المؤلّفآية الله السيد محمد محسن الحسيني الطهراني
المجموعةسنة 1415
التوضيح
وهي شرح فقرة: من أين لي الخير يا رب ولا يوجد إلا من عندك، وقد أشار فيها سماحة آيه الله السيد محمد محسن الحسيني الطهراني قدس سره تعالى في كلامه أنه لا ينبغي للإنسان أن ينسب الخير الصادر عنه إلى نفسه، إذ لا نعمة ولا خير إلا من الله تعالى وحده؛ لأنه هو صاحب الفيض والعطاء المطلق ذاتاً وحقيقة. كما تطرق إلى التمييز بين مدرسة الأنبياء والأولياء وبين مدرسة غيرهم، فذكر أن هم الأنبياء والأولياء قيادة المجتمع إلى المبدأ المفيض الذي لا يصدر الخير إلا عنه، بخلاف غيرهم ممن لا سعي لهم الا دعوة الأفراد إلى أنفسهم. وأكد على لزوم الحذر عن التفاخر والدعاوى والاحتراز عن هوى النفس والسعي إلى نيل مقام العبودية الصرفة والتوحيد الخالص.
هو العليم
أهميّة الإخلاص و العبودية
شرح دعاء أبي حمزة الثمالي-سنة ۱٤۱٥ هـ ق- المحاضرة الثانية
محاضرة ألقاها
آية الله الحاجّ السيّد محمّد محسن الحسينيّ الطهرانيّ
قدس الله سره
أعوذ باللـه من الشيطان الرجيم
بسم اللـه الرحمن الرحيم
الحمد لله ربّ العالمين
والصلاة والسلام على سيّدنا ونبيّنا أبي القاسم محمد
وعلى آله الطيبين الطاهرين
واللعنة على أعدائهم أجمعين
قوله (عليه السلام ):
"مِنْ أَيْنَ لِيَ الْخَيْرُ يَا رَبِ وَ لاَ يُوجَدُ إِلاَّ مِنْ عِنْدِك؟"
"و مِنْ أَيْنَ لِيَ النَّجَاةُ وَ لاَ تُسْتَطَاعُ إِلاَّ بِكَ ؟"
لمَ كان مصدر الخير هو الله؟
ولمَ لا ينبغي نسبة أيّ خير ٍ يصدر عنّا إلى أنفسنا؟
الوجه فيه أنّ كلّ الخيرات مبدؤها هو الله عزّ وجلّ، وهذا المعنى ملحوظ في آيات القرآن، فلدينا الكثير من الآيات بهذا المعنى: {ما بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللَّه}۱.
كلّ الخير من الله، وكلّ الشرّ من عندنا؛ ذلك لأنّنا نستمدُّ أصل وجودنا وكمالاتنا الثانويّة أيضاً من الله عزّ وجلّ، وليس لدينا أيّ شيء من أنفسنا، وصرف العدم لا يترشّح منه شيءٌ. ولمّا كان الله هو أصل الوجود وحقيقة الوجود فهو الخير المحض. وينبغي علينا أن نرى كمالاتنا كلّها من الله: سواءً كمالنا الأوّلي أم كمالنا الثانوي. ولأنّ الله هو النور المحض وكلّ البركات منه، نجد حينئذٍ أنّ مظاهر هذا الشيء ومظاهر هذه البركة ـ طبقاً لقاعدة (كلّ ما بالعرض ينتهي إلى ما في الذات) ـ ينبغي أن تعود إلى الله.
تجلّي مقام العبوديّة في نفس النبيّ والوليّ
يقول النبيّ: "إلهي لا تكلنا إلى أنفسنا طرفة عين أبداً في الدنيا والآخرة". وفي مرّة من المرّات جاء النبيّ وأظهر تزكية لنفسه، حيث قال: أنا آتيكم غداً بالإجابة عمّا سألتموه، وذلك بعد أن سألوه بعض الأسئلة. وعندها انقطع الوحي عنه ثلاثة أيّام.
ماذا فعلتم أنتم؟!
