120

هدوء النفس واغتنام العمر

2900
مشاهدة المتن

المؤلّفآية الله السيد محمد محسن الحسيني الطهراني

القسمعنوان البصري

المجموعةالخسران و بطلان العمر

التاريخ 1426/07/08


التوضيح

هل طول العمر شرط لتحصيل الكمال؟
هل يحرم الجاهل من الكمال؟
هل يحقّ لنا الحكم على الناس مع جهلنا بباطنهم؟
لماذا يشترط في الآمر بالمعروف معرفة الذين يأمرهم؟
هل يكفي الشعور بالتكليف للتصدّي لمعالجة مشكلات الناس؟
ما آثار استماعك لما يقول الناس عنك؟
هل كان العلامة يسمتع لما يقال عنه؟
لماذا يتحدّث الناس عنك؟
لماذا يرفض بعض الناس مهر السنّة وكلام السيّدة الزهراء خير للمرأة...؟
ما أهمّ عمل في شهر رجب؟
كم مرحلة للسير والسلوك عند العلاّمة الطهرانيّ (رض)؟
ما مراد العلاّمة الطهراني من قوله: الجميع هم سواد الجيش؟
تتعرّض المحاضرة لهذه الموضوعات في سياق شرح فقرة ولا يدع أيّامه باطلاً من حديث عنوان البصري.
/۱۸
بي دي اف بي دي اف الجوال الوورد

هدوء النفس واغتنام العمر

1
  •  

  • هو العليم 

  •  

  • هدوء النفس واغتنام العمر

  • شرح حديث عنوان البصريّ - المحاضرة ۱٢۰

  •  

  • ألقاها:

  • آية الله الحاجّ السيّد محمّد محسن الحسينيّ الطهرانيّ

  • قدس الله سره

  •  

  •  

هدوء النفس واغتنام العمر

2
  •  

  •  

  • بسم الله الرحمن الرحيم 

  • وصلّى الله على سيّدنا ونبيّنا أبي القاسم محمّد 

  • وعلى آله الطيّبين الطاهرين واللعنة على أعدائهم أجمعين 

  •  

  •  

  • قال الإمام الصادق عليه السلام لعنوان: ولا يدع أيّامه باطلاً. فمن كان ذا هدف إلهيّ ويسير في طريق مراتب الكمال والمعرفة بالله، فهذا الإنسان لا يقضي أيّامه بالبطالة. 

  • هل لطول عمر الإنسان وقصره تأثير في كماله؟

  • وطبعًا من البديهيّ جدًّا والواضح أنّه ما دام الله قد جعل وقت محدودًا للتكامل، وأنّ لكلّ إنسان في هذه الدنيا سجلاًّ خاصًّا به، فلبعضهم ثلاثون سنة، ولبعضهم أربعون، ولبعضهم ستّون، ولبعضهم سبعون، ولبعضهم عشرون، ولبعضهم أقلّ ولبعضهم أكثر، وقد تحدّثنا مع الرفقاء حول هذا الأمر سابقًا وأنّ الأمر ليس بالزيادة والنقصان، فمن جعلت له عشرون سنة، فإنّ مستوى تكامله هو على أساس هذه العشرين سنة، لا أن يتصوّر الإنسان أنّ من كان عمره ثمانين سنة فيمكنه أن يستفيد ويستفيض أكثر، وأنّ الأقلّ عمراً محروم من هذه النعمة، كلاّ. فمسألة تكامل الروح وتكامل النفس وسير الإنسان لها مراحل بعضها في هذه الدنيا وإن لم يتمكّن في الدنيا فسيتابع في عالم البرزخ، وهذا الأمر يختلف من إنسان إلى آخر، أي إنّ الله تعالى قد لاحظ هذا الأمر لمن جعل عمره خمسين سنة، ولمن جعل عمره ثلاثين سنة. فإذن من البديهيّ أنّ الإنسان لو قضى عمره بالبطالة فعليه أن لا يتوقّع أنّه هناك سيعوّض عن عمره الباطل، وعلينا أن نلتفت إلى ذلك جيّدًا.

  • هل يُعذر من يقضي عمره باطلاً وهو جاهل وغير ملتفت؟

  • يقول الله: هذا المقدار الذي قضيته من عمرك بالبطالة، وطبعًا البطالة مع الالتفات! فنحن الآن ملتفتون إلى هذا الأمر، ملتفتون إلى مآلنا، ملتفتون إلى مسيرنا، الذين لم يلتفتوا والعوام حسابهم مختلف، والله يعاملهم بما يناسب حالهم ويحاسبهم على أساس ذلك، ولكنّ الكلام هو في من التفت بأيّ نحو وبأيّ طريق، فهذا في النهاية يختلف حسابه، فمن وصل إليه الأمر يختلف حسابه، من تمّت عليه الحجّة الإلهيّة فالأمر بالنسبة إليه يختلف. 

  • علينا أن لا نقول: هؤلاء الذين في الأزقّة والشوارع والأسواق هم أيضًا عباد للّه، فنقارن أنفسنا بهم، كلاّ، فإنّ كثيرًا منهم غير ملتفت، غير منتبه، لو نبّه هؤلاء الذين هم على ظاهر مثير أيضًا فيمكن أن يرجعوا، يمكن أن يستيقظ وجدانهم، وعلينا أن لا ننظر إليهم نظرة استحقار، فهذا غلط، ماذا ندري نحن عمّا يجري في بواطن هؤلاء؟! ماذا ندري نحن عن العلاقة التي بينهم وبين ربّهم؟! فربّما كانت بواطن هؤلاء أصفى من بواطننا، وقلوبهم أخلص من قلوبنا، وضمائرهم أكثر استعدادًا من ضمائرنا، نحن لا ندري. يمكن أن تكون ظواهرهم غير الملائمة مختلفة عن بواطنهم، وهي هكذا واقعًا. وهناك الكثير من القرائن والشواهد على ذلك، فكثير منهم بتنبيه يسير غيّروا منهجهم وغيّروا مسيرهم بالكامل. فهذا المقدار من عمرهم الذي قُضي بالبطالة والعبث واللغو لا يحسبه الله لهم، كما لو رُبّيَ إنسان مثلاً لثلاثين سنة في محيط ما أو وصلت إليه مبادئ وقواعد تخالف الفطرة ومبادئ الشرع ومبادئ السلوك. وأحيانًا عندما أتكلّم في بعض المجالس سواء مجالس خاصّة [أو عامّة] عندما أتحدّث بشيء من هذا الكلام يقول الحاضرون: نحن لم نسمع بهذا الكلام إلى الآن. لم نسمع به حتّى الآن، لو سمعنا به لعملنا، وهم يقولون ذلك صادقين. فما تقصير هذا الإنسان؟ أو أنّ محيطه التربويّ كان محيطًا بعيدًا عن هذه المسائل، أو أنّ الأمور التي وصلت إليه من الآخرين المدّعين أنّهم قادة الدين كانت خاطئة. فالذين يسمعون من الآخرين أمورًا خاطئة ويمشون في ذلك الاتّجاه مستندين إلى ذلك التصوّر، ثمّ يلتفتون إلى أنّ حقيقة الأمر غير ذلك... على كلّ حال، فالله تعالى ينظر إلى بواطن الناس.

هدوء النفس واغتنام العمر

3
  • «ما درون را بنگريم و حال را  ***  »۱ 
  • يقول: نحن ننظر إلى الباطن والحال.

  • هل من السهل محاكمة الناس مع الجهل ببواطنهم؟

  • الحال يعني ذلك التعلّق الباطني وتلك النيّة التي يمتلكها الإنسان بينه وبين الله من دون رادع ومانع؛ لذلك فإنّ الحكم على الناس أمر صعب جدًّا ولا يمكن للإنسان أن يشتغل بالناس. وهذا أحد الأمور التي كنت أودّ ذكرها في الجلسة السابقة، وأنّ على السالك في علاقته مع الله أن لا ينظر إلى أحد، وعليه فقط أن ينظر إلى نفسه، أن يراقب نفسه، أن يصحّح طريق نفسه. أمّا أنّ الجالس إلى جانبه ماذا يفعل؟ فلا شأن له بذلك، وما هي أوضاع فلان وهل العمل الذي يقوم به خطأ أم صواب؟ فلا شأن له بذلك، إن كان هنك تكليف ومسؤوليّة فستوضّح المسألة، أمّا أن يشعر الإنسان أنّه في مقام التكليف فيتعهّد القيام بالتكليف الذي لم يكلّف به، لم يكلّفه أحد وهو يرى نفسه قيّمًا على الجميع، فهذا خطأ، فكم تُرتكب في هذه الأعمال من الأخطاء لأنّنا لسنا محيطين بأوضاع الناس وأحوالهم، لا يمكن أن نقيّم أعمال الآخرين بأفكارنا، ونواجههم على أساس ذلك. 

