/۵
بي دي اف بي دي اف الجوال الوورد

ضرورة اتباع العلم واليقين لا هوى النفس

1
  •  

  • هو العليم 

  •  

  • ضرورة اتباع العلم واليقين لا هوى النفس

  • مباني الأخلاق – المجلس الثاني

  •  

  • محاضرات ألقاها 

  • سماحة العلّامة آية الله الحاجّ السيّد محمّد الحسين الحسينيّ الطهرانيّ

  • قدس الله سره

  •  

  • في المشهد الرضوي المقدّس

  • الليلة الثانية من شهر رمضان المبارك، ۱٤۱۱ هـ

  •  

ضرورة اتباع العلم واليقين لا هوى النفس

2
  •  

  •  

  • أعوذ باللّه من الشيطان الرجيم

  • بسم الله الرَحمٰن الرَحيم

  •  

  •  

  • ﴿قَدۡ نَرَىٰ تَقَلُّبَ وَجۡهِكَ فِي ٱلسَّمَآءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبۡلَةٗ تَرۡضَىٰهَا فَوَلِّ وَجۡهَكَ شَطۡرَ ٱلۡمَسۡجِدِ ٱلۡحَرَامِ وَحَيۡثُ مَا كُنتُمۡ فَوَلُّواْ وُجُوهَكُمۡ شَطۡرَهُۥ وَإِنَّ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلۡكِتَٰبَ لَيَعۡلَمُونَ أَنَّهُ ٱلۡحَقُّ مِن رَّبِّهِمۡ وَمَا ٱللَهُ بِغَٰفِلٍ عَمَّا يَعۡمَلُونَ ، وَلَئِنۡ أَتَيۡتَ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلۡكِتَٰبَ بِكُلِّ ءَايَةٖ مَّا تَبِعُواْ قِبۡلَتَكَ وَمَآ أَنتَ بِتَابِعٖ قِبۡلَتَهُمۡ وَمَا بَعۡضُهُم بِتَابِعٖ قِبۡلَةَ بَعۡضٖ وَلَئِنِ ٱتَّبَعۡتَ أَهۡوَآءَهُم مِّنۢ بَعۡدِ مَا جَآءَكَ مِنَ ٱلۡعِلۡمِ إِنَّكَ إِذٗا لَّمِنَ ٱلظَّـٰلِمِينَ ، ٱلَّذِينَ ءَاتَيۡنَٰهُمُ ٱلۡكِتَٰبَ يَعۡرِفُونَهُۥ كَمَا يَعۡرِفُونَ أَبۡنَآءَهُمۡ وَإِنَّ فَرِيقٗا مِّنۡهُمۡ لَيَكۡتُمُونَ ٱلۡحَقَّ وَهُمۡ يَعۡلَمُونَ﴾۱

  • يقول الله تعالى في هذه الآيات التي تمت قراءتها اليوم ـوهي آيات عجيبةٌـ ما يلي:

  • «(لكلّ فردٍ قبلةٌ وهدفٌ، والنّاس تسعى خلف تلك القبلة والهدف وتتبع مقصدها) فيا أيّها النبي! اسع خلف قبلتك واتّبع تلك القبلة التي أريناها لك! *فهؤلاء اليهود والنصارى لا يحبّون قبلتك، لأنّهم يمتلكون بأنفسهم قبلةً وهدفًا ومقصدًا. ولو أنّك أريتهم جميع آيات الكون، فمع ذلك لن يتّبعوا قبلتك أصلًا! فهناك قبلةٌ في قلوبهم، فلن يتبعوا [قبلتك]! كما أنّهم ليسوا

  • متّحدين، ولا يتبعون قبلةً خاصّةً، بل لكلّ منهم قبلته الخاصّة التي يتبعها وهي قبلةٌ مختلفةٌ. وبناءً على هذا، عليك أن تسعى خلف قبلتك! فقبلتك تختلف عن قبلتهم، قبلتك علمٌ، أمّا قبلتها فظنٌّ ووهمٌ، قبلتك يقينٌ وعلمٌ ومتانة وواقعيّة، وقد ملأت وجودك وجعلته ثقيلًا، أمّا قبلتهم فأهواء».