إنّ تجلّي مسألة التوحيد في القرآن الكريم واضحة وظاهرة إلى الحدّ الذي يبدأ فيها الله بتطبيقها على نبيّه، يبدأ فيها بنبيّه صلى الله عليه وآله لاحظوا أنّ هذا النبيّ بما لديه من اليد البيضاء ومع كونه أوّل ما خلق الله ومع كونه التجلّي الأعظم ـ كما ورد في الدعاء القائل: "اللهم إنّي أسألك بالتجلّي الأعظم في هذه الليلة من الشهر المعظّم" ٢ الذي يُدعي به ليلة المبعث ـ ومع كلّ خصوصيّاته حيث جعل كلّ عالم الإمكان تحت إرادته وقدرته، إلاّ أنّ هذه الميزات كلّها لن تكون نافعةً، ولن يكون لها قيمة إلاّ إذا لم يكن يراها من نفسه. وسرّ الأمر يكمن هنا: فإذا اعتبر أنّها من نفسه، فإنّنا سنضربه على رأسه، ولن يكون له عندنا حتّى وزن البعوضة: {وَ لَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنا بَعْضَ الأَقاويلِ ، لأَخَذْنا مِنْهُ بِالْيَمينِ ، ثُمَّ لَقَطَعْنا مِنْهُ الْوَتينَ}. بدأ بنفس نبيّه! بدأ بنفس نبيّه!!
وجود النبيّ نابعٌ من وجوده، خيرات النبيّ من خيره، كلّ الترشّحات التي تفيض من النبيّ قيمتها أنّها من ترشّحاته تعالى، لا أنّه أعطاها للنبيّ بل هي ترشّحاته، ودعوى أنّه أعطاها للنبيّ شركٌ. وعليه فهذا الأمر مشهودٌ من البدء إلى الختم.
نعم كما نقرأ في التشهّد: أشهد أن لا إله إلاّ الله، وأشهد أنّ محمّداً عبده ورسوله. إنّ مقام العبوديّة ينبغي أن يتحقّق أوّلاً كي يُوجد مقام الرسالة، وما لم يحصل مقام العبوديّة لن يكون هناك أيّ قيمة لمقام الرسالة. أيّها النبيّ عليك أن تكون عبداً أوّلاً بعدها تكون رسولاً، وإلّا فلا فائدة أبداً لهذه الرسالة، وليس لها أيّ قيمة. ينبغي أن تكون عبداً أوّلاً ثمّ تصبح إماماً، وإلاّ فلن تقع الإمامة إلّا على رأسك، ولا فائدة فيها. أوّلاً عليك أن تكون عبداً ثمّ تنشئ الحكومة، فحينما تريد أن تكون حاكماً على المسلمين ينبغي عليك أوّلاً أن تثبت عبوديّتك لله عزّ وجل، فبدون العبوديّة تصبح الحكومة على المسلمين حكومة الكفر.
لماذا ينبغي أن يكون عبداً؟!
لأنّه لا يملك أيّ شيء من تلقاء نفسه.
وقولنا بولاية الفقيه في زمن الغيبة يعود إلى أنّ الفقيه عبدٌ، والعبد لا يملك لنفسه شيئاً، ولأنّه لا يملك أيّ شيء يمكن له أن يحكم. ولكن إذا كان يملك شيئاً، فلماذا يحكم حينئذٍ؟ وبأيّ ملاك؟ أنت تملك ونحن نملك! على أيّ أساس؟! هذا ترجيح بلا مرجّح.
ذلك العبد الذي يمكن له أن يوقع عن مولاه هو ذلك العبد الذي لا يكون توقيعه إلاّ إمضاء مولاه.
وللشاعر جلال الدين الرومي حكاية جميلة جدّاً بهذا الخصوص والآن خطرت بخاطري:
كان هناك شيخ عالم ذهب إلى المسجد ليصلّي، وكان هناك متسوّلٌ،فطلب منه المال، لكنّه لم يعطه شيئاً وتركه. عندها أراد أن يحتال المتسوّل عليه، فمثّل أنّه مات، فجاء الشيخ ودار حوله وقال: إنّا لله وإنا إليه راجعون لقد مات. حبذا لو كان له مال لكي يشتري به الكفن، ولكي يصرف على جنازته، فرمى إليه بخمسة دراهم. عندها استفاق المتسوّل، وقال: هل رأيت أني احتلت عليك وأخرجت منك النقود؟ فأجابه الشيخ: لقد أعطيتك المال لأنّك كنت ميّتاً،ولكن لو كنت حيّاً ما كنت ؟لأعطيك إيّاه.
