154

النفس المُحكمة والنفس المتشابَهة

6839
مشاهدة المتن

المؤلّفآية الله السيد محمد محسن الحسيني الطهراني

القسمعنوان البصري

المجموعةتفريغ القلب لتلقي دستورات الأولياء

التاريخ 1429/05/04

جلسات المجموعة(7 جلسة)

التوضيح

تناول قَدَّسَ الله سرَّه مواضيع نفيسة تتمحور حول تفريغ القلب وهي: كيفيّة التعامل مع الحقّ – الوحدة تبنى على الثوابت الحقّة لا على التنازل عنها – آثار تفريغ القلب للحقّ والباطل – آفّة الطريق ومَكمن الخطر في عدم تفريغ القلب للحقّ – النفس المحكمة والمتشابهة – نفس علِيّ هي نفس النبيّ الباقية بعده – مَن يوكّل نفسه إلى الله يهيّئ له اللهُ ما في مصلحته.

/۲۲
بي دي اف بي دي اف الجوال الوورد

النفس المُحكمة والنفس المتشابَهة

1
  •  

  • هو العليم 

  •  

  • النفس المُحكمة والنفس المتشابَهة

  • شرح حديث عنوان البصريّ -۱٥٤

  •  

  • ألقاها: 

  • آية الله الحاجّ السيّد محمّد محسن الحسينيّ الطهرانيّ

  • قدس الله سره

  •  

النفس المُحكمة والنفس المتشابَهة

2
  •  

  •  

  • أعوذ بالله من الشيطان الرجيم

  • بسم الله الرحمن الرحيم

  • وصلّى الله على سيّدنا ونبيّنا أبي القاسم محمّد

  • وعلى آله الطيّبين الطاهرين واللعن على أعدائِهم أجمعين إلى يوم الدين

  •  

  •  

  • يجب على المرء أن يفرّغ قلبه للحقّ

  • قلنا في المجلس السابق أنَّ الإمام الصادق عليه السلام وبعد أن بيّن لعنوان البصريّ بعض المسائل، أضاف إليها – بناءً على طلب عنوان – مسائل أخرى فقال: أوصيك بتسعة أشياء، عليك أن تلتزم بها بشكل كامل وتعمل بموجبها، وهي وصيّتي لِمَنْ يريد طيَّ الطريق إلى الله. كان هذا كلام الإمام الصادق، فقال عنوان: ففرّغت قلبي له وأخرجتُ الخواطر مِنْ نفسي، وألقيتُ بالتخيّلات والأوهام جانبًا، وتخلّيتُ عن الفرضيّات المسبقة. وهذه العبارات المضافة منّي هي معنى قوله (فرّغت قلبي).۱ .. أمّا خصوص التخلّي عن الفرضيّات المسبقة والقبليّات فهو موضوع في غاية الأهميّة.

  • لماذا على عنوان أن يفعل كلّ ذلك؟ إنَّه يفعل ذلك لأنَّه يجلس أمام الإمام الصادق الآن؛ فهل يمكن لأحد أن يحضر عند إمامٍ، وهو يُضمر في ذهنه شيئًا، ويحمل في نفسه توقّعًا مسبقًا، ويفتح زاويةً في ذهنه تكون محلًّا لتخيّلاته وأوهامه الخاصّة؟! كلّا، لا معنى لذلك لأنَّه يتنافى مع الهدف الّذي ينشده. وقد تقدّم الحديث عن هذا الموضوع، ويبدو أنَّ الكلام وصل بنا إلى الكيفيّة الّتي ينبغي أن يتعامل بها المرء عند مواجهة الحقّ، ومع ما يسمعه مِن كلام أولياء الدين.

  • نعم، فإنَّ الأمر متعلّق هنا بكلام أولياء الدين لا بكلام أيّ رجلٍ، ولا بأيّ كلام ملحون. فيجب على المرء أن يفرّغ قلبه دائمًا عند حضوره لدى أولياء الدين، وعند استماعه للكلام الحقّ. فإن لم يفرّغ قلبه، وأبقى مقدارًا مِنَ القلق والتشويش في قلبه، وأبقى مقدارًا مِنَ الأفكار في ذهنه (كأن يقول: إن جرت الأمور على هذا المنوال فهو جيّد، وإلّا سأسعى لأجد مخرجًا، وأعثر على تبرير للعمل الّذي قمتُ به، وسأحاول تبرئة نفسي إلى حدٍّ ما مِن مسؤوليّة ما أقدمتُ عليه) فإن تصرّف المرء بهذا الشكل، سيكون ذلك منفذًا للشيطان إلى نفسه، وسيُوقِع به في نهاية المطاف. ولستُ أقول أنّ الشيطان سينفذ إلى نفسه، بل إنَّ الشيطان سيكون قد دخل إلى نفسه بالفعل واحتلّ جزءً مِن قلبه، وهو الأمر الّذي سيُنزل الغشاوة على أفكاره وعقله، فيفقد بذلك قواه العقليّة ونفسه ووجدانه. على أنَّ سمْك تلك الغشاوة يتفاوت مِن حالة إلى أخرى؛ فقد يكون سمْك الغشاوة رقيقًا، شأنه في ذلك شأن الملابس المصنوعة مِنَ المواد البلاستيكيّة، والّتي تتيح رؤية ما تحتها. وقد يكون سمْكها أكثر [مِن ذلك] وبالشكل الّذي يُرى ما خلفها بصعوبة، وهكذا حتّى يصل سمْكها إلى سمْك تلك الأقمشة، لا تلك الّتي تصنع منها الستائر – فتلك قليلة السمْك – بل تلك الّتي تُصنع منها الخيام وأمثالها، فمثل هذه الغشاوة تغطّي قلبه بشكل لا تدع له أيّ منفذٍ، ثمّ يسلّحها بالحديد ويصبّ طبقة مِنَ الخرسانة المسلّحة عليها، فأولئك هم أصحاب أبي بكرٍ وعمرٍ، ممَن بنوا على قلوبهم طبقة قويّة مِنَ الخرسانة.

    1. ما نقله سماحة السيّد هنا عن الإمام وعن عنوان هو نقل معنويّ وبيانيّ، حيث قال الإمام عليه السلام: أوصيك بتسعة أشياء، فإنّها وصيّتي لمريدي الطريق إلى الله تعالى، والله أسألُ أن يوفّقك لاستعماله؛ ثلاثة منها في رياضة النفس، وثلاثة منها في الحلم، وثلاثة منها في العلم. فاحفظها وإيّاك والتهاون بها! [فـ] قال عنوان: ففرّغت قلبي له. (م)

النفس المُحكمة والنفس المتشابَهة

3
  • ومِن هؤلاء بعض علماء الشيعة الّذين ظهروا هذه الأيّام، والّذين شدّوا أحزمتهم مِن أجل هدم القواعد المسلّمة لمذهب التشيّع؛ فها هم يقولون أنَّ ما حصل في سقيفة بني ساعدة يصبُّ في صالح الإسلام. تبّاً لكم وترحًا على ذلك، [أمثل هذا يُقال عن] تلك السقيفة الّتي وقفت في وجه أمير المؤمنين، وكانت معارِضة لصريح الآية القرآنيّة {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دينَكُمْ}۱، وآية {يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ}٢.

  • يبدو أنَّهم عُميٌ، وكأنَّهم لم يقرؤوا القرآن. نعم، إنَّ الله يُعمي البعض، فترى أحد المعمّمين البالغ مِنَ العمر تسعين سنة يقول: إنَّ واقعة الغدير لا تتعدّى كونها توصية مِنَ النبيّ بأمير المؤمنين، وأنّ سقيفة بني ساعدة كانت في صالح الإسلام. ثمّ يستدلّ على ذلك ببعض القواعد الأصوليّة الّتي كان قد تعلّم اثنين أو ثلاثة منها كقاعدة الترتّب، الّتي درسها وفهمها بشكل خاطئ، فتراه يقول أنّه ما دامت المصلحة الإسلاميّة تقتضي ذلك، فما المانع فيما حصل، وما الضير أن لا يوفّق المسلمون في الاختيار الصحيح، فإنّ الله يعمل على إنضاج أفكار المجتمع ويبارك في إجماع المسلمين، فلا بأس أن يتولّى الخلافة أبو بكر وعمر بدل أمير المؤمنين، بل هو أمر جيّد. [أقول] أسأل الله أن يحشرك معهم يا هذا مِن أجل أن تعرف الحقيقة، وكان عليك – بدل أن تضع على رأسك عمامة علماء الشيعة – أن تعترف أنَّك سنِّي المذهب حتّى يعرف الناس حقيقتك، ولكي يعرفوا كيف يتعاملون معك. وحينئذ لن يكون لأحدٍ شأن بك، كالملايين ممّن يعتنقون المذهب السنِّي ولا شأن لأحد بهم، فلهم عقيدتهم الخاصّة بهم. أمّا أن يأتي أحد علماء الشيعة ويقول أنَّ ما حصل في سقيفة بني ساعدة كان يصبُّ في مصلحة الإسلام!! استعيذ بالله مِن هذا القول، علينا أن نقول [في هذه الحالة] أنَّنا نعيش في آخر الزمان. والأدهى مِن ذلك أنَّه يقول ببطلان التمسّك فقط بالكتاب والعترة. [أقول] بأيّ شيء علينا أن نتمسّك أيّها الأحمق، فهل نتمسّك بفتاوى أبو حنيفة الزائفة؟! هل يمكن أن يصل غباء المرء إلى هذا الحدّ!؟ ألم يقل النبيّ «إنِّي تارك فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي» فهل النبيّ أكثر فهمًا للمسألة أم أنت أيّها الحمار؟!

