المؤلّفآية الله السيد محمد محسن الحسيني الطهراني
القسم التاريخ و الاجتماع
التوضيح
كيف ينبغي إقامة مجالس أهل البيت؟ وما هي الضوابط التي يجب مراعاتها في هكذا مجالس؟ وهل مجالس یوم السابع والذكرى السنوية ویوم الأربعين ممضاة من قبل الشارع، أم تنافيه؟ وکیف ینبغي إقامة مجالس الحزن والفرح الخاصة(الأعراس والوفيات) وماهي الضوابط فيها؟ وما هو رأي سماحة السيد بإقامة مجالس التبري ؟ وكيف ينبغي أن تقام؟ أسئلة أجاب عليها سماحة آية الله السيد محمد محسن الحسيني الطهراني حفظه الله، من خلال هذه المقالة التي كتبها حول هذا الموضوع المهم بالإضافة إلى مسائل أخرى.
هو العليم
كيفية إقامة مجالس الفرح والحزن
سماحة آية اللـه
السيّد محمّد محسن الحسينيّ الطهراني
قدس الله سره
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
رأي المرحوم العلاّمة الطهراني رضوان الله عليه بشأن إقامة مجالس الفرح والحزن
حضرة الإخوة في الله والأصدقاء المحترمين والملتزمين بمبادئ مدرسة التربية والتهذيب التي يتبنّاها المرحوم العلاّمة آية الله السيِّد محمّد حسين الحسيني الطهراني رضوان الله عليه:
بما أنَّ عدداً من الأصدقاء وتلامذة المرحوم العلاّمة الطهراني كان قد سألني عن وجهة نظر المرحوم العلاّمة في كيفية إقامة مجالس الاحتفال والزفاف وكذلك فيما يتعلّق بمجالس الفاتحة والترحيم أو مجالس التبري [من أعداء أهل البيت]، لذا ارتأيت أن أذكر هنا الأمور التي تمثّل وجهة نظره في هذا المجال، سائلاً الله أن يوفق ويُسدّد جميع الإخوة الأعزاء في طيّ الصراط المستقيم والطريق القويم الذي سلكه أولياء الله.
أولاً: مجالس العقد والزفاف
بداية، لا بدَّ لنا من أن نضع نصب أعيننا بأنّ الزواج هو سنّة من سُنن رسول الله، وهو ممدوحٌ بحدّ نفسه وجرى الحثّ والتأكيد عليه من قبل الشريعة المقدّسة، ولا مانع من الإتيان به في أيّ زمانٍ أو مناسبة، بل وحتّى في الأيّام التي تتصادف مع شهادة أحد من أهل البيت عليهم السلام.
نعم، من الأفضل ألاّ يكون ذلك في الأيّام التي يكون فيها القمر في برج العقرب. ولقد كان المرحوم الوالد ـ قدّس سرّه ـ يقول: «لا مانع من إجراء عقد الزواج حتّى في ليلة عاشوراء». مع مراعاة أنّ إظهار الفرح والسرور والقيام بتوزيع الحلوى في الأيّام التي تتصادف مع شهادة وعزاء أهل بيت العصمة عليهم السلام، يعتبر من الأمور المنافية للأدب، بل ويمكن عدَّه من الاستخفاف بالمناسبة، لذا لا بدَّ من تجنب القيام به.
وكان يؤكِّد على: «ألّا تكون الفترة الزمنية الفاصلة بين العقد ومراسم الزفاف طويلة، وليس من الصلاح أن تزيد على الشهرين أو الثلاثة أشهر»
وكان يقول:
إنّ مجلس العقد أو الزفاف، عبارة عن مجلس لعقد الصلة بين نفسين مع بعضهما البعض الآخر، والذي يؤدِّي بدوره إلى إيجاد الارتباط والصلة مع الله، ولذا ينبغي أن يكون الجو الحاكم على المجلس، جوَّاً نورانيًا وروحانيًا، غير أنَّ هذا لا يعني بالطبع التزام جانب الإفراط بحيث تتبدد حالة السرور والبهجة، ويحلّ محلّها جوٌّ من الجمود والاكتئاب. فالاعتدال مطلوب في كلّ شيء وهو أفضل منهج وسنَّة.