  • ما أساليب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وماذا يشترط في الآمر؟

  • لذلك فإنّ من شروط الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أن تكون للإنسان معرفة بمن يأمره وينهاه، وبأعماله وأحواله وعلى أساس ذلك يواجهه. وكيفيّة المواجهة أيضًا تختلف، فتارة بكلام لطيف هادئ، وتارة بتعبير فيه شيء من الحدّة، وتارة بغلظة، وتارة على الإنسان أن يواجه بسائر الأسباب والوسائل الرادعة والمانعة. فهذا الأمر مهمّ جدًّا، وللأسف نحن نقصّر فيه، فبدلاً من أن ندرس نقائصنا ونقاط ضعفنا ونسعى إلى رفعها ونهتمّ بها الواحدة تلو الأخرى ونواجهها، نتوجّه إلى نقاط ضعف الآخرين التي هي كذلك في نظرنا نحن: لماذا فعل فلان كذا؟ فلنتكلّم عنه في ذاك المجلس. فلان عمل كذا... في حين أنّ تسعين بالمائة أو خمسًا وتسعين بالمائة من الذين يفعلون ذلك جاهلون. ليس لديه اطّلاع على نيّته، لا اطّلاع لديه على باطنه. على الإنسان أن يسلك في هذا الأمر طريق الاحتياط على الأقل، فلو سلكه لما آخذه أحد على ذلك، لأنّه يقول: لم يخبرني أحد، لم يكلّفوني، لم يكلّفوني. إن لم يسلكه فهناك احتمال للتعاطي الخاطئ، وحينها ماذا سيجيب الله؟! يقول له: أنت إذ لم تكن مطّلعًا فلماذا قمت بهذا الأمر مع فلان؟ قلت هذا الكلام؟ وبعض الكلام له تبعات، وذاك أيضًا يقوم في مقام المواجهة، وهكذا توجد سلسلة متوالية من الخطأ، هذا يقول وذاك يقول وهذا يقول وذاك يقول...

    1. . مثنوى معنوى، دفتر دوم:
      ما برون را ننگريم و قال را *** ما درون را بنگريم و حال را

هدوء النفس واغتنام العمر

4
  • هل يكفي الإنسان أن يحسّ بالتكليف لكي يتصدّى لأمور الآخرين؟

  • مسألة الإحساس بالتكليف والإحساس بالوظيفة تتحوّل مائة وثمانين درجة إلى معارضات نفسيّة، وتخرج عن دائرة التكليف، وتخرج عن دائرة الوظيفة. وهذا أمر عجيب جدًّا. وهذا أحد المخاطر الجادّة التي ينبغي علينا نحن خصوصًا أن نهتمّ بها، فالشيطان يدخل هكذا بشكل لطيف وهادئ دون أن يشعر الإنسان بحقيقة الأمر فيحوّله من القيام بالتكليف الشرعيّ إلى المواجهة والمحاربة النفسيّة. وهنا على الإنسان أن يبذل ما بوسعه ليقطع ذلك ليقطعه. 

  • في زمان المرحوم العلاّمة ـ والرفقاء الذين كانوا آنذاك يعلمون ـ حدث أمر وكان أساسه أمر حدث خطأ، ولمّا استمرّ ساء كثيرًا، حيث تصوّر البعض أنّ هناك من يقف في مقابل مدرسته ومقابل مبادئه وأنّ لهم رأيًا في ذلك. فشعر عدد هنا بالمسؤوليّة ـ وكانوا ملوكيين أكثر من الملك ـ فرأوا أن يمسكوا بالأمور ويتكلّموا ويتداولوا بالأمر هنا وهناك ويشكّلوا الجلسات، والحاصل أنّ الأمر تطوّر كثيرًا، والذين كانوا في مواجهة هذا الأمر أيضًا شعروا بذلك.

  • فهناك وليّ من أولياء الله، هناك كبير، فماذا يصنع هؤلاء؟! إنّه بنفسه يرى، لو أراد أن يتكلّم لتكلّم هو بنفسه، لو أراد أن يقوم بشيء لقام به بنفسه، فلا معنى بعد ذلك للكلام والمواجهة وأمثال ذلك. لذلك فإنّه انسحب من هذا الأمر، وهم كانوا يثيرون الأمر إلى أقصى ما يمكن. وأحيانًا كان الأمر ينتهي إلى مكان سخيف وقبيح. 

  • تبدّل هذا الحادث شيئًا فشيئًا من إحساس بالتكليف وبيان الحقّ إلى حيث صارت النفس هي الحق، صار الإنسان نفسه أمرًا مهمًّا، صار له هو موضوعيّة في نفسه ـ وسأذكر بعد هذه الحادثة تلك النقطة التي كانت موضع الشاهد من كلامي، وهي أنّ الإنسان عندما يخوض في أمر ما، يفقد كون نفسه طريقًا وواسطة، ويتبدّل إلى أصل ويتحوّل إلى هدف، ويتحوّل إلى غاية، وهذا هو ما يريده الإمام الصادق عليه السلام ـ وطبعًا في إحدى المراتب ـ حين يقول: ولا يدع أيّامه باطلاً، يحسب أنّه يقوم بعمل خير، ولكنّه لا يعلم أنّه يقضي عمره باطلاً. إلى أن وصل الأمر إلى حيث رأينا أنّ القضيّة مستمرّة. فجمعت يومًا هؤلاء الرفقاء والأصدقاء الذين يظهرون المحبّة والحميّة لطريقنا ومنهجنا هذا، والذين يتأذّون حين يطرح في المجالس أمر كهذا، وتصدر عنهم ردّة فعل. فجمعتهم وقلت لهم: عمّن تدافعون أنتم؟ وعلى من تحترق قلوبكم؟ إن كان لأجلي فأنا لست راضيًا أن تتكلّموا بكلمة واحدة إذا تكلّم أحد في أيّ مجلس، وإن تكلّمتم فأنا منكم بريء وعليكم ساخط وسأتعاطى معكم بطريق آخر. فانتهى الأمر فجأة، ومهما جاء أولئك وحاولوا رأوا أنّه لا أحد يجيبهم، لا أحد يتكلّم. فلان هو كذا. الجميع ينظرون إليه. فلان كذا. الجميع ينظرون إليه. قال الشاعر: 

هدوء النفس واغتنام العمر

5
  • ما زنده از آنيم كه آسوده نباشيم. 

  • والمعنى: إنّما نحن أحياء لأنّا لسنا هادئين.

  • فبعض الناس هكذا يتأذّون من الهدوء! يجب أن يكون هناك تضارب، يجب أن ينقضي عمرهم بالاضطراب والكلام والنقل والمدّ والجزر والأمواج، ولو كان هناك هدوء فإنّهم ينزعجون، يمرضون لأنّهم يقضون يومًا مرتاحين. 

  • قال: «ما زنده از آنيم كه آسوده نباشيم *** موجيم كه آسودگى ما عدم ماست»۱
  • إنّما نحن أحياء لأنّا لسنا هادئين***نحن أمواج هدوؤنا عدمنا
  • فلو أردنا أن نهدأ قليلاً فلماذا نحن أحياء أصلاً؟!

  • أذكر أنّه في أحد تلك المجالس كان قد جاء رجل من طهران بعد ظهر الجمعة... ويقول المرحوم العلاّمة أنّه في جلسات عصر الجمعة... هذه الجلسات مهمّة إلى درجة، وهذا الذكر لله مهمّ إلى درجة أنّه بعد الجلسة على الإنسان أن لا يتكلّم، وأنا أسمع أنّ هذا الأمر لا يراعى في بعض الجلسات! فعلى الإنسان أن لا يتكلّم بعد الجلسات، عليه أن يحافظ على هدوئه وسكينته، وأمّا الكلام: كيف حالكم؟ متى رجعتم من السفر؟ متّى تزوّجت؟ كم هو رأسمالك في التجارة؟ كيف أحوال التجارة؟ الأموال؟ الأوضاع؟ السوق؟! كلّ ذلك هو خطأ ويذهب بآثار الذكر، وهذا بسيط، بل يوجد أثرًا معاكسًا في النفس! فليت الإنسان لم يأت أصلاً. إلى هذا الحدّ له أثر تخريبيّ. كان يقول: لا تتكلّموا بعد انتهاء جلسة الذكر، واقتصروا على الأمور الضروريّة، وحتّى عندما ترجعون إلى المنزل لا تتكلّموا مع الأهل والعيال إلا في المسائل الضروريّة، حتّى يبقى ذلك الأثر. فهكذا هي النفس، النفس متغيّرة، ومتقلّبة، عندما تجلس مع إنسان تتغيّر، ثمّ إذا جلست مع آخر تتغيّر عن ذلك الحال إلى حال آخر، ولذلك على الإنسان أن يلتفت إلى هذا الأمر. 