    1. سورة المائدة (٥)، جزء مِنَ الآية ٣.
    2. سورة المائدة (٥)، جزء مِنَ الآية ٦۷.

النفس المُحكمة والنفس المتشابَهة

4
  • «إنِّي تارك فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي، وإنَّهما لن يفترقا»۱ إنَّ كتاب الله لن يفترق عن عترتي، فمَن فرّق بينهما كأبي حنيفة وأبي بكر وعمر عليه أن يدفع ثمن ذلك. «وإنَّهما لن يفترقا حتّى يردا عَلَيّ الحوض» أي حتّى يردا عليّ حوض الكوثر يوم القيامة. هذا يعني أنَّه ليس هناك برهة زمانيّة [يُسمح] أن يتخلّف فيها الناس عن هذا الحكم الإلهيّ وهذه الوظيفة الدينيّة وهذه العقيدة؛ فالتمسّك بالقرآن وبأهل البيت إذن واجب إلى يوم القيامة.

  • فيا لحسن ذاك الّذي يقول أنَّ مَن يتمسّك بالقرآن وأهل البيت يعاني مِن جمودٍ فكريٍّ!! لا يدري الإنسان أيضحك على هؤلاء الناس أم يبكي على حالهم الّذي وصلوا إليه؟! انظروا إلى نتائج خَرَف الإنسان بعد أن درس كلّ ذلك العمر، فهو يُنكر حتّى الأمور البديهيّة!!

  • أو كمَن يعدُّ بني أميّة مِن مفاخر الإسلام، فهذا أرقى [بُهتانًا وجهلًا] مِن سابقه؛ فهم يقولون أنَّ بني أميّة قد نشروا بتضحياتهم الإسلام في بقاع الأرض، فلا يجب – والحال هذه – أن يُنظرَ إلى مقتل الإمام الحسين، فالإمام الحسين قد أخطأ في قيامه على يزيد، إذ ليس له مثل هذا الحقّ، وقد أحسن يزيد في قتل ابن النبيّ. [ويقولون أيضًا] أنَّ مِن حقّ معاوية أن يقتل الإمام الحسن بالسّم، فلِمَ يختلف الإمام الحسن مع معاوية ولأيّ سببٍ. [ويدّعون] أنَّ عبد الملك بن مروان وهشام بن عبد الملك قد أحسنا في قتلهما الإمام السجّاد والإمام الباقر بالسّم. [فتراهم يحسّنون أفعال] أولئك الّذين غيّروا دين النبيّ، وسبّوا أمير المؤمنين على منابرهم لسنوات عديدة، وبنوا المنائر٢ مِن أجساد شيعة أمير المؤمنين. فما الّذي صنعه الحجّاج بن يوسف الثقفيّ، وما الّذي فعله عبد الملك بن مروان، ومَن الّذي قام بعمليات القتل تلك!! هل فعلتها طوائف الجنّ أم مخلوقات مِنْ كواكب أخرى!! ألم يفعل بنو أميّة كلّ ذلك؟! ومَن الّذي قام بحرق كتب أهل البيت وإتلافها، ومَن الّذي حرّم نقل روايات أهل البيت وقتل وحبس ونفى كلّ مَن يقوم بنقل الروايات الواردة عن أهل البيت؟! ومع كلّ هذا، يأتي مَن يعتبر بني أميّة مِن مفاخر الإسلام، وهم يدّعون أنّهم مِنَ الشيعة وأنَّهم يسعون إلى الوحدة بين الشيعة والسنّة.

    1. بحث السيّد العلّامة محمّد حسين الطهرانيّ مفصّلًا في كتاب (معرفة الإمام) هذا الحديث سندًا ودلالةً، وأثبت تواتره عند المسلمين قاطبة في الجزء۱٣ ص۱٦۷ وما يليها. (م)
    2. منائر ومناور جمع منارة، وهو بناء مرتفع يُبنى للاهتداء به برًّا وبحرًا وجوًّا ويُستعمل كعلامة وحدود، وتطلق على مئذنة المسجد أيضًا. (م)

النفس المُحكمة والنفس المتشابَهة

5
  • الوحدة تُبنى على الثوابت الحقّة لا على التنازل عنها

  • إن كان الأمر يجري على هذا المنوال فعلًا، وأنّ إيجاد الوحدة يكون بالتخلّي عن الأمور المُسلّمة في مذهبنا، فلماذا لا نُقْدم على إيجاد مثل هذه الوحدة مع النصارى، فنتقدّم خطوة في هذا المجال بأن ننكر بعثة النبيّ مثلًا، ونقول أنّه جاء لإيجاد الفرقة بين الناس، فقد كان المسيحيّون واليهود يعيشون في وئام، فلماذا جاء النبيّ وأحدث هذه التفرقة !!ولماذا نُقِيم الوحدة مع المسيحيّين واليهود فقط، بل دعنا نتّحد مع أيّ كافر أو شيوعيّ أو ملحد، وَلْنحتضن أيّ مخلوق يمشي على قدمين في الشارع كائنًا مَن يكون!!

  • ما الّذي سوّغ لنا فعل كلّ ذلك؟ إنّ المسوّغ لفعل ذلك هو تخلّينا عن كلّ شيء. وإن تخلّينا عن كلّ شيء فلِمَ نتوقّف عند حدود الإسلام فقط؟!

  • ما السبب في حصول ذلك؟ إنَّ الإخوة يعلمون أنَّ (حكم الأمثال فيما يجوز وفيما لا يجوز واحد)۱، فما دام الملاك [عندهم] هو التخلّي عن مسلّمات مذهبنا مِن أجل تقريب خصومنا منَّا، فيمكننا – والحال هذه – أن نتخلّى عن كافّة مسلّماتنا، وسنتصالح حينئذ مع الجميع!! والغريب في الأمر أنَّه مع كلّ تلك الجهود الّتي بُذلت في هذا المجال، كم تقرّب إلينا الطرف المقابل، وكم تنازل عن معتقداته؟! أيّها الحمقى، إنَّ القاعدة تقتضي أن يتقدّم الخصم منك خطوة إن تقدّمت إليه بمثلها، لا أن تتنازل عن جميع أراضيك في الوقت الّذي يبقى هو مكانه قائلًا: تلك هي عقيدتي وأنا ثابت عليها. كم تنازل أهل السنّة عن معتقداتهم؟!

  • وترى أيضًا مَن يُكذّب حادثة كسر الباب وإطباقه على بنت النبيّ وإحراقه، الأمر الّذي أدّى إلى أن يسخروا منَّا ويقولوا: لقد اعترف الشيعة بعد كلّ ذلك الوقت بفساد تلك التهم الّتي وجّهوها إلى الشيخين٢. ويأتي آخر ويقول مِن باب التقيّة: إنَّ زيارة عاشوراء واهية لا سند لها. ويقول ثالث: حاشا عُمَرَ أن يمنع إحضار القلم والقرطاس قائلًا: إنَّ الرجل ليهجر – نستعيذ بالله نستعيذ بالله مِن قوله – فلا يمكن لمثل هذا الرجل العظيم أن يتجرأ على النبيّ بمثل هذا الكلام، لأنّ قول ذلك سيؤدِّي إلى التشكيك في إسلام عمر، ولمّا كنّا لا نقبل التشكيك في إسلامه فلا بدّ أن نُكذّب هذه الحادثة [بحسب زعمه]!!

    1. هذه قاعدة عقليّة يستفاد منها في كثير مِنَ العلوم، ومفادها أنّ المتشابهين مِن جميع الجهات إن ثبت حكم لأحدهما يثبت للآخر وإن انتفى الحكم عن أحدهما فهو منتفٍ عن الآخر. (م)
    2. هما أبو بكر وعمر. (م)

النفس المُحكمة والنفس المتشابَهة

6
  • هذا مِن جهة، ومِن جهة أخرى، هناك مَن يقول أنَّ بني أُميّة مِن مفاخر الإسلام، وأنَّ ما حصل في سقيفة بني ساعدة يصبّ – مِن باب الترتّب – في مصلحة الإسلام، وأنَّ التمسّك بالقرآن والعترة يُعدُّ جمودًا فكريًّا وفراغًا عقائديًّا. [أقول:] ها قد فقدنا كلّ شيء، والوحدة قد حصلت – بحمد الله – تلقائيّا!! وليس أنّ الوحدة وحدها قد حصلت، بل تقدّمنا على ذلك خطوات إلى الأمام، حيث [أسقطنا] كلّ ما جاء في كتب الشيعة في ذمّ الخلفاء والجائرين، والّذي نقله أيضًا كبار المنحرفين والمُحرّفين مِن أهل العامّة في كتبهم.

  • ففيما يتعلّق بأبي حنيفة، فقد جاء في كتب أهل العامّة أكثر ممّا جاء في كتبنا مِن كونه ملحدًا ومُحرّفًا ومنحرفًا ومُعاندًا. هذا فيما يتعلّق بأبي حنيفة ذاك.

  • فعلينا أن نتخلّى عن أهل البيت .. ثمّ مَن سنتّبع مِن بعدهم؟ علينا أن نتّبع أبا بكر وعمر اللذين لا يعرفان إن كان عدد أصابعهم خمسة أم ستّة. نعم، سيكون علينا حينئذ أن نتّبع هؤلاء القوم!!

  • سُئل ذلك الرجل: أين الله؟ فقال: إنّ الله في السماء. فقيل له: إذن فالأرض خالية منه. فقال لأتباعه: خذوه واقتلوه. فهل علينا أن نتّبع فتوى هكذا رجل؟! نعم، علينا أن نتخلّى – والحال هذه – عن أهل البيت ونتمسّك بهذا الحمار بدلًا عنهم.

