17

حاجة النفس إلى التمرين قانونٌ تكوينيّ

3346
مشاهدة المتن

المؤلّفآية الله السيد محمد محسن الحسيني الطهراني

القسمعنوان البصري

المجموعةالورد و الذكر


التوضيح

تحدّثت هذه المحاضرة عن أنّ حاجة النفس إلى التمرين والذكر هي قانون تكوينيّ كسائر القوانین التي لا يمكن الاعتراض عليها، وحال النفس مع الذكر كحالها مع التمرّن على القيادة والمعالجة والخطّ، ولذلك لا بدّ من المراقبة والذكر وعدم الاكتفاء بالانتساب إلى مدرسة العرفاء، كما تحدّثت عن مفردة من مفردات مراقبة النفس ومخالفة الهوى وهي مسألة تقبيل اليد متحدّثة عن موارد مشروعيّتها وحدودها، وأشارت في الختام إلى تأكيد الروايات على الإكثار من الذكر وأنّه ليس من أباطيل الصوفيّة كما يدّعى.
وقد تضمّنت أثناء بيانها لحدود تقبيل اليد بعض المواقف من سيرة المرحوم العلامة الطهراني في عدم تقبيله لرجل المرحوم الحدّاد وعدم قبوله اصطناع الأبّهة أثناء زيارة الإمام الرضا.
/۱۲
بي دي اف بي دي اف الجوال الوورد

حاجة النفس إلى التمرين قانونٌ تكوينيّ

1
  •  

  • هو العليم 

  •  

  • حاجة النفس إلى التمرين قانونٌ تكوينيّ

  • شرح حديث عنوان البصريّ - المحاضرة ۱۷

  •  

  • ألقاها

  • آية الله الحاجّ السيّد محمّد محسن الحسينيّ الطهرانيّ

  • قدس الله سره

  •  

حاجة النفس إلى التمرين قانونٌ تكوينيّ

2
  •  

  • أعوذ باللـه من الشيطان الرجيم

  • بسم اللـه الرحمن الرحيم

  • الحمد للـه ربّ العالمين

  • والصلاة والسلام على أشرف المرسلين

  • ورسول ربّ العالمين

  • أبي القاسم المصطفى محمّد وعلى آله الطيّبين الطاهرين

  • واللعنة على أعدائهم أجمعين 

  •  

  • خلاصة المحاضرة السابقة: ضرورة التمرين لتفعيل الاستعدادات

  • انتهى البحث في بيان الفقرات الشريفة لحديث عنوان البصريّ إلى أنّ الإمام الصادق عليه السلام يقول لعنوان البصريّ: 

  • مَعَ ذلكَ لي أورادٌ فى كُلِّ ساعَةٍ مِن آناءِ اللَيلِ والنَّهارِ، فَلا تَشغَلنى عَن وِردي وخُذ عَن مالكٍ واختَلِف إليهِ كَما كُنتَ تَختَلِفُ إليه.

  • وتقدّم أنّ طبيعة الإنسان بصورة عامّة هيولانيّة ذات استعداد، ولذلك هي أيضًا على حال من الاستعداد والتهيّؤ في كسب الكمالات. وبعبارة أخرى كما أنّ الوصول إلى المسائل الدنيويّة الأعمّ من العلوم والحرف والصناعات وغيرها يحتاج إلى تمرين وتمرّس، فإنّ المسائل المعنويّة والسلوك الروحانيّ أيضًا يحتاج إلى ممارسة. 

  • وبناء على ذلك، فلأجل إيصال الاستعدادات الإجماليّة التي تمتلكها النفس بواسطة النزول من مقام كبرياء الحقّ، لا بدّ من التمرين والممارسة، ولذلك فلو أنّ هذه النفس التي تعلّقت بالمادّة وشؤون الدنيا أرادت أن تتحرّر من ذلك وتصعد إلى عالم المعنى، فلا بدّ أن تكون لها أدوات وأسباب تطوي بواسطتها مراتب الغيب، وتنكشف لها بها حجب الغيب الواحدة تلو الأخرى. 

  • الحاجة إلى التمرين قانون تكويني

  • إنّ نظام العالم مبتن على أساس أنّه لا يمكن طيّ هذه المراتب بدون تمرين، فصحّة هذا الأساس أو عدم صحّته لا يرتبط بنا ولا يمكن الاعتراض أنّه لماذا لا بدّ للوصول إلى تلك المقامات من التمرين وتكرار العبادة والذكر. 

  • إنّ الكوب الذي في يدي هو جسم صلب في تعارض دائم مع الجسم الناعم، فلو أنّ أحدًا ضربه بيدي بشدّة، فإنّها ستتألّم، وربّما تهشّم عظمها أو كسر، وهذا لازم لاصطدام جسم صلب بجسم غير قابل للانعطاف. فعندما تنتقل الطاقة من جسم إلى آخر، فإن استطاع ذلك الجسم فإنّه يواجه ويقاوم، وإن لم يستطع فإنّه يحتفظ بها في نفسه فتؤدّي إلى تلاشيه. فعندما يرمى حجر في الماء، فإنّه يغوص فيه بسبب ثقل وزنه، كلّ هذه الأمور هي على أساس قواعد الفزياء ودليلها معها.