كذلك النبيّ أُعطيَ الرسالة لأنّه كان ميّتاً،وبعد أن مات صار للرسالة قيمة، وحجيّة كلام رسول الله تعود إلى أنّه مات أوّلاً ثمّ وصل إلى الرسالة، وحجيّة كلام الإمام عليه السلام تعود إلى أنّه مات أوّلاً، ثمّ وصل إلى الإمامة، وحجيّة كلام الوليّ تعود إلى أنّه مات أوّلاً ثمّ وصل إلى الولاية، فإن لم يكن قد مات فكلامه ليس بحجّة علينا. وبالمقدار الذي يموت فيه الإنسان ـ فالموت له مراتبٌ تشكيكيّة ـ يكون لكلامه حجيّة بذلك المقدار لا أكثر، فليس له حجيّة أكثر من ذلك المقدار.
وعليه فلأنّه كان عبداً أعطاه الله الرسالة. وكلّ الخيرات التي تصل إلى الإنسان أيضاً: فإن كان العطاء من الخير فهو من عند الله، وكلّ هذه الخيرات التي ترونها في هذا العالم هي مِن عند مَن؟ هي من عند الله وحده.
مظاهر الحق تعالى ودورها في الوجود
نحن لسنا إلاّ مظهراً. ما معنى كون الشيء مظهراً؟
المظهر يعني: العارية۱، المظهر يعني: ما لا يملك أيّ شيء من نفسه، فهو صورة فقط، أو زجاجة. الزجاجة تقول: في داخلي ماء، وعندما تلمسها تجدها زجاجة جامدة. تقول: ها أنت لست إلّا زجاجة!! الزجاجة ليست إلّا مظهراً للماء، هي التي تظهر الماء الذي بداخلها، لكنّها ليست الماء نفسه.
كلّ ما يوجد في العالم من خيرات ومن جمال: كجمال يوسف مثلاً، من الله وحده.
رحم الله السيد دستغيب. قبل سنتين في شهر رمضان كانوا يبثون كلامه ومحاضراته من الساعة ۱٢ فما بعد، وكنت أستمع لمنبره لمدّة ساعتين، وكان يطرح كلاماً رائعاً ولطيفاً. كان يتحدّث ذات مرة عن المسخ، فينقل بعض الحكايات. ومن بينها ذكر قصّةً لطيفة جّداً، وقد أعجبتني جداً؛ حيث قال:
- سيّدي: كم عمرك؟
- أجاب: ٩۰ عاماً مثلاً .
- حسناً، اذهب إلى المرآة وانظر إلى وجهك، ثمّ أحضر صورتك عندما كنت صغيراً. ألم تصبح مسخاً؟
- أجاب: ألم تر المسخ؟ بلى مسخ ، مسخ ابن التسعين عاماً.
أين هي؟ أين ذهب كلّ ذلك؟ العيون، الحواجب، الطول، القامة، الشكل ...؟
لاحظ تناسق هذه الخلايا مع بعضها البعض، لو اختلف بمقدار ذرّة صغيرة، فانظر ما سيحصل! فقط بمقدار ذرّة واحدة.
هذه العلوم من أين؟ من أين؟
ارتقى المرحوم ـ على ما أعتقد الوحيد البهبهاني ـ في آخر عمره المنبر وقال: لقد زالت وانمحت كلّ الأدلّة من رأسي، وتقليدي لم يعد جائزاً! وعليكم أن ترجعوا إلى تلميذي بحر العلوم،مع أنّه كان الوحيد البهبهاني!! ولكن هذا ما حصل لم تعد الأدلّة بيدي.
وهكذا الكلام عن الميرزا حبيب الله الرشتي، مع ما له من اليد البيضاء، ومع كلّ ما كان عنده، حتّى أنّ الشيخ۱رحمه الله كان يقول: إنّما أعقد درسي لأجل ثلاث أشخاص: حضرة الحاج الميرزا حبيب، الحاج الميرزا حسن نجم آبادي، الميرزا حسن الآشتياني، من أجل هؤلاء الثلاثة أعقد درسي.