  • لا أدري كيف يمكنهم أن يتكلّموا بهذا الكلام في بلد شيعيّ اثني عشريّ تابع لإمام الزمان؟! وكيف يتمّ تمريره بكلّ هدوء مِن دون أن يُواجه بمعارضة أو ردّة فعل، ويُتجاوز الموضوع بكلّ بساطة!! إن كان هذا الكلام قد صدر مِنَ العامّة فليس فيه غرابة لأنّه يوافق مذهبهم، أمّا أن يتكلّم به [شيعيّ] مسؤول في قضيّة الوحدة [الإسلاميّة، فعلينا أن نقول له:] هل عليك أن تتنازل عن كلّ شيء مِن أجل هذه الوحدة، وعلى أيّ أساس تقوم بذلك؟ فهل إمام الزمان غير موجود، وهل مالك زمام أمورنا مفقود؟! وهل علينا أن نغضّ النظر ببساطة عمّا يُنقل عن هذا وذاك، وأن ننشر كلّ كلام سخيف صادر مِن متكلّم قد أُجريت معه مقابلة؟! [فهل المسألة قائمة على الكلام!!] فأنا أستطيع أن أتفوّه بكلام كثير إذ لديّ معرفة بذلك .. وتراهم ينقلون كلامًا تافهًا مزوّقًا لا معنى له .. ألا يجب أن تكون هناك ضوابط وقوانين [تحكم هذا الأمر]، فهذه واحدة مِنَ الأمور الّتي إن تهاونّا فيها فعلينا أن نحذر نزول العذاب الإلهيّ – لا سمح الله – بسببها، فيجب أن يُتّخذ جانب الحذر بشأنها، لأنَّه إن وصل الأمر إلى حدٍّ تتحرّك عنده غيرة الله – فإن بلغ صبرُ اللهِ حدّه – فيمكن أن يحصل أيّ شيء وبأيّ شكل كان. نعم هكذا هو الأمر.

النفس المُحكمة والنفس المتشابَهة

7
  • آثار تفريغ القلب للحقّ والباطل

  • قال عنوان: فرّغتُ قلبي عندما حضرتُ لدى الإمام الصادق عليه السلام. أي أنَّني قد فرّغته بالشكل الّذي يمكن معه أن يستقرّ فيه كلام الإمام كلّه، وبحيث إنّه يمكن أن يفتح كلام الإمام مكانًا في ضميري وقلبي ويترتّب على ذلك ثمار. لماذا [يمكن أن يحصل ذلك]؟ لأنَّ ذلك الكلام هو كلام الإمام الصادق عليه السلام. وفي مقابل ذلك يمكن تفريغ القلب لشخصيّات كاذبة، كما يحصل مع بعض الناس الّذين يخضعون ويفرّغون قلوبهم لتلك الشخصيّات، فنراهم يقبلون كلّ ما يقوله أولئك، وتتحجّر قلوبهم لأقوالهم.

  • أتذكّر حال بعض المتكلّمين المنحرفين في الزمان السابق، فعندما كانوا يتكلّمون في بعض المجالس الّتي اكتسبت شهرة واسعة بين الناس، كانوا يؤثّرون على المخاطَبين ويغيّرون نظامهم الفكريّ بشكلٍ كامل، حيث إنّه لا يمكن التباحث معهم بعدها أبدًا، فتتغيّر عيونهم ويصبح لها شكل خاصّ، ويتبدّل أسلوبهم في الكلام، وتتغيّر طريقة تعاملهم مع الناس.

  • حضرتُ في إحدى الليالي مائدة إفطار، وكان المرحوم الوالد حاضرًا أيضًا، وكان أحد أقاربنا موجودًا هناك، فنظرت إليه – ولم أكن قد رأيته منذ زمن وذلك لانقطاعه عن مجالس يوم الجمعة الّتي كان يقيمها المرحوم الوالد – وقلتُ [في نفسي]: لماذا هو على هذه الحال، لِمَ عيناه بهذا الشكل، ولماذا أصبح متجهّم الوجه ولماذا تغيّرت نظراته عمّا سبق؟! لَم أكن أعلم ما الّذي جرى له. وعندما انتهى الإفطار كان مِنَ المفترض أن أبقى – بعد مغادرة المرحوم الوالد الّذي كان ذاهبًا إلى المسجد – مدة عشرة دقائق أو ربع ساعة، ولكن عندما همّ المرحوم الوالد بالمغادرة همس في أذني قائلًا: لا تبقَ هنا كثيرًا وعجّل في القدوم إلى المسجد. وبينما أنا جالس سأل ذلك الرجل سؤالًا، ففتح بموجبه باب الحديث، فعلمتُ عندها ما الّذي حصل له في فترة انقطاعه عن المسجد، حيث كان يحضر مجالس العظماء وينهل مِن مطالبهم، فعرفتُ عندها سرّ الأمر والسبب الكامن وراء تغيّر شكله وحاله، وعرفت سبب حالة الجمود الّتي يعيشها وقسوة القلب الّتي اكتسبها. فأخذتُ أتكلّم معه، ونسيتُ ما أوصاني به المرحوم الوالد مِن ضرورة التعجيل في مغادرة المجلس، فلم انتبّه لوصيّته وتابعتُ الحديث مع ذلك الرجل، وقد خسر جولة النقاش الّتي جرتْ بيننا تلك الليلة، وكان في درجة عالية مِنَ العصبيّة وأمره كان عجيبًا بالنسبة لي، فكنت أقول [في نفسي]: لماذا أصبح بهذا الشكل، ولماذا تغيّرت ماهيّته؟! فقد خرج عن الطبيعة الإنسانيّة، ولعلّه كان سيثأر منّي ويقضي علَيّ لو قَدِر على ذلك. ومضت ساعة على هذا المنوال، وهو متصلّبٌ ثابتٌ على موقفه ويكيل المدح والتمجيد لأحد الأشخاص.

النفس المُحكمة والنفس المتشابَهة

8
  • ثمّ عدتُ إلى المسجد بعد ذلك، وعلى ما يبدوا أنّنَي وصلت المسجد في الوقت المناسب، إذ كان علَيَّ أن أذهب إلى البيت أوّلًا ثمّ آتي إلى المسجد، فدخلتُ المسجد ووجدت المرحوم الوالد جالسًا، وما أن رآني حتّى قال لي: ألم أقل لك لا تبق في ذلك المجلس؟! فهذه [المعاتبة] تعني أنَّ ما حصل قد ترك أثرًا على وضعي وحالي. والمرحوم الوالد لم يكن بحاجة – طبعًا – إلى إلقاء نظرة علَيَّ لكي يعرف ما الّذي جرى. فقال لي: لماذا بقيتَ، فتلك الساعة الّتي أمضيتها هناك كانت مضرّة لك، فلماذا بقيت جالسًا، كنتُ قد أمرتك بمغادرة المجلس، ولكنَّك بقيت وجلبت لنفسك الضرر، ما كان يجب عليك أن تتكلّم مع أولئك الناس، فهم أناس قد أُقفلتْ قلوبهم.

  • والعجيب في الأمر، أنّهم وصلوا إلى مرحلة لا يمكن معها أن يتبدّل حالهم، إلّا أن يشاء الله فتشملهم رعاية الله وتُخرجهم مِن الحال الّذي وضعوا أنفسهم فيه. فهذا الشخص وأمثاله، ونتيجة سيرهم في هذا الطريق الّذي اختاروه لأنفسهم، قد أخذوا بإضافة الأغشية الواحدة تلو الأخرى على ذلك الغشاء الرقيق الّذي كان يغطّي النفس في بادئ الأمر، حتّى أصبح غشاءً سميكًا لا يستطيع ماء المطر ونسيم الريح أن ينفذ مِن خلاله، فإن نزل عليه المطر سينحدر عليه ويسقط إلى الأرض، لأنَّه لا يتمكّن مِنَ النفوذ إلى داخل ذلك الغشاء المتماسك والمحكم، أرأيتم كيف يسقط المطر على تلك الأغشية وينحدر عنها ..

  • لماذا حصل له كلّ ذلك؟ قد حصل ذلك لأنَّه فرّغ قلبه لمثل ذلك الرجل، فهو عندما التقى به للمرّة الأولى لم يرجع إلى تلك الشخصيّة الّتي كان يعرفها ليتبادل معها الحديث حول مقولات ذلك الرجل فيتبيّن له صحّة كلام الرجل وسقمه. لماذا لم تتصرّف بهذا الشكل، وأنت تعرف الكثير عن المقام العلميّ لهذه الشخصيّة وتقواها وصدقها؟! فمَن لم يكن يعرف مثل هذه الشخصيّة، فله حسابه الخاصّ به، ولكن ماذا عنك والحال أنّك تعرف هذه الشخصيّة وتعرف مكانتها العلميّة، فلماذا لم ترجع إليها، ولم تطرح أمامها ما كان يجري معك؟! لماذا استولى عليك جوّ الشائعات وجرفتك التعابير المنمّقة الجوفاء والمضلّة للقلوب؟! فيا مَنْ تعرّفت على تلك الشخصيّة [العظيمة] لماذا يحصل كلّ ذلك لك؟!

النفس المُحكمة والنفس المتشابَهة

9
  • كيف سيتعامل الله – والحال هذه – معه؟ سيقول له الله: ما دمتَ تتصرّف بهذا الشكل، وما دمت تُغطّي نفسك بمثل هذا الغشاء الخفيف، فسأُلقي عليك عشرة أغشية إضافيّة لكي يتبيّن لك مَن منَّا الغالب، واذهب قُدُمًا فيما أنت فيه، فكم غشاوة تريد أن تُلقي على وجهك؛ فإن أردت خمسة منها، سنقوم بدورنا بإلقاء خمسين منها عليك ليُصبح مجموعها خمسة وخمسين، فنحن أهل السخاء ولسنا بخلاء. فإن أردت أن نُعطيك مِن هذا الجانب أعطيناك، وإن أردت أن نُعطيك مِنَ الجانب الآخر فعندنا منه الكثير. نعم، عندنا كلا الأمرين، وعطاؤنا يعتمد على ما تختاره أنت وتريده.

