112

العزّة الإلهية وسبيل تحصيلها

2816
مشاهدة المتن

المؤلّفآية الله السيد محمد محسن الحسيني الطهراني

القسمعنوان البصري

المجموعةالعزّة والعلو

جلسات المجموعة(6 جلسة)

التوضيح

هل غير المسلمين أذلاء؟ وهل كلّ من ادّعى الإسلام عزيز؟ ماذا كانت أهداف حركة التخلّص من اللغة العربيّة وإقصائها عن الثقافة الفارسيّة؟ وهل معنى أن لا يطلب ما عند الناس عزًّا وعلوًّا أن لا يطلب الإنسان شيئًا ممّا عند الناس من الأمور الحقّة؟ أم أن يطلبها لا لأجل التقليد لهم والترفّع عليهم؟ ما معنى نيّة المرء خير من عمله؟ أيّهما أفضل عند الله أميّ كالحاج هادي الأبهريّ أم عالم محجوب بعلمه؟! ما أهميّة عشرة ذي الحجّة وكيف نستفيد منها؟
يجيب آية الله السيّد محمّد محسن الحسينيّ الطهراني رضوان الله عليه في هذه المحاضرة على هذه الأسئلة وغيرها ضمن شرحه لفقرة ولا يطلب ما عند الناس عزًّا وعلوًّا. من حديث عنوان البصريّ.
/۲۰
بي دي اف بي دي اف الجوال الوورد

العزّة الإلهية وسبيل تحصيلها

1
  •  

  •  

  • هو العليم 

  •  

  • العزّة الإلهية وسبيل تحصيلها

  • شرح حديث عنوان البصريّ - المحاضرة ۱۱٢

  •  

  • ألقاها: 

  • آية الله الحاجّ السيّد محمّد محسن الحسينيّ الطهرانيّ

  • قدس الله سره

  •  

  •  

العزّة الإلهية وسبيل تحصيلها

2
  •  

  •  

  • أعوذ باللـه من الشيطان الرجيم

  • بسم اللـه الرحمن الرحيم

  • الحمد لله ربّ العالمين

  • والصلاة والسلام على سيّدنا ونبيّنا أبي القاسم محمد

  • وعلى آله الطيبين الطاهرين

  • واللعنة على أعدائهم أجمعين

  •  

  •  

  • ولا يطلب ما عند الناس عزًّا وعلوًّا

  • قال الإمام الصادق عليه السلام: ولا يطلب ما عند الناس عزًّا وعلوًّا. 

  • من كان قد وصل إلى حقيقة العبوديّة، لا ينظر إلى أيدي الناس، ولا يطلب ما عندهم. 

  • ذكرنا للأصدقاء بعض الأبحاث المرتبطة بهذه الفقرة الشريفة، وقد وصلنا إلى أنّ العزّة مختصّة بالله وكلّ من ينتسب إلى الله، والذلّة مختصّة بالمسير والمدرسة المخالفين لمدرسة التوحيد، وكلّ من يسير خلافًا لمدرسة التوحيد. 

  • الذلّة ليست لغير المسلمين بل لكلّ من جعل الدنيا وجهته

  • كما تقدّم أنّ علينا أن لا نتصوّر أنّ الذلّة مختصّة بغير المسلمين وأصناف المشركين والكفّار، بل كلّ إنسان مسيره وطريقه طريق أهل الدنيا وخلاف التوحيد وإن كان منتحلاً للإسلام والتشيّع بحسب الاسم، فهو ليس عزيزًا بعزّة الله، بل هو ذليل، كما هو دأب وديدن الناس من أهل الدنيا من أيّ فريق كانوا. فالذين في الدنيا وإن كانوا من حيث الظاهر يمكن أن يكونوا منتسبين إلى مدارس مختلفة، ويعتقدون بمذاهب متفاوتة، أو على الأقلّ يدّعون ذلك، فبعضهم مسلم، وبعضهم شيعيّ، وبعضهم سنيّ، وبعضهم زيديّ، وبعضهم من أتباع اليهود، وفريقٌ نصارى، وفريقٌ مجوس أو بوذيّون أو وثنيّون وعبدة بقر وسائر العقائد والمذاهب المختلفة. ولكنّ ما يجعل الجميع في موضع واحد أمام الحقيقة هو مستوى التزام كلّ إنسان بالقواعد والقوانين التوحيديّة، سواء كان منتحلاً دين الإسلام أم لم يكن. ففي العهد السابق كان هناك أناس مسلمون بحسب الظاهر، ولكنّهم كانوا أبعد من كلّ عدوّ للإسلام وكانوا مخالفين لقواعد الإسلام ومبادئه. فكم كان في هذا العهد المنصرم مخالفون من المسلمين وحتّى من الشيعة، أفلم يكن الكسرويّون۱ مسلمين؟! هؤلاء الذين كانوا بحسب الظاهر يعدّون أنفسهم من الأمّة الإسلاميّة، كانوا في الواقع ضدّ الإسلام. 

  • أذكر أنّي كنت أطالع مقالة ذات يوم، فتأثّرت كثيرًا وشعرت بالحياء أن كم تبلغ الوقاحة بالإنسان والقباحة حتّى لا يخجل من أبناء نوعه ووطنه؟! فهناك الآن في كثير من البلدان المتحضّرة ـ كما تسمّى ـ قوانين تمنع من توهين معتقدات عامّة الشعب وغالبيّته. وإن كان هذا البلد حرًّا ولكنّ المسّ بمشاعر عامّة الشعب المعتقدين بمعتقد معيّن هو أمر ممنوع قانونيًّا ويلاحق عليه. في حين أنّه عندما بدأ الهجوم الثقافيّ الغربيّ واللاأباليّة والإلحاد بدأ بعض الشعراء من أصحاب القبح والوقاحة في عصر المشروطة ينشدون الشعر لأجل الحريّة وكذا لنزع الحجاب في زمان رضا شاه، وإن كانوا بحسب الاسم مسلمين، ومستهلّ شعرهم هكذا: 

    1. أحمد كسروي هو لغوي ومؤرخ ومصلح إيراني ولد في يوم ٢٩ سبتمبر ۱۸٩۰ في مدينة تبريز في إيران، انضم إلى الثورة الدستورية الفارسية ۱٩۰٦ وتلقى تعليمه في الغرب وأصبح من أبرز دعاة العلمانية في إيران، وتوفي في يوم ۱۱ مارس ۱٩٤٥ بعد مقتله من قبل جماعة "فدائيو الإسلام".

العزّة الإلهية وسبيل تحصيلها

3
  • چه خوش گفت آن جارچى مسخره‌***الدُّنيا مزرَعَةُ الاخِرَة
  • [يقول: كم هو حسن ما قاله المنادي المثير للسخرية *** إنّ الدنيا مزرعة الآخرة. ]

  • فهو يسخر هكذا من كلام النبيّ عندما قال إنّ الدنيا مزرعة الآخرة، وكان يدعى مسلمًا أو واحدًا من المسلمين. أو كما أنشدوا أشعارًا حول الحجاب وسخروا وكان الذين حضروا من أهل العلم فخلعوا لباسهم، ثمّ جعلوا نساءهم بغير حجاب أمام أنظار الناس في تلك المجالس زمان رضا شاه فهؤلاء كانوا مسلمين، حتّى إنّ بعضهم كان قد درس في الحوزة وذهب إلى النجف، ولديه إجازات اجتهاد عديدة، وبعد الثورة لاقوا جزاء أعمالهم ومضوا إلى جهنّم وبئس المصير. ۱ فهؤلاء جميعًا كانوا مسلمين، هؤلاء الذين سخروا من الدين كانوا مسلمين. 

  • ومن أحوال أحدهم ـ وكان يدعى جبّار باغچه بان ـ أنّه عندما أقيم مؤتمر ضدّ اللغة العربيّة في جامعة طهران شبّه عربيّة القرآن الكريم بأصوات الغنم فقال: عندما أقول إيّاك نعبد وإياك نستعين٢ في الصلاة أتذكّر أصوات الأغنام! ومع ذلك نجد أنّه أحيانًا يكرّم إنسان وقح وعديم الحياء كهذا ويدعى بالمعلّم الحنون! فهؤلاء لم يكونوا زردشتيّين، نعم الذين كانوا زردشتيّين وشهروا السيف جهارًا ضدّ الإسلام أمثال كيخسرو٣ وغيره هؤلاء أمرهم يختلف، ولكن بعض المسلمين كما يقول الشيخ مطهّري رحمه الله عندما كان يتكلّم مع المرحوم العلاّمة: هؤلاء زردشتيّين أكثر من الزردشتيّين. هم بالاسم مسلمون ولكن ما يصنعونه هو ضدّ الإسلام ودفاع عن الحضارة الإيرانيّة، ودفاع عن الكيان الإيراني، وإحياء للثقافة الإيرانيّة وبيوت حريم أنوشيروان وكيخسرو بن كيقباد و... وينبغي واقعًا أن يطأطئ جميع الإيرانيّين رؤسهم خجلاً منهم بدلاً من أن يفتخروا بهم! وقد جعلوا رواية كاذبة أنّ النبيّ قال: ولدت في زمن ملك عادل، هذه الرواية كاذبة. أنوشيروان عادل! يخطئون إذ يقولون هذا، لقد كان من أظلم ملوك إيران، وقد نقلت قصص ظلمه في الكتب والاعتداءات التي اعتدى بها على الناس. 