والكلام عن الميرزا حبيب الله رشتي، الذي كانت المرجعيّة في النجف واقعاً قد انتهت إليه: حصل معه أن نسي حتّى عنوان منزله وبيته، كان يحمل معه الفحم لكي يضع العلامات في الطريق، يضع العلامات عند رأس كلّ زقاق، وعندما كان يعود من مقام أمير المؤمنين عليه السلام، كان يشكّ: هل هذه العلامة أنا وضعتها أم غيري؟ إلى هنا وصلت الحال معه. وهو الذي كان يبحث لمدّة أربعة أشهر عن أيّهما أصحّ: مقدِّمة (بكسر الدالّ) أم مقدَّمة (بفتحها)؟
كلّ ذلك بقدرة الله عزّ وجلّ.
ما هذا كلّه؟ هذا كلّه " مِنْ أَيْنَ لِيَ الْخَيْرُ" . فكلّ الخيرات من الله. ولماذا كان "مِنْ أَيْنَ لِيَ الْخَيْرُ يَا رَبِ وَ لاَ يُوجَدُ إِلاَّ مِنْ عِنْدِك"؟ لأنّنا لسنا إلّا مظهراً، والمظهر لا يملك من نفسه شيئاً، حتّى الوجود لا يملكه! المظهر واجهة فقط، بينما الأصالة و الحقيقة لا ترجع إليه، ليس إلا واجهة، فالمظهر يبقى مثل المرآة، فإذا وقف الزنجيّ أمام المرآة، أظهرت المرآة الزنجيّ، وإذا وقف روميّ أمامها، فإنّها تُظهر الروميّ. فما هي المرآة؟ المرآة مظهر،ونحن مظهر.
في كلّ آنٍ من الآنات يتجلى فينا ظهورٌ من الظهورات، إذن يجب علينا أن ندعو دائماً: إلهي اجعل ذلك الظهور الذي يظهر فينا ظهور خيرك، يعني: أبرز جنبة القرب منك، ولا تبرز جنبة البعد عنك، فلا تجعله يتجلّى فينا.
في كلّ وقت تبرز فينا حالةٌ من الحالات: فإذا رأينا تلك الحالة حالة الرحمة وشرح الصدر نعلم أنّها أفيضت علينا من الله، أمّا إذا رأينا تلك الحالة حالة من القسوة وحالة من ضيق الصدر فلنعلم أنّها من أنفسنا، نعلم أنّها ظهرت و برزت بسبب بعدنا الله عزّ وجلّ.
ولكن كيف يعود ذلك إلى النفس؟ وكيف يُؤدّي إلى هذا التغيير بهذا الشكل في النفس؟ هذه مسألة عميقة جّداً.
هل رأيتم عندما يكون هناك نزاعٌ بيننا وبين شخص من الأشخاص، نحكم عليه في أنفسنا بأنّه مخطئ، وحتّى في الصلاة تجدنا في حالة من الصراع والجدال في أنفسنا: لقد فعل كذا، عمل كذا، هكذا أخطأ، قال كذا، عمل المسائل الكذائية ...، ولكن بعد أن تمضي مدّة من الزمن نجد أنّ حالتنا تعود إلى ما كانت عليه، مع أنّه لم يتغيّر، بل هو باقٍ على حاله، فما الذي حصل؟ نحن الذين تغيّرنا، نحن الذين كانت حالتنا شيطانيّة في ذلك الوقت، والآن أصبحت رحمانيّة، الخير الآن أتى. أمّا هناك فالشرّ أتى من عند الشيطان.
هو بقي على حاله، نحن الذين تغيّرنا، لم يتغيّر شيء في القضيّة.
لو سألنا الآن: أيّ الحالتين أفضل؟ طبعاً الحال الثانية أفضل، من جهة نحن نشعر بارتياح أكبر، ومن جهة أُخرى لم يعد لدينا سوء ظنّ تجاه ذلك الفرد المؤمن. هذا نوع من الأفراد، وهنا "مِنْ أَيْنَ لِيَ الْخَيْرُ يَا رَبِ وَ لاَ يُوجَدُ إِلاَّ مِنْ عِنْدِك" تجلى وظهر. في البداية لم تكن موجودة، بل كانت جهة المعارضة والمواجهة هي الملحوظة، ولم تكن هذه الجهات موجودة.