  • النفس المُحكمة والنفس المتشابَهة

  • وعليه، فهذا الأمر يشكّل خطرًا كبيرًا على سالك طريق الله وعلى غيره، وهو يؤثّر على السالك بوجه خاصّ، فإن لم يُفرّغ السالك قلبه مِنَ البداية واللحظة الّتي يضع فيها قَدمه في هذا الطريق، بل كان قد حجز جزءً مِن قلبه لأمانيه وأنانيّته ومسائله النفسيّة، كحفظ محبوبيّته بين الناس ومكانته وشخصيّته بينهم، وعمومًا فإنّ مكمن الخطر هو الاحتفاظ بمركزيّته ونفسه إلى جانب بقيّة الأمور، وهي النافذة الّتي سيدخل منها الشيطان ليصنع درعًا دفاعيًّا يواجه به الحقّ، بحيث لن يستطيع الحقّ بعدها النفاذ إلى قلبه ولن يستطيع السير في الطريق الصحيح. إنَّ تلك هي آفّة الطريق وذلك هو الخطر، وهو أن لا يُفرّغ السالك قلبه وأن يترك لنفسه مجالًا للفرار فيما إذا واجه ما يخالف طبيعته وميوله الشخصيّ، فتراه يفرّ مِنَ الحقّ يمينًا وشمالًا – وسنبيّن كيف يحاول الإنسان أن يفرّ – نعم هنا يكمن الخطر، حيث سيُبتلى بالتشابه، فتصبح نفسه نفسًا متشابهة بدل أن تكون نفسًا مُحكمة.

  • إنَّ النفس المحكمة هي النفس المستقرّة الّتي إذا واجهت الحقّ والباطل تتصرّف وفق المعايير والأصول الّتي تمّ رسمها لها، فتقوم بوضع الحقّ في مكانه والباطل في مكانه. تلك هي النفس المحكمة، أمّا النفس المتشابهة فهي النفس الّتي إذا واجهت الحقّ تسعى لتحقيق ما يتلاءم مع مرامها وأهوائها، وتسعى لتحقيق تلك المواقف الّتي وضّحنا قسمًا منها في المجلس السابق، وسنشير بمشيئة الله إلى مواقف أخرى.

النفس المُحكمة والنفس المتشابَهة

10
  • فعندما تكون تلك النفس على مفترقِ طُرق، فبدل أن تسلك الطريق المُحكم وطريق اليقين والعلم والمعرفة، تراها تسلك الطريق الّذي يُحتمل أن يكون فيه ألف خطأ وخطأ، لماذا؟ ذلك بسبب الخطر الكامن وهو أنّه بدل أن يُفرِّغ نفسه منذ البداية تركها تأخذ شكلًا منحرفًا ومعوجًّا.

  • ومتى سيطيح به اعوجاج النفس هذا؟ إنَّه سيُطيح به في اليوم الّذي يقف فيه على مفترق طرقٍ؛ ويجب الالتفات إلى أنَّ مفترقات الطرق لا تكون عاديّة دائمًا، فبعضها يكون فارقًا بين الموت والحياة، وبعضها بين السعادة والشقاء، وبعضها بين الإنسانيّة وعدمها، وقد تقود بعض الطرق إلى ضياع ما وهب الله الإنسانَ مِن استعداد.

  • وهذا ليس بالأمر السهل، فقد يختار الإنسان طريقًا ثمّ يكتشف بعد مرور عشر أو خمس عشرة سنة أنّ عمره قد ذهب هباءً، وسيعرف حينئذ أيّ طريق كان قد سلك؛ فقد سلك الطريق الّذي ضيّع عليه كافّة استعداداته، فلم يبق له ذلك الاستعداد الّذي يوصله إلى مرحلة الفعليّة، ولم يبق له أيّة فرصة. نعم، لقد ضاعت عليه جميع الفُرص الّتي كانت متاحةً له، وضاع عليه الوقت اللازم للاستفادة مِن تلك الفُرص. وبتعبير المرحوم العلّامة في كتاب (الروح المجرّد): لقد غابت تلك الشمس المنيرة الّتي كانت تشعّ بنورها على كلّ مكان، وبذهاب تلك الشمس لا بدّ مِنَ الإمساك بفانوس والبحث هنا وهناك في الليل المظلم حتّى يميّز بين الطريق السويّ والبئر. نعم إنَّ الأمر بهذا الشكل، فعندما يقف الإنسان على مفترق طرقٍ ويأخذ طريق الباطل بدل طريق الحقّ، قد لا يستطيع بعدها أن يتدارك ما فاته، وقد يستحيل عليه تعويض ما خسره. ليست جميع الأمور مِن قبيل تلك القضايا الّتي يشكّ الإنسان ويتردّد في اختيار أحد جانبيها اللذين ليس بينهما فارق كبير، بل هناك قضايا يكون الفرق بينها وبين غيرها كالفرق بين الحياة والموت .. وكيف يمكن للميّت أن يُوصل استعداده إلى مرحلة الكمال!! ذلك الاستعداد الّذي كان عليه أن يوصله إلى الكمال وهو موجود في الحياة الدنيا. فكيف للميّت المدفون تحت التراب أن يوصل ما وهبه الله مِن استعداد إلى مرحلة الفعليّة؟! ذلك الاستعداد الّذي كان لا بدَّ أن يصل إلى مرحلة النضج والتفتّح ما دام الإنسان يعيش في هذه الدنيا، فقد كان مِنَ المقرّر أن يصل إلى مرحلة الفعليّة وهو حيّ في هذه الدنيا، إلّا أنّه قد دمّر أرضيّة ذلك الاستعداد بيده، فهو قد مات [بسبب ذلك الاختيار]، ومَن يموت يُدفن ويوضع على قبره حجر، ثمّ يقرؤون له الفاتحة.

النفس المُحكمة والنفس المتشابَهة

11
  • لماذا يحصل له كلّ ذلك؟ لأنَّه عندما كان على مفترق الطرق لم يجلس ويفكّر، بل تابع الشائعات، ولم يستغلّ هذا العقل الموجود في رأسه، ولم يتشاور مع أهل العقل والمنطق والمعرفة، ولم يُحلّل الأمر ويتباحث بشأنه مع مَن يمتلكون معلومات مِن نوعٍ آخر، بل قام بدلًا مِن ذلك بالتشاور مع قصيري النظر وأتباع المشاعر، وطغى عليه جوّ الشائعات الحاكم على المجتمع، ذلك الجوّ الّذي يشهد صعودًا في يومٍ وهبوطًا في آخر. فهو بتغييره لطريقه – هذا التغيير الّذي اختاره بنفسه والّذي حوّله عن جادّة الحقّ والصواب والعقل والمنطق إلى جانبٍ آخر – سيجد أمورًا كثيرةً في هذا الطريق الجديد، وستكون كافّة الاحتمالات مفتوحةً أمامه ومِن بينها احتمال أن يُقضى عليه بالكامل، ومنها احتمال ضياع الكثير مِنَ الفرص عليه. إلّا أنَّ الله قد يأخذ بيده – في منتصف الطريق الّذي اختاره بنفسه – ويُعيده إلى طريقه السابق، وهذا احتمال وارد وهو يعتمد على حاله ووضعه.

  • فالخطر يكمن هنا، أي يكمن في تفريغ القلب، وهو الأمر المهمّ الّذي قاله عنوان [البصريّ] جوابًا على الإمام الصادق عليه السلام، حيث قال «ففرّغت قلبي له». وهذا ليس بالأمر البسيط، بل هي مسألة حياة أو موت، أي هو الموقف الّذي سيتّخذه المرء مِن مذهب أهل البيت ومدرسة الحقّ ومدرسة العقل والمنطق، ومِن كافّة الأمور الّتي ستعترض طريقه.

  • مِنَ الممكن أن يتعامل المرء مع أناس يدّعون تبعيّتهم لمذهب أهل البيت في الوقت الّذي يكونون فيه مِن أتباع مذهب الشيطان، وهذا ليس أمرًا مستبعدًا. ترى البعض يدّعي تبعيّته لمذهب أهل البيت، ولكنَّه عندما يصطدم بالحقّ – ولَمَّا كانت نفسه قد تحجّرت، ولم يبق فيها طريقٌ لنفوذ النور إليها – فإنَّ نفس تبعيّته تلك لمذهب أهل البيت ستكون السدّ الّذي يمنعه مِنَ الوصول إلى أهل البيت، وإنّ نفس ادّعاءِ متابعةِ أحاديث أهل البيت سيكون حجابًا يحول بينه وبين فهم مراد ومغزى كلامهم.

  • نفس علِيّ هي نفس النبيّ الباقية بعده

  • إنَّ المتحجّرين عقليًّا، الّذين أغلقوا على أنفسهم أبواب العقل والمنطق والعرفان، والّذين لا يتوانون – مع أنّهم لا يمتلكون الحدّ الأدنى مِنَ المعرفة – عن محاربة وتكفير الناس الطاهرين والعلماء والسائرين على طريق الحقّ. إنَّ هؤلاء المتحجّرين يقفون في صفّ مذهب السنّة الّذين [اختاروا أبا بكرٍ] بدل أمير المؤمنين عليه السلام، المُنصّب بنصّ الآية الشريفة {يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَما بَلَّغْتَ رِسالَتَهُ}۱، وبنصّ رسول الله.

    1. سورة المائدة ٥، جزء مِنَ الآية ٦۷.