حاجة النفس إلى التمرين قانونٌ تكوينيّ

3
  • وفي هذا النظام أيضًا فإنّ نفس الإنسان هي ذات حالة هيولانيّة ولها استعداد وتحتاج إلى عمل لتصل إلى الفعليّة والظهور والبروز. فمثلاً لو أنّ إنسانًا أراد أن يكون خطّاطًا فلا بدّ أن يتمرّن، ولو أنّ إنسانًا أراد أن يكون سائق سيّارة ماهرًا، فلا بدّ في الساعات الأولى أن يداوم على تمرين تغيير مبدّل المحرّك في السيّارة وأمثال ذلك، حتّى إذا ما ابتلي فجأة بحالة انعدام التوازن والانزلاق يمكنه أن يقوم بما ينبغي على أفضل ما يرام. فالسائق الماهر لا بدّ أن يكون قد تمرّن على هذه الطرق، وإلا فحتّى لو علّمت له في النوم والمكاشفة فما لم يفتح بيده باب السيّارة ويجلس خلف المقود ويسر في الطرق الجبليّة والترابيّة والمتجمّدة، فلن يتمكّن من السيطرة على السيّارة. 

  • ودراسة الطبيب في الجامعة لا فائدة منها بدون أن يقف عند المريض ويعاينه سريريًّا، وأن يطبّق بكتابة الوصفة ما درسه، وأن يرى ردّة فعل الدواء ونتيجته، فقط في هذه الصورة ينتقل الطبيب بعد مدّة من الممارسة من مرحلة الاستعداد ضمن الدراسة إلى مرحلة الفعليّة. وهذا الأمر من لوازم طبع البشر. 

  • فكما أنّ النفس البشريّة تحتاج إلى ممارسة في الأمور الظاهريّة، فهي تحتاج إلى أضعاف ذلك في المسائل السلوکيّة ۱وواضح وبيّن أنّه يكفي أن تُترك النفس وحالها يومًا واحدًا بل ساعة واحدة بل لحظة واحدة لكي يصدر عنها عمل ما على أساس الهوى، فتتراجعون فجأة مقدار سنة، ولذلك ورد في الروايات تأكيد شديد على المراقبة والالتفات بحيث أنّ الإنسان لو واظب أربعين يومًا عليها فكم سينال من النتائج! 

  • إنّ أيّ إنسان في أيّ اختصاص كان إن عطّل يومين فسيجد نفسه بطيئًا عندما يرجع إلى عمله ، ولن يكون حائزًا على تلك المرونة والقدرة اللتين كانتا له قبل يومين.

  • ويمكن أن يكون الإنسان في درس يوم السبت مقلّدًا، وفي درس يوم الخميس مجتهدًا٢، وبعد أسبوع آخر يسلب منه الاجتهاد بسبب عدم التدريس والممارسة مع الطلاّب!

  • ولو أنّ إنسانًا كان موظّفًا في مراجعة السجلاّت في دائرة ما وعطّل عمله لأسبوع، فإنّه عندما يرجع من جديد لن يمتلك تلك السهولة والاستعداد السابقين. 

    1. . لمزيد من الاطلاع حول ضرورة مجاهدة النفس راجع: معرفة الله ج۱ ص ٣٢٢.
    2.  . باعتبار أنّ الدروس في الحوزات العلميّة تعطّل يومي الخميس والجمعة. (م)

حاجة النفس إلى التمرين قانونٌ تكوينيّ

4
  • ومسألة السلوك أيضًا هي من هذا القبيل، وطبعًا مع فارق أنّ في الدوائر يومين من العطلة هما الخميس والجمعة، في حين أنّه لا عطلة لدى السالك الذي يسير في الطريق إلى الله. والذين يقولون: الآن لدينا الكثير من الوقت، فلنمض هذين اليومين ثمّ نتوب. هؤلاء لم يدركوا حقيقة المسألة! ومن جهة أخرى يمكن أن يبتلى الإنسان بالاستدراج بواسطة بعض القضايا، فتضعف تدريجيًّا تلك الحالة من الانبساط والروحانيّة، لذلك لا بدّ له من المراقبة. فلولا المراقبة يمكن أن يؤثّر كلام ما في النفس، ويغيّره شيئًا فشيئًا، وهنا إذا التفت الإنسان إلى ناقوس الخطر وأحسّ أنّه لم يعد يمتلك تلك الحالة السابقة، فإنّه بالطبع لن يكرّر ذلك الكلام. أمّا لو لم يلتفت فإنّه وبحديث آخر أو بنظرة إلى أجنبيّة سيفقد حالته السابقة، حتّى يلتفت فجأة أنّه في أحوال مختلفة فيقول في نفسه: ماذا فعلت حتّى لم تعد لي تلك الحال السابقة؟! 

  • عدم كفاية الانتساب إلى مدرسة الأعاظم

  • وسبب ذلك هو أنّ هؤلاء الناس يصابون بنوع من الأنس وحسن الظنّ الكاذب فيقولون: لقد كتب اسمنا في هذا الدفتر! 

  • بئسًا لهذا الخيال الباطل! لقد جمع المرحوم الوالد قبل وفاته بما يقارب الخمس سنوات رفقاء مشهد وقال: 

  • "ليس طيّ طريق الله بالقول والكلام، بل هو توأم العمل، فكلّما عمل الإنسان فهو ناجح وصاعد، وكلّما تقاعص فقد تراجع."