  • ثمّ وبعد حادثة كهذه جاء رجل وجلس أمام المرحوم العلاّمة وبدأ يسأله: هل يمكن أن نثق بالكلام الذي نسمعه من فلان؟ بالله عليكم انظروا! ما ذكرته في الجلسة السابقة من أنّ المرحوم العلاّمة قال لي: جميع هؤلاء هم سواد الجيش هو لأجل أمثال ذلك! وسأوضّح شيئًا ما حول ذلك الأمر لأنّي سمعت أنّ الرفقاء وقعوا في اضطراب وتشويش وتردّد، فقلت: لا، عليّ أن أستميل قليلاً. وعلى كلّ حال لكلّ شيء مقامه، فيجب أن يقال الأمر بشكل صحيح ودقيق، وفي الوقت نفسه لا بدّ من المحافظة على الشكر والأمل والاهتمام في الإنسان الآخر، فذاك الكلام صحيح ولكن هناك أمر آخر سأذكره إن شاء الله الآن. فهذا واحد من الذين كانوا محيطين بوالدنا رحمه الله، فقد كان هناك هذا النوع من الناس أيضًا، ولم يكونوا قلّة أيضًا! وكأنّ جميع السماوات والأرض والملائكة والجنّة والنار كلّها تعطّلت لأنّ فلانًا تكلّم بكلام وهل يجب أن نثق بكلامه أم لا؟ اذهب واستمع إلى آخَر، فهل يجب كلّما قال أحد شيئًا أن تسمعه، وكأنّ السلوك كلّه صار منصبًّا على هذه النقطة ومتمحّضًا في إدراك كون فلان رجلاً جيّدًا أم سيئًا؟ الكلام الذي يقوله هو صحيح أم يأتي به من نفسه؟ يتكلّم بصدق أم لا؟ أفهذا هو المهمّ وعلينا أن نهتمّ بذلك؟!

    1. . صائب تبريزى

هدوء النفس واغتنام العمر

6
  • إنّ مسألة التكليف والإحساس بالتكليف يجب أن لا تؤدّي إلى تبدّل في النفس، علينا دائمًا أن نكون ملتفتين، يعني علينا أن نمتحن أنفسنا كلّ دقيقة وكلّ لحظة لنرى هل الكلام الذي نريد أن نقوله صلاحه أكثر من تبعاته الفاسدة؟ أيّهما أكثر؟ أيّهما أكثر؟ نزن الكلام الذي نريد أن نقوله، إن لم يكن عقلنا يبلغه نشاور الآخرين، أنا أريد أن أقول كلامًا انتهى إليه نظري ـ أم أنّا لا نثق بأحد أصلاً فحينها يكون الإنسان مرتاحًا ـ هذا الكلام الذي أريد قوله هل في نظركم من الصلاح أن يقال وكيف يقال وبأيّ بيان؟ فلنلاحظ أربعينيّة، أو أربعينيّتين، أو ثلاثة أربعينيّات، إن لم نلمس آثار ذلك في أنفسنا، إن لم نلاحظ ذلك في أنفسنا...

  • عندما انتهى الأمر إلى هنا قطعنا الكلام، قلت أليس هذا الكلام يقال لي؟! قلت: أنا أصلاً أريد أن ألتذّ بهذا الكلام! فأنا هكذا أصلاً، نفسي هي هكذا! إن لم يقولوا أتأذّى! فماذا تقول أنت؟ هؤلاء الذين يدافعون... أنا أفرح من أنّهم يجلسون ويقولون كلامًا كهذا في المجالس عنّي ويصعدون ويهبطون ويبثّون الحماس في مجلسهم! أنا أفرح بذلك. وواقعًا أفرح بذلك ولم أكن أكذب، واقعًا أفرح وأنتم تمنعون ذلك وتخالفون رغبتي وطلبي الحارّ. فهدؤوا كثيرًا، وسكتوا وسكنوا، مضت مدّة فرأوا أنّه لا خبر بل نحن نزداد سرورًا. نعم هو هكذا! هكذا كما تقولون! وفجأة انتهى الأمر. 

  • قصّة حتّى تلك الحبّة هي لك!

  • انظروا! على الإنسان أن يكون ملتفتًا كثيرًا! عليه أن يلتفت كثيرًا إلى أنّ الأعاظم كيف جاؤوا وسهّلوا لنا الطريق ويسّروه، جاؤوا إلى الشيخ أبو الحسن الخرقاني رحمة الله عليه: إنّ فلانًا يقول عنكم: إن كان الشيخ قطرة فنحن بحر، وإن كان ذرّة وحبّة فنحن صبّرة. فقال الشيخ أبو الحسن: اذهبوا وقولوا له: حتّى تلك الحبّة هي لك أيضًا، فأنا لست حتّى تلك الحبّة ولا تلك القطرة! قالوا له: الشيخ يقول هكذا. فبُهت أن ماذا حصل؟! ماذا حصل؟! لست كذا! كلّ كلامك وسعيك هو لأنّك تظنّ أنّا شيء! نحن نقول لسنا شيئًا! ولا نزاع على العدم. كلّ هذه النزاعات هي على الوجود! كلّها على كوننا نريد أن نلصق وجوده بنا. ولكن عندما قلنا من البداية نحن لسنا موجودين، فلا نزاع على العدم! لا أحد يختلف. عندما كان الشيخ يقول: أنا لست شيئًا لم يكن يكذب، كان يقول صوابًا، صحيح نحن لسنا موجودين، كان يقول نحن لسنا حتّى تلك الحبّة من القمح أو الخردل، لا أنّه كان يكذب بأنّنا لسنا تلك القطرة. لماذا؟ لماذا كان يقول حقًّا؟ لأنّه يرى الوجود منتسبًا إليه لا إلى نفسه ولو رأى الوجود منتسبًا إلى نفسه مثقال ذرّة لرأى أنّ في عمله خللاً ومشكلة، فهذا أحد التعليمات والبرامج. 

هدوء النفس واغتنام العمر

7
  • حسنًا نحن أتينا وقمنا بهذا العمل. 

  • لا تخبرني ما قيل عنّي!

  • حسنًا نحن قمنا بهذا، فقد جاء أحد الرفقاء والأصدقاء انطلاقًا من محبّته ومن إحساسه بالتكليف، فعلى كلّ حال جاء بكتاب، ولم يكن كتابه صغيرًا لا أدري كم صفحة كان فيه، جاء به وكان قد سمع من هنا وهناك كلامًا حول الأحداث والمسائل فجمعه في ملفّ كبير وجاء إلى قم ليطلعني عليه، كان يريد أن يسلّمه إليّ لأطالعه. ماذا قال فلان؟ وماذا قال فلان؟ وماذا قال فلان؟ فلان قال عن فلان كذا، وفلان قال عنك كذا... فقلت: سيّدي العزيز! لقد أغلقت السجلّ بعد وفاة المرحوم العلامة وأنت الآن تريد أن تفتحه من جديد! أغلقناه وانتهى الأمر. فماذا تقول فلان قال كذا؟ فلان قال كذا إمّا صوابًا وإمّا خطأ، فإن كان صوابًا فعلينا أن نصحّح أنفسنا، وإن كان مخطئًا فهل عليّ أن أتلف وقتي من أجل خطئه؟! هو أخطأ أفأتلف وقتي أنا؟! هو من خالف الصواب فلماذا أنا أضيّع فرصتي؟! هذا الوقت الذي يمكن أن أقضيه برواية الإمام الصادق والإمام الباقر وكلمات الأعاظم أقضيه بأخطاء الآخرين وأهتمّ بها؟ إذن عليّ أن أكون شديد الحماقة! كلاّ يا سيّدي العزيز! خذ هذا أنت أيضًا ولا تنظر إليه ثمّ مزّقه وألقه في سطل الزبالة وانتهى الأمر. ثمّ نسأل الله أن يغفر للجميع ويعفو عن الجميع إن كانوا مصيبين، وإن كانوا مخطيئين فسيلتفتون يومًا. هذا مصداق ولا يدع أيّامه باطلاً، لا يقضي وقته بالبطالة، بل بما هو مفيد له. 

  • طيلة الأيّام التي كنت خلالها مع المرحوم العلاّمة رضوان الله عليه أذكر أنّ من الأمور المهمّة التي كان يؤكّد عليها ولا زلت أنظر إليها كتجربة قيّمة وغنيّة أنّه كان يهتمّ بهذا الأمر في سيره وسلوكه، أنّه لم يكن يبالي بالأمور التي كان يقولها الآخرون والكلام الذي يقال في غيابه، فأصلاً وأبدًا لم يكن يبالي بها. فلو كان يبالي لما وصل إلى ما وصل إليه. 

  • من الموانع المهمّة للسلوك أن يهتمّ الإنسان بهذه الأمور بدلاً من الاهتمام بنفسه. فلان قال هكذا كلامًا، بمجرّد أن يقال هذا الكلام، فإنّ أثره يبقى في النفس، يشغل فكر الإنسان لساعة أو ساعتين، وهكذا في الليل إذا أراد أن ينام يريد أن يقوم إلى الصلاة فإنّه يقوم برفقة هذا التفكير السابق، فهذه ليست صلاة! يريد أن يقرأ القرآن مع هذه الفكرة التي قيلت عنه فهذا ليس قرآنًا! هذا يريد أن يتوجّه، لذلك على السالك أن لا يجعل نفسه عرضة لذلك ويفرّ منه قدر المستطاع فراره من الوباء، كيف يفرّ الإنسان من مرض معدٍ مهلك؟! أحيانًا يأتون إليّ ويقولون: كنّا في مكان فقيل عنك كلام، ما إن يقول: قيل عنك كلام أقول: توقّف! أصلاً لا أريد أن أستمع. أصلاً لا أريد أن أستمع! ما إن يسمع الإنسان يبدأ الفكر والنفس بالجولان، يبدأ بالتحليل، يبدأ بالعمل على الأمر. أفهل أنا عاطل عن العمل؟! هل أعطاني الله الكثير من الوقت بحيث آتي وأقضيه في هذه الأمور؟! نعم! لذلك يقولون من البداية: لا تقل. 