وعلى الرغم من حرمة العزف على الآلات الموسيقية في جميع الأحوال، إلاّ أنَّ اجتنابها في هكذا جوّ روحاني له تأكيده الخاص به. نعم يستثنى من ذلك استعمال الدفّ الذي لا يمكن الحكم بحرمة الاستفادة منه من الناحية الشرعيّة، ولكنَّه ومع كلّ هذا، من الأفضل الاستفادة من أداةٍ أخرى بدلًا عنه.
يجب أن يكون موضوع الشعر المنشود مختصاً بأهل البيت عليهم السلام، كما أنَّ الإكثار من الصلوات على محمّد وآل محمّد يضفي حيويةً على محفل الأنس هذا، ولا مانع من إنشاد بعض الأشعار المتضمّنة للمزاح والدعابة، بشرط ألاّ تصل الحال إلى الحدّ الذي يحصل فيه انتهاك حرمة المجلس وتجاوز الأدب واللطافة.
كما لا مانع من الممازحة والابتهاج والقيام ببعض الحركات المتّزنة على أن تكون ضمن الحدود التي لا تؤدِّي إلى إثارة الغرائز، ولا تُخرج الأمور عن حالتها الطبيعيّة ليُهيمن بدلاً عن ذلك الجانب النفسانيّ على جوّ المجلس.
ينبغي أن يكون اللباس في مجلس العقد والزفاف لائقاً ورزيناً، ويجب الاجتناب عن لبس الملابس المبرزة للمفاتن والمثيرة.
كما ينبغي تجنّب اصطحاب الأطفال الذكور الذين يمكنهم تشخيص الخصوصيات المميّزة للنساء وطبيعة ملابسهنَّ، وبإمكانهم أن يحتفظوا بما شاهدوه في ذاكرتهم. وكان المرحوم العلاّمة قد عيّن هذا العمر بما لا يزيد عن الثلاث سنوات، ومن وجهة نظري أنّه بناءً على الملاك الذي لديّ والذي تعلمته منه وبناءً على ما دار بيني وبينه من حديث حول هذا الموضوع، فهذا العمر هو المعيّن الآن. فبناءً على ما تقدَّم لا يجوز إحضار الأطفال ممن تجاوزت أعمارهم الثلاث سنوات بتاتاً، مع توخي الحيطة والدقة فيما ذكرناه عند اصطحاب من هم دون هذا العمر أيضاً.
ويجب ألا يرتفع صوت النساء بحيث يصل إلى مسامع الرجال.
وكان المرحوم العلاّمة يقول:
من الأفضل أن يُقام مجلس الزفاف ليلاً، وأن يكون بسيطاً بحيث يحضره أقارب الطرفين فقط، وأن يتم اختتامه باكراً، ويفضّل أن تعمل الوليمة في ظهر اليوم التالي، وينبغي تجنّب الإزعاج وإطلاق أبواق السيّارات، ومضايقة الآخرين.
إنّ ذبح الذبيحة مكروه ليلًا، وإن كان هناك نيّة لذبح ذبيحة، فالأفضل أن يتم ذلك في النهار.
من الأفضل أن تُقام مجالس الأفراح في المنزل أو أي مكان غير عمومي، وأن يتم اجتناب إقامتها في قاعات الاحتفالات، وبالخصوص تلك التي يحضرها غير المتديّنين، وغير الملتزمين، الذين يحضرون بأوضاع غير مناسبة عادةً؛ وذلك لأنَّ ذلك الجوّ الملوّث في مثل هذه الأماكن سيترك أثره السلبي على الروح والحال الملكوتي لذلك لمجلس، وستتأثّر نتيجة لذلك العلقة الروحية التي يجب أن تكون مبنيّة على أساس السنّة الإلهيّة ومنهاج رسول الله، ولن تثمر ذلك الثمر المطلوب، فإن لم يسع المنزل أو المكان الخاص حضور عدد كبير من الناس، فينبغي أن يقتصر الأمر على دعوة عدد محدود منهم.