النفس المُحكمة والنفس المتشابَهة

12
  • أتعلمون ما الّذي تعنيه قضية تنصيب أمير المؤمنين؟ إنَّ الآية تخاطب رسول الله قائلةً: إن لم تنصّب أمير المؤمنين علِيّ بن أبي طالب في يوم الغدير لمقام الخلافة والوصاية، فكأنّك لم تبلّغ رسالتك الّتي بُعثت بها، وكأنَّك قد أمضيت تلك الثلاث والعشرين سنة عبثًا. إنَّ الله يهدّد النبيّ ويقول له: إنَّ كافّة الجهود والمتاعب الّتي كنتَ قد تحمّلتها طيلة الثلاث والعشرين سنة هي مِن أجل هذا اليوم، أي مِن أجل ظهيرة يوم الثامن عشر مِن شهر ذي الحجّة هذا، فإمّا أن تصعد الآن وفي هذه الساعة المنبرَ وتأخذ بيد علِيّ بن أبي طالب أمام جميع الناس وتقول: كما ترونني أمامكم الآن بأعينكم فاعلموا أنَّ علِيّا هذا هو الخليفة مِن بعدي، فانظروا إليه بعيونكم نفسها الّتي ترونني بها الآن .. فكما ترونني بأعينكم هذه، وتعلمون أنّني رسول الله، وأنّ جبرائيل كان ينزل علَيّ بالقرآن طيلة ثلاث وعشرين سنة، فكما أنَّكم على يقين مِن هذا الأمر – إذ لو لم تكونوا على يقين لَمَا تحرّكتم معي بعددكم البالغ ثمانين ألفًا أو مائة ألفٍ إلى مكّة وأدّيتم مناسك الحج وعدتّم معي، فكلّ هذا يعني أنَّكم على يقين مِن ذلك – [وعلى يقين] مِن رسالتي، فيجب أن تكونوا على يقينٍ أيضًا مِن أنَّ علِيًّا هذا، لا أيّ علِيٍّ آخر، بل علِيًّا هذا الّذي أنا آخذ بيده الآن، هو الخليفة مِن بعدي وهو أمير المؤمنين وهو مِثليْ [أنا] وهو وجودي الباقي بعد أن يرفع الله وجودي الظاهريّ مِن بينكم، فإن رُفع وجودي الظاهريّ سيكون علِيٌّ هو وجودي الباقي بينكم، وستكون نفسي قد تجلّت في وجود علِيّ، فسيكون هو رسول الله ولكن بهذا الشكل وهذه القيافة وهذه الحركات والسكنات. هكذا عرّف رسول الله أمير المؤمنين للناس حيث قال «مَنْ كنتُ مولاه، فهذا علِيٌّ مولاه»۱؛

  • هر كسي را كه منم ومولا ودوست *** ابن عمّ من [على مولاى اوست]٢
  • (يقول: كلّ مَن كان يراني مولى له وكان محبّا لي، فإنَّ ابن عمّي [علِيّ مولاه])

  • رحم الله مولانا، رحم الله مولانا، مولانا الروميّ رضوان الله عليه، رضوان الله عليه، رضوان الله عليه؛ لو كانت هناك شخصيّات شيعيّة نفتخر بها سيكون لمولانا في الصدارة، هذا في الوسط الشيعيّ [خاصّة] لا الوسط الإسلاميّ [ككلّ]؛ فلو كان لدينا مَن نفتخر به سيكون مولانا أوّلهم؛ انظروا ما الّذي يقوله (چيست اون ..) ثمّ يأتي بعد ذلك مَن يقول إنّه يقصد بكلمة (المولى) الصديق. فمَن يكون المولى والحال هذه؟ سيكون – والحال هذه – ابن الخالة .. وا حسرتاه، دعونا نتجاوز هذا الأمر!! أردتُ أن أقول شيئًا هنا ثمّ عدلتُ عنه وقلتُ لا داعي لذلك فهم لا يستحقون أن يُردّ عليهم .. أتقول ما تقول [يا هذا] عن مولانا الروميّ!! فلو وضعتَ كتابه (المثنوي) أمامك واستطعت أن تفسّر لي صفحة واحدة منه لقلّدتُك.

    1. إقبال الأعمال، السيّد ابن طاووس، ط.ق، ص٤٥٦. والجدير بالذكر أن العلّامة السيّد محمّد حسين الطهرانيّ حقّق بشكل مفصّل حول حديث الغدير هذا سندًا ودلالةً وتاريخيّا في كتابه (معرفة الإمام). (م)
    2. ديوان (مثنوي معنوي) لمولانا جلال الدين الروميّ، الكتاب السادس، البيت الثاني، وقد ورد البيت كالتالي: گفت هر كو را منم مولا ودوست * ابن عم من على مولاى اوست. (م)

النفس المُحكمة والنفس المتشابَهة

13
  • هل مِنَ المعقول أن يقصد مولانا الروميّ بكلمة [مولى] الصديق أيّ ابن الخالة وابن العمّة؟! وهل يُعقل أن يصل حال أحدهم درجة أن لا يفهم ما الّذي يريد أن يقوله الروميّ؟! إنَّك وبكلامك هذا لن تحطّ مِنَ المقام الإلهيّ والربّاني لتلك الشخصيّة العظيمة، بل إنَّك تحطّ مِن مقامك أنت؛ فسوف يضحك عليك الآخرون يا عزيزي، وسوف يضحكون على أفكارك. أَمِنَ المعقول أن يقول مولانا [الروميّ] أنَّ النبيّ وقف أمام ثمانين ألف نفر ليقول لهم: اعتبروا علِيّا بمثابة ابن خالتكم – فكلمة الصديق تنطبق على ابن الخالة وابن العمّة والجار – هل يُعقل أن يتكلّم مولانا بمثل هذا الكلام؟! ألم تقرأ البيتين التاليين مِن شعره، تعال واقرأ هذين البيتين، نعم ضع نظاراتك على عينيك واقرأ الأبيات التالية مِن شعره (كيست مولا آن كه آزادت كند ..)، فهل لفظ (مولى) هنا تدلّ على معنى الصديق؟! [وتمام البيت]:

  • كيست مولا آن كه آزادت كند *** بند رقيت ز پايت بگسلد۱
  • (يقول: مَن هو المولى؟ إنَّه ذلك الّذي يُحرّرك ويُخلع قيود العبوديّة عن قدميك) أي المولى هو مَن يُخرجك مِن رقِّ الشيطان إلى عبوديّة الله، هذا هو معنى المولى.

  • ويقول (زان سبب پيغبمر با اجتهاد ..)، نعم إنَّ النبيّ قد فعل ذلك عن اجتهاد وفهم، ولم يفعله عن تخيّل ووهم كما تفعلون أنتم. [وتمام البيت]: 

  • زان سبب پيغبمر با اجتهاد *** نام خود را و على مولا نهاد٢
  • (يقول: ولهذا السبب أطلق النبيّ – عن فهم واجتهاد – لفظ المولى على علِيّ، كما كان هو المولى)

  • فهل يمكن – والحال هذه – أن يكون معنى المولى [الّذي قصده مولانا الروميّ] هو الصديق، أي ابن العمّ وابن العمّة أو غيرها مِن معاني الصداقات المعروفة؟! ألا يُعدّ هذا الكلام سخرية!!

  • إنَّ مولانا الروميّ يقول هنا: أيّها الناس، عليكم بمتابعة علِيّ، أيُّ علِيٍّ؟ إنَّه علِيٌّ المتّحد مع النبيّ، والّذي قال عنه النبيّ: كما كنتُ أنا رسولًا فعلِيّ سيكون في نفس مقامي، لا يتقدّم علَيّ ولا يتأخرّ عنّي قَدَمًا [واحدة]، فها أنا رسول الله قد ارتحلتُ وجاء مِن بعدي علِيّ، الّذي هو نفس رسول الله غير أنَّه لا يُوحى إليه.

    1. المصدر السابق، البيت الثالث، وقد ورد البيت كالتالي: کیست مولا آنک آزادت کند * بند رقیت ز پایت بر کند. (م)
    2. المصدر نفسه، البيت الأوّل، وقد ورد البيت كالتالي: زین سبب پیغامبر با اجتهاد * نام خود وان علی مولا نهاد. (م)

النفس المُحكمة والنفس المتشابَهة

14
  • إن كان لا يُوحى لعليٍّ، فليكن، فإنَّ أمير المؤمنين ليس بحاجة إلى الوحي؛ فألف مِن أمثال جبرائيل لا يساوون سوى زاوية الجيب اليسرى لعلِيّ، فما هي حاجته إلى الوحي والحال هذه، ومَن يكون جبرائيل بالنسبة إليه؟ فعلى جبرائيل وألف مِن أمثاله أن يأتوا إلى مدرسة أمير المؤمنين ليدرسوا فيها. إنَّ ما يمتلكه جبرائيل مِن مقامٍ ومعرفة بالذات الربوبيّة والأسماء والصفات الربوبيّة، إنَّما حصل عليها عن طريق علِيّ المرتضى، وإلّا لَمَا امتاز عن أيّ حجرٍ، نعم [بدون علِيّ] لن يكون بين جبرائيل وبين الحجر أيّ فرق. فهل يحتاج أمير المؤمنين – والحال هذه – إلى الوحي؟! ما هو الوحي؟ إنَّ أمير المؤمنين هو منشأ ملاك الأحكام، لا أنّه مطّلع عليها. فأهل الفنّ يعرفون ذلك، فعلِيّ هو منشأ ومنبع وعين ملاكات الأحكام، «علِيٌّ مع الحقّ والحقّ مع عليّ»۱.