هدوء النفس واغتنام العمر

8
  • قال المرحوم العلاّمة مرارًا: لا تخبروني عمّن يغتابني! هكذا. كلّ من يتكلّم... حتّى آخر عمره كانوا يتكلّمون، وكانوا يكتبون الرسائل، وأنا كنت أقرأ هذه الرسائل، وربّما كانت هذه الرسائل موجودة الآن. من الرسائل ذات المستوى، الرسائل الركيكة، السباب والفحش، فقد كان المخالفون والمعاندون لمدرسته يكتبون له رسائل ويقولون كلامًا لا يمكنني أصلاً أن أجريه على لساني. رسائل بغير إمضاء، رسائل كذا! هذا فضلاً عن الآخرين، فهذا أمر طبيعيّ، ولا يمكن للإنسان أن يعطّل عقول الناس، ولا يمكنه أن يسيطر على أفهامهم، ولا يمكنه أن يتسلّط على أفكار الناس الخاطئة. فلو عطّل هذا فماذا عن ذاك؟! ولو عطّل ذاك فماذا عن هذا؟! وليسوا واحدًا أو اثنين بل إلى ما شاء الله! ألم يقولوا ذلك للنبيّ؟ أولم يقولوه لأمير المؤمنين أيضًا؟ ألم يقولوه لسائر الأئمّة، ألم يقولوه لأولياء الله؟! 

  • صور من معاناة العلاّمة الطهراني رضوان الله عليه

  • كنت ذات يوم في خدمته ـ وواقعاً عجيب، واقعًا عجيب ـ كا يقول: لقد أغلقت السجلّ الذي حصل بعد زمان المرحوم الوالد ـ وكان تعبيره السجلّ الأسود ـ لقد أغلقته ووضعته جانبًا. وذات يوم واجهت أمرًا فذهبت إليه، وكنت منزعجًا جدًّا، فقال: أنت منزعج الآن يا فلان؟ تعال وانظر ماذا قالوا عنّي؟! ـ وأنا لا أدري هل أقول ذلك الآن أم لا؟ واقعًا الأمر بالنسبة إليّ مشكل، فأنا أريد أن أنقل إليكم هذا وأجبر نفسي على قوله وليس هدفي أن أنقل تاريخًا أو أنفث بما في صدري، كلاّ بل لكي نعتبر، لكي نعتبر واقعًا حتّى لا نظنّ أنّ هذه الأمور هي لنا، إنّها للجميع! سأنقل جزءًا من هذه الأحداث التي ذكرها في أنوار الملكوت حول هذا الذي جاء إلى النجف واعتذر منه، فقد مقدارًا منها وأعرض عن آخر. وسأنقلها لكم مع حذف بعض العبارات والأمور. 

  • عندما أراد المرحوم العلاّمة أن يسافر إلى النجف أوصى والده رحمة الله عليه رجلاً أن يرسل إليه مالاً من مال له عنده وحساب كان بينهما، يرسل إليه شهريّة إلى النجف. لأنّه لم يكن يأخذ شهريّة من هنا وهناك، فقد كان له وضع خاصّ به، فأنت أرسل إليه كلّ شهر هذا المقدار من المال. وكان رجلاً من أهل المسجد، يصلّي في مسجد القائم، وكان رجلاً منظّمًا ومرتّبًا وكان من المأمومين ومن الوجهاء، ومن المعروفين في المنطقة، وكان من مريدي جدّنا رحمه الله والمرتبطين به. فكان المرحوم العلاّمة يقول: ذهبت إلى النجف، وكانت الشهريّة تصل إليّ عبر واسطة. وفجأة رأيت أنّ الشهريّة قد انقطعت. الشهر الأوّل لم تصل، الشهر الثاني لم تصل، ولم أكن ممّن يطالب ويقول: كيف ولماذا؟! ولم تكن وسائل التواصل حينها كما هي في هذا الزمان ـ وكان هذا الأمر عندما كنت أنا طفلاً رضيعًا صغيرًا جدًّا وكان عمري سبعة أو ثمانية أشهر ـ وكان يقول لي: حتّى أمّك لم يعد لديها حليب! ولم نكن نملك مالاً نشتري به لك الحليب! كان حدثًا عجيبًا جدًّا! وفي ذلك الزمان حصل أمر ما فقلت: ماذا حصل في هذا الأمر؟ لكي أفهم لماذا تبدّلت الأحوال؟ فالتفت أناس آخرون من الأقارب وغيرهم وتداركوا الأمر واستمّر الحال كما كانت. 

هدوء النفس واغتنام العمر

9
  • إلى أن عزم ذلك الرجل الذي كان يرسل المال على حجّ بيت الله وفي طريقه جاء لزيارة العتبات المقدّسة، والتقى في النجف بالمرحوم العلاّمة في الصحن، وبدأ بالبكاء. فسأله: ما الأمر؟! وكان قد مضى على الانقطاع مدّة مديدة! فقال له: سيّدنا سامحني، لقد استغفلوني، لقد خدعوني، لقد فعلوا كذا وكذا. فاتّضحت حقيقة الأمر وأنّ بعض الأقارب ـ والذين ليسوا الآن على قيد الحياة ـ فذهبوا إلى ذلك الرجل وبجلسات عديدة وطويلة وساعات كثيرة تكلّموا كثيرًا وأشاعوا وكان من كلامهم أنّ السيّد محمّد حسين ليس طالب علم أصلاً، إنّه لا يدرس أصلاً، من قال إنّه ذهب إلى النجف؟ فتعال أنت وحقّق في الأمر. لقد ذهب إلى لبنان برفقة فلان ـ وهنا واقعًا لا يمكن أن أصرّح ـ فهو بهذه الأموال يقضي وقته مع أفراد كهؤلاء في أعماله الخاصّة! ـ فانظروا واقعًا كم يتقدّم الشيطان إلى الأمام وكم يصوّر المسألة بشكل قبيح بحيث يكون مستعدًّا أن يلصق بالبريء أشنع وأقبح تهمة، فمن أجل الأمور النفسيّة، يتّهم بريئًا، وهو أيضًا إنسان بهذا المستوى!؟ قال: لقد ملؤوا رأسي بهذا الكلام فقرّرت أن أقطع الشهريّة فقطعتها. ثمّ التفتّ بعد مدّة إلى ما حصل! هكذا كان الأمر، وقد جئت لأعتذر، وأريد أن أعوّض عمّا فات من الأموال. ولكنّ المرحوم العلاّمة لم يقبل وقال له: أنت لم تكن ملتفتًا وأنت اذهب وتب، ولكن أنا لن أقبل المال بعد ذلك. فقد انتهى ذلك الأمر وأغلق سجلّه بالكامل. 

  • فقال [لي المرحوم العلاّمة]: يا فلان أنت تتحدّث عمّا أصابك فتعال وانظر ماذا صنعوا معي؟! فقد كان هذا أحد الأعمال التي قاموا بها معي. 

  • ما آثار الاستماع إلى ما قيل عنك؟

  • وهذا الأمر مهمّ جدًّا أنّ الإنسان أحيانًا قد يكون في نظرة وفي حالة بحيث تتبدّل جميع الأمور التكليفيّة بالنسبة إليه إلى أمور نفسيّة، وعلى السالك أن يلتفت جيّدًا حتّى إذا رأى أنّ هذا الأمر يحدث فليغلق السجلّ فورًا، ويرحْ نفسه. واقعًا، أنا أقول واقعًا لو أنّي اطّلعت على ذلك الدفتر لما حصلت إلا على تشويش الخيال والاضطراب ولبقيا إلى الآن في هذه اللحظة التي أتكلّم فيها معكم، لأنّ الشيء إذا دخل صعب إخراجه! مجيء الفكرة إلى الإنسان أمر سهل، أمّا كيف يمكن أن يعيد تصفية نفسه ويعيدها إلى ما كانت عليه فهو أمر مشكل جدًّا دونه خرط القتاد، فهل كان الأفضل أن أراه أم الأفضل أنّي ما رأيته؟ أيّهما كان الأفضل؟ فأنا الآن أتكلّم معكم براحة وبال مطمئنّ ولا أدري ماذا قال؟ لا أدري ماذا في ذلك الدفتر؟ ألتقي بذلك الذي تكلّم عنّي فأسلّم عليه وأسأله عن حاله، وهو عينه الذي قال ذلك الكلام التفتوا! السلام عليكم كيف حالكم؟ وهو يقول الحمد لله أدعو لكم. 

هدوء النفس واغتنام العمر

10
  • ـ نسألكم الدعاء في أمان الله، وفّقكم الله. 

  • أمّا لو كنت أعلم أنّه قال ذاك الكلام، فهل كان بإمكاني أن أتعاطى معه هكذا؟! لقد أخطأ خطأ أو قام بعمل صحيح، مهما كان فقد انتهى وانقضى، فأنا ربحت نفسي الآن ولم أخسرها، هذا هو المهمّ! ليفعل هو ما شاء فلماذا أخسر أنا بيدي نفسي واستعداداتي والفرصة التي قدّمها الله إليّ؟ لماذا أكون جاهلاً وأحمق إلى هذا الحدّ؟ لماذا أحرم نفسي من هذه المائدة بسبب اشتباه وخطأ من قبل الآخرين؟ هل تلتفتون ماذا أقول؟! وهل التفتّم كم هو شديد خطر أن يعلم الإنسان ماذا قيل عنه؟! ماذا قال هذا؟ لقد قال فلان شيئًا فتعال يا فلان وأخبرني تتمّة كلامه! 