  • و«أهواء» تُطلق على الشيء الذي خاليًا من الداخل. الهواء كلمةٌ عربيّةٌ؛ ويُطلق على الهواء بأنّه هوا؛ لهذا السبب؛ لأنّ داخله خالي. فالأهواء، تعني ما يكون في القلب ويكون خاليًا، ليس له أيّ مستند، ولا معتمد، ولا متكئ، مجرّد ظنون وخواطر تعبر في الذهن ولا تعتمد على شيءٍ. والقرآن المجيد كلّما أراد أن يُعبر عن آراء الأشخاص المنحرفين والكفار وعن أفكارهم، فإنّه يعبر عنها بأنّها أهواء.

  • «خيالاتهم ونواياهم وقبلتهم أهواء! وبعد أن كانت قبلتك علمًا ويقينًا فإذا رفعت يدك عنها واتبعت قبلتهم التي هي أهواء، ففي هذه الحالة سوف تكون من الظالمين جدًا!».

  • لأنّك مع وجود العلم واليقين، تركت العلم واليقين واتبعت الأهواء! خسرت الذهب، وانخدعت بشبيه الذهب، خسرت الوضوح وعشت في الظلام، ورفعت يدك عن ماء الحياة ولم تشرب منه وسعيت خلف السراب! فالفرق بين قبلة الحقّ وقبلة الباطل، هو نفس الفرق بين الماء والسراب. فإذا وصل شخصٌ إلى الماء الذي بحث عنه وشرب منه وارتوى قلبه وحصل على الحياة مجددًا به، فإذا ترك هذا الماء بعد ذلك واتبع السراب، فهو ظالم جدًا!

    1. سورة البقرة (٢)، الآیات ۱٤٤ إلى ۱٤٦.

ضرورة اتباع العلم واليقين لا هوى النفس

3
  • هل تعلمون ما هو السراب؟ هل تواجدتم في الصحراء يومًا؟ عندما يقترب الظهر، يشتد سطوع الشمس قبل الظهر بساعةٍ أو ساعتين. وتلك الشمس التي تشرق من مكان بعيد تجعل الحصى والحجارة تتوهج، وحتّى التربة العادية وتتلألأ، فيخيل للإنسان وجود الماء في ذلك المكان البعيد. فيكون الإنسان واقفًا هنا، ولكنّه ينظر مثلًا إلى خمسمئة أو ألف متر من تلك الجهة،

  • فيرى بحرًا من الماء أو بحيرةً من الماء؛ ماء بكل ما تحمل الكلمة من معنى، ولا فرق بينها وبين الماء أبدًا! فيمشي لتصل يده إلى ذلك الماء، ولكن كلّما تقدم يرى أن ذلك الماء يبتعد أيضًا! يتقدّم خمسمئة مترٍ، والتي يجب أن تُمكّنه من الوصول إلى الماء! إلّا أنَّ هذا الماء يبتعد! فيمشي مُجدّدًا نحو الماء، ويتحرّك مئة مترٍ أخرى، فيرى أن الماء قد ابتعد مجدّدًا! وهكذا يستمرّ بالتقدّم، والماء يبتعد، وطالما أنّ الشمس موجودةٌ، فهو يتقدّم والماء يبتعد، فينتهي يومه ويمضي عمره وبالأخير يموت عطشًا ولا تصل يده إلى الماء! لأنّ ذلك الماء كان سرابًا، وليس ماءً!

  • فعالم الوجود مرآةٌ للماء، وليس بماء؛ عالم الوجود مرآةٌ للوجود وليس وجودًا حقيقيّاً وأصيلًا. فنحن نتبّع هذه الأشياء، ونعتقد أنّها مستقلةٌ ونرى أنّ لها قيمةً، وهكذا ينقضي عمرنا! فمثلًا يقول الإنسان: فلأذهب الآن كي أصل إلى ذلك المقام! وعندما يذهب ليصل إلى ذلك المقام، يرى أنّه لا، لقد تقدّم [ذلك المقام] إلى الأمام أكثر، فيقول: فلأقم بهذا الفعل، لعلّي أصل! ولأقم بذلك العمل أيضًا، ثمّ يرى أنّه لم يصل إليه! ثمّ ذاك الفعل، ثمّ ذاك الفعل، وهلم جرا... . إنَّ جميع البشر هكذا! فبنظر شخصٍ ما، ذلك الماء الذي سيرويه هو امرأةٌ، ولغيره طفلٌ، ولآخر هو العلم، ولشخص آخر التجارة، ولآخر السلطة، ولآخر اكتساب المقام، ولآخر المال، ولآخر الجاه، ولسواه الشجاعة و... . جميع هذه الأمور سراب يتجلّى للإنسان، وكلّما تقدّم كي يكتسب مقدارًا منها، لا يستطيع؛ ولا ترويه حتّى ولو بقطرةٍ واحدةٍ! ففي نهاية المطاف الفرض هو أنَّ هذا الماء ماءٌ كذب، والماء الكذب يقع في مقابل الماء الحقّ، والماء الحقّ يروي عطش الإنسان. فإذا شربت شربةً من الماء من كوب الماء هذا الموجود هنا وصببته في فمك فسترتوي، واختبار الأمر مجاني! فإذا وضعوا قطرةً من الماء على لسانك فسيترطّب، ولكن إذا ردّدت كلمة الماء ألف عامٍ فلن يرويك ذلك، وهذا بالوجدان والعيان!