في بعض الأحيان نجد أنّ لدينا حالة من اللامبالاة تجاه شخص من الأشخاص، بسبب قرض لنا مثلاً: يريد أن يفعل كذا، أو لا يريد أن يفعل كذا، عينه كذا ، سنّه كذا، وكذا وكذا، ونبدأ بالكلام، ونتحدّث بكلّ ما نعلمه عنه، وخاطرة من هنا وخاطرة من هناك، ورويداً رويداً ينشأ جدار عالٍ في أذهاننا، ويصبح قطاراً، ويصبح قطاراً بحيث لا يمكن اختراقه أبداً. ثم في اليوم التالي ما الذي يحصل؟ يقول: لقد اشتبه اشتباهاً بسيطاً.
لم ذلك؟ ما الذي حصل؟ فهو لم يتغيّر من الصبح إلى الليل، ولكن نحن الذين تغيّرنا.
علينا أن نسأل الله أن يعيدنا دائماً إلى الحالة الثانية. الحالة الثانية ما هي؟ هي الحالة الرحمانيّة، العطف هو الحالة الرحمانيّة.
تأثير كلام الأولياء في نفوس الأفراد وحالاتهم
عندما نأتي إلى مجالس الإمام الحسين عليه السلام، ونستمع للحظات، تظهر فينا حالة من الرقّة، كما أنّ البكاء واللطم علي الصدور والجرح بالموسى في مجالس الإمام الحسين راجح جّداً.
يأتي رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وآله ويقول: يا رسول الله،نحن عندما نجلس بمحضرك ما الذي يحصل عندما نسمع كلماتك؟ نترك الدنيا ونتعلّق بالآخرة ـ والرجل هو الناقل ـ ولكن عندما نخرج من عندك، تسقط أبصارنا هنا وهناك على السوق،على الأشياء، على امرأة، على شخص، وعلى هذه الأمور... ، نذهب إلى الناس نتكلّم معهم، نجد أنّ هذه الحالة تبدّلت رويداً رويداً وتغيّرت. فقال له الرسول: لو أنّكم بقيتم على حالتكم الأولى أربعين يوماً لرأيتم ما أرى ولسمعتم ما أسمع۱. و لمَ هذا؟ ما علّة هذا؟ ومن الواضح أنّ كلام النبي مظهر الخير والبركة، نفس النبي مجلي البركة، وكلام الأولياء مظهر البركة والخير. عندما تأتي إلى سماحة العّلامة وتتحدّث معه كلمتين، تشعر بانبساطٍ شديد، تشعر بانشراح الصدر. لكن لمَ لا تشعر بذلك مع الآخرين؟ لأنّ ذلك يعود إلى النفس.
لماذا يقولون: على الإنسان أن لا يصاحب من كان من أهل الدنيا؟
وأنا أقول لكم: لو قمنا بشتم بعضنا البعض خير لنا من الحديث فيما لا معنى له ولا طائل منه؛ نحو قولنا: الذهب صار قيمته كذا، الدولار ارتفعت قيمته، السلعة الفلانيّة انخفضت قيمتها، الأمر الفلاني حصل فيه كذا، هذه الأحاديث ليست لنا !!
صوفی ابن الوقت باشد ای رفيق | *** | نيست فردا گفتن از شرط طريق٢ |
ذلك الشخص الذي ـ بحسب تعبير الوالد العّلامة ـ لديه الآلاف من المشاكل ومع الضعف و المسكنة، بأيّ شيء يشغل فكره؟ أيشغله بارتفاع قيمة الدولار ونزوله؟! هذه الأمور كلّها ليست لنا.
لذا نجد أنّ نفس كلام الأولياء يخلف لنا حالة انشراح الصدر، فهو منبع الخير، والخيرات كلّها تترشّح من هنا، والجلوس مع الأولياء خير، وذكّر الأولياء خير! فلا يمكن أن تتذكّر الأولياء وأن تعصي الله في تلك الحال، هذا الأمر غير ممكن، يقول حافظ:
به ياد رفتگان و دوستداران | *** | موافق گرد با ابر بهاران۱ |
فتذكّر الماضين والسير في تاريخ الأولياء والأعاظم، حسنٌ لأنّ الإنسان عندما يسير في التاريخ يدخل إلى الأعماق، يتقدّم قدماً نحو الأمام، يتحرّك مع نفس التاريخ، يدخل في أعماق نفس ذلك الشخص. نفسه هي هذه لا شيء آخر! فعندما يتحرّك الإنسان داخل النفس باتّجاه معيّن، فللنفس جنبة تجرّديّة، عندها ماذا ستفعل نفسه؟ ستحيط بالإنسان، تحيط به فتجعله تحت تأثيرها.