  • حركة التخلّص من اللغة العربيّة 

  • وعلى كلّ حال لقد كان هذا حال هؤلاء وطريقهم، فبعنوان التخلّص من العربيّة سعوا إلى جعل الثقافة الإيرانيّة المخترعة والمزوّرة بدلاً من الثقافة الإسلاميّة، وإلى نزع كلام القرآن من بين الناس. فجملنا الفارسيّة الآن مليئة بالكلمات العربيّة، فإذا كانت هذه الكلمات عند إنسان ما فإنّ بإمكانه أن يفهم القرآن شيئًا ما، وفي زمان رضا شاه، بدؤوا بمشروع التخلّص من العربيّة، فأخرجوا كلمات القرآن من الثقافة الإيرانيّة المتعارفة ولا يزال الأمر مستمرًّا، فمثلاً بدلاً من كلمة اجتماع يقولون "همايش" وأنا لم أفهم معنى همايش هذه إلى الآن، جلسوا واخترعوا من عند أنفسهم ألفاظًا على سليقتهم، فما نفع أن نحذف تلك الكلمات العربيّة الجميلة؟! أو مثلاً كلمة "جلسه" "في إحدى الجلسات مثلاً قلت كذا"، يقولون: "نِشَسْت" فما معنى "نشست"؟! أفهل هم بناء ليحطّ؟! فكلمة "نشست" تستعمل لانحطاط البناء، تستعمل للزفت في الشارع، تستعمل لأساسات المنزل وأمثال ذلك! في هذه الجلسة، في هذا الاجتماع. كلمة "همايش" وسائر الألفاظ التي لا يدري الإنسان هل يضحك على إبداعهم فيها أم يبكي؟! وليتهم جاؤوا بعدد من الناس المتعلّمين ليستبدلوا التعابير. أنا الآن عندما أقرأ بعض المقالات واقعًا لا أفهمها، واقعًا أنا في هذا السنّ لا أفهم ماذا قال في هذه المقالة. وهم يفتخرون بهذا وأنّهم يستعملون جملاً إيرانيّة واصطلاحات وتعابير من عند أنفسهم بدلاً من ألفاظ القرآن.

    1. . معرفة الإمام، ج‌٦، ص: ۱۸٩
      العلّامة الوحيديّ نجل الشيخ أبو القاسم رئيس العلماء الكرمانشاهيّ، ومن أحفاد المرحوم آية الله الشيخ محمّد باقر الوحيد البهبانيّ. وكان من الطلّاب الفضلاء في النجف الأشرف، ومن تلاميذ أساتذة بارزين كالشيخ ضياء الدين العراقيّ. وقيل إنّه حصل على إجازات متعدّدة في الاجتهاد من مختلف العلماء. وفي سنة ۱٣۱٤ شمسيّ (۱٩٣٥ م) حيث أمر رضا شاه بعقد مجالس الضيافة المختلطة، كان هذا الرجل و زوجته من المدعوّين في كرمانشاه. وكان المضيّف هو السيّد أصغرشاه. و بينما حضر مدير شرطة المدينة وكثير من المدعوّين مع زوجاتهم السافرات، دخل العلّامة الوحيديّ، وكان يعتبر أحد العلماء، دخل بزيّ علماء الدين مع زوجته ونظم قصيدة طويلة قرأها في ذمّ الحجاب مطلعها: «به شرع أحمد مرسل حجاب لازم نيست» يعني: «لا ضرورة للحجاب في شريعة أحمد المرسل». ثمّ تعرّض إلى مدح البهلويّ. وجاء بعدها إلى طهران و نزع العمامة و الجبّة و العباءة ولبس البنطلون و وضع رباط العنق، وحلق لحيته. ولم يألُ جهداً في مؤازرة الاسرة البهلويّة حتّى آخر عمره. وكان من وعّاظ السلاطين. و أحد أعضاء مجلس الشيوخ و النوّاب مدّة طويلة إلى أن نزلت على رأسه صاعقة وذاق جزاء أعماله المشينة. وَ لَا يَزَالُ الَّذِينَ كَفَرُوا تُصِيبُهُم بِمَا صَنَعُوا قَارِعَةٌ أوْ تَحُلُّ قَرِيبًا مِّن دَارِهِمْ حتّى يَأتِيَ وَعْدُ اللهِ إنَّ اللهَ لَا يُخْلِفُ الْمِيعَادَ (الآية ٣۱، من السورة ۱٣: الرعد). و عاش الوحيديّ حياة الترف طيلة الحكم البهلويّ الجائرالذي امتدّ لخمسين سنة. وباع دينه وشرفه لأجل دنياه. وأصبح في زمرة المستجدين و الوصوليّين النفعيّين المجتمعين على مائدة الظلمة الملطّخة بالدم إلى أن صار هدفاً لرصاصة الغيب الإلهيّ خائباً قد خَسِرَ الدُّنْيَا وَالأخِرَةَ ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ، و إذا به يهوي في جهنّم بغتة، فيُحشر مع مواليه؛ الْمُنَافِقُونَ وَ الْمُنَافِقَاتُ بَعْضُهُمْ مِن بَعْضٍ. وهذا هو الجزاء الدنيويّ، فماذا سيكون الجزاء الاخرويّ، وَ لَوْ لَمْ يَكُنْ إلَّا الْمَوْتُ لَكَفَى، كَيْفَ وَ مَا بَعْدَ الْمَوْتِ أعْظَمُ وَ أدهَى.
    2. سورة الفاتحة، الآية ٥. 
    3. کیخسرو شاهرخ (۱۲٥٤ ـ ۱٣۱۹ش) أحد وجوه الزردشتيين في إيران وكان ممثلاً عنهم في البرلمان في عهد رضاشاه. 

العزّة الإلهية وسبيل تحصيلها

4
  • الأمر واحد ولا يختلف في هذا المجال أبدًا، وللأسف أرى في بعض إعلانات الحوزة العلميّة أيضًا أنّهم خُدعوا بهذا الكلام، فقد وضعوا لافتة في هذه "نشست"، فهكذا صار الأمر. أو بعض السادة عندما ينشر إعلانًا ويتحدّث، فكأنّهم يقولون في هذه الـ "همايش" في هذه الـ "نشست" وجلسة البحث يسمّونها "گفتمان" مثل "ساختمان"۱، بحث، حوار. فما معنى "گفتمان"؟ جلسة بحث ونقد وتحقيق و... هذا سبيل الضياع والقضاء على الثقافة الإسلاميّة والقرآنيّة، وجعل ثقافة مخترعة بدلاً منها لا تبعث على الافتخار أبدًا. فنحن الآن من هم فخرنا في علمائنا وأدبائنا وشعرائنا؟ فسعدي الذي تفتخرون به على الدنيا كلّها من أوّل كلامه وبسم الله يقول: منّت خداى را عزّ وجلّ كه طاعتش موجب قربت است و به شكر اندرش مزيد نعمت ...

  • [وترجمته: المنّة لله عزّ وجلّ الذي طاعته توجب القربة، وبالشكر فيها مزيد النعمة...]

  • فتسع كلمات من أصل عشر من كلامه كان عربيًّا. وكافّة أشعاره مملوءة بالعربيّة. وحافظ الذي تعلنون أمام الدنيا أنّه لم يأت له مثيل، كلّ أشعاره اصطلاحات عربيّة وأدب عربيّ. ومولانا ـ الذي تتنازع الدنيا بأجمعها على كونه من إيران أم من بلخ وأفغانستان أم من قونية، وأنتم شكّلتم مؤتمرًا لتثبتوا أنّه من إيران ـ انظروا في كتب مولانا هذه كم كتابًا منها فارسي وكم كتابًا عربيّ؟ وفي شعره الفارسيّ هذا كم استعمل من الألفاظ العربيّة؟ هل كانت لدى مولانا أيضًا أفكارهم الفارغة هذه؟ لو كانت لديه لما كان الآن صفوة الأدب الإيرانيّ. 

  • لو أنّ حافظًا والسنائي ومولانا وابن سينا والفارابي والسهروردي وهؤلاء الأعاظم الذين كانوا جميعًا من إيران وهم فخر هذا البلد، لو أنّهم لم يتأثّروا بالقرآن والإسلام لما كانوا فخرًا لنا. ثمّ بعد ذلك نشرب من البئر ونرمي فيه بالأحجار، ونفتخر بأنّنا نحيي الثقافة الإيرانيّة والمصطلحات الإيرانيّة! سيّدي العزيز لدينا الكثير من التخلّف، فلنعالجه، وبدلاً من الانشغال بهذه الأمور وهذه الجلسات والجهود فلنهتمّ بسائر الأمور، فإنّه لن يصيبنا نفع من ورواء ذلك. 

  • فإذن مجرّد أن يكون الإنسان مسلمًا ويدّعي الإسلام مع تبنّي الثقافة الأجنبيّة والاعتقاد بالثقافة الغريبّة لا يثبت شيئًا ولا يحقّق لنا شيئًا. إنّه لمثير للتعجّب حقًّا أن يأتي الأجانب ويدرسوا الثقافة الإسلاميّة كأكثر الثقافة تمدّنًا وتحضّرًا، في حين نبتعد نحن عنها يومًا بعد يوم، ونتخلّى عن معتقداتنا ونستبدلها بمجموعة من الأمور الفارغة والسخيفة. فما معنى ذلك الآن؟! ما هي نتيجة الاتّجاه نحو التخلّص من الثقافة الإسلاميّة؟ هي أنه إذا نظر واحد من المسلمين بعد خمسين سنة إلى بسم الله في القرآن لما فهم معناها، هذه هي النتيجة. الأمر الذي صنعه أتاترك في تركيا، فقد بدّلوا الثقافة في تركيا الآن، وبدّلوا اللغة، وجعلوها لاتينيّة، فاللغة التركية نفسها يكتبونها بالحرف اللاتيني، لماذا صنعتم ذلك؟ اللغة التركية لا زالت كما هي فلماذا غيّرتم حروفها الهجائيّة؟ كما لو كتبنا الفارسيّة بالحروف اللاتينيّة. فلماذا فعل ذلك؟ لأجل أن لا يستفاد من قبل هذه الأمّة بعد جيل من أيّة جملة في الكتب الإسلاميّة، فما دام الناس لا يعرفون الحروف الهجائيّة فماذا سيفعلون طبعًا؟ ألم تروا في الحجّ أهل تركيا يصطحبون معهم قرآنًا بالحروف اللاتينيّة؟ وعند الطواف يدعون، فينظر الإنسان فيجد أنّهم يدعون على أساس الحروف اللاتينيّة، الدعاء نفسه يقرؤنه بالحروف اللاتينيّة! فلن يتمكّنوا بعد ذلك من الرجوع إلى الكتب الإسلاميّة والثقافة الإسلاميّة التي لم تكتب بالحروف اللاتينيّة، فهذه الكتب القديمة التي في مكتبات تركيا سيأكلها الغبار! 