ضرورة اتباع العلم واليقين لا هوى النفس

4
  • وهكذا يقول الله عزّ وجل: يا أيّها النبي! جميع هؤلاء الأفراد الذين يتّبعون الأهواء الدنيويّة ولديهم مقاصد أخرى غير مقصد الحقّ ولهم أديان مختلفة، مِن اليهود والنصارى والمشركين والملحدين وعُبّاد الدنيا الذي هم مسلمون ولكن هدفهم ومقصدهم الأصلي هو الدنيا، فجميعهم أياديهم خالية! سيجري هؤلاء إلى آخر العمر لكي يرتووا، إلّا أنّ ذلك لن يتحقق! فإيّاك أن تتبعهم! وإذا اتبعتهم فستكون ظالمًا؛ يعني: ستكون قد رفعتَ يدك عن الماء واتبعتَ السراب، ولم تشرب الماء الحقيقي الذي سقاك الله إياه، وسعيتَ نحو الماء الباطل الخالي من جنبة الحياة ومن ذلك الصفاء!

  • ﴿ٱلَّذِينَ ءَاتَيۡنَٰهُمُ ٱلۡكِتَٰبَ يَعۡرِفُونَهُۥ كَمَا يَعۡرِفُونَ أَبۡنَآءَهُمۡ﴾۱؛ يعني: «هؤلاء الأفراد الذين منحناهم الكتاب، يعرفونك بشكلٍ جيدٍ جدًا مثلما يعرفون أبنائهم! (لا أنّهم معذورين وقاصرين واقعًا، وبقولنا: جاهلٌ قاصرٌ)».

  • فالإنسان يعرف ابنه أفضل من الجميع؛ فهل يُمكن أن يخطأ الإنسان في ابنه في وقت من الأوقات؟! فهل يسأل ابنه واقعًا: قل لي ما اسمك؟ أنت ابن مَن؟ من الممكن أن يخطأ الإنسان في ابن عمّه أو ابن عمته، وهكذا الأمر كلّما ابتعدنا، فلعله في وقتٍ من الأوقات يخطئ في ابن خالته أو ابن مدينته؛ ولكن الإنسان لا يخطئ في ابنه!

  • يقول الله: هؤلاء الأفراد من اليهود والنصارى الذين أوتوا الكتاب، يعرفونك، ويعلمون أنّك النبي الحقّ وأنت على حقٍّ وأنّ جميع علامات الحقّ فيك، مثلما يعرفون أبنائهم؛ ولكن لا يقبلون؛ لأنّ الأهواء والسراب قد ورد إلى أذهانهم. إنّهم يروون أنّهم إذا اتّبعوك عليهم أن يدعوا كل شخصيّتهم وسيادتهم ومقامهم وعلمهم وجاههم واعتبارهم ويجب أن يصبحوا أتباعًا لك. فإنّهم

  • ومن أجل حفظ ذلك الكرسي المجازي والاعتباري ينكرونك ويثورون ضدّك إلى أخر العمر على الرغم من وضوح الحقّ لهم!

  • إنَّ آيات القرآن، هي آياتٌ لجميع الأفراد؛ يعني: هذه الآيات هي لنا أيضًا٢. ويجب علينا أن نكون ملتفتين جيّدًا، ولا نقول دائمًا اللعنة على اليهود والنصارى واللعنة على ... ونحن الحمد لله مسلمون وطريقنا صحيح! لا أبدًا، نفس هذه الآيات [تخاطبنا أيضًا].