فالعلّة وراء تأثير ذكر وليّ من الأولياء في الإنسان تعود إلى أنّ الإنسان يسير في أعماق نفس ذلك الوليّ، فالأثر الذي يغيّر الإنسان عند ذكر سيّد الشهداء عليه السلام يعود إلى أنّه يدخل في نفس سيّد الشهداء، تنقله إلى هناك إلى خيمة سيّد الشهداء، ذكر الإمام السجاد كذلك. وأنتم عندما تقرؤون دعاء أبي حمزة الثمالي لم تشعرون بالتغيّر؟ ذلك لأنّ نفس الإمام السجاد تأتي حين الدعاء وتأخذكم، وعندما تأخذكم تتنحّى جنبة الشّر جانباً، لتحلّ محلّها جنبة الخير.
لزوم الاهتمام بالحقائق الكلّيّة واطّراح الأحداث الجزئية
بينما إذا أخذ الإنسان نفسه نحو الحوادث والقضايا، فقال: لقد حصل في المكان الفلاني الزلزال الفلاني ما الذي يحدث؟ تذهب نفسه نحو الزلزال. لقد أتى الشخص الفلاني رئيس الجمهوريّة الفلانية، وفعل كذا وكذا، تذهب نفس الإنسان تجاه ذلك الرئيس، تذهب إليه وتستقّر عنده !! يعني: ماذا تفعل تلك النفس؟ تأتي تلك النفس وتجعله تحت تأثيرها. سيّدي: ليرة الذهب صارت قيمتها كذا! نفس الإنسان ومعه تذهب إلى نفس الليرة، فليرة الذهب لها نفسٌ أيضاً، تذهب بكلّ بساطة نحو الدنيا، تدخل إلى الدنيا.
ينبغي على الإنسان أن ينال من الحقائق الكلّيّة.
في ما مضى كان لي رغبة شديدة بمطالعة بعض الكتب السياسيّة، وكان ذلك في زمن الشاه، فسألني العّلامة: يا بني ماذا تقرأ؟ فأريته الكتب التي كانت بين يدي، فنظر إليها وقال لي: يمكن للإنسان أن يفهم هذه الأمور في هذه الكتب من خلال الحقائق الكلّيّة، فهذه المعلومات معلومات يوميّة كانت موجودة في السابق ، والآن هي موجودة، وستكون في المستقبل موجودة، فلِمَ نمضي مع مضيّ الزمن؟ لم لا نكون أعلى من الزمن؟
فالآن هل أذهب مع هذه الأمور، وهل أتحرّك معها؟
الآن هذه طريق، وتلك طريق أُخرى. هذا طوله متران، أمّا ذلك فطوله متر ونصف.
كلّ هذه المسائل جوانب ستعود علينا، فتضعف الجنبة الرّبانيّة فينا، وستضعف جنبة التأثير السببيّة فينا، وستضعف جنبة الظهور فينا، وستمحو جنبة الخير من عندنا. على هذا الضوء ينبغي علينا أن نعلم في كلّ مرحلة من المراحل التي نكون فيها بأنّنا في تلك المرحلة إذا كان لدينا إحساس بالانشراح أو إحساس بالراحة أو إحساس بالتضامن أو إحساس بالرحمة أو إحساس بالرأفة أو إحساس بالعطف أو إحساس بالوحدة أو إحساس بالاجتماع ، إذا كانت لدينا نعلم أنّنا في طور الوصول!
إذا جلسنا ورأينا أنّنا وضعنا هذا جانباً وذلك جانباً ، وقلنا هذا لا أعلم ما صنعنا به، وفلان طردناه ، إذا كنّا في هذه الحالة، فلنتفطن ولنعلم أنّنا حينئذٍ لا نملك جهة الخير و المعروف والبركات.
اللهمّ صلِّ على محمّد وآل محمّد