  • أنت تتناول السمّ يا عزيزي! أنت تهلك نفسك وتبيدها! أنت تعدم نفسك من هنا، تلك الحالة التي رزقك الله في هذه الدنيا لا بدّ أن تكون بهدوء وسكينة، وأنت تزيل هذا السكون بيدك، أنت تمحو بنفسك هذه الطمأنينة! فإذن هذا أحد الأمور المهمّة التي على الإنسان أن يلتفت إليها. 

  • في تلك الجلسة السابقة ذكرت للرفقاء أنّ الأمور التي يمكن أن تكون مانعًا وحاجزًا عن حركة السالك نحو الله والتي يقول عنها الإمام الصادق عليه السلام إنّ السالك إن لم يراعها فستمضي أيّامه باطلاً، ويتخيّل أنّه سالك، ويتخيّل أنّه يؤدّي ذكرًا، يتخيّل أنّ لديه حالاً وأحوالاً، يتخيّل أنّه يقول يا الله مثلاً، ولكنّه ليس كذلك، يقول يا الله ولكنّه يضرب بالفأس على أصل كلمة يا الله هذه بحيث يقال: ليته لم يقل يا الله هذه! كلّ ذلك هو ضرب بالفأس، كلّ ذلك هو إبادة، كلّ ذلك، فنحن لم نصل بعد إلى مقام الجامعيّة ولا يمكن أن نقيم علاقة عادلة وصحيحة بيننا وبين المحيط، فعلى الأقلّ علينا أن نحتاط. على الأقل علينا أن نحفظ أنفسنا بعيدًا عن هذه الأمور. إذا وصلنا إلى ذلك المقام، إلى مقام أولياء الله والجامعيّة، حينها فلنفعل ما نشاء لا إشكال! حينها سيكون الأمر خارجًا عن التفكير البشري والتفكير المتعارف، ويرجع إلى مسألة العناية الإلهيّة والتكليف الإلهيّ. حينها ستكون المسألة خارجة عن حدود العلاقات والمشكلات النفسيّة وترجع إلى المسألة الإلهيّة، تماماً كما لو أراد الإمام نفسه أن يقوم بعمل ما، الإمام نفسه إذا أراد أن يؤدّب أحدًا، وأن يلفت أحدًا إلى أمر ما فهناك يختلف الأمر. ولكنّنا لم نصل إلى هناك، فكلّ هذه الأمور هي مانعة، ولا يمكن القيام بأيّ عمل. 

هدوء النفس واغتنام العمر

11
  • أنا أضمن لكم واسألوني عن هذا الكلام يوم القيامة، لو قلنا مائة سنة يا الله، لو ذكرنا الله مائة سنة، لو بقينا لمائة سنة نقضي الليالي حتّى الصباح بالعبادة، لو بقينا مائة سنة نصوم النهار، ومهما فعلنا فلن نتقدّم سانتيمترًا واحدًا ما لم نقم بهذا الأمر. فهذا هو الكلام النهائي والصريح، ننتظر لا نتقدّم سانتيمترًا واحدًا. ننتظر ماذا يقول فلان فنقوم ونتابعه! من الذي يتكلّم حول كذا؟! اترك يا سيّدي العزيز هذا الكلام، يقولون فليقولوا، هنيئًا لهم، دعهم يقولون مائة كلام آخر أيضًا، دعهم يفرحون، دعهم يضحكون، دعهم يفعلون ما يحلو لهم، دعهم يقولون فلان هو كذا، دعهم يقولون: أنت كذا، دعهم يقولون فلان... فليقولوا يا سيّدي فليقولوا! 

  • عدم اهتمام العلاّمة بما كان يشاع عنه

  • كان المرحوم العلاّمة يقول: عندما ذهبت إلى النجف ـ لا أدري ما إن كنت قلت لكم هذا، يبدو أنّي قلته، ولا بأس بالتذكير به مرّة أخرى، يحتمل أنّي ذكرته يومًا للرفقاء ـ عندما ذهبت إلى النجف قال كثيرون إنّ السيّد محمّد الحسين صار درويشًا، صار صوفيًّا، لا ندري ماذا لبس! حمل كشكولاً۱ وذهب إلى فلان. وكانوا أقارب و [أرحامًا]، فالذين لا يجرؤون على الدخول في هذا الطريق... عجيب جدًّا، أنت لا تجرؤ على الدخول ثمّ تتتبّع الآخرين، الآن هناك شخص له جرأة ودخل، أنت تريد أن تخرجه وتفسده، وتقضي عليه؟! 

  • من أسباب كلام الناس عنك عجزهم عما أنت فيه

  • أهميّة مهر السنّة وردّ بعض الأوهام حولها

  • قبل قليل كان لديّ مجلس عقد في الطابق الأعلى، تقريبًا جاؤوا قبل ساعة ونصف، وكانوا قد اتّفقوا على جعل مهر السنّة مهرًا، وقد قلت لهم قبل العقد هذا الكلام ـ فقد كان لديّ جلسة عنوان البصري في الطابق الأعلى وتحدّثت تقريبًا نصف ساعة ـ فقبل العقد نظرت إلى الورقة فإذا مكتوب فيها مهر السنّة ولا شيءَ آخر، لا شيءَ آخر. مهر السنّة مهر السيّدة الزهراء كلام الله المجيد. قبل أن أجري العقد جرى هكذا الكلام من تلقائه وقلت لا أدري كلّما أردت أن أجري عقدًا إذا رأيت أنّ المهر مهر السنّة تغيّرت أحوالي، وواقعًا هكذا هي حالتي. تحدث لديّ حالة أخرى، ارتباط آخر، تعلّق آخر بالطرفين العروس والعريس، بعائلتيهما، ولا أدري لماذا؟ وليس الأمر بيدي، ليس الأمر بيدي. أمّا لو رأيت أنّ الأمر ليس كذلك! كذا وكذا وأرض وبستان وفأس وعمود من الحديد وما شابه ذلك، فلا يكون حالي كذلك. أجري العقد ثمّ أقول: إن شاء الله ينتهي الأمر بسرعة! لا أدري لماذا، فالأمر ليس بيدي أصلاً، ثمّ التفتّ إليهم فقلت: هنيئًا لكم، يا لسعادتكم، لقد قمتم بعمل طبّقتم به أمر رسول الله، وسرتم حيث سارت ابنة النبيّ وتأسّيتم بهذه السنّة. قال رسول الله وبأمر من جبرائيل الأمين: أنا مكلّف أن آمر نساء أمّتي أن يجعلن مهورهنّ مهر السنّة٢، فكلام رسول الله هذا إمّا كاذب أو صادق، ففي النهاية لا يخلو الأمر من أحد هذين الأمرين، الرواية رواية صحيحة السند في أمالي البرقي عن موسى بن جعفر عليهما السلام ولا كلام في سندها والروايات الأخرى أيضًا تؤيّدها، والكلام أيضًا هو كلام جبرائيل. ثمّ نأتي وماذا نفعل؟ لأنّا لا نجرؤ أن نجعل مهور بناتنا ـ أقصد أمثالي الذين هم بهذا اللباس والمكانة! ـ لأنّا لا نستطيع أن نتّبعهم، لأنّا متوغّلون في الدنيا والكثرات، لأنّا نعيش مع الناس بهذه الرسوم والعادات، لأنّا لا نجرؤ على القيام بهذا العمل، نقوم بإفساد عملهم! نفسد عمل أمير المؤمنين! نفسد أمر النبيّ! [فنقول] سيّدنا هذا لما قبل ألف وأربعمائة سنة! ليس لهذا الزمان! سيّدنا لقد كانوا آنذاك يشترون بالخمسمائة درهم بيتًا! أين يشترون بيتًا بخمسمائة درهم؟! لقد كانت الخمسمائة درهم قيمة درع، فكم قيمة الدرع الآن؟ متى كانوا يشترون بيتًا بخمسمائة درهم؟! نعم ربّما يعطون منطقة صحراويّة قاحلة والتي تباع بقِرانٍ٣ واحد ربّما تباع بخمسمائة درهم! اللباس الذي اشتراه أمير المؤمنين لقنبر ولنفسه كان باثني عشر درهمًا. أربعون ثوبًا منه تعادل المهر، فلو وضعت أربعين ثوبًا من هذا لصارت قيمة مهر، فلماذا نكذب؟ ليست لدينا جرأة أن نسير خلفهم، لا قدرة لدينا ولا قابليّة ولا لياقة! التفتّم؟ فلأنّا لا لياقة لنا فإنّا نفسد عمل أولياء الله. 