    1. وساختمان تعني البناء. 

العزّة الإلهية وسبيل تحصيلها

5
  • وحيث إنّ تركيا كانت في عصر من العصور مهد الحضارة الإسلاميّة، وكان الخلفاء العثمانيّون فيها، فقد كانت مركزًا للقاء الثقافات، ومحلاً لاجتماع المعتقدات المختلفة والكتب المختلفة والنتاجات العلميّة المختلفة، وهي موجودة هناك الآن. فالكتب النفيسة القديمة في مكتباتهم ومتاحفهم، وليس لأحد من عامّة الناس اطّلاع عليها سوى عدد يسير من كبار السنّ المتخصّصين في اللغة والتحقيق وهذه الأمور. واطّلاعهم هو فقط بمستوى يجعل الحكومة تسمح لهم بالدخول ليكتبوا شيئًا في المجلاّت والجرائد لا أكثر. 

  • العزّة الإلهيّة هي لكلّ معتقد بالتوحيد ومبادئه من أيّ دين كان

  • نعم، الناس من أيّ ملّة أو مذهب كانوا هم في الطريق الصحيح ما داموا يعتقدون بالمبادئ التوحيديّة وفق فهمهم وسعتهم وظرفيّتهم، ويطبّقونها في حياتهم، ولا يتصوّرون أنّهم ما داموا مسلمين فكلّ الأمور بالنسبة إليهم سهلة، وأنّهم خارجون كليًّا عن هذه الدائرة. كلاّ فلازم انتحال التوحيد هو العمل والاعتقاد، ومن لا اعتقاد له ولا عمل فليس في طريق الله، ومن لا يلتزم بهذه المبادئ لا يمكنه أن يكون عزيزًا بالعزّة الإلهيّة، وإنْ عدّ نفسه من هذا النوع من الناس بحسب الظاهر. العزّة الإلهيّة عبارة عن الغنى الإلهيّ، المعتقد بالمبادئ التوحيديّة لا يجعل في ذهنه مبدأ آخر. من كان يعرف غنى الله فكلّ الأمور الأخرى بالنسبة إليه هي فقر محض، وذلّة محضة. ولا بدّ من حدوث تغيير أساسيّ في فكر الإنسان وفي مبادئه، وعلى الإنسان أن يصحّح تفكيره، وأن يعمل وفق هذه المبادئ حتّى تترسّخ هذه الحقائق في ذهنه وتثبت، وأن يشعر حقًّا بغنى الله في كامل وجوده، وأن يُخرج من دائرة فكره وضميره وقلبه الالتفات إلى الغير، ولا يكتفي بذكر هذا الأمر بلسانه. 

  • قصّة الذي استقوى بغير الله فضعف

  • رحم الله جدّنا السيّد معين الشيرازي، فقد نقل لنا أنّه كانت له علاقات جيّدة مع أحد الناس وكان من أصدقائه، وإن ابتلي فيما بعد بالكثرات والمراكز والأمور الدنيويّة المختلفة حتّى توفّي ـ وكما يقول المرحوم العلاّمة صار كالقربة لم يبق فيها جلد ـ ولكن في ذلك الزمان كانت حالته جيّدة. كان يقول: ذهبنا يومًا برفقة عدد من الرفقاء والأصدقاء إلى العراق لنذهب منه إلى الحجّ، قام أصدقاؤه ورفاقه بتهيئة أموره، وأخذوا جواز سفره، وهيّؤوا له كلّ شيء من دون أن يبذل أيّ جهد ومشقّة، وقالوا له: تفضّل. وفي اليوم المعيّن انطلقوا، وأغلِقَ باب الطائرة، وأرادت أن تقلع، فالتفت ذلك الرجل فجأة إلينا وقال: انظر كيف يأتون ويهيّؤون أمور الإنسان ويرسلونه بسهولة بدون تعب ولا مشكلات! وكأنّ هذا الأمر قد أخذ مكانًا في نفسه، فقد كان يتصوّر أنّه متميّز عن الآخرين، وأنّ الله ينظر إليه نظرة خاصّة بحيث تمّت أموره هكذا! وما إن قال هذا بعد دقيقة أو دقيقتين قالوا: هناك إشكال لدى بعض المسافرين، فجاؤوا وفتحوا باب الطائرة، وقالوا: فليخرج فلان هناك مشكلة في جوازه، فأنزلوا هذا الرجل بعينه، قلنا: إنا لله وإنّا إليه راجعون، أكنت مجبورًا [أن تقول هذا]؟!

العزّة الإلهية وسبيل تحصيلها

6
  • والحاصل أنّه نزل، وبينما هو ذاهب نظر إلى هؤلاء الأفراد وقال: اذهبوا أنتم، وإن شاء الله هؤلاء الذين هم هنا يعني الأصدقاء الذين هم في العراق يصلحون الأمر وألتحق بكم. ونزل بهذا الأمل. جاء فقالوا له: حصلت مشكلة في الفيزا من تلك المشكلات التي يمكن أن تحصل، أمر طبيعيّ، مشكلة صغيرة، فجأة يرى الإنسان أنّه منع من أمر ما ـ وقد حدث هذا الأمر لي شخصيًّا في إحدى الرحلات وقصّتها مفصّلة ـ فنزل وذهب إلى هناك بهذا الأمل، وجاء هؤلاء الرفاق ومهما سعوا لم يفلحوا، مهما عملوا، خلال يومين ـ وأولئك ذهبوا في المقابل ينتظرونه ـ والحاصل أنّهم رجعوا إليه وقالوا لا ندري أين هي المشكلة، أينما ذهبنا لنصلح الأمر يظهر إشكال آخر من موضع آخر، وفي النهاية جاؤوا وسلّموه الجواز وقالوا له: إنّه لا يتأتّى منّا شيء. 

  • ثمّ كان يقول: فجأة التفت إلى خطئه وقال يا للعجب! لقد كنت متّكئًا على أصدقائي هؤلاء! هؤلاء الذين لديهم علاقات مع الدوائر والمؤسّسات، وأنّهم بساعة واحدة ينجزون الأمر وألحق بهم بالطائرة التالية، وربّما أصل قبلهم! فربّما ذهبت الطائرة أسرع، فبقي يومين وليلتين منتظرًا قالوا له: لا فائدة من انتظارك عليك أن تعود إلى إيران. قال: إلى أن حصلت عندي حالة من اليأس، فقلت: إلهي لقد أخطأت، لقد عرفت أين هي مشكلتي. كان يقول: ما إن قال لقد أخطأت رنّ الهاتف فقيل له: غدًا سآخذ الجواز، فقد جئت لآخذه من هناك. ما إن قلت هذا الكلام، في اليوم التالي أخذ الجواز ولم يطل الأمر أكثر من ربع ساعة، قال: ما إن دخلت إلى الدائرة حتّى قالوا: ليست هناك مشكلة في هذا الجواز أصلاً، كلّ شيء فيه صحيح، فأمضاه وقال اذهب. قال: فسرت قبل الظهر وكان السيّد معين وأصحابه قد بقوا في جدّة ليومين أو ثلاثة حتّى يصل. 

  • وجميعنا لدينا مثل هذه الأمور، في حياتنا وفي علاقاتنا وفي أوضاعنا. الله يريد أن يبيّن، يريد أن يقول: أنت تأتي إلى الحجّ، تأتي إلى مقام التوحيد، فلماذا تأتي بالآخرين معك؟ لماذا جعلت الآخرين في قلبك؟ الآخرون هم الذين أنجزوا لنا! انظر كيف يسّروا الأمر بسهولة! فالله يقول: حسنًا انزل الآن لتدرك، لتصبح خالصًا، إذا أصبحت صحيحًا فتعال. فليس المكان هناك مكانًا يأتي فيه الإنسان بغير الله، ليس مكانًا يدخل فيه الإنسان غيره في قلبه. 

العزّة الإلهية وسبيل تحصيلها

7
  • باطن وظاهر آية جعلنا حرمًا آمنًا

  • في تفسير الآية الشريفة: ... {جعلنا حرمًا آمنًا...}۱ يسألون الإمام عليه السلام. فهي لها معنى ظاهري في النهاية، فمن يذهب إلى ذاك المكان فهو في أمن ولا يحقّ لأحد أن يتعرّض له، والصيد هناك محرّم، وعليه كفّارة، وهناك خصوصيّات لكونه حرمًا حتّى للحيوانات ولغير الحيوانات، فمثلاً لا يمكن للإنسان أن يخرج أشياء الحرم منه، فمثلاً لا يمكن للإنسان أن يخرج قبضة من التراب من مكّة إلى إيران، كلاّ فهذا حرام، ولا يجوز، نعم يمكنه أن ينقله من مكان فيها إلى مكان آخر، مثلاً من مكّة إلى مِنى. ولكن لا يمكن أن يخرجه معه إلى خارج مكّة، وهناك إشكال الآن فيما يفعله بعض الحجّاج من أنّهم يجمعون الحصى من مكّة ويأخذونها إلى عرفات، وإن كانوا يقصدون أن يعيدوها إلى الحرم، ولكنّ إخراج أجزاء من الحرم هو في حدّ نفسه حرام، وإن كان الإنسان قاصدًا إعادته. وليلتفت الرفقاء إلى هذا الأمر، ويستحبّ للإنسان أن يجمع الحصى من المشعر، ويجب أن تكون بمقدار عقلة الإصبع، أو أصغر، بحيث لا تصطدم حين الرمي برؤوس الناس! فيجب أن تكون بهذا المقدار، وإن لم يستطع من المشعر فمن مِنى، من تلك الجبال التي فيها، يمكن أن يجمع الحصى، وطبعًا يجب أن لا تكون الحصى مستعملة، بل يجب أن تكون بكرًا لم تستعمل. 