  • وقد وقف رسول الله صلّى الله عليه وآله في فتح مكّة أعلى جبل الصفا، ولمّا اجتمع كافّة بني عبد المطّلب حوله اجتماعًا عظيمًا فاقوا به الكفّار والمشركين، وهزم المشركون وطردوا ولعنوا وعدّوا أذلاّء طلقاء، وانحصرت القوّة والعظمة والعزة والشوكة برسول الله وآله وبني هاشم وبني عبد المطّلب، خطب رسول الله صلّى الله عليه وآله خطبة مختصرة قال فيها: 

  • يا بَني هاشمٍ، يا بني عبدِ المُطَّلِبِ! إنّي رسولُ اللهِ إليكُم، و إنّي شفيقٌ عليكُم، لا تَقولوا:" إنَّ مُحمّدًا مِنّا!" فَوَاللهِ ما أوليائي مِنكم ولا مِن غَيرِكُم إلّا المُتّقونَ! ألا فلا أعرِفُكُم تَأتوني يومَ القيامةِ تَحمِلونَ الدّنيا على رِقابِكُم ويأتي النّاسُ يحمِلونَ الآخِرةَ. ألا وإنّي قد أعذَرتُ فيما بَيني و بَينَكُم وفيما بَينَ اللهِ عَزَّ وجَلَّ و بَينَكُم، وإنَّ {لِي عَمَلِي وَلَكُمْ عَمَلُكُمْ}.۱ و٢

    1. سورة يونس (۱۰) الآية ٤۱.
    2. الكافي، ج ۸، ص ۱۸٢؛ صفات الشّيعه، ص ٥؛ معرفة المعاد، ج ٣، ص ۱۷٦؛ ج ۱۰، ص ٢٤۱. ولاية الفقيه فی حكومة الإسلام، ج ۱، ص ٩۸.

حاجة النفس إلى التمرين قانونٌ تكوينيّ

5
  • ولو عصیت أنا أيضًا لسقطت في وادي الهلاك. 

  • وكانت هذه أيضًا وصيّة أمير المؤمنين عليه السلام لأبنائه، ووصيّة جميع الأئمة عليهم السلام لأبنائهم وأهالي بيوتهم وأصحابهم والمحيطين بهم، فلا يمكن للإنسان أن يستفيد ويتقدّم بمجرّد الانتساب، ويحصل على شيء عن طريق يخالف السنّة الإلهيّة التامّة. فلو كان الأمر كذلك لكان الله ظالمًا! فالله يتعامل مع الجميع على أساس واحد. فلو قلنا في هذه الموضوعات إنّ ترك الطريق والعمل والاكتفاء بالانتساب يحقّق مقامًا ومنزلة وحركة ووصولاً، فمن المعلوم يقينًا أنّه خطأ.

  • إنّ السلوك هو العمل! سلوك طريق الله هو العمل! السالك هو من يضع في الطريق قدمًا ثابتة، والأهمّ من ذلك هو توطين النفس من البداية أنّ عليه أن يشدّ الأحزمة وأن يعدّ نفسه محفوظًا بحول الله وقوّته من جميع الآفات والعاهات التي في الطريق.۱

  • والشواهد والتجارب الواقعيّة أيضًا تثبت هذا الأمر، فكم من الناس الذين كانوا في خدمة الأعاظم لسنوات ابتلوا بهذا المصير! 

  • يقول أمير المؤمنين عليه السلام إنّه لم يخبره النبيّ بأمر كتمه عن الآخرين، وما أخبره به أخبره للآخرين أيضًا.٢ وأولياء الله أيضًا كانوا يتحدّثون مع الناس ويبيّنون المسائل، ولكنّ بعضهم يعملون بها بجدّ، وبعضهم لا يعمل.٣ فلو أنّ إنسانًا قال: لقد كنت في خدمة أحد الأعاظم عشرين سنة، فلا فائدة ما دام لم يعمل! فلذلك فإنّ نصيب الذين يكتفون بالعلاقة والزيارة والمشاركة في الجلسات هو مجرّد ذلك، وفي المقابل فإنّ الذين يعملون بكافّة تعاليم الأعاظم سيبلغون إلى نتائج أعمالهم.

  • وعكس ذلك صحيح أيضًا، فلو أنّ إنسانًا حائزًا على نورانيّة ما صادف أمورًا تبعث على الكدورة، فإنّ هذه الأمور شيئًا فشيئًا ستغيّر ذلك الحال والوضع غير الثابت [من النورانيّة] وتعيده إلى ما كان عليه من قبل. وعلى هذا الأساس يقول الأعاظم إنّ النفس لا بدّ أن تخضع للتربية، ولو لم تربّ فإنّها ستسير وتبرّر الأمور على أساس الهوى ونواياها الخاصّة، ولو أنّ نفسًا سارت على أساس التبرير فإنها لن تتكامل، والنفس التي تتكامل هي التي تسير على خلاف الأهواء. 