    1. وعاء يربط بجنزير ويعلّق على الكتف يحمله عادة الدراويش والمتصوّفة. (م)
    2. والرواية كاملة كما في وسائل الشيعة ج٢٢، ص ٢٤٤: عن أحمد، عن ابن أبي نصر، عن الحسين بن خالد، وعن علي بن إبراهيم، عن أبيه عن عمرو بن عثمان، عن رجل، عن الحسين بن خالد، قال : سألت أبا الحسن عليه السلام عن مهر السنة كيف صار خمسمائة؟ فقال: إنّ الله تبارك وتعالى أوجب على نفسه أن لا يكبره مؤمن مائة تكبيرة، ويسبحه مائة تسبيحة، ويحمده مائة تحميدة، ويهلله مائة تهليلة، ويصلي على محمّد وآله مائة مرة، ثمّ يقول: " اللهم زوجني من الحور العين " إلا زوّجه الله حوراء عيناء، وجعل ذلك مهرها، ثمّ أوحى الله إلى نبيّه صلّى الله عليه وآله أن سنّ مهور المؤمنات خمسمائة درهم، ففعل ذلك رسول الله صلّى الله عليه وآله، وأيّما مؤمن خطب إلى أخيه حرمته فبذل له خمسمائة درهم فلم يزوجه فقد عقه، واستحقّ من الله عزّ وجلّ أن لا يزوّجه حوراء. 
      ورواه الشيخ بإسناده عن محمد بن يعقوب. 
      ورواه الصدوق مرسلا. ورواه في عيون الأخبار وفي العلل عن محمد بن علي ماجيلويه، عن علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن عليّ بن معبد، عن الحسين بن خالد نحوه، إلا أنه ترك في الكتابين قوله: وأيما مؤمن ، إلى آخره.
      ورواه أيضًا عن الحسين بن أحمد بن إدريس عن أبيه، عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن أحمد بن محمد بن أبي نصر، نحوه إلى آخره ولم يترك منه شيئا. 
      ورواه البرقيّ في المحاسن عن محمد بن علي، عن محمد بن أسلم، عن الحسين بن خالد مثله، وترك تلك الزيادة.
      المحاسن، أحمد بن محمّد بن خالد البرقي، ج٢، ص ٣۱٣.
    3. القران أصغر عملة كانت متداولة أيّام الدولتين الصفويّة والقاجاريّة في إيران. (م)

هدوء النفس واغتنام العمر

12
  • لقد كنت في مجلس كان هناك واحد هو مسؤول إحدى الحوزات العلميّة، فغضبت كثيرًا وواجهته بشدّة وكان عمره ضعفي عمري. فقلت: ألا تخجل من أنّك تفسد أعمال الآخرين لأنّك أنت عاجز؟! فأين يوجد هذا الكلام؟! كان يقول: صحيح أنّ عليًّا كان يمتلك درعًا وجعل درعه مهرًا للزهراء، ولكنّه أعطى كلّ ما يملك للزهراء. انظروا! بالكلام والشيطنة! لقد أعطى عليّ كلّ ما يملك. فقلت له: لو كان عليّ يملك كنزًا من الذهب فهل كان يجعله مهرًا للسيّدة الزهراء؟! إنّ معنى ذلك أنّ عليًّا اشترى السيّدة الزهراء بالذهب. أيّها العديم الشعور أتريد أن ترفع من مقام الزهراء؟! فهل تقصد أنّ أمير المؤمنين لو كان يملك كيسًا من الذهب لأعطاه؟ فهذا يعني أنّ قيمة الزهراء هو كيس من الذهب! هذا ما تقصده؟ هذا هو المقصود؟

  • قلت له: كلاّ يا عزيزي! عليّ يعطي كلّ ما يملك للسيّدة الزهراء حتّى لو لم يكن زوجها، لا تظنّ أنّ ذلك هو لأجل كونها زوجته. قلت: لو أنّ أمير المؤمنين لم يخطب السيّدة الزهراء وتزوّج زوجة أخرى من النساء، وتزوّجت السيّدة الزهراء من رجل آخر، ثمّ جاءت إلى أمير المؤمنين وقالت: أعطني دارك ألم يكن أمير المؤمنين يعطيها؟! ألم يكن يعطيها؟! نحن نعطي أم لا؟ لو كان أمير المؤمنين يملك كنزًا من الذهب وجاءت السيّدة الزهراء وطلبته فإنّ أمير المؤمنين يقدّمه إليها ولو لم يكن زوجها، ولو لم يكن! فما العلاقة بين هذين الأمرين؟ هذه مسألة أخلاقيّة، وهذه مسألة هدية، وحقوقيّة، فما العلاقة بينهما حتّى تأتي أنت وتمزجهما لتفسد الأمر؟ تؤوّل وتوجّه وتصرف كلام رسول الله عن وجهه. هكذا، لو قالت السيّدة الزهراء: يا عليّ أنت جئت لخطبتي وأنا لم أقبل، وتزوّجتُ من فلان، والآن أقول: أعطني تلك المزرعة. لقال أمير المؤمنين: تفضّلي. أعطني ذلك الكنز الذي تملكه! لقال: تفضّلي. حتّى أعطني ثيابك اخلعها وأعطنيها. لقال أمير المؤمنين: تفضّلي. ألم يكن يفعل ذلك؟! هذه نقطة. 

  • ثانيًا: لو كان أمير المؤمنين يمتلك كنزًا وأمثال ذلك وجعلها مهرًا للسيّدة الزهراء فماذا كان يجيب النبيُّ أمّته؟ لقالوا: تفضّلوا هذه ابنة النبيّ قد صنعت هذا فأمّا نحن فتكليفنا معلوم إذن! لقد جعل النبيّ مهر ابنته كنزًا وأمثال ذلك، فعلينا نحن أن نصنع ذلك. أفلا يقولون الآن من أمثال هذه المزخرفات المخترعة، وأنّ المهر يساوي رقم السنة التي هي تاريخ ولادتي، مثلاً سنة كذا، بعدد سنة إصابة ناصر الدين شاه، بعدد سنة الحدث كذا علينا أن ندفع مهرًا! فما هذه الألاعيب يا سيّدي؟! ما هذا الكلام؟! ثمّ لماذا نقوم بذلك؟! لأنّا لا نمتلك اللياقة! نحن لا نمتلك اللياقة في أن نتّبع الأعاظم، فلماذا نستحي؟! نحن لا نليق أن نجعل السيّدة الزهراء أسوة، نحن لا نليق أن نعمل بأمر رسول الله. لقد قال النبيّ أنا مأمور بأمر جبرائيل الأمين أن آمر أمّتي أن تصنع ذلك، فمعنى ذلك أنّا لسنا من أمّة النبيّ! من هم أمّة النبيّ؟ هم هؤلاء الذين... لأنّ هؤلاء الذين يقولون إنّ المهر كان لذلك الزمان فإذن نحن لم نعد من أمّة النبيّ! نحن لا نليق، نحن لا نجرؤ! نحن لا نمتلك قابليّة ذلك! أجل أنت لا تملك ذلك، ولكن هؤلاء يملكون، هؤلاء الآحاد من الناس الذين لا ادّعاء لهم مثلنا وليسوا بهذه العمامة والجبّة، ولا درسوا هذه الدروس، ولكنّ نور الإيمان في قلوبهم، إذا قيلت الحقيقة يقبلون بها، يقولون لا شأن لنا بالآخرين، فمن أراد أن يتكلّم فليقل ما شاء. هؤلاء يمتلكون القابليّة. ويوم القيامة سيعلم من كان واقفًا في صفّ أمير المؤمنين؟ ومن كان واقفًا في صفّ عمر؟ غدًا سيعلم! 

هدوء النفس واغتنام العمر

13
  • خير للمرأة أن لا ترى الرجل ولا يراها

  • تقول السيّدة الزهراء: خير النساء هي التي لا ترى رجلاً ولا يراها رجل.۱ فهل هذا الكلام هو للسيّدة الزهراء أم لا؟ نحن نأتي الآن وماذا نفعل؟ نصرفه عن وجهه، هو لذلك الزمان، وقد اختلف الزمان، ولا بدّ أن يكون الجميع كذا، ومقتضى الزمان الآن والعالم أن... سيّدي هل كان للسيّدة الزهراء لسان آنذاك لتقول إنّ هذا كان لذاك الزمان أم لم يكن لها لسان؟ كان بإمكانها أن تقول أم لم يكن؟ كانت مدّة إمامة الأئمّة عليهم السلام مائتان وخمسون سنة، ألم يكونوا يمتلكون ألسنة ليقولوا إنّ هذا لذاك الزمان؟ فقط نحن عندنا ألسنة؟ نحن أكثر فهمًا منهم؟! هل فهمنا دين النبيّ أكثر منهم! ـ انظروا السيّدة زينب يا سيّد! لقد تحدّثت في الكوفة مع الناس في مجلس ابن زياد! 

  • ـ لقد كان عمر السيّدة زينب ستين سنة فهل لدينا رواية واحدة بأنّ السيّدة زينب كانت تتحدّث في المدينة إلى الرجال؟ لقد قمتم بالقياس على أحداث كربلاء الاستثنائيّة؟ لقد كانت السيّدة زينب في حال لا تمتلك عباءة تغطّي بها شعرها، فلتقولوا إذن إنّ علينا أن ننزع العباءات! فلنقل نحن ننزع الحجاب إذن! هذا هو اللعب بدين الله! نحن نلعب بدين الله، ونمزج تلك الحقيقة وذلك الواقع بعبارات وبأمور وبمصالح. 