  • يسألون الإمام عن {جعلنا حرمًا آمنًا} ما هو المقصود منها؟ فيقول الإمام: المقصود هو ولايتنا أهل البيت، فقد جعل الله في ولايتنا هذا الأمان. يقول الإمام الباقر عليه السلام: لقد دعا النبيّ إبراهيم أن يثبّت الله ولايتنا في قلوب شيعتنا وأن يصلوا بولايتنا إلى مقام الأمن ولا يحتاجون إلى الغير، لا يحتاجون إلى أحد. وهذا الأمن إنّما يحصل للإنسان تحت ظلّ التوحيد.

  • في الحركة نحو الحجّ لا بدّ أن يكون هذا الأمن متحقّقًا للإنسان، وأن يخلص الإنسان نيّته، لا يحجّ لأجل رفيقه، لأنّ رفيقه حجّ هذه السنة يجعل هو أيضًا حجّه هذه السنة. في السفر إلى كربلاء لا بأس، في السفر إلى الإمام الرضا لا بأس، ولكن في السفر إلى الحجّ لا بدّ من ملاحظة الله وحده ـ هذه الكلمات التي أقولها لكم لا أقولها من نفسي، إنّها أمور سمعتها من الأعاظم ـ على الإنسان أن لا ينظر إلى غير الله في السفر إلى الحجّ، ولو نظر ولو كان الذهاب مع رفيقه فإنّه يخسر من جيبه، يجب أن يكون نظره فقط وفقط إلى الله، أمّا لو حصل بشكل اتّفاقيّ أن ذهبا معًا فنور على نور، وإن لم يكونا معًا فأيضًا نور على نور، لأنّ المقصد هو إدراك حقيقة التوحيد، وإدراك حقيقة التوحيد يمكن أن يحصل للإنسان من دون رفيق، من دون مصاحب، من دون إنسان آخر. هذه المسألة هي مسألة التوحيد. 

    1. سورة العنكبوت، الآية ٦۷. 

العزّة الإلهية وسبيل تحصيلها

8
  • فإذن في موضوع العزّة لا بدّ من البحث عنها في التوحيد والانتساب إلى التوحيد، وعلى الإنسان أن يخرج من دائرة ذهنه وقلبه الارتباطات مع غير حقيقة الله، هذه المسألة هي أساس كلّ ما ذكر إلى الآن. 

  • المعنيان المحتملان لعدم طلب ما في أيدي الناس عزًّا

  • فالإمام الصادق عليه السلام يقول: ولا يطلب ما عند الناس عزًّا وعلوًّا. يمكن أن تفسّر هذه الجملة بأنّه لا يطلب ما في أيدي الناس أصلاً، فبسبب العزّة، العزّة التي يمتلكها، فإنّه لا يطلب أصلاً، أصلاً لا يريد، وهذا المعنى بعيد شيئًا ما عن سياق كلام الإمام عليه السلام. فهو هنا يقول: ولا يطلب ما عند الناس عزًّا فحيث وردت هنا عزًّا وعلوًّا فهي دليل على أنّ هذا ليس مقصودًا. المقصود هو أنّ طلب ما في أيدي الناس لا إشكال فيه ولكن هذا الطلب يجب أن لا يكون لأجل العزّة والكبر والاستعلاء. فما عند الناس من النعم الإلهيّة متفاوت، بعضهم لديه علم، وبعضهم لديه مال، وبعضهم لديه جاه ومقام، وبعضهم لديه محبّة بين الناس، فهذه من الخصوصيّات التي تطرح الآن كقيم بين الناس. والإمام عليه السلام لا يقول إنّه لا يطلب ما عند الناس من المعاصي والمحرّمات، فهذه من البداية لا كلام فيها، بل تلك الأمور المحلّلة التي عند الناس. فتلك الأمور يجب أن لا يطلبها الإنسان لأجل العزّة والاستعلاء، أي يريد الإنسان أن يكون ذا مال كالآخرين، وكما أنّ الآخر لديه ثروة هو يريد أن يكون ثريًّا، وهذا الأمر دقيق جدًّا. فتارة يقول الإمام ولا يطلب ما يصرفه عن الله تعالى عزًّا وعلوًّا، فهذه عبارة صحيحة وأمر صحيح، كلّ ما يصرف الإنسان عن الله من الأمور الدنيويّة التي تمنع الإنسان عن الله عليه أن لا يسعى إليه. إذا شعر أنّ المقام يمنعه فعليه أن لا يطلبه، إذا شعر أنّ المال يمنعه عن الله فعليه أن لا يسعى إلى كسبه. وفي الروايات الكثير حول ذلك أيضًا، إذا شعر أنّ بعض العلاقات تمنعه فعليه أن يمتنع عنها، إذا شعر أنّه يمكن أن يحصل هناك صلة تمنعه عن الله فعليه أن لا يقدم. أليس لدينا في الروايات: اتّقوا خضراء الدمن. قالوا وما خضراء الدمن؟ قال النبيّ: المرأة الحسناء في منبت السوء. ۱ لماذا؟ لأنّها تدمّر دنيا الإنسان وآخرته، وتقضي عليه، فالإنسان لأيّ شيء يريد الدنيا؟ يريدها لكماله وتلك الصلة التي تجرّه إلى السقوط لو مضت ألف سنة فلا قيمة لها، لو مضت ألف سنة فلا قيمة لها. 

    1. . الكافى، ج ٥، ص ٣٣٢: قَامَ رَسُولُ اللَّهِ خَطِيباً فَقَالَ: أَيهَا النَّاسُ إِياكُمْ وَ خَضْرَاءَ الدِّمَنِ قِيلَ: يا رَسُولَ اللَّهِ وَ مَا خَضْرَاءُ الدِّمَنِ؟ قَالَ: الْمَرْأَةُ الْحَسْنَاءُ فِى مَنْبِتِ السَّوْءِ.

العزّة الإلهية وسبيل تحصيلها

9
  • كلّ شيء يمنع الإنسان عن الله فعليه أن يبتعد عنه، هذا أمر صحيح، ولكنّ الإمام هنا يقول الجملة بطريقة أخرى فيقول: ولا يطلب ما عند الناس من تلك المقامات التي هي لدى الناس، لا يريد تلك المقامات لأجل العزّة والعلوّ، وطلبًا للعظمة، فإذن يعلم أنّها أمور مفيدة في أيديهم، ولكن أن ينظر إليها، فذاك الطلب الذي يظهر لديه هذا الطلب ليس صحيحًا، فلو كان هناك إنسان لديه علم، فما المشكلة في أن يقول الإنسان اللهم ارزقني من علمه أنا أيضًا؟! 

  • كنّا يومًا في مجلس المرحوم العلاّمة الطباطبائي، حيث كانت هناك جلسة سؤال وجواب، كانوا يطرحون عليه الأسئلة وهو يجيب، وكان هناك رجل أعجب كثيرًا بمقام العلاّمة العلميّ، وكان الأمر عجيبًا بالنسبة إليه أن كيف لديه هذه المعرفة والتسلّط على المسائل والروايات والأحاديث والقرآن والعلوم. فنظر إليه وقال: سيّدنا أيعقل أن يكون لإنسان ما هذا المقدار من العلم؟! وكان رجلاً لطيفًا أيضًا ولكن حسن الفهم، فقال له العلاّمة بكامل التواضع: {وقل ربّ زدني علمًا}۱ فهو لم يشعر بنفسه أبدًا لكي يتواضع ويقول العفو كلاّ أنا لا أستحقّ والكلام الذي من هذا القبيل الذي نتفوّه به جميعنا، العفو أنا صغيركم ولكنّي كبير جدًّا أيضًا أكبر من جبل دماوند! كلاّ، فلم يكسر نفسه قال عندي علم عندي علم! أنت أيضًا {قل ربّ زدني}. هذا هو التوحيد، فهذا الرجل رجل ينشر التوحيد، هذا الرجل إنسان يوضّح لنا حقيقة غنى الله. هذا العلم الذي لديّ من أين جاء؟ جاء من الله، وأنت أيضًا اطلب من الله، أنت أيضًا اطلب من الله وقل ربّ زدني علمًا، هذه آية من القرآن. قل يا الله زد أنت علمي. أفهل من السيّئ أن يدعو الإنسان أن يزيد الله علمه؟! فهذا ليس سيئًا. هل من السيّئ أن يطلب الإنسان من الله أن يجعله محبوبًا بين الناس؟! أن يهيئ له صديقًا جيّدًا. يقول أمير المؤمنين عليه السلام: أعجز الناس من عجز عن اكتساب الإخوان. أشقى الناس من لا يستطيع أن يعثر لنفسه على رفيق صالح، فهؤلاء هم أعجز الناس. وأعجز منه من ضيّع من ظفر به منهم٢ الأعجز من ذلك هو من يهيّئ الله له رفيقًا يسبّب له الكمال والهداية ثمّ يضيّعه فهذا أشدّ عجزًا من ذاك. أفهل تحصيل الرفيق الصالح سيئ؟! أن يجد الإنسان رفيقًا، أن ينظر الإنسان فيجد حوله رفاقًا صالحين يحيطون به وأنّه يتعامل مع أناس صالحين، فبدلاً من أن يتعامل مع الأوباش والأراذل والذين لا يعادل ألف منهم قيمة شروى نقير، يتعامل مع الصالحين الذين تجرّه العلاقة معهم إلى الهداية والمعنويّة، فهل في ذلك مشكلة؟ كم لدينا في الروايات تأكيد على الرفيق الصالح، وفي كلام الأعاظم والعرفاء ورد تأكيد على ذلك، فلو نظر الإنسان فقال: اللهمّ ارزقني رفيقًا صالحًا، ارزقني صديقًا صالحًا، اجعلني محبوبًا بين الناس، اجعل العلاقات حميمة! فما المشكلة في ذلك؟ أو أن يكون الإنسان ثريًّا جدًّا ويستعمل ثروته في الموارد الصحيحة، ينفقها، يستعملها في أمور الخير، في ما يرضي الله فهل في ذلك إشكال؟ 

    1. سورة طه، الآية ۱۱٤. 
    2. نهج البلاغة، الحكمة ۱٢

العزّة الإلهية وسبيل تحصيلها

10
  • وما كنت تصنع بسعة هذه الدار؟!