  • ما الّذي قاله النبيّ؟ لقد قال: هذا عليٌّ مكاني. فمَن علينا أن نتّبع حينئذ؟ لا بدّ وأن نتابع علِيًّا. وما الّذي يعنيه هذا؟ إنَّ هذا هو معنى المُحكم. لذا نرى الله يقول {يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ}، أي يجب عليك إبلاغ ما أمرتك به، {وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ} فما الّذي سيحصل عندها .. لا تتصوّر أنّ موضوع خلافة أمير المؤمنين هو موضوع بسيط يا رسولي، فأنا أنظر إلى ولاية وإمارة علِيّ بن أبي طالب بالنظرة نفسها الّتي أنظر بها إلى الرسالة الّتي بعثتك بها، مِن دون أيّ تفاوت بينهما. فإن كانت رسالتك قد أُدّيت، فها هي إمارة أمير المؤمنين قد حلّت محلّها.

  • ولهذا السبب يحرم إطلاق لقب (أمير المؤمنين) على غير عليّ بن أبي طالب، فحتّى الأئمّة وحتّى إمام الزمان عليه السلام لا يمكن تلقيبه بـ (أمير المؤمنين). إنَّ إمام الزمان الحجّة بن الحسن المهديّ (أرواحنا لتراب مقدمه الفداء) إمامٌ، وهو إمام الزمان وولي عالَم الوجود، والرابط بين ذات الله وكافّة عوالم الوجود المجرّد منها وغير المجرّد، ونفسه القدسيّة هي المُفيضة للفيض النازل مِنَ الأسماء الإلهيّة الكليّة إلى القوالب الجزئيّة؛ ومع كلّ هذا، لا يمكن تلقيب الإمام الحجّة بـ (أمير المؤمنين)، لأنّ أمير المؤمنين هو علِيّ بن أبي طالب لا غير. ولا يمكن تلقيب والد الإمام الحجّة – أي الإمام الحسن العسكريّ – بـ (أمير المؤمنين)، ولا الإمام الهادي، ولا الإمام الجواد، ولا الإمام الرضا، ولا موسى بن جعفر، ولا الإمام الصادق، ولا الإمام الباقر، ولا الإمام السجّاد، ولا الإمام الحسين، ولا الإمام الحسن. فمَن يكون أمير المؤمنين [والحال هذه]؟ إنَّه علِيّ بن أبي طالب فقط، وهذا هو واحد مِن مسلّمات المذهب الشيعيّ.

    1. معرفة الإمام، السيّد العلّامة محمّد حسين الطهرانيّ، ج ۱۰، ص ٥۱، نقلًا عن المناقب.

النفس المُحكمة والنفس المتشابَهة

15
  • فإن لم تفعل [أيّها النبيّ وتُعلن تنصيب علِيّ] فما بلّغت رسالته مِنَ الأساس، إنَّ هذا هو معنى المُحكم؛ فمعنى المُحكم هو أن يُفرّغ الإنسان نفسه بصورة كاملة عندما يكون أمام الحقّ.

  • مَن يوكّل نفسه لله يُهيّئ له اللهُ ما فيه مصلحته

  • هناك رواية عجيبة جدًّا، كان المرحوم العلّامة يقرؤها دائمًا، وعلى جميع الإخوة أن يحفظوها، فهي رواية مهمّة جدًّا ينقلها ابن فهد الحلِّي عن الصدّيقة الكبرى سلام الله عليها، تقول فيها «مَنْ أصعد إلى الله خالص عبادته، أهبط الله عزَّ وجلَّ إليه أفضل مصلحته»۱ أيّ مَن أصعد إلى الله العبادة الخالصة، لا العبادة النفسانيّة .. فإنَّ العبادة تعني العبوديّة لا الصلاة؛ فالصلاة فرع مِن فروع العبادة. وقد قلتُ لكم ذلك سابقًا إن كنتم تتذكّرون؛ فإنَّ العبادة هي العبوديّة، وعلى هذا يكون الكسب عبادة أيضًا، وكذلك الحال بالنسبة إلى حركة الإنسان ونومه وحديثه مع الآخرين، والاهتمام بالزوجة والأطفال، وقيامه بالأنشطة الاجتماعيّة وأموره الشخصيّة، وقيام الليل لأداء صلاة الليل .. فجميع هذه الأمور عبارة عن عبادات، فمَن أخلص نيّته لله وقدّم إخلاصه للساحة الإلهيّة، أنزل الله إليه أفضل مصلحة له في ذلك الوقت؛ فما هي أفضل مصلحة له في يوم الجمعة هذا، أو يوم غد، أو في هذه الليلة، فهل لقاؤه مع أحد الأفراد يصبّ في مصلحته أم لا؛ فإن لم يكن ذلك في صالحه سيوجد الله مانعًا يحول بينه وبين اللقاء به؛ فإن كان يسير في شارع، تراه يُغيِّر مسيره ليسلك شارعًا آخرًا حتّى لا يلتقي به. وإن كانت مصلحته تقتضي أن يلتقي بأحد إخوته، فسيخطر في ذهنه فجأة أن يسلك هذا الطريق والزقاق، وإذا به يلتقي بفلان مِنَ الناس ويُسلّم عليه، إذ مصلحته كانت تقتضي أن يلتقي به .. وذلك الصديق الّذي كان يرافقه لفترة مِنَ الزمان، والّذي لن يكون مفيدًا له، بل رفقته له ستضرّ به مِنَ الآن فصاعدًا، تراه يتركه ويُنهي صداقته معه لسبب بسيط وعاديّ. فما حصل يصبّ في مصلحته، وها قد جاء شخص آخر وأخذه إلى جانبه، فلا تتأسّف عليه. ومِنَ اللطيف أنّ الانفصال لم يكن مِن جهتك، بل هو الّذي ذهب ظنًّا منه أنَّ ذلك في مصلحته، ومِن جانب آخر يأتي رجل آخر ويفتح باب الصداقة معه، فعندما يكون ذاهبًا للمشاركة في مجلس عزاءٍ أو ذاهبًا إلى مسجدٍ أو أيّ مكانٍ آخر يلتقي بأحدهم فيقول: كم هو إنسان لطيف وصاحب كلام جميل. فيكون ذلك الرجل مفيدًا له، إنَّ الله هو الّذي قسم صداقته له.

    1. عدّة الداعي ونجاح الساعي، ابن فهد الحليّ، ص٢۱۸.

النفس المُحكمة والنفس المتشابَهة

16
  • إنَّ الله يُهيّئ للإنسان ما فيه مصلحته في كلّ ما يتعلّق بحياته اليوميّة ومعاشراته وكلّ ما يهمّه، لماذا؟ لأنَّه قد هذّب نفسه، ولهذا السبب كان المرحوم العلّامة يقول دائمًا: على الإنسان أن لا يحدّد وقتًا ليرتبط فيه بالله، كأن يقول: سأخلص نيّتي لله وقت الغروب، أو علَيّ أن أحافظ على حضور القلب ليلًا عندما أقوم للصلاة، أو علَيّ أن أراقب حالي ما بين الطلوعين. نعم، هكذا يكون البعض، فتراهم عندما ينْوون زيارة العتبات يأتون ويسألون: ما الّذي علينا فعله أيّها السيِّد لكي نستفيض مِن زيارتنا بشكل أفضل، وكيف يمكننا زيارة الإمام الحسين وأمير المؤمنين بشكل أفضل، وكيف يجب أن يكون حالنا هناك؟ فأقول لهم: احتفظوا بهذا الحال الّذي لديكم الآن هناك، فما هو الفرق بين الموقفين؛ فإنَّ أمير المؤمنين ليس موجودًا في النجف [فقط] بل هو محيط بكامل عالَم الوجود، نعم جسده هو الموجود في النجف. والإمام الحسين ليس موجودًا في كربلاء [فقط]، وإن كانت تلك الواقعة قد حصلت في كربلاء قبل ألف وأربعمائة سنة، حيث قتلوه وأهل بيت النبيّ وقطّعوا أوصالهم، إلّا أنَّ نور الإمام الحسين قد عمَّ كافّة عالَم الوجود. وعليه لماذا نسعى إلى زيادة المراقبة هناك فقط؟!

  • ما الّذي يعكسه هذا [الحال]؟ إنَّها الازدواجيّة؛ فنحن لا نراقب أحوالنا، فترانا إذا ما ركبنا الحافلة متوجهين إلى كربلاء، عبسنا وامتنعنا عن الكلام مع الآخرين، ونمسك بالسبحة ونبدأ بالتسبيح. كلّا يا هذا، ليس الأمر بهذا الشكل، بل لا يوجد أيّ فرق بين الوضعين، إذ عندما تكون جالسًا في هذا المكان عليك أن تفترض أنّ سيّد الشهداء موجود إلى جنبك، وإن خرجت مِن هذا المكان فعليك أن تفترض أنّ سيّد الشهداء موجود إلى جنبك أيضًا.

  • طلب منّي بعض الأخوة أن أوصي وأذكّر بهذا المطلب، وهو ضرورة عدم تضييع هذه الحالة الروحيّة والمعنويّة وما يحصلون عليه في مثل هذه المجالس، حيث إنّهم عند خروجهم مِنَ المنزل، يأخذون بالمزاح منذ استقلالهم السيارة معًا. أنا لا أقول هنا أنّ على المرء أن يعبس ويقطب وجهه طوال الوقت، كلّا، ولكن في نفس الوقت عليكم أن تعلموا أنّ كثرة المزاح والمداعبة والكلام في أمور غير مهمّة، مِن قبِيل غلاء البنزين والغازولين وطرح بعض المسائل الاجتماعيّة وما يجري مِن أحداث في الخارج، فإنَّ كلّ ذلك سيضيّع تلك الحالة الّتي حصلتم عليها.