ينبغي أن يُفتتح كارت الدعوة بعبارة "بسم الله الرحمن الرحيم" أو أيّ اسم ونعتٍ لله عزّ وجلّ. وينبغي تجنّب استخدام العبارات الركيكة والمتدنية في عبارات الدعوة، والأفضل عدم ذكر اسم الفتاة فيه، وينبغي أن يكون التأريخ المثبّت على بطاقة الدعوة هو التأريخ الهجري، ولا حاجة لذكر تأريخٍ إضافيٍ آخرٍ معه كالتاريخ الشمسي، [أو الميلادي].
ينبغي على كلّ من الزوجين أن يبدأ حياته الجديدة بصلاة ركعتين في ليلة الزفاف، والتوكّل على الله والالتجاء إليه، وأن يردا في مسير التكامل الإنساني والسير في طريق الوصول إلى الذات الإلهية، وأن يتجنّبا الخوض في عالم الكثرات والاعتباريّات والمجاملات، وأن يعتبرا أنّ هذه العلقة التي حصلت بينهما هي أفضل فرصة لهما لطيّ سيرهما التكاملي نحو عالم الأنوار. ولا مانع من إقامة مجلس تقديم الهدايا للعروس على سبيل المثال، ويمكن لمن يريد أن يهدي العروسين هديّةً أن يحضرها إلى ذلك المجلس، ولكن ينبغي عدم فتحها والتباهي بها أمام الحاضرين، فليس من الصحيح القيام بهكذا عمل، بل ينبغي أن يكتب مُقدِّم الهدية اسمه عليها ويضعها جانباً، وعلى الزوجين تقديم شكرهما إليهم فيما بعد. كما ينبغي على الزوجين عدم الالتفات إلى الطريقة التي يمضي بها الآخرون حياتهم اليومية ولا إلى كيفية علاقتهم مع بعضهم البعض؛ بل أن يكون شغلهم الشاغل هو الفوز برضا الله لا غير. وعليهم الاستفادة من الأفراد الصالحين وذوي الخبرة في التشاور وحل المشاكل التي تعترض طريقهم في الحياة. ولا يُقيما علاقات وروابط مع أيّ كان من الناس. وعليهم الحذر الشديد من الوقوع في حبائل وفخاخ شياطين الأنس وقطّاع الطرق المتظاهرين بلباس الصلاح وتقديم النصح.
وخلاصة الأمر: فإنّ عقد الزواج سنّة من سنن رسول الله، وهو مبنيّ على أساس الوحدة والتوحيد واتحاد النفوس والقلوب، ويجب اتباع سنة وسيرة رسول الله والأئمّة الأطهار عليهم السلام في مسيرهم في ذلك، ومنها: قلة المهر، وأفضل المهور مهر السنّة وهو مهر السيّدة فاطمة الزهراء سلام الله عليها.
ومن الجدير بالذكر فإنّ العبد سيقوم بنشر رسالة حول مهر السنّة إن شاء الله.
أمّا ما يتعلّق بمجالس الترحيم
فقد جرت سنّة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم على عقد مجلس لقراءة الفاتحة والترحّم على المتوفى لمدة ثلاثة أيام في منزله، ويجب أن يقرأ فيه القرآن وذكر مصائب أهل البيت عليهم السلام، والامتناع كلياً عن ثناء الميت أو أموره الاجتماعية والشخصية وجميع ما يتعلّق بالمسائل الاعتبارية والدنيوية الدنية. كما ينبغي عدم رفع الأعلام السوداء وتعليق يافطات التعزية؛ فكل ذلك مما يختص بمجالس عزاء أهل البيت فقط، وينبغي ألاّ يكون هناك تشابه بين المجالس التي تقام لسائر الناس وبين تلك الخاصة بالمعصومين عليهم السلام. لذا ينبغي أن يكون مجلس الترحيم مجلساً معتاداً، وعلى الحاضرين الإنصات إلى تلاوة القرآن أو الانشغال بقراءته وقراءة الفاتحة، وعدم الحديث مع بعضهم.