  • جاء أمير المؤمنين عليه السلام إلى البصرة ـ هكذا على ما أذكر إن لم أكن مخطئًا ـ ودخل منزل أحد أصحابه فرآه منزلاً كبيرًا جدًّا، فقال له: وما ما كنت تصنع بسعة هذه الدار في الدنيا . أما أنت إليها في الآخرة كنت أحوج. قال له ذلك ثمّ قال: وبلى إن شئت بلغت بها الآخرة تقري فيها الضيف وتصل فيها الرحم ، وتطلع منها الحقوق مطالعها، فإذا أنت قد بلغت بها الآخرة.۱ فلم يأمر الإسلام أن يعيش الإنسان في غرفة واحدة، بل على العكس قال: من سعادة المرء سعة داره. ٢ ولكنّ الكلام هو في كيفيّة الاستفادة من ذلك وأنّه كيف ينظر الإنسان إلى ذلك كما ذكرنا في الجلسة السابقة؟ هل ينظر إليها نظرة تملّك ويراها لنفسه؟ أو نظرة تملّك الله ومالكيّته وصرفها في أمور الخير، إلى هذا ترجع المسألة. 

  • فلو أراد إنسان أن يوسّع الله داره فما المشكلة في ذلك؟ وقد ورد دعاء لسعة الدار أيضًا، أن يدعو الإنسان أن يوسّع الله داره. فكلّ هذه الأراضي الموجودة والصحاري من هنا إلى أصفهان فليكن مقدار يسير منها باحة واسعة، أفهل يجب أن يعيش الإنسان في وسط طهران أو في أعلاها وفي غرفتين أيضًا ويجعل نفسه في مكان ضيّق كهذا؟! من قال بهذا؟! لقد قيّدنا أيدينا وأرجلنا بأنفسنا. فلنذهب إلى مكان أبعد قليلاً، مكان أوسع، أفضل ويكون فيه الأهل والعيال أكثر راحة، بينما نحن نصنع لأنفسنا مشكلة في وضع يقيّدنا ثمّ نقول لا يمكن في هذه الأوضاع... في حين يمكن للإنسان أن يبني بقيمة هذا الطابق في البناية في طهران منزلاً مساحته سبعمائة مترًا خارجًا، أبعد قليلاً فهذا ليس بالأمر المهمّ الذي يتطلّب أن يعقّده الإنسان ويسبّب لنفسه مشكلة. وعلى كلّ حال، ما المشكلة في أن يدعو بأن يعطيه الله بيتًا واسعًا؟

  • المشكلة في الغاية من طلب ما في أيدي الناس لا في الطلب نفسه

  • غاية الأمر أنّ الكلام هو في أنّ الإمام الصادق عليه السلام في تتمّة عبارته يطرح الأمر كأمر غير مناسب للإنسان فيقول: هذا العمل الذي تريد أن تقوم به بأيّ نظرة تقوم به؟ هل تريد أن لا تكون أقلّ من فلان ومتأخّرًا عن فلان؟ ـ وجميعنا هكذا ـ أم لا، بل تريد القيام بذلك لأجل ضرورتك، لأجل الفائدة تريد أن تقوم بهذا العمل؟ ما هي نظرتك في هذا الأمر؟ لا يقول الإمام لا تهتمّ بما في أيدي الناس، فهذا أمر آخر. نعم لدينا أنّ على الإنسان أن ينظر إلى من هم دونه لا إلى من هم فوقه، لأنّه ليس هناك حدّ لتوقعّات الإنسان، ولا يقف عند مقدار. وكلّ مقدار نظر إليه الإنسان فهناك ما هو أعلى منه أيضًا، هناك ما هو أعلى، ولا يمكن للإنسان أن يقف. 

    1. نهج البلاغة، ج٢، ص ۱۸۷. 
    2. . بحار الأنوار، ج ۷٣، ص ۱٥٢: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: من سعادة المسلم المسكن الواسع.

العزّة الإلهية وسبيل تحصيلها

11
  • فهذه الحروب التي وقعت على مرّ التاريخ، كغزو المغول، وغزو التتر وعزو الإيرانيّين وغزو الروم، والحروب الموجودة الآن، هذه القوى العظيمة التي تعتدي على أرواح الناس وأموالهم وأعراضهم كلّها لأيّ شيء؟ لأنّ هذه النفس لا تكتفي بمستوى معيّن، لقد سيطرنا على هذا البلد فلنسيطر على ذاك أيضًا، ولنحصّل منافعه لأنفسنا. لقد سيطرنا عليه أيضًا، حسنًا يكفي فلتقف عند هذا الحدّ! كلاّ فلنسيطر على ذاك المجاور له! لقد سيطرنا عليه، وهكذا... فنفس الإنسان لا تقنع، فبدلاً من أن تأخذ مكانًا وتعمل على إعماره ورفع مستواه الثقافيّ، تسعى إلى التوسّع الظاهريّ وتظنّ أنّ بإمكانها بهذه التوسّع الظاهريّ أن تسدّ ذلك الخلأ النفسي وتشبعه. وتجعل له لونًا وطعمًا، فإن كان هناك إسلام فإنّها تعطيه اسم الإسلام، وإن كان من قبل سائر الدول فإنّها تعطيه اسم نشر الحريّة والديمقراطيّة، في النهاية الأمر الأساسيّ هو التوسّع، هو إرضاء الميول وإن كان يظهر في قوالب مختلفة. 

  • هارون الرشيد لا تغيب الشمس عن ملكه وتضيق عينه على بضعة من أتباع موسى بن جعفر

  • لقد كان هارون جالسًا يقول: أيّتها الشمس أشرقي حيث شئت فالحكومة لي. لا يقول الحكومة لله، بل يقول في حكومتي أنا. وما دام الأمر كذلك فإنّه يخاف من موسى بن جعفر الذي في المدينة ولا شأن له به وهو مشغول مع أصحابه بالبحث والمعارف التوحيديّة والفقهيّة، وبيان الأحكام ونشر المعارف. فالخوف منه يسبّب أن يأتي به ويلقي به في السجن ثمّ يقتله، هل كان لموسى بن جعفر تأثير عليه؟ ما علاقته به؟ لم يكن يتحمّل أن يكون هناك إنسان في نقطة من نقاط مملكته هو موضع اهتمام الناس، فكونه لا شأن له به ولكن موضع اهتمام الناس فهذا ما لا أحتمله، لا أتقبّله. فما هذا؟ هذا هو طلب الزيادة، هذا الإفراط. شرق العالم وغربه في يده، ولكنّه يقول: أنا لا أحتمل أن أرى أنّ الناس يهتمّون بإنسان ما، أفهل ثار هذا الرجل عليك؟ هل أعدّ موسى بن جعفر الجيوش؟ هل دعا الناس للثورة عليك؟ كلاّ بل هو جالس يبيّن الأحكام، يبيّن المعارف، على علاقة بمن كان موسى بن جعفر؟ كلّ الذين كانوا مع موسى بن جعفر لم يبلغوا ألف رجل، ولكنّه لم يكن يستطيع أن يحتملهم، هناك ملايين الناس تحت حكومتك ولكنّي أهتمّ بهؤلاء الألف. 

العزّة الإلهية وسبيل تحصيلها

12
  • يريد الإمام الصادق أن يقول لهارون: بما أنّك لديك هذه الحكومة فلماذا تنظر إلى هذا الأمر الذي يجري في المدينة؟ أنت الآن إذ لديك هذه القوّة فلماذا تريد أن تنظر إلى هنا؟ هذا بسبب العزّة والعلوّ، هذا لأنّك لا يمكنك أن ترى منازعًا لك أمامك في أيّ مجال من المجالات. هل اطمأنّ بالك الآن بعد أن ألقيت موسى بن جعفر في السجن وقتلته؟ نعم هل استتبّ الأمر ولم يعد هناك أحد أمامي؟ ولو أنّ الإمام الرضا عليه السلام كان قد أعلن إمامته للاقى مصير أبيه أيضًا، ولذلك فإنّ الإمام الرضا عليه السلام لم يعلن ذلك مدّة، وكان الناس يتواصلون معه سرًّا، ولم يكن أحد يدرك، وقد كانت أوضاع موسى بن جعفر بنحو تجعل وصيّه غير معلوم وخليفته غير معلوم، والإمام نفسه أيضًا كان يعتمد الكتمان، ولذلك فقد استمرّ الأمر إلى ما بعد زمان حكومة هارون. 