    1. . آيين رستگارى، ص ۱٥۷.
    2. راجع نهج البلاغة ج٢، ص ٦۸: من كلام له لعثمان: ما أعرف شيئًا تجهله، ولا أدلك على أمر لا تعرفه. إنك لتعلم ما نعلم. ما سبقناك إلى شيء فنخبرك عنه، ولا خلونا بشئ فنبلغكه. وقد رأيت كما رأينا، وسمعت كما سمعنا، وصحبت رسول الله صلّى الله عليه وآله كما صحبنا. (م)
    3. وبالطبع ليس المراد مجرّد العبادات، بل المراقبة وكافّة التعاليم والأوامر والأمور التي يحتاجها الإنسان.

حاجة النفس إلى التمرين قانونٌ تكوينيّ

6
  • تقبيل اليد ومخالفة الهوى

  • وبما أنّ البحث انتهى إلى هنا، فسأتحدث ببعض الأمور حول مسألة تقبيل اليد:

  • اختصاص تقبيل اليد بالأنبياء والأوصياء في الروايات

  • فرغم أنّ مسألة الاحترام لها مكانتها، ولكن لم يرد في الروايات أنّ على الإنسان أن يقبّل أيدي كلّ الناس، بل الأمر خلاف ذلك في الروايتين الآتيتين وغيرهما: 

  • فعن عليّ، عن أبيهِ، عن ابنِ أبي عُمَيرٍ، عن زَيدٍ النَّرسيّ، عن علىِّ بنِ مَزيدٍ صاحِبِ السّابِرى، قالَ: «دَخَلتُ على أبي عَبدِ اللَهِ عليهِ السّلامُ فَتَناوَلتُ يدَهُ فَقَبَّلتُها، فَقالَ:" أما إنّها لَا تَصلُحُ إلّا لِنَبيّ أو وَصيّ نَبيّ."»۱

  • والروایة الثانية عن الإمام الصادق عليه السلام: 

  • لا يقَبَّلُ رأسُ٢ أحَدٍ و لا يدُه إلّا رسولَ اللَه صلّى اللَه عليه و آله وسلّم أو مَن أُريدَ بِهِ رسولَ اللَهُ صلّى اللَهُ عليه وآله وسلَّم.٣ و٤

  • ورغم وجود روايات تدلّ على ضرورة تقبيل يد الأب، ولكنّ هذه العادة القاضية بتقبيل يد العالم عند زيارته والتعبير عن التواضع والاحترام بهذه الطريقة هي حتمًا باطلة ومخالفة للشرع. 

  • ورغم أنّهم كانوا في العهود السابقة يقبّلون رجل السلطان أو الكرسيّ أو أرجل العرش الذي يجلس عليه، وكأنّ بدن الملك "الشريف" أعلى من أن يقبّل! ولكن سابقًا كان لهذا الأمر ميزان معتدل، بل كانت للإمام عليه السلام أو من لا يغترّ بذلك، لا لأيّ إنسان وفي أيّ مكان وبأيّ نحو!

  • لماذا لم يقبّل المرحوم العلامة قدم السيّد الحدّاد؟

  • وأنقل هنا أمرًا عن المرحوم العلاّمة رضوان الله عليه لم أبيّنه قبل ذلك لأحد، في تلك الأيّام التي أدخِلَ فيها المرحوم العلامة إلى المستشفى مدّة أسبوعين أحدهما في قسم العناية والآخر في القسم العام، كان هذا العبد في خدمته، وكنت أسأله عن المسائل التي في ذهني. وفي ليلة من الليالي سألته بعض الأسئلة حول علاقته بالمرحوم السيّد الحدّاد، وكان منها: هل حصل أن قبّلتم رجل المرحوم الحدّاد؟ فقال: لا. فقلت: لماذا؟ فقال: "لقد كنت أقبّل يد المرحوم الحدّاد، ولكن لم أكن أريد أن تنزل لطافة علاقتي معه إلى حدّ تقبيل رجله تحت عنوان إبراز التذلّل والتواضع، كنت أريد أن يبرز ارتباطي بنحو لا يجعل البعض يعتقدون التملّق وفتح الحساب الخاصّ معه، ولم أكن أريد أن تكون هذه المظاهر في كيفيّة علاقتي، وأن أتوسّل بهذه الأعمال للوصول إلى تلك العلاقة، ولكنّ تقبيل اليد أمر متعارف وطبيعيّ بين التلميذ والأستاذ، ولا يحمل على التملّق أو أمر غير متعارف."

    1. . الكافي، ج ٢، ص ۱۸٥.
    2. . ولیس المراد الجبهة بل الرأس.
    3. . المصدر السابق.
    4. . تحف العقول، ص ٤٥۰: « قالَ الرّضا عليهِ السّلامُ:" لا يقَبِّلُ الرّجُلُ يدَ الرّجُلِ؛ فإنَّ قُبلَةَ يدِهِ كَالصّلاةِ لَه."»

حاجة النفس إلى التمرين قانونٌ تكوينيّ

7
  • وهذه النقطة كانت ملفتة جدًّا ومن الأمور التي تفتح الطريق ولها أهمّيتها. فعندما يكون من الممكن للإنسان أن يبرز احترامه بألف طريقة أخرى، فلماذا يقوم بأمر يعدّ لدى العرف منبوذًا، ثمّ يقوم بعد ذلك بالتوجيه والتبرير؟! لماذا لا تكون لتلك المحبّة والأنس حالة عاديّة؟

  • لا تقبّلوا يدي!