لقد أصبح مرسوماً هذه الأيام أن يدخل الأفراد إلى مجالس الترحيم بأحذيتهم، ويجلسون على الكراسي ويتكلمون ويتمازحون فيما بينهم، غير ملفتين أبدأ لقارئ القرآن، فكلّ هذا يُعدّ من الأمور الخاطئة.
بل يجب الجلوس في هكذا مجالس على الأرض، وألا يتكلم الحاضرون مع بعضهم، وأن يكون تفكير الإنسان متوجّهاً نحو مآله الأخروي، وعليه أن يتصوّر بأنَّ مجلساً كهذا سيُقام له في يوم من الأيام.
إنَّ استخدام الكاميرات لتصوير هذه المجالس بشكل علني وبمرأى الجميع يعتبر مخلّاً بالهدف الذي من أجله يُقام هكذا مجلس. ولا يوجد هناك أي مبررٍ أو داعٍ لذكر أسماء الوافدين للتسلية أو شكرهم أمام الجميع.
وليس من السنّة تقديم طعام للحاضرين في مجالس الترحيم، بل من المناسب أن يقوم الأقارب والجيران بتهيئة الطعام لعائلة الفقيد لمدة ثلاثة أيام.
كما أنَّ جلب باقات الورود إلى هكذا مجالس يتنافى مع روح انعقاد تلك المجالس، ويجب ترك هذه العادة، وهذا الأمر يُشاهد أيضاً في المقابر هذه الأيام، فبدلاً من الاستفادة من جوّ ذلك المكان للاتعاظ وذكر الموت والدار الآخرة، ترى الناس مشغولة بزرع الأشجار والورود والمساحات الخضراء وفتح قنوات الماء، والحال أن هذه الأمور تتنافى مع جوّ المقبرة؛ إذ تعمل على صرف انتباه الإنسان عن التذكّر والتنبّه، وتشغله بالتفرّج على الزهور والرياحين.
لا ينبغي ارتداء الملابس السوداء في هذه المجالس، فاللون الأسود من الألوان المكروهة، ولا بأس بلبس لباس داكن اللون، وعلى أهل المصاب خلع هذه الملابس بعد ثلاثة أيام والعودة لمزاولة أعمالهم وحياتهم المعتادة. ولا ينبغي لهم تأخير مجالس العقد والزفاف بسبب ذلك، وعليهم ألاّ يتسببوا بإيجاد العُسر والإحراج والمشاكل لهم ولذويهم وأقاربهم بسبب هذه السنن والآداب الجاهلية.
يجب عدم استعمال مصطلحات مثل مجلس التكريم أو التجليل بدلاً عن مصطلح مجلس الترحيم. وإن كان لزاماً ذكر أمر يتعلق بالمتوفى، فلا بدّ وأن يجري الحديث عن الأمور التي تصبّ في ذكر الانتقال إلى الحياة الأخرى والرحيل إلى دار البقاء.
ولا مانع من عقد مجلس الترحيم في المسجد أو الحسينية، بشرط رعاية المسائل آنفة الذكر، وبشرط ألا يشكّل ذلك عائقاً أمام ورود المصلّين.
وإذا صادف انعقاد مجلس الترحيم مع حلول أحد الأعياد الإسلامية، فلا ينبغي أن يُهيمن جو مجلس الترحيم على تلك المناسبة، مع إمكانية حذف فقرة توزيع الحلوى؛ تماشياً مع مجلس الترحيم والاستعاضة عنه بتوزيع التمر. ويجب عدم قراءة العزاء، بل ينبغي قراءة الشعر ومدائح أهل البيت بدلاً عن ذلك.
ولا ينبغي وضع الإناء في المجلس۱. وعلى أصحاب المصاب تجنب إيقاف عدد كبير من المستقبلين لبيان عظم مكانة المتوفى.