  • الآن بما أنّه في أدي الناس فلماذا يقول الإمام يجب أن لا يُطلب؟ لأنّه يرى أنّه في أيدي الناس. لو كان وحده ربّما لم يكن يدّعي الحكومة، فمثلاً لو كان المجتمع مثل الإنسان البدائي الجميع يعيشون في مكان واحد، في قرية دون أن يكون هناك رئيس، والجميع مشغولون بأعمالهم ويعودون إلى منازلهم فهل يدّعي أحد الرئاسة؟ ولو كان الإنسان في مكان ويصله كلّ شهر معاش بشكل متساو، كلّ شهر يأتون إليه ويقدّمون له المال، يطرقون بابه ويقولون: تفضّل هذا معاشك، هذا لهذه السنة، فهل يخطر في باله أمر كهذا [من الرئاسة]؟ كلاّ لأنّه يرى أنّ الجميع في مستوى واحد، الجميع متساوون، الجميع في اتّجاه واحد. متى يوجد طلب الزيادة ومتى يظهر في الإنسان ويتبلور؟ عندما يرى الإنسان أنّه عند غيره وليس عنده، هنا يقول الإنسان يجب أن أكون أنا أيضًا مثله، وهذه النقطة هي نقطة الانحراف. ليست نقطة الانحراف في ذلك العلم حينما يريد الإنسان أن يكون له علم أحد الأعاظم، فما المشكلة في ذلك؟ أن يكون له تقوى إنسان ما، محبوبيّة إنسان عظيم، مال وقدرة وجاه إنسان ما، فهذا لا إشكال فيه. المشكلة هي في أنّه لأنّ هذه النظرة نظرة كثرة ونظرة دنيا فهو يريد تلك العزّة التي عند الآخر أن تكون له، لأنّه هو رئيس فلا بدّ أن أكون أنا أيضًا رئيسًا! لماذا يكون هو وأنا لا أكون؟! لماذا هو عالم وموضع اهتمام وأنا لست كذلك؟! أنا أيضًا يجب أن أكون عالمًا وموضع اهتمام! لماذا هو لديه مال وليس لديّ أنا، فأنا يجب أن يكون لديّ مال حتّى أكون مثله في مرتبة واحدة! فهذه اللماذات لا ترجع إلى أصل الأمر، بل إلى الجانب الدنيويّ والجانب الدنيويّ هو مسألة العزّة تلك، تلك العزّة والاستعلاء اللذين نسبهما الله لنفسه.

العزّة الإلهية وسبيل تحصيلها

13
  • اطلب ما فيه صلاحك 

  • لذلك لدينا في الروايات عن الأئمّة عليهم السلام وكذلك بيانات أولياء الله أن اطلبوا من الله ما فيه صلاحكم، هذا هو المهمّ. وهذه النقطة هي النقطة التوحيديّة في الأمر، ما هو صلاحك؟ هل من صلاحك أن تكون محبوبًا بين الناس؟ وأن يجتمع الناس من حولك، وأن يكون لديك أمر ونهي، قيام وقعود، هل هذا من مصلحتك؟ أم من مصلحتك أن تكون لنفسك وأن لا تنشغل بهذه الأمور، وأن تنشعل بعملك الخاص؟ فهذان أمران منفصلان أحدهما عن الآخر ومتقابلان، هل من صلاحك أن تكون لك مجالس؟ واقعًا كم يأتي الشيطان بدقّة في هذا الأمر، ينظر الإنسان فيرى أنّ في منزل رفيقه مجالس عزاء صباحيّة وليليّة، والناس يتردّدون، فيقول فلنقم نحن أيضًا مجلسًا في منزلنا!! إن كان المهمّ هو المجلس فلتقم ولتشارك في مجلس رفيقك، وقم استفد من ذاك المجلس، وخذ البركات والفيوضات. ثمّ يأتي ويخادع الله والإمام الحسين، فلنقم مجلسًا هنا ولنحصل على البركة! كلاّ أنت تريد أن تقيم مجلسًا لأمر آخر. ولا يطلب ما عند الناس... أنت تطلب ما عند رفيقك، غاية الأمر أنّك تجعل ذلك منّة على الإمام الحسين! أنت ترى أنّه لأنّ هناك مجلسًا وتردّدًا فلنقم نحن مجلسًا، ثمّ يقولون لماذا أقمت مجلسًا؟ لكي يتبرّك مجلسنا نحن أيضًا! إن كنت تريد أن يتبرّك فاجعله في منزل رفيقك، اجعله في منزله. أنت ترى الآن أنّ فلانًا وصل إلى مرتبة العلم، إلى مرتبة الاجتهاد إلى مرتبة المرجعيّة، فتقول: عجيب لقد كنت زميلاً له، لقد كنت زميلاً له في الدرس، فلماذا أبقى متأخرًا عنه؟ فأبدأ بنشر الرسالة العمليّة وتوزيعها بين الناس ونرسلها إلى هذا المكان وذاك، ونعلن في الجرائد أن يا أيّها الناس نحن أيضًا لدينا رسالة. لماذا؟ لا بدّ من نشر أحكام الإسلام، نشر الفقه، لا بدّ من نشر المبادئ والعقائد! على منّ نمنّ بذلك؟ على النبيّ.

  • نيّة المرء خير من عمله

  • نرى أنّه الآن لديه ثروة، الناس يهتمّون به ويعتنون به ويتوجّهون إليه، نقول: اللهمّ ارزقنا الثروة أيضًا. لماذا؟ حتّى لا نبقى أدنى منه، ثمّ نسمّى ذلك ماذا؟ إنفاقًا في سبيل الله، عطاء. كلاّ يا سيّدي العزيز! وسأقرأ لك رواية ذلك: من كان في نيّته أن ينفق المال لو كان يملكه أعطاه الله ثواب المنفقين وإن لم يكن لديه مال.۱ فهل اطمأنّ بال الجميع؟ الحمد لله هذه هي حقيقة الأمر. فلماذا تريد الآن أن تكسب المال؟ تتصارع مع الزبائن، يرتجع صكّك المصرفيّ، تهلكك المتاعب، لا حاجة إلى كلّ ذلك! أنت جالس في مكانك وهم يكتبون لك الثواب، أنت جالس في مكانك وهم يكتبون لك الإنفاق، جالس في مكانك وهم يكتبون لك الإيثار، جالسون في أماكننا وهم يكتبون لنا العطاء. هذه هي الحقيقة، وهذه قضيّة العدل الإلهيّ، وهذه قضيّة التوحيد.

    1. جاء في محاسن البرقي، ج۱، ص ٢٦۱: عن أبي عبد الله ( ع ) قال : إن العبد المؤمن الفقير ليقول : يا رب ارزقني حتى أفعل كذا وكذا من البر ووجوه الخير ، فإذا علم الله ذلك منه بصدق نيته كتب الله له من الاجر مثل ما يكتب له لو عمله إن الله واسع كريم.

العزّة الإلهية وسبيل تحصيلها

14
  • كم أكّد المرحوم العلاّمة والأعاظم على هذه المسألة؟! على هذه الرواية الواردة عن رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم أو عن أمير المؤمنين عليه السلام: نيّة المرء خير من عمله۱، والآن بعضهم يقولون خطأً: فليترك الإنسان العمل جانبًا وينوي. فمن أراد أن يترك العمل فلا نيّة له، ولا معنى لهذه التفاسير المخترعة! بل المقصود هو أنّ ذلك المؤمن الذي ينوي عمل الخير ولكنّ الله لا يوفّقه فإنّه يعطيه ثواب ذلك العمل دون أن يتعب. أليس هذا أفضل؟ أيّ إنسان عاقل يوقع نفسه في المتاعب والمهالك فإذا جنّ الليل أعطى ذلك المال للفقراء؟! كلاّ يا عزيزي إن أردت أن تنفق فلتكن نيّتك معك، بحيث لو حصل لديك مال أنفقت بمقدار التكليف لا بإفراط، أنفق بمقدار التكليف والله لم يقل اعمل لتنفق، لو أنّ الله قال فاذهب واعمل وأتعب نفسك وألق بها في ألف مهلكة فإذا حصّلت مالاً فأنفقه! لو كان الأمر كذلك لوجب على الإنسان أن يقدم، ولكن الله قال اذهب وقم بأعمالك المتعارفة، وقم بتكليفك. لا تعمل في اليوم أكثر من بضع ساعات، احتفظ بفكرك وأعصابك مطمئنّة لأجل أهلك وعيالك، لا توقع نفسك بالمهالك إلى هذا الحدّ، لا تتلف أعصابك إلى هذا الحدّ، لا تتعب نفسك ووضعك النفسيّ في هذه العلاقات والأمور اليوميّة وأبناء الدنيا في هذا الزمان ولا تتلف أعصابك. فإن حصلت شيئًا فإنفاقك محفوظ، إن كنت ناويًا أن تنفق من كلّ مائة تومان عشرين تومانًا ومن كلّ مليون مائتي ألف تومان للفقير، فإنّ الله يعطيك ثواب تلك المائتي ألف تومان بواسطة تلك العشرين ألفًا التي تعطيها للفقير، أليس هذا أفضل؟ هذا معنى ما يقال من أنّ نيّة المرء خير من عمله. 

  • لا قيمة للموقع بل لنيّتك فيه

  • عندما يرى الإنسان أنّ الله جعل الأمر مريحًا [فلماذا يتعب نفسه هو؟] واقعًا عجيب أيّها الرفقاء أن كيف يأتي الإنسان وبفكره الخاطئ يدخل النفس في الأمور التوحيديّة ثمّ يتعب نفسه، هو يتعب نفسه بنفسه! تلك المعيشة التي رأيناها نحن من السيّد هاشم الحدّاد لم تكن في أكثر من سبعين مترًا، لم يكن لديه لا إنفاق ولا أمر ولا نهي، أصلاً لم يكن لديه شيء، حتّى مصارف معيشته هو لم يكن يحصّلها، في حين أنّه العارف الأوّل وكذا وكذا، طبعًا كانت لديه أوضاع مختلفة، فقد جاء في الروح المجرّد أنّه عندما كان يحصّل مالاً من عمله كان يعطيه للعامل عنده ويقول: لقد تعب هذا اليوم.٢ لقد كانت لديه أعلى درجات الإنفاق، ولكن من الناحية الظاهريّة هل كان يصرف مليونًا؟ فكلّ رأس ماله لم يكن يبلغ المليون. بل كانت حاله حالة إنفاق، حاله حالة صفح، حاله حالة إيثار، إن كان لديه كان يعطي، وإن لم يكن لديه فليس لديه في النهاية فماذا يصنع؟ عندما لا يكون لدى الإنسان شيء فمن أين يأتي بالمال؟ أيقترض ثمّ يعطي؟ فكيف يسدّ القرض؟ فأن يحقّق الإنسان في نفسه ما جعله الله معيارًا وميزانًا للتوحيد فهذا أمر مهمّ، لا أن ينظر في أيدي الناس ويرى أنّ فلانًا في هذا الموقع فعليّ أنا أن أحصّله أيضًا؟ فهذا الموقع ليس له قيمة، القيمة للنيّة التي تنوى في ذلك الموقع، تلك هي القيمة. يقولون لإنسان تحرّك، ويقولون لآخر توقّف. يقولون لإنسان: تعال. ويقولون لآخر: لا تأت. يقولون لإنسان: تحدّث. ويقولون لآخر: لا تتحدّث. يقولون لإنسان: تكلّم، ويقولون لآخر: اصمت. يقولون لإنسان: أقدم. ويقولون لآخر: توقّف! فلو قال الإنسان لماذا قلت لفلان أقدم وتقول لي توقّف؟ فماذا يكون هذا؟ إنّه العزّة والعلوّ، إنّه النظر [إلى ما في أيدي الناس...] 