  • إنّني أشعر أنّه لو دخل إنسان ولم يقبّل يدي وقال البعض إنّ هذا الإنسان لا أخلاق له ولا محبّة فلم يقبّل اليد، أشعر أنّ هذا كلّه توهّم وتخيّل. إنّ خير رفاقي هو من يعانقني ولا يقبّل يدي، ورغم أنّ المرحوم العلامّة قال للمرحوم الحدّاد: "إنّني منزعج من أن الناس يأتون ويقبّلون يدي. فقال له: لا ترَ اليد لك!" إلا أنّ هذا الحكم ليس شاملاً لنا، فنحن نراها لنا ونحن متوقّفون هنا؛ لأنّ الأحكام مترتّبة على الموضوعات، ومع تبدّل الموضوع يتغيّر الحكم أيضًا، فلذلك نحن لسنا مصداقًا لهذا الحكم.

  • وليست الغاية من ذكر هذه القصّة الاعتراض على كلام المرحوم السيّد الحدّاد والعياذ بالله، فنحن لا نساوي تراب أقدام أصحاب السيّد العلامة، وادعوا أن يبدّل الله نقائصنا في المستقبل کمالات إن شاء الله حتّى لا نرى اليد لنا!

  • الهدف هنا هو بيان كيفيّة العلاقة التي نقلها المرحوم الوالد مع المرحوم السيّد الحدّاد، ولا شأن لنا بالحال التي عليها الآخرون، فنحن جماعة نجتمع معًا ونتحدّث وبيننا أنس ومحبّة، ولا يتأتّى منّا سوى ذلك. 

  • وقد آذتني بعض الأحداث منذ مدّة، ولا أريد أن تكون علاقتي بالأصدقاء والأفراد الذين قسم الله لنا بحمده توفيق مرافقتهم ومصاحبتهم، بنحو هو خارج عن ضميري. وبالطبع فإنّ لكلّ إنسان في علاقته وتعامله مع رفيقه توقّعات متقابلة، وتوقّعي المصرّ من أصدقائي هو أن لا يقبّلوا يدي. لقد كان هذا العبد سابقًا يتأذّى من هذا الأمر، وأرغب أن لا تكون هذه الأمور في علاقتي مع رفقائنا وأصدقائنا.

  • وبناء على ذلك فإنّ طلب الحقير من الأصدقاء هو أن يبرزوا الصداقة والرفاقة والمحبّة والمودّة بغير هذه الطريقة! فما الذي يلزمنا على سبيل الحتم أن نقوم بالعمل نفسه الذي يقوم به الآخرون؟! أفهل صحيح ذلك السلام وتلك الصلوات واصطناع الأبّهة ممّا هو عند الآخرين حتّى نتّبعهم نحن أم أنّ ذلك كلّه من شؤون الدنيا؟!

حاجة النفس إلى التمرين قانونٌ تكوينيّ

8
  • كيفيّة زيارة بعض المراجع للإمام الرضا واصطناع الأبّهة 

  • في زمان الشاه حيث لم يكن قد وضع حول ضريح الإمام الرضا عليه السلام فاصل بين النساء والرجال۱ كنت في الحرم مشغولاً بالزيارة فرأيت أحد المراجع السابقين قد جاء للزيارة بينما كان عشرة رجال يبعدون الزوّار ويشقّون له طريقًا، فأفسحوا له ومسح الضريح وزار ثمّ وبنداء تنحّوا جانبًا الذي كان يتصاعد منهم، فتح الزوّار الطريق ليعبر.

  • فلترتدّ هذه الزيارة عليك! أيّ شيء من هذا العمل يشبه الزيارة؟! ما الفرق بینک وبین سائر الزوّار حتّى يتنحّوا؟! فهذه ليست زيارة، إنّها فرعونيّة وجهل وقلّة فهم!

  • لقد كان المرحوم الوالد يطوف حول ضريح الإمام الرضا عليه السلام.٢ ولأنّ وضعه لم يكن مساعدًا، جاء رجل يريد أن يبعد الناس من حوله حتّى لا يصطدموا به، فلمّا التفت قال: 

  • ليشتغل كلّ إنسان بعمله! ما شأنك والزوّار؟! فالجميع يأتون وأنا واحد منهم، فمن يأتي إلى الحرم في وقت الازدحام عليه أن يتحمّل هذه اللوازم. 

  • أيّ حساب للقرب والبعد اعتقدنا به نحن في هذه المسائل؟! فربّما كان ذلك المسكين العاجز الذي يأتي متكئًا على العصا بهدوء إلى الحرم أقرب ألف مرّة إلى مكانة عليّ بن موسى الرضا عليه السلام منّي ومن أمثالي، فلماذا تنحّونه؟! إنّ كلّ هذه الأوامر والنواهي واصطناع الحرمات هي أمور مخالفة، ومن شؤون الدنيا، وهؤلاء الناس لم يشمّوا رائحة رحمانيّة الله.

  • لم تكن طريقة أمير المؤمنين والأئمة عليهم السلام بهذا النحو، لقد كانت طريقة أمير المؤمنين واحدة عندما كان جليس بيته وعندما وصل إلى الحكومة. فلو جعلنا طريقة الأعاظم ملاكًا وعملنا بها فإنّا نكون قد تقدّمنا، وإلا سنتخلّف. 