وعلى الحاضرين للمجلس أن يشغلوا معظم أوقاتهم في قراءة سورة الفاتحة وسورة القدر، ويجب الامتناع عن توزيع القرآن المجزّأ على الحاضرين؛ باعتبار أن هذه الطريقة إنما راجت منذ عهد يزيد ـ لعنه الله ـ بل يجب أن يكون القرآن على هيئته الكاملة، ويجب أن يكون في متناول أيدي الناس على هذه الهيئة.
مجالس السابع والأربعين والذكرى السنوية
أمّا فيما يتعلّق بمجالس السابع والذكرى السنوية والأربعين، فلم يتم إقرار أيّ منها من قبل الشارع المقدّس، وبالأخص مجلس الأربعين منها، حيث يمكن القول بأن فيه شبهة المخالفة للشرع، وعدم رضا الشارع بعقده؛ وذلك لاختصاص مجلس الأربعين بسيِّد الشهداء عليه السلام فقط، حتّى أنَّه لم يُعقد هكذا مجلس لأيّ من المعصومين الأربعة عشر غير الحسين عليهم السلام. فبناءً على هذا يجب اجتناب تشكيل هذه المجالس لأمواتنا، وعلى وجه الخصوص مجلس الأربعين منها.
إنَّ الهدف من إقامة هذه المجالس هو طلب المغفرة للمتوفى، وتعزية أقاربه وتعظيم الشعائر الدينية، وذلك الهدف إنما يتحقق إذا توافقت المراسم التي تُقام مع تعليمات وقوانين الشرع الأنور بشكل كامل، وإذا استمرينا سائرين على النهج القويم والسيرة السديدة، دون الانحراف عنها بميولنا للمصالح الدنيوية ومراعاتنا لأذواق وأفكار الآخرين وميولنا للتظاهر والتباهي، وإذا عملنا على تطبيق أمورنا وفقا لما وصلنا عن رسول الله وأئمة الهدى صلوات الله عليهم أجمعين.
فلا وجود لمراسم الذكرى السنوية في سنّة الدين وسيرة أهل البيت؛ فلم يرد أي ذكر لعقد مجلس بمناسبة الذكرى السنوية لارتحال أي من الأفراد العاديين أو أصحاب الأئمة عليهم السلام في التواريخ أو آثار الماضيين طيلة الفترة الممتدة بين صدر الإسلام والغيبة الكبرىـ والتي تزيد على الثلاثمائة سنة.
لكننا نشاهد، وللأسف الشديد، كيف يعمل الناس اليوم على إقامة مجالس الذكرى السنوية لأمواتهم ولسنوات متمادية بعد ارتحالهم، ويقومون بصرف مبالغ طائلة في هذا المجال، كما يهتمون بنشر الإعلانات في المدن المختلفة، ويحسبون ذلك من تعظيم الشعائر، غير عالمين أن روح المتوفى تتأذّى وتتضايق من هذه الأمور، وغير راضية عنها ولو بمقدار رأس الإبرة.
محورية المعصومين عليهم السلام في أي مجلس يقام
ويجب أن يكون المحور في إقامة الشعائر في مكتب التشيّع هو المعصوم عليه السلام، ولا يمكن أن يكون هنالك دور لأيّة شخصيّة أو مناسبة أخرى في هذا المجال.
لا مانع بالطبع من أن يذكر الإنسان أحد ذوي قرباه الراحلين عن الدنيا ويطلب له الرحمة والمغفرة، ولكن يجب أن يتم ذلك ضمن مجلس يُقام باسم أحد المعصومين عليهم السلام، لا أن يُقام مجلس مستقل باسم المتوفى.
بناءً على هذا يجب أن تكون جميع المؤتمرات والندوات ومجالس الذكرى السنوية التي تُعقد للعظماء من العلماء والعرفاء الإلهيين منضوية تحت هذا الإطار.
فإن أُريد إقامة مؤتمر أو ندوة عن أحد العرفاء الإلهيين لغرض التحقيق والبحث في آثار وأفكار ذلك العارف الكبير، فيجب اختيار مناسبة تصادف ميلاد أحد المعصومين عليهم السلام؛ كميلاد أمير المؤمنين أو الإمام الصادق أو الإمام علي بن موسى الرضا وأمثالهم.