    1. . وسائل الشيعة، ج ۱، ص ٥۰: عن أبى عبدالله( عليه‌السّلام) قال: قال رسول الله( صلى الله عليه وآله): نية المؤمن خير من عمله، و نية الكافر شر من عمله، و كل عامل يعمل على نيته.
    2. . الروح المجرد، ص ۷٦: و كانت تلك هي طريقته حتّى عند ما كان يذهب بنفسه إلى الدكّان؛ إذ لم يكن قد عيّن مرتَّباً معيَّناً لمساعده، و لم يكن يتناصف معه ما يكسب من العمل من الصباح حتّى وقت تعطيل الدكّان، بل كان يقول لمساعده: كم تحتاج اليوم؟ فكان يقول مثلًا: نصف دينار! أو سبعمائة فلس، أو أيّ مبلغ آخر؛ فكان يعطيه ذلك و يجعل ما تبقّى لنفسه. و ربّما كان يبقى له أحياناً خمسون فلساً فقط، أو لا يبقى له شي‌ء؛ و كم كان يرجع بتلك الخمسين فلساً إلى البيت أو يعود بأيدٍ خالية.

العزّة الإلهية وسبيل تحصيلها

15
  • المهمّ طاعة الإمام في ما أمر وليس المهمّ ماذا أمر

  • مضى النبيّ إلى غزوة تبوك وخلّف أمير المؤمنين في المدينة، فشرع المنافقون بالكلام: لو كان النبيّ يحبّك لاصطحبك معه! فذهب حينها أمير المؤمنين إلى النبيّ فقال له: ألا ترضى أن تكون منّي بمنزلة هارون من موسى إلاّ أنّه لا نبيّ بعدي۱ ألا تريد أن تكون خليفتي في المدينة وتكون منزلتك منّي منزلة هارون من موسى إلا أنّه لا نبيّ بعدي؟! أي إنّ هارون كان نبيًّا ولكنك لست نبيًّا، ليس لديك مقام النبوّة ومقام الرسالة. نعم انظروا كيف يفكّر المنافقون؟ لم يأخذه النبيّ معه، أخذُ النبيّ له يصبح معيارًا، لا العمل بأمر النبيّ، الذهاب مع النبيّ يصبح سببًا للافتخار، دون الجلوس في المنزل بأمر النبيّ، فهذا ليس فخرًا! هذه الثقافة هي ثقافة المنافقين. هذه الثقافة هي ثقافة أهل الدنيا بحيث يتصوّر الإنسان أنّ كونه في خدمة أحد الأعاظم والذهاب معه إلى مكان أو الجلوس إلى جانبه، أو معاشرته يصبح فخرًا، أمّا من لم يجلس، فهو لا نصيب له، لقد خدع، لا حظّ له! كلّ هذا خطأ، إن قالوا تعال، فالمجيء صحيح. وإن قالوا ابق فالبقاء صحيح. لأنّه لا يمكن للإنسان في الطريق إلى الله أن يخدع الله، لا يمكن للإنسان أن يخادع الله، مخادعة الله تعني مخادعة النفس، نحن نخدع أنفسنا بأنفسنا! 

  • فإذن توضيح هذه الفقرة كاف إن شاء الله، وإن كانت المسائل المرتبطة بهذا الأمر كثيرة، ولكن يبدو أنّه وفق ما وصل إلى الرفقاء من الأمر فقد انتهينا إلى أنّ المعيار للسالك إلى الله هو التكليف ورعاية ما هو مصلحة له. هذا ما يجب أن يكون معيارًا. فيومًا يقولون وسّع دارك لكي يأتي الناس، فعلى الإنسان أن يوسّع داره ولا يمكنه أن لا يوسّعه، فإن قال: أنا لست أهلاً، أنا لا أريد أن أشتغل بتردّد الناس هذا، أريد أن أجلس في زاوية، أنا أريد أن يكون همّي منصبًّا على أموري الخاصّة. فقد خسر. وتارة يقولون: اجلس في منزلك وأغلق بابك ولا تفتح المجال لأحد. فلو فتح المجال حينها قائلاً: لقد جاء هؤلاء في النهاية فإلى أين يذهبون؟ فهؤلاء جاؤوا من أماكن بعيدة وليس من المروّة والإنصاف أن يتركهم، فهذا خداع للنفس. يومًا يقولون: درّس. ويومًا آخر يقولون: عطّل درسك. يومًا يقولون: ابحث مع الناس، ويومًا آخر يقولون: اصمت. 

    1. . بحار الأنوار، ج ٩، ص ٢٣٩.

العزّة الإلهية وسبيل تحصيلها

16
  • ذات يوم قال الإمام الصادق لهشام بن الحكم أن اذهب وتكلّم مع المعاندين والمنحرفين وجادلهم وأفحمهم وأجب على كلامهم واهدهم، وأجلسه الإمام إلى جانبه. ويومًا آخر يقول موسى بن جعفر لهشام هذا بعينه: اصمت، ولكنّه تكلّم. فهذا خطأ، فبماذا يختلف موسى بن جعفر عن الإمام الصادق؟ ذاك الإمام يقول: اصدع وتكلّم، وهذا الإمام يقول: اصمت واسكت! ولكنّه لم يطع فسبّب مشكلة لموسى بن جعفر. 

  • هنا نصل إلى هذه النقطة وأنّ على السالك أن يكون حيث صلاحه، لا أن ينظر إلى سائر الناس على أيّ حال هم؟ يقيمون المجالس ضدّ موسى بن جعفر فليقيموا، يدعون الناس إلى أنفسهم فعليّ أنا أن أشكّل مجلسًا، أنا أقول وهو يقول، وأضربهم، فأنت خادم لنفسك أم خادم لموسى بن جعفر؟ ذاك الذي قال لك اذهب وتعلّم هو نفسه يقول: احتفظ بعلمك لنفسك ولبعض أصحابك الخواصّ، لا تنشره، عليك أن لا تنشره. فذلك الذي يقول يومًا: ادخل في هذا النظام وقم بكذا هو نفسه يقول اليوم: لا تدخل في هذا النظام واشتغل بأمورك الخاصّة. الذي يقول اليوم قم بهذا العمل الاجتماعيّ هو نفسه يقول: من الآن فصاعدًا هو مضرّ لك، هو إنسان واحد هو إمام واحد، هذا الإمام له صورتان في زمانين مختلفين وظروف مختلفة، ونحن علينا أن نكون بأمر الإمام أم بأمر أنفسنا؟ علينا أن نحدّد هذا التكليف. السالك يبيّن تكليفه مع ربّه فيقول: أنا لا أعقل شيئًا سوى إمامي، ما يقوله فأنا أطيعه والسلام. السالك الواقعي، السالك الحقيقيّ، والسالك بنسبة مائة في المائة والذي يتّبع الولاية هو الذي يسلك في هذا الطريق. 

  • لقد كانت للمرحوم الوالد رضوان الله عليه في زمان حياته الكثير من هذه التجارب، كان الناس يأتون إليه فيجدون حالاً وتتحسّن أحوالهم وتتغيّر أمورهم، إلى أن يحدث أمر غير متوقّع فكنّا نجد فجأة أنّه ينسى، إلى أين أنت ذاهب أيّها العزيز؟! أين كنت إلى الآن؟! فإذن أنت كنت تريدنا إلى هنا؟! كنت تريد الوصول إلى هنا لا أكثر؟! أم لا بل عندما جئت إلى هنا فقد قرّرت أن تنطلق من هنا إلى أيّ مكان يكون، وإلى أيّ أمر يكون [قائلاً] أنا أصغي لما تقولون، كلّ ما تقولون. يأتي امتحان، تتغيّر الأجواء والأحوال، تحدث ظروف فيأخذ كلّ عقله وفكره واعتقاده وهمّته ونيّته وهمّه معه ويحملها ويمشي. إلى الآن كان يقول: إن كان هناك في الدنيا أحد فهو فلان. أمّا من اليوم فصاعدًا يبهت الأمر لديه. كان إلى الآن يقول: أنا أتّبع فلانًا. 

العزّة الإلهية وسبيل تحصيلها

17
  • ألم يكن في زمان المرحوم العلاّمة كثير من الناس يقولون لي شخصيًّا إنّ أباك واجب الإطاعة كالإمام، هم كانوا يقولون ذلك، والآن هم من المخالفين له والمعاندين مائة بالمائة. لماذا صار الأمر هكذا؟ لأنّه لم يقم من البداية بتصحيح فكره، جاء ووضع ثلاثين بالمائة من الأمر هنا، وضع عشرة بالمائة من الأمر هنا، خمسة بالمائة. سألته عن أحد الناس فقلت له كيف هي علاقاته؟ فقال: لقد جعل عشرة بالمائة من وجوده تحت تصرّفنا واحتفظ بتسعين بالمائة لنفسه. وطبعًا عندما يحتفظ إنسان لنفسه بتسعين بالمائة فإذا حصل اختلاف في الأحوال يجد أنّ تلك التسعين بالمائة قد جاءت وغلبت وسيطرت عليه وذهب خلف نواياه، فالنتيجة واضحة.

