم.
وليقبّل الأركان الأربعة للقبر المطهّر، وليعرض حاله بلِسانه، وليطلب حاجته من ذلك العظيم، وليقل: أيّها العظيم:
يا من بازمانده را نزد خود از وفا طلب | *** | يا تو كه پاکدامنی من از خدا طلب٣ |
وعند تقبيل الأعتاب فمن المناسب أن يقرأ هذا الشعر:
من ارچه نيم هر چه هستم آن توأم | *** | مرا مران كه سگي سر بر آستان توأم٤ |
ثمّ يعرض إيمانه عليهم، فيودعه إيّاهم أمانةً يستردّها عند الحاجة إليها؛ فلا يتمكّن الشيطان عند الاحتضار أن يسلبه إيّاها.
وعليه أن يستذكر ما حلّ بهم من المصائب وبخاصّة حين يكون في الحرم المطهّر للإمام أبي عبد الله حسين عليه السلام، فيتذكّرها واحدة بعد أخرى بالتفصيل، ويذرف لأجلها الدموع.
وإن استطاع فليتُب عند الإمام عليه السلام توبةً نصوحاً مع جميع شروطها المعلومة في محلّها، وليجعل ذلك العظيم شاهداً وشفيعاً، وليعزم ـ عند الرجوع ـ أن لا يلوّث بأدران المعاصي مرّةً ثانيةً تلك الشفاه التي لثمت الأعتاب الشريفة، أو الأعضاء التي تقلّبت على تلك المشاهد المقدّسة، فاكتسب النور من بركاتها؛ بل يعزم على اجتناب اللغو الذي لا طائل منه، فينبغي لحاله أن تختلف اختلافاً واضحاً وبيّناً عنها قبل التشرّف بالزيارة.
وعليه أن يراعي ما أمكن الخدّام والمجاورين، وأن يُكرِمهم بالعطاء ويُحسن إليهم، وأن يبجّلهم وإن جَفَوه، فيصبر عليهم صبراً جميلاً، فلا يضايقهم عند بذل المال عليهم، وأمّا مشايخهم وأهل العلم منهم فيوقّرهم ويكرمهم أكثر من غيرهم.
ولا يضجر ولا يندم إذا تعرّض للشدائد والمحن في سفره إليهم، خصوصاً عند الخوف من الأعداء، لأنّهم قالوا: «ألا تحبّون أن تخافوا فينا»، ولا يتعجّل الرجوع من المشاهد المشرّفة، وليُقم فيها ما أمكن، ولا يجعل للوساوس عليه سبيلاً، كأن يقول: إن شغلي معطّل، وإنّ بيتي عورة، وإنّ أهلي وحدهم بلا راعٍ، أو لا أملك النفقات، أو إن صديقي سيرحل، وغير ذلك من الأفكار التي لو تأمل فيها، لعلم أنّها من غواية الشيطان لصرفه عن الزيارة، فلا يدع لنفسه سبيلاً إلى ذلك خصوصاً إن كان يوم الجمعة أو إحدى الزيارات المخصوصة بعد مدّة قريبة. فقد يكون قد انقضى من عمره أربعون أو خمسون عاماً أو أغلب عمره ثمّ فجأةً يوفّقه الله للزيارة، فهيهات أن يُحالفه التوفيق لزيارة أخرى، فقد يظنّ ـ حال الزيارة ـ أنّ العودة والزيارة في كلّ عام أمر يسير، لكنّ التجارب أثبتت عدم حصول ذلك.
نعم، يبقى الكلام في كثرة تكرار الزيارة ما دام في المشاهد المشرّفة، فهل يُكثر الدخول على الإمام، أمّ أنّ الأفضل أن يتشرّف بالزيارة كلّ صباح ومساء؟
قال الأعاظم: كلّما كان التشرّف أكثر كان أفضل.
والحقّ أنّ في المسألة تفصيلاً، وأنّ الإطلاق غير صحيح، ومجمله: أنّ الزيارة - بشرائطها المقررة والمذكورة سابقاً فالإكثار غاية المطلوب، وأما من دون تحقق تلك الشرائط ففيه أيضاً تفصيل آخر، والمقام لا يسع ذلك، والله العالم بالصواب.