  • المحافظة على هدوء النفس وخصوصًا في شهر رجب

  • فإذن ما يجب أن نلتفت إليه هو أنّ على الإنسان أن يجتنب ما يوجب تشويش الذهن وسوء الظنّ بالآخرين والاضطراب والقلق، عليه أن يجتنب هذه الحالة، فنحن الآن في شهر رجب في النهاية، وكم سمعنا من الكلام حول شهر رجب في وصايا السيّد القاضي رحمة الله عليه؟! فجميع الرفقاء يعلمون في النهاية، فقد كان يوصي رفقاءه أن هذه الأشهر الحرم قد وافتكم، أي الأشهر التي على الإنسان أن يلاحظ فيها الحريم. الحرام مشتقّ من الحريم، من الحدّ، من القيد، لماذا يقال للعمل الحرام إنّه حرام؟ لأنّ الله جعل له حريمًا يجب أن لا يتخطّى، يمكنكم أن تقوموا بأعمال أخرى، أمّا هذا فيجب أن لا تقولوه، تكلّموا ولكن لا تكذبوا، تكلّموا ولكن لا تغتابوا! فهذا حريم، حريم للكلام، حريم للنظر، انظروا إلى كلّ الأماكن ولكن عليك أن لا تنظر إلى المرأة الأجنبيّة التي هي من غير محارمك، فهنا حريم. انظر هنا وهناك ولكن إذا رأيت اثنين يتحدّثان فلا تنظر لتعرف ماذا يقولان؟ فما علاقتك أنت؟! أرأيتم الناس حين يجلسون في المجالس ما إن يروا اثنين يتكلّمان معًا تنصبّ عليهما النظرات أن ماذا يقولان؟ ماذا تريد؟ انصرف وشأنك، فهذا حريم. انظر ولكن لا تنظر إلى ما يسبّب لك الخواطر، لا تدع فكرك يتّجه إلى هناك، لماذا؟ لأنّه ينقص من هنا، لا يمكن إعادة تحصيل تلك الطمأنينة، تمامًا كما لو كنت تتناول دواء من جهة ومن جهة أخرى لا تلتزم بالحمية، فتزول كافّة آثار الدواء ولا يفيد أيّة فائدة، وتكون قد أنفقت المال عبثًا وأتلفت وقتك، وستموت أيضًا. 

    1. مستدرك وسائل الشيعة، عن عليّ ( عليه السلام ) أنه قال : " قال لنا رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) أي شئ خير للمرأة ؟ فلم يجبه أحد منا ، فذكرت ذلك لفاطمة ( عليها السلام ) فقالت : ما من شئ خير للمرأة من أن لا ترى رجلا ولا يراها ، فذكرت ذلك لرسول الله ( صلى الله عليه وآله ) فقال : صدقت ، إنها بضعة مني "

هدوء النفس واغتنام العمر

14
  • يقول الإمام الصادق عليه السلام: ولا يدع أيّامه باطلاً. نقوم بعمل بحيث إنّ اليوم الذي ينقضي لا ينقضي باطلاً. إذا حلّ الليل نرى أنّه لم يحصل شيء، إذا حلّ الليل نرى أنّا لم نحصل على شيء، إذا حلّ الليل نرى أنّ أوقاتنا انقضت بهذا وذاك وبهذا الكلام وذاك. هذه هي المراقبة التي يقول المرحوم العلاّمة إنّ على الإنسان أن يقوم بها في الليل، ويتأمّل في أعمال نهاره، هذا هو معناها. هل كان كلامي مع فلان جيّدًا أم لا؟ هل كان مفيدًا أم لا؟ لماذا تكلّمت بهذا؟ لماذا بحثت وتفحّصت؟ لماذا قمت بهذا العمل؟ لذلك علينا وخصوصًا في شهر رجب أن ندقّق في هذا الأمر ـ الموضوع واسع جدًّا، غاية الأمر أنّا إذا أردنا الآن أن نتحدّث في هذا الأمر [فلا داعي] لأنّ الأمر صار واضحًا عند الرفقاء، إذا أردنا أن نتحدّث عن هذا الأمر فهو يستحقّ ـ البحث في أعمال الآخرين، استماع كلام الآخرين، فلان ماذا فعل؟ ما هي حالته؟ المال الذي حصل عليه من أين؟ الشيء الذي خسره كيف خسره؟ هذه السيّارة التي اشتراها من أعطاه ثمنها؟ أو مثلاً كيف حصل عليها؟ فلنذهب نحن أيضًا ولننظر هل يمكن أن نفعل شيئًا؟ الدائرة واسعة جدًّا. ما كلّ هذا؟ كلّه مسبّب للخواطر! هناك مصنع جعله الله في نفوسنا، هذا المصنع ينتج! وما هو إنتاجه؟ كلّ التصوّرات، وذهاب النفس وضياعها، ما هي نتاجات ومحاصيل هذا المصنع؟ الاضطراب الامتناع عن الحركة، الامتناع عن السير، الامتناع عن المسير. 

  • سنصل إلى تلك المسائل، فنحن في البداية نطوي المراتب الأولى، أولئك الأعاظم الذين كانوا في مجالسهم إذا جرى الكلام عن جبرائيل ومقام الوحي يقولون: لماذا تقضون مجالسكم بهذا الكلام الباطل؟ فقد وصلنا نحن إلى مقام لا خبر لجبرائيل عنه ثمّ أنتم بعد ذلك تتحدّثون عن جبرائيل. إن شاء الله سنصل إلى تلك المسائل، وهذا دَين في ذمّتي للرفقاء، أمّا نحن فلا! نحن هنا! نحن الآن في هذه المرتبة ونأتي شيئًا فشيئًا و... الإمام الصادق عليه السلام عندما يقول: ولا يدع أيّامه باطلاً فإنّه يتحدّث عن كافّة المراتب إلى الأعلى. كلام الإمام الصادق هو كلام لمن يريد أن يشرع من نقطة الصفر إلى تلك النقطة من اللانهاية التي هي نقطة الإطلاق! فكافّة هذه المراتب والمراحل موجودة في كلام الإمام الصادق، وإن شاء الله تبقى في ذمّتي إذا وفّق الله. 

هدوء النفس واغتنام العمر

15
  • ولكن يمكننا أن نقوم بهذا العمل: إذا جاؤوا إلينا وقالوا: الحقيقة يا سيّد أنّي كنت في مكان فكان فلان... 

  • ـ يا سيّد أصلاً لا تتكلّم، لا أريد أن أسمع، لا أريد. حتّى لو كانوا يمدحون لا أريد لأنّ المدح أيضًا يؤثّر في النفس، تفرح به، تصبح لها حالة معيّنة، ويصبح لها حالة خاصّة بالنسبة إلى ذلك المادح، وكثيرًا ما تكون هذه الحالة غير صحيحة، كلاّ، لا ينبغي أن تكون هذه الحالة بالنسبة إليه، على الإنسان أن يراعي الاعتدال مع الناس. يفرح كثيرًا، فإذا فرح كثيرًا ازداد توقّع النفس، لماذا؟ لأنّ فلانًا امتدحكم، كلاّ! لا داعي لأن تقول، لا حاجة لأن يقال، كان فلان يتحدّث عنكم في أمر ما وأثنى عليكم، كلا لا ضرورة فأنا أخبر بنفسي، أنا مطّلع أكثر على أحوال نفسي. وطبعًا هذه المسألة تحتاج إلى كلام إلى حدّ ما، لا إلى حدّ واسع، بل بالنسبة إلى بعض المسائل والمراتب، إذا أتيح لنا الوقت، وحتمًا الرفقاء يقولون إنّه متاح لنا، ولكنّ حالي ربّما لا يسمح بالاستمرار بهذه المسألة. 

  • في أشهر رجب وشعبان ورمضان والتي هي أشهر حرم، يعني إنّ حريم الله هو في هذا الشهر، فشهر رجب هو شهر جعل الله له حريمًا، فما كنتم لا تراعونه في سائر الشهور قد جعل له حريم هنا، وهنا لا بدّ من رعايته، ونفعه يعود علينا. فإن راعينا فإنّ المطر هو في حال هطول الآن، وإلا فلا! إن راقبنا ولاحظنا هذا الأمر فإنّا نرى أثره، وإن لم نراع ففي النهاية هناك أناس يستحقّون الفيوضات الإلهيّة. 