وإن أُريد إقامة مجلس عن أحد الفقهاء الكبار وبيان آثاره وأفكاره، فيجب أن يكون ذلك متوافقاً مع مناسبة ميلاد الإمام الباقر عليه السلام أو الإمام الصادق عليه السلام، وعلى هذا المنوال تجري بقية الأمور. ويجب أن يتمحور ذلك المؤتمر أولاً وبالذات حول أفكار ونهج وسيرة ذلك الإمام الهمام، ثم يجري الحديث عن أفكار تلك الشخصية الكبيرة بعد ذلك.
ما يطرح في مجالس المعصومين عليهم السلام
وأمّا مجالس أعياد ووفيات المعصومين عليهم السلام فيجب ألا تقترن بالضجيج والصخب، والدعوة إليها عن طريق نشر الإعلانات والملصقات الجدارية وما شابه ذلك.
ويجب أن يقتصر الحديث فيها على المعارف الدينية، وأن تتمركز المواضيع التي تطرح حول محور ذلك المعصوم، ويجب الاجتناب عن ذكر ومدح مؤسس ذلك المجلس.
وينبغي أن يسبق حديث الخطيب قراءة الأشعار والمناقب الملائمة لتلك المناسبة، وكم هو مناسب الاستفادة من أشعار أهل المعرفة من أمثال الشيخ حافظ الشيرازي والسنائي ومولانا جلال الدين الرومي وعطار النيشابوري، والعظماء من أمثال الحاج الميرزا حبيب الله الخراساني والمرحوم الكمباني وحجة الإسلام نيّر التبريزي وفؤاد الكرماني والفيض الكاشاني والآخرين من أمثالهم.
وينبغي الاجتناب عن التصفيق في المجالس الخاصة بأهل البيت والاستعاضة عن ذلك بذكر الصلوات على محمّد وآل محمّد.
كما يجب اجتناب قراءة الأشعار الركيكة والتافهة، أو تلك التي قد تعتبر مسيئة ومدنّسة للمقدسات. ويجب رعاية الوقار والرزانة التي تليق بمقام مجالس أهل البيت. لذا ينبغي على النساء لبس الملابس الوقورة واجتناب الملابس الغير مناسبة. كما يجب اجتناب تقليد منشدي الأشعار من غير الملتزمين في طريقة قراءتهم للشعر، وكذلك في طريقة النوح والعزاء. ولا مبرر لخلع الملابس عند لطم الصدور، كما يجب اجتناب الصياح والضجيج والصراخ المؤذي لحاسة السمع. بل يجب أن يتمتع مجلس الإمام عليه السلام بالسكينة والوقار والنظام.
ويجب استعمال المنبر بدلاً عن الكرسي، كما أنَّ منصة الخطابة هي من المستحدثات الغربية الدخيلة، وهي مذمومة ولا ينبغي استعمالها في محافل الذكر ومجالس العزاء.
فإن أُريد إقامة مجلس عزاء أو إقامة احتفال يتعلق بالأئمة في أحد المنازل، فمن المناسب إحضار منبر ذي ثلاث درجات ونصبه هناك.
يجب إظهار الفرح والسرور في مجالس الاحتفال السعيدة، كما ينبغي أن تخيّم علامات الحزن على جوّ مجالس العزاء. غير إنَّ الإفراط في نشر السواد ليس صحيحاً، ويجب ألا يتجاوز كلّ شيء حدّ الاعتدال. كما يجب الامتناع عن إطالة مجالس العزاء.
يجب عدم الدخول إلى المجلس بعد شروعه، وينبغي عدم جلب الموبايل إلى المجلس. ويجب على الحاضرين الاهتمام بالمحافظة على هدوء أطفالهم، وعلى كلّ شخص أن يجلس طفله إلى جنبه.