  • [فنحن في حالاتنا] النفسانيّة لدينا حالة بحيث في بعض الأوقات التي يجب أن نقرّ فيها بالحقّ، لكن رغم أنّنا نعلم أنّها حقّ إلّا أنّنا لا نُقرّ بذلك بسبب بعض الأمور الاعتبارية، وهكذا نواصل المسير خلف السراب ونفقد الماء من بين أيدينا! ثمّ نقع في قضية أخرى، ونعرف أنّ ذلك الحقّ ولكن لا نقرّ؛ ثمّ في قضية أخرى، وقضية أخرى و...، ويُصبح ذلك حالنا الدائم: سرابٌ وسرابٌ وسرابٌ! عند ذلك نرى كم مرّةً كنّا نسعى خلف السراب، وإذا استمرّت هذه السلوكيات لا قدر الله، فسوف يضيع عمر الإنسان. إنّ المقدار الذي يستطيع الإنسان أن يتحرّك فيه هو من الصباح إلى الغروب؛ وإذا ما حلّ الغروب وغربت الشمس، سيزول كلٌّ من السراب والماء. وطالما كان الماء موجودًا، فإنَّ ذلك السراب سوف يترأى أمام الإنسان كالماء بواسطة تلألأ ضوء الشمس، ومدّة عمر الإنسان محدودةٌ أيضًا

    1. سورة البقرة (٢) الآیة ۱٤٦.
    2. لمزيد من الاطلاع حول هذا الموضوع يرجى الرجوع إلى معرفة الإمام، ج٤، ص ۱۸۰ - ۱۸٢؛ نور ملكوت القرآن، ج۱، ص ٢۷۰ - ٢٩۰.

ضرورة اتباع العلم واليقين لا هوى النفس

5
  • قال أمير المؤمنين عليه السّلام: «كلّ ساعة تمضي من عمرك، تعني أنَّ ساعةً من حياتك قد زالت!»۱ قُطعت ساعةٌ من عمرك، ومضت ساعةٌ من ولادتك، واقتربتَ ساعةً من الموت! وهكذا تمضي الساعات إلى أن فجأةً

  • تتعالى الصيحات: مات السيّد! الأن، إذا مات الإنسان وهو يسعى خلف السراب، فكم سيكون ظالمًا!

  • ﴿وَلَئِنِ ٱتَّبَعۡتَ أَهۡوَآءَهُم مِّنۢ بَعۡدِ مَا جَآءَكَ مِنَ ٱلۡعِلۡمِ إِنَّكَ إِذٗا لَّمِنَ ٱلظَّـٰلِمِينَ﴾٢

  • وستُتلى هذه الأية بعينها لنا! لماذا اتبعت أهواءهم بعد أن كان لديك العلم؟! إنّ الحجّة تامّةٌ عليك! كنتَ تملك مستندًا إيمانيّاً ويقينيّاً، وكنتَ تملك اعتمادًا إيمانيّاً ويقينيّاً، ورواية «من عَمِل بما عَلِم، ورّثه الله علمَ ما لم يَعلَم»٣ وكان صادقةً عليك، فلماذا لم تكن ممن «عمل بما عَلِم» كي يعطيك الله نصيبًا من ميراث «ما لَم يَعلَم» ومن ميراث الملائكة والأنبياء؟! كنتَ تقول دائمًا: دع اليوم يمضي، وليمضِ الغد، لنرى ماذا سيحدث بعد ذلك! انتهى الأمر، وجاء برق الغيرة، وسيرى الإنسان أنّه خسر جدًا، ولم يعد هناك مجال للتدارك أيضًا؛ لأنَّ الشمس قد غربت، وقوّة الإنسان ـالتي هي الحياة والعمر الذي كان ينبغي أن يصرفه في العثور على الماء ليشربه وينقذ نفسه من الظمأـ قد انتهت، وخسر كافّة قواه، وصرف كافّة هذا العمر سعيًا خلف السراب، وانتهى عمره في آخر النهار وغابت الشمس، وبالطبع غادر هذه الدنيا بأيدي خالية!

  •  

  • اللَهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحمَّدٍ وآلِ مُحمَّد

    1. تصنيف غرر الحكم، ص ۱٦۰: «ما انقَضَتْ ساعةٌ مِن دهرِك إلّا بقطعةٍ مِن عُمُرِك!».
    2. سورة البقرة (٢)، الآیة ۱٤٥.
    3. الحجّة في القراءات السّبع، ص ۱٣۷؛ الخرائج والجرائح، ج ٣، ص ۱۰٥۸؛ الفصول المختارة، ص ۱۰۷، مع أدنى تفوات.