  • توضيح حول قول المرحوم العلاّمة: الجميع من سواد الجيش

  • سأذكر هذا الأمر وأوكل الباقي إلى الجلسة القادمة بحول الله وقوّته. ففي الجلسة السابقة ذكرت عن المرحوم العلاّمة أمرًا وربّما أوجد سؤالاً لدى بعض الرفقاء وسألوا أيضًا حيث قال إنّ هؤلاء جميعهم هم سواد الجيش، نعم الأمر هو كذلك. التفتوا فإنّ مراتب الكمال درجات، وكلّ إنسان يمكنه أن يستقرّ في تلك المرتبة بحسب ما يقتضيه فهمه وهمّته وعزمه وقصده، فبعضهم يأتون من البداية غير طالبين للكمال وللوصول إلى الأمور العالية ومعرفة الله. فأنا في بعض الموارد أسمع من بعضهم من هؤلاء الرفقاء يقولون لي: سيّدنا لا تحدّثونا عن هذه الأمور، حدّثونا عمّا هو أدنى ـ سواء كانوا يقولون ذلك مزاحًا أو جادّين لا أدري ـ نعلم أنّ هذه الأمور صحيحة ولكن اجعلنا في موقعنا المناسب. وبعضهم يأتون من البداية يكتفون بحال وجوّ معيّن يحصلون عليه، بعضهم يرون الكلام صحيحًا فيأتون ليسمعوا وليطّبقوا إلى حدّ ما. وبعضهم ليسوا كذلك! بل ينظرون إلى الأمور الرفيعة أولاً، ثمّ يجعلون همّتهم في الوصول إلى أعلى مرتبة، تمامًا كما هو الحال في الصفّ الدراسيّ. فعندما يقام صفّ دراسيّ فإنّ الهدف منه معلوم، وما هي الأمور التي تدرّس فيه، وما هو المتوقّع من الطلاّب وما هي النتائج المترتّبة على هذا الصفّ والدرس، فقد يأتي طالب يدرس بمقدار يمكّنه من تقديم الامتحان بحيث لا يرسب، وأينما ذهب يقول لديّ شهادة، لديّ إجازة، لديّ اختصاص، لديّ دكتوراه، لديّ شهادة ما، في مستوى تكون الشهادة مهمّة بالنسبة إليه. 

هدوء النفس واغتنام العمر

16
  • أحد أصدقائنا ورفاقنا كان عندما يدخل إلى غرفة العمليّات الجراحيّة يقول لتلامذته تعالوا وتعلّموا هذا. كانوا يقولون: لا هذه الأمور ليس من الضروريّ أن نتعلّمها، فلنتعلّم أشياء تكون سهلة من جهة ومريحة وتجعلنا حالنا أفضل. كنت أقول لهم: لقد ذهبت إلى هناك، وبذلت الجهود والمساعي وقتلت نفسي ـ هكذا كانت عبارته ـ قتلت نفسي حتّى تمكّنت من تعلّم ذلك من أستاذي في البلد الذي كنت أدرس فيه ـ في أميركا ـ واستطعت أن أتعلّم هذا، والآن أنا أعلّمكم إيّاه بلا تعب وأنتم تقولون: لا! فبعضهم همّتهم إلى هذا الحدّ! نحن لا نريد. ولو أراد الأستاذ أن يعلّمهم يقولون لا نريد. لا نريد أن تعلّمنا هذه العمليّات المهمّة، لا نريد أن تعلّمنا هذه الأمراض الخاصّة، لا نريد. نريد شيئًا مريحًا وسهلاً ومتداولاً جدًا فنحسّن وضعنا به بسهولة، فبعضهم هكذا، ولكن بعضهم لا! أعلى من ذلك، بعضهم أعلى، بعضهم يسعى أكثر، فكلّ من يبذل أكثر يصل أكثر.

  • بعضهم يأخذون النقطة الأعلى، وهم الذين كان المرحوم العلاّمة يقول عنهم: أنا لا أرضى لرفقائي بأقلّ من سلمان. لأنّه هو كان هكذا، يعني أعلى حدّ والذي هو المعرفة الإلهيّة، وتلك المعرفة الإلهيّة لا تحصل من دون سعي ومن دون همّة ومن دون جهد ومن دون عمل مائة بالمائة، فهذا أمر مسلّم. فقانون التربية الإلهيّة ونظام الخلقة يقتضي ذلك أيضًا: 

  • (نابرده رنج گنج ميسر نمى شود***)
  • أي: لا يمكن العثور على الكنز من دون تحمّل العذاب. 

  • فكلّ إنسان يعمل وفق تلك المعرفة التي يمتلكها والهمّة التي لديه، فبعضهم بنسبة ثلاثين في المائة وبعضهم بنسبة أربعين في المائة وبعضهم بنسبة خمسين في المائة وسيصل إلى هذا المستوى. فما قاله من أنّ هؤلاء جميعهم سواد الجيش إلا بضعة يسيرة، لا يعني أنّه لا فائدة من جميع الأفراد ولا شيء، كلاّ، فهؤلاء لهم مراتب، غاية الأمر أنّ الأعاظم وأولياء الله يرغّبوننا بتلك النقطة الأعلى، ونقطة الإطلاق والنقطة المطلقة، يدعوننا إلى تلك النقطة، ولا يريدون منّا إلا ذلك. 

  • ولذلك على الإنسان أيضًا أن يبذل الجهد للوصول إلى ذلك، عليه أن يتعب، عليه أن يستعين بالله، عليه أن يتوكّل على الله، ويسعى قدر الإمكان. لا يقول: أقوم بهذا العمل أما غيره فلا. كلا! هذا العمل هو الذي يوقفك، هذا العمل هو الذي يجعلك تترك غيره أيضًا. لقد حدث كثيرًا لي شخصيًّا أنّي إذا تركت مراقبةً ما، سُلبت التوفيق عن المراقبة الأخرى، أقول ليتني قمت بتلك حتّى أوفّق لهذه، فالحساب دقيق، دقيق جدًّا، عميق جدًّا ويهتمّ بالأمور الصغيرة، نتكلّم بكلام خاطئ فيؤدّي إلى أن سلب الإنسان توفيقًا ما. فهكذا هو الحال. 

هدوء النفس واغتنام العمر

17
  • عمل واحد في شهر رجب: لا ترَ نفسك

  • لذلك فإنّ وصيّة الأعاظم في هذا الشهر وخصوصًا المرحوم العلاّمة لتلامذته هو أنّ الإنسان إذا قام صباحًا من النوم فليس المطلوب منه إلا عمل واحد لا أكثر وهو أن لا يرى نفسه في ذلك اليوم. عمل يسير جدًّا! كان المرحوم العلاّمة يقول ذات يوم: لقد قسّم الأعاظم السلوك، فبعضهم جعله سبعة منازل، وبعضهم جعله أربعين منزلاً، وبعضهم كان يقول مائة منزل، فالخواجة عبد الله الأنصاري جعله أربعين منزلاً، ولكنّ البعض جعلوا الأمر سهلاً فقالوا: 

  • یک قدم بر هر دو عالم نِه *** که گامی بیش نیست۱ 
  • والمعنى: دس بقدمك على العالمَين معًا فليس هناك إلا خطوةٌ واحدة. 

  • قلنا: سيّدنا نحن بسبب هذه الخطوة نشعر بالعجز! هذا هو السلوك دس بقدمك على العالمَين، وليوكل الإنسان العالمَين كليهما إلى أهلهما. ولكن يمكن للإنسان أن يقوم بهذا العمل بنفسه ويتمرّن عليه فعندما يستيقظ صباحًا لا يرى نفسه، وليجعل نفسه في اختيار الله، وليتصوّر أنّ وجوده في هذا اليوم لا يسعه قالب البدن. الوجود هو وجود الله، وأنّه هو ملك لله، وعبد لله، فليتقدّم وليتكلّم مع الناس بهذا النحو وبهذ التفكير، يتكلّم مع زوجته وأولاده، مع صديقه، وليقم بأعماله. إن قالوا له كلامًا ما، فليقل: لم يقولوا لي، لأنّي من المقرّر اليوم أن لا أكون ملك نفسي.

  • ـ يا فلان أنت فيك هذا العيب. 

  • ـ نعم صحيح ما تقولون. حقّ ما تقولون. فمن المقرّر أن... 

  • ـ يا فلان أنت لديك هذا الأمر الحسن! 

  • ـ الحُسن ليس لي. 

  • ـ لقد قالوا عنك كذا. 

  • ـ فليقولوا. لم يقولوه لي أنا.

  • كنّا مع المرحوم العلاّمة، وكان هناك أحد تلامذته قد تركه وسار في طريقه الخاص وتكلّم عنه بكلام في غيابه. فقال أخي الأكبر: لقد قال عنك كذا. فقال العلاّمة: يا فلان! لم يقل هذا الكلام لي، لقد قاله لجبّتي المعلّقة هنا، لقد قاله لهذه الجبّة، لم يصل هذا الكلام إليّ فلماذا أنت منزعج؟ لم يقل هذا الكلام لي. فلماذا أنت منزعج تغلي؟ لقد رأى فلان منّي جبّة وعمامة وهو يتخيّل أنّه يقول عنّي هذا الكلام، فإذن هذا الكلام قاله عن اللباس، وهذا اللباس ينزعه الإنسان ويعلّقه. لقدّ هوّن الأعاظم الأمر، جعلوه سهلاً، جعلوه سهلاً جدًّا، وليس صعبًا إلى هذه الدرجة، غاية الأمر أنّه يحتاج إلى همّة، يحتاج إلى همّة لكي يعمل الإنسان بهذه المطالب وسيرى آثار ذلك. 

    1. جلال عضد، دیوان اشعار ، غزلیّات » الغزل رقم ٤٣. والمصراع السابق عليه: از تو تا مقصود چندان منزلی در پیش نیستوالمعنى: لا يفصلك عن الهدف الكثير من المراحل والمنازل. 

هدوء النفس واغتنام العمر

18
  • نأمل من الله تعالى أن يوفّقنا أن نكون كذلك في هذه الأشهر الحرم وفي سائر الأشهر ودائمًا نكون هكذا يرضى عنّا الأولياء ويرضى عنّا هو نفسه. 

  • اللهمّ صلّ على محمّد وآل محمّد 

  •