  • ظهور أثر تمرين النفس وترويضها بعد الفناء

  • إنّ هذه النفس تحتاج إلى تمرين وترويض وتمرّس، وكما ذكر في الجلسات السابقة فإنّ كلّ إنسان له وقت محدّد، وهذا النصيب المحدود إمّا كلّه في الدنيا أو مقدار منه في الدنيا ومقدار في الآخرة. فلو أنّ الإنسان أدّى حقّ هذا النصيب المحدود في وقته المختصّ به فإنّه سيكون متقدّمًا بهذا المقدار، وإن لم يؤدّ فإنّ الله لن يعوّض هذا النصيب الفائت من ألطافه ونعماته، ولو وصل الإنسان إلى الفناء أيضًا فسينقصون من حسابه. 

    1. إنّه لمن الخطأ أن يجعل فاصل حول الكعبة أو أضرحة الأئمّة عليهم السلام، وعند تحقّق مشكلات في طواف النساء والرجال يمكن أن يجعلوا ساعتين مخصّصتين للنساء وساعتين للرجال. وعلى أيّ حال فإنّ المسألة المهمّة في الزيارة هي أن لا يكون حول ضريح الإمام عليه السلام فاصل بين النساء والرجال، وأن يتمكّن الناس من الطواف حول الضريح.
    2. لمزيد من الاطلاع حول حكم الطوف حول أضرحة الأئمة عليهم السلام يراجع الروح المجرّد، ص ۱٩۷. 

حاجة النفس إلى التمرين قانونٌ تكوينيّ

9
  • إنّ أثر ذلك النصيب سيظهر بعد الفناء حين تقسّم مقادير سعة كلّ إنسان؛ لأنّ حجم السعة التي تعطى لكلّ إنسان وعظمتها يحدّدان على أساس تلقّي الأسماء الجماليّة والجلاليّة لله ما بعد الفناء. وإلا ففي مرتبة الفناء لا إدراك للإنسان، وفي مرتبة ما قبل الفناء، حيث إنّه لم يغطّ البعدُ الرحمانيّ جميع الشوائب الوجوديّة للإنسان، فليس له إلا مشاهدات في عالم الإنيّة والمقدّمة، وفي مرتبة الفناء أيضًا ليس له إدراك أصلاً، ولذلك فإنّ آثار كلّ هذه المقدّمات والتمرّسات والمراقبات والمجاهدات هي لما بعد مرتبة الفناء. وتقدّر مرتبة الإنسان بعد الفناء بمقدار السعة والظرفيّة التي يكون قد حصّلها عند الوصول إلى الفناء. فليس في البحر قربة وإناء، ليس فيه إلا الماء، لا بدّ من تحصيل الإناء قبل الذهاب إلى البحر لكي يمكن أن تملأ من مائه قبل الخروج منه. کلّ ما في البحر هو الماء، وبقدر ما يكون الإنسان قد هيّأ الإناء والظرف فسيكون له نصيب أكبر من ماء البحر لرفع العطش وسقي المَزارع وإعطاء الآخرين من هذه النعم. فالإناء الواحد ينتهي في ساعة، أمّا لو أنّ الإنسان مدّ أنبوبًا بمقدار (٤ إنش) من البحر فإنّ بإمكانه أن يروي حيًّا كاملاً، ولو أنّه جرّ نهرًا فإنّ بإمكانه أن يروي مدينة.

  • لقد خاض النبيّ هذا البحر، وصحب معه بواسطة السعة والظرفية التي كان يمتلكها كافّة المخلوقات الأعم من عوالم الملائكة المقرّبين كجبرائیل وميكائیل وروح القدس وعالم التقدير والمشيئة والجنّ والإنس والملك والفلك والجماد والنبات، ثمّ أخرجها معه. 

  • وهنا نصل إلى كلام المرحوم العلامة العرشيّ حين قال: 

  • لقد وصلت إلى هذه النتيجة التي لا تقبل الإنكار، وهي أنّ كلّ إنسان يبتلى على قدر المقام الذي يعطاه: البلاء للولاء.۱ ولذلك فإنّ ابتلاءات النبيّ ومن بعده ابتلاءات أمير المؤمنين تفوق ابتلاءات جميع البشر. 

  • هذه هي خصوصيّة النفس. فلو كانت نفس الإنسان كمخزن البنزين يشتعل بشرارة واحدة لما احتاجت لكي تشتعل إلى الكبريت بشكل دائم، والسيّارة القديمة في الشتاء لا تشتغل من تحريكة واحدة للمفتاح، ولكنّ السيّارة الجديدة ذات البطّاريّة الجديدة غير المستعملة تشتغل بذلك، وحالنا نحن حال سيّارة خاضت في هذه الدنيا وافتقدت استعدادها وقدرتها: 

    1. مصباح الشريعة ( ترجمة و شرح عبدالرّزاق گيلانى) ص ٣٦٥.