النفس المُحكمة والنفس المتشابَهة

17
  • وإن أردتم أن تعرفوا حقيقة هذا الأمر، هيّا تعالوا وجرّبوا ذلك بأنفسكم. ولكنّي آمل ألّا تجربوه لأنَّه أمر مُسلّم الصحّة. فالأمر الّذي يتطلّب الاختبار هو الأمر المشكوك الصحّة، أمّا الأمر المسلّم بصحته فلا حاجة أن يقوم الإنسان باختباره.

  • كان المرحوم العلّامة يكرّر دومًا قوله: عليكم أن تحتفظوا بالحالة الّتي تحصلون عليها بعد مجالس الذِّكر، فلا تتكلّموا بعدها ولا تتمازحوا، وعندما تعودون إلى المنزل في تلك الليلة قلّلوا مِن كلامكم مع العائلة واحرصوا على بقاء تلك الحالة، فلا تتوجّهوا – أنا لا أقصدكم أنتم طبعًا فأنتم لستم كذلك – عند دخولكم البيت إلى الراديو مباشرة لتعرفوا ما الّذي يجري في العالَم مِن أحداثٍ، وزلزال هنا وطوفان هناك، وما نزل على هؤلاء، وما جرى مِن تحت أولئك .. فهذه المسائل تُغيّر حال الإنسان كليًّا، فيصير وكأنّه لم يحضر ذلك المجلس، ثمّ وبمرور الزمان يتحوّل تردّده على المجالس إلى مجرّد عادة.

  • كنت أشاهد بنفسي كيف كان المرحوم العلّامة يغضب ويتأذّى عندما يسمع الإخوة الجالسين في الصفوف الخلفيّة يتكلّمون مع بعضهم بين صلاتي المغرب والعشاء، فكان يلتفت إليهم ويقول: كم مرّة يجب علَيّ أن أكرّر القول بضرورة الحفاظ على الهدوء، فأنتم الّذين ستتضرّرون مِن هذا الأمر.

  • على الإخوة أن يتفكّروا بالمواضيع الّتي تُطرح هنا بعد مغادرتهم هذا المكان، فهي مواضيع قد سُمعت مِنَ العظماء، وما أنا إلّا واسطة في نقلها، على أن لا أضيف – بمشيئة الله – شيئًا عليها مِن عندي، بل أقوم بإيصال ما سمعتُ إلى الآذان الواعية والقلوب المستعدّة وإلى الّذين سيعملون به، لا إلى الّذين يهتمّون بمجرد الحضور وبأن يصدق عليهم بعض العناوين، بل ينبغي على هؤلاء أن يحضروا لكي يتعلّموا شيئًا ويأخذوه معهم ليستفيدوا منه خلال هذا الأسبوع. فإن أردنا أن تبقى هذه المواضيع في صدورنا وأن تَترك آثارها على أنفسنا، فعلينا أن نهتمّ بالمراقبة بعد خروجنا [مِنَ المجلس]، وعلينا أن نعير هذا الموضوع الأهميّة اللازمة.

  • تقول الصدّيقة الكبرى سلام الله عليها (مَنْ أخلص نيّته لله ...) .. [وهي حالة يجب أن تكون] في كلّ ما يواجهه المرء؛ [فيا ربِّ] إن كان ما قَسَمته لي في مرافقتي لهذا الصديق هو لصالحي فأدم لي صداقته، وإلّا فاصرفه عنّي .. وإن كان وضعي المعيشيّ الحاليّ الّذي قَسَمته لي أو عملي أو علاقاتي مع الآخرين، هو لصالحي [فأدمهم، وإلّا فأبدلهم لي].

النفس المُحكمة والنفس المتشابَهة

18
  • كان المرحوم العلّامة يقول: يجب أن تكون هذه حالنا دائًما، ينبغي المواظبة على طلب الصلاح، لا أن تكتفي بمراقبة حالك وتهتمّ بنفسك فقط عندما تذهب لزيارة الإمام الرضا قائلًا: إنَّه الإمام الرضا ولا يمكن لنا أن نغشّه، فهو يراقبنا جيّدًا، فإن ارتكبنا خطأً هناك سنواجه غضب الإمام وسخطه. أو أنَّنا نفعل ذلك فقط عند ذهابنا لزيارة العتبات المقدّسة، أو عند زيارة بيت الله الحرام وتلك العتبات المقدّسة.

  • لقد تذكّرتُ هذه الحكاية الآن، سألتُ المرحوم العلّامة يومًا، وذلك عندما كنتُ في الثامنة عشر أو التاسعة عشر مِن عمري: ما هو الفرق بين الصلاة الواجبة والصلاة المستحبّة يا والدي العزيز؟ وكيف يجب أن يكون عليه حال الإنسان في الصلاة الواجبة؟ فقال: لا يوجد أيّ فرق بينهما، فكلاهما توجّه إلى الله. أتلاحظون! هكذا يكون العارف. فلا فرق بين الصلاة الواجبة والمستحبّة سوى أنَّ الأولى واجبة، ولها شروطها الخاصّة ... [فاستقبال القِبلة هي مِن شروط الصلاة المستحبة أيضًا] غير أنَّ هناك بعض التساهلات فيما يتعلّق بالصلاة المستحبّة. أمّا بلحاظ حضور القلب والاهتمام بالصلاة، فإيّاكم أن تتصوّروا أنَّ الصلاة المستحبّة أقلّ أهميّة مِنَ الواجبة.

  • فاهتمامنا بالصلاة الواجبة، كأن نغمض أعيننا بالشكل الّذي تكاد حدقة العين أن تدخل في حيّز المخّ، وأن نضبط مخارج الحروف بحيث لا يدع لجبرائيل مجالَ الخطأ في كتابتها في صحيفتنا، فكلّ هذا الاهتمام بأداء اللفظ بشكل صحيح وإغماض الأعين وما شكال ذلك مِن حركات، لا يعني أنّه يمكننا في صلاة النافلة أن نلتفت يمينًا وشمالًا وأن نشير بأيدينا إلى أحد. إنَّ كلّ هذه التصوّرات تصوّرات خاطئة، فكلتا الصلاتين واحدة، ولا فرق لدى العارف بين الصلاة الواجبة والمستحبّة، فكلتاهما عبارة عن التوجّه إلى الله، إلّا أنّ الأولى إلزاميّة وواجبة والثانية ليست بواجبة، وأنّ الأولى فرضٌ والثانية نفلٌ، والأولى واجبة والثانية مستحبّة، فالفرق بينهما يكمن في هذه الأمور فقط، أمّا أصل الموضوع في الحالتين واحد. وعلى هذا نجد أنَّ حال العظماء في كلتا الصلاتين الواجبة والمستحبّة واحد، فلا وجود لأيّ فرق بين صلاتهم المستحبّة والواجبة.

النفس المُحكمة والنفس المتشابَهة

19
  • يقول المرحوم العلّامة: يجب أن تكون حالة الشعور بحضور الإمام ملازمة لنا ليلًا ونهارًا، لا أن يقتصر ذلك عند زيارتنا للإمام الرضا. فإن كنَّا لا نحس بذلك الشعور إلّا في ذلك المكان، فهذا يعني أنَّنا وضعنا الإمام الرضا في مدينة مشهد فقط وحبسناه هناك ووضعناه في صندوق، ثمّ جئنا لزيارته وهو في ذلك الصندوق. ما الّذي يعنيه هذا؟ إنَّ هذا هو الشرك، فالإمام الرضا ليس في مشهد [فقط]، بل هو في جميع عالَم الوجود، وهو موجود هنا، نعم هنا في هذا المكان الّذي أتحدّث فيه الآن، أليس كذلك؟ ألا يتغيّر حال الجميع عندما يُذكر اسم الإمام الرضا؟ إنَّ تبدّل الحال هذا يعني أنَّ للإمام حضور هنا، وهو موجود في كلّ عالَم الوجود وفي جميع الأماكن، فهو موجود في الدنيا غير أنَّ أعيننا لا تتمكّن مِن رؤيته، وهو موجود عند الموت وفي القيامة وفي الجنّة .. نعم، إنَّه موجود في جميع هذه الأماكن، غير أنَّنا، ومِن باب إظهار المحبّة والودِّ، ومِن أجل إظهار العبوديّة لولي نِعَمِنا يتوجّب علينا أن نذهب لزيارة الإمام الرضا، نعم يجب أن نذهب لزيارته، فقد تمّ التأكيد على هذا الأمر، وقد ورد مثل هذا التأكيد عن رسول الله، حيث جاء في الرواية:۱ ستُدفن بضعةٌ مني في طوس وكذا وكذا – إنَّها رواية مشهورة – فمَن زاره أعطاه الله ثواب حجّة وعمرة، فتتعجّب [تلك المرأة] وتقول: ثواب حجّة وعمرة! فيقول الرسول: بل حجتين. ثمّ يقول: بل ثواب ألف حجّة وألف عمرة مقبولة.

  • وليس في هذا الكلام أيّة مبالغة، بل هو أمر واقعيّ؛ فالإمام يُعطي كلّ واحد بمقدار ما لديه مِن معرفة. إنَّ الإمام الرضا موجود في كلّ مكان، فيجب أن يكون لدينا نفس الحالة، سواء عند زيارة الإمام أو عندما يُذكر اسمه أمامنا، نعم نفس حالةِ التواضع والتعظيم وحالة الاتصال، ألا تشعرون بالاتصال عندما تذهبون إلى مشهد .. ويجب ألّا تكون حالة الاتصال ظاهريّة – لا سامح الله – فإن وقعت أبصارنا على القبّة نقول: ها قد حصل لنا ارتباط بالإمام. بل يجب أن نشعر بالارتباط ونحن في مكاننا هذا أيضًا. إنَّ الولاية لا تَعرف الزمان والمكان، وليس لها نقطة خاصّة.