  • أمّا ذلك الذي يسير وفق الإذن، ويتوقّف وفق الإذن، يقدم وفق الإذن ويحجم طبق الإذن، فمن هو هذا؟ هو من يعمل وفق أمر أمير المؤمنين، هنا تكلّم وهنا لا تتكلّم. عندما أرادوا أن يقتلوا عثمان قال الإمام لا تفعلوا ذلك!

  • ـ أليس عثمان ظالمًا؟! 

  • ـ نعم عثمان ظالم ولكن أنتم لا تفعلوا ذلك. 

  • ـ يا عليّ لقد غصب هذا حقّك.

  • فيقول: ألم يغصب حقّي أنا، فأنا عليّ أن أتكلّم أم أنت؟! أنا عليّ أن أدافع عن حقّي أم أنت؟ أنا عليّ أن أقول افعل هذا أم أنت؟ لقد غصب هذا حقّي دعه الآن يغصب، ليس من الصلاح أن يقتل. لماذا؟ لأنّ الإمام يعلم أنّ هناك معاوية في الجانب الآخر من القضيّة، فلو قتل هذا فسيأتي معاوية في اليوم التالي يقضي على هؤلاء المسلمين. ولو لم يقتل عثمان هذا، فلعلّ الحكومة كانت ستصل إلى أمير المؤمنين دون أن تحدث هذه الأحداث، من الذي يعلم هذه الأمور؟ هذه الأمور لا يعلمها إلا عليّ صاحب الولاية وعينه مفتوحة على إرادة الله وعالم التقدير وينظر إلى الحقائق من أفق المشيئة، لا بهذه العيون الظاهريّة وهذا العقل الذي لا يرى حبّة حمّص على بعد متر واحد أمامه، أجل! ثمّ نحن بعد ذلك نريد بهذا العقل أن نعيّن التكليف للإمام، نعيّن التكليف للدنيا، نريد أن نعيّن التكليف للجميع، لا ينبغي أن يكون الأمر هكذا، فهذا لا يصحّ. 

العزّة الإلهية وسبيل تحصيلها

18
  • ومن هنا يمكننا أن نقول إنّ كلام الإمام الصادق عليه السلام هذا من أهمّ الكلمات التي قالها في حديث عنوان البصري الشريف هذا، ولا يطلب ما عند الناس عزًّا وعلوًّا، لا ينظر إلى الناس باحثًا عن العزّة. الناس لديهم عزّة الآن فيما بينهم، لديهم مواقع فـ "ما علاقتي أنا؟!" لديهم أمر ونهي "ما علاقتي أنا؟!" لديهم إمكانات "ما علاقتي أنا؟" لديهم رئاسة "ما علاقتي أنا؟!"، فابدؤوا من اليوم بـ "ما علاقتي أنا؟!" هذه ـ طبعًا أنا أمزح الآن ـ في كلّ يوم مائة مرّة: "ما علاقتي أنا؟ ما علاقتي أنا؟ ما علاقتي أنا؟!" حتّى تستقرّ في نفوسنا، حتّى تستقرّ، حتّى يقع بدلاً منها "ما يريده هو، ما يريده هو". 

  • أيّهما أفضل عند الله أميّ كالحاج هادي الأبهريّ أم عالم محجوب بعلمه؟!

  • رحم الله الهاج هادي الأبهريّ رحمه الله ـ الآن تذكّرت، لا بأس الآن، والساعة تقترب من الثانية عشرة ونحن لا زلنا مشغولين بالكلام ـ هو لم يكن متعلّمًا، حتّى لم يكن يكتب، حتّى لم يكن يعرف الإمضاء، أعدّ ختمًا ووضعه في كيس وجعله في جيبه مع محبرة، عندما كان يريد أن يمضي يخرج الكيس ويختم، لم يكن يعرف كيف يمضي. لقد سألته يومًا وكان عمري حينها عشر سنوات أو اثنتي عشرة سنة فكنّا جالسين وكان يدخّن بالغليون، وكان معه كيس من التبغ وكان يدخّن وكانت حاله جيّدة ـ فقلت له هل قلت شعرًا في حياتك مرّة؟ قال: نعم فقلت: وما هو؟ قال: 

  • هر چه بخواهم نه همان مى‌شود***هر چه بخواهد، همان مى‌شود
  • [والمعنى: لا يكون ما أنا أريد *** بل يكون ما هو يريد.]

  • هذا هو الشعر الذي قاله ذلك الحاج طيلة عمره، ولكن نفسه كانت مشرقة، وضميره مشرق، كان يميّز الباطل، ويميّز الصلاح، كان مطّلعًا على نوايا الناس. فكم كان هذا الرجل أرفع درجة أم من يقضي عمره في المناصب والأوامر والنواهي والرياسات ثمّ بعد ذلك ليس فقط لا يأخذ معه مقدار حبّة جوز، بل يقولون له تعال وأجب عن كلّ شيء، ولا يأخذ معه مقدار حبّة جوز؟! 

العزّة الإلهية وسبيل تحصيلها

19
  • بعد وفاة الحاج هادي الأبهري أذكر أنّ المرحوم العلاّمة قال هذه القصّة على المنبر، ويبدو أنّه كان هناك إحياء في شهر رمضان، كان يقول أنّه رأى هو أو أحد رفقائه الحاج هادي رحمه الله في عالم الرؤيا ومازحه قائلاً: كيف حالك؟ فرأى أنّه يضحك ثملان ولا يهمّه شيء، يقول: نحن في مكان أصلاً أنت لا تفهمه، وما إن قال لا تفهم تبدّل إلى نور وانطلق نحو السماوات وانمحى. انظروا! هذا رجل غير متعلّم، رجل لا يعرف كيف يُمضي، هو هكذا، جعل الله عاقبة أمرنا جميعنا خيرًا، فهذا الأمر مهمّ جدًّا. 

  • لقد بيّن الإمام الصادق عليه السلام الأمر لنا وأكمله وأتمّه: ولا يطلب ما عند الناس عزًّا وعلوًّا فلا تنظر أيّها العزيز إلى ما في أيدي الناس، لا تنظر إلى ما عند هذا، انظر إلى ما ينبغي أن تكون عليه أنت. أعطاه الله ثروة، ربّما شاء أن يجعله شقيًّا، أعطاه الله موقعًا وأمرًا ونهيًا ربّما أراد أن يجعله تعيسًا بذلك، أعطاه الله علمًا، ربّما أراد الله أن يجعله له حجابًا، أليس لدينا العلم الحجاب الأكبر فهل هذا العلم جيّد؟! هذا العلم الذي يصبح حجابًا للإنسان. أم لا، قل اللهم ارزقني العلم النافع، العلم النافع لي. شاء الله أن يعطيه رئاسة وأن يلقيه بها في قعر جهنّم، أفهل تقول: ألقني معه؟! أجل! أم لا، لا بدّ من إظهار الفرار والبراءة؟ لا قرّب الله ذلك اليوم الذي أبتلى فيه بتلك الابتلاءات التي ابتليتهم بها وتلقيني هنا. كان هناك بعض رفقائنا يطلبون الموت من الله، واقعًا إذا كان الأمر هكذا، واقعًا كانوا يطلبون من الله أنّه إن كان هناك أمر بسيط يريد أن يمنعهم عن الله فكانوا يطلبون من الله الموت، لماذا؟ هذا الموت سيأتي اليوم أو غدًا وجميعنا نرى جميعنا نشاهد في النهاية، لا يعرف صغيرًا ولا كبيرًا، لا يعرف شابًّا ولا شيخًا نعم! فهذا هو الموت في النهاية، وهناك في الجانب الآخر ماذا يحدث؟ أسأل الله تعالى أن يأخذ بأيدينا جميعًا. 

  • أهميّة عشرة ذي الحجة وكيف نستفيد منها؟

العزّة الإلهية وسبيل تحصيلها

20
  • أيّام عشرة ذي الحجّة أيّام مهمّة جدّة، فقد عبّر عنها في القرآن بأيّام الله، وهي تكملة أربعين النبيّ موسى حيث يقول: وواعدنا موسى ثلاثين ليلة وأتممناها بعشر فتمّ ميقات ربّه أربعين ليلة...۱ لقد قرّرنا لموسى ثلاثين يومًا للّقاء ثمّ أضفنا عليها عشرًا. فعشرة ذي الحجّة هذه هي تلك العشرة التي استكمل بها الله أربعين النبيّ موسى، وهذا أمر مهمّ جدًّا. كانوا يصومون هذه التسعة كلّها لأنّ اليوم العاشر هو يوم عيد الأضحى والصوم فيه ممنوع. كان المرحوم العلاّمة يهتمّ كثيرًا بالصيام في هذه الأيام المعدودة، ويأمر الرفقاء بقراءة الأذكار التوحيديّة للنبيّ موسى والتي نقلها أمير المؤمنين عليه السلام، حتّى إنّ الأفضل قراءتها في اليوم عشر مرّات: لا إله إلا الله عدد الليالي والدهور، لا إله إلا الله عدد أمواج البحور إلى آخرها. وهكذا أن يهتمّوا بالمراقبة في هذه الأيّام، ولا يقصّر الرفقاء بقراءة الأدعية الواردة في هذه الأيّام وهكذا صوم يوم عرفة ودعاء سيّد الشهداء عليه السلام في يوم عرفة لا يتركنّه أحد. وخصوصًا زيارة سيّد الشهداء عليه السلام في ليلة عرفة ويومها ويوم عيد الأضحى وليصلّ الرفقاء صلاة العيد، طبعًا لا تقام هنا صلاة ولكن كلّ واحد يصلّي في منزله أو في المسجد حتمًا حتّى نستفيض جميعًا من بركات أيّام الله هذه التي هي موضع عناية الله الخاصّة بأوليائه ومحبّيه إن شاء الله. 

  • اللهمّ صلّ على محمّد وآل محمّد

    1. سورة الأعراف، الآية ۱٤٢.