حاجة النفس إلى التمرين قانونٌ تكوينيّ

10
  • من مَلك بودم و فردوس برين جايم بود *** آدم آورد در اين دير خراب‌آبادم۱
  • يقول: [كنت ملاكًا جنّة الفردوس داره    ***    هبط آدم بي إلى الخربة هذه]

  • فكلّ ما يجري علينا هو بسبب أكل ذلك القمح الذي جعلنا نبتلى بهذه الدنيا! (مزاح)

  • منبسط بوديم و يك جوهر همه‌***بى‌سر و بى‌پا بُديم آن سر همه‌
  • يك گهر بوديم همچون آفتاب‌***بى گِره بوديم و صافى، همچو آب‌
  • چون به صورت آمد آن نور سره‌***شد عدد چون سايه‌هاى كنگره‌
  • كنگره ويران كنيد از منجنيق‌***تا رود فرق از ميان اين فريق‌٢
  • لقد كنّا جوهرًا واحدًا ساريًا في العالم، كنّا بلا بداية ولا نهاية وهو المبدأ للجميع. 

  • كنّا جوهرًا واحدًا كالشمس، كنّا بلا عُقَد، نتميّز بالصفاء. 

  • وعندما تمثّل بالصور ذلك النور الصافي، صار عددًا كأنّه ظلال الشرفة. 

  • فحطِّمِ الشرفة بالمنجنيق حتّى ترتفع الفروق عن هذا الفريق.

  • لا يؤذي في ذلك العالم أحدٌ أحدًا، ولا يطالب أحدٌ أحدًا. ليس هناك دفاتر اعتماد وسندات ومحاكم وسجون، ونزاع على الملك ومحامون. ليس هناك سوى السرور والأنس والوحدة والإنفاق والإيثار والجود. 

  • إنّ حديث الإنسان عن أنّ هذا الشيء لي أو لك، وهذه الرئاسة لي أو لك، وهذه السلطنة لي أو لك، قد ظهر في هذه الدنيا، فقام الإنسان بالرجم والاتهام والكذب والخداع في تحصيل ملك الآخرين وسلطانهم، في حين أنّ الله أعطاه مالاً يكفيه وأسرته إلى آخر عمره. 

  • أجل، حالنا من حيث التلوّث بالدنيا والامتزاج بها يشبه حال تلك السيّارة القديمة الخربة، فبعض الناس يتحرّكون بدفعة واحدة، وبعضهم مهما دفعوا لا يتحرّكون ويبقون ثابتين على الأرض كالعمود، بل نحن التصقنا بهذه الدنيا وزخارفها أشدّ من التصاق العمود، ووحده الله علاّم الغيوب وستّار العيوب {يعلم السرّ وأخفى!}٣وفي المقابل هناك جماعة هم في حركة قبل أن يؤسروا وينبغي أن يوقف أمامهم ليخفّفوا من حركتهم، فمثلاً في مقام الجود ينفقون إلى حدّ الإسراف والإشكال. والله يقول لنبيّه: 

  • {وَ لا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلى‌ عُنُقِكَ وَ لا تَبْسُطْها كُلَّ الْبَسْطِ}.٤

  • إنّ هذه النفس تحتاج إلى تمرين وممارسة دائمین، وهذه الممارسة هي ذكرالله، وما يؤدّي إلى أن يخرج الإنسان من التوجّه إلى عالم الكثرات وأن يصل استعداده إلى الفعل، هو التوجّه إلى المبدأ والحقّ المطلق الذي ليس فيه شائبة من الكثرة والتعيّن، ولذلك فإنّ الأئمة عليهم السلام يدعوننا إلى ذكر الله. وقد أشير في الروايات إلى أهميّة الذكر وأنّه بغير التوجّه والذكر لا يمكن الوصول إلى المقصد، وأنه لماذا يحتاج المؤمن إلى الذكر ودوامه. 

    1. . ديوان حافظ، غزل ٣۱۷.
    2. . مثنوى معنوى، الدفتر الأول.
    3. اقتباس من سورة طه (٢۰) الآية ۷. 
    4. . سورة الإسراء (۱۷) الآية ٢٩.

حاجة النفس إلى التمرين قانونٌ تكوينيّ

11
  • هل الذكر من أباطيل الصوفيّة؟

  • وهناك من يقول إنّ الأذكار وفق الكيفيّات الخاصّة والأعداد المعيّنة هي جميعها أباطيل للصوفيّة والدراويش. في حين أنّ الأئمة عليهم السلام قد بيّنوا ما يقابل ذلك تمامًا.

  • في أصول الكافي في باب ذكر الله عزّ وجلّ كثيرًا، يروي ابن قدّاح عن الإمام الصادق عليه السلام أنّه قال:

  • ما مِن شَيءٍ إلّا ولَهُ حدٌّ ينتَهي إليهِ إلّا الذِّكر، فَلَيسَ لَهُ حدٌّ ينتَهِي إليهِ. فَرَضَ اللهُ عَزَّ و جَلَّ الفرائضَ، فَمَن أدّاهُنَّ فَهُو حَدُّهُنَّ؛ و شَهرَ رَمضانَ، فَمَن صامَهُ فَهوَ حَدُّه؛ و الحَجَّ، فَمَن حَجَّ فَهو حَدُّه إلّا الذِّكرَ؛ فإنّ اللهَ عزَّ و جَلَّ لَم يرضَ مِنهُ بالقَليلِ ولم يجعَل له حَدًّا ينتَهي إليه.

  • ثُمّ تَلا هذهِ الآية: (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْراً كَثِيراً* وَ سَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَ أَصِيلًا)۱، فقالَ:

  • لم يجعَلِ اللهُ لَهُ حَدًّا ينتَهي إليه‌٢.