    1. عيون اخبار الرضا، ج٢، ص٢٥۷، والأمالي للصدوق ص۱۱٩: قال رسول االله (ص): ستُدفن بضعةٌ منّي بخراسان، ما زارها مكروبٌ إلا نفّس الله كربته، ولا مذنبٌ إلا غفر الله ذنوبه. عيون اخبار الرضا، ج٢، ص٢٩٥، والأمالي للصدوق ص۱٢۰ قال الكاظم (ع): مَن زار قبر ولدي علِيّ كان له عند الله عزّ وجلّ سبعون حجّة مبرورة. قلت: سبعين حجّة مبرورة؟ قال: نعم، سبعين ألف حجّة. قلت: سبعين ألف حجّة؟ فقال: رُبّ حجّة لا تقبل، مَن زاره أو بات عنده ليلة كان كمَن زار الله في عرشه. قلت: كمن زار الله في عرشه ... إلخ. وغيرها مثلها الكثير. (م)

النفس المُحكمة والنفس المتشابَهة

20
  • إنَّ هذا الكلام هو كلام أولياء الله أنفسهم حيث قالوا: يجب على الإنسان أن يشعر بالحضور في جميع الأحوال. وهذا هو مغزى كلام الصدّيقة الكبرى، ولكن بتعبير آخر حيث قالت «من أصعد إلى الله خالص عبادته، أهبط الله عزَّ وجلَّ إليه أفضل مصلحته».

  • إنَّ الله يقدّر للإنسان ما فيه مصلحته، وهو لا يدري كيفيّة حصول ذلك، فقد يكون في مصلحته أن يمرض أحيانًا أو أن تُكسر رجله، نعم قد يكون مِن مصلحته أن تُكسر رجله في هذا الوقت بدلَ أن يبقى سليمًا. رحم الله المرحوم آية الله الگلبيگانيّ، فقد كان رجلًا نقيًّا كثير الصلاح .. ذهبت في عصر أحد الأيّام بمعيّة المرحوم العلّامة لزيارته عندما تشرّف بزيارة الإمام عليّ بن موسى الرضا، وقد جاءه عدد مِنَ الأفراد لزيارته أيضًا. وكان المرحوم الگلبيگاني يسِرّ للمرحوم العلّامة دون سواه بعضَ الأمور الخاصّة، ولقد شاهدتُ بنفسي هذا الشيء منه، قال لي المرحوم الگلبيگاني مرّة في لقاءٍ خاصٍّ جمعني به ما نصّه: أبلغ جناب والدك عنِّي السلام (رحمه الله) وقل له:

  • مگر صاحب دلي از روي رحمت *** كند در حق درويشان دعايي۱
  • (يقول: ألا يوجد مِن أهل المعنى مَن يترحّم على أولئك المساكين ويدعو لهم)

  • كانت تلك هي كلمات المرحوم الگلبيگانيّ، فنقلتُ هذا الأمر إلى المرحوم العلّامة عندما ذهبتُ إلى مشهد، فضحك المرحوم العلّامة وترحّم عليه.

  • نقل المرحوم الگلبيگانيّ في ذلك المجلس الّذي حضرناه حكايتين أو ثلاث، كانت إحداها قوله: كنتُ أتعرّض إلى ضغط فيما يتعلّق بأمر ما – فهو لم يدخل في تفاصيل ذلك الموضوع بل اكتفى بقول أنّه قد تعرّض إلى ضغط – ولم أكن راغبًا في الاشتراك في تلك القضيّة، فكنت أجلس أفكّر وأتأمّل في الأمر وأقول: متى يُرفع هذا الحمل عن كاهلي ومتى يقلّ الضغط علَيّ وينتهي .. فخرجتُ مِن الغرفة لأذهب إلى غرفة أخرى فانزلقت رِجلي على الدرج وسقطتُ أرضًا وانكسرت رِجلي – ويبدو أنَّ ساقه هي الّتي انكسرت إذ كان يُشير إليها – فأصبحتُ جليس البيت لأسابيع، وكنتُ متحيّرًا لا أعرف المصلحة الّتي مِن أجلها حصل لي ذلك، ففتحتُ القرآن متفائلًا، فجاءت هذه الآية{أَمَّا السَّفينَةُ فَكانَتْ لِمَساكينَ يَعْمَلُونَ فِي الْبَحْرِ فَأَرَدْتُ أَنْ أَعيبَها}٢ .. عندما كان الخضر وموسى راكبان في السفينة، قام الخضر بتخريب جانبٍ منها، فصاح به موسى ماذا تفعل؟ فقال له الخضر: لا شأن لك بما يحصل، وسأقوم بتسوية كافّة الأمور معك دفعةً واحدةً، وذلك عندما يحين موعد افتراقنا. وقد بيّن الخضر للنبيّ موسى السبب حيث قال: إنَّ هذه السفينة تعود لمساكين، وهنالك حاكم جائر ظالم يغصب أموال الناس، فأردتُ أن أعيبها لأدفع هذا البلاء عن أصحابها. بعد ذلك قال المرحوم الگلبيگانيّ: أُلهمتُ حينها أنَّ كسر رجلي كان مِن أجل دفع ذلك البلاء عنِّي. ولم يذكر ما هي طبيعة الموضوع، بل اكتفى بذكره بشكلٍ مجملٍ ومضى. وهذا يحصل للجميع في كثير مِنَ الأوقات، [فترى] الإنسان يتألّم ويضطرب ذهنه لبعض الأحداث، والحال أنّ المسألة يكون لها شكل آخر.

    1. ديوان (گلستان) لسعدي الشيرازيّ، رقم ٤٤، البيت الرابع، وقد ورد البيت كالتالي: مگر صاحب دلی روزی به رحمت * کند در حق مسکینان دعایی. (م)
    2. سورة الكهف (۱۸) جزء مِنَ الآية ۷٩.

النفس المُحكمة والنفس المتشابَهة

21
  • على الإنسان أن يتعمّق في هذا الأمر ويُدقّق فيه كثيرًا، فهو عندما يريد أن يطوي الطريق الّذي يرتضيه الله، ويوظّف كلّ وجوده وقلبه فيه، سيكون قلبه قلبًا مُحكمًا في مثل هذه الحالة. إنَّ القلب المُحكم هو القلب المستحكم الثابت الّذي لا يمكن أن ينزلق، نعم يكون مستحكمًا كاستحكام الصخرة المستقرّة على الأرض، فإن سمع مِن صديقه أمرًا فلا يتزلزل ممّا سمع.

  • إن كان هناك حجرٌ يزن عدة أطنان مستقرٌ على الأرض، فمَن يقدر على تحريكه، وأيّ ريح تستطيع أن تزحزحه مِن مكانه؟! إنَّ وزن بعض الأحجار كبيرٌ جدًّا، يستعملونها في بناء العمارات والقصور. كنتُ يومًا في مكان فرأيت حجرًا يزن ستمائة طنٍّ – حيث كانوا قد كتبوا وزنه عليه – وكان على شكلِ مكعّبٍ، فمَن يستطيع أن يحرّك مثل هذا الحجر، وهل يمكن أن يُطلب مِن شخصٍ أن يزحزحه ولو قليلًا إلى هذا الجانب؟!

  • إن حصلت أحداث وتحرّك المجتمع بأجمعه باتجاه، فهل يمكن [لصاحب القلب المُحكم] أن يتأثّر ويهتزّ لذلك؟ [أبدًا لا يمكن] لأنَّ قلبه مُحكم، فقد تسمع أُذنه شيئًا، أمّا قلبه فيسير باتجاه آخر، إنَّه ثابت في مكانه، فإن سمع بعض الشائعات فلا يُعيرها اهتمامًا وسيبقى واقفًا في مكانه بإحكام، حتّى إن بلغت تلك الشائعات عشرة أضعاف، فلن تؤثّر فيه شيئًا، وذلك لأنَّه كان قد سلّم قلبه لله، فمَن يُسلّم قلبه لله يُلقي اللهُ في قلبه [ما فيه مصلحته].

  • يقول المرحوم العلّامة: إنَّ بعض مَنْ كان له ارتباط بي في عهد النظام السابق، كان يقيّمني وفقًا لآرائه الخاصّة، ولم يكن قد فرّغ قلبه لي، لذا كنت أُماشيه بنفس ذلك المقدار، وعندما حصلت بعض الأحداث رأيت أنّ قلبه يميل للاشتراك فيها، فلم أر جدوى للتعامل معه بعد ذلك، ثمّ وصلتْ به الأمور إلى تلك النتيجة الّتي شاهدناها جميعًا. إنّها لمسألة أساسيّة أن يثبت هذا الأمر في النفس.

  • كنت أنوي أن أتحدّث اليوم – كما وعدت الإخوة – عن موضوع المُحكم والمتشابه، غير أنَّ أمورًا أخرى قد حصلت وأدّت إلى تأجيل ما أردتُ الحديث عنه، لذا سنكمل الحديث عن الموضوع – كوعدي لكم في المرات السابقة [هذا مزاح مِنْ سماحته] – في المجلس القادم إن شاء الله.

النفس المُحكمة والنفس المتشابَهة

22
  • نسأل الله المتعال أن يُثبّتنا على طريق الّذي نحصّل فيه العبوديّة، وأن يُخلِص نوايانا في الوصول إلى مقام قربه، وأن يُديم على رؤوسنا الظّل المبارك لوليّ العصر (أرواحنا لتراب مقدمه الفداء)، وأن لا يحرمنا مِن زيارته في الدنيا وشفاعته في الآخرة.

  • اللهمّ صلّ على محمّد وآل محمّد