يجب على الخطيب أن يبدأ حديثه بعد انتهاء منشد الأشعار من شعره، وعليه الشروع ببيان مباني مذهب التشيع، وعليه اجتناب التوغل في الحديث عن الأمور الجانبية الخارجة عن محط البحث؛ فالناس متعطشة للمزيد من معارف أهل البيت، وقد سئمتْ تكرار المكررات. ويجب أن يلمس الحاضرون أنهم حصلوا على فهم أفضل وانكشف لهم المزيد من الحقائق بعد استماعهم لحديث الخطيب.
يجب أن تكون الأشعار، وبالخصوص تلك التي تقرأ في المراثي، ذات محتوى ومفهوم معنوي وملهم للروح. ولا يجب أن يصل صوت الخطيب ومنشد الشعر إلى خارج محلّ إقامة المجلس مما يؤدِّي إلى إيذاء الجيران. وكذلك الحال بالنسبة إلى مواكب العزاء، فعليهم العودة إلى أماكن انطلاقهم قبل حلول موعد نوم الناس وراحتهم، وعليم اجتناب استعمال الطبول والأبواق والآلات الموسيقية، وعدم حمل الأدوات التي تكون على هيئة الصليب.
يجب أن تكون طريقة الإطعام في مجالس أهل البيت على غرار الإطعام في بقية المراسم، ويجب رعاية نفس الكيفية التي يتم مراعاتها في سائر المناسبات.
ومن بين الأمور المهمة المتعلقة بمجالس أهل البيت هو: يجب أن تبعث هذه المجالس على الانبساط والشوق والرغبة في النفوس. ولما كان تكرار إقامة مثل هذه المجالس يجعل منها مجالس عادية وتبعث على الضجر والملل وعدم الرغبة فيها، فلا بدّ من الاكتفاء بإقامتها ضمن حدودها المتعارفة، وعدم تكرار إقامتها بدوافع مختلفة من نذرٍ وعادةٍ جارية أو لغرض التظاهر بين الناس.
مجالس التبري
ومن المجالس الأخرى التي تُعقد، هي مجالس التبري، حيث يجب الخوض بسرد الحكايات وكلام المتقدمين وتبيين مواقف أهل البيت والشيعة في هذا المجال. ويجب تجنّب استعمال الألفاظ الركيكة والبذيئة والمستهجنة، وتجنّب هتك حرمة الآخرين.
ولا مانع من المزاح الذي لا يتجاوز حد الاعتدال، غير أنَّه ليس من الصواب استعمال التعابير المسيئة وإنشاد الأشعار المستهجنة بشأن الماضين. فلا بدّ من رعاية المؤمن للوقار والرزانة في جميع الأحوال.
مجلس عيد الميلاد
ومن المجالس الأخرى، مجلس عيد الميلاد الذي لاقى رواجاً بين المسلمين على الرغم من كونه من الثقافات الغربية؛ والذي يُفترض استبداله باحتفال فرح بمناسبة وصوله إلى سنَّ البلوغ، باعتبار أن ذلك عبارة عن وصول الإنسان إلى مرحلة الاستعداد والتأهّل لتقبّل خطاب التكليف الإلهي من جانب الحق تعالى، فيجب أن يفرح الإنسان ويسعد بذلك؛ لأنَّ طريق التحقّق بحقيقة العبودية والورود في حرم كبرياء الحق قد أصبح مهيّأً ومعبّداً للإنسان هنا؛ وذلك لتعلّق التكليف الإلهي به، ولحصوله على الإذن في الحركة والسير في مسير الكمال والسلوك إلى الله. فعليه والحال هذه أن يتوجّه بالشكر لله ويخطو خطوته الأولى في هذا الطريق ويبدأ بالسير نحو المعبود بهمّة عالية ونيّة خالصة وضميرٍ صافٍ وقلبٍ متصل برحمة وعناية الحق. حيث قال عن ذلك العظماء:
إنَّ سير الشاب نحو الكمالات المعنوية وتخطي عوائق النفس الأمّارة والدنيا الدنيّة يكون أسرع بكثير وبتعجيل أكبر من سير وحركة سائر الأفراد.