  • وفي تتمّة هذه الرواية يروي ابن قدّاح عن الإمام الصادق عليه السلام: 

  • وكانَ أبي عليهِ السّلامُ كثيرَ الذِّكرِ. لَقَد كُنتُ أمشى مَعَه وإنّهُ لَيَذكُرُ اللَهَ، وآكُلُ مَعَهُ الطّعامَ وإنّهُ لَيَذكُرُ اللَهَ، ولَقَد كانَ يحَدِّثُ القومَ وما يشغَلُهُ ذلكَ عَن ذِكرِ اللَهِ. و كُنتُ أرى لِسانَهُ لازِقًا بِحَنَكِه يقولُ: «لا إلهَ إلّا اللَهُ.» و كانَ يجمَعُنا فَيَأمُرُنا بِالذِّكرِ حتّى تَطلُعَ الشَّمسُ؛ ويأمُرُ بِالقَراءةِ مَن كانَ يقرَأ مِنّا؛ ومَن كان لا يَقرَأ مِنّا أمَرَهُ بالذِّكرِ. والبَيتُ الّذي يقرَأ فيهِ القرآنُ ويذكَرُ اللَهُ عزّ وجلّ فيهِ، تَكثُرُ بَرَكَتُه وتَحضُرُهُ المَلائكةُ وتَهجُرُهُ الشّياطينُ ويضى‌ءُ لِأهلِ السّماءِ كما يضى‌ءُ الكَوكبُ الدُّرّيُّ لِأهلِ الأرضِ و البَيتُ الّذى لايُقرَأ فِيهِ القرآنُ ولا يذكَرُ اللَهُ فيهِ تَقِلُّ بَرَكَتُهُ وتَهجُرُهُ الملائكةُ وتَحضُرُهُ الشّياطينُ.»٣

  • لا شکّ أنّكم إذا دخلتم منزلاً لا يذكر الله فيه تصابون بكدورة في القلب، ولو وضعتم في غرفتكم بدلاً من لوحة فيها ذكر، لوحةً فيها صورة غير لائقة، فإنّ حالكم سينقلب. ولو تلي القرآن عشر دقائق في غرفة ما ثمّ عزفت فيه الموسيقى فإنّ حالكم سيكون مختلفًا في كلّ من الصورتين. ولو دخل أحد الأعاظم إلى غرفة ثمّ دخل إنسان مكدّر، فإنّ حالكم سيختلف. ولو دخلتم إلى حرم السيّدة المعصومة عليها السلام، فإنّ ذلك الفضاء والجوّ سيؤثّر عليكم، وهذه التغييرات هي حقائق تکوینيّة لا يمكن محاربتها ومواجهتها.

    1. . سورة الأحزاب (٣٣) الآية ٤۱ و ٤٢.
    2. . الكافي، ج ٢، ص ٤٩۸.
    3. . المصدر السابق، ص ٤٩٩.

حاجة النفس إلى التمرين قانونٌ تكوينيّ

12
  • يقول الإمام الصادق عليه السلام في تتمّة الرواية: 

  • وقَد قالَ رسولُ اللَهِ صلَّى اللَهُ عليهِ و آلِهِ وسلَّمَ: «أ لا أُخبِرُكُم بِخَيرِ أعمالِكُم لكم، أرفَعِها في دَرجاتِكم وأزكاها عندَ مَليكِكُم، وخَيرٍ لَكم مِن الدّينارِ و الدِّرهَمِ، وخَيرٍ لَكم مِن أن تَلقَوا عَدُوَّكُم فَتَقتُلوهُم ويقتُلوكُم؟» فقالوا: «بلى.» قالَ: «ذِكرُ اللهِ عَزَّ و جلّ كثيرًا.»۱

  • وفي الختام يقول الإمام الصادق عليه السلام: 

  • جاءَ رَجُلٌ إلَى النَّبيّ صلَّى اللَهُ عليهِ وآلِهِ، فقالَ: «مَن خَيرُ أهلِ المَسجدِ؟» فقالَ: «أكثرُهُم لِلهِ ذِكرًا.» وقالَ رسولُ اللَهِ صلَّى اللَهُ عليهِ وآلِهِ وسلّمَ: «مَن أُعطِيَ لِسانًا ذاكِرًا فَقد أُعطِيَ خَيرَ الدّنيا والآخِرةِ.» و قالَ فى قولِهِ تعالى: {وَ لا تَمْنُنْ تَسْتَكْثِرُ}٢

  • قالَ: «لا تَستَكثِر ما عَمِلتَ مِن خَيرٍ لِلهِ تعالى.»٣

  • فهذه الرواية تفيد أنّ المؤمن مهما اشتغل بذكر الله فإنّه يمكنه أن يستجلب بذلك الفيوضات التي تنزل على القلب نتيجة التأثير الملكوتيّ للذكر عليه. والأذكار الإلهيّة أيضًا يختلف بعضها عن بعض، ولكلّ منها خصوصيّات سنتحدّث عنها إن شاء الله في الجلسات اللاحقة. 

  • اللهمّ صلّ على محمّد وآل محمّد

  •  

  •  

  •  

  •  

    1. . الكافي، ج ٢، ص ٤٩٩.
    2. . سورة المدثّر (۷٤) الآية ٦.
    3. . الكافي، ج ٢، ص ٤٩٩.